في الواجهةمقالات قانونية

التعرض على مسطرة التحديد الإداري لأراضي الجموع بين واقع النص وأفاق التفعيل – الدكتور لبيب نبيل

 

 

التعرض على مسطرة التحديد الإداري لأراضي الجموع بين واقع النص وأفاق التفعيل

 

إعداد الدكتور        لبيب نبيل  

   دكتور في القانون الخاص بكلية الحقوق فاس

 

  

 

 

ملخص المقال :

يعتبر التحديد الإداري لأراضي الجموع من بين  الآليات التشريعية التي تبنتها الدولة  من اجل تحصين هذا الصنف من العقارات ، وبما أن هذه المسطرة تلجا إليها الدولة عندما تكون هناك شبه الملك وتتجاوز المساحة المراد تحديدها  500 هكتار، فإنه من الضروري أن تثار بسبب ذلك مجموعة من التعرضات أثناء سلوك هذه المسطرة ، وفي هذا الصدد أفرد لها  المشرع في قانون 63.17 الصادر في  26 غشت 2019 مسطرة خاصة لذلك تختلف كليا عن مسطرة التعرض  في ظهير التحفيظ العقاري مانحا بذلك مجموعة من الخصوصيات والامتيازات للدولة عند سلوك هذه المسطرة الشيء الذي يؤدي الى بروز مجموعة من الإشكاليات قد يكون لها تأثير سلبي على تحقيق الأهداف المسطرة في السياسة العقارية وهو تكون وعاء عقاري خال من النزعات .

 

Résumé l’article :

La délimitation administrative des terres collective parmi les mécanismes législatifs adoptés par l’État pour fortifier ce type de biens immobiliers, et puisque l’état applique cette  règle quand il ya doute que la propriété lui appartient et que la superficie délimiter dépassé 500 hectares, il est nécessaire de lever une plusieurs De l’exposition pendant l’applique de cette procédure, A couse de sa le législateur marocain on été établis ce procédure dans la loi 63.17 publiée le 26 août 2019 il a donné une série de privilèges a l’état pour ce faire, cela crée une plusieurs de problèmes qui sont affectes négativement par la réalisation des objectifs de la politique foncier.

 

 

 

 

 

مقدمة:

تشكل التصفية القانونية  لأراضي الجموع المحور الاستراتجي لتدخل وزارة الداخلية قصد الحفاظ على هذه الأراضي وحمايتها من كل محاولات النهب و الاستيلاء الغير المشروع من طرف الأغيار والحد كذلك  من النزاعات المثارة بخصوصها[1] ، ولتحقيق هذه الأهداف تلجأ الدولة إلى سن مجموعة من القوانين التي رصدت من أجل تحصين هذا الوعاء العقاري إذ تعتمد مسطرة التحديد الإداري لأراضي الجموع كإحدى هذه النصوص التشريعية  إذ يشكل هذا الأخير مجموعة من القواعد الشكلية يعد سلوكها من طرف مديرية الشؤون القروية أمرا لازما عندما تتجاوز مساحة الأراضي السلالية 500 هكتار .

وبما أن الجهة الوصية  تسعى لمباشرة  هذه المسطرة عندما تكون لها قرينة على أن هذه الأملاك تعود ملكيتها  للجماعات السلالية[2] فمنطقيا  قد تعترضها  تعرضات حول بعض الحقوق المتنازع عليها من طرف الجهة الوصية والأغيار، ولهذا الغرض  أقر  المشرع المغربي مسطرة خاصة لتقديم هذا الأخير حيث أكد على ضرورة تقديم  تعرض أولي لدى السلطة المحلية أو اللجنة المكلفة بالتحديد الإداري ، ثم بعد ذلك تقديم مطلب تحفيظ تأكيدي لدى  المحافظة العقارية لموقع وجود العقار المتعرض عليه. إذ يتميز هذا الأخير بنظام قانوني وبخصوصيات جاء بها القانون المتعلق بالتحديد الإداري  لأراضي الجموع 63.17 [3] الصار في 26 غشت 2019 ناسخا بذلك ظهير 18 فبراير 1924 الذي أثار تطبيقه مجموعة من الانتقادات من طرف  المختصين نظرا لوجود مجموعة من الشكليات المسطرية لسلوكه وهذا يرجع إلى خصوصية الظرفية التاريخية التي صدر فيها آنذاك إذ كانت السلطات الاستعمارية تهدف من ورائه مساعدة المعمرين على الاستيطان عن طريق تمكينهم من أجود الأراضي الفلاحية وتشجيعهم على الاستقرار في  المغرب وهو ما يبرر التعقيد المسطري الذي كان يتميز به

وبما أن هذه المسطرة تتميز بخصوصيات وجاءت بمجموعة من المستجدات في هذا القانون الجديد أصبح من الضروري البحث فيها والكشف هل فعلا استطاع المشرع  المغربي الحد من هذا التعقيد المسطري رغم صدور القانون الجديد  ؟

إن الإجابة عن هذه الإشكالية تقتضي منا البحث في  خصوصية الإجراءات المسطرية التي جاء بها قانون  63.17 المتعلق بالتحديد الإداري لأراضي الجموع ” المطلب الأول” ثم  البحث في الامتيازات التي أعطيت للدولة عند البت في  التعرض  خلال المرحلة القضائية  ” المطلب  الثاني” وذلك على الشكل التالي:

المطلب الأول: الإجراءات المسطرية المعقدة  خلال المرحلة الإدارية

لقد أقر المشرع المغربي مجموعة من الإجراءات المسطرية في قانون 63.17 لسلوك هذا التعرض والمتمثلة في تقديم تعرض أولي لدى السلطة المحلية لموقع وجود العقار ” الفقرة الأولى”  ثم بعد ذلك تقديم مطلب تحفيظ  تأكيدي لدى المحافظة العقارية  المختصة  ” الفقرة الثانية” محافظا بذلك على التعقيد المسطري الذي كان يتميز به  ظهير18 فبراير 1924 فكيف ذلك ؟

الفقرة الأولى: تقديم تعرض أولي لدى السلطة المحلية

لقد نص القانون 63.17 المتعلق بالتحديد الإداري لأراضي الجموع على أنه وقبل تقديم مطلب التحفيظ التأكيدي لدى المحافظة العقارية لموقع وجود العقار وفق مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 10 من هذا القانون الجديد السالف الذكر، لا بد من تقديم تعرض أولي لدى السلطة المحلية  المختصة ،إذ على الأشخاص الذين لم يتمكنوا من تقديم تعرضهم أمام اللجنة المكلفة بعملية التحديد الإداري لأراضي الجموع،لهم فرصة أخرى تبتدئ من تاريخ نشر إعلان إيداع  نسخة من محضر التحديد الإداري لأراضي الجموع و التصميم المرفق به لدى السلطة المحلية ، وتستمر هذه  المدة لثلاثة أشهر حيث تعمل على تدوينه في الملف لمخصص لذلك، سواء تعلق الأمر بأي حق عل العقار أو جزء منه أو تعديل في حدوده .

وتقديم التعرض على التحديد الإداري لأراضي الجموع  الذي يشكل البداية الإجرائية للتعرض على التحديد الإداري لأراضي الجموع رغم صدور القانون الجديد لازال لم يحسم النقاش الفقهي الذي طرح[4]حول أهلية السلطة المحلية لقبول التعرضات ودراسة المستندات و الحجج المؤيدة لهذا التعرض خاصة مع سكوت المادة 6 من قانون 63.17 عن ذلك  واكتفائها  بذكر نطاق التعرض ” المنازعة في الحدود، المطالبة بحق من الحقوق العينية العقارية المتعلقة الأراضي موضوع التحديد“وإن كان  الفصل 5 من ظهير 18 فبراير 1924 [5]المنسوخ كان أكثر وضوحا إذ كان  ينص بشكل صريح  على اختصاص السلطة المحلية في قبول التعرض و دراسة الحجج و المستندات الشيء الذي كان يخلق مصاعب في وجه المتعرضين،وحتى للمحافظة العقارية نفسها  ذلك أن السلطة المحلية غير مختصة في قبول التعرضات ودراسة المستندات والحجج انسجاما مع ما جاء به ظهير التحفيظ العقاري 12 غشت 1913 المعدل و المتمم 14.07  الصادر في 2011 الذي حدد بدقة الجهة المختصة في قبول التعرضات و المحددة في المحافظ العقاري و المهندس الطبوغرافي.

ومن هنا يتبين  أن سكوت المشرع المغربي عن ذكر تقديم الحجج والمستندات المؤيدة للتعرض كان في محله لأنه ليست للسلطة المحلية الاختصاص في تلقى الحجج من أصحابها و الحكم على قيمتها و ترجيحها بحجج أخرى لأن ذلك من اختصاص المحافظ العقاري والمحكمة فقط دون غيرهم ، وفي هذا الإطار فإنه  عند سكوت النص الخاص يتم الرجوع إلى النص العام المتمثل في قانون التحفيظ العقاري الذي حدد الجهة المختصة على سبيل الحصر كما سبق الذكر إذ يتوجب في هذه الحالة تقديم التعرض لذا السلطة المحلية كإجراء شكلي وبعد ذلك يتم تقديم الوثائق و الحجج لذا المحافظة العقارية مرفقة بمطلب التحفيظ التأكيدي انسجاما مع الفصل 14 من ظهير التحفيظ العقاري  12 غشت 1913 المعدل و المتمم ب 14.07 الذي ينص على ضرورة تعزيز مطلب التحفيظ بالحجج و المستندات المؤيدة لمطلب التحفيظ العقاري.

الفقرة الثانية : تقديم مطلب التحفيظ التأكيدي لدى المحافظة العقارية داخل أجل معين

طبقا لمقتضيات القانون 63.17 المتعلق بالتحديد الإداري لأراضي الجموع الجديد فإن كل تعرض قدم طبقا للكيفية المنصوص عليها لا ينتج أي أثر، إلا إذا قدم المتعرض على نفقته مطلبا للتحفيظ تأكيدا لتعرضه لدى المحافظة العقارية المختصة وذلك خلال ثلاثة أشهر الموالية لانقضاء الأجل المحدد لتقديم التعرض.

أولا:  إجبارية تقديم مطلب تحفيظ تأكيدي لدى المحافظة العقارية المختصة

لقد نص المشرع المغربي في القانون 63.17 المتعلق بالتحديد الإداري الأراضي الجموع على أن المتعرض ومن أجل إبراز جديته في التعرض، أن يقدم مطلب التحفيظ التأكيدى وإلا سيكون مصيره الإلغاء ،إذ يرى هذا القانون أن مطلب التحفيظ التأكيدي لا يسمح به إلا بالنسبة للأشخاص الذين صرحوا بتعرضهم داخل الأجل المحدد سواء قاموا بذلك أمام اللجنة المكلفة بعملية التحديد الإداري أو لدى السلطة المحلية وهذا يعني أن تقديم مطلب التحفيظ التأكيدي مرتبط بالتعرض و العكس صحيح إذ أن التعرض لا يعتبر كذلك إلا بتقديم هذا المطلب  لدى المحافظة العقارية المختصة مكانيا بذلك[6]

نفس الشيء ذهب إليه التوجه القضائي للمملكة ، والذي نص على أن من لم يتعرض على التحديد الإداري وقدم مطلب التحفيظ داخل الأجل الثاني والمحدد في ثلاثة أشهر لا يجوز له التعرض الواقع في الأجل الأول من طرف شخص أخر باع له جزء من حقوقه[7]

وفي هذا الصدد فإن مطلب التحفيظ التأكيدي هذا، يجب أن يكون مرفوقا بشهادة التعرض تسلمها له السلطة المحلية ، تبين  فيها  أنه قام بالتعرض على مسطرة التحديد الإداري داخل الأجل القانوني وإن كانت هذه الشهادة تثير بعض الإشكاليات و الانتقادات في الظهير القديم 18 فبراير 1924 ولم يحسم فيها حتى القانون الجديد 63.17 ، إذ قد تضر بحقوق المتعرضين  ولعل السبب في ذلك التماطل الذي قد تقوم به الجهات المعنية في تسليم شهادة التعرض لفائدة المتعرض خلال ثلاثة أشهر الموالية لتاريخ انتهاء الأجل  المحدد للتعرض.

لذلك تسهيلا لمأمورية طالب التحفيظ التأكيدي وجب مطالبتها بواسطة المحافظ العقاري عن طريق السلم الإداري من السلطة المحلية بدل تكليف طالب التحفيظ التأكيدي بذلك وفي هذا الإطار تم عقد اتفاقات شراكة بين الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية  و وزارة الداخلية في إطار ما يسمى الحسابات الكبرى[8]   من أجل الحد من هذه العراقيل  إذ  تم إبرام اتفاقية شراكة مع وزارة الداخلية بتاريخ 22/09/2011 تم تمديد العمل بها بتاريخ مارس 2013 وذلك لسنتين، ونظرا للنتائج الايجابية المحققة في هذا الصدد فقد تمت المصادقة على اتفاقية جديدة بتاريخ يوليوز 2015 شرع العمل بها لمدة خمس سنوات ، ذلك أن تفعيل هذه الاتفاقيات من شأنه الحد من العراقيل التي قد  تواجه المسطرة الخاصة بالتحديدات الإدارية لأراضي الجموع  ،وفي هذا الإطار تم عقد اجتماعات دورية من أجل التداول حول هذه العراقيل واتخاذ حلول إما عن طريق تحفيظها، أو إرسالها إلى المحكمة للبث في هذه التعرضات إن وجدت.

ثانيا:وجوب تقديم مطلب التحفيظ التأكيدي داخل أجل معين

لقد حدد المشرع  المغربي في القانون 63.17 المتعلق بالتحديد الإداري لأراضي الجموع خاصة المادة 10 منه أجل ثلاثة أشهر من انتهاء أجل تقديم التعرضات لتقديم مطلب التحفيظ التأكيدي ، وأن هذا المطلب بقي خاضعا للإجراءات المسطرية العادية في قواعد التحفيظ العقاري 12 غشت 1913 المعدل و المتمم ب 14.07 الصادر في  2011 فيما يخص تقدم مطلب التحفيظ التأكيدي.

ويستفاد من هذا النص أن المتعرض لإبراز جديته في التعرض ينبغي أن يقدم مطلب التحفيظ التأكيدي وعلى نفقته، خلال ثلاثة أشهر لانتهاء أجل التعرض تحت طائلة عدم قبول تعرضه ويبقى الأجل المحدد في الفصل أعلاه ذا علاقة مباشرة بحقوق كل من يدعي حقا له على العقار الذي تجري بشأنه مسطرة التحديد الإداري ،ذلك أن هذا الأجل هي أجال معينة وليست كاملة كما جاءت في بعض نصوص قانون المسطرة المدنية والتي تكون في إطارها أجال الطعن كاملة ، لذلك فإن  القاضي يقضي بسقوط حق المتعرضين الذين لم يودعوا مطالب التحفيظ التأكيدية بعد انصرام الأجل المحدد للتعرض الذي جعل من انصرامه انعدام حقوق من له حق ولم يعرف به داخل الأجل .

وبالتالي ليس هناك مستجد في هذا الإطار مقارنة بما كان ينص عليه ظهير 18 فبراير 1924 المتعلق بالتحديد الإداري لأراضي الجموع ،إذ أن هذه الآجال هي أجال سقوط تخدم بشكل أو بأخر طالبة التحديد الإداري المتمثلة في وزارة الداخلية ، حيث  أن فوات هذه الآجال دون تسجيل تعرضات تجعل من التحديد الإداري نهائيا ويحفظ العقار وفق مسطرة خاصة ، بخلاف المتعرض الذي يكون له حقا على العقار سجلها أثناء التحديد الإداري إلا أنه لم يتمكن لسبب ما من تقديم مطلب التحفيظ التأكيدي في الأجل المحدد ،وهو ما يقع في الواقع العملي نظرا لجهل أغلب المواطنين لهذه الإجراءات المسطرية .

ومثل هذه الحالة عمل المشرع المغربي على تنظميها في إطار ظهير التحفيظ العقاري 12 غشت المعدل و المتمم ب 14.07 الصادر في 2011 ، والمبنية على قاعدة تقديم التعرضات داخل  الأجل المحدد ، إذ  أعطى إمكانية من لم يستطع تقديم تعرضه داخل الأجل من تقديم تعرض استثنائي وفق ضوابط و شروط معينة واردة على سبيل الحصر[9]  لكن المشرع المغربي حسم الأمر في الفقرة الأخيرة من المادة 10 من قانون 63.17  إذ قطع مع كل  تعرض استثنائي في هذا الجانب .

 

ثالثا: وجوب أداء مصاريف التعرض من طرف طالب التحفيظ التأكيدي

لقد نص المشرع المغربي في الفقرة الأولى من المادة 10 من قانون 63.17  المتعلق بالتحديد الإداري لأراضي الجموع على أنه ” كل تعرض طبقا للكيفية المنصوص عليها في المادة 6 و 9 أعلاه لا ينتج أي أثر إلا إذا تقدم المتعرض على نفقته بمطلب تحفيظ تأكيدي لدى المحافظة العقارية المختصة …”  لكن هذا الأمر كان يطرح إشكالا في ظهير 18 فبراير 1924 نظرا لغموضه، خاصة الفصل 6 لأن المشرع المغربي هنا في هذا المقطع  كان يتحدث عن طلب تقييد وليس التعرض الشيء الذي كان يطرح خلافا بين المحافظات العقارية إلى أن صدرت مذكرة من المحافظ العام[10] حسمت الخلاف وعملت على توحيد العمل  الإداري حيت نصت على ما يلي  “ألفت انتباهكم إلى أن المشرع لم ينص على مقتضيات خاصة متعلقة برسوم المحافظة العقارية والمستحقات على طلبات إيداع مطالب التحفيظ التأكيدي للتعرضات المصرح بها ضد مساطر التحديد الإداري لأراضي الدولة والجماعات السلالية”. الشيء الذي يؤكد على أن نفقات مطلب التحفيظ التأكيدي على طالب التحفيظ التأكيدي والملاحظ أن هذه المذكرة أحالت على هذا المرسوم المتعلق بتسجيل التحفيظ الاختياري ولم تحل على الفقرة المتعلقة بإيداع مطالب التحفيظ في حالة التحفيظ الإجباري.

ولهذه المذكرة ما يبررها فهي من جهة تطبق المبدأ الذي يقضي بأنه في حالة عدم وجود نص خاص يتم اللجوء إلى القواعد العامة، وهو ما يستفاد من تعليل هذه المذكرة أيضا ومن جهة أخرى،عدم التحديد التشريعي لطبيعة مطالب التحفيظ التأكيدية، والذي استمرت آثاره حتى بالنسبة لهذه الرسوم كذلك

لكن المشرع حسم الأمر في القانون الجديد وأصبح على طالب التحفيظ التأكيدي أداء هذه النفقات حتى يكون إجرائه صحيحا حيث أن تلك المطالب تظل خاضعة للقواعد العامة لأداء الرسوم المتعلقة بإيداع مطالب التحفيظ المنصوص عليها في الرسوم المتعلقة بتحديد تعريفة رسوم المحافظة العقارية[11].

وعليه أصبح إقرار مجانية التحفيظ، ضرورة مؤكدة بالنسبة للأشخاص الذين يودعون مطالب التحفيظ التأكيدية، لتعرضهم على التحديدات الإدارية لأن الإجبارية والإلزامية ينبغي أن تلازمها المجانية، خاصة وأنه يعمل بها في بعض المساطر كما هو الشأن بالنسبة لمطالب التحفيظ العقارية التي تقع داخل قطاعات الضم ومناطق فتح التحفيظ الإجباري أو على الأقل إيداع هذه المطالب بدون الرسوم، إذا كان طالب التحفيظ هو الحائز لاسيما أن الملف سيحال على القضاء للنظر في استحقاق الملكية.

 ثالثا: التعرض ضد مطالب التحفيظ التأكيدية

إن كل متعرض على مسطرة التحديد الإداري لأراضي الجموع داخل الأجل القانوني ألزمه المشرع المغربي بتقديم تعرضه عن طريق تقديم مطلب تحفيظ تأكيدي لدى المحافظة العقارية المختصة وفق الإجراءات المسطرية العادية لقانون التحفيظ العقاري 12 غشت 1913 المعدل و المتمم ب  14.07 ،كل هذا يجعلنا نتساءل هل يجوز قبول التعرضات ضد مطالب التحفيظ التأكيدية للتعرضات المقدمة داخل الأجل المحدد ما دامت هذه الأخيرة تعتبر مطالب عادية ؟

إن الإجابة عن هذا التساؤل تقتضي منا البحث في مقتضيات قانون التحديد الإداري لأراضي الجموع 63.17  وخارجه ،حول وجود مقتضيات قانونية تجيز التعرض على مطلب التحفيظ التأكيدي، ذلك أنه من خلال بحثنا في هذا القانون لم  نجد أي مقتضى قانوني لا سواء في ظهر 18 فبراير 1924 المنسوخ أو في القانون الجديد يجيز التعرض على هذا المطلب الشيء الذي جعل الخلاف الفقهي يحتدم بين فريقين مختلفين حول هذه المسألة منهم من يعتبر هذا المطلب تعرض عادي ولا يجوز التعرض على التعرض، ومنهم من يرى هذا المطلب مطلب عادي يجوز التعرض عليه وقد كان لهذا النقاش الفقهي تأثير حتى على مستوى المحافظات العقارية، بخصوص إمكانية قبول هذه التعرضات من عدمه، ولحسم هذا الخلاف صدرت دورية عن السيد المحافظ العام [12]عن مدى استجابة المقتضيات القانونية والمنصوص عليها في ظهير التحفيظ العقاري على أساس أن يتم في مواجهة طالب التحفيظ وليس في مواجهة جهة التحديد الإداري، وذلك بناء على المعطيات التالية:

أولا: أن الآجال المنصوص عليها في كل من ظهير 3 يناير 1916 أو ظهير 18 فبراير 1924 وضعت لحماية الجهة طالبة التحديد الإداري، أما التعرض ضد مطالب التحفيظ التأكيدية فتكون في مواجهة طالب التحفيظ.

ثانيا: أن المشرع بمقتضى نظام التحفيظ العقاري لا يمكن للمتعرض الذي حكم القضاء بصحة تعرضه ضد مسطرة التحفيظ العقاري في إطار المسطرة العادية، أن يسمح للمحافظ بإمكانية قبول التعرضات ضد مطلب التحفيظ الذي يمكن أن يتقدم به طبقا للفصل 37 من ظهير التحفيظ العقاري 12 غشت 1913 المعدل و المتمم ب 14.07 خلال أربعة أشهر من تاريخ نشر خلاصة المطلب وقياسا على ذلك فإن المشرع لا يمكن أن يذهب في منحى حماية المتعرض ضد مسطرة التحديد الإداري من إمكانية تقديم التعرضات ضد مطلب التحفيظ التأكيدية المقدم من طرفه.

ثالثا: غياب ما يمنع قبول التعرضات ضد مطالب التحفيظ التأكيدية في الظهيرين أعلاه، كما أنهما لم يتطرقا لإجراءات خاصة تطبق بالنسبة لتلك التعرضات مما يستفاد معه أنها خاضعة للقواعد المسطرية العادية للتحفيظ لما في ذلك من إمكانية قبول التعرضات.

خلاصة القول في هذا المبحث أن الوضع الحالي الذي عليه مسطرة التحديد الإداري لأراضي الجموع لا يساعد على تسريع التعرضات و يظهر ذلك من خلال وضع أجل ثلاثة أشهر كأجل لسقوط الحق إذ لم يتوجه بالتعرض خلال هذه المدة فإنه، لا يخدم السرعة المطلوبة في انجاز هذه العمليات نظرا لبطء الإجراءات وتعقيدها خلال المرحلة القضائية وهو ما يظهر بوضوح في مجموعة من الامتيازات التي منحتها الدولة للإدارة الوصية على حساب طالب التحفيظ التأكيدي وذلك على الشكل التالي.

المطلب الثاني: إعطاء الدولة امتيازات عند البث في مسطرة التعرض خلال المحلة القضائية 

إن التعرض على مطلب التحفيظ في إطار ظهير التحفيظ العقاري ينشئ دعوى تنشر أمام القضاء بعد إحالة الملف من قبل المحافظ على الملكية العقارية، فإن إعمال قواعد الإثبات السالفة الذكر أمر واجب، وبعدما تناوله المشرع المغربي في الفقرة الثانية من الفصل 25[13] والفقرة الأولى من الفصل 32 [14]من ظهير التحفيظ العقاري 12 غشت 1913 المعدل و المتمم بقانون 14.07 الصادر في نوفمبر 2011 ،حيث تحدد الأولى منها المتحمل لعبئه وتفرض الثانية زمنا محددا لتقديم وسائله، إذ تم تقرير وضع إثبات البينة على كامل المتعرض الذي يعتبر بمثابة مدعي ويجب عليه بالتالي إثبات صحة ادعائه حتى ولو كان هو الذي يحوز العقار[15].

وإذا كان ما سبق ذكره يتعلق بالإجراءات الواجب إتباعها من قبل المتعرض في إطار قواعد التحفيظ العقاري المضمنة في ظهير 12 غشت 1913 المعدل و المتمم  بـــقانون14.07 الصادر في 2011، فإن العكس في إطار التعرض على التحديد الإداري حيث منح المشرع المغربي امتيازات إيجابية عند عرض النزاع على القضاء ،(الفقرة الأولى) وإن كان من الواجب إعمال قواعد إثبات التالية للفصل في هذا النزاع (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الامتيازات الممنوحة للدولة عند عرض النزاع على القضاء

من خلال استقرائنا لمقتضيات قانون 63.17 المتعلق بالتحديد الإداري لأراضي الجموع يتبن لنا انه منح مجموعة من الامتيازات  للدولة عند عرض النزاع على القضاء تتجلى في أن طالب التحفيظ  يعتبر في موقع المتعرض خلافا للقاعدة العامة التي  تضع عبء الإثبات على المتعرض بدل طالب التحفيظ ” أولا ” وإن كان ذلك ما يبرره” ثانيا” وذلك على الشكل التالي:

 أولا: طالب التحفيظ التأكيدي يعتبر في موقع المتعرض

إن التعرض في إطار قانون التحفيظ العقاري هي دعوى غالبا ما تحال إلى القضاء وهنا يكون المتعرض ملزما بالإثبات استنادا إلى الفقرة الثانية من الفصل25 من قانون 14.07، لأن المتعرض يأخذ وضع المدعي إذ يتوجب عليه إثبات ادعائه ولو كان هو الذي يحوز العقار في حين يأخذ طالب التحفيظ مركز المدعى عليه، حيث يعفى مبدئيا من الإثبات وتقديم الحجج والبراهين ما لم يقدم المتعرض بحجج أخرى.

أما فيما  يخص التعرض على مسطرة التحديد الإداري على  أراضي الجموع ،فإن المتعرض أو المتضرر من هذا التحديد ملزم بتقديم مطلب التحفيظ  كإجراء إجباري لتأكيد تعرضه، وقد أثير نقاش لإثراء الفكر القانوني العقاري حول الطبيعة القانونية لهذا المطلب حيث اعتبره البعض أنه تعرض عادي تطبق بشأنه القواعد الواردة من قانون التحفيظ العقاري14.07

فيما جانب أخر يرى عكس ذلك ،كما أثير النقاش حول الوضعية القانونية لصاحب هذا المطلب هل سيكون في مركز طالب التحفيظ وفقا لظهير التحفيظ العقاري والذي يكون فيه هذا الأخير في وضعية المدعى عليه ،ومن ثم يلقى على عاتق مديرية الشؤون القروية بوزارة الداخلية ،عبء الإثبات بصفتها مدعية ،أم أن هذه الأخيرة هي التي تحمل صفة المدعى عليه و يكون صاحب مطلب التحفيظ التأكيدي هو المدعي الذي يلقى عليه عبء الإثبات.

وبالرجوع إلى قانون 63.17 المتعلق بالتحديد التحديد الإداري لأراضي الجموع   نجد أن المشرع المغربي نظم هذه المسألة  حيث وضع صاحبة التحديد الإداري في مركز المدعي عليه، وصاحب مطلب التحفيظ التأكيدي في مركز المدعي المتعرض.[16] كل هذا يجعلنا نبحث عن المبررات التي جعلت المشرع المغربي يعطي هذا الامتياز لوزارة الداخلية عند البث في هذه النزاعات المثارة أمام القضاء فكيف ذلك؟

ثانيا: مبررات إعطاء الدولة وضعية امتياز في النزاعات الناتجة عن التعرضات الناتجة عن التحديد الإداري الأراضي الجموع

إذا كانت ممارسة هذا الحق يجعلنا نصطدم بواقع وجود إجراءات معقدة ومكلفة ماديا والتي لا يستوعب كنهها  إلا بعض المتخصصين في المجال العقاري فبالأحرى أن يتم استيعابها من قبل المعنيين بالأمر وهم في الغالب فلاحون يجهلون قواعد التحديد الإداري خصوصا فيما يتعلق بقواعد الإثبات، ومن هنا يبرر الهدف من هذه الإجراءات المعقدة  ألا وهو تحقيق أغراض استعمارية عقارية نظرا لانتشار الأمية داخل المجتمع المغربي إبان تلك الحقبة من تاريخ المملكة  حيث كانوا لا يستطيعون تقديم مطالب التحفيظ التأكيدية لتعرضهم على مسطرة التحديد الإداري وما يترتب عنه من مصاريف، وبالتالي فإن وضع المتعرض في إطار التحديد الإداري لأراضي الجموع يبقى في وضع الوسط بين طالب التحفيظ والمتعرض، وهكذا استغلت السلطات الاستعمارية هذه الوضعية للاستحواذ والاستيلاء على أجود الأراضي المملوكة للفلاحين المغاربة.

لكن إذا كان هذا التبرير يمكن التسليم به خلال فترة الاستعمار الفرنسي فهل يمكن الأخذ به الآن خاصة وأن المغرب حصل استقلاله الإداري والسياسي منذ سنة 1956 ؟.

إن الإجابة على هذا المقتضى والمتعلق بالبحث في مبررات إعطاء الإدارة وضعية امتياز خلال مسطرة التعرض بواسطة مطلب تحفيظ تأكيدي، يقتضي البحث في المبرر داخل قانون 63.17 المتعلق بالتحديد الإداري  لأراضي الجموع الصادر في  26 غشت 2019 والبحث كذلك خارجه ذلك أن بقاء مديرية الشؤون القروية بوزارة الداخلية باعتبارها الجهاز الوصي على هذه الأنظمة العقارية، يرجع سبب اعتراف المشرع المغربي له بهذه المكانة هو إخضاعه لمقتضيات قانونية تتميز بها الأموال العامة وهي قواعد الحماية الثلاثية المقررة لهذه الأنظمة العقارية والتي يمكن حصرها في:

  • قاعدة عدم جواز التصرف في الجموع:

هناك تطابق في الحماية المقررة لأراضي الجموع والأملاك العمومية[17] ومرد ذلك إلى أن الأموال التي تتوفر عليها الدولة سواء كانت منقولات أو عقارات تكون مخصصة لانتفاع الجمهور أو تسيير المرافق العمومية أو تكون موضوع تعامل ببيع أو شراء أو رهن أو إيجار وغيرها من التصرفات الخاضعة للقانون المدني[18] ذلك أن المتصرف في المال المرتبط بحق الملكية لا يمكن التصرف في أراضي الجموع ،بموجب السلطات الثلاث مرتبطة بحق الملكية من استغلال واستعمال وتصرف إلا استثناء وفق إجراءات ومساطر تخص الإدارة المعنية دون غيرها.

  • قاعدة عدم تملك أراضي الجموع بالتقادم

تعتبر هذه القاعدة نتيجة حتمية لعدم جواز التصرف في الأنظمة العقارية ما دامت هذه العقارات لا يجوز اكتساب ملكيتها بالتقادم[19]، وهذه القاعدة تؤدي إلى حماية الأنظمة العقارية السالفة الذكر من التعدي عليها اعتمادا على سبب من الأسباب المقررة في القانون لكسب الملكية حيث يكثر في الواقع اعتداء الأفراد عمدا أو خطأ على أراضي الجموع ويضعون أيديهم عليها لمدة طويلة ثم يدعون ملكيتها عملا بأحكام التقادم.

  • قاعدة عدم الحجز على أراضي الجموع

تعتبر هذه القاعدة نتيجة حتمية منطقية للمبدأين السابقين، فمتى تقرر أنه لا يجوز التصرف في أراضي الجموع، فيما لا يتعارض مع تخصيصه.للمصلحة العامة وأنه لا يجوز كسبه بالتقادم، وصفوة القول أنه لا يجوز الحجز على هذا النظام العقاري، فالمبدآن الأولان إنما تقررا من أجل منع التصرفات الرضائية لأراضي الجموع ،أما المبدأ الثالث فقد منع البيع الجبري عليه.

والحجز يتقرر عادة على بعض الممتلكات والأموال لضمان استيفاء الحقوق أو الديون الثابتة المستحقة وينتهي الحجز ببيع أموال المدين جبرا عن طريق البيع القضائي.

كل هذه الأسباب جعلت المشرع المغربي يعطي للإدارة الوصية هذا الامتياز، وهذه الوضعية المتميزة فيما يخص الإثبات ،وإن كان على المشرع المغربي أن يعمل على ترجيح الحجج عند البث في النزاعات المعروضة عليه فيما يخص التعرض على التحديد الإداري، وتفعيل مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 3 من مدونة الحقوق العينية[20] فيما يخص الحجج وترجيحها كل هذا يجعلنا نبحث عن القرينة التي تعتمدها الدولة في التعرف على العقارات الخاضعة لها، وهو ما ستناوله في المطلب الثاني.

 الفقرة الثالثة :القرينة التي تعتمدها الدولة في التعرف على أراضي الجموع

هناك عدة قرائن اعتمدها المشرع المغربي كوسيلة إثبات يعتمدها القضاء عند البت في هذا النزاع والمتمثلة في:

أولا- الحيازة:

لا أرى حاجة للخوض في كل التفاصيل القانونية والحقوقية للحيازة فقد حسمت فيها مدونة الحقوق العينية من خلال المادة 246 : “لا تقوم الحيازة ولا يكون لها أثر إذا ثبت أن أصل مدخل الحائز غير ناقل للملكية ولا يحق لواضع اليد أن يغير بنفسه لنفسه سبب وضع اليد على الملك محل ادعاء الحيازة ولا الأصل الذي تقوم عليه

ونصت المادة 261 من مدونة الحقوق العينية على أنه: “لا تكتسب بالحيازة:

  • أملاك الدولة العامة والخاصة.
  • الأملاك المحبسة.
  • أملاك الجماعات السلالية.
  • أملاك الجماعات المحلية.
  • العقارات المحفظة، الأملاك الأخرى المنصوص عليها صراحة في القانون“.

فمؤدى ما تعنيه هذه المقتضيات من جهة أولى هو أن الحيازة بمعنى وضع اليد تحدد مراكز أطراف النزاع في الإثبات ،وبناء عليها يحتل من ينازع الحائز العقار مركز المدعي الملزم بإثبات استحقاقه للمدعى فيه، سواء من كان ينازع الحائز طالبا للتحفيظ أو متعرضا وبالأحرى إذا كان مدعيا في الدعاوى العادية للاستحقاق، كما يعني أن من جهة ثانية أن الحائز وإن استوفت حيازته الشروط القانونية فإن حيازته لا تلزم هذه الجهة التي أقر المشرع المغربي عدم اكتساب أملاكها بالحيازة، فهل يعني ذلك أن هذه الجهات معفية من كل إثبات

وإذا تمعنا في خصوصية النزاعات التي تثار أمام المحاكم، فإن هناك اعتبار قانوني يتجلى في تعدد النصوص القانونية المنظمة لأراضي الجموع، وتناقض أحكامها مع بعض العادات والأعراف السائدة داخل الجماعات السلالية ،وفي حالات أخرى عدم ملائمة مقتضياتها لبعض القوانين الموضوعية والإجرائية[21].

ثانيا- إثبات الصبغة الجماعية للأراضي السلالية

إن اكتساب الصبغة الجماعية يكون إما عن طريق تحفيظ العقار ووضع رسم عقاري له في اسم الجماعة، وإما عن طريق وضع تحديد إداري له من طرف مصالح وزارة الداخلية يضفي على الأراضي المحددة إداريا صبغتها الحمائية[22]، إذ أن تعيين الصبغة الجماعية يعد مدخلا أساسيا لتحديد طبقة الوعاء العقاري موضوع الدعوى ،وبالتالي تحديد النظام القانوني المطبق ومدعاة الخصوصيات المنصوص عليها[23].

وفي هذا الإطار وجه السيد وزير الداخلية رسالة عدد 4292 بتاريخ 24 شتنبر 1992 إلى السيد وزير العدل بخصوص النصوص القانونية المنظمة للأراضي الجماعية، جاء فيها ما يلي: “ونظرا لما لهذه الملكية من أهمية فقد خصصها المشرع بعدة نصوص قانونية تميزت بثلاث قواعد أساسية هي عدم قابلية الملك الجماعي للتفويت وعدم قابليته للحجز وعدم قابليته للتقادم، ورغم أن هذه المبادئ الثلاثة مرمي في مجملها إلى توفير الحماية القانونية للملك الجماعي فإنه يلاحظ من خلال تتبع العديد من القضايا الجماعية المطروحة على المحاكم أن السادة القضاة تنفي الصبغة الجماعية على عقارات تثبت الحيازة الطويلة لها من طرف الجماعات على أنها أملاك جماعية “.

وتأتي هذه الرسالة في ضوء المقتضيات المادة 4 من ظهير 27 أبريل 1919 الذي تم تعديله بواسطة ظهير 6 فبراير 1963 الذي جاء في فقرته الأولى والثانية ما يلي: “إن الأراضي الجماعية غير قابلة للتقادم ولا التفويت ولا الحجز ……”،وهذا المقتضى  أقرته المادة 261 من مدونة الحقوق العينية[24] و المادة 15 من قانون 62.17  المتعلق بالوصاية الإدارية على الجماعات السلالية الصادر في 9 غشت 2019

ويعتبر دور القضاء دور محوري في المسألة المتعلقة بتعليل الصبغة الجماعية للعقار وسنده في ذلك العديد من المقتضيات القانونية المنظمة في ظهير التحفيظ العقاري.

خاصة المادة 34 من قانون التحفيظ العقاري 14.07،الذي ينص على القيام بجميع إجراءات التحقيق المسطرية الواردة في قانون المسطرة المدنية سواء في المرحلة الابتدائية أو في مرحلة الاستئناف[25] ومناقشة الحجج من أجل إثبات الصبغة الجماعية للأراضي السلالية.

ذلك أن إثبات الصبغة الجماعية تتم بكل الطرق القانونية ومنها التحقيق عملا بالفصلين 34 و43 من ظهير التحفيظ العقاري والتحقيق المقصود بذلك هو الذي تقوم به المحكمة بعين المكان وليس المكتب.

ثالثا:إثبات استغلال الدولة للأراضي السلالية

إن المقصود بالتصرفات الواردة على الأملاك الجماعات السلالية وليس هو بيان أوجه استغلال هذه الأٍراضي في الفلاحة ،أو الرعي، أو المقالع ،أو الأنشطة الاقتصادية الأخرى، أو إحداث استمارات تجارية ،أو صناعية، أو سياحية في عملية التقسيم باعتبارها الآلية التي تمكن أفراد الجماعة السلالية من الانتفاع بهذه الأٍراضي، والكراء الذي يسمح باستغلال هذه الأراضي، أو استغلال المقالع فيها ،أو إحداث استمارات تجارية ،أو صناعية أو سياحية فيها، كما يمكن أن تكون هذه الأراضي موضوع تفويت لفائدة الهيئات العمومية المنصوص عليها في قانون  62.17 المتعلق بالوصاية الإدارية على أراضي الجموع  كما سبق الذكر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خاتمة:

من خلال تحليل ما سبق، يتبين لنا أنه رغم صدور القانون 63.17 المتعلق بالتحديد الإداري لأراضي الجموع في  26 غشت 2019  والذي نسخ ظهير 18 فبراير 1924 فإن هناك مجموعة من الإشكاليات لا زالت تطرح في هذا القانون الذي يعد كآلية لتصفية الوعاء العقاري للدولة إذ لم يلغي اختصاص السلطة المحلية في قبول التعرضات انسجاما مع المستجدات التي جاء بها ظهير التحفيظ العقاري 12 غشت 1913 المعدل و المتمم ب قانون 14.07 الصادر في نوفمبر 2011، كما لم يحسم في الانتقادات التي كانت موجهة لتركيبة لجنة التحديد الإداري خاصة فيما يتعلق حول إشراك أطر قانونية وقضائية في تشكيلتها  بالإضافة إلى عدم النص على إجبارية التحفيظ عند المصادقة على مرسوم التحديد الإداري من طرف رئيس الحكومة .

وعليه من أجل تجاوز هذه الإشكاليات، وجب على المشرع تعديل قانون 63.17 في أقرب فرصة ممكنة وذلك بإدخال التعديلات التالية :

1:ضرورة النص على إجبارية التحفيظ العقاري بعد المصادقة على مرسوم التحديد الإداري لأراضي الجموع حتى نحد إلى حد ما من سلبيات الاختيارية وما تساهم به في عدم تعميم نظام التحفيظ العقاري.

2:إعادة النظر في تركيبة لجنة التحديد الإداري المتعلق بأراضي الجموع عن طريق إسناد رأستها لقاضي أو لمحافظ عقاري مع تعزيز هذه التشكيلة بأطر قانونية تساهم في تسريع مسطرة التحديد الاداري

3 :إتاحة إمكانية التعرض على مطالب التحفيظ التأكيدية بخصوص التحديد الاداري بنص صريح ما دام الأمر يرتبط بالأغيار ولا مساس له بحقوق الجماعات السلالية ولا يساهم في تأخير المسطرة .

4 :النص بشكل صريح على مجانية تقديم مطلب التحفيظ التأكيدي تيسيرا لطالب التحفيظ التأكيدي ومساواته مع الإدارة الوصية في هذا الشأن .

كل هذا من شأنه الحد من هذا الإشكاليات، والمساهمة في تفعيل هذه المسطرة وتطبيقها على أحسن وجه ، والتي تعد كإحدى الآليات القانونية الضرورية لتصفية الوعاء العقاري للدولة حتى يكون جاهزا لاستعماله في المشاريع الاستثمارية الكبرى.

 

 

لائحة المراجع :

الكتب

حياة البجدايني، “قضاء محكمة النقض في منازعات أراضي الجماعات السلالية“، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، طبعة 2017

منية بلمليح، “قانون الأملاك العمومية بالمغرب“، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية – سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، الطبعة الأولى 2009

مأمون الكزبري، “التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية“، مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء 1987

الرسائل الجامعية  :

لبيب نبيل:  انعكاس إجبارية التحفيظ العقاري على السياسة العقارية بالمغرب دراسة تقيمية . أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص مختبر الدراسات في الطفل و الأسرة و التوثيق  جامعة سيدي محمد بن عبد الله  كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية فاس السنة الجامعية 2019.2020

المقالات العلمية  :

حمداش عمار: اختناق التحولات بالأراضي الجماعية بهوامش الغرب مجلة البادية المغربية الماضي و الحاضر . مجلة المستقبل. العدد الأول 2006

سمير أيت  أرجدال، “خصوصية المنازعات العقارية المتعلقة بأراضي الجموع، جهة الشاوية ورديغة نموذجا“، مجلة الحقوق المغربية، سلسلة الأنظمة والمنازعات العقارية، الإصدار الأول يناير 2010

عبد الوهاب رافع، “أراضي الجموع بين التنظيم والوصاية” المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى 1999

نور الدين العسري : التعرض الاستثنائي الإشكاليات و الأفاق ، مساهمة في الندوة الجهوية الخامسة حول النزعات العقارية من خلال اجتهادات المجلس الأعلى أبريل 2007

النصوص القانونية والتنظيمية

قانون 38.08  المتعلق بالحقوق العينية الصادر بالظهير الشريف رقم 178 المؤرخ   في 22 نوفمبر 2011، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 24 نوفمبر 2011، ص 5587

قانون 63.17 الصادر في الجريدة الرسمية بمقتضى ظهير شريف 1.19.116 الصادر في 7 ذي الحجة 1440 الموافق ل 9 غشت 2019 و المنشور في الجريدة الرسمية عدد 6807 بتاريخ 26 غشت 2019

ظهير فاتح يوليوز 1914 المتعلق بالأملاك العمومية

ظهير رقم 07-14 المغير والمتمم بمقتضى ظهير شريف الصادر في 9  رمضان 1331 الموافق لــ 12 غشت 1913 الصادر بتنفيذ قانون رقم 1.11.177 في 25 ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011) الجريدة الرسمية رقم 5698 بتاريخ 27 ذي الحجة 1432 (21 يونيو 2011)

مرسوم 2.97.358 المتعلقة بتحديد تعريفة رسوم المحافظة العقارية – المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4495 بتاريخ 3 يناير 1997. الذي عدل وتمم بمرسوم  رقم 2.16.375  صادر في 13  شوال 1437 الموافق ل 18 يوليوز 2016 صادر بالجريدة الرسمية عدد 6484 بتاريخ 16 شوال 1437 الوافق ل 21 يوليوز 2016

مذكرة المحافظ العام رقم – 4145/0 بتاريخ 24 نونبر 2000

دورية المحافظ العام عدد 381 الصادرة بتاريخ 08  دجنبر 2010

ملحق الخاص بتتبع ومعالجة المطالب والتحديدات الإدارية للحسابات الكبرى

 

 

 

 

 

 

 

[1]– حمداش عمار: اختناق التحولات بالأراضي الجماعية بهوامش الغرب مجلة البادية المغربية الماضي و الحاضر . مجلة المستقبل. العدد الأول 2006 ص 80.

[2]– وهو ما نصت عليه المادة 1 من قانون 63.17 الصادر في الجريدة الرسمية بمقتضى ظهير شريف 1.19.116 الصادر في 7 ذي الحجة 1440 الموافق ل 9 غشت 2019 و المنشور في الجريدة الرسمية عدد 6807 بتاريخ 26 غشت 2019

[3]– تنص المادة 10 من قانون 63 .17 الصادر في 26 غشت 2019 على ما يلي” كل تعرض قدم طبقا للكيفية المنصوص عليها في المادتين 6 و 7 أعلاه لا ينتج أي أثر إلا إذا تقدم المتعرض على نفقته بمطلب تحفيظ تأكيدا للتعرض لدى المحافظة العقارية المختصة وذلك خلال الثلاثة اشهر الموالية لانقضاء الاجل المحدد لتقديم التعرضات “

[4]– للتوسع في هذا النقاش  الفقهي الرجوع إلى أحمد الداودي ارتباط نظام التحفيظ العقاري بالأنظمة العقارية مساهمة في أعمال الندوة الوطنية حول التحفيظ العقاري بالمغرب مركز الدراسات القانونية و الاجتماعية مراكش 2008 ص 253

[5]– ينص الفصل 5 من ظهير 18 فبراير 1924 “أما المعارضون فزيادة  عمالهم من الحق في تقديم تعرضهم في نفس المكان إلى اللجنة يعطى لهم أجل ستة أشهر ابتداء من نشر  ما ذكر  من إيداع  التقرير في الجريدة الرسمية  لكي يقدموا  إلى النائب المحلي عن حكومة المراقبة  تصريحا  كتابيا  يضمنون فيه  موضوع اعتراضهم والحجج المستند عليها  في ذلك”

[6]– لبيب نبيل:  انعكاس إجبارية التحفيظ العقاري على السياسة العقارية بالمغرب دراسة تقيمية . أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص مختبر الدراسات في الطفل و الأسرة و التوثيق  جامعة سيدي محمد بن عبد الله  كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية فاس السنة الجامعية 2019.2020 ص 24

[7]– قرار رقم  350 صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 2013 .06.25  غير منشور

[8]– يقصد بالحسابات الكبرى مجموع الأملاك العقارية التي تندرج داخل الرصيد العقاري الخاص والعام للدولة الأراضي الجماعية، الأحباس، الجماعات الترابية أو تلك العقارات التي تعود ملكيتها للأشخاص الاعتبارية للمنفعة العامة أو لتسيير المرفق العام سواء كانت خاضعة أم لا لاتفاقيات بين هذه الجهات وبين الوكالة ولا يستثنى كذلك العقارات التابعة للقطاع الخاص الفاعل في مجالات التهيئة التعمير والإنعاش العقاري.

لتوضيح أكثر الرجوع إلى عقد برنامج معالجة وتصفية المطالب العالقة والعمليات اللاحقة برسم سنة 2017 ملحق “الخاص بتتبع ومعالجة المطالب والتحديدات الإدارية للحسابات الكبرى”، ص 1

 

[9]– نور الدين العسري : التعرض الاستثنائي الإشكاليات و الأفاق ، مساهمة في الندوة الجهوية الخامسة حول النزعات العقارية من خلال اجتهادات المجلس الأعلى أبريل 2007  ص 186

[10]– مذكرة المحافظ العام رقم – 4145/0 بتاريخ 24 نونبر 2000.

[11]– مرسوم 2.97.358 المتعلقة بتحديد تعريفة رسوم المحافظة العقارية – المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4495 بتاريخ 3 يناير 1997. الذي عدل وتمم بمرسوم  رقم 2.16.375  صادر في 13  شوال 1437 الموافق ل 18 يوليوز 2016 صادر بالجريدة الرسمية عدد 6484 بتاريخ 16 شوال 1437 الوافق ل 21 يوليوز 2016

[12] راجع حول هذه التبريرات دورية المحافظ العام عدد 381 الصادرة بتاريخ 08 دجنبر 2010

[13]– تنص الفقرة الثانية من الفصل 25  من ظهير 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري ” يجب على المتعرضين أن يودعوا السندات و الوثائق المثبة لهويتهم و المدعمة لتعرضهم و يؤدوا الرسوم القضائية و حقوق المرافعة أو يدلوا بما يفيد حصولهم على المساعدة القضائية وذلك قبل انصرام الشهر الموالي لانتهاء أجل التعرض”

[14]– تنص الفقرة الأولى من الفصل 32 من ظهير 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري” يعتبر التعرض لاغيا وكأن لم يكن , إذا لم يقدم المتعرض خلال الأجل المنصوص عليه في الفصل 25 من هذا القانون , الرسوم و الوثائق  المؤيدة لتعرضه , ولم يؤد الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو لم يثبت حصوله على المساعدة القضائية “

[15]– مأمون الكزبري، “التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية“، مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء 1987، ص 37.

[16]– وإن كان المشرع المغربي قد نص ذلك صراحة من خلال مقتضيات المادة 11 من قانون 63.17 المتعلق بالتحديد الإداري لأراضي الجموع الصادر في 26 غشت 2019 حيث نص “يقع عبء الإثبات على طالب التحفيظ بصفته متعرضا على عملية التحديد الإداري

[17]– المادة 4 من ظهير فاتح يوليوز 1914 المتعلق بالأملاك العمومية”لايقبل التفويت بالأملاك العمومية و لا تسقط حقوق الملكية فيها بمضي الزمان

[18]– منية بلمليح، “قانون الأملاك العمومية بالمغرب“، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية – سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، الطبعة الأولى 2009، ص 123.

[19]– منية بلمليح، نفس المرجع ص 125.

[20]جاء  في الفقرة الأولى من المادة 3 من مدونة الحقوق العينية والتي تنص “يترتب عن الحيازة المستوفية للشروط القانونية اكتساب الحائز ملكية العقار غير المحفظ, أو أي حق عيني آخر يرد عليه إلى أن يثبت العكس.”

[21]– سمير أيت أ رجدال، “خصوصية المنازعات العقارية المتعلقة بأراضي الجموع، جهة الشاوية ورديغة نموذجا“، مجلة الحقوق المغربية، سلسلة الأنظمة والمنازعات العقارية، الإصدار الأول يناير 2010، ص 129.

[22]– عبد الوهاب رافع، “أراضي الجموع بين التنظيم والوصاية” المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى 1999 ص 81.

[23]– حياة البجدايني، “قضاء محكمة النقض في منازعات أراضي الجماعات السلالية“، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، طبعة 2017، ص 15.

[24]– صدر قانون 38.08 الظهير الشريف رقم 178 المؤرخ في 22 نوفمبر 2011، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 24 نوفمبر 2011، ص 5587.

[25]– لتوسع في هذه النقطة الرجوع إلى : حياة البجدايني، م س، ص 17 و 18.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى