في الواجهةمقالات قانونية

ميزانية التسيير بالإدارات العمومية في ظل الأزمة الاقتصادية لوباء كوورنا

 

ميزانية التسيير بالإدارات العمومية في ظل الأزمة الاقتصادية لوباء كوورنا

يونس مليح

باحث في المجال الإداري والمالي

لاشك وأن ميزانية التسيير بالإدارات العمومية ببلادنا تشكل حلقة رئيسية ومحورية في تشغيل وسير هذه المؤسسات العمومية، فبدون أدنى شك تبقى الإدارة بدون جدوى إن لم يكن هنالك موارد مالية مهمة تجعل من هذه الوحدات قادرة على لعب أدوارها التنموية على النحو المطلوب. لذلك، فميزانية التسيير ببلادنا تخضع لمجموعة من المبادئ المؤطرة بالقانون التنظيمي للمالية رقم 130.13 والذي يعد دستور المالية العامة ببلادنا، هذه المبادئ تكمن في أنه لابد من أن تساير الشفافية والنجاعة في الأداء والجودة والصدقية. هذه الأمور بطبيعة الحال هي مبادئ كبرى ضابطة وناظمة لمجال المالية العامة بالمغرب.

في جانب آخر، فالحديث عن ميزانية التسيير يجرنا للحديث مباشرة عن التأثيرات التي ستعرفها هذه الميزانية في ظل جائجة فيروس كورونا كوفيد-19 المستجد، الذي أصبح اليوم أداة ضاغطة على المالية العامة وعلى الاقتصاديات العالمية بصفة عامة. لذلك، فالمالية العامة ببلادنا ستعرف تغيرات مهمة تصب في خانة التقشف المالي مستقبلا، الأمر الذي سيؤثر لا محالة على ميزانية الدولة، وعلى ميزانية التسيير بالإدارات العمومية ببلادنا بدون أدنى مبالغة. فالسؤال المحوري الملح الذي يطرح نفسه في هذا الإطار، هو كيف يمكن الحديث عن ميزانية التسيير في ظل التغيرات الاقتصادية الدولية التي خلفها وسيخلفها الفيروس التاجي؟ وما هي هذه التأثيرات على اقتصاد وميزانية الدولة؟ وما هي ممكنات تجاوز هذا الخلل؟

أولا: الآثار الاقتصادية للفيروس التاجي على ميزانية الدولة وعلى ميزانية تسيير الإدارات العمومية

يعتبر الفيروس التاجي، المعروف اختصارا بوباء كوفيد-19 جائحة عالمية كما أعلنت عن ذلك منظمة الصحة العالمية في بداية ظهور هذا الفيروس، ولاشك أن الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي خلفها منذ بداية ظهوره ولغاية اليوم تنذر بالمزيد من التدهور على شتى القطاعات والأصعدة، الأمر الذي أكده الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى 21 لعيد العرش، حيث أكد على أن هذه الجائحة خلفت آثارا سلبية على المواطن بالدرجة الأولى وعلى الاقتصاد بالدرجة الثانية، الأمر الذي يحتاج إلى تظافر جهود الجميع من أجل تجاوز هذه المحنة التي يعرفها العالم.

فمنذ ظهور أول حالة إصابة بفيروس كورونا ببلادنا يوم 2 مارس 2020، وإعلان حالة الطوارئ الصحية بالبلاد يوم 20 مارس من نفس السنة، حاول رئيس الدولة بتنسيق مع الفاعل الحكومي وضع مجموعة من التدابير الاستباقية كمحاولة لتجاوز الآثار الاجتماعية والاقتصادية التي سيخلفها هذا الوباء، الأمر الذي سرع بإحداث “صندوق تدبير جائحة كورونا” الذي رصد له آنذاك 10 مليارات درهم، وحددت مداخيله في يونيو المنصرم بنحو 33 مليار درهم. إلى جانب ذلك، تم إحداث لجنة اليقظة الاقتصادية، التي كانت مهمتها مواكبة الآثار الاقتصادية التي سيخلفها هذا الفيروس التاجي.

بالإضافة إلى ذلك، فقد حدد الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة 100 مليار درهم كمساعدات للدول التي تضررت بفعل الجائحة والتي وصل عدد قتلاها ما يفوق ملون قتيل. إلى جانب ذلك، وفي باب إعادة ترميم ما خلفته هذه الجائحة وستخلفه من دمار اقتصادي واجتماعي، وانطلاقا من الفصل 77 من الدستور الذي يعتبر الحكومة والبرلمان المسؤولان عن تحقيق التوازنات المالية بالبلاد، وانطلاقا مما نص عليه القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13 وخصوصا المادة 10 منه، أنه في حالة عدم تحقيق الأولويات التي نص عليها القانون المالي السنوي، فإنه يمكن اللجوء إلى قانون مالي تعديلي من أجل تحقيق التوازنات المالية للدولة، وهو الأمر الذي تحقق عن طريق القانون المالي التعديلي رقم 20.35 الذي جاء بأربعة أهداف رئيسية، أولها إعادة إنعاش الاقتصاد الوطني، والمساهمة في تحقيق فرص للشغل، وأيضا مساعدة ومساندة المقاولات المتضررة بفعل الجائحة على الرجوع إلى الدورة الاقتصادية.

والجدير بالذكر، أن الموارد الضريبية التي تعد جزءا لا يتجزأ من الميزانية العامة للدولة، وأحد الركائز الرئيسية التي تدر السيولة المالية لخزينة الدولة عرفت انخفاضا بنسبة 18,59%، بالإضافة إلى العجز الميزانياتي الذي وصل في غشت المنصرم إلى 46,5 مليار درهم، كل هذه الأمور بطبيعة الحال أثرت وستؤثر على ميزانية تسيير الإدارات العمومية التي تعتبر ميزانية الدولة عصب حياتها وشريانها الرئيسي والسبيل لضمان سيرورتها. الأمر الذي ينبغي معه لتسريع بإنعاش الاقتصاد الوطني في أقرب وقت ممكن، حتى تستعيد ميزانية الدولة نشاطها وعافيتها.

 

ثانيا: تدابير من أجل إصلاح ميزانية التسيير وإعادة إنعاش الاقتصاد الوطني

الكل يعلم بأن ميزانية التسيير مرتبطة ارتباطا عضويا بالميزانية العامة للدولة، وكل خلل وعدم اشتغال سيؤثر لا محالة على الإدارات العمومية، وسيشكل عقبة أمامها، لأن ميزانية التسيير بأي مؤسسة عمومية هي نقطة أساسية تستطيع من خلالها (توظيف كوادر جديدة قادرة على الرقي بالمؤسسة، تكوينات، شراء لوازم لوجيستيكية أساسية لسير المؤسسة…)، وأيضا هي نواة رئيسية من أجل ضمان سيرورة الإدارات العمومية ببلادنا.

لكن، الأمر الذي ينبغي الإشارة إليه في هذا الإطار، هو كون هذه الميزانية يجب أن تخضع لمبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يسيء بمحاسبة ميزانية التسيير، فالميزانية المثلى والناجعة هي ميزانية تتيح للإدارات ر العمومية السير الأمثل لمصالحها والتدبير الناجع لدواليبها.

وفي هذا الإطار، وجب التذكير بمشروع القانون رقم 19.46 المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، الذي تم التنصيص عليه من أجل تقوية النصوص القانونية الؤطرة لهذه الهيئة، ولتجويد النص السابق المؤطر للهيئة رقم 113.12، والذي سيتيح لها لعب دورها في مراقبة وجودة وشفافية ميزانية الإدارات العمومية خصوصا ما تعلق منها بميزانية التسيير، وخضوعها لمبادئ الحكامة الجيدة الذي خصها المشرع الدستوري بباب كامل هو الباب الثاني عشر من دستور 2011.

 

خاتمة:

إن الحديث عن الميزانية وعن المالية العامة للدولة، يجرنا للحديث في الأخير عن السبل لإعادة إنعاش الاقتصاد الوطني من أجل رفع التقشف الحاصل اليوم إزاء أزمة وباء كورونا، كسبيل لضمان سيرورة الإدارات العمومية عن طريق الرفع من ميزانية تسييرها. الأمر الذي أشار إليه رئيس الدولة في خطابه يوم 09 أكتوبر 2020 بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية العاشرة، التي أعطى من خلالها الضوء الأخضر لإنشاء “صندوق محمد السادس للاستثمار”، الذي خصص له مبلغ 15 مليار درهم، وهو صرح لاشك وأنه سيشكل أداة لإعادة إنعاش الاقتصاد الوطني المتهالك بفعل جائحة وباء كورونا.

هذا بالإضافة إلى كون ميزانية التسيير عصب التدبير الإداري ببلادنا، فينبغي أن تكون رشيدة وحسنة الاستعمال ومنضبطة للمبادئ الدستورية التي تصب في خانة الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وذلك لضمان سير آمن للمؤسسات العمومية ببلادنا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى