في الواجهةمقالات قانونية

المساعدة القضائية والقانونية بين منطوق النص القانوني ومدى فعاليتها في المحاكم المغربية

 

المساعدة القضائية والقانونية بين منطوق النص القانوني ومدى فعاليتها في المحاكم المغربية

 

 

من إنجاز الطالب  الباحث في العلوم القانونية

 

زكرياء العظمي                                         Zakariae EL Admi

تقــــــديم:

     ارتبط مفهوم العدالة في التاريخ الحديث بالتقاضي أمام المحاكم التي أنشأتها الدول لتكون فيصلا في النزاعات الحقوقية ،وحكما عدلا في ايقاع العقوبات على مرتكبي الجرائم بهدف ضمان الحقوق وفرض سيادة القانون كنتيجة نهائية، إلا أن الممارسات العملية مع مرور السنوات أظهرت عجز الفئات غير المقتدرة ماديا عن الوصول للنظام القضائي والاستعانة بمحام يمثلها لضمان المحاكمة العدالة مما أدى إلى ظهور  ما يعرف بالمساعدة القضائية والقانونية إحدى أهم حلقات التمكين القانوني .

     وقد ظهر نظام المساعدة القضائية لأول مرة في فرنسا بمقتضى مرسوم 16/22 غشت 1790 ، تم بعد ذلك صدر أول قانون متكامل للمساعدة القضائية بتاريخ 22 يناير 1851 الذي بموجبه تتكفل الدولة بتقديم الرعاية للمواطنين الذين لا قدرة لهم على أداء رسوم أو أتعاب المحامي وذلك بتحقيق مبدأ المساواة القانونية[1] . أما في المغرب فقد أثبت فعاليته كذلك للحفاظ على الحقوق من الانتهاك بعد اصدار المرسوم الملكي المتعلق بالمساعدة القضائية بتاريخ فاتح نونبر 1966.

     إن أساس المساعدة هو اتاحة فرصة لمن ليس له إمكانية مادية لممارسة حقوقه أمام القضاء لاستفادة من مجانية الدفاع و الإعفاء إقرارا لمبدأ المساواة  القانونية التي نصت عليها المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ولهذا الغرض تم إحداثها .

     فالمساعدة التي يستفيد منها المتقاضي تدخل في إطار الرسالة الإنسانية النبيلة ،حيث أنه في السنوات الأخيرة بدأت مبادرة المجتمع المنفتح للعدالة وهي إحدى البرامج التي تمكن المواطنين من السعي الى التعزيز والدعم والتمكين القانوني للمجتمعات المحلية الفقيرة والمستضعفة [2].

     إلا أن فعالية المساعدة داخل المحاكم تواجهها صعوبات نظرا لمجموعة من العوامل و الإكراهات التي تعترض المتقاضين هذا ما يجعلنا نحدد كل من ماهية المساعدة القضائية وأنوعها وأثرها (المطلب الأول )، اضافة إلى الفرق الذي يميزها عن  المساعدة القانونية ومجالات تدخلها (المطلب الثاني )، و أخيرا مدى فعالية كل من المساعدتين داخل المحاكم المغربية (المطلب الثالث ).

 

 

المطلب الأول: ماهية المساعدة القضائية وأنوعها:    

 

الفقرة أولى: مفهوم  المساعدة القضائية :

    إقرارا من المشرع المغربي وبعد وعيه بثقل المصاريف القضائية على المتقاضين احدث المشرع مرسوم ملكي متعلق بالمساعدة القضائية في نونبر 1/11/1966 ،هو مبدأ دستوري تم التأكيد عليه 2011 بمقتضى الفصل 121 منه ،الذي جاء فيه بأن يكون التقاضي مجانيا في الحالات المنصوص عليها قانونا لمن لا يتوفر على الموارد المالية الكافية للتقاضي .

    وكما نص عليه مشروع التنظيم القضائي الجديد الذي لم تنتهي كل تفاصيله في المادة السادسة منه ”طبقا لأحكام الفصل 121 من الدستور، يكون التقاضي مجانيا في الحالات المنصوص عليها قانونا لمن لا يتوفر على الموارد الكافية للتقاضي.

وتتم الاستفادة من المساعدة القضائية والمساعدة القانونية طبقا للشروط التي يحددها القانون ”

    على هذا الأساس يمكن تحديد مفهوم المساعدة القضائية ،إذ يعرفها الدكتور ادريس العبدلاوي[3] ” بأنها تدبير أقره المشرع لمصلحة المتداعيين الذين لا تمكنهم حالتهم المادية من دفع نفقات الدعوى ،فيستطيعون بموجبه رفع هذه الدعوى والسير بها وإتمام جميع اجراءات التحقيق فيها ، حتى صدور الحكم وتبليغه والطعن فيه عند الاقتضاء بالطرق القانونية وإجراء تنفيذه ،وتسخير محام يساعدهم في خصومتهم مجانا … “

   ويقصد بها كذلك اعفاء المتقاضي مدعي  كان أو مدعى عليه أو متدخلا في الدعوى من أداء رسوم ، وكذا تعيين محام ينوب عن المعني بالأمر [4]  وكذا الرسوم القضائية والمصاريف بعد التأكد وإثبات عسر الفئة التي لا تتوفر على الموارد الكافية للتقاضي .

   بالتالي يتبين على أن جل  المفاهيم تصب في منحى واحد ،كما أن المساعدة القضائية التي يستفيد منها المتقاضي تدخل في اطار الرسالة الانسانية النبيلة ، وهناك العديد من الحالات التي أعفى فيها المشرع المغربي من أداء الرسوم القضائية بشكل نهائي[5] لعل أهمها.

   –   التقاضي أمام أقسام قضاء القرب المادة 6[6]  ،

   –   طلب الالغاء بسبب تجاوز السلطة ،

   –  دفع بعدم الاختصاص أمام المحكمة الابتدائية والإدارية ،

   –  مجانية استئناف كافة أحكام المحاكم الادارية 80.03 ،

   عموما فإنه بالرجوع للقانون المغربي لاسيما المرسوم الملكي المتعلق بالمساعدة القضائية نجده يؤكد على منح المساعدة لمعدومي الدخل[7] ذلك بمقتضى المادة الأولى التي جاء فيها:  ” يمكن منح المساعدة القضائية لدى جميع محاكم المملكة وكيفما كان الحال إلى الأشخاص والمؤسسات العمومية أو ذات المصلحة العمومية والجمعيات الخصوصية القائمة بعمل اسعافي والمتمتعة بالشخصية المدنية والجنسية المغربية التي نظرا لعدم كفاية مواردها تكون غير قادرة على ممارسة حقوقها أو الدفاع عنها أمام القضاء ، وذلك علاوة على الحالة التي يستفيد منها الأجانب من هذه المساعدة عملا بالمعاهدات .

  وتطبق هذه المساعدة على كل نزاع وعلى المطالبات بالحق المدني أمام محاكم التحقيق وإصدار الأحكام ، كما تطبق خارج كل نزاع أعمال القضاء الإداري والأعمال التحفظية …….”

 من النص يتبين على أن من يستفيد من المساعدة هم على سبيل الحصر:

  – الأشخاص الطبيعيين،

  – المؤسسات العمومية أو ذات المصلحة العمومية،

  – الجمعيات الخصوصية القائمة بالعمل الإسعافي، والمتمتعة بالشخصية المدنية،

  – الأجانب شريطة وجود معاهدة تسمح بمنح المساعدة القضائية لهؤلاء.

 

الفقرة الثانية : أنواع المساعدة القضائية  :

 

 تتم الاستفادة من المساعدة القضائية مبدئيا [8] على نوعين ،فهي إما بناء على طلب  أو بحكم القانون .

 

أولا : المساعدة القضائية بناء على طلب:

 

     تقتصر على طرف وحده سواء أكان مدعيا أو مدعى عليه مستأنفا أو مستأنفا عليه، طالبا للنقض أو مطلوب للنقض.

   لهذا فإنه على الراغب في الحصول على المساعدة تقديم طلب  كتابي معفي من الرسوم بالنسبة لجميع المحاكم ، الى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية أو وكيل العام  الملك بمحكمة الاستئناف و النقض  ورئيس المحكمة الادارية  ،حيث يجتمع أعضاء المكتب لهذه الغاية ويتكون من أعضاء حددهم المرسوم الملكي ،ويكون الطلب الكتابي مرفوق بالوثائق التالية .

– نسخة من بطاقة التعريف ،

– شهادة تثبت حالة الاحتياج ،

– شهادة تثبت عدم التسجيل في جدول الضرائب ،

– نسخة من مقال افتتاحي ،

   أما إذا تعلق الأمر بالأشخاص المعنوية الخاصة والتي تم الاشارة لها، فيشترط أن يكون غرضها اسعافيا مع إثبات عدم كفاية مواردها المالية [9] .

   بالتالي فالمساعدة القضائية بناء على طلب فتتقرر لطالبها في حدود الدعوى المقدمة بشأنها، وتنتهي بمجرد صدور الحكم عن المحكمة التي قدم الطلب أمام وكيل الملك لديها ، بمعنى أنها تنتهي بانتهاء المرحلة التي تمت فيها . وإن رغب المعني في الاستفادة منها في المرحلة القضائية اللاحقة  ،فما عليه إلا أن يتقدم بطلب جديد إلى ممثل النيابة العامة[10] .

 

ثانيا : المساعدة القضائية بحكم القانون :

 

    تتم الاستفادة من هذه المساعدة الأطراف المحددة بموجب القانون ويتعلق الأمر ،بالمطلقة في دعوى النفقة  والأجراء مدعين كانوا أو مدعى عليهم ، والدعوى أمام قضاء القرب ، وطلبات الغاء القرارات الإدارية ، كما أنها تمتد الاستفادة في المساعدة القضائية إلى ذوي حقوق الطرف أيضا.

    وبالتالي فالمساعدة بحكم القانون تتميز بنوع من التوسع من حيث النطاق إذ لا تقتصر فقط على النتائج المباشرة للدعوى وإنما تتجاوز ذلك بكثير خاصة من حيث النطاق الزمني . و  تتقرر لصاحبها ابتدائيا و استئنافيا فتستمر إلى حين مرحلة البث على مستوى الدرجة الأولى . وبعد ذلك لا يستفيد منها أمام محكمة النقض إلا بتقديم طلب وإلا وجب عليه أداء كل الصائر والرسوم والمصاريف التي تتطلبها مرحلة التقاضي أمام محكمة النقض.

 نستشف من هذين النوعين أنه من أجل استفادة هؤلاء الأشخاص من المساعدة القضائية لابد من شروط :

  – تقديم الطلب .

  – إثبات حالة العسر ، ومن تم فإن رئيس مكتب المساعدة القضائية [11] ، لا يفتح ملف طالب المساعدة القضائية إلا اذا كان هذا الأخير يتوفر على شهادتين العوز وعدم أداء الضريبة التي تعتبر بمثابة قرينة على عسره .

 

الفقرة الثالثة : آثار المساعدة القضائية.

 

     تترتب على المساعدة القضائية أثارا لا تخلو من أهمية سواء بالنسبة للمستفيد من المساعدة القضائية أو بالنسبة لسريان الأجل.

 

 أولا: المستفيد من المساعدة.

    حسب الفصل 10 من المرسوم الملكي 1966 لاسيما الفقرة الأخيرة “… ولا يسوغ للمستفيد من المساعدة القضائية الذي يرفع استئنافا أصليا أو طلبا للنقض أن ينتفع من أجل طرق الطعن المذكورة بالمساعدة القضائية الجديد إلا إذا منحت إياه بمقرر جديد.”

    يتضح أن المستفيد من المساعدة القضائية لا يمكن أن يمارس الطعن ضد حكم صادر في نزاع ، إلا بعد سلوك مسطرة جديدة وإلا اذا حصل من جديد على قرار يمنحه المساعدة وفق الفصل 10 ، وحسب هذا الأخير يتبن بأنه لم يتناول( طعن بالتعرض و اعادة النظر) إنما اقتصر على ذكر الاستئناف والنقض ، وعليه بإمكانه الاستفادة في هذه الحالة دون أن يكون ملزما بسلوك مسطرة جديدة للحصول على مساعدة مادام المنع لا يكون إلا بنص صريح.

    كذلك من الاثار التي تواجه المستفيد من المساعدة القضائية أن هذه الأخيرة لا تمنح إلا مؤقتا ، حيث يمكن سحبها في أي مرحلة من مراحل الدعوى انتهت بصدور حكم أم لا ، وذلك فيما إذا أثبت أن حالة العسر قد زالت نتيجة توفر المستفيد على موارد أو استفادته من مبالغ مالية نتيجة تنفيذ حكم لفائدته ، كما يمكن أن تسحب إذا تم التشطيب على الدعوى أو تمت المصالحة بين الخصوم أو لوحظ تماطل من طرف المستفيد يبدو منه أنه لا يرغب في متابعة الدعوى( الفقرة الثالثة من فصل 13 من المرسوم ).

   تجوز المطالبة بالسحب إما من طرف النيابة العامة ، أو ممثل وزير المالية أو تلقائيا من المكتب ، ويكون في كل الحالات مدعما بأسباب الفصل 15 من المرسوم . ويترتب عن السحب مطالبة المستفيد من أداء الأتعاب والأجور  ومختلف التسبيقات التي اعفي منها.

 

  ثانيا: بالنسبة للأجل.

 

 

    تتعلق أثار المساعدة القضائية كذلك بالأجل، فإذا كان الطلب لا يوقف الأجل أمام المحاكم  الابتدائية والاستئناف  لكونه ليس طلبا قضائيا  ، فإنه امام محكمة النقض  يوقف الأجل ، ولا يبدأ هذا السريان إلا من يوم التبليغ بقرار منح أو رفض المساعدة القضائية للمعني بالأمر طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 6 من المرسوم ” … يوقف لأجل بشأن محكمة النقض ابتدءا من ايداع طلب  المساعدة القضائية بالنيابة أو النيابة العامة للمحكمة …”،  لذلك يتعين على المعني تقديم طلبه إلى وكيل العام للملك حتى يستفيد من وقف الأجل.

 

المطلب الثاني: ماهية المساعدة القانونية ومجالات تدخلها .

 

الفقرة الأولى مفهوم المساعدة القانونية:

 

    “الحق يقال على أن هذا النظام كان معروفا في الأنظمة الغربية حيث عمل المشرع المغربي على إحداثه وسماه بقانون الولوج إلى القانون والعدالة الصادر بتاريخ 10 يوليوز 1991 والذي تم تعديله هو الأخر بقانون 18 دجنبر 1998 بمقتضى قانون 98.1163  المتعلق بالولوج إلى  القانون وإلى التسوية السليمة للمنازعات”[12] .

    وقد أشار مشروع القانون 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي أول مرة للمساعدة القانونية في المادة السادسة منه التي جاء فيها أنه “طبقا لأحكام الفصل 21 من الدستور ، يكون التقاضي مجانيا في الحالات المنصوص عليها قانونا لمن لا يتوفر على الموارد الكافية للتقاضي .

تتم الاستفادة من المساعدة القضائية والقانونية طبق للشروط التي يحددها القانون “،

    بالتالي فهي عمل يقوم على المشورة والمساعدة والتمثيل القانوني للأشخاص الذين لا يملكون الوسائل الكافية للتقاضي أمام المحاكم، نظرا لعامل الأمية أو غير ذلك، هذه المساعدة كجزء من برامج تحقيق الوصول للعدالة ضمن مجموعة من الشروط التي تحدد فاعلية تقديم الخدمة وتحقيق عدالة نزيهة قابلة للإنقاذ والتطبيق .

    كما أنها وسيلة للاستفادة من الإرشاد والتوعية بمختلف الوسائل الممكنة لتسهيل الولوج إلى العدالة ، كما أنها نظام تسعى الدولة المغربية إلى إحداثه ، والغرض الأساسي منه هو تمكين جميع المواطنات والمواطنين من تحقيق المبتغى في أسرع وقت وبأقل تكلفة بل وفي أحسن ظروف وعادة ما يتم تقديمها للفئات غير الملمة بالمسائل القانونية، ويعد ميثاق اصلاح منظومة العدالة والذي دعى سنة 2013 وبالضبط الهدف الرئيسي الرابع “ارتقاء بفعالية و نجاعة القضاء [13]” إلى ضرورة احداث مساعدة قانونية وذلك في التوصية رقم 131 وكذا تسهيل الولوج إلى المحاكم من خلال نظام المساعدة القانونية المجانية .

   وتجدر الإشارة إلى أنه هناك اختلاف بين كل من المساعدة القانونية والقضائية نشير إلى بعضها باختصار :

– تهدف المساعدة القانونية إلى رفع الوعي القانوني لدى عموم المواطنين وذلك بتقديم استشارات قانونية  بطريقة غير مباشرة تكريسا لحقوقهم وإظهارا لالتزاماتهم فهي عبارة عن نصح و ارشاد و توجيه  .

– أما المساعدة القضائية فهي نظام استحدث بمقتضى المرسوم الملكي الصادر في نونبر 1996 المعتبر بمثابة نظام  المساعدة القضائية ، ومن خلاله ، يتم إعفاء المتقاضين المعوزين الذين يثبت عسرهم عن أداء المصاريف القضائية أو أتعاب الدفاع .

    ويمكن ادراج المساعدة القانونية ضمن الحق في الحصول على المعلومة الذي نص عليه الدستور المغربي لسنة 2011 كحق لجميع المواطنات والمواطنين بمقتضى الفصل 27 من الدستور ” للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات ……”[14] هذا الحق الذي صدر على إثره قانون 31.03 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة[15] مع مراعاة بعض الاستثناءات  ، الذي يعد من بين أهم المساعدات القانونية من أجل تحسين ظروف  استقبال المواطنات والمواطنين بالمحاكم وتعميم المعلومة القانونية والقضائية ،التي يمكن سلوكها للمحافظة عليها، حيث تعد  هذه الحقوق من أهم الطرق لممارسة حق التقاضي .

    يعمل كذلك مشروع 38.15 الذي لم تنتهي كل تفاصيله على تجسيد المساعدة القانونية من خلال إحداث مكتب للمساعدة الاجتماعية في كل محكمة من المحاكم بالمملكة ومن أجل تمكين عموم المتقاضين من تعرف ولو بصورة نمطية عن حقوقهم وواجباتهم المرتبطة بالإجراءات الإدارية والقضائية وهذا ما نأمل أن يحققه كل من قانون الحق في الحصول على المعلومات[16]  31.03 ، وكذا مشروع 38.15 من خلال احداث مكاتب واستجابة المحكمة الدستورية له  اللذان يعدان من مظاهر المساعدة القانونية . هذه المساعدة التي تهدف الى رفع الوعي لدى المواطنين تكريسا لحقوقهم و اظهارا لالتزاماتهم.

 

الفقرة الثانية:  مجالات تدخل المساعدة القانونية .

