في الواجهةمقالات قانونية

مدى جواز امتداد اتفاق التحكيم الى الغير دراسة مقارنه – الدكتورة شذى جمال العموش المملكة الأردنية الهاشمية

 

مدى جواز امتداد اتفاق التحكيم الى الغير دراسة مقارنه

The extent to which the arbitration agreement may be extended to others.

الدكتورة شذى جمال العموش

المملكة الأردنية الهاشمية

الملخص

إن المتعاملون في التجارة الدولية في الوقت الحاضر أصبحوا يلجؤون الى التحكيم وهو أهم وسيلة لحل خلافاتهم التي تنتج عن معاملاتهم التجارية فلا بكاد أي عقد من عقود التجارة الدولية يخلو من شرط يتم بموجبه اتباع التحكيم عند حدوث نزاع أو خلاف، وان لجوء الاطراف للتحكيم يأتي كنتيجة للمزايا التي يتمتع بها التحكيم وخاصة السرعة في الفصل بالنزاع الناشئ بين اطراف العلاقة القانونية العقدية أو الغير عقدية.

وبعد صدور حكم التحكيم قد تثور بعض الاشكاليات القانونية حول مدى امتداد آثار اتفاق التحكيم الى الغير، ولما لهذا الاثر من اهمية كان لابد علينا من السعي والبحث لبيان واثارة مثل هذه الاشكالية والوصول الى نتيجة مقنعة لها.

 

Summary

Dealers in international trade at the present time have resorted to arbitration, which is the most important means of resolving their disputes that result from their commercial transactions. Almost any international trade contract is devoid of a condition according to which arbitration is followed when a dispute or disagreement occurs, and that the parties resort to arbitration comes as a result of the advantages Which arbitration enjoys, especially the speed in adjudicating the dispute arising between the parties to the contractual or non-contractual legal relationship. After the issuance of the arbitral award, some legal problems may arise about the extent of the effects of the arbitration agreement extending to others, and because of the importance of this effect, we had to strive and research to clarify and raise such a problem and reach a convincing result for

 

المقدمة

إن المتعاملون في التجارة الدولية في الوقت الحاضر أصبحوا يلجؤون الى التحكيم وهو أهم وسيلة لحل خلافاتهم التي تنتج عن معاملاتهم التجارية فلا بكاد أي عقد من عقود التجارة الدولية يخلو من شرط يتم بموجبه اتباع التحكيم عند حدوث نزاع أو خلاف، وان لجوء الاطراف للتحكيم يأتي كنتيجة للمزايا التي يتمتع بها التحكيم وخاصة السرعة في الفصل بالنزاع الناشئ بين اطراف العلاقة القانونية العقدية أو الغير عقدية.

وبعد صدور حكم التحكيم قد تثور بعض الاشكاليات القانونية حول مدى امتداد آثار اتفاق التحكيم الى الغير، ولما لهذا الاثر من اهمية كان لابد علينا من السعي والبحث لبيان واثارة مثل هذه الاشكالية والوصول الى نتيجة مقنعة لها.

مشكلة الدراسة

تتمثل مشكلة الدراسة حول مدى جواز امتداد اتفاق التحكيم الى الغير.

 

أهمية الدراسة

تكمن أهمية موضوع مدى جواز امتداد اتفاق التحكيم الى الغير في أنها تعد من اهم موضوعات التحكيم بشكل عام، ومن ثم فإن التحكيم يعالج قصور القوانين الوطنية المراد تطبيقها على المنازعات الناشئة عن التجارة الدولية، وما يترتب على ذلك من نتائج قانونية.

 

منهجية الدراسة

سيحرص الباحث على اتباع المنهج الوصفي مستقرءا نصوص القانون واحكام القضاء واجتهادات الفقه مستنبطا منها ما يتفق مع موضوع الدراسة.

محددات الدراسة

تتمثل حدود الدراسة من حيث الزمان فيما يتعلق بقانون التحكيم الاردني رقم 31 لسنة 2001 وقانون التحكيم المصري لسنة 1994، أما من حيث الاطار الموضوعي فهي تتمثل بمدى جواز امتداد اتفاق التحكيم الى الغير في الفقه والقضاء الاردني والمقارن.

 

الخطة

المبحث الاول: مفهوم الغير ودوره في خصومة التحكيم

المطلب الاول: مفهوم الغير في خصومة التحكيم

المطلب الثاني: امتداد القوة الملزمة لاتفاق التحكيم الى الغير

المبحث الثاني: آثار امتداد شرط التحكيم الى الغير

المطلب الاول: صور امتداد اتفاق التحكيم الى الغير

المطلب الثاني: موقف الفقه والقضاء من امتداد اتفاق التحكيم الى الغير

 

المبحث الأول: نسبيه اتفاق التحكيم

     إن التحكيم كنظام يتسم في مراحله المتعاقبة بأنه نسبي الأثر، فاتفاق التحكيم كغيره من التصرفات الإرادية تنصرف آثاره الى طرفين دون أن يفيد الغير أو يضره، فإجراءات الخصومة التحكيمية شأنها شأن الخصومة القضائية لا تنصرف آثارها الى الغير، إلا أنه عملا بقاعدة نسبية التحكيم بالنسبة للغير فقد أجاز المشرع الخروج عن هذه القاعدة بانصراف آثار اتفاق التحكيم الى الغير الاجنبي عن العقد.

وقد نتصور أن استقلال شرط التحكيم يعني عدم انتقاله للغير لكن في الحقيقة فإن استقلال الشرط يعني عدم تأثره ببطلان أو فسخ أو انتهاء العقد الأصلي، وبالتالي فإن شرط التحكيم يكون منفصل عن باقي العقد[1]، وهنا يثور التساؤل حول النتائج المترتبة على استقلال شرط التحكيم وهل يقف ذلك عقبة امام انتقال شرط التحكيم الى الغير، ولبيان ذلك لا بد لنا من بيان مفهوم الغير في خصومة التحكيم في مطلب أول، ومن ثم امتداد القوة الملزمة لاتفاق التحكيم الى الغير في مطلب ثان.

المطلب الأول: مفهوم الغير في خصومة التحكيم

يعد الغير الأجنبي عن الدعوى الشخص الخارج عن الخصومة والذي يكون محميا بالنظر لهذا الموضع بمبدأ نسبية الشيء المقضي به، وعلى الرغم من ذلك قد يتأثر الغير بالخصومة القائمة بين الاطراف بصورة مباشرة أو غير مباشرة، والقاعدة العامة تقضي بعدم انصراف اتفاق التحكيم الى الغير سواء كان هذا الأثر حقا أم التزاما، ويقصد بالغير كل شخص ما عدا المتعاقدين والخلف العام والخلف الخاص والدائنين، فيعد الغير أجنبي تماما عن العقد ولا يستفيد منه ولا حتى يتضرر بآثاره، وقد يكون الأثر الذي يترتب في مواجهة الغير قد تم بقصد من المتعاقدين.[2]

فالفقه التقليدي يأخذ بمفهوم ضيق لفكرة الطرف ويقصره على كل من اتجهت إرادته الى ابرام العقد، اما الفقه الحديث فقد أخذ بمفهوم واسع له وبالإضافة الى ذلك حاول جاهدا تسكين طائفة الغير الوهمي في مفهوم الطرف، بحيث ذهب الى معايير متفاوتة كان من اهمها الأخذ بمعيار مدى سلطة المتعاقد في العقد، حيث أن أثر العقد على ضوء هذا المعيار لا ينصرف فقط الى كل من ابرم العقد أو أسهم في ابرامه فقط، وانما يمتد الى كل من نفذه أو أسهم في تنفيذه.[3] وبناءا على هذا الرأي فإنني شخصيا ارى بأنه لا يجوز الاستناد الى معيار واحد بل لا بد من الأخذ في الاعتبار معايير متعددة مثل الإرادة الضمنية للأطراف.

ويمكن الاستناد على التحكيم أو الاحتجاج به في مواجهته، لأنه واقعة قانونية بالنسبة للغير، ويعد ذلك من قبيل الأساس لشرعية المركز القانوني الموضوعي أو الاجرائي الذي ينشأ عن التطبيق التوزيعي لقواعد العقد.[4]

 

والغير لا يمكن أن يكون محكوما له أو محكوم عليه لأن الحكم في الواقع لا ينتج اثرا في مواجهة الغير بطريقة مباشرة، فالمحكم لا يعلم ادعاءاته ولم يستنتج منها قراره وقت صدوره، والقول بخلاف ذلك من شأنه أن يغير وجه القرار وامتداد حجية الشيء المقضي به، إلا أن الغير قد يتأثر بالحكم بطريق غير مباشر، حيث يمكن أن يستند إليه الغير أو يحتج به في مواجهته كأساس لشرعية المركز القانوني الذي يقرره، ويكون ذلك بمعنى أنه يعتبر دليل اثبات لهذا المركز ويحتج به في مواجهة الكافة، وقد يترتب على هذا الاحتجاج فائدة أو ضرر بالغير ومن ذلك الكفيل الذي يعتبر شخصا من الغير من الناحية الاجرائية.[5]

ويتحدد نطاق حجية حكم التحكيم بالنسبة للأشخاص بوحدة الخصوم في الدعوى، حيث أنه لا يستفيد من الحكم إلا من صدر لمصلحته ولا يحتج به إلا من صدر عليه، وتقتصر حجية حكم التحكيم على أطراف الخصومة والقاعدة في ذلك هي نسبية آثار هذه الحجية لا سيما بأن اطراف الخصومة هم وحدهم من يكون في مركز يسمح لهم بالدفاع عن حقوقهم، ولذلك فإذا كان الشخص موجودا في الخصومة ممثلا لشخص أخر طبيعي أو معنوي فلا يعتبر طرفا شخصيا في الحكم الصادر فيها والعكس من ذلك ايضا صحيح.[6]

ويعتبر الغير طرفا في التحكيم عندما تربطه صلة بأحد اطراف التحكيم، ويكون ذلك في حالات أربعة رئيسية وهي: حالة العقد الجماعي وحالة المجموع العقدي، وحالة العقود التي يبرمها من يظهر بمظهر صاحب الحق، وحالة المرسل إليه في عقد النقل.[7]

والخلف العام وفقا لما جاء في القانون المدني الأردني في المادة 206 منه فهو: ” ينصرف أثر العقد الى المتعاقدين والخلف العام دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالميراث ما لم يتبين من العقد أو من طبيعة التعامل أو من نص القانون أن هذا الأثر لا ينصرف الى الخلف العام”، إذن الخلف العام هو من تؤول إليه كل حقوق السلف والتزاماته أو نسبة معينة باعتبارها مجموعة قانونية، ومصدر الخلافة العامة تكون بالميراث أو بالوصية بجزء غير معين من التركة.

وقد قررت محكمة التمييز الأردنية رقم 2767/1998 تاريخ 3/11/1999 ” حيث أن العقد المتضمن التعهد بنقل ملكية الأرض هو عقد باطل لتخلف شرط الشكل الذي يفترضه القانون في التعهد بفراغ الأرض لا ينصرف أثره الى المدعى عليهم بصفتهم ورثه لأنه التزام ينقضي بوفاة الملتزم” ، ويرى الفقه بانقضاء شرط التحكيم في حالة وفاة أحد اطرافه وكان هناك شرط بالانقضاء بالوفاة.

لكن ذهب جانب اخر من الفقه المصري الى أن انقضاء العقد الأصلي بالوفاة إما باتفاق الاطراف أو بحكم القانون أو طبيعة التعاقد التي تقتضي ذلك لا أثر له على شرط التحكيم الذي يتضمنه تطبيقا لمبدأ استقلال اتفاق التحكيم المنصوص عليه بالمادة 23 من قانون التحكيم المصري، ولذلك يبقى هذا الشرط قائما ويصبح ملزما للخلف العام ويبقى النزاع حول تحقق هذا الانقضاء او عدم تحققه والنزاع حول الحق الموضوعي عند عدم انقضائه بالوفاة خاضع لاتفاق التحكيم في حدود المنازعات المتفق بشأنها على التحكيم، لكن في حال إن اتفق اطراف العقد الاصلي على انقضاء شرط التحكيم تبعا لانقضاء العقد الاصلي أو في حال اذا اتفق اطراف العقد الاصلي على انقضاء شرط التحكيم بوفاة أحد الطرفين فأثر هذا الشرط ينحصر فقط في اطرافه ولا ينتقل الى الخلف العام لأي منهما، وذلك لأنهما يعتبران من الغير بالنسبة الى هذا الشرط.[8]

ولهذا فإن التساؤل الذي قد يثار بعد ذلك هو مدى انتقال آثار اتفاق التحكيم الذي يبرمه السلف الى الخلف العام؟ وباعتبار أن اتفاق التحكيم عقد فإن السلف يكون طرفا في اتفاق التحكيم بصدد نزاع متعلق بحق من الحقوق التي انتقلت منه الى الخلف وأن اثار هذا الاتفاق تنتقل الى الخلف العام وعندما يكون السلف شخصا طبيعيا يتعين مراعاة مسألة الاهلية عند انتقال أثر اتفاق التحكيم الى الورثة، ومن المفترض أن لا يكون الوارث قاصرا أو فاقد الأهلية اللازمة لإعمال اتفاق التحكيم.[9]

ولا يتعلق بالنظام العام انصراف أثر اتفاق التحكيم الى الخلف العام، ونتيجة لذلك يجوز لطرفي اتفاق التحكيم أن يضفيا عليه طابعا شخصيا، من خلال أن ينصان في الاتفاقية على اقتصار اثره عليهما وحدهما دون الخلف العام لأي منهما، وفي  مثل هذه الحالة ينقضي اتفاق التحكيم مع العقد الأصلي نتيجة الوفاة.[10]

اما الخلف الخاص فهو من يخلف الشخص في شيء معين بالذات أو في حق عيني معين، وتبعا للمادة 207 من القانون المدني الأردني والتي جاء فيها: ” إذا انشأ العقد حقوقا شخصية تتصل بشيء انتقل بعد ذلك الى خلف خاص فإن هذه الحقوق تنتقل الى هذا الخلف في الوقت الذي ينتقل فيه الشيء إذا كانت من مستلزماته وكان الخلف الخاص يعلم بها وقت انتقال الشيء إليه”  ومن هذا النص يتضح لنا بأنه ينصرف أثر العقد الذي ابرمه السلف الى الخلف الخاص اذا توافرت عدة شروط وهي: ان يتعلق العقد بحقوق شخصية مثل المشتري بالمبيع، وأن تكون الالتزامات والحقوق من مستلزمات الشيء، وأن يكون الخلف الخاص يعلم بها وقت انتقال الشيء إليه، وأن يكون العقد سابق في ابرامه على انتقال المال للخلف الخاص.

ونتيجة لذلك فإن اساس امتداد اثر الحكم للغير سواء كان خلفا عاما أو خاصا ليس حجية حكم التحكيم القاصرة على الاطراف الذين صدر الحكم في مواجهتهم دون غيرهم، وإنما يعود ذلك للقواعد القانونية التي تحكم كل حالة على حدا، ومثال ذلك الكفيل الذي لا يلتزم بمضمون حكم التحكيم فلا يمكن عد هذا الحكم سندا تنفيذيا في مواجهته وحتى لا يستطيع الدائن أن يطلب أمرا بتنفيذه في مواجهة هذا الكفيل، بل إنما يتوجب عليه بموجب عقد الكفالة اللجوء الى القضاء للحصول على دينه، وذلك بمعنى أن أثر حكم التحكيم ينصرف الى الغير ليس نتيجة لحجية حكم التحكيم إنما حسب طبيعة العلاقة القانونية التي تربطه بأحد اطراف التحكيم.[11]

المطلب الثاني: امتداد القوة الملزمة لاتفاق التحكيم الى الغير

اتفاق التحكيم كأي عقد اخر وليد إرادة اطرافه، وعليه فإنه يحكمه ما يحكم العقود جميعا ولا سيما مبدأ القوة الملزمة للعقود النابعة من العقد شريعة المتعاقدين لذلك فإن مقتضى القوة الملزمة لاتفاق التحكيم هو التزام الاطراف بضرورة قيام كل منهم بالمساهمة في اتخاذ اجراءات التحكيم، والامتناع عن عرض نزاعه على قضاء الدولة، وايضا فإنه لا يستطيع احد طرفي التحكيم التنصل من اجراءات التحكيم بإرادته المنفردة، كما لا يجوز له أن ينقضه أو يعدله وإن حاول ذلك كان في إمكانية الطرف الاخر إجباره على تنفيذ التزاماته عينا.

إن أثر اتفاق التحكيم يقتصر على العقد أو العقود المشار إليها في الاتفاق دون غيرها، تبعا لذلك اذا كان بين الطرفين اكثر من عقد ونص احدهما على شرط تحكيم بالنسبة للمنازعات الناشئة عن ذلك العقد فلا ينصرف الاتفاق على العقود الاخرى، إلا في حال إن تمت الإحالة فيها على شرط التحكيم، ويقتصر أثر الاتفاق كذلك على النزاع المشترط إحالته للتحكيم دون النزاعات الاخرى حتى لو نشأت عن العقد ذاته الوارد فيه شرط التحكيم، ومن ضمن هذا النطاق يكون الالتزام ملزما لطرفيه ولهيئة التحكيم.[12]

وتظهر حالة امتداد اتفاق التحكيم لمن لم يكن مشاركا في ابرامه جليا في حالة الخلف العام أو الخاص، ومثال ذلك الوارث الذي ابرم مورثه عقدا يتضمن شرط تحكيم، أو في حالة ان يتم تحديد أو ابرام تصرف يتعلق بالعقد الذي يتضمن شرط تحكيم أو مشارطة.[13]

ويمكن تأسيس امتداد اتفاق التحكيم الى الغير من خلال انتقال العقد الذي ورد به الشرط إليه أو من خلال انتقال الالتزامات الناشئة عنه يتفق مع قواعد القانون بأن الفرع يتبع الاصل.[14]

واستنادا للقواعد العامة ينصرف أثر العقد كمبدأ عام الى المتعاقدين والخلف العام، مما يعني سريان اتفاق التحكيم بحق الورثة حتى لو لم يبلغوا أو لم يبلغ بعضهم سن الرشد عند وفاة مورثهم، إلا أن القانون الليبي خرج على هذه القاعدة العامة بالنص في المادة 750 من قانون المرافعات المدنية والتجارية على أن اتفاق التحكيم لا ينقضي بموت احد الخصوم إذا كان ورثته جميعا راشدين، وهذا يعني بمفهوم المخالفة أن الاتفاق يسقط في حال كان أحد الورثة غير راشد عند وفاة المورث.

كما أنه يعد في حالة التنازل عن العقد الأصلي الذي يتضمن شرط تحكيم للغير الذي سيصير بموجب هذا التنازل طرفا في هذا الاتفاق رغم عدم مشاركته في ابرامه نزولا على مقتضى التنازل.[15]

إذن فإنه من الممكن أن تمتد آثار اتفاق التحكيم الى غير المشارك في الاتفاق بشرط أن يتضح من خلال تصرفه اتجاه إرادته نحو قبول هذا العمل أو في مرحلة تنفيذه للعقد المتضمن شرط التحكيم.

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثاني: آثار امتداد شرط التحكيم الى الغير

عند الحديث عن آثار امتداد شرط التحكيم الى الغير فلا بد لنا من البحث في صور امتداد اتفاق التحكيم والمتمثلة بالإحالة والاشتراط لمصلحة الغير والتعهد عن الغير ومجموعة الشركات ومجموعة العقود في مطلب أول، وموقف الفقه والقضاء الأردني والمقارن من ذلك في مطلب ثان.

المطلب الأول: صور امتداد اتفاق التحكيم

لما كانت القواعد العامة في القانون المدني الأردني والمصري تقضي بأن العقد لا يقيد إلا اطرافه ولا ينتج التزامات او حقوق إلا في مواجهتهم دون ان ينتقل الى غيرهم فإن اتفاق التحكيم لا يخرج عن ذلك تطبيقا لمبدأ نسبية آثار اتفاق التحكيم، فهو لا يرتب آثاره إلا في مواجهة اطرافه، ولأنه طريق استثنائي لفض المنازعات يؤدي الى حرمان اطرافه من قاضيهم الطبيعي إلا أن لكل قاعدة استثناء، حيث أنه يمكن أن تمتد آثار اتفاق التحكيم الى الغير الذي لم يكن طرفا فيه في الحالات التالية:

  1. حوالة الحق

لقد نص المشرع الأردني في القانون المدني على تعريف الحوالة في المادة 993 منه على أنها: ” هي نقل الدين والمطالبة به من ذمة المحيل الى ذمة المحال عليه” اما عن حوالة الحق فهي عبارة عن اتفاق بمقتضاه ينقل الدائن ما له من حق قبل المدين الى شخص اخر يصبح دائنا مكانه ويسمى الدائن الأصلي المحيل والدائن الجديد المحال له والمدين المحال عليه.

ولما كانت الحوالة تنقل الحق الثابت للدائن المحيل في مواجهة المدين الى المحال له بكل صفاته وضماناته وبما يرد عليه من دفوع كانت قبل الحوالة فإن اتفاق التحكيم بوصفه من مستلزمات الحق الذي كان ثابتا للدائن ينصرف أثره الى المحال له ولكن يشترط من أجل ذلك ثبوت علم المحال له بوجود اتفاق التحكيم، ولا مشكلة إذا كان شرط التحكيم مدرجا في العقد الأصلي الذي أحيل الحق الناشئ عنه الى المحال إليه، إذ في هذه الحالة ينتقل شرط التحكيم الى المحال إليه ما لم يتضمن الاتفاق على الحوالة ما يشير الى غير ذلك ، اما اذا كان شرط التحكيم يتضمنه محرر مستقل عن العقد الأصلي، ولم يكن العقد الأصلي مشيرا الى هذا الشرط فإن شرط التحكيم كقيد على الحق المحال لا ينتقل الى المحال إليه ما لم يكن قد أعلن إليه مع العقد الأصلي أو كان قد قبله، فإن لم يكن المحال إليه قد قبل الحوالة أو اعلن بها فليس للمدين التمسك بشرط التحكيم في مواجهة المحال إليه وإن كان يمكن للمحال إليه التمسك بهذا الشرط في مواجهة المدين.

وتطبيقا لذلك فقد قضت محكمة باريس بأن التنازل عن حقوق الاستغلال الناتجة عن عقد يتضمن شرط التحكيم يقتضي بالضرورة انتقال شرط التحكيم الى المتنازل إليه لارتباطه بموضوع العقد، وقد استقرت المحاكم الفرنسية على أن شرط التحكيم ينتقل الى المحال إليه طالما أن شخص المحيل لم يكن محل اعتبار عند ادراج هذا الشرط.

  1. التعهد عن الغير

لقد نصت المادة 209 من القانون المدني الأردني على انه: ” 1. اذا تعهد شخص بأن يجعل الغير يلتزم بأمر فلا يلزم الغير بتعهده فإذا رفض الغير أن يلتزم وجب على المتعهد أن يعوض من تعاهد معه. 2. ويجوز له مع ذلك أن يتخلص من التعويض بأن يقوم هو بتنفيذ الالتزام الذي تعهد به. 3. أما اذا قبل الغير هذا التعهد فإن قبوله لا ينتج اثرا إلا من وقت صدوره ما لم يتبين أنه قصد صراحة أو ضمنا أن يستند اثر هذا القبول الى الوقت الذي صدر فيه التعهد.”

في حال تعذر الحصول على موافقة صاحب الشأن على عقد ورد فيه شرط تحكيم ولا يوجد نيابة قانونية تسمح بإبرام العقد باسمه نيابة عنه‘ فإن ذلك قد يستدعي الى الحاجة الى استخدام التعهد عن الغير، وفي هذه الحالة فإن المتعهد يقوم بالتوقيع على العقد مع تعهده بالحصول على موافقه الغير على هذا العقد بما فيه اتفاق التحكيم.[16]

ويترتب على التعهد عن الغير وتطبيقا لحكم المادة 211 من القانون المدني الاردني:

  • قبول الغير الاتفاق الذي ابرمه المتعهد مع الطرف الاخر وبالتالي يسري في حقه شرط التحكيم من تاريخ ابرام الاتفاق.
  • رفض الغير الموافقة على العقد الذي ابرمه المتعهد وفي هذه الحالة لا يوجد اي مسؤولية على الغير.

 

  1. الاشتراط لمصلحة الغير

لقد نصت المادة 210 من القانون المدني الاردني على أنه: ” 1. يجوز للشخص أن يتعاقد باسمه على حقوق يشترطها لمصلحة الغير اذا كان له في تنفيذها مصلحة شخصية مادية كانت أو أدبية. 2. ويترتب على هذا الاشتراط أن يكسب الغير حقا مباشرا قبل المتعهد بتنفيذ الاشتراط يستطيع أن يطالبه بوفائه ما لم يتفق على خلاف ذلك ويكون لهذا المتعهد أن يتمسك قبل المنتفع بالدفوع التي تنشأ عن العقد. 3. ويجوز ايضا للمشترط أن يطالب بتنفيذ ما اشترط لمصلحة المنتفع إلا اذا تبين من العقد أن المنتفع وحده هو صاحب الحق في ذلك.”

وتبعا لذلك فإن الاشتراط لمصلحة الغير هو عقد يشترط احد اطرافه على الطرف الاخر التزاما لصالح شخص ثالث، ونتيجة لذلك ينشأ عن هذا العقد حق مباشر للمنتفع قبل المتعهد، وبالتالي يترتب على الاشتراط لمصلحة الغير أن المنتفع أو المستفيد وهو من الغير يكتسب حقا مباشرا قبل المتعهد ومصدر ذلك عقد الاشتراط الذي لم يكن طرفا فيه والذي يعد خروجا على قاعدة نسبية أثر العقود.[17]

ويعد للاشتراط لمصلحة الغير تطبيقات عملية كثيرة نجد أهمها في عقد التأمين على الحياة، بحيث يتم التأمين لمصلحة الغير إما عن طريق التبرع وهو الغالب، أو يؤمن شخص على حياته لمصلحة زوجته أو أولاده، لذلك فالاشتراط لمصلحة الغير ما هو إلا خروج على قاعدة نسبية أثر العقد، وذلك لأن المنتفع وهو شخص أجنبي عن عقد الاشتراط يكتسب حق مباشر قبل المتعهد، ومصدره عقد الاشتراط الذي لم يكن طرفا فيه ولا يوجد حاجة لقبوله ، وذلك لأنه لو كان كذلك لما كان هناك خروجا عن مبدأ الأثر النسبي للعقد.[18]

ويشترط لتحقق الاشتراط لمصلحة الغير توافر ثلاثة شروط وهي[19]:

1.ان يتعاقد المشترط باسمه وليس باسم المنتفع ودون الحاجة الى ان يدخل المنتفع طرف في العقد وهذا ما يميز الاشتراط لمصلحة الغير عن النيابة.

2.يجب أن يشترط المشترط على المتعهد حقا مباشرا للمنتفع، ففي حال إن كان الحق الذي اشترطه المشترط  لنفسه ولكن تعود منه فائدة على الغير فلا يعد ذلك اشتراطا لمصلحة الغير.

3.يجب أن يكون للمشترط مصلحة شخصية مادية أو أدبية من وراء عقد الاشتراط.

لكن ماذا لو كان عقد الاشتراط لمصلحة الغير يتضمن اتفاق على التحكيم فهل تمتد آثار اتفاق التحكيم الى المنتفع الذي يعد من الغير بالنسبة للعقد أم أن آثار هذا الاتفاق تقتصر على طرفي العقد وهي المشترط والمتعهد؟

 

لقد ذهب جانب من الفقه الى أن حق المنتفع حق مباشر ينشأ من خلال عقد الاشتراط، فعندما يطالب بهذا الحق فهو يستند في مطالبته هذه الى العقد الذي انشأه، اي عقد الاشتراط، ولذلك فإنه يتوجب عليه الالتزام بما اشتمل عليه هذا العقد من شروط ومن بينها شرط التحكيم ما لم يتم الاتفاق على غير ذلك.[20]

في حين أن هناك جانب اخر من الفقه يرى عكس ذلك، حيث أن شرط التحكيم لا يحمل المنتفع بالتزامات وانما يرتب له حقوق فقط، ونتيجة لذلك فلا يلتزم المنتفع او المستفيد بشرط التحكيم الوارد في عقد الاشتراط ولكن ليس هناك ما يمنع من أن يتمسك المنتفع بشرط التحكيم الذي ابرمه المشترط.[21]

 

  1. امتداد اتفاق التحكيم في مجموعة الشركات

مجموعة الشركات هي تلك المجموعة التي تضم عدد من الشركات التي تبدو وكأنها كيان اقتصادي واحد، بحيث ترتبط فيما بينها من الناحية الاقتصادية وتسعى الى تحقيق غرض مشترك وتخضع لاستراتيجية اقتصادية واحدة، إلا انها مع ذلك تظل مستقلة من الناحية القانونية بحيث يبقى لكل شركة شخصيتها القانونية المستقلة.[22]ومن امثلتها مجموعة الشركات التي تهدف الى تنفيذ مشاريع صناعية أو خدمية مثل المطارات ومحطات الطاقة أو مترو الانفاق.

وإن ما يقتضيه مبدأ نسبية آثار اتفاق التحكيم باعتباره عقد أن لا تلتزم اي شركة من الشركات المكونة لمجموعة الشركات باتفاق التحكيم الوارد في العقد الذي ابرمته احدى هذه الشركات، بحيث تتمتع كل شركة من الشركات المكونة لمجموعة الشركات بشخصية قانونية مستقلة فمثلا من أبرم العقد ووقع عليه هو وحده الملتزم باتفاق التحكيم الوارد به.[23]وعلى الرغم من هذه القاعدة فإن الواقع العملي أثبت أنه في بعض الاحيان تقوم الشركة الأم او شركة اخرى من شركات المجموعة التي لم توقع على العقد بالمساهمة الفعالة في المفاوضات الخاصة بشأن العقد محل المنازعة أو تكون قد ساهمت بشكل رئيسي سواء في تنفيذه او في فسخه.

هل يمتد اتفاق التحكيم الى هذه الشركة أو الشركات الاخرى في المجموعة التي لم توقع على العقد المدرج به اتفاق التحكيم؟ وتبعا للتحرر من التفسير التقليدي او الضيق لاتفاق التحكيم والسماح لاتفاق التحكيم ولو بشكل جزئي بأن يرتب آثاره ايضا في مواجهة الغير الذي لم يكن موقعا على هذا الاتفاق، أي لم يكن طرفا فيه في حال أثبت من الظروف المحيطة بهذا العقد أن الغير بالنظر الى الروابط الاقتصادية والظروف المتصلة بالغير والى جانب ذلك الدور الذي ساهم فيه في ابرام العقد، فإنه يتوجب الاحتجاج باتفاق التحكيم في مواجهته ، بحيث يتوجب تغليب فكرة الوحدة الاقتصادية التي توجد وراء فكرة مجموعة الشركات على اعتبار التعدد القانوني للوحدات المكونة لهذه المجموعة، وبناء على ذلك فإن اتفاق التحكيم الذي تبرمه احدى شركات المجموعة يلزم الشركات الاخرى الداخلة في هذه المجموعة، فمثلا اتصال الشركات الداخلة في المجموعة بالمعاملة التجارية الدولية ينم عن إرادة ظاهرة لديها في الالتزام بشرط التحكيم الذي أبرمته احدى شركات المجموعة، ويتم الكشف عن هذا الاتصال بالمعاملة التجارية إما من خلال المشاركة في المفاوضات على العقد أو عن طريق المساهمة في تنفيذ العقد.[24]

  1. امتداد اتفاق التحكيم في مجموعة العقود المترابطة

مجموعة العقود ما هي إلا عبارة عن مجموعة من العقود مترابطة ببعضها لا يمكن تجزئتها سواء بسبب موضوعها أو اشخاصها لتحقيق عملية معينة، ومن امثلة ذلك عقود التوريد بالإضافة الى عقود التجهيزات الصناعية.[25]

وفي حال أن لا يتضمن احد هذه العقود شرط التحكيم في حين تتضمن العقود السابقة عليه شرط التحكيم، فقد اتجه القضاء في هذه الحالة الى امتداد شرط التحكيم الوارد في أحد عقود السلسلة العقدية الى العقود اللاحقة التي لا تتضمن هذا الشرط، فبالتالي يمكن فض منازعتها بطريق التحكيم دون قضاء الدولة ويكون ذلك وفقا لما يقتضيه العرف وسوابق التعامل بين الاطراف، ونتيجة لذلك فإذا تخلف هذا العرف وتلك السوابق لا يسوغ مد اتفاق التحكيم الى العقود اللاحقة.[26]

ولقد اكدت محكمة باريس في حكمها الصادر في 25 مارس لسنة 1983 هذا المعنى في وقائع القضية المعروفة ب sorvia  وتتلخص وقائعها في أن شركة sorvia   الفرنسية التي تعاقدت على شراء كمية من اللحوم المجمدة من الشركة الامريكية Weinstein  بموجب عقدين أبرم الاول في 7/1979 والثاني في 8/1979 من نفس العام وعلى أثر استلام الشحنة الاولى وظهور عدم مطابقتها بالمواصفات المتفق عليها أخطرت الشركة الفرنسية الطرف الامريكي بتأجيل إرسال الشحنة الثانية لحين فض النزاع بخصوص الشحنة الاولى، ولكن الاخطار جاء متأخرا حيث كانت الشركة الامريكية قد أرسلت بالفعل تلك الشحنة فرفضت الشركة المستوردة تسلمها مما اضطرت الشركة الامريكية المصدرة الى بيعا بثمن أقل واتخاذها اجراءات التحكيم ضد الشركة الفرنسية أمام جمعية التحكيم، حيث حصلت على حكم لصالحها بتعويض يمثل الفارق بين الثمن المتفق عليه مع المحكوم ضدها، والثمن الذي بيعت به الشحنة بعد ذلك بالإضافة الى الفوائد القانونية، فإذا صدر الامر بتنفيذ ذلك الحكم طعنت الشركة الفرنسية في أمر التنفيذ استنادا الى أن العقد السابق بخصوص الحكم لم يكن متضمنا شرط التحكيم، فرفضت محكمة استئناف باريس ذلك الطعن مقررة أنه اذا كان العقد محل النزاع ولم يتضمن شرط التحكيم فإن العقد الاخر المبرم بين نفس الاطراف من ذات طبيعة الصفقة قد احتوى على مثل هذا الشرط، فضلا عن وجود ثمان وعشرين معاملة سابقة بينهم متفق فيها على استيراد وتصدير اللحوم المجمدة كانت تتضمن شرط التحكيم مماثل بالاختصاص جمعية التحكيم الامريكية.[27]

وقد اتجه جانب كبير من الفقه الى تأييد هذا الاتجاه بمد اتفاق التحكيم الى العقود اللاحقة مادامت المعاملات السابقة كانت من الاهمية بمكان، ولكن يجب لذلك توفر شرطين وهما:

1.أن يكون شرط التحكيم من الشروط التي اعتادت الاطراف إدراجها في العقود المبرمة بينها ويمكن الوصول لذلك من خلال سوابق التعامل بين الاطراف والعرف السائد في هذا الشأن، فإذا تخلفت السوابق والعرف فلا يمكن القول بأن اتفاق التحكيم ينتمي الى العقود اللاحقة.

2.أن لا يكون في العقد الاخير المبرم بين الاطراف والمراد من اتفاق التحكيم إليه وما يشير الى استبعاد شرط التحكيم السابق يجعل الاختصاص للقضاء الوطني في دولة معينة، أو الاتفاق على وسيلة اخرى لفض المنازعات عند حدوثها بما يمكن معه تفسير هذا الشرط بأنه استبعاد ضمني لشرط التحكيم السابق.

المطلب الثاني: موقف الفقه والقضاء من امتداد التحكيم الى الغير

من خلال ما تم بيانه في هذه الدراسة في كافة مجالاتها وافرعها فإننا نصل الى نتيجة مفادها أن الفقه والقضاء الاردني والمقارن قد اتجه الى جواز امتداد اثر اتفاق التحكيم الى الغير، وذلك من خلال الاستثناءات التي تمت دراستها فيما سبق.

وقد أكد القضاء الاردني والمصري هذا النطاق في العديد من أحكامهما، فقد قضت محكمة التمييز الأردنية بأن: ” قرار المحكم لا يسري إلا على فرقاء التحكيم”[28] . “ولا يقبل دخول أي شخص في الدعوى المقامة بطلب تصديق حكم المحكمين بصفة شخص ثالث، لأن حكم المحكم لا يسري إلا على الذين اشتركوا بالتحكيم”[29] . وقضت محكمة النقض المصرية: ” بعدم الاعتداد بعقد البيع المحال من المشتري لآخر لكونه ليس طرفا فيه، ولم تتم حوالته إليه طبقا للقانون. وآثار هذا العقد بما تتضمنه بما في ذلك شرط التحكيم تقتصر على طرفيه ولا تمتد الى رجوع المحال له على المحيل بما دفعه”[30].

وفي هذا الإطار أصدرت محكمة الاستئناف بتونس بتاريخ 8 مارس 2011 قرارها عدد 14752 (قضية شركة سفنسكا سليلوزا أكتيبولاجات ضد كل من: 1. شركة أوليس الجزائر و2. شركة أوليس ترايدينق كومباني و3. شركة سانسيلا الجزائر و5. شركة سانسيلا التجارية، والمتعلق بإبطال حكم تحكيم دولي أجري بتونس تتمثل وقائعه في أنه بمقتضى عقد توزيع حصري مبرم بين شركة سانسيلا تونس وشركة أوليس الجزائر اتفق الطرفان على أن تتولى الشركة الثانية في الذكر توزيع المنتوجات المصنعة من طرف الشركة الأولى في الذكر وبيعها على التراب الجزائري وقد تضمن العقد المذكور ضمن الفصل 23 منه شرطا تحكيميا مفاده اتفاق طرفيه على اللجوء الى التحكيم الحر في صورة نشوب خلاف ناتج عن تأويله أو تنفيذه، وقد نشب نزاع لاحقا نتيجة للقطع الأحادي للعقد بما انطلقت معه الخصومة التحكيمية حيث تم تعيين محكم عن كل شركة طرف، علما بأن كل واحدة منهما تنتمي الى مجمع شركات مختلف، ثم وقع التجريح في أحد المحكمين، كما قامت كل شركة بإدخال شركات اخرى تابعة لكلا المجمعين، فدفعت شركة سفنسكا أكتيبولاجات التابعة لمجمع الشركات المدعى عليه بكونها غيرا بالنسبة للنزاع باعتبارها لم توقع اتفاقية التحكيم إلا أن المحكمة تجاوزت هذا الدفع وقامت بتغيير المحكم المجرح فيه، وبصدور حكم التحكيم طلبت الشركة المذكورة إبطاله أمام محكمة الاستئناف بتونس ناعيه عليه شموله لأطراف غير معنية باتفاقية التحكيم.

وقد قضت محكمة التمييز الأردنية في قرارها رقم 2131/2005 تاريخ 24/11/2005 على أنه: ” اذا تم العقد موضوع الدعوى بين مديرية الأمن العام وشركة سامسونج وان المدعى عليها المميز ضدها هي وكيل شركة سامسونج في انها غير ملزمة بدفع أي مبلغ نتيجة الإخلال بشروط العقد حيث أن آثار العقد تعود على عاقديه وليس على الوكيل”.

وحيث أكدت محكمة التمييز الاردنية ذلك حين قضت: ” عندما يشمل قرار المحكم ارضا يدعيها أخر غير فرقاء التحكيم، ليحول هذا الغير دون تسجيل الارض على احد فرقاء التحكيم عليه أن يلجأ الى اقامة دعوى ملكية بتلك الارض لا أن يعترض على حكم التحكيم”.[31]

ولقد استقر القضاء الفرنسي على إمكانية انتقال القوة الملزمة لاتفاق التحكيم الى الغير من خلال الأخذ بالاعتبار الطابع التبعي لشرط التحكيم للعقد الذي ورد به، فعندما يتم طرح مسألة انتقال شرط التحكيم الى الغير يعترف القضاء بأن شرط التحكيم ملحق أو تابع أساسي للالتزام الاصلي.[32]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخاتمة

قد توصلت من خلال هذه الدراسة الى مجموعة من النتائج والتوصيات على النحو التالي:

النتائج

  1. استقلال شرط التحكيم يعني عدم انتقاله للغير لكن في الحقيقة فإن استقلال الشرط يعني عدم تأثره ببطلان أو فسخ أو انتهاء العقد الأصلي، وبالتالي فإن شرط التحكيم يكون منفصل عن باقي العقد.
  2. اعتبارا أن اتفاق التحكيم عقد فإن السلف يكون طرفا في اتفاق التحكيم بصدد نزاع متعلق بحق من الحقوق التي انتقلت منه الى الخلف وأن اثار هذا الاتفاق تنتقل الى الخلف العام وعندما يكون السلف شخصا طبيعيا يتعين مراعاة مسألة الاهلية عند انتقال أثر اتفاق التحكيم الى الورثة، حيث يفترض ألا يكون الوارث قاصرا أو فاقد الأهلية اللازمة لإعمال اتفاق التحكيم.
  3. ينصرف أثر العقد الذي ابرمه السلف الى الخلف الخاص اذا توافرت عدة شروط وهي: ان يتعلق العقد بحقوق شخصية مثل المشتري بالمبيع، وأن تكون الالتزامات والحقوق من مستلزمات الشيء، وأن يكون الخلف الخاص يعلم بها وقت انتقال الشيء إليه، وأن يكون العقد سابق في ابرامه على انتقال المال للخلف الخاص.
  4. يقتصر أثر اتفاق التحكيم على العقد أو العقود المشار إليها في الاتفاق دون غيرها، فإذا كان بين الطرفين اكثر من عقد ونص احدهما على شرط تحكيم بالنسبة للمنازعات الناشئة عن ذلك العقد فلا ينصرف الاتفاق على العقود الاخرى، إلا اذا تمت الإحالة فيها على شرط التحكيم، ويقتصر أثر الاتفاق كذلك على النزاع المشترط إحالته للتحكيم دون النزاعات الاخرى حتى لو نشأت عن العقد ذاته الوارد فيه شرط التحكيم، ومن ضمن هذا النطاق يكون الالتزام ملزما لطرفيه ولهيئة التحكيم.
  5. لما كانت القواعد العامة في القانون المدني الأردني والمصري تقضي بأن العقد لا يقيد إلا اطرافه ولا ينتج التزامات او حقوق إلا في مواجهتهم دون ان ينتقل الى غيرهم فإن اتفاق التحكيم لا يخرج عن ذلك تطبيقا لمبدأ نسبية آثار اتفاق التحكيم، فهو لا يرتب آثاره إلا في مواجهة اطرافه، ولأنه طريق استثنائي لفض المنازعات يؤدي الى حرمان اطرافه من قاضيهم الطبيعي إلا أن لكل قاعدة استثناء، حيث أنه يمكن أن تمتد آثار اتفاق التحكيم الى الغير الذي لم يكن طرفا فيه في حالات معينة وهي حوالة الحق والتعهد عن الغير والاشتراط لمصلحة الغير ومجموعة العقود ومجموعة الشركات.
  6. أن الفقه والقضاء الاردني والمقارن قد اتجه الى جواز امتداد اثر اتفاق التحكيم الى الغير.

 

 

 

التوصيات

  1. وضع تنظيم قانوني من شأنه تنظيم مسألة امتداد اتفاق التحكيم لمجموعة الشركات وعدم تركها الى الجدل الفقهي والقضائي، ولا سيما في الحالات التي تفتقر الى وجود إرادة صريحة وحقيقية لأطراف مجموعة الشركات للارتباط باتفاق التحكيم الذي ابرمه او وقع عليه أحد اطراف المجموعة.
  2. عمل نموذج استرشادي لاتفاق تتعدد فيه النقاط المهمة التي غالبا ما يثار حولها الخلاف يحدد فيه ما للأطراف من حقوق وما عليهم من التزامات كما يحدد فيه السلطات الممنوحة لهيئة التحكيم سواء من قبل الاطراف أو من قبل القانون الذي يحكم عملهم.

 

 

 

قائمة المراجع

الكتب

  1. ابراهيم رضوان الجغبير، بطلان حكم المحكم، ط1، 2009، عمان: دار الثقافة.
  2. احمد بشير الشرايري، بطلان حكم التحكيم ومدى رقابة محكمة التمييز عليه، دار الثقافة: عمان، 2011.
  3. حفيظة السيد حداد، الاتجاهات المعاصرة بشأن اتفاق التحكيم من حيث استقلاليته، دار الفكر الجامعي: الاسكندرية، 2001.
  4. حمزة أحمد حداد، التحكيم في القوانين العربية، ج1، ط1، 2010، عمان: دار الثقافة.
  5. فتحي والي، قانون التحكيم بين النظرية والتطبيق، ط1، منشأة المعارف: الاسكندرية، 2007.
  6. عبد الرزاق احمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، المجلد الاول، دار النهضة العربية، 1918.
  7. علي سيد قاسم، نسبية اتفاق التحكيم، دراسة في احكام القضاء وقرارات المحكمين، دار النهضة العربية: القاهرة.

الرسائل الجامعية

  1. اشجان فيصل شكري داود، الطبيعة القانونية بحكم التحكيم وآثاره وطرق الطعن به، رساله من أجل الحصول على درجة الماجستير في القانون الخاص لدى جامعة النجاح الوطنية: نابلس فلسطين، 2008.
  2. بحرية وهيبة وعيساني نعيمة، الغير في خصومة التحكيم، رسالة من أجل الحصول على درجة الماجستير في القانون الخاص لدى جامعة عبد الرحمان ميرة: بجاية، 2016.
  3. صلاح سليم حامد النجار، الاثار المترتبة على اتفاق التحكيم، رسالة من اجل الحصول على درجة الماجستير في القانون الخاص لدى جامعة الازهر: غزة، 2014.
  4. ليث عبد الله محمد سعيد زيد الكيلاني، حجية قرارات المحكمين المحلية، دراسة من أجل الحصول على درجة الماجستير في القانون الخاص من جامعة النجاح الوطنية: نابلس فلسطين، 2012.
  5. مها عبد الرحمن الخواجا، امتداد أثر اتفاق التحكيم الى الغير، دراسة في التشريع الأردني، رسالة من أجل الحصول على درجة الماجستير في القانون الخاص، كلية الحقوق، جامعة الشرق الأوسط، عمان، 2013.
  6. وئام مصطفى محي الدين مطر، آثار حكم التحكيم وطرق الطعن فيه، رسالة من اجل الحصول على درجة الماجستير في القانون الخاص من جامعة الازهر: غزة، 2014.

 

 

الابحاث

  1. منه الله محمود صلاح الدين مصيلحي، خصوصيه شرط التحكيم في المجموعة العقدية.
  2. حسام فتحي ناصف، القانون الواجب التطبيق على نقل اتفاق التحكيم الى الغير، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، العدد الأول، المجلد 44، 2002.

نبيل صالح العرباوي، اتفاق التحكيم، مجلة دفاتر السياسة والقانون، العدد الخامس عشر، 2016

 

[1] منه الله محمود صلاح الدين مصيلحي، خصوصيه شرط التحكيم في المجموعة العقدية، ص 3.

[2] مها عبد الرحمن الخواجا، امتداد أثر اتفاق التحكيم الى الغير، دراسة في التشريع الأردني، رسالة من أجل الحصول على درجة الماجستير في القانون الخاص، كلية الحقوق، جامعة الشرق الأوسط، عمان، 2013، ص 75.

[3] منه الله محمود صلاح الدين مصيلحي، خصوصيه شرط التحكيم في المجموعة العقدية، ص 11.

[4] ناصف، حسام فتحي، القانون الواجب التطبيق على نقل اتفاق التحكيم الى الغير، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، العدد الأول، المجلد 44، 2002.

[5] ليث عبد الله محمد سعيد زيد الكيلاني، حجية قرارات المحكمين المحلية، رسالة من اجل الحصول على درجة الماجستير في القانون الخاص من جامعة النجاح الوطنية: نابلس، 2012، ص54.

[6] وئام مصطفى محي الدين مطر، آثار حكم التحكيم وطرق الطعن فيه، رسالة من أجل الحصول على درجة الماجستير في القانون الخاص لدى جامعة الأزهر: غزة، 2014،  ص37.

[7] د. نبيل صالح العرباوي، اتفاق التحكيم، بحث منشور لدى مجلة دفاتر السياسة والقانون، العدد الخامس عشر،2016، ص 368.

[8] فتحي والي، قانون التحكيم بين النظرية والتطبيق، ط1، منشأة المعارف: الاسكندرية، 2007 ص144.

[9] صلاح سليم حامد النجار، الآثار المترتبة على اتفاق التحكيم، رسالة من أجل الحصول على درجة الماجستير في القانون الخاص لدى جامعة الأزهر: غزة، 2014،  ص19.

[10] نبيل صالح العرباوي، مرجع سابق، ص 368.

[11] اشجان فيصل شكري داود، الطبيعة القانونية لحكم التحكيم وآثاره وطرق الطعن به، رسالة من أجل الحصول على درجة الماجستير في القانون الخاص لدى جامعة النجاح الوطنية: نابلس فلسطين، 2008، ص88.

[12] حمزة أحمد حداد، التحكيم في القوانين العربية، ج1، ط1، 2010، عمان: دار الثقافة، ص181.

[13] ابراهيم رضوان الجغبير، بطلان حكم المحكم، ط1، 2009، عمان: دار الثقافة، ص 133.

[14] بحرية وهيبة وعيساني نعيمة، الغير في خصومة التحكيم، رسالة من أجل الحصول على درجة الماجستير في القانون الخاص من جامعة عبد الرحمان ميرة: بجاية، 2016، ص16.

[15] حفيظة السيد حداد، الطعن بالبطلان على احكام التحكيم،  2004، دار الفكر الجامعي: الاسكندرية، ص 127

[16] علي سيد قاسم، نسبية اتفاق التحكيم، دراسة في احكام القضاء وقرارات المحكمين، دار النهضة العربية: القاهرة، ص 184.

[17] صلاح سليم حامد النجار، مرجع سابق، ص34.

[18] بحرية وهيبة وعيساني نعيمة، مرجع سابق، ص12.

[19] عبد الرزاق احمد السنهوري الوسيط في شرح القانون المدني نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، المجلد الاول: العقد، دار النهضة العربية، 1918، ص 773.

[20] فتحي والي، مرجع سابق، ص 171.

[21] صلاح سليم حامد النجار، مرجع سابق، ص36.

[22] حمزه احمد حداد، مرجع سابق، ص 185.

[23] صلاح سليم حامد النجار، مرجع سابق، ص44.

[24] حفيظة السيد حداد، مرجع سابق، ص 139.

[25] حفيظة السيد حداد، المرجع ذاته، ص 171.

[26] صلاح سليم حامد النجار، مرجع سابق، ص 39.

[27] حفيظة السيد حداد، مرجع سابق، ص172.

[28] تمييز حقوق رقم 132/55 تسلسل رقم 3 المنشور في مجلة نقابة المحامين سنة 1955. ج1. ص438.

[29] تمييز حقوق رقم 99/55 المنشور في نقابة المحامين سنة 1955. ص6.

[30] نقض في 11/1/1996. ص65.

[31] تمييز حقوق رقم 132/55 تسلسل رقم 4 المنشور في مجلة نقابة المحامين سنة 1955 ج1. ص 438.

[32]   بحرية وهيبة وعساني نعيمة، مرجع سابق، ص15.

 

للاطلاع على الاصدار كاملا 

من هنا 

للتوثيق

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى