من انجاز: مبارك الهرد
طالب باحث في العلوم القانونية بكلية الحقوق جامعة ابن زهر اكادير
ضمانات حقوق الإنسان في ظل حالة الطوارئ
المقدمة :
قد تواجه الدولة في بعض الأحيان ظروفا تهدد الأمن والاستقرار والنظام العام مما قد يؤدي إلى تهديد إستمرارها، فقد تكون أسباب هذه المخاطر داخلية وقد تكون خارجية، ومن هذه الأسباب نجد الحروب و الكوارث الطبيعية والأوبئة الخطيرة السريعة الإنتشار التي تهدد الحياة البشرية، فالدولة لا تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الظروف الخطيرة، بل سرعان ما تبادر إلى إعلان حالة الطوارئ من أجل حماية المواطنين والمواطنات من المخاطر الناجمة عن هذه الأسباب غير العادية التي أدت إلى إعلان حالة الطوارئ، وفي نفس الوقت حماية نفسها لضمان إستقرارها وإستمرارها.
فحالة الطوارئ كما هو معروف أنها يتم فيها تعطيل القوانين العادية تعطيلا مؤقتا إلى حين زوال الأسباب التي أدت إلى إعلانها، ويتم بعدها مباشرة إعمال قوانين إستثنائية مما يؤدي إلى فرض الدولة لقيود على بعض الحقوق والحريات الأساسية بالقدر الذي يحتاجه الوضع للتخلص من المخاطر وعودة الأمور إلى نصابها، كما تستمد مشروعيتها من القانون الدولي والدساتير الوطنية، فالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان فرضت بعض القيود الشكلية والموضوعية على إعلان حالة الطوائ لتفادي مساس الإجراءات التي تتخذها سلطات الطوارئ بحقوق الإنسان، لكن رغم ذلك فكثيرا ما تنتهك حقوق الإنسان في مثل هذه الظروف الإستثنائية دون التقيد بالقانون الدولي الا حتى التشريعات الوطنية مما يجعل الإنسان يحس بكرامته وحقوقه تنتهك لذلك تثير مشكلة حماية حقوق الإنسان وضمانات احترامها أهميتها في حالة الطوارئ.
إن الموضوع قيد المعالجة يسلط الضوء بشكل متفاوت على العديد من الجوانب التي يمكن تصنيفها إلى اجتماعية، واقتصادية، وسياسية، وقانونية، وغيرها من الجوانب، إذ أن هذا المقال باعتباره مقالا علميا لا يمكن أن تتجلى أهميته إلا في التعريف بحالة الطوارئ، إلى جانب استنباط أهم الحقوق التي تنتهك بشكل جسيم في هذه الحالة، علاوة على الحديث عن ضماناتها في الدساتير – الدستور المغربي نموذجا-. بل تتجلى أهميته كذلك في كونه يتجاوز هذا الحد إلى التنبيه بوجود نواقص ووجوب خلق ترسانة جديدة، وقد تطرق المقال في ختامه إلى العديد من التوصيات وهذا ما من شأنه أن يجعل من هذه الدراسة محط اهتمام أو دعوة إلى مراجعة بعض القوانين، أو العمل على تعديلها أو تغييرها لتساير الوضع الراهن، وكدا خلق مؤسسات رقابية -دولية ووطنية- هدفها السهر على حماية حقوق الإنسان حتى في أصعب الظروف التي تفرضها حالة الاستثناء وهذه أهمية البحث في مجاله.
أهداف الدراسة:
– التعريف بماهية قوانين الطوارئ وبيان مشروعية إعلان حالة الطوارئ على مستوى القانون الدولي والدساتير.
– التعريف بماهية حقوق الإنسان وبيان ما مدى مساهمة الإجراءات التي تتخذ في حالة الطوارئ في المساس بالحقوق والحريات الاساسية للأفراد.
– معرفة ضمانات حقوق الإنسان في الظروف الغير العادية وماهي بعض الحلول المقترحة لتفادي خرق سلطات الطوارئ لحقوق الإنسان.
إشكالية الدراسة:
عندما تعلن حالة الطوارئ تعجز الدولة عن خلق نوع من التوازن بين مجال حماية النظام العام والأمن والإستقرار الداخليين، وكدا حماية الوحدة الترابية، وبين مجال حماية حقوق الإنسان التي كثيرا ما تشهد إنتهاكا واسعا في ظل وجود حالة الطوارئ.
وهذا ما يجعل إشكالية الموضوع تتمحور حول ماهية أثار قوانين الطوارئ على حقوق الإنسان، وضمانات هذه الأخيرة على مستوى القانون الدولي لحقوق الإنسان والدساتير الوطنية وخاصة الدستور المغربي؟
[i]لقد ارتأيت الإجابة على هذه الاشكالية بتقسيم الموضوع إلى مطلبين، نتناول في الأول ماهية قوانين الطوارئ، ونتناول في الثاني ضمانات حقوق الإنسان في حالة الطوارئ بين القانون الدولي لحقوق الإنسان والدساتير ( الدستور المغربي نموذجا ).
المطلب الأول: ماهية قانون الطوارئ
الفقرة الأولى: مفهوم قانون الطوارئ
تعتبر حالة الطوارئ حالة استثنائية يتم إعلانها لمواجهة المخاطر التي تهدد أمن الدولة واستقرارها يتم من خلالها منح سلطة معينة صلاحيات واسعة، بموجبها تمنح الحق بتقييد الحقوق والحريات. [1]
فقد عرفتها بعض الفقه على أنها نظام قانوني يتقرر بمقتضى قوانين دستورية عاجلة لحماية المصالح الوطنية، ولا يلجأ إليها إلا بصفة إستثنائية ومؤقتة لمواجهة الظروف الطارئة التي تقتصر عنها الإدارة الشرعية. 2
أما من الناحية الدستورية فهناك بعض الدساتير التي تطرقت لمفهوم حالة الطوارئ كالدستور الأردني المعدل سنة 1952، الذي عرفها في المادة 124 التي جاء في منطوقها ما يلي “إذا حدث ما يستدعي الدفاع عن الوطن في حالة وقوع
حالة الطوارئ فيصدر قانون باسم قانون الدفاع يعطي بموجبه الصلاحية إلى الشخص الذي يعينه القانون لاتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية بما فيها صلاحية وقف قوانين الدولة العادية لتأمين الدفاع عن الوطن ويكون قانون الدفاع”.
وجدير بالذكر أن هناك من قسم مفهوم حالة الطوارئ إلى قسمين، القسم الأول متعلق بالمفهوم الواقعي، والقسم الثاني متعلق بالمفهوم القانوني.
فمن الناحية الواقعية تعتبر حالة الطوارئ حالة وقوع حادثة أو حوادث تحل بالبلاد أو تحدق بها، ويتعذر مواجهة هذه الحالة أو الخطر بالوسائل القانونية العادية. 3
أما المفهوم القانوني فقد ارتكز في تعريفه لحالة الطوارئ على النظام القانوني الذي يتخذ لمواجهة هذه الحالة الاستثنائية بحيث يرى أنها حالة وجود نظام قانوني يشمل مجموعة من القواعد القانونية التي تضعها السلطة التشريعية في الدولة لمواجهة ما قد يطرأ من حوادث لا يمكن مواجهتها بالقوانين العادية 4
وبالتالي نلاحظ أن التعريفات الواردة متقاربة في كيفية تطرقها إلى مفهوم حالة الطوارئ، رغم أننا نرى في بعض الأحيان اختلاف في التسميات حيث هناك من يسمي حالة الطوارئ “الأحكام العرفية ” رغم أن هناك بعض الفقهاء الذين يزعمون أن حالة الطوارئ تختلف عن الأحكام العرفية ، إلا أن الرأي الراجح يقول العكس.
فمن جهة لا ننكر وجود بعض المفاهيم المشابهة كقانون مكافحة الإرهاب الذي يختلف عن حالة الطوارئ في كون هذه الأخيرة يتم فيها استخدام قانون الطوارئ لمدة محددة عكس الأول، ومن جهة أخرى فقانون الإرهاب جاء أصلا لتناول موضوع واحد ألا وهو مكافحة الإرهاب، أما قانون الطوارئ فهو يتناول مواضيع عديدة متعلقة بالحالة التي يفرضها الوضع الاستثنائي.
الفقرة الثانية : قانون الطوارئ والمواثيق الدولية [3] [4]
بما أن حالة الطوارئ تستدعي وجود قواعد قانونية استثنائية تضعها السلطات المختصة، وهذه القواعد تستمد مشروعيتها من الدساتير، فلابد للمواثيق الدولية كذلك أن تتناول موضوع حالة الطوارئ، وتبين الشروط اللازمة أن تتقيد بها الدول حيال تطبيقها لقانون الطوارئ لتفادي المساس بحقوق الأفراد وحرياتهم.
وفي هذا الصدد نجد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ينص في مادته الرابعة على أنه “في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تهدد حياة الأمة المعلن قيامها رسميا، يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرة المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي، وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون، أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي”. 5
ونلاحظ هنا أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية سلم بمشروعية الأخذ بالتدابير اللازمة لمواجهة حالة الطوارئ، لكن في الحدود التي يرسمها العهد، وذلك لأن هذه القوانين تمس بحقوق الإنسان في حالة استعمالها بشكل تعسفي غير مقيد بشروط.
ونرى نفس الأمر مع الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان التي نصت في المادة 15 على ما يلي ” في حالة الحرب أو الطوارئ العامة الأخرى التي تهدد حياة الأمة ، يجوز لأي طرف سام متعاقد أن يتخذ تدابير تخالف التزاماته الموضحة بالاتفاقية في أضيق الحدود تحتمها مقتضيات الحال، وبشرط ألا تتعارض هذه التدابير مع التزاماته الأخرى في إطار القانون الدولي”. 6
فعند استقرائنا للمادة أعلاه، والمادة الرابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية نلاحظ أنهما تطرقتا إلى نفس الشروط الواجب اتخاذها في حالة الطوارئ ويمكن تقسيم هذه الشروط حسب هاتين المادتين على الشكل التالي:
– استعمال القوانين الاستثنائية في أضيق الحدود؛ لأن المبالغة في استعمالها من شأنه أن يمس بحقوق الأنسان المعلن عنها في المواثيق الدولية.
– عدم تعارض هذه التدابير المتخذة مع التزامات الدول في إطار القانون الدولي.
وبالتالي ليس بوسعنا هنا إلا الجزم بأن كل من الفقه والدساتير والمواثيق الدولية اعترفوا بوجود حالة الطوارئ كحالة استثنائية يستحيل معها الأخذ بالقوانين العادية، مما يتطلب استعمال قوانين استثنائية تصدر من جهة مختصة، هذه القوانين تتلاءم مع حالة الطوارئ وتستمر إلى حين انتهائها.
الفقرة الثالثة: الإطار القانوني لحالة الطوارئ[5]
إن الجهة المخول لها إعلان وإنهاء حالة الطوارئ تختلف من دولة إلى أخرى، ويعزى هذا الاختلاف إلى إختلاف التشريعات والأنظمة السياسية. لذلك فإن البحث عن الجهة المخول لها ما ذكرناه سابقا يستدعي منا مقارنة دساتير الدول من أجل البحث عن أوجه التشابه والاختلاف فيما بينها بخصوص إعلان حالة الطوارئ وإنهائها.
فالدول التي لها نظام رئاسي غالبا ما يتم رجحان كافة السلطة التنفيذية عن السلطات الأخرى، وبالتالي يكون مركز الرئيس قوي بحيث تكون لديه سلطات واسعة ويتمتع بالعديد من الصلاحيات. وسوف نأخذ هنا مثال الولايات المتحدة الأمريكية كخير مثال على الدول ذات النظام الرئاسي. فالرئيس الأمريكي له سلطات واسعة جدا تخول له العديد من الصلاحيات بحيث تكون له سلطة إعلان حالة الطوارئ وإنهائها.
فرغم أننا عندما نعود إلى الدستور الأمريكي نجده يخول سلطة إعلان حالة الطوارئ وإنهائها لرئيس الدولة والكونجريس،7 إلا أنه غالبا ما نلاحظ أن هذه الصلاحية يمارسها الرئيس في أغلب الأحيان لأن الشعب الأمريكي يثق في الرئيس في مثل هذه الحالات الطارئة أكثر من الكونجرس، لأن الظروف الطارئة التي تستوجب إعمال قوانين استثنائية، تستدعي زيادة على ذلك وجود جهة تصدر القرارات بشكل سريع، فحالة الطوارئ تتطلب وجود قرارات آنية مرتبطة بظروف الحال.
ويمكن القول أن هذا ما يجعل النظام الرئاسي يستطيع حل الأزمات في مدة وجيزة لأنه يتم رجحان سلطة الرئيس على باقي السلطات، وعدم إنتظار إصدار القرارات من البرلمان – أو الكونجرس عندما نتحدث عن النظام الأمريكي- التي عادة ما تتطلب مدة زمنية معينة تحول دون حل المشاكل التي تستوجب وجود قرار آني.
أما بخصوص الدول ذات النظام البرلماني فهي تتميز بوجود تكافؤ بين السلطات بحيث لا تطغى الواحدة منها عن الأخرى، ويكون بين هاته السلطات فصل نسبي وليس مطلق. مما يخول لها التعاون ولإنسجام فيما بينها من أجل تحقيق التكامل . فالدول ذات النظام البرلماني قد تكون ملكية بحيث يكون رئيس الدولة فيها هو الملك، وقد تكون برلمانية ويكون رئيس الدولة هو نفسه رئيس الحكومة.[6]
فالدول البرلمانية غالبا ما يرجع فيها إختصاص إعلان حالة الطوارئ وإنهائها إختصاص تشريعي يقوم به البرلمان وتنفذه الحكومة باعتبارها الجهاز التنفيذي، كما هو الحال بالنسبة للدساتير المصرية السابقة التي تعطي صلاحية إعلان حالة الطوارئ وإنهائها للبرلمان 8.
فكما هو معلوم أن القرارات التي تصدر من البرلمان ليست قرارات آنية تناقش وتقرر وتصدر في الحال، بل هي قرارات تمر من مسطرة طويلة الأمد، وبالتالي فالبرلمان قد يتأخر في إصدار القرارات الخاصة بحالة الطوارئ في وقتها المناسب، الأمر الذي يؤدي إلى تزايد الأزمات والكوارث والحالات الأخرى المشابهة التي تستوجب إعلان حالة الطوارئ، لأن هذه الحالات الإستثنائية أحيانا تفرض إصدار قرارات إستعجالية تفرضها الظروف الآنية.
هذا الأمر هو الذي دفع التشريعات إلى إعادة النظر في الترسانة القانونية من أجل البحث عن الجهة القادرة على التحكم في وضعية الطوارئ والقادرة على إصدار قرارات سريعة تتلاءم مع ظروف الحال.
فعندما نعود إلى المغرب مثلا نلاحظ أنه دولة ملكية برلمانية9، وعندما نعود إلى الدستور المغربي لسنة 2011 لا نجد مصطلح “حالة الطوارئ”، بل تم إستبدال هذا المصطلح إلى “حالة الاستثناء” وهذا ما نلاحظه في الفصل 59 من الدستور المغربي الذي جاء في منطوق فقرته الأولى ما يلي ” إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، يمكن للملك أن يُعلن حالة الاستثناء بظهير، بعد استشارة كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة.”
فعند إستقرائنا لهذه الفقرة نجد أن الملك هو الذي لديه صلاحية إعلان حالة الطوارئ بعد إستشارة كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب وكدا رئيس مجلس المستشارين ورئيس المحكمة الدستورية.[7]
لكن من الناحية الواقعية نلاحظ أن الحكومة المغربية هي التي تتحكم في حالة الطوارئ وإعلانها وإنهائها وهذا ما نلاحظه إثر إعلان حالة الطوارئ الصحية التي فرضتها جائحة كورونا كوفيد-19 حيث أن الحكومة هي التي تتحكم في حالة الطوارئ، وهي التي أصدرت مرسوم قانون 10 رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ وإجراءات الإعلان عنها، ومرسوم قانون11 رقم 2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ في سائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد 19.
لكن السؤال المطروح هو: هل فعلا إختصاص إعلان حالة الطوارئ وإنهائها إختصاص أصيل للسلطة التنفيذية بالمغرب؟ أم أنه إختصاص برلماني؟ خصوصا أن إعلان حالة الطوارئ جاء في الفترة الفاصلة بين الدورات البرلمانية، الأمر الذي يمنح للحكومة حق إصدار مراسيم قوانين طبقا لما جاء في الفصل 81 من الدستور المغربي.
المطلب الثاني: ضمانات حقوق الإنسان في حالة الطوارئ بين القانون الدولي لحقوق الإنسان والدساتير ( الدستور المغربي نموذجا )
رغم أن حالة الطوارئ تفرض التحلل من القوانين العادية من خلال إلغائها والإعمال بالقوانين الإستثنائية التي هدفها حماية الدولة من مخاطر هذه الحالة، إلا أنه قد تكون هذه القوانين الإستثنائية سببا في إنتهاك حقوق الإنسان، الأمر الذي يجعلنا لا نعرف من الأولى بالحماية، هل الدولة أم الفرد،
ونقول هنا أن الدولة لها الحق في التحلل من القوانين العادية والعمل بالإستثنائية ما دامت هذه الأخيرة هدفها حمايتها، لكن رغم ذلك لا يجب إستعمال هذه القوانين الإستثنائية بشكل تعسفي بحيث نقوم بإنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بإسم حالة الطوارئ.
فإذا عدنا إلى المواثيق الدولية باعتبارها أسمى من الدساتير الوطنية نلاحظ أنها وضعت قيودا على بعض الحقوق التي لا يجب المساس بها بدريعة وجود حالة الطوارئ، بحيث أن هذه المواثيق وضعت ضوابط لحالة الطوارئ، ساعية إلى حماية الإنسان من أي أدى يلحق به.
وعليه سوف نقسم هذا المطلب إلى ثلاث فقرات، نرى في الأولى تعريف حقوق الإنسان، وفي الثانية تأثير قوانين الطوارئ على الحقوق المدنية والسياسية، وفي الثالثة تأثير هذه القوانين على كل من الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية على حد سواء. وسوف نبني هذا المطلب على ضوء القانون الدولي لحقوق الإنسان، وضمانات هذه الحقوق في التشريعات الداخلية، ونخص هنا بالأساس الدستور المغربي كمثال عن الدساتير التي ضمنت مجموعة من الحقوق والحريات العامة.
الفقرة الأولى: تعريف حقوق الإنسان
إن حقوق الإنسان ليست مفهوما جديدا، بل إرتبطت بالبدايات الأولى للأنشطة البشرية. فبعدما بدأ الإنسان يعيش مع غيره الإنسان في بيئة واحدة بدأنا نتحدث عن مختلف أشكال الظلم والمعاناة التي نشأت عن علاقات الأفراد التي يغلب عليها طابع التعسف في إستعمال الحق، والبحث عن الحرية المطلقة مهما مست بحرية الغير، فبعدما أحس الإنسان بهذا الظلم والمعاناة التي مست بكرامته، بدأ يدافع عن حقوقه بمختلف الوسائل ليصل إلى ذلك المستوى الذي يحس فيه أن حقوقه مصانة.
فهذه الحقوق شهدت تطورا كبيرا على مار الزمان حيث أن حقوق الإنسان التقليدية ليست هي تلك التي نراها اليوم، مع أننا نسلم بوجود حقوق ثابتة لا تتغير لا بتغير الزمان ولا المكان.
فحقوق الإنسان اليوم يصعب تحديد مفهوم دقيق لها، خصوصا أن هذا المفهوم يستمد مرجعيته من خلفيات مختلفة، الأمر الذي أدى إلى إختلاف التعاريف التي يعطيها الباحثين والدارسين لحقوق الإنسان.
رغم أن هذه الحقوق تتسم بالوحدة حيث أن جميع الأمم تؤمن بها إلا أنه نجد مجموعة من نقاط الإختلاف بين الأمم في بعض الحقوق، ومرد هذا الإختلاف يرجع بالأساس إلى التباين القيمي بين المجتمعات، وكدا اختلاف زوايا النظر الى هاته الحقوق، إضافة الى اختلاف الإيديولوجيات.
فقد عرف الأستاذ “رينيه كاسان” حقوق الإنسان على الشكل التالي ” يتحدد علم حقوق الإنسان كأنه فرع من فروع العلوم الإجتماعية، وموضوعه هو دراسة الروابط بين الناس تبعا للكرامة الإنسانية محددا الحقوق والإمكانيات التي تكون ضرورية لتفتح شخصية الكائن البشري ” 12
وفي تعريف ثاني قدمه المعهد الدولي لحقوق الإنسان -وهو تعريف إستقرائي قدمه الحاسوب – وهو الذي عرف حقوق الإنسان على أنها علم يتعلق بالشخص وتحديدا الإنسان العامل في إطار دولة، والذي- عندما يكون عرضة لإنتهاك أو ضحية لحالة حرب- يجب أن يتمتع بحماية القانون عن طريق تدخل القاضي الوطني، أو تدخل المنظمات الدولية، والذي يجب أن تكون حقوقه- وتحديدا الحق في المساواة- متوافقة مع النظام العام.
كما يمكن كذلك تعريف حقوق الإنسان على أنها تلك الحقوق الأصلية في طبيعتها، والتي بدونها لا نستطيع العيش كبشر، وهي أساس الحرية والعدل والسلام، ومن شأن إحترامها إتاحة فرصة تنمية الفرد والمجتمع تنمية كاملة. فهي حقوق تولد مع الإنسان وتتميز بأنها واحدة في كل مكان في المعمورة، فهي ليست وليدة نظام قانوني معين، وتتميز بوحدتها بحيث يجب إحترامها وحمايتها. 13
ونلاحظ من خلال هذه التعريفات أنها تختلف نوعا ما، ويرجع هذا الإختلاف الى إختلاف المرجعيات وزوايا النظر كما قلنا سابقا، لكن رغم ذلك نلاحظ تقارب هاته التعريفات في بعض النقاط التي يمكن إجمالها فيما يلي: أولا الإعتراف بأن حقوق الإنسان تعتبر علما، ثانيا كون حقوق الإنسان موحدة بحيث يتفق عليها كافة الناس، وكونها حقوق يجب أن تحترم .
الفقرة الثانية: تأثير قوانين الطوارئ على الحقوق المدنية والسياسية [8]
إن في حالة الطوارئ التي يتم فيها الإلغاء المؤقت للقوانين العادية والعمل بالمؤقتة تتأثر مجموعة من الحقوق، ويرجع هذا التأثر إلى السلطة الواسعة التي تتمتع بها الأجهزة الأمنية والجهات المسيرة في حالة الطوارئ. فمن بين الحقوق التي تشهد انتهاكا واسعا في ظل هذه الحالة الإستثنائية نجد الحق في الحياة، هذا الحق الذي يعتبر أسمى حقوق الإنسان وأهمها على الإطلاق، إضافة إلى ذلك نجد إنتهاكات أخرى لبعض الحقوق التي لها أهمية بالغة بالنسبة للإنسان، كالحق في السلامة الجسدية الذي له إرتباط وثيق بالكرامة الإنسانية، والحق في المحاكمة العادلة، حيث أنه في ظل حالة الطوارئ تنتشر الإعتقالات التعسفية ومحاكمات غير عادلة أمام قضاء إستثنائي يفتقر لأبسط شروط القضاء العادي.
1-الحق في الحياة :
كما قلنا سابقا فالحق في الحياة يعتبر من بين أهم حقوق الإنسان حيث أن إنتفاء هذا الحق تنتفي معه الحقوق الأخرى لا محالة، فالله عز وجل حرم قتل النفس بغير حق، ويتمظهر لنا ذلك جليا في العديد من الآيات القرآنية، ونفس الأمر نجده في التوراة التي بدورها حرمت قتل النفس، وهذا كله إنما يجعلنا نعلم أن الحق في الحياة يجد مرجعيته من النصوص الدينية قبل التشريعات الوضعية، حيث أن هذه الأخيرة إنما تبنت الحقوق التي أعطاها الله عز وجل للإنسان، فهذا التبني لا يعدو أن يكون إلا ضمانات لهذه الحقوق من طرف القانون.
فعلى مستوى القانون الدولي نجد أن المواثيق الدولية أجمعت على أن الحق في الحياة يعتبر من بين الحقوق المحصنة التي لا يجب الإعتداء عليها بأي مبرر، لأنها تعتبر
“النواة الأصلية” والنواة الأساسية لحقوق الإنسان التي يمنع تعطيلها أو تقييدها. 14
فقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على الحق في الحياة في مادته الثالثة، ونص عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في مادته السادسة، ونص عليه كذلك الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان في مادته الرابعة، مما يجعل القارئ يعي بأهمية هذا الحق على مستوى القانون الدولي قبل التشريعات الداخلية التي هي بلا شك سوف تسير على منوال القانون الدولي لحقوق الإنسان.
أما على مستوى القوانين الداخلية للدول نجد أن الدساتير المعاصرة تنص على حقوق[9] وحريات الأفراد لتجعلها مضمونة من طرف أسمى قانون في الدولة، فمن بين الدساتير التي أولت أهمية بالغة لحقوق وحريات الأفراد نجد الدستور المغربي لسنة 2011، الذي نص على العديد من الحقوق كالحق في الحياة الذي جاء في الفصل 20 منه على الصيغة التالية “الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق”.
فصحيح أنه لا أحد ينكر اليوم أن الدساتير في مختلف أرجاء العالم قد نصت على حقوق الأفراد وحرياتهم ومن بين هاته الحقوق نجد الحق في الحياة، لكن إلى أي حد يعتبر هذا الحق مصانا من طرف القانون في حالة الطوارئ ؟
ونجد في هذا الصدد أن في ظل الحالات الاستثنائية يتم تفعيل قوانين تنص على عقوبة الإعدام دون توفر أبسط الشروط التي يجب أن تتوفر لتطبيق هذه العقوبة، ومن بين هذه الشروط نجد :
– عقوبة الإعدام لا تطبق إلا في الحالات الإستثنائية التي يفرضها القانون، والتي يصدر فيها حكم نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به.
– عقوبة الإعدام لا تطبق على شخص ما دون سن 18 سنة فما فوق.
– عقوبة الإعدام لا تطبق على المرأة الحامل.
– عقوبة الإعدام تطبق على أشد الجرائم دون سواها.
فهذه الشروط تجد مرجعيتها القانونية من المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فعند العودة إلى واقع الدول في حالة الطوارئ نجد أن هذه الحالة تعتبر المجال الخصب لإستعمال عقوبة الإعدام من أجل القمع السياسي، كوسيلة لإسكات أفواه المعارضين السياسيين، لأن هذه العقوبة تولد رهبة في نفوس الأفراد وتجعلهم يذعنون لإرادة الهيئة الحاكمة. 15
2-الحق في السلامة الجسدية والحقوق المدنية الأخرى :[10]
أ – الحق في السلامة الجسدية:
يرتبط الحق في السلامة الجسدية بكرامة الإنسان، ويعني هذا الحق عدم جواز الاعتداء الجسدي على الغير بأي مبرر، أو معاملته معاملة لاإنسانية كالتعذيب الجسدي بكل أنواعه وأشكاله.
فقد نص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على هذا الحق في مادته السابعة، حيث جاء في منطوقها ما يلي “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة. وعلى وجه الخصوص، لا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر”. ولما كانت المادة الرابعة من هذا العهد قد أعطت صلاحية إتخاذ في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع تدابير إستثنائية لمواجهة حالة الطوارئ وعدم التقيد بالإلتزامات التي يفرضها هذا العهد، فإنه يفهم من هذه المادة أنها وضعت قيودا على حالة الطوارئ، وذلك من أجل الحفاظ على حقوق الإنسان التي تجد إنتهاكا واسعا في مثل هذه الحالات.
أما من حيث الحماية القانونية لهذا الحق من طرف الدساتير نجد الدستور المغربي ينص عليه بصيغة قريبة للتي رأيناها مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث جاء في منطوق الفصل 22 من هذا الدستور ما يلي:
” لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة.
لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية.
ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون.”
ونلاحظ من خلال الفقرة الثانية من هذا الفصل أن المشرع الدستوري المغربي إستعمل عبارة “لا يجوز معاملة الغير تحت أي دريعة…”، ويفهم من هذه الصيغة أنه لا يسوغ إنتهاك الحق في السلامة الجسدية تحت دريعة وجود الحالة الإستثنائية.
فهذا المثال لا يعدو أن يكون سوى مثالا عن الدساتير المعاصرة التي نصت على هذا الحق، لكن دائما ما توجد مفارقة بين النظرية والتطبيق، ويتمظهر لنا ذلك جليا من الناحية الواقعية، حيث أن الدول تلجأ في حالة الطوارئ إلى استعمال أبشع طرق التعذيب والمعاملات اللاإنسانية ضد السجناء والمعتقلين، وذلك على أساس إرغامهم على الإعتراف بجرائم قد لا يكونوا من مرتكبيها ورغم ذاك يعترفون باقترافها نتيجة طرق الإستجواب القاسية واللاإنسانية التي لا يستطيعون تحملها.
وحاصل القول إن الحق في السلامة الجسدية عموما يعتبر من الحقوق المدنية الأكثر انتهاكا في حالة الإستثناء، لا سيما من طرف الأجهزة الأمنية دون أن يكون ذلك على علم الرأي العام، والسبب في ذلك هو أن انتهاك هذا الحق يكون داخل أسوار السجون والمراكز الأمنية بعيدا عن أعين الرأي العام والصحافة التي توجهه ضد هذه الخروقات اللاإنسانية.
ب- الحق في الحرية الشخصية وحرمة المسكن:
إن الحق في الحرية الشخصية بدورة يعتبر من بين أقدس حقوق الإنسان لأنه من الحقوق الطبيعية السامية ، فقد كان هذا الحق موجودا منذ قدم المجتمعات البشرية، لكن رغم ذلك لم يتبلور في هذه المجتمعات على النحو الذي نلاحظه في عصرنا الحالي، ولعل السبب في ذلك هو الانتشار الفظيع لمختلف أشكال العبودية وإستغلال الإنسان لأخيه الأنسان وتكبيل حريته. ولما كان الانسان يعيش في هذا الواقع المزري الذي لا يستطيع معه المواجهة ولا البحث عن سبل تؤديه به إلى حياة تسودها الحرية والمساواة بينه وبين الأخر، ظهرت الأديان السماوية التي بلورت حقوق الإنسان وكرمت هذا الأخير وخلصته من العبودية سواء كانت مادية أو معنوية، كما حرمت الإنسان من إنتهاك حرمة مسكن غيره . ومن أبرز هذه الأديان نجد الدين الإسلامي الذي أحاط بجميع حقوق الإنسان بما فيها الحق في الحرية الشخصية والحق في أن يتمتع بحرية المسكن وأن لا يدخل أحد إلى منزل الغير دون إدنه.[11]
فالحق في الحرية الشخصية بمفهومه المعاصر عرف إزدهارا كبيرا عقب إنتهاء الحرب العالمية الثانية وإنتشار الفكر الليبرالي الذي جعل الحرية الفردية مبدأ أساسيا له، فالإنتشار الواسع لهذا الفكر كان له تأثيرا كبيرا على القانون الدولي، حيث جعله يولي إهتماما كبيرا بحقوق الإنسان على عكس ما كان عليه من ذي قبل.
فنجد في هذا الصدد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يعتبر من أهم المواثيق الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان التي نالت موقفا هاما في القانون الدولي16 قد نص في مادته التاسعة على أنه لا يجوز إعتقال أي إنسان أو نفيه تعسفا، كما نص إضافة إلى ذلك على عدم جواز الإعتداء على حرية المسكن كأحد الحريات الفردية التي يتمتع بها الإنسان، وذلك في المادة السابعة من هذا الإعلان.
أما من الناحية الدستورية فنجد أن الدساتير المعاصرة ضمنت هذه الحقوق كما هو الحال بالنسبة للدستور المغربي لسنة2011 الذي نص في فصله 23 على الحق في الحرية الشخصية حيث منع الإعتقالات التعسفية وحدد مجموعة من الضوابط والشروط على الإعتقال ليتصف بصفة المشروعية. وقد نص نفس الدستور على حرية المسكن في الفقرة الثانية من الفصل 24 التي جاء فيها أنه لا تنتهك حرمة المنزل، ولا يمكن القيام بأي تفتيش لحرمة منزل معين إلا وفق الشروط والإجراءات التي ينص عليها القانون.
ولكن في حالة الطوارئ نجد أن حريات الأفراد تنتهك بشكل واسع، من هاته الحريات نجد ما يلي:
-الحرية الشخصية، حيث يتم فرض إعتقالات تعسفية.
-حرية المسكن، بحيث يتم تفتيش المنزل وإنتهاك حرمته من طرف الأجهزة الأمنية دون وجود مذكرة قضائية.
– حرية الصحافة، حيث يتم فرض رقابة صارمة على الصحف ووسائل الإعلام لأخرى.
– حرية البحث العلمي، حيث يتم منع بعض البحوث العلمية من النشر.
3- الحقوق السياسية :
نعني بالحقوق السياسية حق مشاركة الأفراد في تدبير الشأن العام وتسيير الدولة، ومراقبة الحكومة من أجل أن تكون على اتصال دائم مع الشعب، وحق تكوين مؤسسات المجتمع المدني كالأحزاب السياسية والنقابات، وكذلك الحق في المشاركة في الانتخابات سواء عن طريق الترشيح أو التصويت.
فهذه الحقوق ضرورية للإستمرار الديمقراطي داخل الدولة، بحيث أن مشاركة الشعب في السياسة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كفيل بأن تسير الدولة على النهج الذي أراده الشعب، وما دامت الأجهزة السياسية في الدولة تجسد إرادته وتضمن حقوقه، فمن بين الحقوق السياسية التي تنتهك في حالة الطوارئ نجد ما يلي :
أ- حق ممارسة الأنشطة السياسية:
يقصد هنا بالأنشطة السياسية كل الأفعال التي يقوم بها الإنسان ولها طابع سياسي كالترشيح والانتخاب والمشاركة في تدبير الشأن العام، وغير ذلك من الأنشطة السياسية.
فعندما نعود إلى القانون الدولي نجد أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، قد نص في مادته 25 على هاته الحقوق حيث جاء في منطوقها ” يكون لكل مواطن، دون أي وجه من وجوه التمييز المذكور في المادة 2 الحقوق التالية التي يجب أن تتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة:
– أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية.
– أن ينتخب وينتخب، في انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين.
– أن تتاح له على قدم المساواة عموما مع سواه، فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده”.
وبالتالي لما كان من واجب الدول التقيد بالالتزامات الدولية التي يفرضها القانون الدولي لحقوق الإنسان، نجد أن الدساتير المعاصرة سارت على منوال هذا الأخير في ضمان الحقوق السياسية إلى جانب الحقوق والحريات المدنية، كما هو الحال بالنسبة للدستور المغربي الجديد الذي نص في الفقرة الأولى من الفصل 30 على أنه ” لكل مواطن أو مواطنة، الحق في التصويت، وفي الترشح للانتخابات، شرط بلوغ سن الرشد القانونية، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية. وينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية “.
فالدستور المغربي لم يقف عند حد ضمان هذه الحقوق فقط، بل تجاوز ذلك إلى أمر السلطات العامة باتخاذ التدابير الملائمة لتوسيع وتعميم المشاركة السياسية ،خصوصا لدى فئة الشباب لما لها من صفات لا تتوفر في الفئات الأخرى.17
ففي حالة الطوارئ تتأثر هذه الحقوق السياسية لكون الحكومات تفرض قيود شديدة خصوصا من طرف الدول ذات الحكم الإستبدادي، حيث أن في مثل هذه الدول يتم فرض قيود كثيرة على تشكيل مؤسسات المجتمع المدني، وإعاقة نشاط الأحزاب السياسية. 18
ب- حق إنشاء الأحزاب السياسية:
يعتبر الحزب السياسي ذلك التنظيم الذي يجمع عددا من الأفراد يؤمنون بمعتقد سياسي معين يشكل رؤيا مشتركة فيما بينهم، ويعمل هؤلاء الأفراد جاهدين للوصول إلى السلطة لتتاح لهم فرصة تطبيق رؤيتهم السياسية عن طريق إدارة شؤون الدولة. فالدول تختلف فيما بينها فيما يتعلق بحرية إنشاء الأحزاب السياسية، والإجراءات التي يجب إتباعها لإنشائها، بحيث نجد تارة هذه الإجراءات والشروط تتسم بطابع الصرامة، وأحيانا أخرى نجد العكس. والحال أنه لا يجب تقييد حرية إنشاء الأحزاب السياسية، خصوصا أن التعددية الحزبية هي التي تفتح المجال أمام الأفراد للإنتقاء الواسع.[12]
فالأحزاب السياسية لها عدة وظائف تتمثل في صنع السياسة وضمان المشاركة الشعبية في السياسة، وكدا تنظيم الرأي العام وتكوين أطر قادرة على تحمل المسؤولية وإدارة شؤون الدولة.
وبالتالي إن فرض قيود على إنشاء هذه الأحزاب وعرقلة نشاطها في حالة الطوارئ قد يؤدي إلى عدة مشاكل، من بينها الحيلولة دون وجود رأي عام متماسك، علما أن الأحزاب السياسية هي التي توجه الرأي العام وتأطره في مثل هذه الحالات الإستثنائية، فهناك حالات قليلة يقع فيها العكس حيث تساهم الأحزاب في تشتيت الرأي العام وهي حالة عدم تقيدها بالتزاماتها القانونية المتمثلة في عدم مساهمتها في بت أي تفرقة، سواء كانت دينية أو لغوية أو عرقية…
لذلك نجد أغلب الدساتير تنص على مثل هذه الشروط، سواء عن طريق الدستور- كما هو الحال بالنسبة لدستور المغربي في الفصل 7 منه – أو عن طريق القوانين العادية.
وبالتالي فإن التزام الأحزاب السياسية بالمشروعية، وتوحيد الرؤيا والعمل بطريقة مشتركة لتجاوز حالة الطوارئ من شأنه أن يوحد الرأي العام بطريقة يسهل معها تفرغ الحكومات بوضع خطط إستراتيجية لحل أزماتها التي تهدد أمن الدولة دون أي عراقيل.
الفقرة الثانية: تأثير قوانين الطوارئ على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
تعتبر كل من الحقوق الإقتصادية والإجتماتية والثقافية من بين حقوق الإنسان التي تتدخل الدولة لحمايتها، ويمكن القول أن هذه الحماية تختلف من بلد إلى آخر، ومرد هذا الإختلاف يرجع بالأساس إلى موارد الدولة وإمكانياتها المادية ومدى إهتمامها بحقوق الإنسان، فالذي يجب أن نقوله هنا هو أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لها ارتباط وثيق بالحق في الحياة الذي قلنا عليه سابقا أنه من أعظم حقوق الإنسان على الإطلاق، كما أن لها علاقة بالكرامة الإنسانية واستمرار المجتمع وسلامته من المشاكل المعقدة التي تستعصي الحلول، فمن خلال هذه الفقرة سوف نعرج بنوع من التفسير على هذه الحقوق ونبين ضماناتها على المستوى القانون الدولي لحقوق الإنسان والتشريعات الداخلية، كما سوف نبين واقع هذه الحقوق في حالة الطوارئ.
1-الحقوق الإقتصادية:
إن الحقوق الإقتصادية تعتبر من الحقوق التي لقيت اهتماما بالغا من طرف القانون الدولي والتشريعات الوطنية بما فيها الدساتير المعاصرة، والذي يميز الحقوق الاقتصادية عن غيرها من الحقوق هو أنها في ترابط وثيق فيما بينها، الأمر الذي يجعل حق واحد تتفرع عنه العديد من الحقوق الأخرى التي تتأثر بشكل مباشر بتأثر الحق الأصلي، وسوف نركز هنا على الحق في العمل، والحق في الملكية، ثم الحق في الحرية الاقتصادية لكون هذه الحقوق هي التي تكتسي أهمية كبيرة.
أ- الحق في العمل:
يعنى الحق في العمل أحقية الشخص في إختيار عمله بحرية وفق شروط عادلة، وحقه في أجر متساوي مع غيره، وأن يكون هذا الأجر مرضي وقادر على إعالة الشخص وأسرته بشكل يتفق والكرامة الإنسانية، ويجب أن يكون للشخص حق الحصول على الراحة في أوقات فراغه، لذلك يمكن القول أن الحق في العمل مرتبط بمجموعة من الحقوق الأخرى التي تتفرع عنه.
فالحصول على الحق في العمل في العصر الحديث أصبح صعبا نظرا للتطورات الكبيرة التي شهدها العالم، تلك التطورات التي تتمثل في الانتقال من مجتمع إقطاعي إلى مجتمع صناعي، وكدا التطور التكنولوجي الذي أفضى في النهاية إلى إستبدال الإنسان بالألة في العديد من المجالات خصوصا منها الصناعية، الأمر الذي أدى إلى تدخل الدولة لحماية الحق في العمل، وذلك بوضع العديد من التشريعات الملائمة للتطورات الإجتماعية الحاصلة. 19
فعندما نعود إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نجده ينص في الفقرة (1-2-3) من المادة 23 على أنه لكل شخص الحق في العمل وحرية إختيار عمله، وحقه في مكافأة عادلة وإنشاء النقابات. فنفس الأمر سار عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك في المادتين السادسة والسابعة منه.
أما من الناحية الدستورية نجد أن الدستور المغربي الحالي قد نص في فصله 31 على أن المؤسسات العمومية والجماعات الترابية تعمل على تعبئة الوسائل المتاحة من أجل استفادة المواطنين والمواطنات على قدم المساواة من الحق في الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي، وكدا الولوج إلى الوظائف العمومية حسب الإستحقاق.[13]
والملاحظ أنه رغم أن معظم الدساتير المعاصرة نصت على هذا الحق إلا أنه في حالة الطوارئ تقل فرص الشغل نظرا لنقص الموارد المالية للدولة من جهة، وضعف الإستثمار الأجنبي من جهة ثانية، الشيء الذي يؤدي بشكل مباشر إلى الركود الاقتصادي الذي يكون سببا في إنتشار البطالة والمشاكل الإجتماعية الأخرى التي تنجم عن فقدان الحق في العمل.
ب. حق الملكية
يقصد بالحق في الملكية أحقية الفرد في امتلاك أموال سواء كانت عقارية أو منقولة، ويترتب عن هذا الحق تمتع صاحبه بالانتفاع بالشيء المملوك. فحق الملكية بدوره يعتبر من أهم حقوق الإنسان التي لها إرتباط بالفطرة الإنسانية الميالة إلى التملك، فمن بين أبرز المفكرين الذين دافعوا عن حق الملكية نجد الفيلسوف الإنجليزي “جون لوك ” الذي تدور جميع أبحاثه السياسية والمدنية حول هذا الحق الذي اعتبره حقا مقدسا.
فحق الملكية يجد بدوره مرجعيته من المواثيق الدولية، فعندما نرجع إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نجده ينص في مادته 17 على أحقية كل فرد في التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره. 20
أما من الناحية الدستورية نجد أن الدستور المغربي 2011 ينص في الفقرة الأولى من المادة 35 على حق الملكية، فقد جاء في منطوق هذه الفقرة ما يلي “يضمن القانون حق الملكية”. غير أنه عند استقرائنا للفقرات ما بعدها من نفس الفصل نستشف أن حق الملكية ليس مطلقا، حيث أنه يمكن في الظروف الإستثنائية أن تتدخل الدولة لنزع هذا الحق من الأشخاص إذا رأت في ذلك مصلحة عامة، ولا ينتزع هذا الحق إلا وفق الاجراءات التي ينص عليها القانون.
فمن بين هذه الظروف الإستثنائية نجد حالة الطوارئ التي قد تتطلب أن يتم انتزاع حق الملكية من أشخاص معينين لفترة زمنية محددة إذا اقتضت الظروف الإستثنائية ذلك، ومن بين الانتهاكات التي تقع في حالة الطوارئ لهذا الحق نجد ما يلي :
– عدم تعويض الأشخاص الذين تم نزع ملكيتهم سواء كانت هذه الملكية عقارات أو[14] منقولات، أو عدم إعطاء الدولة تعويض عادل لهؤلاء الأشخاص[15]
– استعمال الممتلكات المنتزعة مؤقتا بشكل غير مناسب مما يسبب في إتلافها أو عدم قدرتها على أداء دورها بشكل فعال كما كانت سابقا. 21
ج. الحريات الاقتصادية:
يقصد بالحريات الاقتصادية أحقية الفرد في ممارسة التجارة والصناعة كيف ما شاء، وحقه في إنشاء المعامل والمصانع التي يرغب فيها دون تدخل الدولة إلى إذا اقتضى النظام العام ذلك. [16]
فلم تتبلور الحريات الاقتصادية بالمفهوم الحديث إلا بعد سقوط النظام الإشتراكي، وبروز ملامح النظام العالمي الجديد القائم على العولمة الاقتصادية، التي تقوم على الفكر الليبرالي الرأسمالي والمذهب الفردي الذي يدعوا إلى حرية التجارة والصناعة دون تدخل الدولة، إعمالا بمبدأ “دعه يعمل دعه يمر “.
فدور الدولة في النظام الرأسمالي يقتصر على توفير الأمن والاستقرار، وإقامة القضاء للفصل في النزاعات دون التدخل في الأمور الاقتصادية والاجتماعية، كما هو الحال بالنسبة للنظام الإشتراكي الذي يدعوا إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والحد من الفوارق الطبقية. فالدولة الليبرالية بالمفهوم الحديث ليست هي تلك التي كانت سابقا، فالتطورات الهائلة التي شهدتها المجتمعات ظهرت معها تزايد وظائف الدولة بشكل كبير، بحيث أن الدول الرأسمالية اليوم رغم أنها تمنح للفرد الحرية الاقتصادية إلا أن هذه الحرية ليست مطلقة، فيمكن للدولة أن تتدخل مثلا في توجيه الاقتصاد في حالة اقتضى النظام العام والظروف الاستثنائية ذلك، ويرجع هذا إلى عدة أسباب تتمثل في حماية الدولة من الأزمات وتحقيق التنمية من جهة، وحماية حقوق الانسان بمختلف أنواعها من جهة ثانية.
فعندما نعود إلى القانون الدولي نجده يحاول تحقيق الرفاهية والتنمية بين الأمم إعمالا بالمبدأ الذي يقتضي التسوية بين الشعوب في التمتع بالحقوق، وذلك ما نستنتجه من المادة 55 و56 من ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المواد 22، 25، 28، وكدا العهدين الدوليين المرتبطان بهذا الإعلان.
أما من الناحية الدستورية نجد أن الدستور المغربي يضمن الحريات الاقتصادية كما أن الدولة المغربية تعمل إلى جانب ذلك على تحقيق التنمية البشرية، وذلك ما نستشفه عند استقرائنا للفقرة الثانية من الفصل 35 التي جاء في منطوقها أنه “تضمن الدولة حرية المبادرة والمقاولة، والتنافس الحر. كما تعمل على تحقيق تنمية بشرية مستدامة، من شأنها تعزيز العدالة الاجتماعية، والحفاظ على الثروات الطبيعية الوطنية، وعلى حقوق الأجيال القادمة”.
فالعلاقات الاقتصادية اليوم بين الدول مربوطة بخيط واحد، بحيث لا تقع أزمة اقتصادية في دولة معينة إلا وتتأثر الدول الأخرى بهذه الأزمة بشكل مباشر، وهذا ما يجعل الدول تسعى إلى تحقيق التعاون الاقتصادي فيما بينها.
فإذا تم إعلان حالة الطوارئ إثر وقوع أزمة معينة لها إنعكاسات سلبية على الاقتصاد، تتدخل الدولة لتقييد الحريات الاقتصادية من أجل توجيه الاقتصاد بالشكل الذي يسهل معه الخروج من الأزمة وإعادة الأمور إلى نصابها. ففي حالة الطوائ التي تتحكم فيها سلطات الطوارئ تنتهك الحريات الاقتصادية، وذلك لعدة أسباب منها أولا: أن في هذه الحالة عادة ما لا يكون هناك مناخ ملائم للإنفتاح الاقتصادي، وثانيا: فرض رقابة صارمة على الشركات والسلع وتحديد أسعار هذه الأخيرة، وهذا ما يحول دون تمتع الفرد بحرياته الإقتصادية.
2-الحقوق الإجتماعية:
إن الحقوق الإجتماعية كثيرة ومتعددة، ولعل من أبرزها الحق في التمتع بمستوى معيشي مناسب، والحق في الحصول على الأمن الصحي. فإذا تمتع الإنسان بمستوى معيشي مناسب يكون ذلك سببا في تراجع العديد من المشاكل الاجتماعية والظواهر السلبية في المجتمع، وبالتالي تتقلص نسبة البطالة ويختفي الفقر والإجرام وغير ذلك. الأمر الذي يجعلنا نقول أن هذا الحق يعتبر من الحقوق الأصلية التي تتفرع عنها العديد من الحقوق الأخرى المختلفة، بل أكثر من ذلك إن صون هذا الحق وجعله من حقوق السامية التي يجب أن يتمتع بها الأفراد بمثابة حماية للعديد من الحقوق التي تنتهك عندما لا يحس الإنسان بأنه يعيش مستوى معيشي يتفق وكرامته .
أما بالنسبة للحق في الحصول على الأمن الصحي فلا يسعنا أن نقول عنه إلا أن القضايا الصحية تعتبر من أعظم القضايا التي تطرح نفسها بشدة على المستوى الدولي اليوم، فقد زاد إهتمام الدول والمنظمات الدولية- بما فيها منظمة الصحة العالمية- بالصحة نظرا لما يشهده العالم في الفترة الأخيرة من ظهور الأمراض وأوبئة خطيرة ما أن تظهر في بلد معين إلى وتنتشر بسرعة في مختلف أرجاء العالم لتهدد حياة البشرية جمعاء.
لذلك جعل القانون الدولي لحقوق الإنسان هذه الحقوق من بين أولوياته لما تحظى به من أهمية بالغة، وهذا ما نلاحظه في العديد من المواثيق الدولية التي كرست هذه الحقوق وجعلتها مضمونة، فالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية جاء في منطوق الفقرة الأولى من مادته 11 بخصوص حق العيش في مستوى معيشي مناسب ما يلي: “تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية. وتتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لإنقاذ هذا الحق، معترفة في هذا الصدد بالأهمية الأساسية للتعاون الدولي القائم على الارتضاء الحر”.
أما بخصوص الحق في الأمن الصحي فقد جاء في المادة 12 من نفس العهد أن لكل شخص حق الحصول على مستوى من الصحة الجسدية والعقلية، والعمل على تخفيض معدل الموتى الموالد، ومعدل وفيات الرضع وتأمين نمو الأطفال نموا صحيا، زد على ذلك تحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية، والوقاية من الأمراض والأوبئة بمختلق أنواعها، إضافة إلى تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية للمجتمع في حالة المرض.
فهذه الحقوق تجد مرجعيتها القانونية كذلك من التشريعات الداخلية، فهناك الدساتير التي نصت صراحة على هذه الحقوق، كما توجد دساتير يُفهم من موادها أنها أحاطت بجميع حقوق الإنسان، علما أن الوثيقة الدستورية لا يمكن أن تتناول جل الحقوق الإنسانية. فالدستور المغربي لسنة2011- باعتباره النموذج الذي اعتمدنا عليه في هذا البحث من الدساتير التي أولت إهتماما كبيرا بالحقوق الاجتماعية، فعندما نقرأ الفصول المتعلقة بباب الحريات والحقوق الأساسية، نلاحظ أن الدولة المغربية تعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة وكدا توفير ظروف العيش الكريم. أما بخصوص الحق في الأمن الصحي الذي قلنا في صدده أنه يحظى بأهمية بالغة على المستويين الدولي والوطني، فالدستور المغربي قد ضمن هذا الحق في فصله 31 الذي جاء فيه أن الدولة ومؤسساتها تضمن الحق في العلاج والراحة الصحية والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية.
فبما أن المواثيق الدولية تعتبر أسمى من الدستور المغربي 2011 طبقا لما جاء في ديباجته، فإن المغرب صادق على العديد من المواثيق الدولية التي لها علاقة بحقوق الإنسان مما يجعل المنظومة الحقوقية بالمغرب متطورة ومازالت تتطور لتواكب تطورات حقوق الإنسان في العالم.
ففي حالة الطوارئ التي تتأثر فيها جميع الحقوق الإنسانية فالحقوق الاجتماعية بدورها لم تسلم من هذا التأثر، بحيث نجد في مثل هذه الحالات الانتشار المهول للبطالة وتزايد نسبة الفقر مما يؤدي إلى فقدان الأشخاص لحقهم في التمتع بمستوى معيشي كريم، ومن جهة أخرى فالدولة في حالة الطوارئ تكون عاجزة على توفير جميع الحقوق التي لها علاقة بالصحة نظرا لنقص مواردها وعدم قدرة ميزانيتها على تغطية مختلق القطاعات تغطية كاملة.
3- الحقوق الثقافية:
لا يمكن للمجتمعات أن تتطور في ظل سيطرة الجهل والأمية على عقول الأفراد، فالعقل البشري بحاجة إلى نور العلم والمعرفة لكي ينموا نموا صحيا وسليما. وتعني الحقوق الثقافية حق كل فرد في التعليم والمشاركة في الحياة الثقافية، وأن يتمتع بفوائد التقدم العلمي واحترام حرية البحث العلمي والنشاط الإبداعي،22فالمجتمعات المتطورة اليوم هي التي جعلت مسألة التعليم والبحث العلمي من بين أولوياتها فما يهمنا في هذا الإطار هو معرفة أي دور للقانون الدولي لحقوق الإنسان والتشريعات الوطنية في ضمان الحقوق الثقافية.
فالقانون الدولي لحقوق الإنسان اهتم بالحقوق الثقافية ووضعها في المكانة التي تتساوى معها والحقوق الأخرى، ونلاحظ أن أهم وثيقة لحقوق الإنسان التي هي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد نصت في مادتها 26 على أن لكل شخص الحق في التعليم، وأن يكون هذا التعليم مجاني في المرحلة الابتدائية والأساسية منه، مع جعل التعليم الابتدائي إلزاميا، إضافة إلى ذلك أن يكون التعليم الفني والمهني متاح للعموم، وكذلك نفس الأمر مع التعليم العالي طبقا للكفاءات.
وقد نص العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية على نفس الحقوق بنوع من التفصيل وذلك في المادتين 13 و14 منه، أما المادة 15 فقد ضمنت الحق في المشاركة في الحياة الثقافية، والحق في الاستفادة من فوائد التقدم العلمي وكدا حرية البحث العلمي كما نصت نفس المادة كذلك على أن جميع دول الأطراف تتعهد باحترام جميع الحقوق الثقافية المذكورة.
أما من ناحية التشريعات الوطنية نلاحظ أن الدستور المغربي لسنة2011 قد نص في فصله 25 على حرية التعبير والفكر والبحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والتقني، حيث جاء في منطوق هذا الفصل ما يلي “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الإبداع الأدبي والفني والبحث العلمي والتقني مضمونة”. كما جاء في الفصل 26 من نفس الدستور أن السلطات العمومية المغربية تسعى إلى تحقيق تنمية الإبداع الثقافي والفني والبحث العلمي. أما الفصل 31 فقد نص على أن الدولة بمؤسساتها تسعى إلى تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة في حق الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة، وكدا الحق في التكوين المهني والاستفادة من التربيتين البدنية والفنية.
لكن تقف حالة الطوارئ أمام تحقق هذه الحقوق حيث في زمنها يتراجع الفكر، [17]وتختفي الحريات والإبداع الثقافي، بحيث تغلق قاعات السينما والمصرح، كما تكون هناك رقابة شديدة على الأعمال العلمية والثقافية من طرف السلطات العمومية، وكذلك نفس الرقابة تكون على الصحف والمنشورات وأية وسيلة أخرى من وسائل التعبير سواء قبل أو بعد نشرها 23، مما يحول دون وجود الحقوق والحريات الثقافية خصوصا عندما يتم متابعة الباحثين والمبدعين قضائيا بسبب منشوراتهم وإبداعاتهم التي ترى فيها سلطات الطوارئ إنها لا تتفق وسياستها، هذا من جهة، ويكون هناك منع بعض المنشورات من النشر وغير ذلك من الأمور التي تمس بحقوق الإنسان الثقافية، وهذا من جهة أخرى.
خاتمة:
خلاصة القول إن جوهر هذا البحث يرتكز بالأساس على بيان تأثير قوانين الطوارئ على حقوق الإنسان بمختلف أنواعها، ومنظور القانون الدولي لحقوق الإنسان والضمانات التي أعدها للحد من الخروقات الجسيمة لهذه الحقوق في مثل هذه الظروف الاستثنائية، إضافة إلى ذلك موقف التشريعات الوطنية بخصوص حماية الحقوق وحريات الأفراد، ومدى فعالية هذه الحماية في ظل وجود حالة الطوارئ، فقد إعتمدنا في مستهل هذه الدراسة على الدستور المغربي لسنة 2011 كأحد النماذج العصرية للدساتير الوطنية التي كفلت للمواطنين والمواطنات حقوقهم وحرياتهم الأساسية من خلال دسترتها كما هو متعارف عليه عالميا.
فلما كان من الصعب جرد مختلف انتهاكات حقوق الإنسان في ظل حالة الطوارئ في هذا البحث، نظرا لأن الأمر يحتاج منا دراسة شاملة ومعمقة، إلا أنه نستطيع أن نحيل القارئ على أن الظروف الواقعية التي يعيشها العالم اليوم في ظل تفشي فيروس كورونا كوفيد-19، الذي كان سببا في إعلان حالة الطوارئ الصحية بمختلف بلدان العالم، قد أزال الستار عن العديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان لتكون واضحة للمواطنين والمواطنات. فتفعيل القوانين الاستثنائية التي حلت محل القوانين العادية كان سببا في توفير أرضية خصبة لسلطات الطوارئ لتمس بحقوق الإنسان بدريعة وجود ظروف إستثنائية، مما جعل هذا الإنسان يتساءل ويقول: أين هي دولة الحق والقانون؟
فالذي يجب أن نشير إليه في ختام حديثنا هو أن حقوق الإنسان لا يجب أن تنتهك في أي ظرف من الظروف، بل يجب أن نجتهد للبحث عن سبل لحمايتها وجعلها من بين أولوياتنا لذلك فنحن نوصي بما يلي :
– ضرورة وجود مؤسسات دولية مختصة يتجلى عملها في فرض رقابة قضائية على الدول في حالة الطوارئ، للتأكد من احترامها التام لحقوق الإنسان كما هو متعارف عليه عالميا.
– وجود هيئة وطنية عليا هدفها مراقبة إجراءات سلطات الطوارئ كي لا تتجاوز الإختصاصات المنوط بها قانونيا.
– تعطيل نصوص قوانين الطوارئ التي لا تتفق والصكوك الدوليه لحقوق الإنسان.
– تفعيل مقاربة تشاركية مع المواطنين والمواطنات هدفها الاستماع إلى أرائهم واقتراحاتهم التي لها علاقة بحالة الطوارئ، وإعلامهم بالتطورات والمستجدات بخصوص هذه الحالة الاستثنائية عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، وكدا معالجة شكاياتهم في أسرع وقت ممكن.
1- نوار دبير وعصام خليل – حالة الطوارئ – سلسلة اوراق بيروت للدراسات القانونية 2018 فئة موسوعة القانون الدستوري العربي المقارن ص 2
2- ذ. محمد طه بدوي – القانون والدولة – دار المعارف – الإسكندرية 1955 ص 59
3- لمى علي الظاهري – مدى دستورية قانون الطوارئ – م.م[1]
4- لمى علي الظاهري – المرجع السابق – ص 2
5- المادة الرابعة من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية/ حقوق الإنسان: مجموعة صكوك دولية، المجلد الأول، الأمم المتحدة، نيويورك، 1993،
6 – نوار بدير وعصام خليل- المرجع السابق – ص3
7- خاموش عمر عبد الله- تأثير قوانين الطوارئ على حريات الأفراد في الدساتير- دراسة مقارنة- مركز الدراسات الاستراتيجية -ص77
8- خاموش عمر عبدالله- المرجع السابق- ص84
9- أنظر الفضل 1 من الدستور المغربي 2011
10-مرسوم رقم 2.20.292 صادر في 28رجب 1441 الموافق ل 23 مارس 2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ وإجراءات الإعلان عنها- الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر في- 29 رجب 1441 الموافق ل 29 مارس 2020.
11-مرسوم رقم2.20.293 صادر في 29 رجب 1441 الموافق ل 24 مارس 2020 – خاص بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد-19 – الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر في 29 رجب 1441 الموافق ل 29 مارس
12- محبوبي محمد – قوانين الطوارئ وأثارها على حقوق الإنسان في ظل القانون الدولي لحقوق الإنسان – أطروحة نيل شهادة الدكتوراه- 2016/2017جامعة العربي بن مهيدي-ص 80
13- د.ختير مسعود -مجلة الباحث للدراسات القانونية والسياسية- العدد 11- سبتمبر 2018 – ص 462
14- محبوبي محمد- المرجع السابق- ص168
15-محبوبي محمد- المرجع السابق- ص 173
16 – سميرة إبن خليفة – مجلة القانون الدولي للدراسات البحثية- العدد الأول جويليه-2019 – ص 74.
17 – الفصل 33 – الدستور المغربي 2011.
18 – محبوبي محمد – المرجع السابق – ص 187
19- خاموش عمر عبد الله – المرجع السابق – ص 150
20- خاموش عمر عبد الله – المرجع السابق – ص154
21- محبوبي محمد- المرجع السابق – ص 195
22- محبوبي محمد – المرجع السابق – ص 201.
23- محبوبي محمد- المرجع السابق – ص 203.
قائمة المراجع
1- نوار دبير وعصام خليل – حالة الطوارئ – سلسلة اوراق بيروت للدراسات القانونية 2018 فئة موسوعة القانون الدستوري العربي المقارن.
2- ذ. محمد طه بدوي – القانون والدولة – دار المعارف – الإسكندرية 1955.
3- لمى علي الظاهري – مدى دستورية قانون الطوارئ – م.م علي محمد العلكي – كلية الحقوق جامعة المستنصرية.
4- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية/ حقوق الإنسان: مجموعة صكوك دولية، المجلد الأول، الأمم المتحدة، نيويورك، 1993.
5-خاموش عمر عبد الله- تأثير قوانين الطوارئ على حريات الأفراد في الدساتير- دراسة مقارنة- مركز الدراسات الاستراتيجية.
6- الدستور المغربي الجديد 2011
7- مرسوم رقم 2.20.292 صادر في 28رجب 1441 الموافق ل 23 مارس 2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ وإجراءات الإعلان عنها- الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر في- 29 رجب 1441 الموافق ل 29 مارس 2020.
8-مرسوم رقم2.20.293 صادر في 29 رجب 1441 الموافق ل 24 مارس 2020 – خاص بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد-19 – الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر في 29 رجب 1441 الموافق ل 29 مارس.
9-محبوبي محمد – قوانين الطوارئ وأثارها على حقوق الإنسان في ظل القانون الدولي لحقوق الإنسان – أطروحة نيل شهادة الدكتوراه- 2016/2017جامعة العربي بن مهيدي.
10- د.ختير مسعود -مجلة الباحث للدراسات القانونية والسياسية- العدد 11- سبتمبر 2018
11- – سميرة إبن خليفة – مجلة القانون الدولي للدراسات البحثية- العدد الأول جويليه-2019 .