طرق الطعن وفق قانون المسطرة الجنائية – احمد ايت الاشقار – الحسين دكاير
الإسم الكامل: احمد ايت الاشقار
طالب باحث بسلك الماستر، تخصص قانون الأعمال وآليات تسوية المنازعات، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ايت ملول – جامعة ابن زهر، أكادير.
الإسم الكامل: الحسين دكاير
طالب باحث بسلك الماستر، تخصص قانون الأعمال وآليات تسوية المنازعات، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ايت ملول – جامعة ابن زهر، أكادير.
مقدمـــة:
إن المحاكم عند بتها في النزاع وإصدارها للأحكام، لا شك أن تكون هذه الأحكام في بعض الأحيان مشوبة بأخطاء ومخلة بالعدالة، وهذا ما يشكل خطورة ومساس بحقوق المتقاضين، لذلك سمح المشرع لهؤلاء الطعن في الأحكام وذلك باستعمال إحدى طرق الطعن التي نص عليها القانون.
يعد الطعن مكنة أوجدها المشرع لتدارك ما يمكن أن يمس بالاستقرار القانوني للمجتمع ووحدة تشريعه، ومراقبة قضائية عامة لتصحيح أحكام تعرضت للخطأ إما في الواقع الذي بنيت عليه، أو في القانون الذي لم يطبق تطبيقا سليما أو طبقت بكيفية مخالفة لروح المشرع، بناء على تفسير لم تراعى فيه قواعد التفسير القانونية[1].
إن اعتبار الحكم القضائي عنوانا للحقيقة وإضفاء صفة الحجية المطلقة عليه، يفرضان توفير الوسائل والضمانات التي تساعد على أن يكون مضمون الحكم مطابقا للواقع. وتتحقق بذلك العدالة التي تقتضي أن تكون الحقيقة القانونية التي يعلنها الحكم هي نفس الحقيقة والواقعية الواقعة في العالم الخارجي.
وطرق الطعن في الأحكام نظمها القانون احتياطا لتدارك ما قد يشوب هذه الأحكام من أخطاء.
وسبل الطعن المتاحة في التشريع المغربي في المادة الجنائية، منها ما ينشر القضية من جديد للدراسة والمناقشة بجميع عناصرها الواقعية والقانونية، وتسمى طرق الطعن العادية، ومنها ما لا يسمح فيه للطاعن إلا بإثارة وسائل خاصة ومحددة في القانون، وتسمى بالطرق غير العادية للطعن[2].
فما هي طرق الطعن العادية وغير العادية في المادة الجناية؟ وما هي إجراءاتها؟ ومن هم الأشخاص المخول لهم استعمال هذه الطعون؟ وما هي آثار هذه الطعون؟
وللإجابة على هذه الأسئلة عمدنا إلى تحليلها وفق مطلبين، يتعلق المطلب الأول بطرق الطعن العادية، في حين يتعلق المطلب الثاني بطرق الطعن غير العادية.
المطلب الأول: طرق الطعن العادية في المادة الجنائية
تعرف طرق الطعن العادية بأنها تلك الوسائل التي يمكن للمتقاضي استعمالها في مواجهة كافة المقررات الصادرة عن مختلف المحاكم، وعلى الرغم من شيوع هذا التعريف وترسخه في الفكر القانوني، فإن الصواب يستدعي التخلي عنه وتبني آخر أكثر دقة منه، ويستند هذا التعريف الثاني على معيار وحيد وهو مدى تحديد المشرع حصريا للحالات التي يمكن سلوك هذا الطريق فيها، وعى ضوء هذا المعيار يمكن تعريف طرق الطعن العادية بأنها تلك الطرق التي لم يحصر المشرع الأسباب التي يتعين الاستناد عليها لممارستها[3].
وبالتالي فطرق الطعن العادية في المادة الجنائية تتجلى في التعرض (الفقرة الأولى)، والاستئناف (الفقرة الثانية).
التعرض طريق من طرق الطعن العادية في القانون المغربي، ومن خصائصه أنه يسمح بنظر القضية من جديد –إن توافرت الشروط لذلك- أمام نفس المحكمة التي أصدرت الحكم المتعرض عليه[4].
ولتوضيح هذا الطريق من طرق الطعن العادية، ارتأينا إلى تحليله وفق ما يلي:
- أولا: الأحكام القابلة للتعرض ومن يحق له التعرض
- ثانيا: أجل التعرض وشكله
- ثالثا: آثار الطعن بالتعرض
أولا: الأحكام القابلة للتعرض ومن يحق له التعرض
فيما يتعلق بالأحكام القابلة للتعرض، تنص المادة 393 من قانون المسطرة الجنائية على أنه: “يجوز التعرض على الحكم الغيابي…”.
ومن خلال المادة المذكورة أعلاه يتبين لنا أن الأحكام التي يجوز الطعن فيها بالتعرض هي تلك الأحكام الصادرة غيابيا دون ما سواها، كما يكون ضد الأوامر القضائية[5].
وبناء على ما سبق يتبين لنا أن الحكم الحضوري أو بمثابة حضوري لا يجوز الطعن فيه بالتعرض بتاتا.
فالأحكام الغيابية والتي يجوز التعرض فيها هي التي تصدر في مادة الجنح[6] والمخالفات دون القرارات التي تصدر في الجنايات[7].
وبخصوص الأطراف الذين يخول لهم سلوك التعرض ينحصر في المتهم والمطالب بالحق المدني والمسؤول عن الحقوق المدنية؛ وذلك حسب المادة 394 من قانون المسطرة الجنائية[8]، فالطرف المطالب بالحق المدني والمسؤول عن الحقوق المدنية ينحصر تعرضهم فقط فيما يتعلق بالشق المدني، وذلك حسب نفس المادة.
أما المحكوم عليه غيابيا يجوز له التعرض على الحكم الغيابي في شقيه الجنائي والمدني معا[9].
بخصوص آجال التعرض فإنه حسب المادة 383 من قانون المسطرة الجنائية نستخلص منها أن أجل التعرض على الأوامر القضائية في الجنح هو عشرة (10) أيام من تاريخ تبليغه، وهو نفس الأجل بالنسبة للأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية في الجنح والمخالفات؛ وذلك حسب المادة 391[10] والمادة 393[11] من قانون المسطرة الجنائية.
وتجدر الإشارة إلى أن آجال الطعن بالتعرض هي آجل كاملة لا تشمل اليوم الأول ولا اليوم الأخير، وذلك حسب المادة 750 من قانون المسطرة الجنائية[12].
وفيما يتعلق بشكل التعرض فإن المسطرة الحالية أغفلت تنظيم شكل التعرض بالنسبة للأوامر التي تصدرها المحكمة الابتدائية في الجنح وفق المادة 383 من قانون المسطرة الجنائية، لكنها تداركته بالنسبة للأحكام الغيابية التي تصدر عنها في الجنح والمخالفات وفق المسطرة العادية[13]، وحسب المادة 393 من قانون المسطرة الجنائية فالتعرض على الحكم الغيابي يكون بتصريح يقدمه المحكوم عليه أو دفاعه، وهذا التصريح لا يكون بالضرورة مكتوبا، بل قد يكون شفويا[14].
- الحالة الأولى: حضور المتعرض على الحكم الغيابي بعد استدعائه
إذا قدم التعرض ممن مخول له في الميعاد بتصريح استوفى كل شكلياته، وحضر المتعرض جلسة الحكم المعينة له في الاستدعاء، بطل الحكم الغيابي المتعرض عليه[15] عملا بالمادة 394[16] من قانون المسطرة الجنائية.
فأهم أثر يترتب على التعرض هو بطلان الحكم الغيابي المتعرض عليه وإعادة مناقشة القضية من جديد أمام المحكمة، فبطلان الحكم الغيابي يعني اعتباره كأنه لم يكن نهائيا، ولهذا يجب أن تعاد القضية إلى المناقشة عن طريق استدعاء جديد للطرف المتعرض[17].
وجاء في حكم للمحكمة بأكادير ما يلي[18]: “من حيث الشكل: حيث أن التعرض مقبول شكلا لاستيفاء شروطه القانونية.
من حيث الموضوع: حيث تابعت النيابة العامة الظنين من أجل ما سطر أعلاه وفق فصول المتابعة؛
وحيث انتهى الحكم المتعرض عليه إلى إدانة المتهم من أجل ما نسب إليه.
وحيث يترتب عن التعرض المقدم من طرف المتهم بطلان الحكم الصادر عليه غيابيا في مقتضياته الصادرة بالإدانة طبقا للمادة 394 من قانون المسطرة الجنائية”.
- الحالة الثانية: تخلف المتعرض عن الحضور بعد استدعائه
لقد جاء في الفقرتين الأخيرتين من المادة 394 من قانون المسطرة الجنائية ما يلي: “في حالة التعرض يسلم استدعاء جديد للطرف المتعرض في الحين، ويستدعى باقي الأطراف لحضور الجلسة.
يلغى التعرض إن لم يحضر المتعرض في التاريخ المحدد في هذا الاستدعاء الجديد.
لا يقبل التعرض على الحكم الصادر بناء على تعرض سابق”.
ومن خلال مقتضيات المادة أعلاه نستشف أن تخلف المتعرض عن الجلسة بعد استدعائه، يؤدي إلى إلغاء تعرضه.
وإلغاء التعرض يكون عند تخلف المتعرض عن الحضور إذا توصل باستدعاء لأول مرة بعد التعرض، فالنص يتكلم عن عدم الحضور “في التاريخ المحدد في هذا الاستدعاء الجديد” أي أن الاستدعاء الموجه عقب التعرض، وهكذا يكون التعرض مقبولا بمجرد استجابة المتعرض للاستدعاء الأول الذي يتوصل به وإذا تغيب في جلسة لاحقة رغم توصله حكمت المحكمة في الموضوع ويكون حكمها بمثابة حضوري غير قابل للتعرض سواء توصل المتعرض بالاستدعاء شخصيا أو سلم له في موطنه أو محل إقامته أو إلى قيم[19].
- الحالة الثالثة: في حالة تعدد الأشخاص
إذا تعدد الأشخاص الذين صدر في حقهم الحكم الغيابي، وعند التبليغ تعرض البعض منهم دون الآخر، فإن ذلك لا يؤثر على الصفة النهائية التي يكتسبها الحكم اتجاه الطرف الذي لم يتعرض عليه داخل الأجل أو يطعن فيه بوجه آخر من وجوه الطعن، وهذه النتيجة لها أثرها المباشر في تنفيذ هذه النوعية من الأحكام، بمعنى أنه لا يمكن التنفيذ إلا بالنسبة لمن أصبح الحكم قابلا للتنفيذ بالنسبة إليه[20].
الفقرة الثانية: الطعن بالاستئناف
الاستئناف مثل التعرض، إذ هو من الطرق العادية للطعن، ويؤدي إلى مناقشة الدعوى من الناحيتين الموضوعية والقانونية، ومع ذلك يختلفان في أن التعرض يقدم إلى المحكمة المصدرة للحكم المتعرض عليه ولا مانع من أن يفصل فيها القاضي الذي أصدر الحكم الغيابي، بينما الاستئناف يقدم إلى محكمة أعلى درجة من المحكمة المصدرة للحكم المستأنف فهو يستلزم نظام التقاضي على درجتين[21].
ولتحليل هذا الطريق من طرق الطعن العادية عمدنا إلى تحليله وفق ما يلي:
أولا: الأحكام التي يجوز استئنافها والأطراف الذين يحق لها ممارسة الاستئناف
ثانيا: أجل الاستئناف وإجراءاته
ثالثا: آثار الطعن بالاستئناف
أولا: الأحكام يجوز استئنافها والأطراف الذين يحق لهم الطعن بالاستئناف
بخصوص الأحكام القابلة للاستئناف فإنها تتمثل في:
- الأحكام الفاصلة في موضوع الدعوى العمومية في الجنح بنوعيها، وكيفما كان منطوقها، وذلك حسب المادة 397 من قانون المسطرة الجنائية[22]؛
- الأحكام الفاصلة في موضوع الدعوى العمومية الصادرة عن المحكمة الابتدائية في المخالفات إذا هي قضت بعقوبة سالبة للحرية، وذلك حسب المادة 396 من قانون المسطرة الجنائية[23]؛
- الأحكام التي تفصل في السراح المؤقت الصادرة عن المحكمة الابتدائية، وذلك حسب المادة 181[24] من قانون المسطرة الجنائية؛
- كل الأحكام التي تصدرها غرف الجنايات في الجنايات التي أصبحت قابلة للاستئناف أم غرفة الجنايات الاستئنافية العادية أو المتخصصة التي تنظرها بتشكيلة يمتنع أن يكون أحد من أعضائها قد سبق له أن حكم –أو حقق- في الحكم المستأنف[25]؛
- القرارات الباتة في الجوهر الصادرة عن غرف الجنايات أمام نفس المحكمة[26].
وفيما يتعلق بالأطراف الذين يحق لهم سلوك طريق الاستئناف تتمثل في:
- المتهم[27]؛
- النيابة العامة[28]؛
- الإدارات العمومية عندما يسمح لها القانون بصفة خاصة إقامة الدعوى العمومية[29]؛
- المطالب بالحق المدني[30]؛
- المسؤول عن الحقوق المدنية[31]؛
- النائب القانوني عن الحدث المحكوم[32].
ثانيا: أجل الاستئناف وإجراءاته
حددت المادة 400[33] من قانون المسطرة الجنائية أجل الاستئناف في عشرة (10) أيام تبتدئ من تاريخ النطق بالحكم إذا كانت المناقشات حضورية، وصدر بحضور الطرف أو من يمثله أو تم إشعار أحدهما بيوم النطق بالحكم. وفي غير هذه الحالات فإن الأجل يبتدئ من يوم تبليغ الشخص نفسه أو في موطنه، وهناك أجل إضافي مدته خمسة أيام خاص بتقديم الأطراف استئنافاتهم إذا استأنف أحدهم داخل الأجل باستثناء الوكيل العام للملك الذي له أجل 60 يوما بحسب المادة 402[34] من قانون المسطرة الجنائية.
أما فيما يتعلق بإجراءات الاستئناف تتجلى في تقديم تصريح إلى كتابة الضبط بالمحكمة التي أصدرت الحكم أو إلى كتابة الضبط بمحكمة الاستئناف، وذلك بحسب المادة 399[35] من قانون المسطرة الجنائية، ثم تبليغ استئناف الوكيل العام للملك إلى المتهم وإلى المسؤول عن الحقوق المدنية بحسب الفقرتين 1 و 2 من المادة 402[36] من قانون المسطرة الجنائية.
إن تقديم الاستئناف يترتب عنه أثرين أساسين؛ الأثر الواقف للاستئناف (1)، والأثر الناشر (الناقل) للاستئناف (2).
1-الأثر الواقف للاستئناف:
القاعدة العامة أن الأحكام الزجرية لا يمكن تنفيذها إلا بعد صيرورتها باتة في المقتضيات العمومية ونهائية في المقتضيات المدنية (المادتان 597 و 598 من قانون المسطرة الجنائية)، وهو الأمر الذي وقع تكريسه في المادة 398 التي أشارت إلى أن آجال الاستئناف، وسريان إجراءات الدعوى أمام محكمة الاستئناف يوقف الحكم المطعون فيه[37].
وبالتالي فإن المبدأ أو القاعدة هي أن الأحكام الزجرية لا يمكن تنفيذها إلا إذا كانت نهائية، حيث أن آجال الاستئناف وسريان إجراءات الدعوى يوقف الحكم المطعون فيه إلا في الحالات الاستثنائية التالية:
- حالة صدور حكم قاضي ببراءة المتهم المعتقل أو بإعفائه أو بحبس موقوف التنفيذ، أو بغرامة فقط، أو بسقوط الدعوى العمومية، أو قضائه العقوبة الحبسية المحكوم بها، أو مُنح السراح المؤقت فيفرج عنه رغم أي طعن (المادة 404 من قانون المسطرة الجنائية)؛
- حالة الأمر بإيداع المتهم بالسجن أو بإلقاء القبض عليه (المادة 392 من قانون المسطرة الجنائية)؛
- الحكم القاضي بتعويض مسبق أو بالنفاذ المعجل في جزء من التعويضات (المادة 392/3 و 4 من قانون المسطرة الجنائية)[38].
2-الأثر الناقل للاستئناف:
الأثر الناقل للاستئناف مفاده طرح الدعوى –من قبل المستأنف- التي نظرتها محكمة الدرجة الأولى قبلا، وأصدرت حكما في موضوعها (بشقيه الزجري والمدني، أو أولهما فقط) على محكمة الدرجة الثانية لتنظر فيها من جديد (إما في شقيها معا، أو في أحدهما فقط) بغية تعديل الحكم (المقرر) الصادر ابتدائيا فيها لمصلحته[39].
وبمعنى آخر فإن هذا الأثر يعني بأن الاستئناف ينقل النزاع من جديد أمام محكمة الدرجة الثانية التي تقوم بدراسة ومناقشة القضية من جديد بجميع عناصرها الواقعية والقانونية، متقيدة بذلك بالمقتضيات موضوع الاستئناف[40].
وجاء في قرار للغرفة الجنحية الاستئنافية بالمحكمة الابتدائية بأكادير ما يلي[41]: “حيث توبع الظنين من طرف النيابة العامة من أجل ما نسب إليه.
وحيث اعترف المتهم المنسوب إليه تمهيديا.
وحيث اقتنعت المحكمة الابتدائية بعد استجماعها لكافة العناصر بثبوت ما نسب إلى الظنين ومؤاخذته من أجله، فكان ما ذهبت إليه مرتكز على أساس قانوني.
وحيث تبين من خلال دراسة وثائق الملف وما راج ونوقش أمام الغرفة، أن العناصر التكوينية القانونية والواقعية التي اعتمدت عليها المحكمة الابتدائية في حكمها المستأنف والمشار إلى منطوقه في الحكم، لا تزال قائمة خلال المرحلة الاستئنافية، وبالتالي فإن ما قضى به الحكم الابتدائي مصادف للصواب والعقوبة ويتعين تأييده”.
المطلب الثاني: طرق الطعن غير العادية
بالرجوع لقانون المسطرة الجنائية نجد المشرع المغربي نظم طرق الطعن غير العادية في المواد من 518 إلى 574 من القانون أعلاه، فالمشرع فتح المجال للأطراف بعد استنفاذ طرق الطعن العادية للجوء لطرق الطعن غير العادية، والتي سنتناولها من خلال هذا المطلب؛ حيث سنتطرق للطعن بالنقض في (الفقرة الأولى) ونخصص (الفقرة الثانية) للحديث عن الطعن بإعادة النظر والمراجعة.
تناول المشرع الطعن بالنقض[42] في القسم الأول من الكتاب الرابع من المادة 518 إلى المادة 562 من قانون المسطرة الجنائية، والطعن بالنقض طريق غير عادي من طرق الطعن، بمقتضاه يطلب أحد الأطراف استنادا إلى أسباب محددة قانونا، إلغاء الحكم المطعون فيه[43].
وسنقتصر خلال هذه النقطة على دراسة الحالة الأصلية لطلب النقض، والمتمثلة في طلب النقض لفائدة الأطراف من خلال تحديد شروط الطعن بالنقض وأسبابه (أولا)، تم بعد ذلك نلمس اجراءات وآثار الطعن بالنقض (ثانيا).
أولا: شروط الطعن بالنقض وأسبابه
سنتناول شروط الطعن بالنقض، ثم بعد ذلك نتطرق لأسباب الطعن بالنقض.
1 – شروط الطعن بالنقض
هذه الشروط هي على نوعيين: شروط تخص طالب النقض وأخرى تتعلق بالمقرارات التي تقبل الطعن بالنقض.
أ – الشروط التي تخص طالب النقض
قبل الحديث عن الشروط المتطلبة في طالب النقض، سنتحدث أولا عن الاطراف التي يجوز لها الطعن بالنقض، وحسب الفقرة الثانية من المادة 520 من قانون المسطرة الجنائية التي جاء فيها: “يقدم الطعن بالنقض من النيابة العامة لمصلحة المجتمع، ويتقدم به لمصلحته الخاصة كل من كان طرفا في الدعوى”.
والمقصود بالطرف في الدعوى هو المتهم في مخالفة أو جنحة أو جناية أو المطالب بالحق المدني فيما يخص الشق المدني للدعوى وكذا ممثل النيابة العامة وباقي الاطراف المتدخلة في الدعوى[44]. فالأطراف التي يحق لها تقديم طلب النقض إذن هي: النيابة العامة، المتهم، المطالب بالحق المدني، المسؤول عن الحقوق المدنية[45].
وبخصوص الشروط التي تخص طالب النقض، فيمكن استخلاصها من نص المادة 523 من قانون المسطرة الجنائية، التي نصت في فقرتها الأولى: ” لا يقبل طلب النقض من أي شخص إلا إذا كان طرفا في الدعوى الجنائية وتضرر من الحكم المطعون فيه”.
وكذلك المادة 531 من قانون المسطرة الجنائية، التي جاء فيها بأنه: “لا يمكن لأي سبب ولا بناء على أية وسيلة للطرف الذي سبق رفض طلبه الرامي إلى النقض أن يطلب من جديد نقض نفس القرار”.
ومن خلال ما تقدم فإن هذه الشروط هي:
– شرط الصفة في الطرف طالب النقض: تتحقق هذه الصفة إذا كان الطاعن من أحد الاطراف المشار إليها أعلاه من أطراف الدعوى التي صدر فيها المقرر المطعون فيه بالنقض، وإلا انتفت عنه الصفة المتحدث عنها[46]؛
– شرط المصلحة في الطعن بالنقض: الصفة في الطعن بالنقض وإن تحققت فإنها لا تنهض لوحدها سببا لقبول الطعن بالنقض، بل لابد أن تقترن بالمصلحة بحيث إن هي انتفت رفض الطعن[47]؛
– شرط امتناع تخويل استعمال الطعن بالنقض لأكثر من مرة: من خلال نص المادة 531 من قانون المسطرة الجنائية الحالية يتبين من صياغتها الجامعة والدقيقة بأن المشرع كرس بها قاعدة عدم جواز معاودة طلب نقض نفس المقرر الذي سبق لمحكمة النقض أن ردته، ولو تأسس الطلب الجديد على أسباب أو وسائل لم تكن أساسا للطلب السابق. وبالتالي يمتنع على الأطراف سلوك مسطرة الطعن بالنقض لأكثر من مرة واحدة[48].
ب – الشروط التي تخص المقررات القضائية
إلى جانب الشروط التي تخص طالب النقض، هناك شروط أخرى مرتبطة بالمقررات القضائية، حيث بالرجوع للفصل 571 من قانون المسطرة الجنائية نجدها تنص على أن: “يمكن الطعن بالنقض في كل الأحكام والقرارات والاوامر القضائية النهائية الصادرة في الجوهر ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
إذا كانت المسطرة تشمل عدة أطراف وتغيب بعضهم، فيمكن للطرف الصادر في حقه مقرر حضوري نهائي أن يطعن فيه بالنقض داخل الأجل القانوني، ويمكن للطرف المتغيب الطعن بالنقض عندما يصبح المقرر الصادر في حقه نهائيا.
تبلغ كتابة ضبط المحكمة المصدرة للمقرر فورا مقررها للطرف المتغيب”.
ومن خلال هذا الفصل يمكن القول بأن المقررات القابلة للطعن بالنقض هي التي تتوفر على الشروط التالية:
– شرط نهائية المقرر القضائي المطعون فيه
فالأحكام النهائية هي الأحكام التي لا تقبل الطعن فيها بالاستئناف سواء كانت صادرة عن محكمة ابتدائية في حدود اختصاصها النهائي ام كانت صادرة عن محكمة استئنافية[49].
– شرط كون المقرر المراد الطعن فيه بالنقض صادرا في الجوهر
ومفاد هذا الشرط هو أن يكون المقرر القضائي صادرا في موضوع الدعوى العمومية أو الدعوى المدنية التابعة. أما إذا كان المقرر القضائي غير صادر في الجوهر وفق ما سبق، فلا يجوز فيه الطعن بالنقض بشكل مستقل وإنما لا يكون ذلك تبعا للحكم النهائي الذي يصدر في الجوهر[50]، طبقا لما نصت عليه المادة 522 من قانون المسطرة الجنائية.
– شرط وجود نص في القانون يمنع ممارسة الطعن بالنقض في المقرر المراد الطعن فيه
نظرا لجسامة ما قد يترتب عن منع القانون لممارسة الطعن بالنقض من خطر المساس بمصالح المتقاضين فالحالات التي يمنع فيها القانون الطعن بالنقض في الأحكام قليلة العدد[51]، ومن بينها:
– منع الطعن بالنقض في الأوامر القضائية في المخالفات، ما لم يكن الطعن بالنقض لفائدة القانون[52]؛
– منع الطعن بالنقض في الأحكام والقرارات والأوامر القضائية الصادرة بغرامة أو ما يماثلها، إذا كان مبلغها لا يتجاوز 20000[53]؛
– منع المحكوم عليه في مخالفة من المخالفات التي ترتكب أثناء جلسة المحاكمة، من الطعن في الحكم الذي تصدره الهيأة القضائية التي وقعت الجريمة أمامها بأي طريق من طرق الطعن[54].
2 – موجبات الطعن بالنقض
تناول المشرع المغربي أسباب النقض في المواد من 534 الى المادة 537 من قانون المسطرة الجنائية.
فقد نصت المادة 534 من ق م ج على أن الطعن بالنقض يجب ان يرتكز في الأوامر او القرارات أو الأحكام القابلة للطعن بالنقض على الأسباب الآتية:
– خرق الإجراءات الجوهرية للمسطرة: والتي تتمثل في خرق القواعد المتعلقة بإجراءات البحث، والتحقيق في الجريمة، والمتابعة عنها ومحاكمة مرتكبيها، والضوابط التي تحكم عملية إصدار المقررات القضائية بشأنها.
– الشطط في استعمال السلطة: ما هو في مفهومه الواسع سوى خرق للقانون بصفة عامة، فيشمل تباعا لذلك خرق قواعد قانون المسطرة الجنائية، أو مجموعة القانون الجنائي، أو غيرها من القوانين.
– عدم الاختصاص: هو الدفع الذي يقدمه أحد الأطراف ويمكن أن يكون نوعيا أو مكانيا.
– الخرق الجوهري للقانون: والمقصود بهذا السبب الممكن اتخاذه أساسا للطعن بالنقض في حكم محكمة الموضوع أمام محكمة النقض، هو المساس بالنصوص الموضوعية الواجبة التطبيق عند البت في الدعوى.
– انعدام الأساس القانوني أو انعدام التعليل: المقصود بالأساس القانوني أو الحيثيات في المقررات الصادرة عن محاكم الموضوع، هو ان تكون مشتملة على بيانات بالمبررات القانونية والواقعية التي اعتمدتها لإسناد مقررها في موضوع الدعوى المرفوعة أمامها، والتي ينبغي أن تكون كافية، وسليمة، وقادرة على إقناع المطلع على المقرر القضائي بحيث لا يترك له في الذهن أي انطباع على ممارسة التسلط، أو الانحراف، أو الظلم[55].
ويجب عدم الخلط بين الأسباب والوسائل، فالأسباب هي ما سلف بيانه أعلاه علة وجه الحصر أما الوسائل فهي ما يثار في المذكرات المرفوعة لمحكمة النقض بهذا الصدد، والتي من خلالها توضح الخروقات التي شابت الأحكام أو الأوامر أو القرارات المطعون فيها بالنقض، والتي لا تخرج عما حدده القانون من أسباب[56].
ثانيا: اجراءات الطعن بالنقض وآثاره
حدد المشرع لطالب النقض مجموعة من الإجراءات التي يجب عليه إتباعها للطعن بالنقض، كما رتب على ذلك الطعن مجموعة من الآثار.
1-اجراءات الطعن بالنقض
بالرجوع لقانون المسطرة الجنائية نجد المشرع المغربي حدد إجراءات الطعن بالنقض في المواد من 526 الى 530.
ويرفع طلب النقض بتصريح لدى كتابة الضبط بالمحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، من طرف طالب النقض بنفسه أو بواسطة محام، ويقيد التصريح بسجل معد لهذه الغاية ويوقع عليه كاتب الضبط والمصرح[57].
أما بالنسبة للذي يوجد رهن الاعتقال ورغب في الطعن بالنقض فإن المؤسسة السجنية هي التي تتلقى التصريح وعليها أن ترسل نسخة منه الى المحكمة مصدرة الحكم ليضمن بالسجل ويضاف في الأخير إلى ملف الدعوى داخل أجل 24 ساعة[58].
ويجب على طالب النقض أن يقدم طلبه داخل الأجل القانوني المحدد لذلك، وبالرجوع لقانون المسطرة الجنائية نجد المشرع المغربي حدد هذه الأجل في المادة 527 من ق.م.ج والتي تتسم بمرونة أكثر مقارنة بالنص القديم[59]، وهي حسب الفقرة الأولى من المادة 527 من ق.م.ج عشرة أيام من صدور المقرر المطعون فيه ما لم تنص مقتضيات خاصة على خلاف ذلك.
ويختلف هذا الأجل حسب وصف الحكم.
- إذا كان حضوري: تبتدئ الأجل من يوم صدور المقرر؛
- إذا كان بمثابة حضوري: تبتدئ الأجل يوم تبليغه بالمقرر شخصيا أو في موطنه؛
- إذا كان غيابيا: لا تبتدئ الأجل إلا من يوم أن يصبح فيه التعرض عليها غير مقبول.
ونشير إلى أن أجل طلب النقض الذي هو عشرة أيام هو أجل كامل لا يحتسب فيه يوم صدور المقرر القضائي، ولا يوم تقديم التصريح بطلب نقضه ادى كتابة الضبط المحكمة التي أصدرت الحكم المرفوع به طلب النقض، وإذا صادف اليوم الأخير يوم عطلة رسمية، امتد الأجل الى أول يوم عمل يأتي بعد العطلة مباشرة، ولا ينتهي إلا بانتهاء هذا اليوم[60].
ومن شروط الطعن بالنقض كذلك، ذلك الشرط الذي جاء به المشرع في إطار المادة 528 من قانون المسطرة الجنائية، ويتمثل في إيداع مذكرة بوسائل النقض المؤسس عليها الطلب لدى كتابة الضبط المحكمة المصدرة للحكم المطعون فيه.
2 – آثار الطعن بالنقض
إن أجل الطعن بالنقض والطعن بالنقض يوقفان تنفيذ العقوبة الجنائية في جميع الحالات الأخرى ما عدا إذا طبقت مقتضيات المادتين 392 و 431 من قانون المسطرة الجنائية من طرف هيئة الحكم[61]. وتتعلق المادة 392 بالإمكانية الممنوحة للمحكمة بناء على ملتمس النيابة العامة، إذا كانت العقوبة المحكوم بها تعادل سنة حبسا أو تفوقها، في أن تصدر مقررا خاصا معللا تأمر بمقتضاه بإيداع المتهم بالسجن أو بإلقاء القبض عليه، والذي يتم تنفيذه رغم الطعن فيه بأية طريقة من طرق الطعن العادية أو غير العادية.
أما المادة 431 من قانون المسطرة الجنائية فتنص على أنه يمكن لغرفة الجنايات في حالة الحكم بعقوبة جنائية سالبة للحرية، أن تأمر بإلقاء القبض حالا على المحكوم عليه الذي حضر في حالة سراح للجلسة، وينفذ هذا الأمر بالرغم من كل طعن.
الفقرة الثانية: الطعن بإعادة النظر والمراجعة
من طرق الطعن غير العادية كذلك الطعن بإعادة النظر (أولا) والمراجعة (ثانيا).
لا يرمي الطعن بإعادة النظر الى مراقبة القاضي في تطبيقه للقانون كما هو الشأن بالنسبة للنقض، بل يلعب دورا أساسيا في تدارك الأخطاء التي قد ترتكب في قرارات محكمة النقض نتيجة أسباب موضوعية لا دخل للقاضي فيها، كما يستفاد من حالات الالتجاء اليه[62]. وبالعودة لقانون المسطرة الجنائية نجد المشرع المغربي خصص المواد من 363 و 364 لتنظيم الطعن بإعادة النظر. وعلى أساس ذلك سنتناول خلال هذه النقطة إجراءات إعادة النظر، ثم بعد ذلك نتناول آثاره.
1 – إجراءات الطعن بإعادة النظر
قبل الحديث عن إجراءات الطعن بإعادة النظر سنتطرق لحالاته أولا بشكل مختصر، والتي أوردها المشرع المغربي في المادة 563 على سبيل الحصر وهي على التوالي:
أولاً: ضد القرارات الصادرة استنادا إلى وثائق صرح أو اعترف بزوريتها. ومن قبيل ذلك، الكذب في تاريخ تقديم طلب الطعن بالنقض، أو في صفة المحامي، إلى غير ذلك من الأمثلة.
ثانيا: من أجل تصحيح القرارات التي لحقها خطأ مادي واضح يمكن تصحيحه من خلال عناصر مأخوذة من القرارات نفسها. والمراد بالحالة أن خطأ ماديا غير مقصود ارتكب أثناء نظر المحكمة للطعن.
ثالثا: إذا أغفل البت في أحد الطلبات المعروضة بمقتضى وسائل استدل بها، أو في حالة عدم تعليل القرار. وهذه الحالة هي من مستجدات القانون الجديد للمسطرة الجنائية والتي جاءت لتعزيز الحق في الدفاع.
رابعاً: ضد القرارات الصادرة بعدم القبول أو بالسقوط لأسباب ناشئة عن بيانات ذات صبغة رسمية تبين عدم صحتها عن طريق وثائق رسمية جديدة وقع الاستدلال بها فيما بعد، ومن قبيل ذلك أن تقضي محكمة النقض برفض الطلب شكلا بسبب عدم إيداع المذكرة خلال الأجل، ثم يتبين بعد ذلك بأن المذكرة وقع إيداعها في الميعاد[63].
أما فيما يتعلق بإجراءات الطعن بإعادة النظر فالمشرع نص على تقديمه وفق الفقرات 2 و 3 و 4 من المادة 528 من قانون المسطرة الجنائية، وهي الإجراءات المتعلقة بالطعن بالنقض إن كان من طالب إعادة النظر، وإن كان من النيابة العامة فبواسطة مذكرة توضع بكتابة ضبط محكمة النقض[64]، مع ضرورة إيداع كفالة مالية مبلغها 5000 درهم تحت طائلة عدم قبول الطلب، ويحتفظ بها لفائدة الخزينة العامة في حالة عدم قبول دعوى إعادة النظر.
2 – آثار الطعن بإعادة النظر
بعد تداول المحكمة في موضوع الطعن بإعادة النظر، فإنها ترفض الطعن إذا تبين لها أنه غير مبني على غير اساس، أو بقبوله، وفي هذه الحالة تبطل المقرر الصادر عنها، وتقرر ما يتلاءم مع هذا الواقع الجديد الذي ثبت لديها، حيث بناء عليه، إما أن تتراجع عن نقض الحكم الذي سبق لها أن اصدرته، أو تنقض الحكم الذي سبق أن أبرمته، بناء على ثبوت إحدى حالات الطعن بإعادة النظر[65].
يعتبر الطعن بالمراجعة من طرق الطعن غير العادية والتي تعرض لها المشرع في قانون المسطرة الجنائية في المواد من 565 الى المادة 574، وهي إن كانت مثل النقض طريقا غير عادي للطعن، وكلاهما يقدم أمام محكمة النقض، إلا أنهما يختلفان في أمر أساسي، وهو أن أسباب النقض ترجع الى خطأ في تطبيق القانون على الواقع، بينما ترجع أسباب المراجعة إلى أخطاء واقعية خاصة ترتب عنها نسبة الجريمة إلى شخص لم يرتكبها[66]. وعلى أساس ذلك سنتناول خلال ما سيأتي للمقررات القضائية القابلة للطعن بالمراجعة، وآثارها.
1 – المقررات القضائية القابلة للطعن بالمراجعة
بالرجوع للمادة 565 من قانون المسطرة الجنائية، نجدها حددت الشروط الواجبة في المقررات القضائية لكي تكون قابلة للطعن بالمراجعة، والتي جاء فيها: “لا يفتح باب المراجعة إلا لتدارك خطأ في الوقائع تضرر منه شخص حكم عليه من أجل جناية أو جنحة.
لا تقبل المراجعة إلا عند انعدام أية طريقة أخرى من طرق الطعن وفي الحالات وضمن الشروط التي ستذكر فيما يلي”.
من خلال هذا الفصل يمكن تحديد شروط قبول الطعن بالمراجعة وهي:
- أن يكون المقرر القضائي المراد طلب مراجعته، صادرا بالإدانة؛
- أن يكون المقرر القضائي المراد طلب مراجعته غير قابل لأي طريق من طرق الطعن العادية أو النقض؛
- صدور الحكم في جناية أو جنحة من دون أن يكون صادرا في مخالفة من المخالفات[67]؛
2 – آثار الطعن بالمراجعة
يوقف الطعن بالمراجعة التنفيذ بقوة القانون إن لم تكن العقوبة قد نفذت[68]، وبعد إحالة طلب مراجعة المقرر القضائي على محكمة النقض، وبعد تأكدها من كون الطلب استوفى الشكليات المتطلبة قانونا، تبت فيه إما بالرفض، وتتحقق الحالة الأولى متى كان السبب الذي استند عليه طلب المراجعة لم تتوفر فيه الشروط الواجب تحققها فيه، ويصبح بذلك الحكم مستقرا وغير قابل للمنازعة في قوته التنفيذية والإثباتية.
إلى جانب ما سبق، وما يهمنا في هذه النقطة ما يترتب على قبول طلب المراجعة والرجوع في المقرر القاضي بالإدانة، والذي يترجم في تقرير براءة طالب المراجعة، ويفيد هذا التقرير زوال كل ما يترتب من أثار قانونية جنائية كانت، أم مدنية، ام تأديبية، ليصبح المدان بالحكم الساقط بالمراجعة، لم يرتكب أية جناية أو جنحة على الإطلاق[69].
خـــاتمة:
تقطع الدعوى العمومية مراحل متعددة لتصل إلى مرحلتها الأخيرة، وحسم القضية بإصدار الحكم فيها، غير أن هذا الأخير قد لا يكون عنوانا للحقيقة ويرتب بذلك سلبيات عدة على شخص المتهم باعتباره جوهر القضية، الأمر الذي دفع بالمشرع لمنحه مجموعة من آليات الرقابة على صحة الأحكام القضائية التي جاء بها قانون المسطرة الجنائية، والمتمثلة في طرق الطعن.
ومن خلال ذلك، تتضح أهمية طرق الطعن في الأحكام باعتبارها أهم ما يملكه المتقاضين لحماية حقوقهم، إذ تعتبر كذلك من الضمانات الكفيلة بحماية حقوق المتهم وأطراف الدعوى العمومية بشكل عام من الشطط الذي قد يتسبب فيه القاضي، أو حمايته من الأخطاء التي قد تعتري الحكم القضائي.
[1] محمد بولمان، طرق الطعن في قانون المسطرة الجنائية، مقال منشور بمجلة محاكمة، مجلة فصلية مختصة تعنى بالدراسات القانونية، العدد 1، شتنبر2006، الصفحة: 13.
[2] أحمد السراج، الإجراءات الجنائية في النظم القانونية، العربية وحماية حقوق الإنسان، قانون الإجراءات الجنائية المغربية وحقوق الإنسان، مقال منشور بمجلة الملحق القضائي، العدد 29 – دجنبر 1994، الصفحة: 42 – 43.
[3] مقال منشور في الموقع الإلكتروني:/طرق-الطعن-العادية-التعرض-و-الاستئناف/http://universitylifestyle.net.
[4] عبد الواحد العلمي، شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية –الجزء الثالث-، الطبعة الثالثة 2018، الصفحة: 82.
[5] أحمد السراج، مرجع سابق، الصفحة: 43.
[6] تنص المادة 383 من قانون المسطرة الجنائية على أنه: “يمكن للقاضي في الجنح التي يعاقب عليها القانون بغرامة فقط لا يتجاوز حدها الأقصى 5.000 درهم ويكون ارتكابها مثبتاً في محضر أو تقرير ولا يظهر أن فيها متضرراً، أن يصدر استنادا على ملتمس كتابي من النيابة العامة أمراً يتضمن المعاقبة بغرامة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى المقرر قانوناً، وذلك بصرف النظر عن العقوبات الإضافية والمصاريف ورد ما يلزم رده.
يكون هذا الأمر قابلاً للتعرض أمام نفس المحكمة داخل أجل عشرة أيام من تبليغه وفقاً لمقتضيات المادة 308 أعلاه. ويكون الحكم الصادر بعد التعرض قابلاً للاستئناف.
في حالة تعرض المتهم، يصبح الأمر الصادر غيابياً كأن لم يكن وتبت المحكمة وفق القواعد العامة”.
[7] أنظر هامش مرجع عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، الصفحة: 83.
[8] تنص المادة 394 من قانون المسطرة الجنائية على أنه: “يترتب عن التعرض المقدم من طرف المتهم بطلان الحكم الصادر عليه غيابيا في مقتضياته الصادرة بالإدانة.
لا يصح التعرض المقدم من الطرف المدني أو من الشخص المسؤول عن الحقوق المدنية إلا فيما يتعلق بحقوقهما المدنية”.
[9] عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، الصفحة 87.
[10] تنص المادة 391 من قانون المسطرة الجنائية على أنه: “يبلغ منطوق الحكم الصادر غيابيا إلى علم الطرف المتغيب طبق الكيفيات المنصوص عليها في الفصول 37 و 38 و 39 من قانون المسطرة المدنية، وينص في التبليغ على أن أجل التعرض هو عشرة أيام”.
[11] تنص الفقرة الأولى من المادة 393 من قانون المسطرة الجنائية على أنه: “يجوز التعرض على الحكم الغيابي بتصريح يقدمه المحكوم عليه أو دفاعه لكتابة الضبط في ظرف العشرة أيام التي تلي التبليغ”.
[12] تنص المادة 750 من قانون المسطرة الجنائية على أنه: “جميع الآجال المنصوص عليها في هذا القانون آجال كاملة لا تشمل اليوم الأول ولا اليوم الأخير، وتستثنى من ذلك الآجال التي تكون محددة بعدد الساعات.
إذا كان اليوم الأخير للأجل يوم عطلة امتد الأجل إلى أول يوم عمل بعده.
تعتبر أيام عطل جميع الأيام المصرح بأنها كذلك بمقتضى نص خاص”.
[13] عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، الصفحة: 91.
[14] وزارة العدل، شرح قانون المسطرة الجنائية -الجزء الثاني-، إجراءات المحاكمة وطرق الطعن، مطبعة فضالة -المحمدية-، الطبعة الثالثة أكتوبر 2005، الصفحة: 275.
[15] عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، الصفحة: 93.
[16] نصت المادة 394 من قانون المسطرة الجنائية على أنه: “يترتب عن التعرض المقدم من طرف المتهم بطلان الحكم الصادر عليه غيابيا في مقتضياته الصادرة بالإدانة.
لا يصح التعرض المقدم من الطرف المدني أو من الشخص المسؤول عن الحقوق المدنية إلا فيما يتعلق بحقوقهما المدنية”.
[17] أحمد الخمليشي، شرح قانون المسطرة الجنائية -الجزء الثاني- التحقييق الاعدادي – المحاكمة – طرق الطعن، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، الطبعة الثانية 1983، الصفحة: 293 – 294.
[18] حكم المحكمة الابتدائية، ملف جنحي عادي رقم 5340/2013، حكم عدد 7707، صادر بتاريخ 18 – 07 – 2019، (حكم غير منشور).
[19] أحمد الخمليشي، مرجع سابق، الصفحة: 296 – 297.
[20] وزارة العدل، شرح قانون المسطرة الجنائية، مرجع سابق، الصفحة: 279.
[21] أحمد السراج، مرجع سابق، الصفحة: 44.
[22] تنص المادة 397 من ق.م.ج على أنه: “يمكن الطعن بالاستئناف في الأحكام الصادرة في الجنح كيفما كان منطوقها من المتهم والمسؤول عن الحقوق المدنية والطرف المدني ووكيل الملك والوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف، أو إحدى الإدارات عندما يسمح لها القانون بصفة خاصة بإقامة الدعوى العمومية.
تراعى مقتضيات المادتين 409 و 419”.
[23] تنص الفقرة الأولى من المادة 396 من ق.م.ج على أنه: “يمكن للمتهم والمسؤول عن الحقوق المدنية والنيابة العامة استئناف الأحكام الصادرة في المخالفات إذا قضت بعقوبة سالبة للحرية”.
[24] تنص الفقرة الأولى من المادة 181 من ق.م.ج على أنه: “تقبل مقررات الإفراج المؤقت الصادرة عن المحكمة الابتدائية الطعن بالاستئناف لغاية نهاية اليوم الموالي لصدورها، ويرفع الاستئناف إلى غرفة الجنح الاستئنافية”.
[25] عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، الصفحة: 108.
[26] تنص الفقرة الأولى من المادة 457 من قانون المسطرة الجنائية على أنه: “يمكن للمتهم وللنيابة العامة والمطالب بالحق المدني وللمسؤول عن الحقوق المدنية استئناف القرارات الباتة في الجوهر الصادرة عن غرف الجنايات أمام نفس المحكمة، مع مراعاة المادة 382 والفقرة الأولى من المادة 401 من هذا القانون”.
[27] راجع المواد 396 و 397 و 457 من ق.م.ج.
[28] راجع المواد 396 و 397 و 457 من ق.م.ج.
[29] راجع المادة 397 من ق.م.ج.
[30] راجع المواد 396 و 397 و 457 من ق.م.ج.
[31] راجع المواد 396 و 397 و 457 من ق.م.ج.
[32] راجع المادة 484 من ق.م.ج.
[33] نصت المادة 400 من ق.م.ج على أنه: “يحدد أجل الاستئناف في عشرة أيام تبتدئ من تاريخ النطق بالحكم، إذا صدر بعد مناقشات حضورية في الجلسة بحضور الطرف أو من يمثله أو إذا وقع إشعار أحدهما بيوم النطق به.
يسري هذا الأجل من يوم التبليغ للشخص نفسه أو في موطنه:
أ) إذا لم يكن الطرف حاضرا أو ممثلا بالجلسة التي صدر فيها الحكم بعد مناقشات حضورية ولم يسبق إشعاره شخصيا هو أو من يمثله بيوم النطق به؛
ب) إذا كان الحكم بمثابة حضوري حسب مقتضيات الفقرات 2 و4 و7 من المادة 314 أعلاه؛
ج) إذا صدر الحكم غيابيا حسب مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 314 أعلاه.
غير أنه إذا استأنف أحد الأطراف داخل الأجل المحدد فلغيره من الأطراف ممن لهم حق الاستئناف، باستثناء الوكيل العام للملك، أجل إضافي مدته خمسة أيام لتقديم استئنافهم”.
[34] لقد جاء في المادة 402 من ق.م.ج ما يلي: “للوكيل العام للملك حق تقديم الاستئناف خلال أجل ستين يوما تبتدئ من يوم النطق بالحكم.
يبلغ هذا الاستئناف للمتهم وعند الاقتضاء للمسؤول عن الحقوق المدنية.
غير أن هذا التبليغ يكون صحيحا إذا أخبر به المتهم الحاضر بالجلسة، أو إذا صرح الوكيل العام للملك بالاستئناف داخل الأجل القانوني بمناسبة عرض القضية بالجلسة بناء على استئناف المتهم أو أي طرف آخر”.
[35] جاء في المادة 399 من ق.م.ج ما يلي: “يعرض الاستئناف على نظر غرفة الجنح الاستئنافية التي تتكون تحت طائلة البطلان من رئيس ومن مستشارين اثنين بحضور ممثل النيابة العامة وبمساعدة كاتب الضبط.
يقدم الاستئناف بتصريح إلى كتابة الضبط بالمحكمة التي أصدرت الحكم أو إلى كتابة الضبط بمحكمة الاستئناف.
غير أنه إذا كان المحكوم عليه معتقلا، فإن التصريح بالاستئناف المقدم لكتابة الضبط بالمؤسسة السجنية يعد صحيحا ويتلقى حالا ويضمن بالسجل الخاص المنصوص عليه في المادة 223.
يتعين على رئيس المؤسسة السجنية أن يبعث نسخة من هذا التصريح داخل أجل لا يتجاوز أربعاً وعشرين ساعة لكتابة ضبط المحكمة المصدرة للحكم، وإلا تعرض لعقوبات تأديبية بغض النظر عما يتعرض له من متابعات جنائية”.
[36] تنص الفقرة 1 و 2 من قانون م.ج على أنه: “للوكيل العام للملك حق تقديم الاستئناف خلال أجل ستين يوما تبتدئ من يوم النطق بالحكم.
يبلغ هذا الاستئناف للمتهم وعند الاقتضاء للمسؤول عن الحقوق المدنية”.
[37] وزارة العدل، شرح قانون المسطرة المدنية، م.س، ص: 144.
[38] الدعوى وطرق الطعن في قانون المسطرة الجنائية المغربي، مقال منشور بمجلة القانون والأعمال الدولية، جامعة حسن الأول، بتاريخ 02 ديسمبر 2013، في الموقع الإلكتروني:
https://www.droitetentreprise.com/%E2%80%A2%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B9%D9%88%D9%89-%D9%88-%D8%B7%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B9%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%B7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7/
[39] عبد الواحد العلمي، م.س، ص: 143 – 144.
[40] وزارة العدل، شرح قانون المسطرة الجنائية، ص: 145.
[41] قرار عدد 266 صادر المحكمة الابتدائية بأكادير – غرفة الجنح الاستئنافية بتاريخ 13-03-2019، ملف جنحي استئنافي 56/2019، (قرار غير منشور).
[42] حسب المادة 519 من ق.م.ج فطلب النقض يقدم بصفة أصلية لفائدة الاطراف واستثناء لفائدة القانون، وللمزيد عن النقطة الأخيرة راجع عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، الصفحة 273 وما يليها.
[43] وزارة العدل، شرح قانون المسطرة الجنائية، مرجع سابق، الصفحة 295.
[44] مراد أسراج، مستجدات طرق الطعن من خلال قانون المسطرة الجنائية والاشكالات المطروحة، مقال منشور بمجلة المناظرة، العدد العاشر، 2005، الصفحة: 81.
اريس الحياني، عمر أنجوم، محاضرات في قانون المسطرة الجنائية، الطبعة الرابعة 2013، ص: 152. [45]
عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، الصفحة 182. [46]
عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، الصفحة 183. [47]
عبدالواحد العلمي، مرجع سابق، الصفحة 187. [48]
الطيب بن المقدم، الطعون في التشريع المغربي، الشركة المغربية للطباعة والنشر، طبعة 1996، الصفحة : 16.. [49]
عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، ص : 191.. [50]
عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، الصفحة 195.. [51]
المادة 382 من قانون المسطرة الجنائية.. [52]
المادة 523 من قانون المسطرة الجنائية.. [53]
المادة 359 من قانون المسطرة الجنائية.. [54]
للاطلاع أكثر، راجع عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، ص : 203 وما يليها.. [55]
شرح قانون المسطرة الجنائية، منشورات وزارة العدل، مرجع سابق، الصفحة: 306.. [56]
الفقرة الاولى والثانية من المادة 526 من ق.م.ج.. [57]
مراد أسراج، مرجع سابق، الصفحة 84.. [58]
مراد أسراج، مرجع سابق، الصفحة 84.. [59]
المادة 750 من قانون المسطرة الجنائية.. [60]
وزارة العدل، شرح قانون المسطرة الجنائية، مرجع سابق، الصفحة : 305.. [61]
محمد بولمان، طرق الطعن في قانون المسطرة الجنائية، مقال منشور بمجلة محاكمة، العدد الأول 2006، الصفحة : 23.. [62]
عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، الصفحة، 292 وما يليها.. [63]
الفقرة السابعة من المادة 563.. [64]
عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، الصفحة : 299. [65]
أحمد السراج، مرجع سابق، الصفحة : 49.. [66]
للمزيد حول هذه الشروط، أنظر عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، الصفحة 302 وما يليها.. [67]