 

     لعل بداية نشوء المساعدة القانونية كان لحماية الأشخاص الذين لا يملكون الكفاية والقدرة لمتابعة وتحصيل حقوقهم وهذا نابع ،من فكرة أن تكون العدالة في متناول الجميع ،فمن بينهم الفئات الأكثر عرضة الإنهاك وأصحاب الاحتياجات الخاصة ،وفئة الأطفال والأرامل واللاجئين وضحايا الاتجار بالبشر.[17]

   وعلى هذا الأساس  تتعدد مجالات المساعدة القانونية وهي مستمرة في التطور والتحديث طالما أن التصرفات البشرية متطورة ومتجددة    فعلى مستوى قضاء الأسرة وكذا التكفل بالنساء ، والأطفال وضحايا العنف وقد انطلق هذا المسار بمختلف المحاكم من أجل البحث عن أنجع السبل التنسيق فقد أصدرت وزارة العدل دليلا للتكفل القضائي بالنساء والأطفال سنة [18]2010 رغم قدمه إلا أنه كانت له فعالية في المستقبل مثل اصدار قانون 103.13 المتعلق بممارسة العنف ضد النساء ، كما أن التكفل يطال الاطفال في مختلف الوضعيات ، وتوسيع استفادة النساء المعوزات والفئات الهشة هذه التي غالبا ما تحتاج للحصول على المساعدة القانونية والتي تدعو كافة النظم لها وتتجلى هذه المساعدة في العدالة الصديقة للطفل الحدث.

   وسعيا نحو توفير خبراء نفسين مختصين في علم نفس الطفل لدى المحاكم وتنمية العمل بشراكات مع كل من المجتمع المدني والجمعيات ، قد أكد وزير العدل بن عبد القادر على أن الوزارة اتخذت إجراءات العملية لتفعيل نظام المساعدة كذلك لفائدة المهاجرين لضمان تمتعهم بقواعد المحاكمة العادلة تشمل حماية ضحايا الجريمة والمؤازرة بمحام وترجمان[19].   إذا كانت هذه المبادرة تسير في الاتجاه الصحيح ،نحو تحسين ظروف الاستقبال ومساعدة المتقاضين ،وتسهيل الولوج للخدمات القضائية ، فإنه ينبغي التفكير في وضع تصور واضح لطبيعة عمل هذه المؤسسة ومجالات تدخلها، ومساعدة المتقاضين وسائر المرتفقين ، قانونيا ومسطريا .

 

 

 

المطلب الثالث: مدى فعالية المساعدة القضائية والقانونية في المحاكم المغربية .    

 

    نؤكد في هذا الشق أنا المساعدة القضائية في المغرب مؤسسة نظمت بمقتضى المرسوم الملكي المعتبر بمثابة قانون صادر سنة 1966 ، وإذا كان هذا الأخير أي النص القانوني المنظم للمساعدة يعود إلى فترة الستينيات من القرن المنصرم ،فإن عملية الاستفادة منه بشكل كبير لا تتحقق للعديد من  مرتفقي العدالة في العقد الثاني من القرن 21 مع العلم أن المساعدة تمنح لفائدة فئة معينة تعيقها صعوبات من أجل تحقيق المطلب الأسمى الذي يتمثل في الأمن القضائي الذي بموجبه يتم حماية الحقوق [20].   

     يتضح على أن المشرع المغربي استلزم مجموعة من الشروط والإجراءات المعقدة في أحيان كثيرة للاستفادة من المساعدة ، ذلك وأن مكتب المساعدة القضائية لا يمكن له فتح ملف طالب المساعدة الا اذا كان يتوفر على شهادتي العوز وعدم أداء الضريبة مع إجراء بحث بواسطة السلطة المحلية أو الشرطة القضائية [21]

    رغم ذلك فإنه تبين على أن  المساعدة القضائية تحظى باهتمام كبير من قبل الوزارة تفعيلا لحق المواطنين في الولوج إلى العدالة وضمان أداء مستحقات المحامين المعينين[22] ، وعلى هذا الأساس يمكن التطرق لبعض الاحصاءات السنوية لإثبات مدى استجابة مرسوم المساعدة للمواطنين ، حيث يتبين على أن المساعدة القضائية بمحكمة النقض يميل إلى قبول طلبات المساعدة استنادا إلى العسر وجدية الطلب. 

    يتبين على أن عدد الملفات التي تم البث فيها بقبول الطلب يفوق بكثير تلك التي تم البث فيها برفض الطلب ،  في هذا السياق فإن عدد الطلبات المساعدة القضائية المسجلة[23] ، بلغ خلال 2013 ما يناهز 137 طلب  ، وفي سنة 2014  تراجع حيث وصل الى  106 طلب  ، وفي سنة  2015 ناهز العدد 152 طلب  ، أما في سنة 2017 ارتفع العدد ليصل الى 283 طلب، أما بخصوص مآل الطلبات فإن مكتب المساعدة أصدر خلال 2018 ما مجموع 79 قرار بقبول طلب المساعدة، منها 67 قرار بتعين ومؤازرة المحامي والإعفاء من الرسوم في حالة إثبات العسر وعدم المماطلة. إلا أنه تقرر رفض مجموع من الطلبات إما من خلال التشطيب عليها أو إحالتها على الاختصاص  حيث أنه في سنة 2016 تضمن المعدل 28 طلب ، وخلال  سنة 2017  تضاعف العدد ليصبح 48 طلب ، أما  سنة 2018 استقر العدد في  44 طلب ، حيث أكد الوزير على أن عدد المستفيدين شهد ارتفاعا في السنوات المنصرمة وأشار الوزير كذلك إلى أن قيمة المبالغ المنفذة في إطار هذا النظام وصلت 17 مليار درهم سنة 2018   بصفة كلية .

 ورغم فعالية هذا المرسوم إلا أنه يثير صعوبات تتمثل في كل من تعقد الإجراءات، وتعدد الوثائق التي قد تكلف مصاريف اضافية للمتقاضين، عدم شمول مقتضيات المساعدة لبعض مراحل الدعوى، هيمنة جهاز النيابة العامة على مكاتب المساعدة القضائية، ولتجاوز هذه الاختلالات يمكن:

– مراجعة القانون المنظم للمساعدة القضائية بشكل يجعله متلائم مع روح الدستور والمواثيق الدولية .

– اعتماد بطاقة الرميد كأحد معايير الاستفادة من المساعدة القضائية .

– احداث مؤسسة عمومية تتكون ادارتها من هيئات حقوقية وكذا الفاعلين في المجتمع المدني والأطر المهنية تحت رعاية رئيس الحكومة[24] .

 

خــــــاتـــمة:

    لطالما شكل موضوع المساعدة القضائية جدلا واسعا نظرا لطبيعة الأطر المؤسسية ، ولطبيعة الأدوار التنظيمية من المسؤوليات والاختصاصات ، وتجب الإشارة إلى أن العمل بالمساعدة المحدثة بالمرسوم يحتاج إلى تضافر جهود فردية ومؤسسية على حد سواء في إطار قانوني وبشراكة بين الأطر المهنية ذات العلاقة والجمعيات والفاعل الأساسي ألا وهو المحامي  ومؤسسات المجتمع المدني ، ووزارة العدل ، وكذا المجلس الأعلى للسلطة القضائية ، ومراكز التأهيل ورعاية الأطفال ، تحت سلطة المشرع لاتخاذ كافة التدابير التشريعية لضمان التنفيذ والتطبيق الفعال للمساعدة القضائية والقانونية ، غير أن هذه الأخيرة أكثر سعة لأن المساعدة القضائية تقف عند اجراءات التقاضي بينما المساعدة القانونية تتصل بكافة  الحقوق  التي يمنحها الدستور والقانون للمواطن الذي يحتاج إلى فهم  حقوقه السياسية ، وكيفية ممارسة حقوقه الاقتصادية والاجتماعية ، وغيرها .

   فكل هذه الحقوق تمارس خارج نطاق العمل القضائي، إلا إذا حصل اعتداء أو خرق لها فإن القضاء يتدخل بناء على طلب من المتضرر لحماية الحق. كل هذا من أجل تعميم الأمن والاستقرار للرفع من كفاءة العمل القانوني والحقوقي.

 

 

 

[1]  النقيب المكاوي بنعيسى المساعدة القضائية بين مجانية الدفاع  وأداء الأتعاب في القانون المغربي ص 5.

[2]  مقدمو المساعدة القانونية المجتمعين دليل الممارسين المساعدة القانونية  ص 5.

[3] ادريس العبدلاوي “الوسيط في شرح المسطرة المدنية ” القانون القضائي الخاص ص 283.

 محمد القادوري المساعدة القضائية مجلة رسالة المحاماة العدد 2 ص .[4]

[5]  محمد بالهاشمي تسولي الاعفاء من اداء الرسوم القضائية ومجانية الدفاع في التشريع المغربي ص 7.

[6]  قضاء القرب هو قضاء مجاني معفى من الرسوم بشكل عام وفف ما نصت عليه المادة 6 من قانون 42.10 ،تكون المسطرة قضاء  القرب مجانية ومعفاة من جميع الرسوم القضائية .

[7]   عبد الرحمان الشرقاوي التنظيم القضائي بين العدالة المؤسساتية والعدالة المكملة أو البديلة ص 27.

[8]   عبد القادر قرموش  قراءة في ضوء التعديلات  القانونية الجديدة ومشروع قانون التنظيم القضائي  الجديد 38.15   ص 37.

[9]  يشترط في الشخص المعنوي أن يكون مؤسسة عمومية ذات مصلحة عمومية أن يكون متمتع بالشخصية المعنوية غير قادر على ممارسة حقوقه

[10]  عبد الكريم الطالب التنظيم القضائي دراسة عملية ص 40

[11]  يتكون مكتب المساعدة القضائية وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية ،نائبه ممثل لوزارة المالية  محام تعينه المحكمة ، لدى محكمة الاستئناف وكيل عام للملك و نائبه وباقي أعضاء المكتب مثل المحكمة الابتدائية آما لدى محكمة النقض وكيل عام للملك ثلاث مستشارين ممثل لدى  وزارة المالية  وقد اسند المشرع رئاسة المكاتب قضاة النيابة العامة ، ويقوم بمهام كاتب المكتب موظف لدى كتابة الضبط أو من النيابة العامة.

[12]  عبد الرحمان الشرقاوي مرجع سابق  ص 26.

[13]  ميثاق اصلاح منظومة العدالة  الهدف الرئيسي الرابع الارتقاء بفعالية ونجاعة القضاء ص 77.

[14]  الدستور المغربي ” الباب الثاني الحريات والحقوق الأساسية “ص 21.

[15]  قانون 31.03 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة جريدة الرسمية 6655 بتاريخ 12 مارس 2018.

[16]  عبد الرحيم أمين عدالة القرب بالمغرب محاولة وضع مقومات وتقيم  الحصيلة أطروحة دكتوراه ص 79.

[17]  صدام أبو عزام  المساعدة القانونية ،نظرة حول التنظيم والمأسسة ص 18.

[18]  من بين الاهداف التي جاء بها الدليل :

– توفير اليات لتأطير الممارسة العلمية

– توحيد اليات تكفل على كافة المحاكم

– تثبيت الإجراءات وتعميمها

– توخي السرعة والفعالية والنجاعة  في تطبيق القانون بغية التكفل بالنساء والأطفال .

[19]  ندوة دولية “الهجرة في ضل التحولات كونية وتأثيرها على المرجعيات القانونية.

[20]  يونس العياشي الأمن القانوني والقضائي وأثرها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ص 6.

[21]   الحق في اللولوج إلى العدالة ومعايير المحاكمة العادلة ص 119.

[22]   كلمة الوزير السابق أوجار يوم الاثنين  بالرباط  حول الاستفادة من المساعدة القضائية 2019/02/04.

[23]   عدد الطلبات المساعدة القضائية بالنيابة العامة لمحكمة النقض خلال سنوات 2013 -2018.

[24]   مقترح الجمعية الفدرالية للشباب ص 48.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى