في الواجهةمقالات قانونية

قراءة في بعض إشكالات المسؤولية الجنائية للحدث

قراءة في بعض إشكالات المسؤولية الجنائية للحدث

hdr

قراءة في بعض إشكالات المسؤولية الجنائية للحدث

Read in some criminal responsibility problems of the juvenile

عبد الحفيظ ميموني 

طالب باحث في القانون الخاص ماستر العدالة الجنائية والعلوم الجنائية بكلية الحقوق جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس

 

      ملخص                                                                                    ABSTRACT                                       

Criminal responsibility of juveniles is among the most interesting subjects in the middle of jurisprudence and criminal justice because criminal responsibility as linked to a sensitive age group that is at the core of society because today’s youngsters are tomorrow’s youth and future men, So, like other comparative legislation, the legislature Moroccan has created special rules that take into account their different status. However there have been changes in the reality the legislator must take them into account for the effectiveness of the juvenile’s criminal responsibility regime. Amongst these changes are related white the sybercrime as wel as the changing economic social and cultural circumstances of the juvenile in particular which imposes the decriminalization of certain acts that the legislature has considered as crimes so the article therefore makes a reading of some the problems of criminal responsibility of the juvenile in relation to the age of criminal majority or at the the level of certain special crimes and also at the level of  elaboration of the concept of criminal gravity

تعد المسؤولية الجنائية للحدث من بين المواضيع الأكثر إثارة للاهتمام في أواسط التشريع الفقه والقضاء الجنائي، والسبب في ذلك يرجع إلى تميز المسؤولية الجنائية للحدث بكونها ترتبط بفئة عمرية حساسة تشكل جوهر المجتمع لأن صغار اليوم هم شباب الغد ورجال المستقبل، لذا أوجد المشرع كغيره من التشريعات المقارنة قواعد خاصة تراعي وضعيتهم المختلفة، غير أن هناك تغيرات على المستوى الواقع تفرض على المشرع ضرورة مراعاتها من أجل فعالية نظام المسؤولية الجنائية للحدث منها التطور التقني الذي تعرفه الجرائم في حد ذاتها كالجرائم الإلكترونية، وكذا تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للحدث على وجه الخصوص مما يفرض التراجع عن تجريم بعض الافعال التي اعتبرها المشرع جرائم، لذلك تطرح المقالة قراءة في بعض إشكالات المسؤولية الجنائية للحدث سواء على مستوى سن الرشد الجنائي أو على مستوى بعض الجرائم الخاصة. فضلا عن التساؤلات المرتبطة ببلورة مفهوم الخطورة الإجرامية لدى الحدث.

 

 

 

 

 

 

 

مقدمة

إذا كانت الجريمة إحدى المشكلات الرئيسية و المعقدة التي أضنت جهود المجتمع و بخاصة جهاز العدالة الجنائية، وإذا كانت تختلف كميا و نوعيا بحسب الظروف الزمانية و المكانية، فإنها بلا شك تعرف إختلافا كبيرا تبعا لاختلاف المراحل العمرية، بالشكل الذي يؤدي أن تكون لها خصوصيات بارتباط مع كل فئة عمرية لذلك فتحليلنا هنا لن يشمل كافة الأشخاص بل يقتصر على فئة معينة وهي فئة الأحداث، على إعتبار أن جنوح هؤلاء يعد من أعوص الظواهر الاجتماعية التي تواجه جميع دول العالم اليوم، فسقوط طائفة من الصغار في براتن الجريمة يهدد مستقبل المجتمع ويعمل على عرقلة تقدمها و نموها، فأحداث اليوم هم شباب الغد ورجال المستقبل[1]،خصوصا أمام الدول التي تعرف تدهورا على مستوى القطاع الإجتماعي و التعليمي التي تعد مجال من مجالات الوقاية من إجرام الأحداث قبل النظام القانوني، ونحن هنا إذا كانت الدراسات الأخرى إهتمت بدراسة الحدث من حيث البحث في ماهيته و أنماطه و طبيعته و حجمه..[2] ، فإن دراستنا ستركز على مسؤوليته الجنائية.

ومهما كان الخلاف حول مفهوم “المسؤولية الجنائية” فهي لا تخرج عن كونها ” تحمل تبعة الأفعال التي يجرمها القانون الجنائي”[3]، وفكرة تحمل التبعة هذه لا تعني شيئا آخر غير تطبيق العقوبة أو التدابير التهديبية و العلاجية المنصوص عليها في القانون الجنائي، أما بالنسبة لمفهوم الحدث، الملاحظ أنه إختلفت كلمة الحدث بحسب ميدان أو مجال إستعمالها[4]، لكن ما يهمنا هنا هو المجال القانوني ففي التشريع المغربي يلاحظ إهتمام المشرع بالسن حيث كل من لم يكتمل سن الثامنة عشر يعتبر حدثا إستنادا إلى الفصول من 138 إلى 140 من مجموعة القانون الجنائي والمادة 458 من قانون المسطرة الجنائية، أما كلمة الجانح فلم يتعرض لها المشرع مع أنها تمثل بلا شك مصطلحا قانونيا، وأفضل التعريفات تنصب على المعنى القانوني، وتعترف في ذات الوقت بحدود المتغيرات الإجتماعية والنفسية التي تساهم في الظاهرة الإجرامية، فالجانح هو الذي يرتكب فعلا يعده القانون جريمة في زمان ومكان معينين وسن معينة، لأنه من وجهة النظر القانونية خروج على المعايير القانونية التي وضعها المجتمع، وعلى ضوءه يعرف الحدث الجانح بأنه كل شخص لم يبلغ السن المنصوص عليها قانونا لبلوغ الرشد الجنائي، و يرتكب أحد الأفعال المخالفة للنظام العام أو القانون[5].

ومن هذا المنطلق كان الإهتمام بخصوصية الوضعية الجنائية للحدث ضرورة قانونية يتطلبها سلام وأمن المجتمع ومصلحة هذه الفئة، ولذلك أوجد المشرع كما التشريعات المقارنة، قواعد خاصة بهم تراعي وضعيتهم المختلفة،و العلة من  وراء تعقد المسؤولية الجنائية في _ كما سبق _ في خصوصيات ترتبط بالتكوين النفسي والعقلي و الجسمي للحدث، حيث تختلف باختلاف الظروف الاقتصادية  و الاجتماعية والطبيعية..، بل تختلف من شخص إلى آخر في نفس الظروف .

ومنه فإن الإشكال المثار في هذا الموضوع هو ما مدى قيمة وفعالية نظام المسؤولية الجنائية للحدث في القانون المغربي، و سنجيب على هذه الإشكالية من خلال  تلمس مختلف إشكاليات هذه المسؤولية خاصة في ما يرتبط بسن الرشد الجنائي للحدث سواء من تحديده أو من حيث إثباته ( الفقرة الأولى )، ثم في إشكالية هذه المسؤولية إذا تعلق الأمر ببعض الجرائم الخاصة ( الفقرة الثانية )، وأخيرا قصور المنهج المعتمد  تشريعيا في بلورة مفهوم الخطورة الإجرامية لدى الحدث ( الفقرة الثالثة) .

الفقرة الأولى: الإشكاليات المرتبطة بسن الرشد الجنائي

إن التأمل في الفصول الثلاث المنظمة المسؤولية الجنائية للحدث ( الفصول من 138 إلى 140 ) م القانون الجنائي وكذلك في قانون المسطرة الجنائية، يمكننا من ملاحظة_ وبشكل عام_ أن تحديد المشرع للسنة المقصودة في الرشد الجنائي ليس في محله، ذلك أن إعتماد السنة “الميلادية” غير سليم، لأن هذه السنة غير موجودة، والمعمول به هو السنة “الشمسية”[6]، وبناء على ذلك من الأجدر إعتماد  السنة الشمسية، ثم إن سن الرشد الجنائي للحدث يطرح مشاكل أخرى يمكن تلمس أهمها على المستويات الآتية.

أولا: كيفية تحديد سن الرشد الجنائي

إذا كان هناك توجهان في التعامل مع تحديد سن الرشد الجنائي، الأول الذي يعطى بموجبه للقاضي السلطة التقديرية في ذلك تبعا لكل حالة من الحالات التي تعرض عليه[7]، والثاني، الذي يترك الأمر من خلاله بيد المشرع[8]، وهذا ما سلكه المشرع المغربي عن طريق الفصل 140 من مجموعة القانون الجنائي، وكرره في المادة 458 من قانون المسطرة الجنائية، و إذا كان لكلا التوجهين محاسن ومساوئ في ذات الوقت، فإن الأجدر في نظرنا التعامل بشيئ من المرونة والجمع بينهما دون تغليب أحدهما على الآخر من أجل تحقيق موازنة بين مصالح المجتمع ومصلحة الحدث ومصلحة الضحية، خصوصا وأن قد يكشف عن خبرة جنائية و إجرامية للأحداث في إقترافهم لبعض الجرائم في حين أن القانون يعتبرهم ناقصي الأهلية وأن تصرفاتهم مجرد عدم إدراك.

وبناء عليه، من المستحسن في نظرنا إما الهبوط بسن الرشد الجنائي إلى حدود 16 سنة، أو البقاء على نفس التحديد المعمول به حاليا مع ضرورة إعطاء القاضي السلطة التقديرية عندما يتعلق الأمر ببعض الحالات الخاصة، وهذا ما سيمكننا من مسايرة التغيرات التي قد تحصل في المجتمع وفي بنية الحدث وتكوينه الداخلي، كما أن ذلك سيجعلنا نتجاوز فكرة إعتبار سن التمييز قرينة قاطعة غير قابلة لإتباث العكس، وفتح الإمكانية أمام القاضي وأمام أي طرف من أجل إقامة الدليل على مدى توافر الإدراك والتمييز لدى الحدث من عدمه.

ثانيا: الوقت المعول عليه في تعيين سن الحدث المقترف لجريمة

إذا كان الإستناد إلى وقت إرتكاب الجريمة في تعيين سن الحدث_ وهو التوجه الذي تبناه المشرع المغربي وتدارك التنصيص عليه في الفصل 459 من قانون المسطرة الجنائية[9]_ توجه يتفق ومبادئ العدالة أو الإنصاف ومبادئ القانون الجنائي ( خصوصا الشرعية الجنائية)، وذلك لأنه من غير المعقول أن يحمل فاعل الجريمة ما يترتب من نتائج في غير مصلحته على التباطؤ الذي قد يحدث في سير اجراءات العدالة الجنائية، فالعدالة تقتضي تحميله نتائج فعله المجرم وقت إرتكابه الجريمة وليس أي وقت آخر، ومن جهة ثانية فالشرعية الجنائية تستلزم وجوب تطبيق النص الجنائي الذي كان نافدا وقت إرتكاب الحريمة، وتأسيسا على ذلك فالقانون ينظم مركزين قانونيين مركز الحدث ومركز آخر للراشد، و ارتكاب حدث فعلا مجرما فإن مركزه يتحدد وقت إرتكاب الجريمة، ويبقى في نفس المركز القانوني[10]، توجه يبدو مقبولا إلى حد كبير، لكن ذلك لا يعني أن يأخد به على إطلاقه، على إعتبار أن هناك حالات شادة في الواقع العملي، فعلى سبيل المثال نتساءل ما حكم الحدث الذي لم يتبقى له إلا ساعات أو أيام قليلة على تحقق سن الرشد الجنائي لديه و يقترف فعلا مخالفا للقانون الجنائي، هل يحكم عليه بعقوبة الراشدين أم التعامل معه على أنه حدث، يبدو أنه لتجاوز هذه الحالات العملية من الجدير من وجهة نظرنا التنصيص على منح السلطة التقديرية للقاضي حسب كل حالة على حدة.

ثالتا: إثبات سن الحدث

تنص الفقرة الثانية من المادة 459 من قانون المسطرة الجنائية على ” إذا لم توجد شهادة تتبث الحالة المدنية ووقع خلاف في تاريخ الولادة، فإن المحكمة المرفوعة إليها القصية تقدر السن بعد أن تأمر بإجراء فحص طبي و بجميع التحريات التي تراها مفيدة وتصدر إن إقتضى الحال مقررا بعدم الإختصاص”.

يبدو من خلال هذه المادة أن المشرع كان موفقا إلى حد ما ورسم خريطة طريق القاضي عندما يتعلق الأمر بوقوع خلاف في تاريخ الولادة، فأعطاه سلطة تقدير السن بناء على إجراءات الفحص الطبي أو بجميع التحريات التي تراها المحكمة مفيدة، لكن المشكل المثار هو أنه هناك حالات في الواقع العملي يكون فيها تاريخ الولادة غير دقيق بالكامل، أو بالأحرى تكون تركيبة الحدث أصغر أو أكبر من سن الحدث المحدد في الوثائق الرسمية، أو في الحالات التي يقترف في الحدث فعلا مخالفا للقانون الجنائي ولم يتبقى له إلا أيام أو ساعات معدودة عن تحقق سن الرشد المحدد في الوثائق الرسمية، فما حكم هذه الحالات في ضل أن المشرع غل يد المحاكم عن الإثبات عندما تتواجد وثائق رسمية، و عليه يلزم تدخل المشرع للحسم في هذه المسائل وترك السلطة التقديرية بيد القاضي في بعض الحالات الشادة، مع ضرورة تعزيز الجهاز القضائي بمتخصصين وأكفاء في الميادين والعلوم المختلفة لمساعدة القضاء في عمله.

فضلا عن ذلك ما العمل إذا قدرت المحكمة سن الحدث لعدم توافر ورقة رسمية ثم ظهرت هذه الورقة بعد الحكم نهائيا في موضوع الدعوى تتبث خلاف السن ( كأن تقدر المحكمة أن المتهم قد أتم سن 12 ويتضح من الورقة الرسمية خلاف ذلك )، و هنا فرق بعض الفقه بين حالتين الأولى، إذا كان طريق الطعن ما زال مفتوحا للطاعن أن يستند في طعنه على الورقة الرسمية، و الحالة الثانية، هي حالة انقضاء طرق الطعن، هنا سكت القانون عن مواجهة هذه الحالة ولا مجال للنصوص في حل ذلك، و يلزم تدخل تشريعي لتنظيم هذه المسألة[11].

كما أنه هل يعد تقدير سن الحدث من المسائل الواقعية أم القانونية  ومن تم هل يدخل في سلطة محكمة الموضوع التقديرية، أم يخضع لرقابة محكمة النقض، يبدو من وجهة نظرنا أنه بغض النظر عن توجهات المحاكم في هذا الصدد_ وهو ما ذهب له بعض الفقه[12]_ يجب على محكمة الموضوع ذكر سن المتهم الحدث وقت ارتكابه الجريمة في منطوق الحكم، و الالتزام بالتعليل بناء على أسس واقعية وقانونية وعلمية، حتى تتمكن محكمة النقض من مراقبة تطبيق أحكام القانون تحقيقا للعدالة .

الفقرة الثانية:  إشكالية المسؤولية الجنائية للحدث في بعض الجرائم الخاصة

معلوم أن القانون الجنائي العام هو الذي يتضمن المبادئ العامة للتجريم والعقاب، والقانون الجنائي الخاص هو الذي يتضمن لائحة الأفعال المجرمة قانونا، أما القانون للأحداث لم يتطرق إلى تبيان الأفعال غير المشروعة، وذلك راجع إلى أنه لا توجد جرائم خاصة بالأحداث، و تأسيسا على ذلك فإنه يجب الرجوع إلى القواعد العامة في القانون الجنائي بشقيه العام والخاص[13]، لكنه بالرجوع إلى القانون الجنائي الخاص، يتبين أنه هناك مجموعة من الجرائم لا تتفق وخصوصية المسؤولية الجنائية للحدث، ومنها جريمة التشرد والتسول و البغاء والاغتصاب.

بالنسبة لجريمة التشرد، فمعلوم أن المتشرد هو الذي لا يتوفر على محل الإقامة ولا على وسائل التعايش ولا يزاول أية حرفة أو مهنة معينة رغم قدرته على العمل، ومنه إذا كان هذا المفهوم مقبولا إلى حد ما فيما يتعلق بالراشدين، فإنه مهيب بالنسبة للأحداث، خصوصا وأن مدونة الشغل قد حددت السن الأدنى لقبول تشغيل الأحداث في سن 15 سنة، فكيف يمكن قبول فكرة متابعة الأحداث أقل من 12 سنة أو الذين ما بين 12 و 16 سنة، وهذا ما يجعل المشرع في تناقض صارخ بين نصوص قانون الشغل ومقتضيات القانون الجنائي.

و يواخد على القضاء المغربي في هذا الإطار أنه حين يلجأ الى الحكم على الحدث غالبا ما يكون تعليله ناقصا يؤول إلى إنعدامه، وذلك باستناده على معطيات فضفاضة وعامة، في غياب لإتباث العناصر التكوينية ( عدم التوفر على محل إقامة، عدم وجود وسائل التعايش، عدم مزاولة أية حرفة معينة بكيفية إعتيادية، خطأ المعني بالأمر الذي لم يطلب عملا رغم قدرته) _ ومثال ذلك نستحضر حكم ابتدائية أكادير بتاريخ 12_ 10_ 2001 في الملف الجنحي عدد 01/98 والذي قضى بالحكم على حدثان متسكعين بساحة السلام دون أي هدف قار وأنهما يقضيان المبيت بالساحة المذكورة ويقتاتان مما يتركه الزبناء من مأكولات بالمقاهي الموجودة في الساحة ولا يترددان على مساكنهما إلا نادرا_ لذلك فمن الضروري الإعتماد على هذه العناصر كلها وتبيانها في حيثيات الحكم حيى يكون معللا ومؤسسا.

وبناء على ما سبق يتعين على المشرع العمل على تصحيح التناقض الصارخ بين قانون الشغل ومجموعة القانون الجنائي، لأن التشرد تبقى ظاهرة إجتماعية بالدرجة الأولى، ونفس ما تم تناوله بالنسبة لجريمة التشرد ينطبق على “جريمة” التسول فمن غير المقبول متابعة الأحداث بهذه الجرائم، والواقع العملي يؤكد على أنهم ضحية ظروف إجتماعية اقتصادية، فقد يكونو مجبرين على هذه الأفعال من طرف آبائهم وأوليائهم، فما مسؤولية هؤلاء هل يمكن إعتبارهم فاعلين معنويين للجريمة، أو مشاركين أم ماذا ؟

كذلك لا يمكن القبول بتطبيق جريمتي البغاء و الإغتصاب على الأحداث، فالخلل في هذا التطبيق لا يكمن في عدم توفر العناصر التكوينية للجريمة، بل الخطأ في الترجمة لأن النص بالفرنسية هو ” كل شخص من جنس مختلف أي ذكر و أنثى”، والمشرع مازال ينص يستعمل عبارة ” الرجل والمرأة” ومنه يجب على المشرع تلاقي هذا الخطأ اللغوي باستعمال عبارتي ” ذكر و أنثى” .”

الفقرة الثالثة: قصور المنهج المعتمد في بلورة مفهوم الخطورة الإجرامية لدى الحدث.

معلوم أن خصوصية مرحلة الحداثة تقتضي أن تختلف القواعد التي تبلور مفهوم الخطورة الإجرامية لدى الأحداث، ذلك أن الأفعال المخالفة للقانون الجنائي التي يأتيها الحدث الجانح تعبيرا على إنحراف سلوكي وليس تعبيرا عن شر متأصل في نفسه[14].

ويظهر من إبقاء المشرع على التقسيم الثلاثي لجنوح الأحداث ( مخالفة، جنحة، جناية ) أنه لم يرتب أي خصوصية على الأفعال المخالفة لقواعد القانون الجنائي الصادرة عن الأحداث، و هذا التقسيم مبني على العقوبة كمعيار في تصنيف درجة خطورة الفعل الجانح وتحديد مقدار وطأة الجزاء الجنائي، في حين أن معيار الخطورة الإجرامية للأحداث مبني_ كما اتفق الفقه على ذلك_ على طبيعة الإضطرابات التي تتخلل البنية السيكولوجية للحدث، و عليه فشخصية الحدث هي التي يجب أن نأخد بعين الإعتبار وليس الفعل المقترف، وهذا ما يجعل المشرع في تناقض صارخ إذا ما أردنا أن نحدد المرجعية الفكرية و النظرية التي إستلهم منها تصوره في معالجة المسألة، إذ في الوقت الذي اتخذ فيه التدابير الإحترازية كأساس لمعالجة جنوح الأحداث، اتخذ معيار العقوبة كأساس لتقسيم طبيعة الأفعال الجانحة التي ترتكبها.

وبناء عليه يمكن القول بأن التخلي عن هذه المقاربة أصبحت ضرورة ملحة بالنظر لتبني المشرع لنظام التدابير بمثابة القاعدة الأساسية للعدالة الجنائية للأحداث[15]، بما يستتبعها من ضرورة أخد الخطورة الإجرامية الكامنة في نفسية الحدث كأساس للمساءلة التهذيبية و التقويمية، لكن ذلك لا يعني من جهة تانية التغاضي عن الأخد بنوع الأفعال المرتكبة خصوصا في حالة ارتكاب جرائم ذكية.

و يؤاخد على القضاء المغربي[16] أنه حين يلجأ إلى إصدار أحكامه بالعقوبة في حق الحدث الجانح غالبا ما يكون تعليله ناقصا يؤول إلى الإنعدام، وذلك باستناده إلى جسامة الجنحة المرتكبة فحسب، وفي غياب تام للإشارة إلى طبيعة ظروف الحدث المختلفة، ففي قرار إستئنافية الجنايات بالحسيمة، نجد المحكمة عللت قرارها في شأن إختيار العقوبة و الرفع من المدة المحكوم بها في القرار المستأنف من 3 إلى 5 سنوات في حق الحدث ما يلي ” و حيث تبعا لذلك ولخطورة الفعل الجرمي تبقى العقوبة المحكوم بها عليهما في الحكم المستأنف لا ترقى إلى ردعهما مما ارتأت معه هذه المحكمة بعد قبولها بتعديل الحكم المستأنف الرفع منها إلى الحد المناسب وفق منطوق الحكم” وهذا التعليل تعتريه قصور من حيث تسبيبه ذلك أن المشرع المغربي ربط توقيع – في المادة 482 من قانون المسطرة الجنائية- العقوبة السالبة للحرية في حق الحدث الجانح بمدى شدة الخطورة الإجرامية لديه والحال أنه لا يتم اللجوء إلى ذلك إلا عند التيقن من عجز التدابير على تقويم الجانح و إعادة إدماجه في المجتمع، فضلا عن أن فالمشرع لم يشر إلى إمكانية توقيع العقوبة في حق الحدث إستنادا إلى جسامة الجنحة المرتكبة[17].

كما تجدر الإشارة إلى إشكالية إزدواجية العقوبة و التدابير التهديبية و نحن نريد بعض الفقه إذ طرح سؤال هام هل يقصد المشرع من جواز الجمع بين التدبير والعقوبة في الحكم الواحد أنه يتعين تنفيدهما معا، وكيف السبيل إلى ذلك وأيهما ينفد قبل الآخر العقوبة أم التدبير؟[18].

 

 

 

 

خاتمة

تقف المسؤولية الجنائية للأحداث في موقف متميز، تقتضيه خصوصيات مرحلة الحداثة، وتهدف إلى الحد من خطورتهم الإجرامية عن معاملة جنائية مختلفة إن على مستوى قيام هذه المسؤولية، أو على مستوى آثارها، لكن ذلك لا يمكن أن يضمن فعاليته_ أي نظام المسؤولية الجنائية_ بدون الحد من الحدود و الفواصل القائمة بين العلوم المختلفة التي تبحث في بنية الحدث و تكوينه الداخلي و محيطه الخارجي، و بين القواعد القانونية التي تنظم وضعيته الجنائية.

لقد تبين لنا أنه بالرغم من أن المشرع قد ساير توجهات وتطلعات الفكر الجنائي في بلورة  المسؤولية الجنائية لدى الأحداث و يظهر ذلك من خلال المقتضيات و الضمانات المهمة في قانون المسطرة الجنائية ( الكتاب الثالث منه ) وكذلك في القانون الجنائي الموضوعي إلا أنه ما زالت العديد من النواقص ينبغي تجاوزها والحسم فيها، وبناء عليه يمكننا أن نستخلص الاستنتاجات التالية

      _ينبغي استحضار خصوصيات المسؤولية الجنائية للحدث في المعاملة الجنائية له، فمما لا شك فيه أن عدم فهمها واستيعابها بشكل كامل سيرتب نتائج معاكسة.

_ينبغي أن يعاد النظر في المقتضيات المنظمة لسن الرشد الجنائي كما سبق بيانه، ذلك أن تكوين الحدث أصبح سريعا ولا يتماشى مع السن المحدد قانونا.

_إعادة النظر في بعض الجرائم المنصوص عليها في القانون الجنائي والتي لا تنطبق بعض أو كل مقتضياتها مع خصوصية سن فئة الأحداث ( من قبيل الإغتصاب والبغاء).

_ضرورة الرفع من جودة العمل القضائي الجنائي عن طريق تمكينه من متخصصين في مختلف العلوم الإنسانية، من أجل فهم أعمق الخطورة الإجرامية لدى الأحداث والتي تختلف تماما عن الخطورة الإجرامية لدى الراشدين .

_ارساء مقاربة وقائية استباقية للحد من إجرام الاحدات من خلال ترسيخ ثقافة معلوماتية رصينة تاخد بعين الاعتبار تطوير القيم الإنسانية والدينية لدى الاحدات التي تحصنهم من الوقوع في براتين الانحرافات الاجتماعية لا سيما في ضل ما بات يعرف بالجريمة الالكترونية.

 

1ذ.محمد العروصي، الحدث الجانح بين التدابير التهديبية و العقوبة، مقال منشور بالمجلة الإلكترونية للأبحاث القانونية، عدد 1، 2018، .ص131

2- د. محمد العروصي، المرجع السابق، نفس الصفح

 

[3] د. محمد الرازقي، محاضرات في القانون الجنائي (القسم العام) الأحكام العامة الجريمة_ الجريمة_ المسؤولية الجنائية، الطبعة الثالثة 2002، الصفحة 23

[4] ففي إطار المفهوم الإجتماعي و النفسي يراد بالحدث الصغير مند ولادته، حتى يتم نضوجه الإجتماعي و النفسي و تتكامل لديه عناصر الرشد في الإدراك، أي القدرة على فهم ماهية و طبيعة فعله وتدبير نتائجه، مع توافر الإدارة لديه، أي القدرة على توجيه نفسه إلى فعل معين أو إلى الإمتناع عنه

د. محمد العروصي، المرجع السابق، الصفحة 132

[5] د. محمد العروصي، المرجع السابق،نفس الصفحة

6- د. محمد الإدريسي العلمي المشيشي، دراسة حول ملائمة مشروع القانون الجنائي مع المبادئ والقواعد المعتمدة في منظومة حقوق الإنسان، دون طبعة، 2012، الصفحة 94

7- إستنادا إلى أن الإنتقال من الحداثة إلى الرشاد يتم باكتمال النضج العقلي للإنسان، أي عندما تكتمل ملكاته الذهنية و العقلية، كما أن الإنتقال من حالة الإدراك إلى الناقص إلى حالة الإدراك الكامل لا يتم فجأة أو دفعة واحدة، كما لا يتم في سن واحدة مجردة، بل يحصل بالتدرج و يخضع لعوامل مختلفة لا يمكن إغفالها ولا إغفال الدور الذي تلعبه في تكوين الحدث من الناحيتين الجسدية و الذهنية ( ومنا العوامل الإجتماعية والطبيعية..)

د. حسن الجوخدار، قانون الأحداث الجانحين، الطبعة السادسة، 1415_ 1416 هجرية الموافق ل 1996_ 1997 ميلادية، الصفحة 33

8-  وذلك بناء على أن عكس ذلك مدعاة لاختلاف الرأي والتحكم و عدم تماثل درجات التقدير لاختلاف عقليات القضاة

د.حسن الجوخدار، المرجع السابق، نفس الصفحة

 

[9]  تنص على ” يعتبر لتحديد سن الرشد الجنائي، سن الجانح يوم ارتكاب الجريمةتنص على ” يعتبر لتحديد سن الرشد الجنائي، سن الجانح يوم ارتكاب الجريمة

[10]  د. حسن الجوخدار، المرجع السابق، الصفحة 66

 

11-  د. حسن الجوخدار  نفس  المرجع، الصفحة  73.

12- نفسه، الصفحة  75 .

13- د. حسن الجوخدار ،مرجع سابق، الصفحة 23 و ما يليها.

14- سميع بوزيدي، الخطورة الإجرامية لدى الأحداث معيار التمييز بين الحدث الجانح و المعرض للإنحراف، مقال بمنشورات مجلة الحقوق “سلسلة المعارف القانونية و القضائية” ” الأنظمة الجنائية المقارنة، الإصدار رقم 74، 2020، الصفحة 231.

[15] ذ، سميع بوزيدي، المرجع السابق، الصفحة 232.

[16]  لابد من الإشارة إلى أن القانون والقضاء المغربي قد تحقق فيهما مكتسبات مهمة في مجال عدالة الأحداث، فالقانون كرس مجموعة من الضمانات، والقضاء عمل ويعمل من خلاله عمله القضائي على تكريس هذه الحماية على أرض الواقع سواء على مستوى القضاء الواقف أو القضاء الجالس.

 [17] سميع بوزيدي، مرجع سابق، الصفحة 235.

18د، محمد العروصي، المرجع السابق، الصفحة 142

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى