في الواجهةمقالات قانونية

إلى أي حد إستطاع المشرع المغربي توفير إطار قانوني قادر على الحد من الممارسات المنافية للمنافسة ؟

 

إلى أي حد إستطاع المشرع المغربي توفير إطار قانوني قادر على الحد من الممارسات المنافية للمنافسة ؟

 

من إعداد الطالب الباحث : محمد قزيح

 

طالب باحث بسلك الماستر المنازعات القانونية والقضائية

 

 

تعتبر المنافسة من أهم الأسس التي تقوم عليها الأنظمة الليبرالية في نظامها الإقتصادي ، بحيث أنه شلوك قانوني تعتمده لتشجيع الأفراد ، سواء الطبيعيين أو المعنويين ، للمبادرة في خلق مشاريع مساهمة في الحياة الإقتصادية ، لإعطاء قدرة منافسة إقتصاديات الدول العالم، والتي تتجه بشكل متصاعد نحو الإنفتاح، ففرضت على المغرب نهج مجموعة من الإصلاحات لجعل إقتصاده مواكبا لهذه التطورات بالرغم من أن المنافسة تشكل قيمة حقوقية مرادفة لحرية المبادرة.

ولها دور في إزدهار النشاط الإقتصادي فإن ذلك لا يعني تسيب ، بل هناك

مجموعة من الضوابط يجب الإلتزام بها ، وذلك لعدم إستغلال إبرام إتفاقات المنافية للمنافسة بإعتبار الممارسات المنافية للمنافسة ، هي إستخدام وسائل ومبادئ منافية للإستقامة ولثقة والإئتمان من الطرف المهني قد تلحق ضرر بالمنافسين له وعرقلة المنافسة والإضرار بها.

وهذا ما جعل المشرع المغربي يعيد النظر في القانون 06.99 وتعديله بموجب قانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة. حيث حاول المشرع في هذا القانون إستحضار المعايير الدولية المعمول بها في قانون المنافسة، خصوصا ما يتعلق بالإتفاقيات المنافية للمنافسة حيث نظم هذه الإتفاقيات في المادة 6 من قانون 104.12 وذلك لوضع حد للتجاوز التي من شأنها الإضرار بالمنافسة ، لكن قد ترد على هذه الإتفاقيات الإستثناءات تثبت شرعيتها وهذا ما تم التنصيص عليه من طرف المشرع المغربي من خلال مقتضيات المادة 9 من نفس القانون.

إذن فهذا الموضوع يكتسي أهمية بالغة على مستوى الشق النظري والعملي

نجد أن الإتفاقيات المنافية للمنافسة تشكل أهم نوع ، فعلى مستوى النظري

من الممارسات المنافية للمنافسة فهي سرطان الإقتصاد لما لها من تأثير خطير على المنافسة. أما الأهمية العملية فتكمن في كون هذه الإتفاقات ألية متداولة في المنافسة لكن يتم المعاقبة عليها إذا ألحقت ضررا بالمنافسة وذلك لحماية الإقتصاد

الوطني.

ومن هنا يطرح الإشكال التالي :

إلى أي حد إستطاع المشرع المغربي توفير إطار قانوني قادر على الحد من الممارسات المنافية للمنافسة ؟

المحور الأول : الإتفاقات المنافية للمنافسة

أولا : العناصر المشكلة للإتفاقات المنافية للمنافسة

لقد نظم المشرع المغربي الإتفاقات المنافية للمنافسة في المادة 6 من قانون 104.12 ، وبإستقرائنا لهذه الإتفاقات لم نجد تعريفا دقيقا لهذه الإتفاقات بل ترك المشرع أمر ذلك للفقه الذي حاول وضع تعريفا لهذا النوع من الإتفاقات ، إذن فهي الأعمال المدبرة أو الإتفاقات أو التحالفات الصريحة أو كيفما كان شكلها وأيا كان سببها ، عندما يكون الغرض منها أو يمكن أن تترتب عليها عرقلة المنافسة ، أو عرقلة النشاط الإقتصادي في السوق ، لذلك فلكي يقع الإتفاق تحت طائلة المنع يشترط توفر عنصرين :

أ – وجود إتفاق بين الأطراف

من خلال إستقرائنا للمادة 6 من قانون 104.12 ، نجد أن وجود إتفاق منافي للمنافسة مرتبط بوجود إتفاق يجمع على الأقل بين شخصين ، فيحصل الإتفاق إما بشكل صريح أو ضمني ، ويكون الهدف منه هو تحريف سير المنافسة في السوق وهذا الإتفاق يجب أن يكون بإرادة الأطراف هذا بالنسبة للأشخاص الطبيعين (1)

أما إذا تعلق الأمر بأشخاص معنوية يكون من اللازم أن يكون هذا الشخص المعنوي متمثلا بإستقلال قانوني وإستقلالية إقتصادية .

أ – الإضرار بالمنافسة

لكي تقع الإتفاقات تحت طائلة المنع يجب أن تؤدي إلى المساس بقواعد المنافسة وهذا ما أكد عليه المشرع من خلال المادة 6 من قانون 104.12 حيث أن الإتفاق يكتسي طابعا منافيا للمنافسة بسبب الهدف المتوخى منه ويصبح معاقبا عليه دون وجود أي نتيجة سلبية لهذا الإتفاق في السوق .(2)

ثانيا : تطبيقات الإتفاقات المنافية للمنافسة

إن الإتفاقيات المنافية للمنافسة تتخذ مجموعة من الأشكال ، وهذا ما سنحاول التطرق إليه :

أ – الحد من دخول السوق وعرقلة تكوين الأسعار

الحد من دخول السوق أو من الممارسة الحرة للمنافسة من لدن منشأت أخرى.

إن هذه الإتفاقات هي إتفاقات حصرية قد تتخد مجموعة من الأشكال تتجلى في تقليص قوة المنافسين أو عددهم وذلك من خلال منع المنافسين الجدد من الدخول لممارسة نشاط صناعي أو تجاري. (3)

عرقلة تكوين الأسعار عن طريق الأليات الحرة للسوق بافتعال ارتفاعها وانخفاضها.

بمعنى أن هذه الإتفاقات تهم الأسعار وشروط البيع وتحديد عناصرها كالهوامش وعائد الأرباح وتجدر الإشارة إلى أن الإتفاقات التي من شأنها إفتعال انخفاض الأسعار تهذف إلى إلغاء المنافسين من السوق.

ب – حصر أومراقبة الإنتاج وتقسيم الأسواق

حصر أومراقبة الإنتاج أو المنافد أو الاستثمارات أو التقدم التقني، إن هذه الإتفاقات تحمل معنى واسع فهي تكون محلا لعدة أنواع من الإتفاقات فقد يتعلق الأمر باتفاقات اختصاص والتي من خلالها تتفق المقاولات على انفراد كل واحدة بإنتاج وصنع مواد وسلع معينة دون الدخول في منافسة بينها. (4)

كما أن المادة 6 من قانون حرية الأسعار والمنافسة ، تحظر أيضا الإتفاقات التي تهدف إلى حصر أو مراقبة المنافد وذلك من خلال تخلي المقاولات عن حريتها التجارية واتفاقها على تحديد قدر المبيعات ومداخيل أخرى لمداخيل الإعلانات التجارية وهكذا فإن فرص كوطا للمبيعات تعتبر محظورة .(5)

أيضا تقسيم الأسواق أو مصادر التموين : قد يتخد هذا النوع شكل مجموعة

مقاولات تتشكل على أساس تقسييم جغرافي للأسواق بين الفاعلين الإقتصاديين، حيث أن المبدأ الأساسي في تقسيم الأسواق يقوم على تجنب أية منافسة فيما بين المقاولات المعنية إعترافهم لبعضهم البعض بالحق في زبائن خاصين لكل مقاولة.(6) وعلى العموم فكل هذه الإتفاقات تعتبر محظورة لأنها تحد من الحرية التجارية وتضعف المنافسة بين المقاولات التي تشكل طرفا في الإتفاق.

المحور الثاني : الضمانات من الممارسات المنافية القواعد المنافسة

أولا : الإستثناءات الناتجة عن تطبيق نص قانوني أو تنظيمي.

أ – الإستثناءات الناتجة عن تطبيق نص قانوني أو تنظيمي :

يتبين لنا أن هناك بعض الممارسات لا تخضع لأحكام المادتين 6 و 7 من خلال إستقراء المادة 9 من قانون 104.12 ، فقد أجاز المشرع المغربي القيام بالممارسات المنافية لقواعد المنافسة كلما سمح بذلك نص تشريعي أو تنظيمي كيفما كان نوعه.

وبذلك يكون المشرع المغربي قد حذا حذو المشرع الفرنسي لسنة 1954 ، (7) ويعتبر هذا الإستثناء مبررا بالمنفعة العامة شريطة أن تكون الممارسات المذكورة نتيجة ضرورية للنصوص المعنية، كما لا يمكن لأصحاب هذه الممارسات تبرير موقفهم يكون تصرفاتهم تدخل في إطار الدفاع الشرعي ضد الممارسات غير المشروعة المتخذة ضدهم. مع الإشارة إلى أن الدفع بوجود نص تشريعي أو نص تنظيمي يبقى مجال إستعماله ضيقا.

ب – الممارسات التي من شأنها المساهمة في التقدم الإقتصادي

إن المشرع المغربي أجاز الإتفاقات المنافية للمنافسة إذا كان من شأنها المساهمة في التقدم الإقتصادي ، والمشرع قد أولى عناية خاصة بالقطاع الفلاحي، وذلك حسب ما جاءت به مقتضيات المادة 9 من القانون 104.12، وقد أحسن المشرع صنعا عندما أخد بعين الإعتبار الطابع الفلاحي الذي يتميز به الإقتصاد الوطني.(8)

كما أن هذا الإستثناء لا يمنح إلا إذا كان التقدم الإقتصادي يتوفر على الشروط التالية : – حصة عادلة في الربح الناتج عن التقدم الإقتصادي. – وأن يكون التقدم

اقتصادي نتيجة مباشرة للممارسات المفروضة. – يجب ألا تكون الممارسات قد

ألغت المنافسة في جزء مهم من السوق.

ثانيا : الجزاءات التي تلحق الإتفاقات المنافية للمنافسة

فحسب نصوص قانون 104.12 المتعلق بالمنافسة وحرية الأسعار يتبين لنا أن الجزاءات يمكن أن تلحق الإتفاقات كما يمكن أن تلحق الأطراف في ذمتهم المالية وحريتهم الشخصية.

أ – التنفيذ القضائي للمنافسة أمام المحاكم المدنية

يلعب قانون حرية الأسعار والمنافسة ذورا كبيرا من خلال إرتباطه بالوضع الإقتصادي داخل البلاد، كما يقوم بتنظيم قواعد المنافسة ، وكون مجلس المنافسة سلطة إدارية تصدر قرارات منظمة لمجالات إقتصادية كان لزاما على المشرع المغربي أن يعهد لجهة قضائية بالسهر على حسن تطبيق القانون وإحترام مقتضياته ومراقبة القرارات الصادرة عن المجلس.

وبذلك تطبق القواعد المتعلقة بالمنافسة أمام المحاكم المدنية في حالة وجود أفعال ألحقت أضرار بالغير ، أو المحاكم الزجرية في حالة مخالفة قواعد القانون الجنائي .

علاوة على المساطر المتبعة أمام مجلس المنافسة ، نجد أن المشرع المغربي أعطى للمجلس صلاحية استعمال سلطته التقديرية ، متى تبين له أن الفعل الذي ارتكبه المخالف يرقى إلى مستوى الأفعال الجنائية، حيث يقوم بإحالة القضية إلى وكيل الملك بالمحكمة الإبتدائية لإجراء المتابعات اللازمة. (9)

فالمحاكم الإبتدائية أو التجارية ، تكون مؤهلة بالنظر في الممارسات المخالفة للمنافسة خصوصا المتعلقة بالمواد 6 و 7 و 8 من قانون 104.12 للتعويض عن الضرر الناتج عن الأفعال ، وهذا ما نستشفه من مقتضيات المادة 10 من نفس القانون التي تعطي للأطراف والأغيار صلاحية إثارة البطلان ، ويىزم أنذاك مجلس المنافسة بإحالة القضية على المحاكم المختصة وإبلاغها برأيه.

وهكذا يكون للقضاء بهذا المفهوم دورين هما :

مراقبة القرارات الصادرة عن مجلس المنافسة والطعن فيها.

القيام بإحالة الأعمال المنافية لقواعد المنافسة المرتكبة التي تصل إلى درجة التجريم على القضاء من أجل التدخل بإقرار التعويض أو إنزال العقوبات.

دعوى الممارسات المنافية للمنافسة : حيث تنص المادة 10 من قانون -1

المنظم لحرية الأسعار والمنافسة على ما يلي : ” يعد باطلا بقوة 104.12

القانون كل إلتزام أو إتفاقية أو بند تعاقدي يتعلق بممارسات محظورة تطبيقا المادتين 6 و 7 أعلاه “.

ومن منطوق هذه المادة نستخلص أن المشرع المغربي رتب البطلان على كل إلتزام أو إتفاقية أو إتفاق يتعلق بالممارسات المنافية للمنافسة المذكورة على السواء في المادتين 7 و 8 من نفس القانون

وتستمد دعوى التعويض عن الأضرار الناتجة عن الممارسات المنافية مرجعيتها من المسؤولية المدنية ، ويجوز أيضا للنيابة العامة أن تثير الدعوى التي تنص عليها في المادة 10 من قانون حرية الأسعار والمنافسة ، كما يمكن لرئيس مجلس المنافسة عندما يلاحظ إحدى الممارسات المذكورة بمناسبة دراسة الملفات التي تعرض عليه أثناء ممارسة إختصاصه.

ويكون الهذف من هذه الدعوى هو الحصول على التعويض علاوة على إمكانية القاضي في فرض بعض القيود والإلتزامات على الطرف المدعي عليه قصد الحيلولة دون إستمرارية الممارسات المنافية للمنافسة.

طرق الطعن : تعتبر السلطة القضائية ألية في تطبيق القوانين والفصل في -2

المنازعات التي تعرض عليها من قبل الأفراد ولن يتأتى لها ذلك إلا بواسطة الأحكام التي تصدرها. فكان لا بد من إيجاد ضمانات لحماية حقوق الأطراف المعنية بالقرار وتتمثل هذه الضمانات في تقرير حق المتعاملين الإقتصاديين المعنيين بقرارات في اللجوء إلى القضاء المختص للطعن في هذه القرارات.

ب – تنفيذ قواعد المنافسة والمحاكم الزجرية

فحسب قانون حرية الأسعار والمنافسة معظم الممارسات المحظورة رتب على إرتكابها جزءا متمثلا في الحبس أو الغرامة أو هما معا.

 

خلاصة القول ، أن قانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة جاء بقواعد حماية للمنافسة ، بهذف تنشيط الفاعلية الإقتصادية وتحسين رفاهية المستهلكين وضمان الشفافية والنزاهة في العلاقات التجارية ، وحضر كل الأعمال والممارسات المنافية لقواعد المنافسة التي يمكن أن يترتب عنها عرقلة المنافسة الشريفة ، أوتحريف سيرها في السوق الوطنية.

وبالتالي فسياسة المنافسة بالمغرب لا تهدف إلى فرض إكراهات على الفاعلين الإقتصاديين والمقاولات بل ترمي على العكس من ذلك إلى تمكينها من التدخل في أسواق مفتوحة لا تعرقل عملها ، من خلال تصرفات منافية للمنافسة من طرف مقاولات أخرى هذا من جانب، ومن جانب أخر لا بد من تكريس ونشر ثقافة المنافسة والتعاون بين الفاعلين الإقتصاديين في إطار تنمية الإستثمارات الوطنية ، وتفعيل وتطوير المنظومة الإقتصادية للبلاد بشكل عام.

 

 

 

 

الإحالات :

   قانون حرية الأسعار والمنافسة  104.12_

  عبد العزيز الصافي قانون المنافسة المغربي، مطبعة سجل ماسة ، مكناس (1)

ص 83.،2005

  الحسن الرائي ، الإتفاقات المنافية للمنافسة . رسالة لنيل شهادة الماستر في (2)

القانون الخاص. جامعة سيدي محمد بن عبد الله ، كلية الحقوق فاس.

الحسن الرائي ، المرجع السابق ، ص 25/53.(3)

 ربيع شركي ، الممارسات المنافية لقواعد المنافسة ، تقرير لنيل دبلوم (4)

الدراسات المعمقة – جامعة الحسن الثاني عين الشق – الدار البيضاء

سابق ، ص 32.  / مرجع 2007-2008

عبد العزيز الصقلي ، م . س / ص 93.(5)

 الحسن الرائي ، مرجع سابق ص 59.(6)

 ربيع شركي ، مرجع سابق / ص 56.(7)

ربيع شركي ، مرجع سابق / ص 92.(8)

 قانون حرية الأسعار والمنافسة 104.12 ، قسم الثامن الأبحاث والعقوبات : (9)

مقتضيات الباب الثاني : العقوبات الجنائية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى