بحوث قانونيةفي الواجهةمقالات قانونية

الحماية القضائية للملكية العقارية الخاصة من الاعتداء المادي – الدكتور : عبداللطيــف أكــدي أستاذ التعليم العالي مساعدكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير

الحماية القضائية للملكية العقارية الخاصة من الاعتداء المادي

“Judicial protection of private real property from materiel violation”

?الدكتور : عبداللطيــف أكــدي

أستاذ التعليم العالي مساعد

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير



الحماية القضائية للملكية العقارية الخاصة من الاعتداء المادي

“Judicial protection of private real property from materiel violation”

?الدكتور : عبداللطيــف أكــدي

أستاذ التعليم العالي مساعد

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير


 

الملخص:

يخول حق الملكية العقارية لصاحبها حق الاستغلال والاستعمال والتصرف، وهو حق مقدس بمقتضى الشرائع السماوية والوضعية ويحرم المساس به ما لم تستدع المصلحة العامة ذلك وفي حدود ما ترسمه القوانين لذلك.

لكن رغم قدسية هذا الحق والإجراءات المتطلبة لنزع الملكية فإن الإدارة تلجأ إلى الاستيلاء على عقارات الأفراد، وحيازتها للقيام بأشغال وخدمات وإنجاز مرافق عمومية دون سند من القانون وتحت ذريعة المنفعة العامة والاستعجال، وهذا يشكل اعتداء صارخا وجسيما على الملكية العقارية الخاصة، وأمام هذا الوضع اعتبر الفقه ومعه القضاء أن نظرية الاعتداء المادي هي الضمانة الأساسية لحماية حقوق الأفراد في حق ملكيتهم.

الكلمات المفتاح: نزع الملكية، اعتداء مادي، الإدارة، القاضي الاداري، حماية الملكية العقارية، التعويض.

 

Abstract:

The right of real property gives its owner the right to exploit, use and dispose of, and it is a sacred right to divine and man-made laws, and it is forbidden to infringe upon it unless the public interest so requires and within the limits of what the laws design for that.

But despite the sanctity of this right and the procedures required for expropriation, the administration resorts to seizing the real estate of individuals, and its possession to carry out works, services and the completion of public utilities without the basis of the law and under the pretext of public interest and urgency, and this constitutes a blatant and grave assault on private real estate, and in front of this situation, jurisprudence was considered And with it the judiciary that the theory of physical abuse is the basic guarantee for the protection of the rights of individuals in the right to their property.

key words: Expropriation of real estate, materiel violation, the administration, administrative judiciary, protect the rights of real property, compensation

مـــقـــدمــــة

يعد حق الملكية العقارية من أوسع الحقوق العينية التي تخول لصاحبها حق الاستغلال والاستعمال والتصرف في موضوع الحق، وهو حق مقدس بمقتضى الشرائع السماوية والوضعية يحرم المساس به ما لم تستدع المصلحة العامة ذلك وفي حدود ما ترسمه القوانين لذلك.

وتأكيدا على قدسية حق الملكية نجد الدستور المغربي ومن خلال الفصل 35 من الدستور 2011، كرس أن حق الملكية مضمون وللقانون وحده أن يحد من مداه واستعماله إلا إذا دعت إلى ذلك ضرورة النمو الاقتصادي والاجتماعي ولا يمكن نزع الملكية إلا في الأحوال وحسب الإجراءات المنصوص عليها قانونا.

فإن الرصيد العقاري الخالي من النزاعات يعتبر من أهم الثروات التي تلعب دورا فاعلا في اقتصاد البلد والمحرك الأساسي لدواليب التنمية الاقتصادية والاجتماعية به، لذلك تسعى كل الدول إلى تطوير منظومتها القانونية والقضائية في هذا المجال، قصد إعطاء الملكية العقارية الضمان والاستقرار وتضفي على الوعاء العقاري الحماية والنجاعة، وتجعل الجهاز القضائي مواكبا للمستجدات الاقتصادية والاجتماعية ومسايرا لتطلعات المستثمرين ومانحا الثقة للمؤسسات المالية لتمويل المشاريع الفلاحية والصناعية والتجارية والسياحية والسكنية.

لكن رغم قدسية هذا الحق والإجراءات المتطلبة لنزع الملكية فإن الإدارة تلجأ إلى الاستيلاء على عقارات الأفراد، وحيازتها للقيام بأشغال وخدمات وإنجاز مرافق عمومية دون سند من القانون وتحت ذريعة المنفعة العامة والاستعجال، وهذا يشكل اعتداء صارخا وجسيما على الملكية العقارية الخاصة، وأمام هذا الوضع اعتبر الفقه ومعه القضاء أن نظرية الاعتداء المادي هي الضمانة الأساسية لحماية حقوق الأفراد في حق ملكيتهم.

وإذا ما تأكد أن نظرية الاعتداء المادي على الملكية العقارية، في أسسها عملت على ضرورة أخذ رجال القضاء بما يسمى بوضع موازنة فيما بين قيمة العقار المنزوع ملكيته لفائدة الدولة، وبين القيمة سواء المادية أو المعنوية أو الاقتصادية والاجتماعية للمنشأة التي تعتزم الدولة إنشائها، وكل ذلك تحقيقا وتطبيقا لثقة الأفراد في القضاء، ثم حث أفراد المجتمع في المساهمة لبناء المؤسسات العمومية، من أجل تقريب الخدمات والاحتياجات العمومية للأفراد.

وعليه فكيف عالج الفقه ومعه القضاء المغربي نظرية الاعتداء المادي، وما هي الوسائل المتخذة من طرف القضاء لجبر ضرر المنزوعة ملكيته العقارية، وما هي أسس القضاء الاستعجالي في حماية الملكية العقارية الخاصة من الاعتداء؟

كل هذه التساؤلات وغيرها سنعمل على تبيانها من خلال هذه الدراسة، والتي تبين لنا بسطها من خلال:

المبحث الأول: دور القضاء في حماية الملكية العقارية من الاعتداء المادي

المبحث الثاني: سلطات القاضي الاستعجالي الإداري في دعوى الاعتداء المادي.

المبحث الأول: دور القضاء الإداري في حماية الملكية العقارية

لعب القضاء دورا مهما في إطار دعوى الاعتداء المادي على الملكية العقارية الخاصة وحمايتها من كل مساس، خصوصا بعد القرارات المتواترة للغرفة الإدارية بمحكمة النقض، التي أضحت تمنح الاختصاص للقضاء الإداري للنظر في قضايا الاعتداء المادي رفعا ووقفا وتعويضا، حيث أصبح القضاء الإداري بنوعيه قضاء الاستعجال وقضاء الموضوع، يضطلع بدور هام جدا، يتمثل في حماية الملكية الخاصة وذلك من خلال تسليط رقابته على الأعمال المادية والقرارات الإدارية التي من شأنها المس بحق الملكية من قبل الإدارة، مع تقييمه لتلك الأعمال والقرارات من حيث خرقها الصارخ أو البسيط لمبدأ المشروعية، وبذلك فإن القضاء الاستعجالي للمحكمة الإدارية يملك الأمر برفع الاعتداء المادي، وذلك بطرد الإدارة من العقار المعتدى عليه وإفراغه وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، كما يملك حق الأمر بإيقاف الأشغال التي تقوم بها الإدارة على العقار.

بالتالي يقتضي هذا المبحث دراسة دور القضاء الإداري الاستعجالي في حماية الملكية العقارية من الاعتداء في المطلب الأول، على أن نتناول في المطلب الثاني دعوى التعويض عن الاعتداء المادي.

المطلب الأول: حماية القضاء الإداري للملكية العقارية من الاعتداء المادي

إذا كان الاعتداء المادي عمل غير مشروع والملكية العقارية حق مقدس بنص القانون، فإن القضاء الإداري مطالب بحماية هذا الحق إلى أبعد نقطة، وعليه نتساءل مجددا حول الدور الذي استطاع أن يقوم به القضاء الإداري بمناسبة الفصل في كل قضية لها علاقة بهذا العمل المادي الذي لا تربطه بالقانون أية صلة، فهل استطاعت فعلا المحاكم الإدارية أن تساهم بشكل فعال في صيانة الملكية العقارية، مما قد يلحق بها من أضرار مادية نتيجة وضع اليد عليها بشكل غير قانوني، أم أن الحماية القضائية تبقى محدودة بالنظر لكون المعتدي هو السلطة العامة أو من يقوم مقامها في تدبير مرافقها، هذا ما سنكتشفه من خلال دراسة نظرية الاعتداء المادي؛ وكيف تعامل معها المشرع المغربي ومعه العمل القضائي، والذي حتما سيجلي الغموض عن دور القضاء الإداري الاستعجالي المغربي وكيفية تعامله مع قضايا الاعتداء المادي منذ نشأته وإلى يومنا هذا.

الفقرة الأولى: تعريف نظرية الاعتداء المادي

يعد تعريف النظريات والمؤسسات القانونية من المسائل الخاصة بالفقه وليس من اختصاص المشرع، وذلك بالنظر إلى كون الواقع سريع التغير بتغير الأحداث الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية، مما يترتب عنه حتما صعوبة تأقلم وتكيف التعريف الجامد مع مختلف المستجدات الواقعية، لذلك نجد أن لكل من الفقه والقضاء الفضل في تحديد المفاهيم الخاصة بكل ما استحدث في الحقل القانوني، كما هو الحال في واقعة الاعتداء المادي.

وعليه، تعتبر نظرية الاعتداء المادي في كل من الفقه والقضاء الفرنسيين، ضمانة هامة، وحماية كبيرة للأفراد ضد كل الاعتداءات التي يمكن للإدارة ممارستها بشكل غير مشروع، خاصة فيما يتعلق بالملكية الفردية للعقارات حيث يترتب عن خروج الإدارة على مبدأ المشروعية خروجا صارخا وتجريد هذا العمل من طبيعته الإدارية، وبالتالي يصبح مجرد عمل مادي يشبه عمل الأفراد العاديين، فقد كانت المحاكم العادية تنظر في جميع الدعاوى التي يكون موضوعها اعتداء الإدارة على حق ملكية الأفراد للعقارات، وذلك اعتبارا للفكرة التاريخية التي كانت سائدة في فرنسا والتي توحي “بأن القضاء العادي هو حامي الحريات الفردية وحامي الملكية الخاصة”.

ويعتبر الفقيه الفرنسي “لافريير Lafferiere” أول من حاول تعريف الاعتداء المادي وتوضيحه، وذلك أثناء عرضه لتقريره على محكمة التنازع عندما كان مفوضا للحكومة في قضية Laumonir Carriol بتاريخ 05 ماي 1877 الذي أكد فيه على أن الاعتداء المادي يحدث عند خروج الإدارة عن حدود سلطتها واختصاصاتها الإدارية المحددة.

بعد ذلك توالت اهتمامات الباحثين بالموضوع وتعددت بذلك التعريفات الممنوحة للاعتداء المادي حتى أضحى لكل باحث تعريفه المتميز، كما أخفق الفقه والقضاء في توحيد تعريف الاعتداء المادي سواء في فرنسا مهد هذه النظرية أو في باقي الأقطار التي انتقلت إليها هذه النظرية ومنها المغرب.

فبالنسبة للفقه الفرنسي، يمكن أن نشير إلى تعريف الأستاذ دي لوبادير Delaubadere للاعتداء المادي والذي اعتبره بكونه “اعتداء يقع أثناء تنفيذ الإدارة لعمل مادي يتضمن عدم المشروعية على حق الملكية أو على حرية عامة”، وعرفه أيضا العميد هوريو Houriau بأنه “قيام الإدارة بأعمال خارج حدود سلطاتها أو خارج نطاق الإجراءات التي حددها القانون لها”، مؤكدا أنه ينطوي على اغتصاب السلطة، كل تصرف من جانب الإدارة التي تعتدي من خلاله على مبدأ الفصل بين السلطات، أو يصدر من شخص ليست له سلطة إصدار القرارات الإدارية أصلا.

أما الفقه المغربي فعرف الاعتداء المادي بأنه لجوء الإدارة إلى الاستيلاء على أراضي الخواص وحيازتها، للقيام بأشغال وخدمات أو تحقيق مرافق وإنجاز مشاريع دون سند قانوني، كما عرفه جانب آخر على أنه “كل عمل لا يمت بصلة في أي حال من الأحوال بتطبيق نص قانوني أو تنظيمي، أو حتى بإحدى الصلاحيات المسندة للإدارة، فهو العمل الذي يستعصي اعتباره عملا ذي طبيعة إدارية يمكن إدراجه ضمن ممارسات السلطة الإدارية”، أما البعض الآخر فاعتبره بكون الإدارة ترتكب أثناء قيامها بنشاط مادي تنفيذي عدم مشروعية جسيم ظاهر، من شأنه أن يتضمن اعتداء على حق الملكية أو مساس بحرية من الحريات.

في نفس الصدد نجد المحكمة الإدارية بالرباط أكدت من خلال أمر استعجالي، بأن الاعتداء يكون واضحا عندما تلجأ الإدارة إلى تنفيذ إجراء يتبين من ظاهره عدم إمكان إسناده إلى تنفيذ نص تشريعي أو تنظيمي.

وأمام هذا التعدد في التعريفات يمكن القول بأن الاعتداء المادي يتمحور حول ثلاث اتجاهات رئيسية حسب تقارب وجهات النظر، وتتمثل هاته الاتجاهات، أولا في الربط بين الاعتداء المادي وفكرة اغتصاب السلطة، وثانيا في اعتبار الاعتداء المادي مجرد مخالفة للقانون، والاتجاه الثالث يجعل من فكرة الاختصاص المقيد أساس تعريف وتمييز الاعتداء المادي.

الفقرة الثانية: حدود اختصاص القضاء الاستعجالي في مادة الاعتداء المادي

يعتبر القضاء الإداري هو الحامي الطبيعي لحق الملكية من الاعتداء المادي عليه من قبل الإدارة، وعليه يتميز القضاء الاستعجالي بإجراءاته البسيطة والسريعة، والتي تختلف عن تلك المتبعة أمام القضاء العادي، لذلك أوجب المشرع على قاضي المستعجلات أن يمارس اختصاصه هذا بالتقيد ببعض الشروط التي يجب عليه احترامها والتي تتمحور حول شرط الاستعجال وضرورة عدم المساس بجوهر الحق، فبالنسبة للعنصر الأول المتعلق بضرورة توفر الاستعجال، فإن تدخل القاضي الاستعجالي الإداري في قضايا الاعتداء المادي هو رهين بتوفره، حتى يتمكن من النظر في الإجراء الوقتي، وقد نص الفصل 149 ق م م، على اختصاص رئيس المحكمة بالبت في القضايا الاستعجالية بصفته تلك، كلما توفر عنصر الاستعجال.

ونجد أن المشرع المغربي لم يقم بتعريف المقصود بشرط الاستعجال، إلا أن الفقه عرفه بكونه “الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه، والذي يلزم درؤه عنه بسرعة لا تكون عادة في التقاضي العادي ولو قصرت مواعيده”، وأن تحديد طبيعة الاستعجال تعود لتقدير قاضي المستعجلات التي يستخلصها من ظروف النازلة وملابساتها، والتي من خلالها تستدعي التدخل السريع الذي لا يحتمل التأجيل.

وتطبيقا لشرط الاستعجال الذي ينعقد به اختصاص قاضي المستعجلات الإداري، نورد قرار لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط جاء فيه “مما يجعل الإجراء الوقتي المتمثل في إيقاف أشغال البناء يتوافر فيه عنصر الاستعجال، لأن التمادي في القيام بالبناء قد يزيد من استفحال الضرر اللاحق بالمستأنف عليه”.

أما بالنسبة لشرط عدم المساس بجوهر الحق وما يصطلح عليه بأصل الحق، فهو من بين الشروط التي ينعقد بها اختصاص قاضي المستعجلات الإداري، والمنصوص عليه في الفصل 152 ق م م، وذلك أن قاضي المستعجلات يأمر باتخاذ الإجراءات الوقتية، ولا يمكنه النظر فيما يمكن أن يقضي به في الجوهر، وعليه يكون لزاما على قاضي المستعجلات في الحالة التي تستلزم أو تتعلق بالبت في الجوهر أو في الحالة التي من شأن تدخله أن ينتج عنه مساس بجوهر الحق، أن يرفع يده عن الدعوى المقدمة أمامه ويصرح بعدم اختصاصه.

ومن خلال ما سبق، يتضح أن القضاء الاستعجالي للمحاكم الإدارية، يملك حق الأمر برفع الاعتداء المادي وذلك بطرد الإدارة من العقار المعتدى عليه، كما له الحق بالأمر بإفراغه وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، وبإيقاف تنفيذ الأشغال التي تكون الإدارة بصدد إنجازها وذلك قبل انتهائها.

المطلب الثاني: التعويض كآلية قانونية لجبر الضرر الناتج عن الاعتداء المادي

إذا سلمنا باختصاص قاضي الأمور المستعجلة برفع الاعتداء المادي الذي تباشره السلطات العامة ومن يقوم مقامها، وقد خول المشرع للمتضرر من الاعتداء المادي، الحق في الحصول على التعويض عن طريق رفع دعوى المطالبة بالتعويض لجبر الأضرار الناتجة عن الاعتداء المادي، إذ هي نتيجة طبيعية لكل متضرر من هذا الاعتداء في الحصول على تعويض في شكل قدر من المال يكون كفيلا بجبر ذلك الضرر وضمانة لحق الملكية، وعليه فما هي المعايير والأسس الذي يعتمدها القاضي الإداري في تقديره للتعويض عن الاعتداء المادي، وما مدى إمكانية استعانة هذا القاضي الإداري بالخبرة للوصول إلى هذا التعويض والذي ينتظر أن يوازي ما حصل لصاحب الملكية من ضرر وما يحق له من تعويض يكون عادل.

الفقرة الأولى: أسس تقدير التعويض عن الاعتداء المادي

يخضع تقدير التعويض عن الاعتداء المادي للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع، هذا التقدير الذي تحكمه بعض الشروط التي تقوم على أسس من أجل الوصول إلى تعويض عادل، والتعويض عن الاعتداء المادي هو النتيجة الأساسية التي تترتب عن نشوء مسؤولية مرتكب هذا الاعتداء، أي التعويض، ومن تم تقديره يدور مع المسؤولية وجودا وعدما.

وبذلك إذا كان القضاء الإداري يعتمد على نفس أركان المسؤولية المدنية لإثبات الحق في التعويض عن الاعتداء المادي، فالتساؤل يطرح عن مدى اعتماد القضاء الإداري عند تقديره لهذا التعويض على القواعد المنصوص عليها في ق ل ع، خاصة ما يرتبط بعنصري الخطأ والضرر.

ويعتمد القضاء في مجال المسؤولية المدنية بشأن تقدير التعويض بمدى جسامة الخطأ أي بمدى خطورة الفعل الضار الصادر عن المتسبب في الضرر، حيث يمكن للقاضي أن يعتبر جسامة الخطأ عاملا في تقدير التعويض، تبعا لما إذا كان أساس المسؤولية هو خطأ المدين أو تدليسه، في حين لا يأخذ القضاء الإداري بعين الاعتبار تقدير التعويض عن الاعتداء المادي على أساس درجة الخطأ الذي يصل حد الجسامة حتى وإن كان هذا الاعتداء يشكل في حد ذاته خطأ جسيما باعتباره عملا فاقدا لكل المشروعية، وأن تقديره إنما يعتمد بالأساس على قيمة المتر المربع.

وما يمكن ملاحظته أن القضاء الإداري لم يشر إلى الخطأ الجسيم وإنما يقتصر فقط على قيمة المتر المربع، وفي هذا الصدد يرى أحد الفقه “أنه آن الأوان لتفعيل ما نص عليه الفصل 98 ق ل ع من قياس التعويض بمدى جسامة الخطأ، باعتبار أن الاعتداء المادي يكتسي دوما صبغة الخطأ الجسيم، ثم أن ذلك إن طبق سيساهم في الحد نسبيا من ظاهرة الاعتداء”.

وإذا كان الخطأ لازما لقيام مسؤولية الإدارة أمام القضاء، فإنه لابد أن يؤدي إلى ضرر، والذي يجب أن لا يشمل إلا الضرر الحال المحقق الناشئ مباشرة عن نزع الملكية، فالضرر الذي يعتد به في تقدير التعويض عن الاعتداء المادي على الملكية العقارية هو ذلك الضرر المحقق والمباشر، على غرار الضرر المنصوص عليه في الفصل 98 ق ل ع، فإذا كان عنصر الضرر والخطأ هما العنصران اللذان يؤثران على عملية تقدير التعويض عن الاعتداء، فإننا نجد القضاء الإداري يهتدي إضافة إلى هذان العنصران إلى عدد من المبادئ المتمثلة في:

  • مبدأ عدم جواز الحكم على الشخص العام بأداء مبلغ غير ملزم وهو مبدأ له صبغة النظام العام.
  • مبدأ التعويض المانع ومعناه عدم تجاوز ما هو مستحق للمضرور.
  • مبدأ وجود مراعاة ما يحصل عليه المتضرر من فائدة نتيجة الفعل الضار.
  • مبدأ التعويض الكامل، الذي يعني أن يكون التعويض شاملا موازيا تماما لجميع الأضرار الحاصلة للمضرور لا أقل ولا أكثر.

    الفقرة الثانية: إمكانية الاستعانة بالخبرة كآلية مساعدة في تقدير التعويض

    تعرف الخبرة عموما بأنها “في جوهرها إجراء من إجراءات التحقيق، يلتجئ إليها قضاة الموضوع عادة قصد الحصول على المعلومات الضرورية بواسطة أهل الاختصاص، وذلك من أجل البت في مسائل علمية أو فنية تكون عادة محل نزاع بين الخصوم في الدعوى، ولا يستطيع أولئك القضاة الإلمام بها والتقرير بشأنها دون الاستعانة بالغير”.

    ولا بأس من التذكير بما جاء في الفصل 49 من القانون 07.81 المتعلق بنزع الملكية للمنفعة العامة والاحتلال المؤقت الذي نص على أنه “تطبق على قضايا نزع الملكية جميع قواعد الاختصاص والمسطرة المقررة في قانون المسطرة المدنية ما عدا في حالة الاستثناءات المنصوص عليها في هذا القانون”، وما جاءت به المادة 7 من قانون إحداث المحاكم الإدارية 41.90 والتي نصت على أنه “تطبق أمام المحاكم الإدارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك”، بالتالي نخلص إلى أن القواعد المطبقة في الخبرة أمام المحاكم الإدارية في مجال نزع الملكية من أجل المنفعة العامة هي نفسها المضمنة في قانون المسطرة المدنية (الفصول من 59 إلى 66).

    وتعد الخبرة إحدى الركائز الأساسية في عمليات تقدير قيمة عقار من العقارات، بل وتأتي في طليعة الإجراءات المؤدية للتقدير القضائي للتعويض، الشيء الذي نجد أن المحاكم الإدارية تستعين في حالات عديدة بخبرة عقارية لتحديد القيمة الحقيقية للعقار، على اعتبار أن الخبير شخص له دراية في مجال العقارات وثمن بيعها وله دور مهم في مساعدة القاضي في تحديد تعويض عادل ومناسب عن العقار، على أن هذه المساعدة تقتصر في إبداء رأيه في المسائل الفنية، أما الأمور القانونية فهي من أعمال القاضي وحده بحيث نجد الفصل 59 ق م م ينص على أنه “يحدد القاضي النقط التي تجري الخبرة فيها، في شكل أسئلة فنية لا علاقة لها مطلقا بالقانون”.

    ومن التطبيقات القضائية للاستعانة بالخبير ما قضت به المحكمة الإدارية بمراكش من خلال حكم ابتدائي جاء فيه “وحيث إن المحكمة بما لها من سلطة تقدير التي كونتها من مشتملات تقرير الخبرة ومن باقي وثائق الملف وخاصة فيما يرجع إلى مزايا العقار وموقعه تحدد التعويض الواجب للمدعي عن قيمة الأرض بمبلغ 76.160.000 درهم بحسب مبلغ 1120.00 درهم للمتر المربع الذي حدد الخبير ما دام تعويضا مناسبا ويقابل الضرر عن قيمة العقار، وقضى الحكم بأداء بلدية آسفي للمدعي تعويضا قدره 76.160.000 درهم”.

    في جميع الأحوال يجب أن تأتي الخبرة بمعطيات تقنية تسمح للمحكمة بتقدير القيمة الحقيقية للملك، ولها أن تأخذ بهذه الخبرة أو تصرف النظر عنها جملة وتفصيلا “فلا يلزم القاضي في أي حال من الأحوال الأخذ برأي الخبير أو الخبراء”، وليس هناك ما يمنع القاضي من اللجوء إلى إجراءات التحقيق الأخرى الواردة بقانون المسطرة المدنية وخصوصا معاينة الأماكن.

    وخلاصة القول فإن عمل الخبير ومساعدته للقضاء وإسهامه في تكوين قناعة القاضي، أمر ضروري من مستلزمات القضاء والعمل القانوني يجعل من الضروري التفكير في تنظيم التشريع المغربي المتعلق بالخبرة.

    المبحث الثاني: سلطات القاضي الاستعجالي الإداري في دعوى الاعتداء المادي

    من المعلوم أن القضاء الاستعجالي يملك سلطات محدودة بالنظر للخصوصيات التي تطبع المسطرة الاستعجالية، وبالنظر للقواعد العامة التي تحكم عمل قاضي الأمور المستعجلة والمتمثلة خصوصا في عدم إمكانية المساس بأصل الحق وفي ضرورة توفر عنصر الاستعجال، إلا أنه في مجال حماية الملكية العقارية من الاعتداء المادي نجد أنه يملك سلطات واسعة، متمثلة في تلك الأوامر الاستعجالية الصادرة في حق السلطة المعتدية بوقف كل أعمال الاعتداء، مع طردها من عقارات المعتدى عليه تحت طائلة الحكم بالغرامة التهديدية.

    وتحصينا لحق الملكية من أي خلل أو تعسف اجرائي قد ترتكبه الادارة خلال نزعها لعقارات الخواص، فإن المشرع جعل من القضاء رقيبا على كل أطوار هذه العملية، وذلك من خلال البت في الطلبين الذين يتوجب على الادارة النازعة تقديمها للمحكمة المختصة.

    من هنا تبرز لنا أهمية الدور الذي ينهض به القضاء الاداري، للموازنة بين مصالح الملاك والتصرفات والمقررات الادارية التي تستهدف الملكية العقارية الخاصة، لكن التساؤل الذي يثور في هذا الصدد هو ما هو الدور الذي يقوم به القضاء الاستعجالي الاداري لحماية الملكية العقارية الخاصة؟ وما هي مجمل سلطات هذا القضاء للحد من تزايد مسألة الاعتداء المادي على الملكية العقارية الخاصة؟

    التزاما بضوابط الموضوع سنركز في هذا المبحث وبغية الإجابة على التساؤل أعلاه، على تبيان دور القضاء الاستعجال الاداري في إصدار الأمر بوقف الاعتداء المادي وإزالته وهو ما سوف نعالجه في المطلب الأول، ثم دراسة إصداره للأمر بالطرد والإفراغ من العقار المحتل وفرض الغرامة التهديدية، في المطلب الثاني.

    المطلب الأول: الأمر بوقف الاعتداء المادي وإزالته

    لا يخامرنا أي شك في كون صاحب المصلحة أي الشخص المعتدى على ملكه، يستطيع دائما أن يطلب من قاضي الأمور المستعجلة، في إطار المبادئ القانونية العامة التي تحكمه، الأمر بوقف الاعتداء المادي أو إزالته متى تم الشروع فيه، أو منع القيام به إذا لم يتم بعد، كما لو إن الادارة كانت تحضر له فقط.

    بالتالي فإن سلطات القضاء الاستعجالي تبتدئ بسلطة وقف أعمال الاعتداء المادي التي هي في مهدها وبدايتها، ثم تنتهي برفعها من خلال طرد السلطة المعتدية وإخلاء أو إزالة آثار هذا الاعتداء بشكل نهائي، ويبقى الهدف المتوخى من ذلك هو محاولة التخفيف من حدة الأضرار التي قد تلحق بالملكية العقارية الخاصة، إذ لا يمكن للأطراف المتضررة استرجاع ملكيتهم في غالب الأحيان في حالة استمرار فعل الاعتداء.

    الفقرة الأولى: وقف قاضي المستعجلات لفعل الاعتداء المادي

    يبقى الهدف المتوخى من وقف أشغال الاعتداء المادي في بدايتها هو محاولة التخفيف من حدة الأضرار التي قد تلحق بالملكية العقارية من جهة أولى، إذ لا يمكن للأطراف المتضررة استرجاع ملكيتهم في حالة استمرار فعل الاعتداء، ويندرج في هذا السياق الأمر الاستعجالي الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالرباط والذي اعتبر أن “ومن الآن وبصفة مؤقتة، ونظرا لحالة الاستعجال، نأمر بإيقاف الأشغال الجارية في عقار الطالبة ذي الرسم العقاري عدد 8845/19T إلى حين صدور حكم ابتدائي قطعي في دعوى التعويض”.

    ومن جهة ثانية، فالأوامر الاستعجالية الصادرة بوقف هاته الأشغال تروم كذلك حماية المال العام، لكون التعويضات في مجال الاعتداء المادي لا تنبني على نفس أسس التعويض المقررة في قانون نزع الملكية، بل يبقى الأساس هو القواعد العامة التي تقضي بضرورة أن يكون التعويض كاملا ومغطيا لجميع الأضرار.

    ويشترط القضاء الاستعجالي في طلبات وقف الاعتداء المادي أن تكون المراكز القانونية واضحة، بالنظر لكون القضاء يبقى محايدا بين أطراف النزاع، ونظرا لأن قاضي المستعجلات لا يمكنه الخروج عن القواعد العامة التي تحكم اختصاصه، والمتمثلة في عنصري الاستعجال وعدم المساس بجوهر الحق، وفي واقعة أخرى يشترط القضاء الاستعجالي إثبات واقعة الاعتداء المادي قبل تقديم طلب وقف هذا الأخير، إذن فالقضاء الاستعجالي لا يتسرع في إصدار أوامره بوقف أشغال الاعتداء المادي إلا بعد أن يقف على حقيقة وجود هذا العمل غير المشروع.

    ومن القواعد التي قررها القضاء الاستعجالي الإداري بشأن طلبات إيقاف الأشغال نجد:

    – لا يمكن إزالة الأشغال التي لها ارتباط بالمنفعة العامة والتي ستؤدي إزالتها إلى إضرار بهذه المنفعة تفوق الضرر الناتج للمعتدى عليه إعمالا “لمبدأ المنشأة العامة” متى أحدثت بشكل غير سليم لا يمكن هدمها.

    – أن أشغال البناء التي تقوم بها الإدارة على عقار الطالب بدون سند شرعي والتي لا زالت في بدايتها تستوجب الأمر بإيقافها.

    – لا يمكن إيقاف أشغال انتهى إنجازها أو قطعت شوطا كبيرا أن ينفي عنها حالة الاستعجال.

    في الأخير تنبغي الإشارة إلى أن قاضي المستعجلات قد يرتكب أحيانا بعض الأخطاء النابعة من سلطته التقديرية، فقد لا يطلع على الواقع بشكل قريب، مما يدفعه إلى إصدار أمر برفض طلب وقف الأشغال لغياب عنصر الاستعجال في نظره، هذا بالرغم من أن أعمال الاعتداء لازالت في مرحلتها الأولى، كما أن قاضي المستعجلات قد يبرر امتناعه عن الاستجابة لطلبات وقف الأشغال بوجود دعوى التعويض المقامة من طرف المعتدى عليه، فأمام هذا الوضع يبقى أمام الأطراف المعتدى عليها حق ممارسة الطعن في هذا الأمر الاستعجالي لكي يقول قضاء الموضوع التابع لمحكمة الاستئناف الإدارية كلمته في هذا الإشكال.

    الفقرة الثانية: إنهاء قاضي المستعجلات لكل نشاط يشكل اعتداء مادي

    إذا كانت طلبات وقف أشغال الاعتداء المادي تهدف بداية وبالضرورة إلى مناشدة القضاء الاستعجالي من أجل المسارعة إلى اتخاذ التدابير الوقتية، من خلال الأمر بوقف الاعتداء، والتي من شأنها تجنب هدر المال العام وإمكانية استرجاع المعتدى عليه لملكيته العقارية، فإننا نؤكد أن الطلبات الرامية إلى إنهاء كل أشكال الاعتداء المادي ترفع من سقف الحماية القضائية، إذ أن قاضي المستعجلات بناء على هاته الطلبات يصدر أمرا برفع هذا العمل المادي غير المشروع وبشكل فوري وكلي، وليس مجرد وقفه ريثما يقول القضاء الشامل كلمته في هذا النزاع.

    واستقر العمل القضائي المغربي على التأكيد أن دور المحاكم الإدارية هو مراقبة شرعية أعمال الإدارة وحماية المواطنين من شططها، وفي حالة ثبوت شطط الإدارة فإن المحاكم الإدارية تقول بطردها من العقار المعتدى عليه، إلا أن هذا التوجه القضائي الصارم في حق السلطة المعتدية لا يمكن ترجمته في نظرنا على أرض الواقع، وذلك بالنظر لتسريع الإدارة لأشغال الاعتداء المادي، إلى جانب ضرورة الحسم في إشكالية الوضع القانوني للعقارات المعتدى عليها قبل الفصل في طلبات طرد الجهة المعتدية.

    ونتيجة لهذه الصعوبات الواقعية والقانونية لا يستطيع القضاء الاستعجالي إفراغ الإدارة من العقار المعتدى عليه، ولا يمكن له أن يأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، بل يكتفي بالتصريح بعدم الاختصاص، تاركا المسألة لقضاء الموضوع من أجل إجراء البحث اللازم وفحص حجج الطرفين، ثم اتخاذ الحكم المناسب.

    وهو التوجه الذي كرسه قاضي المستعجلات بالمحكمة الإدارية بمكناس في أحد أوامره جاء فيه “إن المساحة التي يدعي الطالب الاستيلاء عليها أنجز عليها سور لوقاية ثكنة عسكرية، وحيث إن البت في طلب الإفراغ في وجود البناء المذكور يقتضي الحسم في وضعية البناء القائم، وهو ما يؤدي إلى المساس بالموضوع، الأمر الذي يتعين معه التصريح بعدم اختصاصنا للبت في الطلب”.

    ومن صور الاعتداء المادي على الملكية العقارية الخاصة والتي يتدخل القضاء الاستعجالي لحمايتها، إقدام الدولة على إقامة مدرسة على ملك الغير الخاص، أو مد قنوات الصرف الصحي بأرض الخواص أو احتلال ملك الغير وتشييد فيه بنايات تجارية إلى غيرها من أشكال التعدي.

    وقد تصدى القضاء الاستعجالي للاعتداء المادي على أملاك الغير حيث اعتبر أن احتلال ملك الغير بدون حق ولا سند من طرف الجماعات المحلية، وبناءها فيه بناءات تجارية واجتماعية يشكل وضعا غير قانوني، تقتضي المصلحة العامة وكذلك مصلحة المالك وضع حد له في أقرب وقت، الأمر الذي يعطي لدعوى الإفراغ صبغة استعجال ويختص قاضي المستعجلات بالنظر فيه.

    المطلب الثاني: الأمر بالطرد والإفراغ من العقار المحتل وفرض الغرامة التهديدية

    تتوسع سلطات قاضي المستعجلات الإداري وهو ينظر في دعاوى الاعتداء المادي، إذ تصل إلى حد توجيه مجموعة من الأوامر إلى الإدارة سواء بالحكم عليها بالطرد وأحيانا الأمر بالهدم والغرامة التهديدية وكلها سلطات استثنائية لا يلجأ إليها القاضي إلا في حالات التعدي الواضحة.

    بالتالي فالجدير بالذكر أن القاضي الاداري لا يكتفي في إصدار أحكامه برفع الاعتداء المادي فقط، بل يذهب إلى الحكم بطرد الادارة المعتدية على الملكية العقارية الخاصة، وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه وهو أمر إيجابي، حيث إن بعض الأشغال المقامة على العقار المسلوب قد يصعب على المتضرر إزالة مخلفاتها أو إعادتها لما كانت عليه سابقا.

    ثم نجد أنه وعلى الرغم من كون الغرامة التهديدية هي صورة من صور التنفيذ الجبري، الذي لا يمكن ممارسته ضد الادارة ما دامت أنها تحصل على مالها من حقوق، وتنفذ ما عليها من التزامات دون إجبار أو إكراه، ومع ذلك فإن المحاكم الادارية من خلال مجموعة من الأحكام، التي جعلت موضوع الغرامة التهديدية كوسيلة لإجبار الادارة على تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها، يتخذ تطورا كبيرا وذلك بالاستناد إلى مقتضيات قانون المسطرة المدنية.

    الفقرة الأولى: الأمر بطرد وإفراغ الإدارة من العقار المحتل

    لم يعمد المشرع المغربي إلى تعريف دعوى طرد المحتل بدون سند أو قانون، وهو أمر مستحسن حيث إن مسألة التعريف هاته متروكة للفقه والقضاء، وهكذا عرفها جانب من الفقه كما يلي “تعتبر دعوى الافراغ للاحتلال بدون حق ولا سند من المساطر المألوفة أمام القضاء”.

    فيما عرفها رأي آخر إلى اعتبار المحتل بدون سند “هو كل من حاز عقار غيره حيازة نشأ عنها إثراؤه وافتقار مقابل لهذا الغير، ثم كل من حاز عقار غيره بالغصب والتعدي أو الاختلاس أو التدليس أو بكل عمل غير مشروع”.

    ويعتبر المحتل لعقار في حكم المعتدي والغاصب لحق من حقوق صاحب هذا العقار، وفي هذا السياق نجد الأمر الاستعجالي الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالرباط جاء فيه “ومن الآن وبصفة مؤقتة، ونظرا لحالة الاستعجال نأمر برفع الاعتداء المادي على العقار المسمى ميكي p19- ذي الرسم العقاري 1227/78 الكائن بعمالة الصخيرات تمارة إلى حين البت في موضوع الدعوى”.

    وتجدر الإشارة إلى أن المشرع لم يسند بنص خاص لقاضي المستعجلات الإداري، حق النظر في طلبات الطرد للاحتلال بدون سند قانوني وإنما كان للاجتهاد القضائي السبق في هذا المجال، ومرد ذلك هو الاقتناع بمبدأ حماية حق الملكية كمبدأ دستوري.

    فقد تلجأ الإدارة عند إقامة دعوى ضدها من أجل طردها من العقار أو طعن في التعويض عن فقد الملكية جبرا، إلى الاحتجاج بسلوكها لمسطرة نزع الملكية أو حصولها على الإذن بالاحتلال المؤقت لكن العمل القضائي استقر في عدة قرارات على أن الإدارة تكون في حكم المعتدية على عقار الغير، وأن سلوكها في البداية للمسطرة القانونية وحصولها في أول وهلة على سند لا يشفع لها في الاستمرار بحيازة العقار، ما دامت لم تسلك الإجراءات المحددة قانونا لتصفية النزاع بخصوص المسطرة المذكورة.

    كما قد تلجأ الإدارة بعد مقاضاتها من أجل طلب الحكم عليها بإفراغها من العقار المعتدى عليه، وأداء تعويض عن الضرر الناتج عن الاعتداء المادي، إلى التمسك بأن عناصر الاعتداء المادي الممارس من طرف الإدارة غير متوفر في النازلة، ما دامت الإدارة قد اكتفت بإشعار من يهمهم الأمر من مالكي العقارات، بأن عقاراتهم ستخصص لتحقيق منفعة عامة معينة دون أن تستولي على العقارات المذكورة ودون أن تباشر تحقيق الأشغال الأولية للمشروع المزمع إنشاؤه، في انتظار ترجمة قرار التخصيص إلى أرض الواقع، عن طريق سلوك مسطرة محددة تضمن التطبيق السليم للقانون.

    وما يمكن ملاحظته هو أن الأمر بالطرد يستحيل، خاصة إذا كانت الأشغال التي بدأت تنفيذها الإدارة المدعى عليها قد قطعت أشواطا كبيرة، بحيث إذا أمر القاضي بطرد الإدارة من العقار سيؤدي الأمر إلى إهدار المال العام، وكذلك المس بمبدأ استمرارية المرفق العام وعدم التقيد بمضمون الفصل 25 ق م م.

    ختاما، وانطلاقا من كل هذا يمكن القول أن القضاء يمارس سلطته في طرد الإدارة من العقار المعتدى عليه في الحالة التي لم تشرع الإدارة في إنجاز المشروع الذي تنوي تحقيقه، أما إذا تم هذا الإنجاز وكان فيه مصلحة للعموم فهنا يقتصر حق المالك فقط في المطالبة بالتعويض، أما القضاء فيلجأ إلى تطبيق قاعدة الموازنة التي جاءت بتصريح رئيس أعلى هيئة قضائية بالمغرب (محكمة النقض)، عن عزم القضاء الإداري المغربي بالأخذ بهذا التوجه ضمانا لحقوق الأفراد ودعما لأسس دولة الحق والقانون، والتي تتطلب فحص البواعث الظاهرة التي غالبا ما تعمل الإدارة على إخفائها لكونها لا تتماشى في بعض الأحيان ومتطلبات المصلحة العامة.

    الفقرة الثانية: الأمر بفرض الغرامة التهديدية

    بالإضافة إلى ما يتمتع به قاضي المستعجلات من سلطة الأمر بوقف الاعتداء المادي وإزالته وإنهاؤه والأمر بالطرد والإفراغ من العقار المحتل، نجده كذلك يتمتع بسلطة فرض الغرامة التهديدية؛ وهي وسيلة مباشرة لتنفيذ الأحكام الإدارية لقوة الشيء المقضي به وكذا وسيلة لحمل الإدارة على تنفيذ تلك الأحكام، فالهدف من الأمر بالغرامة التهديدية هو الحث على تنفيذ الحكم الصادر عن القاضي، وهي تهديدية تحذيرية لكونها تنبه المحكوم عليه إلى الجزاءات المالية التي سوف تتعرض لها في حالة الامتناع وهذا الإجراء منصوص عليه في الفصل 448 ق م م والذي أكد على أنه “إذا رفض المنفذ عليه أداء التزام بعمل أو خالف التزاما لامتناع عن عمل أثبت عون التنفيذ ذلك في محضره وأخبر الرئيس الذي يحكم بغرامة تهديدية ما لم يكن سبق الحكم بها”.

    وعلى هذا الأساس يمكننا القول أن إصدار المقررات القضائية، في مجال المنازعات المرتبطة بالاعتداء المادي، وهي مقرونة بالغرامة التهديدية بمثابة أوامر موجهة للسلطة المعتدية بوقف اعتدائها ورفعه إن كان ذلك ممكنا من الناحية الواقعية.

    ولاشك أن القضاء الإداري المغربي استطاع الانخراط في حماية الحقوق والحريات في محطات متنوعة، وفي مختلف مراحل القضايا، ومنها طبعا مرحلة التنفيذ التي تحتاج إلى ردع مالي لكل طرف احتقر الأحكام والقرارات القضائية الصادرة باسم جلالة الملك وطبقا للقانون.

    في هذا السياق قضت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بأن “تحديد الغرامة التهديدية منوط بتوافر ثلاثة شروط أساسية أولها الامتناع الصريح للمحكوم عليه من التنفيذ، وثانيها تعلق الحكم بالقيام بعمل أو الامتناع عنه، وثالثها أن يكون الحكم حائزا لقوة الشيء المقضي به”.

    عموما، إن الغرامة التهديدية ليست هدفا في حد ذاتها، وإنما الغاية منها أساسا هي الضغط على الجهة المعتدية لوضع حد لكل عمل غير مشروع يمس بالملكية العقارية، كما هو الحال في المنازعات الرامية إلى إنهاء الاعتداء المادي، وتبقى هاته الآلية القانونية دون فائدة تذكر إذا لم تنفذ الجهة المحكوم عليها الحكم القاضي إما بوقف الاعتداء أو بطرد الإدارة المعتدية.

    ومن الناحية الواقعية يلاحظ استمرار وتنوع أعمال الاعتداء المادي على الأملاك العقارية بالرغم من اقتران الأحكام القضائية بالغرامة التهديدية، وذلك راجع إلى كون هاته الأخيرة تحتاج الى مسألة التصفية لتتحول إلى تعويض، وهذا الأخير قد يبقى بدوره معلقا كما يدل على ذلك الواقع، علما أن هناك منشور السيد رئيس الحكومة يحث فيه مختلف القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية على ضرورة تنفيذ الأحكام القضائية.

    خاتمة

    في الأخير وعلى مرور الحقب والأزمنة عرف القضاء الإداري المغربي تطورا مستمرا ومتواصلا، الأمر الذي انعكس إيجابا على نوعية الأحكام القضائية وجودتها مما عمل على التقليل من شكايات المواطنين بخصوص تعسف الإدارة على انتزاع والاستيلاء على أملاكهم العقارية، وهذا راجع لاعتماد المحكمة الإدارية على معايير وأسس في جبر الضرر الذي لحق أصحاب الأملاك العقارية في الحالة التي تقوم الإدارة بانتزاع عقاراتهم، إلا أننا وفي نفس الوقت نلاحظ أن السلطة التنفيذية تعمل غير ما مرة في محاولة غل يد السلطة القضائية، وذلك واضح من خلال المادة التاسعة من قانون المالية لسنة 2020 والتي تنص في طياتها على عدم الحجز على أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها، خاصة وأن الأحكام القضائية ورغم جودتها ولمعانها تبقى غير ذي جدوى إن لم يتم تنفيذها وبلورتها إلى الواقع وترجمة منطوقها عبر إجبار الإدارة على تعويض أصحاب العقارات المنزوعة ملكيتهم، أو إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل وقوع عملية النزع أو حتى هدم المنشآت التي تمت من دون سلوك هذه الإدارة للوسائل والقنوات القانونية.

    وعليه فكيف يمكن للعمل القضائي أن يستمر في تطوره ونحن نلاحظ أن السلطة التنفيذية تعمل على فرملة التطور الذي يريده؟

    سأعمل على ترك هذا السؤال مفتوحا من أجل مناقشته من طرف الباحثين وكذا المهتمين بالشأن القانوني عامة وبالقانون الإداري على الخصوص، خاصة وأن الرسالة الملكية بتاريخ 30 دجنبر 2016 عرت على الواقع الذي تعيشه البلاد من خلال الاستيلاء على الأملاك العقارية الخاصة.

    المراجع والمصادر

    الكتب العربية:

    – ابراهيم الزعيم الماسي، تقدير التعويض عن الاعتداء المادي على الملكية العقارية، مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء، الطبعة الأولى 2010.

    – أحمد أبو الوفا، نظرية الدفوع في قانون المرافعات، منشأة المعارف بالاسكندرية، الطبعة الخامسة 1977.

    – العربي محمد مياد، العمل القضائي في دعاوى استيلاء الإدارة على الملكية العقارية (الاعتداء المادي)، مطبعة الأمينة الرباط، 2010.

    – المصطفى التراب، القضاء الإداري وحماية الملكية العقارية، مطبعة الأمنية الرباط 2013.

    – محمد الكشبور، الخبرة القضائية في قانون المسطرة المدنية، مطبعة النجاح الجديدة بالدارالبيضاء، الطبعة الأولى 2000.

    – محمد الكشبور، نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، الأسس القانونية والجوانب الادارية والقضائية، مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء، طبعة 1989.

    – سليمان الطماوى، الوجيز في القانون الاداري، دراسة مقارنة، دار الفكر العربي، طبعة 1980.

    الأطروحات:

    – احمد أجعون، اختصاصات المحاكم الإدارية في مجال نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية اكدال الرباط، السنة الجامعية 1999/2000.

    – الرجراجي زكرياء، حماية القضاء الإداري للملكية العقارية بالمغرب، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة مولاي اسماعيل كلية العلوم القانونية والاقتصادية الاجتماعية بمكناس، السنة الجامعية 2016/2017.

    الرسائل:

    – ناهد بومفتاح، دعوى الاعتداء المادي على الملكية العقارية الخاصة –بين واقع حماية حقوق الأفراد ومصالح الإدارة-، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة، السنة الجامعية 2010/2011.

    المقالات:

    – ابراهيم زعيم، مسطرة وفقه التنفيذ ومسطرة الاستعجال في المادة الإدارية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 12 يوليوز-شتنبر 1995.

    – آمال المشرفي، الاعتداء المادي للإدارة في العمل القضائي في المحاكم الإدارية، مجلة رسالة المحاماة، العدد المزدوج 23-24 أبريل 2005.

    – الحسن الوزاني شاهدي، الاعتداء المادي واختصاص قاضي المستعجلات، المجلة المغربية للقانون عدد 3 السنة 1985.

    – الوافي الفاطمي، الطرد للاحتلال بدون حق أو سند، مجلة محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء، العدد الثالث 2013.

    – جواد الرايسي، دعوى الاعتداء المادي الممارس من طرف الإدارة على أراضي الغير، ندوة مشتركة بين المجلس الأعلى ومحكمة النقض المصرية يومي 16-17 يناير 2002، تحت عنوان “دور القضاء في حماية حقوق الانسان”، مجلة دفاتر المجلس الأعلى، العدد 5 السنة 2005.

    – حسن العفوي، رقابة الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى على مقررات نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، مجلة البحوث العدد التاسع 2009.

    – شعيب علباقي، طرد محتل العقار بغير سبب مشروع بالطريقة الاستعجالية، مجلة الميادين العدد السابع.

    – عمر الأبيض، دعوى الافراغ بدون حق أو سند أمام القضاء الاستعجالي، مجلة القضاء والقانون العدد 145.

    – محمد قصري، الغرامة التهديدية كوسيلة لإجبار الإدارة على تنفيذ أحكام القضاء الإداري، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 99-100 يوليوز- أكتوبر 2011.

    – محمد منتصر الداودي، تنفيذ الأحكام بين دعوى الالغاء ودعوى القضاء الشامل، مداخلة ضمن أشغال الندوة الجهوية الثالثة المنعقدة بمراكش بتاريخ 21-22 مارس 2007، تحت عنوان “قضايا العقود الإدارية ونزع الملكية للمنفعة العامة وتنفيذ الأحكام من خلال اجتهادات المجلس الأعلى”، مطبعة الأمنية الرباط.

    الكتب الفرنسية:

    – André Delaubadere: «Droit administratif» L.G.D.J 1980 8éme édition.

    – M.Hauriou: «Précis De Droit Administratif et de droit public», 11éme édition 1927 paris.

     

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى