مكافحة الإغراق بين اتفاقية المنظمة العالمية للتجارة والقانون 15.09 المتعلق بتدابير الحماية التجارية
مكافحة الإغراق
بين اتفاقية المنظمة العالمية للتجارة والقانون 15.09 المتعلق بتدابير الحماية التجارية
من إعداد :
ابتسام المفتقير
طالبة باحثة بسلك ماستر قانون الأعمال
المحمدية
مقدمة :
الإغراق التجاري أو الإغراق السلعي نمط من أنماط السلوك التجاري غير المشروع وظاهرة معقدة و شائكة تواجه حكومات وأسواق معظم البلدان النامية.
ففي الوقت الذي تستند فيه التجارة الدولية على مبادئ قائمة على الحرية والمنافسة المشروعة باعتبار دورها الإيجابي في تحسين الإنتاج وتخفيض الأسعار واستفادة جميع الدول الأعضاء من ما تدره التجارة الدولية من رفاه اقتصادي سواء كانت هذه الدول في مركز المصدر أو المستورد، تدعمها المنظمة العالمية للتجارة “التي تعدّ الخلف القانوني لمنظمة الجات GATT 1974″ وتحرص على إرساء قواعد صارمة تضمن الشفافية في السياسات التجارية الوطنية من جهة، وخلو التبادل الدولي التجاري بين الدول من الممارسات والسلوكيات المشوهة للتجارة الدولية من جهة أخرى، وأيضا ضمان تنفيذ الالتزامات المترتبة عن اكتساب الدولة لصفة العضو في المنظمة.
يسعى ممارسو الإغراق إلى الالتفاف على قواعد حرية التجارة الدولية بتغيير الوضع المعتاد ، ومحاولة القفز على التنافس القائم بين المنتجين ، بغية السيطرة على أسواق معينة والتحكم فيها والحصول على مزايا تنافسية للمنتج، عن طريق التحايل أو استخدام وسائل غير مشروعة. فكان مفهوم الإغراق لدى منظمة التجارة العالمية هو: السماح بإدخال سلعة معينة منتجة في دولة أخرى بسعر أقـل مـن قيمتها العادية الأمر الذي يضر بالمنتج الوطني،…
ولذلك فإنّ الاتفاقية العامّة للتعريفات “الكات” ، سعت جاهدة إلى أن يكون التحرير في إطار التجارة العادلة التّي ترتبط بسياسات المنافسة العادلة، والابتعاد عن الممارسات الضارة المقيّدة لها وترتيبًا لذلك، تكفلت الكات في إطار المبادئ العامّة لتحرير التبادل التجاري السلعي، بمكافحة الإغراق غير المشروع للسلع الأجنبية في أسواق الدول المُستوردة، وذلك من خلال المادة السادسة المتعلّقة بكلّ من تحديد الإغراق والتدابير العلاجية في مواجهته.
وباعتبار ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ موقعا ﻋﻠﻰ هذه الاتفاقية ﺳﻨﺔ 1987 ﻡ، ﻛﻤﺎ ﺻﺎﺩﻕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻘﺪ ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ﺍﻟﻮﺯﺍﺭﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻧﻌﻘﺪ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﻛﺶ ﻓﻲ ﺃﺑﺮﻳﻞ 1994 ﻡ، ﻭﺑﻌﺪﻫﺎ ﺻﺎر ﻋﻀﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎﺭﺓ، فمن شأن انفتاحه وتحريره التجاري الزيادة من حدة الآثار المترتبة عن المنافسة للمواد المستوردة ومثيلاتها المصنعة محليا ولاسيما الناجمة عن الممارسات التجارية غير المشروعة للواردات وتزايدها المكثف ، ولتفادي الضرر الذي يمكن أن تلحقه هذه الممارسات بالإنتاج الوطني وخاصة المقاولات الصغرى و المتوسطة ،أصبح لزاما التوفر على إطار تشريعي و تنظيمي يتماشى مع التزامات المغرب الدولية بشكل يسمح بوضع آليات الدفاع وما يسمى الحماية التجارية، يمكن تطبيقها في حالة الاستيراد غير المشروع المتمثل في الإغراق أو الدعم أو الاستيراد المكثف الذي يهدد الانتاج الوطني.
وفي هذا السياق وما قد يشهده المغرب في السنوات المقبلة من ارتفاع في طلب اللجوء إلى الحماية التجارية موازاة مع تعميق سياسة الانفتاح التجاري صدر بالجريدة الرسمية الظهير الشريف رقم 1.11.44 الصادر في 29 جمادى الآخرة 1432 الموافق ل2 يونيو 2011 بتنفيذ القانون رقم 15.09 المتعلق بتدابير الحماية التجارية، الذي يعتبر آلية فعالة لمواكبة ومراقبة التحرير الذي تعرفه التجارة الخارجية للبلاد، يضع نظاما فعالا للحماية التجارية مبنيا على أسس قانونية تتميز باعتماد مساطر إدارية وقواعد متوازنة من حيث الحقوق والواجبات على غرار ما هو معمول به في البلدان التي لها تجربة طويلة في هذ الميدان، مما يوفر الشروط الملائمة لضمان حقوق الأطراف سواء منتجين أو مستوردين أو مصدرين.
كما يهدف هذا القانون إلى إرساء قواعد الحماية التي من شأنها تنظيم الواردات وتصحيح الاختلالات الناجمة عنها وذلك بإقرار “التدابير المضادة للإغراق” التي تطبق على استيراد منتجات بأثمنة منخفضة بكيفية غير عادية ، و”تدابير تعويضية” تطبق على واردات تستفيد من دعم سلطات البلد المصدر أو المنتج ثم “تدابير وقائية” يمكن تطبيقها على الواردات التي تعرف تزيدا مكثفا في حجمها.
وما دفعنا للاهتمام بالموضوع واختيار معالجته هو خطورته على السوق المغربي والذي كان سببا رئيسا في تدمير الإنتاج الصناعي المحلي وزيادة أعداد العاطلين وماله من تأثيرات اقتصادية واجتماعية ،فضلا عن قلة الكتابات المغربية في تناول هذا الموضوع وذلك راجع ربما لتقاطع المادة الاقتصادية والمادة القانونية في مقاربة هذه الظاهرة.
لذلك تقتصر هذه الدراسة على مناقشة الإطار القانوني للإغراق على ضوء القواعد الدولية المتمثلة في اتفاق مكافحة الإغراق غير المشروع وفي اتفاقية منظمة التجارة العالمية باعتبارها قواعد موضوعية تقوم على أساسها حقوق والتزامات الدول الأعضاء في المنظمة وأيضا قواعد القانون الوطني ببحث الآليات القانونية والتنظيمية التي رصدتها التشريعات الوطنية للتصدي لهذا السلوك ومحاولة فحص مدى تطابقها مع القواعد والمبادئ الدولية المرعية ضمن النظام الدولي التجاري متعدد الأطراف،
كما انه من أهداف هذه الدراسة تحليل ومناقشة مدى دقة المعايير المعتمدة في تقدير الإغراق وآثاره على المنافسة المشروعة عموما وعلى اقتصاد الدولة المستوردة والمغرب خصوصا وحدود تدخل الدولة المدعية به في مكافحته.
وعليه تحاول هذه الدراسة الإجابة على إشكالية مفادها ما مدى كفاءة وقدرة الإطار القانوني الناظم للإغراق في الحد من تدفق هذه الظاهرة ثم توفير الحماية المناسبة للدول الأطراف من جهة ولفكرة الشرعية الدولية التجارية من جهة أخرى؟،وفق التقسيم التالي :
المبحث الأول : تحديد وجود الإغراق وأثره على الصناعة الوطنية
المبحث الثاني :تدابير مكافحة الإغراق
المبحث الأول : تحديد وجود الإغراق وأثره على الصناعة الوطنية
إن تحديد قيام فعل الإغراق ومكافحته يصطدم بمفهوم المنافسة في السوق ، فالإغراق الذي يحدث كنتيجة لقيام الدولة بفتح أسواق جديدة وزيادة قدراتها التنافسية بزيادة جودة السلعة والخفض في الثمن، لا يعد ممارسة ضارة بالمنافسة التجارية، إذ أنّ ذلك النشاط يكون مفيدًا للمستهلكين، وذلك بإتاحة الفرصة لهم للحصول على السلع بثمن منخفض نسبيًا، أمّا إذا أدّت هذه الممارسة إلى حدوث ضرر مادي أو تهديد بحدوثه لصناعة محلية في الدولة المستوردة لسلع مماثلة للسلع المغرقة، حينئذٍ يتحوّل هذا النشاط التجاري المفيد إلى ممارسة ضارة في التجارة الدولية،[1] وذلك ما يفرض بالضرورة كيفية تحديد وجود الإغراق المنافي للمنافسة التجارية الدولية (المطلب الأول) وما له من آثار سلبية تضرب في العمق الاقتصاد الوطني والصناعة خصوصا (المطلب الثاني).
المطلب الأول : كيفية تحديد وجود الإغراق
لكي يتحقق الإغراق التجاري، لا بدّ من توافر ثلاثة شروط، هي: فعل الإغراق والضرر(الفقرة الأولى) وقيام العلاقة السببية بينهما(الفقرة الثانية)،كما أنه قد يتخذ عدة أنواع نذكر البعض منها في (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى : فعل الإغراق وقيام الضرر
سيتم التطرق في هذه الفقرة إلى الفعل الذي يعد إغراقا (أولا) ثم الضرر الناشئ عنه (ثانيا) .
أولا : فعل الإغراق
لم تذكر الاتفاقية الدولية صراحة الخطأ، ولم تصف الإغراق به، بينما ذكرت كل من الضرر وعلاقة السببية بين الواردات المغرقة والضرر،. لكنها ذكرت حالة وجود الإغراق، إذ نص البند الأول من المادة الثانية على أنه : “في مفهوم هذا الاتفاق يعتبر منتوج ما منتوج إغراق، أي أنه أدخل في تجارة بلد ما بأقل من قيمته العادية، إذا كان سعر تصدير المنتوج المصدر من بلد إلى آخر أقل من السعر المماثل، في مجرى التجارة العادية، للمنتج المشابه حين يوجه للاستهلاك في البلد المصدر“.
وهو موقف المشرع المغربي أيضاً، حيث تنص المادة 6 من القانون 15.09 المتعلق بتدابير الحماية التجارية على أنه :”يشكل موضوع إغراق المنتوج المستورد الذي يقل سعره، عند التصدير نحو المغرب، عن قيمته العادية”.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يكفي وجود الإغراق فقط، بل لابّد أن يتّصف بعدم المشروعية والتي يمكن التّحقق من وجودها عند توافر مجموعة من الأسس التي تؤكدها.[2]
- سعر التصدير
وهو السعر المدفوع فعلا أو المستحق للمنتوج المعني الذي تم بيعه للتصدير نحو المغرب وفي حالة عدم وجود السعر المدفوع فعلا أو المستحق للمنتوج المعني الذي تم بيعه للتصدير أو عندما لا يمكن اعتماد سعر التصدير بسبب وجود رابطة أو اتفاق تعويض بين المصدر والمستورد أو طرف ثالث، فإن سعر التصدير يتم تحديده :
- على أساس السعر الذي تمت به إعادة بيع المنتوج المعني لأول مرة إلى مشتر مستقل بالمغرب .
- أو على أي أساس يعتبر معقولا، إذا لم تتم إعادة بيع المنتوج المعني إلى مشتر مستقل، أو لم تتم إعادة بيع هذا المنتوج على حالته عند الاستيراد.[3]
- القيمة العادية
يمكن معرفة القيمة العادية للمنتج بمعرفة سعره عندما يخصص للاستهلاك في سوق البلد المصدر، ولكن في حالات عديدة قد يكون من غير الممكن تحديد القيمة العادية حتى هذا النحو البسيط )عندما لا يوجد مبيعات للمنتج في سوق بلد التصدير(، لذا يلجأ إلى سعر مقارن للمنتج المثيل عندما يصدر إلى دولة ثالثة منتجة، شريطة أن تتم المبيعات عند التصدير إلى هذا البلد الثالث وفق نفس المعايير، أو يمكن اللجوء إلى تكلفة الإنتاج في بلد المنشأ كأساس مضافًا إليها مبلغ تكاليف الإدارة والتسويق وتكاليف عامة وهامش ربح معقول.[4]
ج- هامش الإغراق
يتم تحديد هامش الإغراق على أساس مقارنة عادلة بين سعر المنتوج المعني عند تصديره وقيمته العادية.
ولابد من التأكيد على أن تحديد هامش الإغراق يعتمد على نفس المستوى التجاري ونفس الفترة الزمنية مع مراعاة جميع الاختلافات المؤثرة على قابلية الأسعار للمقارنة بما في ذلك الاختلافات في ظروف وشروط البيع والمصاريف والرسوم الضريبية والمواصفات الفنية[5]، ويتم حساب هامش الإغراق بشكل فردي لكل مصدر أو منتج معروف في البلد المصدر للمنتوج المعني.[6]
ثانيا : قيام الضرر
يعتبر ركن الضرر روح المسؤولية المدنية والعنصر الأساسي فيها. ويُعد ثبوته أمراً لازما لقيامها ، لإمكان المطالبة بالتعويض ، ويُعرف وفقاً لقانون الالتزامات والعقود ، في الفصل 264 بأنه “ما لحق الدائن من خسارة حقيقية وما فاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام… ،” أما مدلوله في القانون 15.09 المادة 5 :“ضرر مهم ألحق بقطاع الإنتاج الوطني أو تهديد بإلحاق ضرر مهم بهذا القطاع أو تأخير مهم في إحداث قطاع إنتاج وطني.“
والمستنتج من ذلك أن الضرر هنا هو ما يترتب عن الإغراق من خسائر مادية، أي الضرر المادي الذي يلحقه الإغراق بالصناعة المحلية سواء كان هذا الضرر بسبب عدم التطور للصناعة المحلية، أو تهديدا ماديا لوجودها.
وفي تحديد الضرر تقضي المادة الثالثة من اتفاق مكافحة الإغراق على أن يستند إلى دليل إيجابي ويشمل تحقيقًا موضوعيًا لكلّ من: زيادة حجم الواردات: وأثرها على الأسعار في السوق المحلي للمنتجات المماثلة. ويتمّ التحقق من الواردات على ضوء حجمها المغرق أو بالنسبة للإنتاج أو للاستهلاك في الدولة المستوردة.
وما يمكن الإشارة إليه هو أن يكون هناك ضرر ملموس، أي على الدولة المستوردة إثبات هذا الضرر على أساس وقائع وليس ادعاءات انطلاقا من معطيات محددة ونتائج مادية ملموسة مستخلصة من دراسة موضوعية لحجم واردات المنتوج المعني خلال فترة محددة؛ وتأثيرها على أسعار المنتوجات الوطنية المشابهة في السوق الداخلي، ولآثارها كذلك على قطاع إنتاج وطني.[7]
الفقرة الثانية : وجود علاقة سببية بين الإغراق والضرر
تعني علاقة السببية الارتباط بين الخطأ والضرر ، إذ نصت المادة 3 – 5 من اتفاقية مكافحة الإغراق على أنه: “يجب أن يثبت أن الواردات المغرقة قد حدثت نتيجة لآثار الإغراق على النحو المنصوص عليه في الفقرتين 2 و4 مما تسبب في الضرر بالمعنى المقصود في هذه الاتفاقية“.
فتوافر علاقة السببية بين الإغراق والضرر يعد العنصر المحرك لفرض تدابير مكافحة الإغراق . فلا بد من وجود رابطة فعلية ومنطقية بين حصول الإغراق وحدوث الضرر ، فقد يحدثا معا ولكن دون ارتباط بينهما. وهكذا فإن اغراقاً قد يتم بمعدلات مرتفعة دون أن يؤدي حتماً الى حدوث ضرر بالصناعة المحلية والتي قد يصيبها ضرر نتيجة لعوامل أخرى أجنبية عن الإغراق. فالمعول عليه أن يكون الضرر ناجم عن الإغراق ، وأن يكون الأخير سبباً مباشراً للأول[8].
ويجب الاستناد في إثبات وجود علاقة سببية بين الواردات المغرقة والضرر على الصناعة المحلية وذلك بفحص جميع الأدلة ذات الصلة من قبل السلطات، وعلى السلطات فحص أي عوامل أخرى غير الواردات المغرقة التي يمكن أن تسبب ضررا للصناعة المحلية، ويجب ألا تنسب الأضرار الناجمة عن هذه العوامل الأخرى إلى الواردات المغرقة، وذلك ما تؤكده المادة 14 من القانون 15.09حيث يتم إثبات علاقة السببية بين الواردات المغرقة والضرر على أساس دراسة جميع عناصر الإثبات المتوفرة، ولاسيما العوامل الأخرى المعروفة غير واردات المنتوج المعني التي من شأنها أن تكون قد ألحقت في الوقت نفسه ضررا بقطاع إنتاج وطني. ولا ينسب الضرر الناجم عن هذه العوامل الأخرى إلى واردات المنتوج المعني، وتضيف المادة 15 من نفس القانون “تحدد بنص تنظيمي العوامل والمعايير المعتمدة في تحديد وجود الضرر والعلاقة السببية بين واردات المنتوج المعني والضرر”.
والعوامل التي قد تكون ذات صلة في هذا الصدد تشمل في جملة أمور، حجم وأسعار الواردات التي لا تباع بأسعار الإغراق ، وانكماش الطلب أو التغيرات في أنماط الاستهلاك والممارسات التجارية التقليدية والمنافسة بين المنتجين، والتطورات الخارجية والداخلية في مجال التكنولوجيا وأداء التصدير وإنتاجية الصناعة المحلية.”
وهذه إشارة صريحة من الاتفاقية تحظر استخدام تدابير مكافحة الإغراق كغطاء لتدخل مقنع تقوم به الحكومات دعما لمنتجاتها من خلال الالتفاف على قواعد ورسوم مكافحة الإغراق والتي سترفع أسعار المنتجات المستوردة مما يبقي المجال مفتوحًا للمنافسة أمام الصناعة المحلية.
فالاتفاقية المذكورة بينت أن المنتجات المشابهة هي التي يطبق بشأنها تدابير الإغراق عند توافر باقي الشروط، وهي المنتجات التي لها خصائص تشبه إلى حد بعيد المنتج قيد النظر ولا يحتوي الاتفاق قواعد محددة لتحديد المنتجات المشابهة.
إلا أن العرف لدى السلطات في العالم جرى على أن تأخذ سلطات التحقيق العوامل التالية بعين الاعتبار عند تحديد وجود تشابه في المنتجات، ومنها: خصائص المنتج، والمواد الخام المستخدمة في عملية التصنيع، والاستخدام النهائي والجودة…[9]
الفقرة الثالثة : أنواع الإغراق
لقد درج رجال الاقتصاد إلى تقسيم الإغراق إلى عدّة أنواع وذلك إمّا بحسب مدّته أو بحسب دوافعه.
أولا : الإغراق العارض أو المؤقت
وقد يكون هذا للتخلص من المخزون الناتج من زيادة انخفاض السلع في السوق المحلي، الأمر الذي يحدث اضطرابا في السوق المغرق ولكنه لا يسبب ضررا خطيرا ودائما على الصناعة المحلية،[10] على أنّ أمثلته كثيرة ومتعدّدة يمكن ذكر أهمّها فيما يلي: الخفض المؤقت لأسعار البيع بقصد فتح سوق أجنبية ضدّ منافسة أجنبية طارئة أو لأجل تهديد منافس ما بالقضاء على صناعته حتى يضطر إلى الاستسلام لأمر المُغرق وشروطه، ومن ثمّ الاتفاق معه[11]. وقد ينتهي ويختفي بعد تحقيق الغرض المنشأ من أجله أو قبل إثارة الانتباه إليه.[12]
ثانيا : الإغراق الدائم
وهو الاستمرار في بيع السلع في السوق الخارجي بسعر أقل من السعر المحلي أو تكلفة الإنتاج وبصفة دائمة ولا يوجد له مدى زمني محدد ويفترض هذا النوع تمتّع منتج ما بوضع احتكاري فعلي وقوّي في السوق المحلي عادة ما يرجع لتمتّعه بامتياز من الحكومة.
ثالثًا: الإغراق الهجومي أو المدّمر والدفاعي:
يحدث عند قيام منشأة محلية كبيرة بالبيع في السوق الداخلي بأسعار احتكارية مرتفعة، وفي نفس الوقت تباع نفس السلعة في السوق الخارجي بسعر مخفض للغاية بقصد إزاحة وإبعاد المنتج المحلي على حساب دولة أخرى، وفي المقابل تقوم هذه الأخيرة بالإغراق بدافع الحفاظ على نصيبها من السوق الأجنبي “إغراق دفاعي” كرّد فعل على أي استراتيجية لشركة أجنبية مماثلة. ومن وجهة النظر التنافسية فإنّ كثرة عدد المنتجين والبائعين في السوق ومحاولة كلّ منهم أن يبيع أكبر كمية ممكنة يشغل آليات المنافسة بينهم، وذلك للاستحواذ على العملاء، بتحسين نوعية السلعة، وملائمتها لطلب السوق ، والمنافسة بهذا الشكل أمر مقبول ومشروع، غير أنه في الواقع العملي وفي ظل رسمالية السوق الحرة التي بدأت تسود عالم اليوم تحوّلت المنافسة في أساليبها إلى نوع من الحرب القاتلة والصراع المدمر[13].
المطلب الثاني : أثر الإغراق على الصناعة الوطنية
يعتبر الاقتصاد المغربي اقتصادا ناميا ذو توجه ليبرالي قائم على مفهوم السوق الحر، رغم أن السلطات العمومية لا زالت تلعب دورا مهما في توجيه الاستثمار والسياسات الاقتصادية العامة للبلاد.
ولقد استطاع القطاع الصناعي أن يصبح ثاني أهم قطاع في المغرب، إذ يساهم بنسبة 28,5% في الناتج المحلي[14]. غير أنه يتلقى ضربات موجعة من جراء المنافسة غير المشروعة لبعض الدول نتيجة إغراق السوق المحلية بالواردات الأجنبية ،وفي هذا المطلب سنسلط الضوء على بعض القطاعات المتضررة من سياسة الإغراق، وهي صناعة النسيج (الفقرة الأولى) ،الصناعة المغربية للدفاتر(الفقرة الثانية) وصناعة الصلب والحديد(الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى : أثر الإغراق على صناعة النسيج
يحتل قطاع صناعة النسيج المغربي مكانة هامة حيث ناهز رقم معاملاته في 2017 حوالي 36 مليار درهم و يوفر أكثر من 175 ألف فرصة عمل، أي 30في المائة من إجمالي الوظائف في سوق العمل بالبلاد.
غير أن مقاولات النسيج المغربية تضررت كثيرا بفعل المنافسة الشرسة للمنتوجات التركية والصينية والخليجية ..التي غزت الأسواق الداخلية خلال السنوات الأخيرة، ما جعل دفاتر الطلبيات على المنتوج المغربي الموجه للاستهلاك المحلي تنخفض بشكل كبير، وهو ما تسبب في إغلاق عدد من الوحدات الصناعية وفقدان ألاف مناصب الشغل.
وقررت وزارة الصناعة والتجارة إدخال تدابير حمائية على فئات معينة من منتجات الألبسة التركية التي كانت تستفيد من الاعفاءات الجبائية المقررة في إطار اتفاق التبادل الحر بين المغرب وتركيا، ورفع الرسوم الجمركية إلى 90 في المائة من المعدل المحدد بموجب القانون بشأن عدد من المنتجات ضمنها الملابس الجاهزة والاكسسوارات والملابس المستعملة والخيوط الاصطناعية وألياف النسيج والمفروشات والزركشة والتطريز وأقمشة التريكو وأنواع الزرابي والسجادات وأغطية الأرضيات المصنعة من النسيج، وأنواع الأقمشة التركية…[15]
كما فتحت وزارة الصناعة والتجارة تحقيقا بشأن واردات الزرابي من الصين ومصر والأردن، إذ تتهم الجمعية المغربية للنسيج والألبسة مصدري هذه المنتوجات نحو المغرب بانتهاج سياسة الإغراق لمنافسة المنتوجات المغربية في السوق الداخلي، واعتمدت في طلبها الموجه إلى وزارة الصناعة والتجارة على مقارنة متوسط أسعار الزرابي المنسوجة آليا بالبلدان المعنية، وأسعارها المطبقة لفائدة المستوردين من المغرب، التي تبين أنها تقل بنسبة تتجاوز بكثير الهامش المسموح به المحدد في 2 في المائة، ما يعزز شكوك المصنعين المحليين بوجود ممارسات إغراق وأن واردات الزرابي من البلدان المعنية بالتحقيق، عرفت زيادات ملحوظة سواء من ناحية الحجم أو مقارنة بالمنتوجات المحلية، يمكن أن تتسبب في أضرار جسيمة للصناعة الوطنية.[16]
الفقرة الثانية : أثر الاغراق على الصناعة المغربية للدفاتر
شهد منحى تسويق الدفاتر التونسية تصاعدا مكثفا في السوق المغربي، حيث أن الواردات التونسية من الدفاتر تمثل حوالي 90 في المائة من إجمالي واردات الدفاتر في المغرب، وعرفت زيادة كبيرة خلال سنة 2017 بحيث قفزت إلى مستويات مقلقة وغير مسبوقة، وأكد المهنيون أن جلسة الاستماع العامة كانت لحظة مهمة لتوضيح أن السوق المغربي كان هدفا للممارسات الاحتيالية من جانب المصدرين التونسيين[17].
وقررت وزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي ووزارة الاقتصاد والمالية تطبيق رسم نهائي مضاد للإغراق على واردات الدفتر المستوردة من تونس لمدة خمس سنوات، وأوضح القرار أن تحديد هامش الرسم تم من خلال إجراء مقارنة بين المتوسط المرجح لأسعار التصدير نحو المغرب وبين المتوسط المرجح لأسعار البيع في السوق المحلية للمصدرين، طبقاً لمقتضيات القانون رقم 15.09 المتعلق بتدابير الحماية التجارية.[18]
الفقرة الثالثة : أثر الاغراق على صناعة الصلب والحديد
يشهد قطاع صناعة الصلب والحديد وفرة في الإنتاج الوطني، في وقت تلجأ الشركات التركية إلى سياسة الإغراق لتكبيد الصناعيين المغاربة خسائر كبيرة.
حيث أعلنت بعض الشركات المغربية عن خسارتها بانخفاض أسعار منتجات الصلب والحديد في الأسواق العالمية، وارتفاع الواردات من المنتجات المنافسة خاصة من تركيا، إضافة إلى ارتفاع أسعار بعض المكونات والمنتجات الصناعية المستعملة خلال الإنتاج.
ويتيح القانون المنظم للحماية التجارية بالمغرب اتخاذ تدابير مضادة للإغراق بإقرار إجراء رسوم إضافية على منتجات مستوردة في حال ألحقت ضرراً بقطاع إنتاج وطني. ويتم ذلك بعد فتح تحقيق من طرف وزارة التجارة والصناعة والاقتصاد الرقمي.
كما أعلنت المنظمة العالمية للتجارة بدورها عن مساندة المغرب فيما يتعلق بسياسته، لمنع إغراق السوق بالحديد التركي. عندما قرر مجموعة من المسؤولين الأتراك رفع القضية الى المحكمة الدولية المختصة، بسبب اعتراض تركيا على الرسوم المفروضة عليها بسبب قانون مكافحة الاغراق المغربي.[19]
المبحث الثاني : تدابير مكافحة الإغراق
في إطار مقارن بين التشريع المغربي واتفاقية منظمة التجارة العالمية، وبخاصة اتفاق الجات لعام 1994 المنبثق عن هذه المنظمة، وعلى الأخص المادة السادسة المتعلقة بالإغراق التجاري، التي أعطت لأعضائها الحق في وضع الإجراءات المضادة للإغراق والتي يتوّجب على السلطات المعنية في الدولة المستوردة والأطراف ذات العلاقة القيام بها إذا تحققت شروط قيام حالة الإغراق التجاري. سيتم دراسة هذه الآليات والاجراءات بتوضيح مسألة التحقيق في وجود الإغراق، (المطلب الأول) ثم بيان التدابير التي تتخذها السلطات المعنية بالتحقيق والتي تأخذ شكلا مؤقتا أو نهائيا (المطلب الثاني).
المطلب الأول : التحقيق في وجود الإغراق
إنّ المُطالبة باتخاذ إجراءات في مواجهة الإغراق بحاجة إلى تقديم مقال وفق مجموعة من الشروط و الكيفيات (الفقرة الأولى)، وعندما تقتنع السلطات المختصة بتوافر الأدلة تقوم بإجراء التحقيقات بناء على الطلبات المقدّمة إليها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : تقديم المقال
إن الاتفاق العام بشأن تطبيق المادة السادسة من اتفاقية الجات 1994وضحت من هم الأطراف ذات المصلحة في تقديم طلب التحقيق فيما يلي:
- أي مصدر أو منتج أو مستورد لمنتج يخضع للتحقيق، أو اتحاد تجاري، أو اتحاد أعمال تكون أغلبية أعضائه من منتجي هذا المنتج، أو مصدريه، أو مستورديه.
- حكومة العضو المصدر.
- منتج السلعة المماثلة في البلد المستورد، أو نقابة، أو اتحاد أعمال تكون أغلبية أعضائه من منتجي المنتج المماثل في أراضي البلد المستورد.
- المستعملون الصناعيون للمنتج موضع التحقيق، وممثلو منظمات المستهلكين إذا كان المنتج يباع عمومًا على مستوى التجزئة، ويمكن إدراج أي أطراف محلية أجنبية غير الأطراف المذكورين.[20]
ويحدد المشرّع المغربي في القانون 15.09 المتعلق بتدابير الحماية التجارية الطرف المعني بتقديم المقال الكتابي وهو قطاع إنتاج وطني و باسمه يوجه إلى الإدارة المختصة وفق الأشكال والكيفيات المحددة بنص تنظيمي[21]، ويشير هذا الأخير في المادة 24 إلى تقديم المقال لدى السلطة الحكومية المكلفة بالتجارة الخارجية في نسختين إحداهما سرية والأخرى غير سرية.
ويجب أن يتضمن المقال على الأقل المعلومات المشار إليها في المادة المذكورة أهمها :
- تعريف المنتجين مقدمي المقال مع الإشارة إلى أسمائهم وأسماء شركاتهم وعناوينها .
- وصف مفصل للمنتوج الوطني المشابه للمنتوج المعني ووصف لحجم وقيمة الإنتاج من هذا المنتوج الذي تم تحقيقه من طرف المنتجين مقدمي المقال.
- وصف لحجم وقيمة إجمالي الإنتاج الوطني من المنتوج المشابه للمنتوج المعني.
- هوية المصدرين أو المنتجين الأجانب للمنتوج المعني والمستوردين لهذا المنتوج أو جمعياتهم أو تكتلاتهم المهنية، المعروفين لدى مقدم المقال ؛
- معطيات موثقة تتعلق بتطور حجم واردات المنتوج المعني.
- وصف للضرر الحاصل لقطاع الإنتاج الوطني والعلاقة السببية بين هذا الضرر والواردات من المنتوج المعني.
ولا يكفي الإشارة في المقال إلى هذه المعلومات فقط ، بل يجب أن يكون موقعا من طرف المنتجين الذين يساندونه أو من طرف الذين ينوبون عنهم يقرون بالتزامهم ومسؤولياتهم تجاه المعلومات المدلى بها وتعاونهم في التحقيق.
إلا انه في حالة انعدام هذا المقال تشير المادة 16 من القانون 09.15 إلى إمكانية فتح نفس التحقيق إذا توفرت الإدارة المختصة على عناصر كافية تثبت وجود إغراق أو دعم مخصص وضرر ووجود علاقة سببية بين هذا الإغراق والضرر، وذلك بعد استطلاع رأي لجنة مراقبة الواردات المكلفة بإبداء الرأي حول جميع القضايا المتعلقة بتدابير الحماية التجارية .
وتجدر الإشارة أنه لا تقبل إلا المقالات التي تستوفي الشروط المحددة في هذه المادة.
وفي الأخير يتم تبليغ صاحب المقال بقبوله أو بعدم قبوله داخل أجل عشرة أيام (10) يحتسب ابتداء من تاريخ التوصل بهذا المقال. ويحدد كل تبليغ بعدم قبوله أسباب ذلك.
الفقرة الثانية : فتح التحقيق
تقضي المادة 6 الفقرة 1 من اتفاق مكافحة الإغراق بإخطار الأطراف ذات المصلحة كافة في تحقيق مكافحة الإغراق بالبيانات التي تتطلبها سلطات التحقيق منها، مع منحها فرصة كافية لتقديم الأدلة كلها التي تعدها ذات صلة بالتحقيق المعني كتابة.
وتعطي سلطات التحقيق المنتجين الأجانب استبانة تسمى نماذج أو قوائم تتضمن أسئلة بخصوص السلعة محل التحقيق للرد عليها، وتمنحهم مدة ثلاثين يومًا على الأقل للرد على الأسئلة، والحد الزمني الذي يبدأ به احتساب هذه المدة على المصدرين يحسب من تاريخ تسلم قائمة الأسئلة الذي أعد لهذا الغرض، ويسلم بعد أسبوع من تاريخ إرساله إلى المجيب.
وتتاح الفرصة كاملة للأطراف كلها ذات المصلحة طوال فترة التحقيق الدفاع عن مصالحها، و بناء على طلبها بلقاء الأطراف الأخرى ذات المصلحة المضادة، بحيث يمكن عرض الآراء المتعارضة، وتقديم الحجج المضادة مع مراعاة المحافظة على السرية ، ولا يلزم أي طرف بحضور اجتماع ما، ولا يضره عدم الحضور، ومن حق الأطراف ذات المصلحة تقديم معلومات شفهية إذا قدمت ما يبرر ذلك).[22]
ولا تأخذ السلطات المعنية المعلومات الشفهية بالاعتبار، إلا إذا قدمت هذه المعلومات لاحقًا تقديمًا مكتوبًا، على أن يتاح المجال للأطراف الأخرى ذات المصلحة للاطلاع عليها.
ومن ضمن حقوق سلطات التحقيق في الدولة المستوردة في أثناء فترة التحقيق الحق في التأكد من دقة المعلومات التي قدمها كل طرف، والمستندة إليها نتائج التحقيق.[23]
أما في المغرب وبالرجوع إلى القانون 15.09 فيمكن للإدارة المختصة وبعد استطلاع رأي اللجنة السالفة الذكر، فتح التحقيق داخل أجل واحد وعشرون (21) يوما يحتسب ابتداء من تاريخ قبول المقال وذلك بإعلام الأطراف المعنية المعروفة لديها.
ويتم نشر إعلان من طرف الإدارة على الأقل في جريدتين وطنيتين مأذون لهما بنشر الإعلانات القانونية، يشير على الخصوص إلى هوية صاحب أو أصحاب المقال والمنتوج المعني والبلد أو البلدان المصدرة المعنية وتاريخ فتح التحقيق والأسباب الموجبة لفتحه.[24]
ويمكن القول أنها نفس المقتضيات المشار إليها في اتفاق مكافحة الإغراق ، إذ يتوفر كل شخص على أجل ثلاثين (30) يوما يحتسب ابتداء من تاريخ نشر إعلان فتح التحقيق، للإعلان عن نفسه كطرف معني ولتقديم تعليقاته بخصوص التحقيق المذكور وبمجرد فتحه ، تبعث الإدارة المختصة، مباشرة أو عن طريق التمثيليات الدبلوماسية إلى كل الأطراف المعنية المعروفة لدى الإدارة المختصة، الوطنية والأجنبية، استمارات مخصصة لجمع المعلومات الضرورية للتحقيق. وتتوفر هذه الأطراف على أجل ثلاثين (30) يوما يحتسب ابتداء من تاريخ بعث هذه الاستمارات للإجابة عنها. يضاف إلى هذا الأجل سبعة (7) أيام أخرى بالنسبة للمصدرين والمنتجين المستقرين بالخارج. علاوة على ذلك، يمكن تمديد أجل ثلاثين (30) يوما المذكور أعلاه لمرة واحدة بأجل إضافة لا يتجاوز واحد وعشرون (21) يوما بطلب من الأطراف المعنية وإذا استدعت الظروف ذلك، بالإضافة إلى الإجابة على الاستمارات.
وبعد ذلك تأتي عملية التقييم الأولي والذي تحدد فيه الإدارة بصفة أولية وجود إغراق وضرر وعلاقة سببية، يتم نشره بدوره في جريدتين وطنيتين مأذون لهما بنشر الإعلانات القانونية على شكل إعلان يتضمن المعاينات مع الأخذ بعين الاعتبار حماية سرية المعلومات المدلى بها، ويبلغ هذا الإعلان إلى الأطراف المعنية المعروفة لدى الإدارة المختصة.
وحددت المادة 27 من القانون 15.09 مدة التحقيق في(12) شهرا يحتسب ابتداء من تاريخ فتحه. غير أنه، يمكن تمديد هذا الأجل إلى ثمانية عشر (18) شهرا حسب تعقيد الحالة المدروسة أو الصعوبات في الحصول على المعلومات الضرورية لهذا التحقيق وعند نهايته تقوم الإدارة بتقييم نهائي لكل المعلومات التي حصلت عليها، مع الأخذ بعين الاعتبار نتائج التدقيقات التي قامت بها.
ثم تقوم بإخبار الأطراف المعنية المعروفة لدى الإدارة المختصة، كتابة، بنتائج التحقيق التي تشكل أساس قرارها بتطبيق أو عدم تطبيق رسم نهائي مضاد للإغراق أو رسم تعويضي نهائي. وتتوفر هذه الأطراف على أجل واحد وعشرون (21) يوما يحتسب ابتداء من تاريخ هذه المراسلة لتقديم تعليقاتها وملاحظاتها.
وكما قد تقع إمكانية إنهاء التحقيق تجاه مصدر أو منتج أجنبي معين عند استيفاء مجموعة من الشروط ،نصت عليها المادة 28 من قانون 15.09.
المطلب الثاني : تطبيق التدابير المضادة للإغراق
حاولت اتفاقية مكافحة الإغراق وكذلك المشرّع المغربي أثناء التحقيق الحفاظ على الموازنة بين مصلحة الدولة المستوردة التي تتعرض أسواقها للإغراق وبين مصلحة المصدر الخاضع لتحقيق مكافحة الإغراق، وذلك من خلال وضع إجراءات من شأنها مكافحة الإغراق التجاري.
وعليه يجوز أن تتخذ السلطات المسؤولة عن التحقيقات في الدولة المُستوردة للسلع المُغرقة إجراءات وتدابير مؤقتة للحيلولة دون وقوع الضرر أثناء التحقيق (الفقرة الأولى) أو تدابير نهائية عندما يفضي التحقيق إلى تحديد نهائي لوجود إغراق وضرر وعلاقة سببية (الفقرة الثانية) أو عدم تطبيق هذه التدابير أو وقفها إذا كانت هناك تعهدات تتعلق بالسعر( الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى : التدابير المؤقتة
تُعد التدابير المؤقتة الأسلوب الأوّل لحماية المنتجات الوطنية لأية دولة، تكون عاجلة وطارئة لمنع الضرر في مواجهة الإغراق، وقد عالجت اتفاقية مكافحة الإغراق تدابير الإجراءات المؤقتة، وحددت حالات تطبيقها بالنص، فيما يلي[25] :
- أن يكون التحقيق قد بدأ، وهناك إخطار عام صادر بهذا الشأن، مع إعطاء الأطراف ذات المصلحة فرصة كافية لتقديم المعلومات والتعليقات.
- تم الوصول إلى وجود ضرر بالصناعة المحلية بسبب الإغراق.
- السلطات التحقيقية رأت ضرورة تطبيق هذه الإجراءات لمنع حدوث الضرر أثناء التحقيق.
- لا بد من مرور فترة 60 يومًا على بدء التحقيق، حتى يمكن فرض هذه الإجراءات، وقد يكون تحديد هذه المدة لتمكين الأطراف، سواء كانت دولة مستوردة أو دولة مصدرة من تقديم البيانات والدفوعات ردا على البيانات المقدمة في طلب التحقيق.
وجاء القانون 15.09 ليحدد طبيعة هذه التدابير المؤقتة في المادة 23 إذا ما ارتأت الإدارة ضرورة ذلك لتفادي أضرار لاحقة خلال مدة التحقيق، وبعد استطلاع رأي اللجنة، والتي تأخذ شكل رسم مؤقت مضاد للإغراق أو رسم تعويضي مؤقت يطبق على شكل وديعة بعد انصرام أجل ستين (60) يوما يحتسب ابتداء من تاريخ فتح التحقيق.ولا يمكن أن تتعدى مدة تطبيق هذا الرسم ستة (6) أشهر بالنسبة للرسم المؤقت المضاد للإغراق وأربعة (4) أشهر بالنسبة للرسم التعويضي المؤقت.[26]
وكل تدبير مؤقت يتم نشره بالجريدة الرسمية متضمنا أسباب اختيار المنهجية المتبعة في تحديد هوامش الإغراق.
الفقرة الثانية : التدابير النهائية
متى ثبت لسلطة التحقيق أن الواردات من المنتج الأجنبي محل التحقيق قد أحدثت ضررا فعليا بالمنتج الوطني ، يمكنها تطبيق رسم نهائي مضاد للإغراق أو رسم تعويضي نهائي، وأوجبت الاتفاقية في المادة 9 على السلطات المختصة بالتحقيقات مراعاة الشرطين التاليين قبل فرض رسوم نهائية للإغراق:
أولهما هو ضرورة أن يكون الغرض من فرض الرسوم سريانه في كل أنحاء الدولة ويقترن بذلك أن تكون الرسوم أقل من هامش الإغراق إذا كان هذا الرسم الأقل كافيا لإزالة الضرر اللاحق بالصناعة المحلية. أمّا الشرط الثاني فيتمثل في أن يكون الرسم المفروض من جانب الدولة المستوردة بالمقادير المناسبة في كل حالة على حدة وعلى أساس غير تمييزي على واردات المنتج المغرق من كل المصادر التي يتضح أنّها تمارس الإغراق وتسبب الضرر. وهو نفس مضمون المادة 32 من قانون 15.09 في الفقرة الأخيرة.
أما مدة تطبيق هذا الرسم فهي خمسة (5) سنوات على الأكثر، تحتسب ابتداء من تاريخ تطبيق هذا الرسم لأول مرة أو ابتداء من تاريخ نشر آخر إعلان تمديد هذا الرسم طبقا لمقتضيات المادة 48.[27] ويتم تصفيته وتحصيله كما هو معمول به في المجال الجمركي.[28]
وكما سبق البيان فيما يخص نشر التدبير المؤقت بالجريدة الرسمية ، فيخضع التدبير النهائي كذلك لهذه العملية، وفي حالة تطبيقهما معا توضح المادة 33 من قانون 15.09 طريقة و كيفية التحصيل مع الاخذ بعين الاعتبار الفارق بينهما والمدة …
الفقرة الثالثة : التعهدات السعرية
يجوز وقف أو إنهاء إجراءات التحقيق بدون فرض تدابير مكافحة إغراق عن طريق تقديم تعهدات سعرية طوعية مرضية من قبل المصدرين بحيث تؤدي إلى إزالة الآثار الضارة للإغراق.
وقد جاءت التعهدات السعرية لغايات الموازنة في الحقوق والواجبات بين المصدر والمستورد، وتعرف التعهدات السعرية بأنها: تعهدات تطوعية يقدمها المصدر إما بمبادرة منه، أو بناء على طلب الدولة المستوردة، يتعهد بموجبها بمراجعة أسعاره، أو وقف صادراته إلى الدولة المستوردة المعنية بأسعار الإغراق، بحيث تقتنع سلطات التحقيق في الدولة المستوردة أن الأثر الضار للإغراق قد استبعد وتكون التعهدات السعرية إجراء أو تدبيرا جوازيا مكملا، لأنه يجوز للدولة التي مارست سياسة الإغراق في أسواقها، أن تتلقى هذه التعهدات وتنفذها، ثم تواصل اتخاذ إجراءات أخرى إلى جانب التعهدات السعرية، وذلك إذا لم تقتنع السلطات المختصة فيها بجدوى هذه التعهدات في إزالة آثار الإغراق الذي يجري بشأنه التحقيق[29].
كما يجوز لها إذا اقتنعت بكفاية هذه التعهدات في إزالة آثار الإغراق المعني أن توقف أو تنهي بقية الإجراءات الأخرى، وتعد التعهدات السعرية في هذه الحالة إجراء مستقلا في مكافحة الإغراق.
وقد نظمت هذا الموضوع المادة 8 من اتفاقية مكافحة الإغراق ووفق الفقرة أ من هذه المادة فإنه يجوز وقف الإجراءات أو إنهاؤها دون فرض إجراءات مؤقتة، أو رسوم مكافحة الإغراق.
وتأخذ هذه التعهدات فيما يتعلق بالإغراق ، حسب المادة 35 من قانون 15.09 الشكل التالي :
- عندما يتعهد المصدر، طبقا للأشكال والكيفيات المحددة بنص تنظيمي، بمراجعة أسعاره أو بعدم التصدير بأسعار الإغراق وإذا ارتأت الإدارة على إثر هذا التعهد أن الآثار الضارة للإغراق ستتم إزالتها ؛
وبالرجوع إلى النص التنظيمي الوارد أعلاه وهو المرسوم رقم 2.12.645 صادر في 13 من صفر 1434 ( 27 ديسمبر 2012) بتطبيق القانون رقم 15.09 المتعلق بتدابير الحماية التجارية، نجده ينص في المادة 32 : ” يمكن أن تعرض التعهدات المتعلقة بالسعر المشار إليها في المادة 35 من القانون رقم 15.09 المذكور، من طرف المصدرين بمبادرة منهم أو بطلب من السلطة الحكومية المكلفة بالتجارة الخارجية وذلك كتابة ويجب علي هؤلاء المصدرين الإدلاء بجميع المعلومات ذات الصلة التي تزكي العرض المتعلق بالتعهد وتنفيذه مع تقديم نسخة غير سرية لتلك المعلومات والتي يمكن تبليغها للأطراف المعنية بالتحقيق بطلب منها.
وتتوفر السلطة الحكومية المكلفة بالتجارة الخارجية علي أجل 30 يوما يحتسب من تاريخ استلام عرض التعهد لإخطار المصدر بقبول أو رفض التعهد وإخباره، في حالة قبول التعهد، بضرورة الإدلاء للوزارة المكلفة بالتجارة الخارجية بشكل دوري بالمعلومات المتعلقة بتنفيذ التعهد والسماح بتدقيق المعلومات السالفة الذكر.
خاتمة
يتبين في نهاية هذه الدراسة أن موضوع الإغراق يشكل أهم التحديات التي تواجه التجارة الدولية، ومن الجدير بالإشادة رغم ذلك بالجهد الدولي التجاري بصدد مكافحة هذا السلوك أخذا بعين الاعتبار عدد التحقيقات الدولية التي باشرتها بعض الدول للتصدي له إلى غاية سنة 2017 حيث وصلت إلى 4570 أي ما يفوق 80 بالمائة من القضايا المطروحة، وتتصدر الصين قائمة الدول المدعى عليها خاصة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث بلغ عدد المنتجات الصينية التي تواجه تدابير مكافحة الإغراق 4000 منتج.
أما المغرب فقد فتح 9 تحقيقات بشأن إغراق السوق 3 منهم تهم حماية الصناعة المحلية ، وكتقييم لهذه التجربة يمكن القول أن التشريع الوطني بالنسبة لمكافحة الإغراق استطاع مواكبة التوجهات الدولية والتشريعات الحديثة من خلال القانون 15.09 المتعلق بتدابير الحماية التجارية، بما يكرس الحق في الدفاع عن الحقوق التجارية والإبقاء على سياسة الانفتاح والتجارة الحرة في نفس الوقت.
لائحة المراجع
- مدني لعجال، د. الطاهر برايك ،“مكافحة الإغراق باعتباره ممارسة منافية للمنافسة التجارية الدولية”، مجلة الاجتهاد للدراسات القانونية والاقتصادية، المجلد: 07 العدد: 01 السنة 2018، جامعة الاغواط ، الجزائر.
- الإغراق، “آليات الحماية ضد الممارسات الضارة في التجارة الدولية” ، (مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، مكتب الأمانة الفنية لمكافحة الممارسات الضارة في التجارة الدولية). الطبعة الثانية
- محمد سعيد السعداوي، “المسؤولية المدنية الناجمة عن الإغراق التجاري في ضوء اتفاقية مكافحة الاغراق والقانون العراقي“، جامعة كربلاء / كلية القانون ،مجلة رسالة الحقوق السنة الخامسة، العدد ألأول 2013.
- رشا محمد صالح الجبوري، “التنظيم القانوني للإغراق التجاري في ضوء التشريع الأردني“، رسالة الماجيستير في القانون الخاص ،كلية الحقوق ،جامعة الشرق الأوسط ،كانون الاول 2017.
- مجاني غنية، “دور المنظمة العالمية للتجارة في مكافحة الإغراق“، أستاذة مساعدة أ جامعة الجزائر.
- د ياسر بن ابراهيم من محمد الخضيري، “الإغراق التجاري ، دراسة فقهية مقارنة” ، مجلة الجمعية الفقهية السعودية.
- حميد فلاح، “مكافحة الإغراق بين اتفاقيات تحرير التجارة العالمية و قواعد القانون الوطني” ، مجلة الدراسات القانونية المقارنة، المجلد 6 العدد 01 سنة 2020.
- اتفاقية مكافحة الإغراق.
- القانون 09 المتعلق بتدابير الحماية التجارية.
[1] أ. مدني لعجال، د. الطاهر برايك ،”مكافحة الإغراق باعتباره ممارسة منافية للمنافسة التجارية الدولية“، مجلة الاجتهاد للدراسات القانونية والاقتصادية، المجلد: 07 العدد: 01 السنة 2018،ص 208 جامعة الاغواط ، الجزائر.
[2] أ. مدني لعجال، د. الطاهر برايك ، مرجع سابق، ص 208.
[3] المادة 7 من قانون 15.09 المتعلق بتدابير الحماية التجارية.
[4] المادة 8 من قانون 15.09 المتعلق بتدابير الحماية التجارية.
[5] الإغراق، آليات الحماية ضد الممارسات الضارة في التجارة الدولية ، ( مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، مكتب الأمانة الفنية لمكافحة الممارسات الضارة في التجارة الدولية). الطبعة الثانية . 2012.
[6] المادة 9 من قانون 15.09 المتعلق بتدابير الحماية التجارية.
[7] المادة 13 من قانون 15.09 المتعلق بتدابير الحماية التجارية.
[8] محمد سعيد السعداوي، المسؤولية المدنية الناجمة عن الإغراق التجاري في ضوء اتفاقية مكافحة الاغراق والقانون العراقي، جامعة كربلاء / كلية القانون ،مجلة رسالة الحقوق السنة الخامسة، العدد ألأول 2013 ص244.
.
[9] رشا محمد صالح الجبوري، التنظيم القانوني للإغراق التجاري في ضوء التشريع الأردني، رسالة الماجيستير في القانون الخاص ،كلية الحقوق ،جامعة الشرق الأوسط ،كانون الاول 2017. ص .58.
[10] مجاني غنية، دور المنظمة العالمية للتجارة في مكافحة الإغراق، أستاذة مساعدة أ جامعة الجزائر. ص .106
[11] أ. مدني لعجال، د. الطاهر برايك ، مرجع سابق، ص 209.
[12] د ياسر بن ابراهيم من محمد الخضيري، الإغراق التجاري ، دراسة فقهية مقارنة ، مجلة الجمعية الفقهية السعودية ، ص 282.
[13] أ. مدني لعجال، د. الطاهر برايك ، مرجع سابق، ص 210.
[14] تم الاطلاع عليه في الموقع الالكتروني :
https://zawayablog.com/2886/amp/
[15] تم الاطلاع عليه في الموقع الإلكتروني :
[16] تم الاطلاع عليه في الموقع الإلكتروني :
https://assabah.ma/516626.html
[17] تم الاطلاع عليه في الموقع الإلكتروني :
https://www.maghress.com/bayanealyaoume/112208
[18] تم الاطلاع عليه في الموقع الإلكتروني :
[19] تم الاطلاع عليه في الموقع الإلكتروني :
https://www.maghress.com/alittihad/2073563
[20] رشا محمد صالح الجبوري، مرجع سابق ، ص 75.
[21] مرسوم رقم 2.12.645 صادر في 13 من صفر 1434 ( 27 ديسمبر 2012) بتطبيق القانون رقم 15.09 المتعلق بتدابير الحماية التجارية.
[22] المادة 6 / 3 من اتفاق مكافحة الإغراق.
[23] المادة 6 / 7 من اتفاق مكافحة الإغراق.
[24] المادة 17 من قانون 15.09 المتعلق بالحماية التجارية.
[25] المادة 7 / 2 من اتفاقية مكافحة الإغراق.
[26] المادة 29 من القانون 15.09 المتعلق بتدابير الحماية التجارية.
[27] ” ينشر، في الجريدة الرسمية، كل إبقاء على رسم مضاد للإغراق أو رسم تعويضي أو إلغائه أو تعديله أو تمديد مدته تبعا لمراجعته، ويبلغ إلى الأطراف المعنية المعروفة لدى الإدارة المختصة.”
[28] المادة 32 من قانون 15.09 المتعلق بتدابير الحماية التجارية.
[29] رشا محمد صالح الجبوري، مرجع سابق ،ص 97.