البنية المؤسساتية للرقابة الإدارية على مالية قطاع التربية والتكوين
البنية المؤسساتية للرقابة الإدارية على مالية قطاع التربية والتكوين
عسو عبادي
مفتش المصالح المادية والمالية بقطاع التربية والتكوين
مصطفى الخطابي
باحث في العلوم القانونية
مفتش المصالح المادية والمالية بقطاع التربية والتكوين
مقدمـــــــــــــــة:
لا يختلف اثنان على أن الرقابة على المال العام على مستوى وزارة التربية الوطنية مهمة واستراتيجية تستدعي دراستها الإحاطة بكل جوانبها قصد المساهمة في رصد نقط ضعفها واستجلاء نقط قوتها بهدف دعم مقاربة الرقابة التي تنهجها الاجهزة والمؤسسات المكلفة بها، وذلك من خلال تقصي منتوج اجهزة الرقابة على المال العام بالنظر إلى النقاش والجدل الواسع حول ترسيخ مبادئ الرقابة والتقييم والمساءلة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وسعي مختلف الأطراف الفاعلة داخل نسق الدولة إلى بلوغ الهدف من الرقابة على المال العام والسهر على صرفه بشكل ناجع ورشيد في إطار التدبير المرتكز على ربط الوسائل بالنتائج الذي يقوم على البرمجة المالية الدقيقة والواضحة الأهداف من جهة، والإرادة والشفافية والنزاهة في تدبير الشأن العام الذي يمر عبر بوابة استهداف مظاهر الانحراف وتقويمها وتصحيح الوضعيات المالية المختلفة من جهة ثانية.
لقد مرت الرقابة الإدارية على المال العام بالمغرب عموما وعلى مستوى قطاع التربية الوطنية على نحو خاص بمجموعة من المراحل، لكل مرحلة مميزاتها ومرجعياتها، وبذلك تختلف البنية الرقابية من مرحلة إلى أخرى وتختلف معها الأهداف والغايات.
وانطلاقا من كونها وظيفة ادارية، وعملية مستمرة متجددة، يتم بمقتضاها التحقق من الأداء على النحو الذي حددته الأهداف والمعايير الموضوعية، وذلك بقياس درجة نجاح الأداء الفعلي في تحقيق الأهداف والمعايير بغرض التقويم والتصحيح، تكمن أهمية البنيات الرقابية.
إن حرص الدولة على حماية الأموال العامة من سوء الاستعمال دفعها لإحداث وسائل متنوعة لمراقبة الادارة والمؤسسات العمومية وباقي البنيات التي تستفيد من المساعدات المالية العمومية، وعلى غرار باقي القطاعات العمومية تخضع وزارة التربية الوطنية لمراقبة المفتشية العامة للمالية (أولا) على ماليتها بالإضافة الى المراقبة التي تقوم بها المفتشية العامة للشؤون الادارية من داخل الوزارة (ثانيا) والوقوف على دور جهاز تفتيش المصالح المادية والمالية والتخطيط في مراقبة تدبير المرفق العمومي لوزارة التربية الوطنية (ثالثا)، دون أن نغفل الدور الفعال للخزينة العامة ومراقبة الالتزام بنفقات الدولة في الاضطلاع برقابة مستمرة لتنفيذ ميزانية الوزارة (رابعا)، دون اغفال مراقبة أعمال الآمرين بالصرف في اطار المؤسسة العمومية، (الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين نموذجا )على ضوء القانون رقم 00-69 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات أخرى (خامسا).
أولا: مراقبة المفتشية العامة للمالية
تخضع وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي كقطاع وزاري على غرار باقي القطاعات الحكومية لمراقبة المفتشية العامة للمالية لما تحتله من مكانة مركزية وموقعا محوريا ضمن أجهزة الرقابة العليا على المال العام بالنظر إلى شمولية رقابتها من حيث الاختصاص أو المجال بحيث تتسع لشمل جميع الأموال العمومية أيا كان مصدرها أو قيمتها أو مكانتها.
وتمثل المفتشية العامة للمالية أعلى جهاز إداري للتفتيش المالي بالمغرب، تتبع مباشرة للوزير المكلف بالمالية، وقد تم إنشاؤها بموجب ظهير 14 أبريل 1960، وهي مختصة أساسا بالتدخل الواسع على مستوى المصالح العمومية في كل الوزارات والدوائر الحكومية، ومن بينها من طبيعة الحال وزارة التربية الوطنية والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين التابعة لها باعتبارها مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي تعنى أساسا بتنزيل السياسات العمومية المتعلقة بالتربية والتكوين وتستفيد من مخصصات مالية تساهم بها الدولة عن طريق الميزانية الفرعية لوزارة التربية الوطنية كجهاز وزاري وصي، وتعتبر رقابة المفتشية العامة للمالية أسلوبا من أساليب الرقابة الإدارية السابقة كما هو الشأن بالنسبة لمراقبة الالتزام بالنفقات، ويشكل هذا النوع من الرقابة بصفة عامة أحد أهم العناصر المكونة لمراقبة المالية بالمغرب وذلك راجع إلى صلابة تكوين المفتشين الماليين وكذلك إلى تقنية التفتيش المفاجئ والتي تجعل المحاسبين العموميين والآمرين بالصرف في ترقب مستمر لزيارة مفتشي المالية[1].
وتختص المفتشية العامة للمالية بسلطات واسعة تشمل إجراء عمليات التفتيش والافتحاص المالي على كل الإدارات والمصالح العمومية، وعلى الأمرين بالصرف والمحاسبين العموميين، ويتجلى ذلك بشكل مباشر في القطاع في مراقبة الأجهزة المركزية لوزارة التربية الوطنية والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمصالح الخارجية الأخرى على أساس أن مدراءها يتمتعون بصفة أمرين بالصرف، وتعمل المفتشية العامة للمالية بالقيام بكل التحريات التي تهم تدبير المال العام المخصص للوزارة، وتعتمد في عملها إما بناءا على طلبات التدخل من وزير التربية الوطنية أومدراء الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، أو بناءا على تلقي شكاوى أو إشاعات مؤكدة أو استنادا إلى اقتراح من المفتش العام بإجراء كل تحقيق يراه مفيدا ويحدد موضوعه بموافقة وزير المالية، وتحيط هذه المراقبة بكافة جوانب المصلحة موضوع البحث وتتوج بتقرير شامل يسجل نتائج التفتيش[2]، وتتمحور مهام التفتيش حول:
- مهمة التفتيش ومراقبة مصالح الوزارة المكلفة بالمالية.
- مهمة التفتيش والمراقبة والتدقيق للمقاولات والمؤسسات والمصالح العمومية.
- مهمة تدقيق المشاريع العامة والدراسات.
وهي بذلك جهاز مركزي يمتد نشاطه إلى كل القطاعات العمومية في كل أنحاء المغرب مما أكسبها مكانة هامة ضمن أجهزة الرقابة المالية بالمغرب.
وفي هذا الصدد يجب التذكير إلى أن المفتشية العامة للمالية لا تمارس مهام الرقابة بصفة دائمة وتلقائية على جميع الهيئات الخاضعة لتدخلها، وإنما يتم ذلك بصفة محددة في إطار برنامج سنوي يعده المفتش العام للمالية تحت إشراف وزير المالية، حيث يشمل بعض المصالح الإدارية والمؤسسات العمومية التي يتم اختيارها بناءا على معايير محاسبية ومالية، واستنادا كذلك إلى إفادات صادرة عن المصالح التي تقوم دائما بمهام ومراقبة التدبير المالي والمحاسبي، لمديرية المؤسسات العمومية والخوصصة والمراقبة العامة للالتزام بنفقات الدولة والخزينة العامة [3].
وخلافا لأجهزة المراقبة الإدارية الأخرى، فإن هيئة التفتيش العام للمالية، لا يمكنها إلا استنتاج المخالفة وإخبار السلطة الرئاسية للجهة المراقبة ووزير المالية في حالة ثبوت إخلال خطير، كما أن سلطتها الزجرية تنحصر في إثارة مسطرة تعليق نشاط المحاسب في حالة إذا ما تبين لها خطورة المخالفة دون أن يتمكن المفتش من تنفيذ العقوبة.
وخلاصة الأمر يبقى الهدف من تدخل المفتشية العامة للمالية هو مراقبة مشروعية العمليات المنجزة من طرف الأمرين بالصرف والمحاسبين العموميين، ولا تختصر رقابتها على مشروعية العمليات المالية التي يقومون بها فقط، بل تتعداها إلى طريقة تسييرهم للمرافق العمومية التي تخضع لإشرافهم، ومدى ملائمة عملياتها وقرارات مسؤوليها لروح القانون ومتطلبات المحيط السوسيواقتصادية، والواقع أنه رغم التوسع في الاختصاصات الملقاة على عاتق المفتشية العامة للمالية، إلا أنها تجد صعوبات كبيرة في شمول جميع الهيئات والمجالات بوزارة التربية الوطنية، بما يتميز به القطاع بخصوصيات عدة تصعب عمل المفتشية.
وفي نهاية المطاف فالمراقبة التي تقوم بها المفتشية العامة للمالية كأعلى جهاز إداري للرقابة الإدارية على المال العام تشكل ضمانة كبيرة لحمايته من أي اعتداء عليه واحاطته بحماية ناجعة في أفق حكامة تدبير مالية قطاع التربية الوطنية على جميع المستويات.
ثانيا : مراقبة المفتشية العامة للشؤون الإدارية بوزارة التربية الوطنية
تعتبر المفتشية العامة للشؤون الادارية بوزارة التربية الوطنية جهازا عاليا للرقابة الإدارية الداخلية على مستوى المصالح المركزية والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين باعتبارها مؤسسات عمومية بالقطاع حسب القانون 00-07 المحدث لها وكذا ومصالحها الخارجية ، وتمثل المفتشية العامة للشؤون الادارية أعلى جهاز إداري للمراقبة والتفتيش الاداري والمالي بمصالح الوزارة المختلفة، وتنبؤ مكانة مركزية وموقعا محوريا ضمن منظومة الرقابة الداخلية على المال العام بالنظر الى تخصصها على مستوى القطاع، الشيء الذي يطبع على عملها طابع التخصص والفعالية.
وانطلاقا من هنا سنبرز اختصاصات المفتشية العامة للشؤون الادارية بوزارة التربية الوطنية (أولا)، كما سنقوم بتناول الحدود التي تعرفها المفتشية العامة وتعزيز تدخلاتها على مستوى الوزارة (ثانيا).
1. اختصاصات المفتشية العامة للشؤون الادارية بوزارة التربية الوطنية.
لقد باتت المفتشية العامة للشؤون الادارية بوزارة التربية الوطنية تلعب دورا طلائعيا في إصلاح القطاع وتجويد أدائه وتحسين مردوديته وفعاليته وضمان حكامة التدبير الاداري والمالي به، باعتبارها جهازا أساسيا ومكونا محوريا للمراقبة والتدقيق والتتبع والتأطير وتقويم الأعمال والأنشطة مقارنة مع الأهداف المتوخى تحقيقها، وتقييم تدبير المصالح المركزية واللاممركزة، فإنه أصبح في حكم اللازم تمكينها بالوسائل والموارد الكفيلة لاضطلاعها بمهامها على أحسن وجه.
واستحضارا لموقع هذا الجهاز الاستراتيجي في منظومة التربية والتكوين، فقد أناطت وزارة التربية الوطنية بالمفتشية العامة للشؤون الإدارية القيام بهذا الدور الجوهري، وحدّد لها المرسوم المتعلق بتنظيم وزارة التربية الوطنية، اختصاصات ومجموعة من المهام المرتبطة بالشأن الإداري والمادي والمالي تتجلى اساسا في:
- القيام بتحليل وابداء الرأي حول القضايا ذات الطابع التنظيمي المتعلقة بسياسة الوزارة في المجالين الإداري والمالي، وفي مجال تدبير الموارد البشرية.
- العمل على القيام بالدراسات والتحريات الهادفة إلى تقييم القدرات التدبيرية لمصالح الوزارة والمصالح الخاضعة لوصايتها في المجالين الإداري والمالي، وفي مجال تدبير الموارد البشرية، مع العمل على اقتراح التدابير لتحسين فعاليتها.
- السهر على تقويم أنماط التنظيم الإداري وطرائق عمل المصالح المركزية للوزارة والمصالح الخاضعة لوصايتها.
- القيام بالإشراف على عمليات افتحاص المصالح الإدارية والمالية والمصالح المكلفة بتدبير الموارد البشرية والمصالح الخاضعة لوصايتها.
- الحرص على تحليل وقياس وتقييم مدى تحقق الأهداف المسطرة في عقود البرامج التي تم الالتزام بتنفيذها بين الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والوزارة.
إن وزارة التربية الوطنية وسعيا منها الى تمكين وتعزيز المفتشية العامة للشؤون الإدارية بالموارد البشرية الكافية للنهوض بأدوارها الطلائعية، تنظم وزارة التربية الوطنية، كلما دعت الضرورة، مباراة لتكوين المفتشين تخصص المصالح المادية والمالية والمفتشين في التخطيط التربوي.
وتلعب هذه الأجهزة بمختلف أنواعها دورا بارزا في الرفع من جودة أداء المنظومة التربوية، وتحسين العملية التربوية والتكوينية، وتطوير الوظائف الأساسية للمدرسة، وتفعيل مقتضيات الإصلاح.
وفي سبيل تنظيمها وتأطيرها، عملت وزارة التربية الوطنية على إحاطتها بترسانة قانونية وتنظيمية مهمة لمساعدتها على أداء مهمتها بشكل فعال، وإصدارها في إطار تنظيمي خاص بها متضمنا مجموعة من المراسيم والقرارات والمذكرات والوثائق ودليلا مهنيا للتفتيش.
2. حدود تدخل المفتشية العامة للشؤون الادارية
انطلاقا من الاختصاصات الموكولة لها تقوم المفتشية العامة للشؤون الادارية بوزارة التربية الوطنية بالمهام المنوطة بها في إطار برنامج سنوي يقرره الوزير باقتراح من المفتش العام للشؤون الادارية أو مأموريات طارئة بأمر من الوزير إن اقتضى الحال ذلك أو كلما دعت الضرورة لذلك، وتكتسي المعلومات والوثائق التي يطلع عليها المفتش العام والموظفون المزاولون لمهام التفتيش في نطاق القيام بمهامهم أو أثناء اعدادهم للتقارير السنوية بطابع السرية، لما لها من حساسية خاصة وأنها تمس جانبا يتعلق بالمال العام، ومن جانب آخر لما لها من خصوصية على اعتبار لما قد تلحقه من أثر على أحد المراكز القانونية للموظفين الذين شملتهم عميات المراقبة التي تقوم بها المفتشية العامة للشؤون الادارية، ويعتبر إفشاء هذه الأسرار لغير الأجهزة المعنية بهذه التقارير بمثابة إخلال بالواجب المهني.
وفي هذا الصدد فالمفتش العام للشؤون الادارية يعمل على اعداد تقارير مدعمة بمختلف الوثائق والبيانات الضرورية يحيلها على المصالح المعنية للاطلاع عليها وتقديم ملاحظاتها بشأن التوصيات الواردة فيها وذلك داخل أجل أقصاه ثلاثون يوما ابتداء من تاريخ توصلها بتقرير التفتيش[4].
ويرفع المفتش العام التقارير النهائية وملاحظات المصالح المعنية إلى الوزير الذي يقرر في مآلها وفي مدى استثمارها بما يعود بالنفع العام على حسن سير المرافق الادارية للوزارة والمؤسسات التابعة لها، كما يقرر الاجراءات الواجب اتخاذها في هذا الشأن.
كما يعد المفتش العام تقريرا تركيبيا سنويا عن حصيلة أنشطة المفتشية العامة للشؤون الادارية يرفعه إلى الوزير قبل 31 مارس من السنة الموالية ، يتم التركيز فيه على الاختلالات التي تكون قد شابت سير مصالح الوزارة والاكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمديريات الاقليمية وباقي مؤسسات الوزارة التي شملتها عمليات مراقبة المفتشية العامة للشؤون الإدارية، معززا بالتوصيات المقترحة بغاية تحسين وتطوير أدائها؛ بالإضافة الى رفعه تقريرا سنويا حول القضايا المعروضة عليه من لدن مؤسسة الوسيط ويرفع هذا التقرير إلى السيد رئيس الحكومة تحت إشراف وزير التربية الوطنية.
ثالثا : دور جهاز تفتيش المصالح المادية والمالية والتخطيط التربوي في مراقبة تدبير المرفق العمومي لوزارة التربية الوطنية.
يعد جهاز تفتيش المصالح المادية والمالية والتخطيط التربوي بوزارة التربية الوطنية، جهازا وطنيا يقوم بمهام التأطير والمراقبة والتقويم والافتحاص والتخطيط والدراسات والابحاث بغية تحقيق الحكامة الجيدة والجودة المطلوبة في أداء المنظومة التربوية مركزيا وجهويا وإقليميا، وينتظم داخل المفتشية العامة للوزارة.
لقد تطور مفهوم التفتيش بقطاع التربية الوطنية تبعا للتطور الذي عرفه هذا القطاع. وهكذا، فقد انتقل من مستوى التعريف الوظيفي، الذي يحدد مهامه في ضبط وزجر المخالفات التي قد يرتكبها القائم على تدبير المرفق العمومي اثناء قيامه بمهامه، هذا التعريف جعل من التفتيش جهازا زجريا بامتياز، وظيفته الرئيسية احصاء الاخطاء ورفع التقارير التي ينتج عنها عقوبات تأديبية، وجعل من المفتش يخلط بين المهام الرقابية والمهمات التدبيرية التي يكلف بها ما ينج عنه تشتت المجهود في خضم هذا الوضع، كما بات يستدعي التعامل مع المفتش ومفتش المصالح المادية والمالية بشكل خاص حذرا شديدا وتواصلا محدودا.
ولن نرجع للوراء بسرد التطور الكرونولوجي لمهام وأدوار مفتشو المصالح المادية والمالية ومفتشو التخطيط التربوي، بل سنقتصر على وضعية المفتش ومركزه القانوني الحالي، فقد نص النظام الأساسي الخاص بموظفي بوزارة التربية الوطنية[5]، في المادتين 34 و46 والمادة 89 على:
- تثبيت إطار مفتشي التخطيط التربوي.
- إحداث إطار مفتشي المصالح المادية والمالية.
- إحداث إطار المكلفين بتنسيق التفتيش المركزي والجهوي في مجالات التخطيط والمصالح المالية والمادية والشؤون الإدارية.
وعمل المرسوم 10 فبراير 2003 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية على تحديد مهام واختصاصات مفتش المصالح المادية والمالية وانتماءه الوظيفي، حيث تنص المادة 34 على انتماء مفتش المصالح المادية والمالية لهيئة التسيير والمراقبة المادية والمالية، كما تحدد المادة 42 من المرسوم ذاته مهام مفتشي المصالح المادية و المالية في القيام ” بمراقبة التسيير المالي والمادي و المحاسباتي للمؤسسات التعليمية و لمراكز التكوين التابعة لوزارة التربية الوطنية”.
كما حدد مهام مفتش التخطيط التربوي في القيام بتأطير ومراقبة المستشارين في التخطيط التربوي وتنسيق أنشطتهم، والمساهمة في إعداد وتنفيذ وتقييم مخططات التربية والتعليم على الصعيد الوطني والجهوي.
والملاحظ أن هذا النص لم يقم بتحديد وتفسير ماهية هذه المراقبة، الا أننا يمكن تعريفها بكونها إخضاع عمل المسير في المجال المالي والمادي والمحاسباتي لفحص وتقييم، بناء على معايير ومرجعيات مؤطرة بالقانون والنصوص المنظمة.
وفي هذا السياق فالمراقبة كما جاءت في المادة 42 من المرسوم السالف الذكر، تعد مهمة روتينية يقوم بها المفتش وتدخل في صميم عمله اليومي، ويجب أن تكون موضوع برنامج عمله السنوي، الا أن الممارسة الميدانية بينت بأن مجال عمل مفتش المصالح المادية والمالية ومفتش التخطيط، أوسع بكثير.
ويختلف مفهوم المراقبة الوارد في النص عن المفهوم العام للكلمة، والذي يضم مجموعة من المهام كالافتحاص والتفتيش بشتى أنواعه والتقييم ومهام أخرى كالبحث والتحري، والتي لم يشر اليها المرسوم، و هي مهام لا يقوم بها المفتش من تلقاء نفسه ولا يقوم بها بمفرده؛ و تختلف الأهداف التي يسعى كل شكل من أشكال المراقبة لتحقيقها .
وفي هذا الصدد فقد جاءت المذكرة رقم 116 و 118 الصادرتين بتاريخ 21 شتنبر 2004 من أجل تنظيم مجال التفتيش منها مجال تفتيش التخطيط التربوي ومجال تفتيش المصالح المادية والمالية [6].
وأعقبها بعد ذلك قرار لوزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي[7]، بهدف تدقيق وتفصيل المهام المسندة لأطر التفتيش المنصوص عليها في النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية وأصبحت مهام مفتشي المصالح المادية والمالية ومفتشو التخطيط التربوي كالتالي:
بالنسبة لمفتشي المصالح المادية والمالية، ووفقا للمادة الثالثة من القرار فقد نصت على أن مفتشي المصالح المادية والمالية يقومون تحت إشراف مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين والمدير الإقليمي المعني، كل في حدود دائرة نفوذه الترابي، بالمهام التالية :
- مواكبة وتأطير مسيري المصالح المادية والمالية، واستكمال خبراتهم المهنية.
- تتبع ومراقبة مسيري المصالح المادية والمالية وتقييم أدائهم المهني.
- المساهمة في تقييم أداء ومردودية مؤسسات التربية والتعليم العمومي ومراكز التكوين ومؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي.
- المساهمة في المراقبة الإدارية والمالية لمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي.
- تتبع تنفيذ المقتضيات التنظيمية المتعلقة بتنظيم السنة الدراسية لضمان وتأمين موسم دراسي منتظم
- المساهمة في عمليات تنظيم مباريات التوظيف، وامتحانات الكفاءة المهنية.
- المساهمة في إنجاز الدراسات والبحوث في المجال المالي والمادي والمحاسباتي وتتبعها.
بالإضافة الى إعداد تقارير دورية حول عمليات تدبير ومراقبة التسيير المالي والمادي والمحاسباتي بالمؤسسات التعليمية ومراكز التكوين ومختلف الأنشطة المنجزة خلال السنة الدراسية، وإنجاز تقرير تركيبي حول الحصيلة السنوية مع نهاية كل موسم دراسي.
أما بخصوص مفتشي التخطيط التربوي فتتجلى مهامهم كذلك وتحت إشراف مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين والمدير الإقليمي المعني، كل في حدود دائرة نفوذه الترابي ، بالمهام التالية :
- تأطير ومواكبة المستشارين في التخطيط التربوي للقيام بالمهام المنوطة بهم، والعمل على استكمال خيراتهم المهنية .
- مراقبة وتتبع المستشارين في التخطيط التربوي وتقييم أدائهم المهني.
- المساهمة في إعداد الخريطة المدرسية وتطبيق المعايير والإجراءات المتخذة في مجال التخطيط التربوي وتتبع تنفيذها .
- المساهمة في تقييم أداء ومردودية مؤسسات التربية والتعليم العمومي والخصوصي .
- المساهمة في تتبع تنفيذ القرارات المتخذة في مجال البرمجة والإحصاء .
- المساهمة في ترشيد توطين واستعمال البنايات واقتناء التجهيزات والسهر على حسن تدبيرها ؛
- تتبع تنفيذ المقتضيات التنظيمية المتعلقة بتنظيم السنة الدراسية ، لضمان وتأمين موسم دراسي منتظم .
- المساهمة في تنظيم عمليات مباريات التوظيف، وامتحانات الكفاءات المهنية .
- المساهمة في إنجاز المشروع التربوي الجهوي والإقليمي والمحلي .
- المساهمة في إنجاز الدراسات والبحوث في مجال التخطيط والتنظيم التربوي وتتبعها.
بالإضافة الى العمل على إعداد تقارير دورية حول عملية تأطير ومراقبة المستشارين في التخطيط التربوي، ومختلف الأنشطة المنجزة خلال السنة الدراسية ، وإنجاز تقرير تركيبي حول الحصيلة السنوية مع نهاية كل موسم دراسي .
ومن خلال قراءة لهذا القرار المتعلق بتدقيق وتفصيل المهام المسندة لأطر التفتيش، يمكن القول أنه جاء ليستهدف بالدرجة الأولى إحكام السيطرة على هذه الهيئة وتكبيلها من خلال وضعها تحت رقابة سلطة البيروقراطية الادارية لمدير الاكاديمية والمدير الاقليمي خاصة بالنسبة لمفتشي المصالح المادية والمالية، بالإضافة الى أنه جاء مغرقا في العموميات والعبارات المبهمة دون تدقيق مهام كل فئة انطلاقا من المهام الكبرى المؤطرة نزولا عند تفصيلاتها ضمن جداول قابلة للقراءة والتنزيل.
لقد أدت وضعية جهاز تفتيش المصالح المادية والمالية والتخطيط التربوي بقطاع التربية الوطنية المتعلقة بالتأطير القانوني والواقع العملي، الى ضعف مردوديته وسمحت لكل الانحرافات والتجاوزات التي تعرفها الادارة بالاستمرار، بل والتغول في كثير من الأحيان، على الرغم من وجود جهاز التفتيش كآلية رقابية داخلية مهمة، ليصبح دور التفتيش شكليا وزيارة المفتشين للمرافق العمومية مسالة دورية وروتينية، تكرر نفس الممارسات وينتج عنها نفس التقارير، حتى اصبحت اوضاع التدبير الاداري والمالي والمادي كما تصفها مختلف التشخيصات، تستدعي الاسراع بالتدخل على المستوى التنظيمي و الهيكلي والوقائي والعلاجي للتصدي الى مختلف الاختلالات والانحرافات لتمكين الادارة من المناعة اللازمة لها حتى تكون فاعلة في الحكامة الرشيدة والتدبير الجيد، و يستلزم الوعي بأهمية التفتيش و وضعيته المزرية، تطور مفهوم التفتيش العام شيئا فشيئا، وذلك في اطار الرؤية العامة حول تحديث و عصرنة الادارة، ليصبح جهازا رقابيا حديثا عن طريق خلق جسور مع مختلف الاجهزة المكلفة بأنواع الرقابة المختلفة.
واذا اعتبرنا بان تطور مفهوم التفتيش قد جاء استجابة للتطور العام الذي تعرفه الادارة والى ارتقاءها الى ان تكون ادارة مواطنة، منظمة و منتجة و تتبنى انماطا حديثة في التدبير لتصبح عنصرا فاعلا وايجابيا في مسلسل التغيير الذي يعرفه البلد.
لكل هذه الاعتبارات، فان مهام التفتيش بالقطاع وفق منظوره الجديد يجب ان تتضمن مجموعة من الوظائف المتكاملة؛ و التي يمكن ان نجملها في ما يلي:
- مهام التدقيق التنظيمي والاداري والمالي.
- مهام المراقبة للأداء الفعلي للأجهزة الادارية والمالية.
- مهام الاستشارة والتوجيه للمشرفين الاداريين والماليين بالوزارة.
- مهام التأطير للأطر البشرية العاملة بالقطاع.
- مهام التقييم من خلال مقارنة الاهداف المسطرة والنتائج المحصلة على ضوء الوسائل المتوفرة و السياق العام لمشاريع الوزارة وأولوياتها وبرامجها.
و في الاخير فمفتش المصالح المادية والمالية ومفتش التخطيط التربوي يلعبان دورا محوريا في ضمان جودة التدبير الاداري والمالي داخل منظومة التربية والتكوين، ولا يعملان فقط بمقتضى المرسوم المذكور آنفا، بل يخضعان و يستحضران كذلك المبادئ والمقتضيات المنصوص عليها سواء في الوثيقة الدستورية أو في مرجعيات أخرى؛ مثل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وترشيد الحكامة المالية وحفظ المال العام، ويبقى لهذا الجهاز المكانة الاساسية داخل القطاع لاضطلاعه بالرقابة الداخلية لما لها من أثر على المدبرين في السعي الى حسن الاداء والجودة في العمل والحكامة في التدبير، رغم كل الصعوبات والمعيقات، وبذلك فهذا الجهاز يعتبر بحق كأحد الضمانات المهمة في حماية المال بشكل مستمر في الزمان والمكان.
رابعا: مراقبة الخزينة العامة والالتزام بنفقات الدولة.
تراقب الادارة عملها بواسطة أجهزة إدارية خاضع لسلطة وزير المالية لتفادي التجاوزات الممكن حدوثها عند تحصيل المداخيل أو صرف النفقات، وسنخصص هذه الفقرة للتطرق إلى مراقبة الالتزام بالنفقات والمراقبة التي تضطلع بها الخزينة العام على الأموال العمومية.
فبالنسبة لمراقبة الالتزام بدفع نفقات الدولة فتخضع هذه المراقة لأحكام المرسوم رقم 2.75.839 الصادر في 30 دجنبر1975[8]. وهي مراقبة قبلية تهم كل اقتراحات الالتزام التي يقوم بها الآمرون بالصرف سواء المتعلقة بنفقات التسيير المخصصة للمصالح العمومية والإدارية لضمان استمرارية سير مصالح الدولة إداريا وتشمل نفقات المستخدمين والمعدات أو بنفقات التجهيز التي تشمل تغيير البنيات التحتية وغيرها.
ويتكون جهاز مراقبة الالتزام بدفع نفقات الدولة من:
- المراقب العام للالتزام بدفع نفقات الدولة.
- مراقبين مركزيين ينصبون إلى جانب الأمرين بالصرف في كل الوزارات
- مراقبين بالعملات والأقاليم لمراقبة الالتزام بدفع النفقات المفوض فيها للآمرين بالصرف المساعدين على الصعيد الإقليمي.
وفي إطار اصلاح نظام مراقبة النفقات تم إدماج مصالح مراقبة الالتزام بالنفقات ومصالح الخزينة العامة للملكة ابتداءا من سنة 2006 وذلك بموجب المرسوم رقم 52.06.2 [9]، القاضي بإلحاق مراقبة الالتزام بنفقات الدولة بالخزينة العامة للملكة وتحويل اختصاصات المراقب العام للالتزام بالنفقات إلى الخازن العام للملكة في أفق دعم ثقافة المحاسبة البعدية، مما أدى إلى توحيد جميع المتدخلين في مسلسل النفقات على مستوى وزارة المالية بالنسبة لباقي الوزرات بشكل عام وبوزارة التربية الوطنية بشكل خاص على نحو يخول تجنب كثرة المتدخلين ويبسط المساطر الإدارية والمالية.
وبعد مرور سنة من هذا الادماج وبمقتضى قرار لوزير المالية بتاريخ 14 فبراير 2007، تم إحداث مصالح للخزينة لدى الوزارات على رأس كل وزارة أو لعدة وزرارات، وفي هذا الصدد فوزارة التربية الوطنية تضم خازن على المستوى المركزي كذلك، مما أدى الى الجمع بين المراقب والمحاسب في هيكلة واحدة، إذ أصبحت لكل خزينة وزارية تضم 3 مصالح هي:
- مصلحة مراقبة النفقات المتعلقة بالمعدات والخدمات.
- مصلحة مراقبة النفقات المتعلقة بالموظفين.
- مصلحة الأداء والمداخيل والمحاسبة.
وقد طال الادماج المصالح الخارجية على المستويين الجهوي والإقليمي، إذ تم احداث خزينة جهوية في كل جهة الامر الذي يسهل مراقبة وتتبع نفقات الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين باعتبارها مؤسسات عمومية وكذلك المديريات الإقليمية التابعة لها، وخزينة اقليمية في كل عمالة واقليم.
وهكذا تنصب أعمال المراقبة على التحقق من صحة الانتساب المالي للنفقة والتثبت من توفر الاعتمادات التي ستدفع منها النفقة المقترح الالتزام بها والتأكد من صحة تقديرها ومدى مشروعيتها بالنسبة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، وتؤدي هذه الرقابة إلى وضع المراقب لتأشيرته مع التعليل على ذلك، فإن كان السبب شكليا كوجود أخطاء مادية أو نقصان بعض الوثائق فإنه يتم تأجيل التأشير، وإذا كان السبب جوهريا كنقصان الاعتمادات أو مخالفة الاقتراح للقوانين، فإنه يمكن للوزير المعني بالأمر رفع القضية إلى الجهاز المكلف بمراقبة الالتزام بالنفقات في حال عدم اقتناع الادارة المعنية بسبب رفض التأشير وتمسكها باقتراح الالتزام، وفي حال عدم التوصل إلى حل المشكل فإنه يرفع إلى رئيس الحكومة ليفصل فيه.
مما سبق فإن مراقبة الالتزام بدفع النفقات لها طابع وقائي، إذ تتدخل قبل التزام الادارة بصرف النفقات لتفادي مخالفة القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، لكن بطء مسطرة المراقبة يعطل القيام بالنفقات فتقلص سلطة الأمرين بالصرف الذين يتحولون إلى مجرد منفذين لتعليمات وزير المالية عن طريق مراقبي الالتزام بدفع النفقات بسبب الطابع الاستعجالي الذي تكتسيه النفقات التي يبادر الآمرون بالصرف الى القيام بها.
وبذلك فالخزينة العامة للمملكة تعتبر إحدى أهم إدارات وزارة الاقتصاد والمالية، وعبرها تمر جميع التدفقات المالية والمحاسبية للدولة والجماعات المحلية حيث تتولى مراقبة وأداء النفقات العمومية. وهكذا، تضطلع شبكة الخزينة العامة للمملكة بمراقبة الالتزام بجل نفقات الدولة، حيث تقوم عبر شبكة محاسبيها بأداء هذه النفقات.
وبالنظر الى قطاع التربية الوطنية والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين كمؤسسات عمومية تابعة لهذا القطاع فلا تخرج عن هذه المراقبة التي تقوم بها الخزينة العامة للمالية، وبذلك فهي تعتبر ضمانة كبيرة لحسن تدبير المال العام المخصص لتدبير قطاع التعليم ببلادنا، اذ يمكن اعتبارها وسيلة لحسن تدبير ميزانية الوزارة فيما هي مخصصة لها وآلية وقائية لموارد الوزارة وبذلك تشكل إحدى أهم الضمانات الناجعة في حماية هذا الأموال العمومية.
خامسا: مراقبة أعمال الآمرين بالصرف في اطار المؤسسة العمومية، على ضوء
القانون رقم 00-69 متعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت
العامة وهيئات أخرى- الأكاديميات الجهوية نموذجا- .
إن الاكاديميات الجهوية للتربية والتكوين كمؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي طبقا للقانون المحدث لها 00-07، تخضع للمراقبة القبلية كذلك، التي يقوم بها كل من وزير المالية ومراقب الدولة والخازن المكلف بالأداء، باعتبارها من أنجع أنواع الرقابة التي تلعب دورا وقائيا حماية للمال العام المخصص لها، كما تخضع لباقي انواع الرقابة التي سبق الاشارة اليها في هذا الفصل.
- على مستوى وزير المالية.
تجرى المراقبة على تصرف الآمرين بالصرف بالأكاديميات الجهوية والمصالح الخارجية التابعة لها من طرف هيئات و لجان المراقبة المختصة ووزير المالية، ويخضع تدبير الآمرين بالصرف (مدراء الاكاديميات..) لإفتحاص مالي يتم وفق الشروط المنصوص عليها في القانون، اذ يتم إجراء الافتحاص المالي في عين المكان وبناء على الوثائق المحاسبية، وتجرى المراقبة على تصرف المحاسبين من طرف رؤسائهم الإداريين وهيئات المراقبة المختصة والمفتشية العامة للمالية.
يجري وزير المالية أعمال المراقبة على الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين من طرف المفتشية العامة للمالية والهيئات الأخرى والأعوان أو المصالح المؤهلة لهذا الغرض بموجب نصوص خاصة.
كما تمارس المجالس الجهوية للحسابات اختصاصاتها على الأعمال التي يقوم بها ويؤشر عليها و ينفذها على التوالي الآمر بالصرف والمحاسب العمومي، ويتم إجراء هذه المراقبة في عين المكان و بناء على الوثائق المحاسباتية .
- على مستوى مراقب الدولة : contrôleur d’Etat
إن مراقب الدولة يتمتع ضمن الحدود التي يعينها الوزير المكلف بالمالية بسلطة تأشير مسبق على الاقتناءات العقارية وجميع العقود أو الاتفاقات المتعلقة بالأشغال والتوريدات والخدمات وكذا منح الإعانات المالية والهبات، ويمارس حق تأشير مسبق على قرارات المستخدمين بالمؤسسات العامة التي لا تتوفر على نظام أساسي خاص للمستخدمين مصادق عليه من طرف وزير المالية.
- يجوز لمراقب الدولة في هذا الصدد أن يبدي رأيه في كل عملية تتعلق بتسيير الهيئة أثناء مزاولة مهامه وأن يبلغه كتابة إلى الوزير المكلف بالمالية أو رئيس مجلس الإدارة أو الجهاز التداولي.
- يحضر بصفة استشارية جلسات المجلس الإداري.
- يتمتع بحق الاطلاع على جميع المعلومات والوثائق لدى الهيئة، ويجوز له القيام في كل حين وبعين المكان بجميع أعمال التحقق والمراقبة التي يراها ملائمة اعتمادا على المستندات.
وله أن يطلب الاطلاع على جميع الوثائق التي يعتبرها مفيدة لمزاولة مهمته، ويحرر تقريرا سنويا يوجهه إلى وزير المالية ويعرض على مجلس الإدارة.
ويمكن القول بأن هذه المراقبة تهدف إلى:
- المتابعة المنتظمة لتسيير الهيئات بالأكاديميات الجهوية والمصالح والمديريات الاقليمية التابعة لها.
- السهر على صحة عملياتها المالية بالنظر إلى أحكام النصوص القانونية والتنظيمية والنظامية المطبقة عليها.
- تقييم جودة تسييرها وإنجازاتها الاقتصادية والمالية وكذا مطابقة تسييرها للمهام والأهداف المحددة لها.
- العمل على تحسين منظوماتها الإعلامية و التدبيرية.
- جمع وتحليل المعلومات المتعلقة بمحفظة سندات الدولة وإنجازاتها الاقتصادية والمالية.
- على مستوى الخازن المكلف بالأداء: Trésorier payeur
انطلاقا من طبيعة المهام الموكولة له وبالنظر الى النصوص القانونية المحدث له، يعتبر الخازن المكلف بالأداء كمحاسب عمومي مسؤولا عن عمليات النفقات سواء بالنظر إلى أحكام النصوص القانونية والتنظيمية أو إلى أحكام الأنظمة الأساسية والمالية للهيئة وبذلك فهو يعمل على:
التأكد من أن الأداءات تتم لفائدة الدائن الحقيقي ومن توفر الاعتمادات بناء على وثائق الإثبات والخدمة المنجزة، غير أن الخازن المكلف بالأداء يصبح غير مسؤول عندما يوجه رفضا معللا إلى مدير الهيئة ويوجه إليه المدير أمرا بالتسخير. وتجدر الاشارة الى أن الخازن المكلف بالأداء يوقع مع مدير الهيئة أو الشخص المؤهل على وسائل الأداء مثل الشيكات والتحويلات و الأوراق التجارية.
كما يجب على مراقب الدولة أو الخازن المكلف بالأداء ووكلاءهم المفوضين التقيد بقواعد السر المهني فيما يتعلق بجميع المعلومات التي يطلعون عليها أثناء مزاولة مهامهم ولا يجوز الاحتجاج بالسر المهني تجاه المساعدين القضائيين العاملين في إطار مهامهم.
وختاما فإنه رغم المجهودات المبذولة من الناحية التنظيمية والوسائل المتوفرة والإمكانيات المالية الهائلة، فان تجربة اللامركزية واللاتمركز وبصفة خاصة في مجال التدبير المالي لا زالت تعاني من عدة مشاكل واكراهات عدة ان على مستوى التنظيم أو على مستوى الممارسة.
- فعلى مستوى التنظيم فان:
التركيبة الحالية للمجالس الادارية وطريقة اشتغالها لا تستجيب لمتطلبات المرحلة الراهنة التي تقتضي المبادرة والسرعة في الانجاز، ذلك ان تأخر انعقاد المجالس يؤدي حتما إلى تأخير المصادقة على الميزانية مما يكون له انعكاسات سلبية على صرف الميزانية وبالتالي تنفيذ البرامج والمشاريع. الامر الذي تم تداركه على مستوى الوزارة بتعيين عدد من الأطر لتمثيل الوزير في المجالس الإدارية لتجنب مسألة تأخر انعقادها، رغم ما تطرحه من اشكاليات قانونية في هذا الصدد.
ان الهيكلة الحالية للأكاديميات الجهوية لا تساير الاصلاح المنشود على مستوى الحكامة، التي تتطلب توزيعا معقلنا للمهام من اجل قيادة محكمة للمشاريع وتوسيع الصلاحيات على المستويين الإقليمي والمحلي تحقيقا للانخراط الواسع لكافة الفاعلين التربويين في أجرأة جل المشاريع والبرامج على ارض الواقع .
- أما على مستوى الموارد البشرية :
النقص الملحوظ في أعداد الموظفين الإداريين العاملين بالأكاديميات والمديريات الاقليمية والمؤسسات التعليمية خاصة منهم المختصون في الجانب المالي، وضعف الكفاءة في بعض الأحيان، بالإضافة الى الغياب الملحوظ في الإلمام بقواعد التدبير والمحاسبة لدى كثير من الأطر العاملة بالأكاديميات والمديريات الاقليمية وحتى المؤسسات التعليمية. كما يسجل كذلك نقص واضح أو غياب شبه كلي للأطر التقنية من مهندسين وتقنيين للإشراف والتتبع الميداني لمشاريع بناء المؤسسات وتأهيلها في عدد من الأكاديميات والمديريات الإقليمية.
بالإضافة الى ذلك كله يلاحظ ضعف وغياب التكوين الأساسي والمستمر لفئات عريضة من الأطر العاملة بالأكاديميات والمديريات الإقليمية والمؤسسات التعليمية في مجالات التدبير والمحاسبة المالية.
ثم التأخر في ارساء منظومة للإعلام والتواصل تساعد على ضبط التدبير وتقويمه وتحسينه كنظام GID للتدبير المندمج للنفقات المعمول به حاليا على مستوى مختلف هياكل وزارة المالية.
وضعف آليات الافتحاص الداخلي بالأكاديميات الجهوية تمكن من التتبع عن قرب لمختلف مراحل التدبير المالي ورصد مكامن الخلل والضعف وتقويمها في الوقت المناسب قبل تفاقمها.
ختاما ومن خلال التطرق إلى طبيعة وأنواع الرقابة العليا على المال العام الممارس على قطاع التربية الوطنية، يتضح من مختلف مراحل التحليل، أن هناك مجهودات مقدرة في هذا الشأن إلا أنها تحتاج إلى أساليب حديثة تتجاوز بها الرقابة الكلاسيكية التي ترتكز في الغالب على المراقبة الشكلية من خلال التأكد من مشروعية العمليات المالية، ومدى مطابقتها للقوانين بدل الاهتمام بمراقبة الكفاءة في الأداء، وما تقوم عليه من إجرائية وفعالية واقتصاد في الوسائل.
الأمر الذي يبين لنا بأن هذه الخلاصة تجد أساسها من خلال مختلف مظاهر المحدودية التي تعاني منها أجهزة المراقبة المالية والإدارية في تعددها وتنوعها، وتحمل في ثنياها بعض مكامن الضعف والقصور:
- ضعف التنسيق والتواصل فيما بينها، وكأن كلا منها يعمل وفق طريقته يغلب عليه اعتماد التنميط والتقنين في تطبيق القاعدة الرقابية.
- ضعف الجزاءات واتخاذ التدابير العقابية والضوابط الاسترشادية مما يفقدها أحيانا حتى الأهداف الوقائية.
ولعل ما يثير الانتباه حول قصور هذه المساطر والاجراءات هو أن جميع الحدود القانونية والهيكلية التي تعرقل فعاليتها، تكاد تكون متشابهة سواء على مستوى المراقبة المالية أو الإدارية مما يستوجب معه ضرورة تبني منظومة رقابية تستجيب للتطور الحاصل.
فالعامل الجامع بين هذه الملاحظات والمآخذ التي توصف بها المراقبة المالية والإدارية على قطاع التربية الوطنية، مرتبطة ببعضها البعض، وبالتالي فتصحيح مسارها وتقوية إطارها القانوني، ابتداء بالمساطر المتبعة ومرورا بكيفية التعامل مع الهيئات الفاعلة فيها، وانتهاءا بنوعية الجزاءات المقررة، لا يمكن إلا أن يؤدي إلى نتائج إيجابية، وككل تحقيق ضمانات الحفاظ على المال العام المخصص للقطاع.
وفي الواقع، تعتبر المراقبة المنجزة من طرف المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات أنجع التدخلات، خاصة في ظل القانون الجديد المنظم لعمل المحاكم المالية، الذي يسمح لهذا الجهاز الرقابي بإحالة الملفات التي يتبين له أنها تعرف اختلالات مالية خطيرة، مباشرة على المحاكم الزجرية قصد متابعة مرتكبيها.
وعلى هذا الأساس، يمكننا القول أنه إذا كان الإطار القانوني الذي ينظم أشكال الحماية القانونية والمؤسساتية، يعد بحق إطارا متقدما رغم ما يحتاجه من تحيين يتلاءم والممارسة العملية والامكانات الجديدة التي أتيحت للهيئات العليا للرقابة المالية والقضائية على المال العام داخل مؤسسات الدولة. فإن ذلك لا يعد كافيا اذا ما تم إهمال وسائل تطبيقه، خصوصا مع الدور الجوهري الذي تلعبه الهيئات القضائية في إطار الرقابة على المال العام وترشيد النفقات وتطوير طرق تدبير الشأن العام عموما، وعلى صعيد وزارة التربية الوطنية بشكل خاص.
كما ينبغي كذلك العمل على خلق وحدات وهيئات جهوية تكون امتدادا جهويا للهيئات العليا للرقابة على المال العام في ظل الجهوية المتقدمة التي بات ينهجها المغرب، وانخرطت فيها بقوة وزارة التربية الوطنية من خلال احداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، بهدف اتاحة المزيد من الفعالية والسرعة وزجر المخالفات ومراقبة الالتزام بنفقات الدولة، ومراقبة الخزينة العامة ، والتفتيش العام وتقوية آلية الإفتحاص حماية للمال العام .
وعليه نتساءل كيف يمكن تطوير الرقابة المالية والإدارية انطلاقا من تقييم التدبير المالي بقطاع التربية الوطنية باعتبارها مدخلا لتكريس مبادئ الحكامة من خلال عمل أجهزة الرقابة؟
[1] ادريس خدري، منظومة المراقبة المالية بالمغرب بين التبذير والتدبير، جريدة الاتحاد الاشتراكي، عدد 6288 ل 18 أكتوبر 2000، ص 5.
[2] Oujemaa Saïd : Le contrôle des finances publique Au Maroc ; E didicem wallada. Casablanca. 1995. P : 211-222 .
[3] عبد العالي بن بريك، “المفتش العام للمالية” ، جريدة العلم، عدد 18665 ، بتاريخ 26 يونيو 2001، ص 5.
[4] أنظر المرسوم رقم 112-11-2 صادر في 20 من رجب 1432 (23 يونيو 2011) في شأن المفتشيات العامة للوزارات (ج. ر. عدد 5960 بتاريخ 12 شعبان 1432 – 14 يوليو 2011).
[5] الصادر بمرسوم رقم 2.02.854 الصادر في 08 ذي الحجة 1432 والموافق لـ 10 فبراير 2003، بمثابة النظام الأساسي الخاص بموظفي بوزارة التربية الوطنية.
[6] أنظر المذكرة الوزارية رقم 118 في شأن تنظيم مهام مفتشي المصالح المادية والمالية، والمذكرة الوزارية رقم 116 في شأن تنظيم المفتشين في التخطيط التربوي، الصادرتين بتاريخ 21 شتنبر 2014 .
[7] قرار لوزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، رقم 17-3521، صادر في 20 من ربيع الآخر 1441 (17 ديسمبر 2019) ، بشأن تدقيق وتفصيل المهام المسندة لأطر التفتيش، المنصوص عليها في المرسوم رقم 854-02-2 ،الصادر في 8 ذي الحجة 1423 (10 فبراير 2003) ،بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية.
.
[8] هذا المرسوم أدخلت عليه تعديلات جوهرية بمقتضى مرسوم 2.01.2678 ، المؤرخ في 31 دجنبر 2001، الذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ 30 يونيو 2002.
[9] صدر هذا المرسوم بتاريخ 14 محرم 1327 الموافق ل 13 فبراير 2006 ..