بحوث قانونيةفي الواجهةمقالات قانونية

أحكام البصمة الوراثية وإثبات النسب بين الشريعة والقانون – الباحث: منصور عبدالله الحمادي



أحكام البصمة الوراثية وإثبات النسب
بين الشريعة والقانون

Provisions of genetic fingerprinting and proof of lineage Between Sharia and the law

الباحث: منصور عبدالله الحمادي

عضو هيئة التدريس كلية الشرطة-أبوظبي

 

لتحميل عدد المجلة كاملة

مجلة القانون والأعمال الدولية : الاصدار رقم 49 لشهري دجنبر 2023 / يناير 2024

الملخص

 

ترمي الدراسة الى تحليل أحكام البصمة الوراثية وإثبات النسب بين الشريعة الاسلامية والقانون، وهو الموضوع الذي يثير العديد من التساؤلات الفقهية والقانونية حول إثبات النسب أو نفيه وكثرة الوقائع المتعلقة بالبصمة الوراثية في المحاكم و تطور البحث العلمي و كشفه عن قرائن طبية قاطعة يمكن أن تغير الأحكام الفقهية الاجتهادية و تحليل الآراء بين الشرع والقانون والبصمة الوراثية .

للاجابة على اشكالية الدراسة وتساؤلاتها اتبع الباحث المنهج الاستقرائي والمنهج المقارن من خلال حكم الشرع و اجتهادات الفقهاء و آراء أهل العلم في الموضوع.

توصي الدراسة بضرورة مراعاة تحليل البصمة الوراثية بحيطة وحذر وضوابط علمية صارمة لتحديد النسب على ان تشرف لجنة خاصة في كل دولة، يشترك فيها المتخصصون الشرعيون، والاطباء، على نتائج التحليل مع وجوب اجراء القضاة ومن في حكمهم تحليل البصمة الوراثية قبل إجراء اللعان بين الزوجين.

الكلمات الافتتاحية:البصمة الوراثية،النسب،الشريعة الاسلامية

Abstract

The study aims to analyze the provisions of genetic fingerprinting and proving lineage between Islamic law and the law, which is a topic that raises many jurisprudential and legal questions about proving or denying lineage, the large number of incidents related to genetic fingerprinting in the courts, the development of scientific research, and its revelation of conclusive medical evidence that can change jurisprudential rulings. Jurisprudence and analysis of opinions between Sharia, law, and genetic fingerprinting.

To answer the problem of the study and its questions, the researcher followed the inductive approach and the comparative approach through the rule of Sharia, the jurisprudence of jurists, and the opinions of scholars on the subject

. The study recommends the need to take into account the genetic fingerprint analysis with caution and strict scientific controls to determine lineage, provided that a special committee in each country, in which forensic specialists and doctors participate, supervises the results of the analysis, and that judges and those in their like must conduct a genetic fingerprint analysis before intercourse between spouses takes place.

Keywords: genetic fingerprint, lineage, Islamic law

مقدمة:

أولت الشريعة الإسلامية النسب عناية كبيرة، وأحاطته برعاية عظيمة، وبنت حوله حصون الحفظ والوقاية ومن أجل هذا كان حفظ النسب مقصدا كليا من مقاصد الشريعة جاءت كثير من الأحكام والقواعد لتحميه من التلوث بالفساد والفواحش.

ومن المبادئ المقررة في الشريعة الإسلامية، التي سمت إلى مرتبة الضروريات، الحفاظ على النسل والتشوف إلى اتصال الأنساب، والستر على المسلمين وإشاعة الفضيلة بينهم، والعمل على تماسك الأسر وترابطها.

وقد جاء ذكر النسب في القرآن الكريم دلالة على أهميته، فقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً } الفرقان/54.

أولاً: أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

تتضح أهمية الموضوع فيما يلي:

  1. كثرة السؤال عن مستجدات متعلقة بإثبات النسب أو نفيه وكثرة الوقائع المتعلقة بإثبات النسب بالبصمة الوراثية في المحاكم وهيئات التحقيق.
  2. تطور البحث العلمي وكشفه عن قرائن طبية قاطعة يمكن أن تغير الأحكام الفقهية الاجتهادية.
  3. تحليل الآراء التي نتجت عن اكتشاف البصمة الوراثية والترجيح بينها.
  4. بيان الحكم الشرعي لطلاب العلم والمشتغلين بالقضاء والخاص بأثر البصمة الوراثية في إثبات النسب أو نفيه.

    ثانياً: إشكالية الدراسة:

  • ما مدى توافق القرائن الطبية الحديثة ممثلة في البصمة الوراثية مع الوسائل الواردة في الفقه الإسلامي لإثبات النسب أو نفيه؟
  • وفي حالة الأخذ بهذه القرائن فما الضوابط الشرعية التي تحكم ذلك؟ وهل تغني هذه القرائن المستجدة عن الوسائل المقررة شرعا أم تتوافق معها؟
  • وهل هذه القرائن تساعد القاضي في الوصول إلى الحقيقة في مسائل الإثبات

    والنفي؟

    ثالثاً: الـدراسات السابقة:

    من الدراسات التي تعرضت لإثبات النسب من خلال البصمة الوراثية:

  1. البصمة الوراثية وأثرها على الأحكام الفقهية- دراسة فقهية مقارنة، للدكتور:

    خليفة بن علي الكعبي، طبع: دار النفائس، الطبعة الأولى ١٤٢٦هـ.

  2. البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها، للأستاذ الدكتور: نصر فريد واصل، بحث منشور في مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد السابع عشر١٤٢٥هـ.
  3. البصمة الوراثية وعلائقها الشرعية د. سعد الدين مسعد هلالي.
  4. البصمة الوراثية، ومدي مشروعية استخدامها في النسب والجناية، د. عمر بن

    محمد السبيل.

  5. إثبات النسـب بوسائل التقنية الطبية الحديثة -دراسة شرعية، للدكتور: محمـد صعيدي أحمـد حسـنين، بحث مقـدم لمؤتمر: القرائـن الطبيـة المعاصرة وآثارها الفقهية، المعقود بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ١٤٣٥هـ.

    رابعاً: أهداف البحث

    يهدف البحث إلى الآتي:

  6. تحديد المفهوم العلمي والشرعي للمصطلحات الدالة على البحث وبيان أهميتها في الموضوع.
  7. بيان وسائل إثبات النسب ونفيه التي أقرتها الشريعة الإسلامية، ومدى إمكان تغيرها بتغير الزمان والمكان والمكتشفات العلمية.
  8. عرض الآراء الجديدة التي ظهرت مع اكتشاف نتائج تحليل الحمض النووي، ومناقشتها، واختيار الحل الذي لا يتعارض مع الثوابت الإسلامية.

    خامساً: منهج البحث:

    اتبع في هذا البحث المنهج الاستقرائي في جمع الأقوال الواردة ثم المنهج المقارن: وذلك بذكر أقوال أهل العلم في المسألة، مع ذكر أدلة كل فريق والخلاف إن وجد، ثم المقارنة بين الأقوال للوصول إلى القول الراجح.

    المبحث الأول (التمھیدي)

    بيان حقيقة النسب وطرق إثباته وبيان

    حقيقة البصمة الوراثية

    المطلب الأول

    تعريف النسب وبيان طرق إثباته

    أولاً: تعريف النسب لغةً واصطلاحاً:

  9. تعريفه لغةً: عرف لغةً، بأنه: النسبة إلى الشيء، أي انتسب فلانٌ إلى والدهِ، بمعنى التحق بهِ.
  10. تعريفه اصطلاحاً: يعرف اصطلاحاً بأنه: الارتباط بالوالدين، والذي يعتمد على وجود اسم للفرد، يربطه بوالدهِ، ووالدتهِ، ويتصل مع أصوله من العائلة، أي الأجداد خصوصاً، ثم الأقارب.

    المطلب الثاني

    طرق إثبات النسب العامة

    الفرع الأول: إثبات النسب بالبينة:

    المراد بالبينة هي الدلائل والحجج التي تؤكد وجود واقعة مادية وجودا حقيقيا بواسطة السمع أو البصر أو غيرهما من وسائل الإثبات الواردة في قانون الإجراءات، والبينة هي أقوى من الإقرار من حيث الإثبات.

    ويكون الإثبات بالبينة الكاملة عن طريق شهادة رجلين عدلين، أو رجل وامرأتين عدول.

    وكثيرا ما يتم اللجوء إلى الوسائل العلمية الحديثة لإثبات النسب زيادة عن الوسائل المنصوص عليها في الفقه والقانون.

    الفرع الثاني: إثبات النسب بالإقرار.

    هناك نوعان من الإقرار بالنسب وهما الإقرار بالبنوة والأمومة، والإقرار في غير الأبوة والبنوة والأمومة.

    أولاً: بالنسبة للإقرار المتعلق بنفس المقر: وهو الإقرار بالبنوة أو الأبوة او الأمومة، والنسب المقرب إليه في هذه الحال محمول على نفس المقر لا على غيره لأن المقر يقول: هذا ابني أو هذا أبي أو

    هذه أمي، فإن المشرع الإماراتي يشترط لصحة اعتباره شرطين هامين وهما: أن ينصب الإقرار على شخص مجهول النسب، وأن يكون من النوع الذي يصدقه العقل أو تصدقه العادة.

    وعليه يصح إقرار الشخص ولو في مرض الموت بالوالدين وإذا كان المقر له مجهول النسب وإن صدقه المقر له، متى صدقه العقل أو العادة أو الحس السليم، وذلك بأن يولد مثل المقر له بالبنوة مثل المقر، بحيث يكون فرق السن بينهما محتملا لهذه الولادة، أو أن يولد مثل المقر بالأبوة لمثل المقر له فمن قال لطفل هذا ابني وكان سن الطفل 10 سنوات وسن المقر 20 سنة لم يعتبر هذا إقرارا لأنه لا يعقل أن يلد الإنسان ولدا وهو ابن 10 سنين.

    وإذا كان المقر ببنوة الطفل زوجة أو معتدة، فيشترط مع ذلك أن يوافق زوجها على الاعتراف ببنوة الطفل له أيضا، أو أن يثبت ولادتها له من ذلك الزوج لأن فيه تحميل النسب على الغير، فلا يقبل إلا بتصديق أو ببينته.

    ثانياً: بالنسبة للإقرار المتعلق بغير المقر: أو الإقرار المحمول على الغير فالشروط السابقة معتبرة هنا أيضا، ويضيف إليها القانون الإماراتي شرط آخر وهو أن يوافق المحمول له عليه بالنسبة على هذا الإقرار.

    ففي قوله: هذا أخي، يشترط لثبوت نسبه مع الشروط السابق أن يصدقه أبوه في ذلك فالإقرار بالنسب في غير البنوة، والأبوة، والأمومة، لا يسري على غير المقر إلا بتصديقه”، فالإقرار بالأخوة والعمومة يشترط فيه أن يصدقه المقر عليه، للأب عند الإقرار بالأخوة، والجد عند الإقرار بالعمومة، وأن يقيم المقر البينة على إقراره.

    الفرع الثالث: القرعة

    وهي أضعف طرق إثبات النسب الشرعي، ولذا لم يقل بها جمهور العلماء، وإنما ذهب إلى القول بها، واعتبار ها طريقة من طرق إثبات النسب: الظاهرية والمالكية في أولاد الإماء.

    وقال الإمام الخطابي: (وفيه إثبات القرعة في أمر الولد، وإحقاق القارع).

    والقرعة عند القائلين بها لا يصار إلى الحكم بها إلا عند تعذر غيرها من طرق إثبات النسب من فراش أو بينة أو قيافة، أو في حالة تساوي البينتين، أو تعارض قول القافة، فيصار حينئذ إلي القرعة حفاظاً

    للنسب عن الضياع وقطعاً للنزاع والخصومة فالحكم بها غاية ما يقدر عليه، وهي أولي من ضياع نسب المولود لما يترتب علي ذلك من مفاسد كثيرة.

    الفرع الرابع: حكم القاضي

    وهذا أيضا دليل من الأدلة العامة التي يشترك ُ فيها النَّسب وغيره، وحكم القاضي أو قضاؤه يرفع الخلاف، ويفصل في قضايا دعوى النسب، وحكم القاضي بالنسب يعد دليلاً مستقلاً، ولأن مستنده قد يكون مختلفاً في اعتباره مستندا، فإذا حكم بمقتضاه ارتفع الخلاف فيه، وكان الحكم طريق الثبوت.

    الفرع الخامس: الاستفاضة

    ويعبر عنه بالتسامع: وهو استفاضة الخبر واشتهاره بين الناس، وقد اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على جواز إثبات النسب بشهادة السماع، كما هو الشأن في الزواج أو الزفاف والدخول بالزوجة، والرضاعة والولادة والوفاة، والاستفاضة دليل من الأدلة التي تستعمل في اثبات النسب، ويطلق عليها السماع، وهي أن يشهد َّ جمع مستفيض أنهم سمعوا أن فلانا ابن فلان، وأن هذا النسب مستفيض بين الناس أي منتشر.

    المطلب الثالث

    طرق إثبات النسب الخاصة

    (وهي التي تستعمل في إثبات النسب خاصة) وهي إجمالاً أربعة: الفراش، الاستلحاق، والحمل، والقافة.

  11. الفراش

    أجمع العلماء على إثبات النسب به بل هو أقوى الطرق كلها، قال العلامة بن القيم: (فأما ثبوت النسب بالفراش فأجمعت عليه الأمة ).

    والمراد بالفراش: فراش الزوجة الصحيح، أو ما يشبه الصحيح، فالصحيح هو عقد النكاح المعتبر شرعاً، حيث توفرت أركانه وشروطه، وانتفت موانعه، وأما ما يشبه الصحيح فهو عقد النكاح الفاسد، وهو المختلف في صحته، وكذا الوطء بشبهة على اختلاف أنواعها، فإن حكمه حكم الوطء بنكاح صحيح فيما يتعلق بثبوت نسب المولود الناتج عن ذلك الوطء.

  12. الاستلحاق

    ويعبر عنه أيضاً بـ (الإقرار بالنسب) وغالباً ما يكون في أولاد الإماء والإقرار بالنسب على نوعين:

    الأول: إقرار يحمله المقر على نفسه فقط كالإقرار بالبنوة، أو الأبوة.

    الثاني: إقرار يحمله المقر على غيره وهو ما عدا الإقرار بالبنوة والأبوة كالإقرار بالأخوة، والعمومة.

    وقد أشترط الفقهاء لصحة الإقرار بالنسب في كلا النوعين شروطاً لا بد من تحققها لصحة الإقرار وثبوت النسب بمقتضاه، فاشترطوا لصحة الإقرار بالنسب على النفس الشروط التالية:

    1- أن يكون المقر بالنسب بالغاً، عاقلاً، فلا يصح إقرار الصغير، ولا المجنون، لعدم الاعتداد بقولهم لقصورهم عن حد التكليف.

    2- أن يكون المقر له بالنسب ممن يمكن ثبوت نسبه من المقر، وذلك بأن يولد مثله لمثله، فلو أقر من عمره عشرون ببنوة من عمره خمسة عشر لم يقبل إقراره، لاستحالة ذلك عادة.

    3- أن يكون المقر له مجهول النسب، لأن معلوم النسب لا يصح إبطال نسبه السابق بحال من الأحوال.

    4- ألا يكذب المقرب المقر له المقر، إن كان أهلاً لقبول قوله، فإن كذبه فإنه لا يصح الإقرار عندئذ. ولا يثبت به النسب.

    5- ألا يصرح المقر بأن المقر له ولده من الزنا، فإن صرح بذلك فإنه لا يقبل إقراره، لأن الزنا لا يكون سبباً في ثبوت النسب لقول النبي صلي الله عليه وسلم (الولد للفراش وللعاهر الحجر)

    6- ألا ينازع المقر بالنسب أحد، لأنه إذا نازعه غير فليس أحدهما أولي من الأخر بمجرد الدعوى، فلابد من مرجح لأحدهما فإن لم يكن فإنه يعرض على القافة، فيكون ثبوت النسب لأحدهما بالقيافة لا بالإقرار. فإذا توفرت هذه الشروط ثبت نسب المقر له من المقر.

  13. الحمل

    ثبوت الحمل أثناء العدة من أدلة ثبوت النسب، وهذا الدليل يكون في المطلقات حي إن المطلقة ليست فراشا، فقد زال الفراش بالطلاق، وهناك خلاف في مدى لحوق الحمل مبني على الاختلاف في أقصى مدة الحمل، فقد اتفق أهل العلم على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر. واختلفوا في أقصى مدة

    الحمل على أقوال؛ وثبوت النسب مبني على هذه الأقوال، والمعمول به أنه لا يثبت حمل لأكثر من سنة.

  14. القيافة

    وهي لغة تتبع الآثار لمعرفة أصحابها، والقائف: من يتبع الأثر ويعرف صاحبه، وجمعه قافه.

    والقائف في الاصطلاح الشرعي: هو الذي يعرف النسب بفراسته ونظره إلي أعضاء المولود.

    والقيافة عند القائلين بالحكم بها في إثبات النسب، إنما تستعمل عند عدم الفراش، والبينة، وحال الاشتباه في نسب المولود والتنازع عليه، فيعرض علي القافة، ومن ألحقته به القافة من المتنازعين نسبه، ألحق به.

    وقد أختلف العلماء في حكم إثبات النسب بها على قولين مشهورين:

    القول الأول: أنه لا يصح الحكم بالقيافة في إثبات النسب، وبه قال الحنفية.

    القول الثاني: اعتبار الحكم بالقيافة في إثبات النسب عند الاشتباه والتنازع. وبه قال جمهور العلماء، حيث قال به: الشافعية والحنابلة والظاهرية والمالكية في أولاد الإماء في المشهور من مذهبهم، وقيل: في أولاد الحرائر أيضاً.

    ومما لا شك فيه أن ما ذهب إليه الجمهور من الحكم بالقيافة واعتبارها طريقاً شرعياً في إثبات النسب هو الراجح، لدلالة السنة المطهرة على ذلك، وثبوت العمل بها عند عدد من الصحابة رضي الله عنهم، ولم يعرف لهم مخالف.

    فكان كالإجماع منهم على الحكم بها.

    هذا وقد أشترط الجمهور لاعتبار قول القائف، والحكم به في إثبات النسب عدة شروط من أهمها: أن يكون القائف مسلماً مكلفاً، عدلاً، ذكراً، سميعاً، بصيراً، عارفاً بالقيافة، مجرباً في الإصابة.

    وقد ذهب أكثر القائلين بالحكم بالقيافة إلى جواز الاكتفاء بقول قائف واحد والحكم بإثبات النسب بناء على قوله، بينما ذهب آخرون إلى أنه لا يقبل في ذلك أقل من أثنين.

    هذا وإن لم تتفق القافة على إلحاق المجهول نسبه بأحد المدعيين، بل تباينت أقوالها وتعارضت، فإن قولها يسقط لتعارضها، كالبينتين إذا تعارضتا تساقطتا، إلا في حالة واحدة وهي أن يتفق اثنين من الفاقة على إلحاقه بشخص، ويخالفهما قائف واحد، فإنه لا يلتفت إلى قوله، ويؤخذ بقول الاثنين لأنهما كالشاهدين، فقولهما أقوي من قول الواحد.

    أما ما عدا ذلك من حالات الاختلاف كأن يعارض قول اثنين قول اثنين أحرين، أو قول ثلاثة فإن قول القافة يسقط في هذه الحالات كلها. وبهذا قال الحنابلة.

    أما لو أخذ بقول القافة، وحكم به حاكم، ثم جاءت قافة أخري فألحقته بشخص أخر، فإنه لا يلتفت إلى قول المتأخر منهما، لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف، ومثل هذا أيضاً لو رجعت القافة عن قولها بعد الحكم به وألحقته بشخص أخر فإنه لا يلتفت إلى رجوعها عن قولها الأول لثبوت نسب المجهول بمن ألحق به أولاً وبهذا قال الشافعية والحنابلة.

    وإذا لم يؤخذ بقول القافة لاختلاف أقوالها، أو أشكل الأمر عليها فلم تلحقه بواحد من المدعين، أو لم توجد قافة، فإن نسب المجهول يضيع على الصحيح من مذهب الحنابلة.

    والقول الأخر للحنابلة هو مذهب الشافعية: أن الأمر يترك حتى يبلغ المجهول، ثم يؤمر بالانتساب إلى أحد المدعين، لأنه روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال للغلام الذي ألحقته القافة بالمدعيين (والِ أيهما شئت)، ولأنه إذا تعذر العمل بقول القافة رجع إلي اختيار الولد ، لأن الإنسان يميل بطبعه إلي قريبه دون غيره، ولأنه إذا بلغ صار أهلاً للإقرار، فإذا صدقه المقر له فيثبت نسبه حينئذ بالإقرار.

    وفي قول في كلا المذهبين: أنه يؤمر بالاختيار والانتساب إلى أحد المدعيين إذا بلغ سن التمييز.

    والمفهوم من مذاهب المالكية: أن الحكم كذلك، حيث نصوا على أن الفاقة إذا بأكثر من أب ألحق بهم حتى يبلغ، ثم يؤمر باختيار واحد منهم.

    قال ابن رشد: ” وهذه المسألة مرجوع فيها إلى العادة والتجربة، وقول ابن عبد الحكم والظاهرية هو أقرب إلى المعتاد، والحكم إنما يجب بالمعتاد، لا بالنادر، ولعله أن يكون مستحيلاً”.

    المطلب الرابع

    تعريف البصمة الوراثية

    في اللغة والاصطلاح

    تتركب جملة البصمة الوراثية من كلمتين: البصمة والوراثة، لذلك يتعين تعريف كل منهما.

  15. البصمة: جمعها بصمات، بَصَمَ، يبصم، بصماً، فهو باصم، ويقال بصم الشخص أي ختم بطرف أصبعه، ورسم، وطبع علامة على قماش وورق ونحوها. وأصلها في اللغة هو الغلظة والكثافة، يقال رجل ذو بصم أي غليظ، وثوب له بصم إذا كان كثيفا كثير الغزل. والبُصْمُ: بالضم فوت ما بين طرف الخنصر إلى طرف البنصر والفوت هو ما بين الأصبعين.
  16. الوراثية في اللغة:

    الوراثة: من مصدر ورث أو أرث ويقال: ورث فلان المال ورثا وإرثا أي صار إليه بعد مـوته وفي الحديث ” لا يرث المسلم الكافر “، ويقال أورث فلاناً: أي جعله من ورثته.

    والورث والوراثة والميراث هي مصادر ما يخلفه الميت لورثته، والميراث: جمع مواريث وهو تركة الميت.

    وقد ذكرت كلمة الوراثة بمعناها اللغوي وما يتعلق بها في القرآن الكريم في أكثر من موطن منها على سبيل المثال قوله تعالى: {… رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ}.

    وأيضا قول الحق سبحانه وتعالى: {… وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.

    وقد كان من دعاء النبي صلي الله عليه وسلم: {اللهم متعني بسمعي وبصري واجعلهما الوارث مني}. أي أبقهما معي صحيحين سليمين حتى أموت … وقيل أيضا: أراد بقاءهما وقوتهما عند الكبر وانحلال القوي النفسانية، فيكون السمع والبصر وارثي سائر القوي والباقية بعدها.

    ج. تعريف الوراثة اصطلاحاً:

    هو العلم الذي يبحث في أسباب التشابه ونتائجه والاختلافات في الصفات بين الأفراد الذين تربطهم صلة القرابة، وهو يوضح بالدقة العلاقة بين الأجيال المتعاقبة.

    فعلم الوراثة: هو الذي يبحث في انتقال الصفات والخواص التشريحية والفسيولوجية والعقلية من جيل سابق إلى الجيل الذي يليه، فهو يفسر سبب التشابه بين الأب وابنه، بل ويفسر أيضا لماذا ينتج النبات نباتا مثله، والحيوان حيوانا مثله.

    فالغاية من علم الوراثة إذن: هي التدخل عبر النشاط الواعي للحفاظ علي كل ما هو إيجابي أو محاربة كل ما يؤثر في الكائن الحي من أمراض وتشوهات، حتي يؤدي الكائن دوره في الحياة كما يجب.

    د. تعريف البصمة الوراثية اصطلاحاً:

    بعد بيان وتوضيح مفهوم كلمتي ” البصمة ” و ” الوراثة ” اللتين تركبت منهما البصمة الوراثية أذكر هنا مفهوم البصمة الوراثية بوصفها لقبا للدلالة على وصفة معينة، على النحو التالي:

    إن أول من أطلق اصطلاح البصمة الوراثية: هو البروفسير الإنجليزي ” إليك جيفري ” في جامعة ليستر بإنجلترا عام 1985م عندما أجري فحوصا روتينية لجينات الإنسان فاكتشف ذلك الحمض النووي الذي يطلق عليه ـ (DNA) وهو المميز لكل شخص مثل بصمات الأصابع فأسماه بالبصمة أو بصمة الحمض النووي.

    ولقد عدَ العلماء ” البصمة الوراثية ” قفزة علمية كبيرة، لما لها من أهمية في علم الطب الشرعي، وعالم الحياة بشكل عام.

    ولا يوجد في الفقه الإسلامي تعريف للبصمة الوراثية، لأنه يعد من الأمور العلمية المستجدة التي لم يبحثها الأوائل، نظرا لقلة الإمكانيات العلمية والأجهزة الدقيقة في عصرهم، بل إن هذه الإمكانيات كانت معدومة.

    ومن الملاحظ أيضا أنه لا يوجد في الفقه الإسلامي تعريف للبصمة الوراثية لحداثة هذا المصطلح ، الذي يعد من الأمور العلمية المستحدثة التي لم توجد في عصر الفقهاء الأوائل وقد حاول بعض العلماء المعاصرين وضع تعريف للبصمة الوراثية باعتبارها من المصطلحات العلمية الحديثة ، وما نلاحظه علي تعريفات العلماء المعاصرين للبصمة الوراثية أنها متقاربة في المعني وإن تباينت عبارتها كما أنها تدور حول محورين أساسيين ، وهما انتقال الصفات الوراثية من الآباء إلي الأبناء ، ودراسة التركيب الوراثي ، لذلك سأورد بعض هذه التعريفات الخاصة بالبصمة الوراثية فيما يلي :

    1ـ عرف الدكتور سعد الدين هلالي البصمة الوراثية بأنها: تعيين هوية الإنسان عن طريق تحليل جزء من أو أجزاء من حمض الدنا المتمركز في نواة أي خلية من خلايا جسمه.

    ويظهر هذا التحليل في صورة شريط من سلسلتين، كل سلسلة بها تدرج على شكل خطوط عريضة مسلسلة وفقا لتسلسل القواعد الأمينية على حمض الدنا، وهي خاصة لكل إنسان تميزه عن الآخر في الترتيب، وفي المسافة ما بين الخطوط العرضية. تمثل إحدى السلسلتين الصفات الوراثية من الأب (صاحب الماء) وتمثل السلسلة الأخرى الصفات الوراثية من الأم (صاحبة البويضة).

    ووسيلة هذا التحليل أجهزة ذات تقنية عالية يسهل على المتدرب عليها قراءتها وحفظها وتخزينها في الكمبيوتر لحين الحاجة إليها

    2 ـ وعرفها الدكتور أبو الوفا محمد أبو الوفا في معرض بحثه فقال بأنها: ” الصفات الوراثية التي تنتقل من الأصول إلى الفروع والتي من شأنها تحديد شخصية الفـرد عـن طـريـق تـحـلـيـل الــدنــا الـذي تـحـتـوي عـلـيـه خـلايـا جـسـده “.

    3 ـ وعرفها الدكتور رمسيس بهنام بأنها: المادة الحاملة للعوامل الوراثية والجينات في الكائنات الحية.

    4 ـ وشبيه بهذا تعريف الدكتور وهبه الزحيلي حيث عرفها بأنها: المادة المورثة الموجودة في خلايا جميع الكائنات الحية.

    5 ـ وعرفتها الدكتورة عائشة سلطان بأنها عبارة عن: النمط الوراثي المتكون من التتابعات المتكررة خلال الحامض النووي وهذه التتابعات تعتبر فريدة ومميزة لكل شخص.

    المطلب الخامس

    خصائص البصمة الوراثية

    للبصمة الوراثية مجموعة من الخصائص تميزها عن غيرها وهذه الخصائص هي: –

  17. اختلاف البصمة الوراثية من شخص لآخر، حيث لا يوجد على سطح المعمورة شخصان يتشابهان في البصمة الوراثية، باستثناء التوائم المتماثلة ومن بويضة واحدة، اذ ان أكثر من نصف القواعد الكيميائية النيتروجينية، التي تتواجد في كروموسومات الخلية الحية، لا تصلح للاستخدام في تقنية البصمة الوراثية ونظرا لتشابهها بين جميع اشخاص النوع الواحد، اما بقية هذه القواعد وما تحتويه من الحامض النووي (DNA) فإنها تختلف من جيل الى آخر ومن شخص لآخر، وهي التي تستخدم في تحليل البصمة الوراثية.

    2- تمتاز البصمة الوراثية بتنوع مصادرها، اذ يمكن الحصول على البصمة الوراثية من اي من المصادر البيولوجية سواء كانت العينات سائلة كالدم واللعاب والمني والمخاط ام انسجة كاللحم والعظم والجلد والشعر، وقد تغني هذه الخاصية التي تمتاز بها البصمة الوراثية عن بصمة الاصبع في حالة عدم وجود اثار لبصمات الاصابع للمجرمين في مكان الجريمة.

    3- ومن اهم خصائص البصمة الوراثية أيضاً انها تتواجد في جميع خلايا جسم الانسان (ما عدا كريات الدم الحمراء)، فضلا عن ذلك انها متطابقة في جميع خلايا الجسم، كما انها لا تتغير ولا تتبدل بمرور الزمن عليها، حيث يبقى الحامض النووي ثابتاً الى ما بعد وفاة الانسان.

    4- تظهر البصمة الوراثية على شكل خطوط عريضة، مما يجعل منها وسيلة سهلة القراءة والحفظ والتخزين، حيث انها تخزن في الحاسب الالي لحين الحاجة اليها، كما دعت العديد من الدول وخاصة الدول المتقدمة تقنياً الى انشاء بنوك لقواعد معلومات تستند على الحامض النووي للتعرف على مواطنيها كما انشأت بنوكاً خاصة بالمتهمين في مختلف القضايا حتى تكون دليلاً يسهل العودة اليه عند حدوث حالة اشتباه

    المطلب السادس

    المراد باللعان في اللغة والاصطلاح

    وفيه فرعان:

    الفرع الأول: تعريف اللعان في اللغة

    اللعان في اللغة: الطرد والإبعاد، وفعله لاعن يلاعن مصدره لعاناً ( ولاعَنَ امرأته ملاعنة ولِعاناً وتَلَاُعناً والْتَعَنَا لَعَنَ بعض بعضا ، ولاعن الحاكم بينهما لِعاناً : حكم والتلعين التعذيب ولعنه كمنعه ، طرده وأبعده فهو لعين ملعون جمعه ملاعين) ، اللعين من يلعنه كل أحد ، والتلاعن: التشاتم والتهاجن.

    الفرع الثاني: تعريف اللعان في الاصطلاح

    ورد تعريف اللعان اصطلاحاً في الشريعة وفي البعض من قوانين الاحوال الشخصية وعلى النحو الآتي:

    أولاً: التعريف في الشريعة الإسلامية

    عّرف الفقهاء المسلمون اللعان بتعاريف متعددة. وهذه التعاريف وإن كانت تختلف من حيث الالفاظ إلا انها تتحد من حيث المعنى.

    لذا يمكن تعريف اللعان: (بأنه مباهلة خاصة بين الزوجين أثرها رفع الحد أو نفي الولد). والمباهلة هي الملاعنة ووصفت بأنها خاصة لأنها تتم بصيغة مخصوصة وردت في القرآن الكريم لا يمكن الإتيان بغيرها وإذا تمت الملاعنة بين الزوجين ينتج عنها رفع حد القذف بالنسبة للزوج وحد الزنا بالنسبة للزوجة أو نفي الولد بالنسبة للزوج. وهكذا يتضح ان اللعان في اللغة والاصطلاح يأتي بذات المعنى وهو الطرد أو الابعاد لإنه بمجرد الملاعنة بين الزوجين تحصل الفرقة بين الزوجين ويبتعد كل عن الآخر.

    ثانياً: التعريف في قوانين الأحوال الشخصية

    لا يختلف التعريف الذي جاءت به قوانين الأحوال الشخصية للعان عن تلك التعاريف التي وضعها له فقهاء الشريعة الاسلامية ومن هذه القوانين:

  • مفهوم البصمة الوراثية في بعض القوانين العربية:
  • قانون الاحوال الشخصية الإماراتي

    لم يتطرق قانون الاحوال الشخصية الإماراتي إلى تعريف اللعان، حيث تناول قانون الاحوال الشخصية الاماراتي الأحكام الخاصة باللعان في مادتين هما المواد (96، 97)، حيث حددت المادة (96) الجهة التي تجري امامها الملاعنة وهي المحكمة ونوع الفرقة بين الزوجين حيث نصت على أنه:

    1- اللعان لا يكون الا امام المحكمة ويتم وفق القواعد المقررة شرعاً.

    2- الفرقة باللعان فرقة مؤبدة

  • القانون السوداني

    لم يتعرض القانون السوداني إلى أحكام البصمة الوراثية كتقنية من التقنيات العلمية الحديثة التي يمكن الاستعانة بها ليس في مجال حسم نزاعات النسب فحسب، بل في مجال الاغتصاب والقتل وغيرها من الجرائم التي يمكن أن تكون البصمة حاسمة للبت فيها.

    وبناء على ذلك وللحفاظ على إثبات النسب يمكننا تبني بتعريف مجمع الفقه الإسلامي للبصمة الوراثية الذي ورد فيه:( أن البُنية الجينية نسبة إلى الجينات، أي الموروثات التي تدل على هوية كل إنسان بعينه، وأفادت البحوث والدراسات العلمية أنها من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بالدقة، لتسهيل مهمة الطب الشرعي ويمكن أخذها من أي خلية بشرية من الدم أو اللعاب أو المني أو البول أو غيره.

    وبناءً على ما سبق فإن قانون الأحوال الشخصية السوداني شابه قصور بعدم تعرضه للبصمة الوراثية وأحكامها في حسم نزاع النسب.

  • القانون اليماني:

    عرفت المادة (108) من القانون رقم 20 لسنة 1994 اللعان بأنه (أيمان يكذب بها كل من الزوجين الآخر، به يرتفع النكاح بينهما بحكم المحكمة).

    ويلاحظ من خلال التعريف أعلاه ان المشرع اليماني اعتبر اللعان إيمان أي إداء كل من الزوجين اليمين لغرض تكذيب بعضهما البعض لدفع حد القذف عن الزوج وحد الزنا عن الزوجة فإذا ما تمت الملاعنة بينهما بالصيغة المخصوصة شرعاً فإن العلاقة الزوجية تنتهي لا بإتمام الملاعنة وإنما يتطلب ذلك صدور حكم قضائي.

    وهذا لا يتفق مع ما ذهب اليه جمهور الفقهاء المسلمين بانتهاء العلاقة الزوجية بين الزوجين بتمام الملاعنة.

    المبحث الثاني

    مدى ارتباط إثبات النسب أو نفيه باللعان والبصمة الوراثية

    بمقاصد الشريعة

    المطلب الأول

    حفظ النسب مقصد كلي من مقاصد الشريعة

    النسب هو رابطة سامية وصلة عظيمة على جانب كبير من الخطورة، لذا لم يدعها الشارع الكريم نهبا للعواطف والأهواء تهبها لمن تشاء وتمنعها ممن تشاء، بل تولاها بتشريعه، وأعطاها المزيد من عنايته، وأحاطها بسياج منيع يحميها من الفساد والاضطراب، فأرسى قواعدها على أسس سليمة.

    ولقد حرص الإسلام حرصا كبيرا على سلامة الأنساب ووضوحها، وما ذلك إلا لحفظ كرامة الإنسان، وبناء اسر وأجيال ومجتمعات مسلمة تنعم بالوحدة، والمودة والسعادة والاستقرار.

    ويتجلى ذلك في مكافحة الإسلام للزنا الذي هو أحد الأسباب المهمة في اختلاط الأنساب، قال تعالى (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً (، وأوجد عقوبة الجلد لمن تثبت عليه جريمة الزنى إن كان عزبا لقوله تعالى :(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ).

    وقد ورد في السنة الشريفة التشديد على عقوبة الزنى، بحيث جعلت عقوبة الزاني المحصن هي الرجم حتى الموت، من ذلك قوله- صلى الله عليه وسلم -: “البِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مَائَة وَنَفْيُ سَنَة، وَالثَيِّبُ بالثيب جَلْدُ مائة والرجم”.

    ومن مظاهر حفظ الإسلام للنسب أن الفقهاء والأصوليين قد اعتبروا حفظ النسل أو النسب من مقاصد الإسلام الكلية الخمسة التي لا تستقيم الحياة بدونها وهي: حفظ الدين والنفس والنسل (أو النسب أو العرض) والمال والعقل.

    وقد أمرنا الرسول- صلى الله عليه وسلم -بالاعتناء بالأنساب والاهتمام بها وان لا نخلط في الأنساب شيئا يسبب لها التشويه والتعكير، وأمْرُ الرسول- صلى الله عليه وسلم -هذا جاء على سبيل الفرض، فمن أقواله صلى الله عليه وسلم -: “أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء، ولن يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين”.

    ومنع الشرع أيضا الأبناء من انتسابهم إلى غير آبائهم قال تعالى (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ).، فقال رسول صلى الله عليه وسلم :”من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم، فالجنة عليه حرام”. بل ان بعض الروايات جعلت الانتساب إلى غير الأب الشرعي كفراً بمعنى انه من عمل الجاهلية أو من باب كفر النعمة.

    ولثبوت النسب أهمية كبرى تعود على الولد وعلى والديه وأسرته بصفة عامة فبالنسبة للولد: يدفع ثبوت النسب عنه التعرض للعار والضياع.

  • وبالنسبة للام: يحميها ثبوت نسب ولدها من الفضيحة والرمي بالسوء.
  • وبالنسبة للأب: يحفظ ثبوت النسب ولده أن يضيع أو ان ينسب إلى غيره.
  • وبالنسبة للأسرة: يؤدي حفظ النسب إلى صيانتها من كل دنس وريبة، والى بناء العلاقات فيها على أساس متين. ولأجل هذه المعاني حرصت الشريعة الإسلامية على حفظ الأنساب من أن تتعرض للكذب والضياع والزيف، ولم تترك أمر إثبات النسب أو نفيه للمزاج الشخصي غير المستند إلى الحقيقة والواقع.

    المطلب الثاني: اللعان ومقاصد الشريعة

    اللعان من التشريعات التي جاءت لمراعاة حفظ النسل، فإن رأى الرجل زوجته تزني، ولم يمكنه إقامة البينة، أو قذفها بالزنا ولم تقر هي بذلك، فلإزالة مثل هذه المشكلة شرع االله عز وجل اللعان، رفعا للحرج عنه؛ لئلا يلحقه العار بزناها، ويفسد فراشه، ويلحقه ولد غيره، ويأثم بسكوته عن الفاحشة في فراشه.

    وذكر ابن القيم كلاما ًبديعاً عن حكمة تشريع النكاح، وأنه جعل للقاذف إسقاط الحد باللعان في الزوجة دون الأجنبية، وكلاهما قد ألحق بهما العار، وقال: فهذا من أعظم محاسن الشريعة؛ فإن قاذف الأجنبية مستغن عن قذفها، لا حاجة له إليه البتة؛ فإن زناها لا يضره شيئا، ولا يفسد عليه فراشه، ولا يعلق عليه أولاداً من غيره، وقذفها عدوان محض، وأذى لمحصنة غافلة مؤمنة.

    فترتب عليه الحد زجر له وعقوبة، وأما الزوج فإنه يلحقه بزناها من العار والمسبة وإفساد الفراش وإلحاق ولد غيره به، وانصراف قلبها عنه إلى غيره؛ فهو محتاج إلى قذفها، ونفي النسب الفاسد عنه، وتخلصه من المسبة والعار؛ لكونه زوج بغي فاجرة.

    ومن مظاهر عناية الإسلام بحفظ العرض أن حرم القذف وتوعد عليه وشرع عقوبة للقاذف، ولما كان حكم القذف عاما يتناول الزوج وغيره جاء في هذه الآية حكم قذف خاص، وهو قذف الزوج زوجته وحينئذ شرع اللعان.

    فإذا قذف الزوج زوجته وجب عليه البينة أو حُدّْ حدَّ القذف ثمانين جلدة أو يلاعن بهذه الأيمان المغلظة المكررة المتبوعة بالدعاء باللعنة والغضب، فكان واجب الزوج أن يحفظ لسانه ويطهره من التساهل في إلقاء التهمة على الزوجة والخوض في عرضها بدون دليل قاطع.

    وقد دل تشريع اللعان على أنه يجب على الزوج تطهير لسانه عن رمي زوجته بالزنى من غير بينة وعلى خطورة هذا الأمر وأنه سبب في نشر الرذيلة وإشاعة الفاحشة في وسط الجماعة المسلمة فقد جعل التشديد في حضور الشهداء الأربعة وفي الأيمان الأربعة للزوجين وإقامة التلاعن والشهادة على نفسه باللعنة وهي طرد وإبعاد من رحمة االله، وعلى نفسها بالغضب وهو سخط وانتقام من االله ثم الفرقة الأبدية بينهما.

    المطلب الثالث

    البصمة الوراثية ومقاصد الشريعة

    تقدم أن حفظ النسب من ضرورات الشريعة ومقاصدها الكلية، لذا اتفقت المذاهب في الجملة على أن ” النسب يحتاط لإثباته لا لنفيه” قال ابن قدامه: (فإن النسب يحتاط لإثباته ويثبت بأدنى دليل، ويلزم من ذلك التشديد في نفيه. وأنه لا ينتفي إلا بأقوى دليل.

    وذلك أن النسب يعد أقوى الدعائم التي تقوم عليها الأسرة، ويرتبط الأفراد بمعالمها، لذلك كان اهتمام الشريعة الإسلامية بثبوت النسب واضحا جليا حيث إن الشارع متشوف إلى اتصال الأنساب وعدم انقطاعها؛ “وذلك لما فيها من التعاون والتعارف فيحصل بذلك عمارة الدنيا وعبادة االله تعالى.

    والبصمة الوراثية أكثر دقة من القيافة التي يعتمد عليها شرعا في إثبات النسب؛ ولذلك فإنه يمكن الاستفادة منها في الإثبات فيما سوى إثبات الحدود الشرعية والقصاص، لحديث: “ادرؤوا الحدود بالشبهات”.

    وأوجه الاستفادة التي تحقق مقاصد الشريعة من البصمة الوراثية كثيرة منها:

    أولاً: لا مانع شرعا من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي، واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص، لخبر:”ادرؤوا الحدود بالشبهات”، وذلك يحقق العدالة والأمن للمجتمع، ويؤدي إلى نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم، وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة.

    ثانياً: إن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لا بد أن يحاط بمنتهى الحذر والحيطة والسرية، ولذلك لا بد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية.

    إن العمل بالبصمة الوراثية في موضوع إثبات النسب يحقق لنا فوائد جمة، منها على سبيل الأمثلة لا الحصر ما يلي:

  • إنّ البصمة الوراثية أو ما يعرف ببصمة الحمض النووي مهمةٌ جدًا في عملية المطابقة والمقارنة وتؤمن وسيلةً سهلةً لتحقيق ذلك، حيث يمكن إيجادها في العديد من سوائل جسم الشخص وأنسجته، إذ يكفي أخذ مسحة من لعابه على قطعةٍ من القطن أو شعرةٍ منه مما يقلل من تكاليف وإزعاج عملية سحب الدم من الشخص.
  • يمكن استخدام البصمة الوراثية لإنشاء ملف تعريفٍ وراثيٍّ (بصمةٍ جينيةٍ) للأشخاص، مما يخدم في تحديد الأفراد الذين ينتمون إلى نفس العائلة والتعرف على الجثث المشوهة المعالم.
  • عينات الحمض النووي لا تتلف أو تتحلل مع مرور الوقت كما هو الحال مع بقية أنواع الأدلة الجنائية، مما يعني أنّه في حال تم تخزينها وفق الشكل الصحيح فيمكن الاحتفاظ بالأدلة المأخوذة من الحمض النووي إلى أمدٍ بعيدٍ.
  • يتم استخدام البصمة الوراثية كذلك في تحديد بعض الأمراض الوراثية التي قد تودي بحياة الفرد في حال لم يتم اكتشافها سريعًا، ومنها مرض الفينايل آيتون يوريا PKU وهو أحد الأمراض الاستقلابية

    نادرة الحدوث، حيث يقل عدد الحالات عن 20000 حالة سنويًّا، إلا أنّ تشخيصه المسبق يُعد مهمًا للغاية لكي يتم علاجه عبر اتباع نظامٍ غذائيٍّ محددٍ لمنع تلف الدماغ.

  • سلبيات استخدام البصمة الوراثية
  • تم اكتشاف ثغراتٍ أمنيةٍ تتضمن أجهزة الكمبيوتر والموبايل تدعى Meltdown و Spectre، حيث يستطيع المتسللون عبرها من سرقة البيانات من هذه المعالجات غير المحصنة، والتي تعتبر موجودةً في 90% من الأجهزة حول العالم، إذ يمكنهم الحصول على قواعد البيانات التي تتضمن معلومات الحمض النووي، مما يسمح لهم باستخدام ذلك لسرقة هوية شخصٍ ما.
  • أصبح اكتشاف البصمة الوراثية قضيةً مزعجةً للكثيرين ممن صادف وجودهم في مكانٍ ما قبل حدوث جريمة قتلٍ فيه، حيث تم الحصول على آثارٍ من حمضهم النووي في المكان مما جعلهم مشتبهين في جريمةٍ لا علم لهم بها.
  • على الرغم مما يشاع حول البصمة الوراثية على أنّها علمٌ دقيقٌ بنسبة 100%، إلا أنّ هذا غير صحيحٍ، فقد تم اكتشاف عدة حالاتٍ تطابق فيها 9 من 13 موقع كروموسوم بين شخصين على الرغم من عدم وجود صلةٍ بينهما!

المبحث الثالث

أحكام استخدام البصمة الوراثية

في نفي النسب وإثباته

المطلب الأول

حكم استخدام البصمة الوراثية في نفي النسب

من القواعد المهمة في باب النسب: ” النسب يحتاط في إثباته لا في نفيه ” وقد اتفق على مدلول هذه القاعدة المذاهب الأربعة، حيث إن شريعة الإسلام تتشوف إلى إثبات الأنساب واتصالها وعدم انقطاعها وتسعى إلى المحافظة عليها ما أمكن، فمن أتت امرأته بولد يمكن كونه منه ويمكن كونه من غيره ألحقناه به احتياطا لثبوته، ولم نقطعه عنه احتياطا لنفيه.

فالمصير إلى إثبات النسب متعين متى أمكن ذلك، ولا يحكم بانقطاع النسب إلا حيث يتعذر إثباته بكل سبيل؛ إحياء للنسل ورعاية للذرية وقد بنيت أحكام النسب على التغليب والأخذ بأدنى الأسباب في ثبوته، قال ابن قدامة -رحمه االله-: ” لحوق النسب مبني على التغليب وهو يثبت بمجرد الإمكان وإن

كان لم يثبت الوطء”، وقال ” فإن النسب يحتاط لإثباته، ويثبت بأدنى دليل ويلزم من ذلك التشديد في نفيه وإنه لا ينتفي إلا بأقوى الأدلة “.

وقد اختلف الفقهاء المعاصرون في صحة نفي النسب بالبصمة الوراثية فقط دون اللعان ويمكن تلخيص آرائهم على النحو التالي:

القول الأول: لا ينتفي النسب الشرعي الثابت بالفراش «الزوجية» إلا باللعان فقط، ولا يجوز تقديم البصمة الوراثية على اللعان، وهذا القول عليه عامة الفقهاء المعاصرين، وعليه قرار مجمع الفقه الإسلامي بالرباط وجاء فيه: «لا يجوز شرعاً الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب، ولا يجوز تقديمها على اللعان».

القول الثاني: يمكن الاستغناء عن اللعان والاكتفاء بنتيجة البصمة الوراثية إذا تيقن الزوج أن الحمل ليس منه.

القول الثالث: إن الطفل لا ينفى نسبه باللعان إذا جاءت البصمة الوراثية تؤكد صحة نسبة للزوج ولو لاعن، وينفى النسب باللعان فقط إذا جاءت البصمة تؤكد قوله وتعتبر دليلاً تكميلاً، وهذا الرأي ذهب إليه نصر فريد واصل، وعليه الفتوى بدور الإفتاء المصرية.

القول الرابع: إذا ثبت يقيناً بالبصمة الوراثية أن الحمل أو الولد ليس من الزوج فلا وجه لإجراء اللعان وينفى النسب بذلك.

إلا أنه يكون للزوجة الحق في طلب اللعان لنفي الحد عنها لاحتمال أن يكون حملها بسبب وطء شبهة، وإذا ثبت عن طريق البصمة الوراثية أن الولد من الزوج وجب عليه حد القذف.

الأدلة:

أولاً: استدل القائلون بأن النسب لا ينفى إلا باللعان فقط بما يلي:

1 – قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ* وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ* عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ* وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}

وجه الدلالة:

أن الآية ذكرت أن الزوج إذا لم يملك الشـهادة إلا نفسه فيلجأ للعان، وإحداث البصمة بعد الآية تزّيد على كتاب الله: «مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ ».

2 – عن عائشة رضي الله عنها قالت كان عتبة عهد إلى أخيه سعد أن ابن وليدة زمعة مني فأقبضه إليك، فلما كان عام الفتح أخذه سعد فقال ابن أخي عهد إلى فيه فقام عبد بن زمعة فقال أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فتساوقا «تدافعا» إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- فقال سعد : يا رسول الله ابن أخي قد كان عهد إلي فيه ، فقال عبد بن زمعة أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم قال لسودة بنت زمعة احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة فما رآها حتى لقي الله.

وجه الدلالة :

أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أهدر الشبه البين وهو الذي يعتمد على الصفات الوراثية وأبقى الحكم ا لأصلي وهو «الولد للفراش» فلا ينفى النسب إلا باللعان فحسب .

3 – حديث ابن عباس في قصة الملاعنة وفيه: «أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الإليتين، خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء … فجاءت به كذلك فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: لولا ما قضي من كتاب الله لكان لي ولها شأن».

وجه الدلالة:

«إذا نفى الزوج ولداً من زوجته ولد على فراشه فلا يلتفت إلى قول القافة ولا تحليل البصمة الوراثية لأن ذلك يعارض حكماً شرعياً مقرراً وهو إجراء اللعان بين الزوجين، ولذلك ألغى رسول الله – صلى الله عليه وسلم دليل الشبه» بين الزاني والولد الملاعن عليه.

ودليل «الشبه» الذي أهدره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هنا يعتمد على الصفات الوراثية فهو أشبه بالبصمة الوراثية ومع ذلك لم يقو على معارضة الأصل الذي نزل به القرآن في إجراء اللعان

وقال ابن القيم تعليقاً على الحديث السابق أن فيه: «إرشاد منه – صلى الله عليه وسلم – إلى اعتبار الحكم بالقافة، وأن للشبه مدخلاً في معرفة النسب، وإلحاق الولد بمنزلة الشبه، وإنما لم يُلحق بالملاعن لو قدر أن الشبه له، لمعارضة اللعان الذي هو أقوى منه الشبه له».

4 – إن الطريق الشرعي الوحيد لنفي النسب هو اللعان ولو أن الزوجة أقرت بصدق زوجها فيما رماها به من الفاحشة فإن النسب يلحق الزوج لقوله – صلى الله عليه وسلم- الولد للفراش وللعاهر الحجر ” ولا ينتفي عنه إلا باللعان، ثم كيف يجوز إلغاء حكم شرعي بناء على نظريات طبية مظنونة.

5 – إننا لا نستطيع أن نعتمد على البصمة فحسب ونقيم حد الزنا على الزوجة، بل لابد من البينة، فكيف تقدم البصمة على اللعان ولا نقدمها على الحد.

ثانياً: أدلة القائلين باعتبار البصمة الوراثية :

1 – قوله تعالى: «{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ»

وجه الدلالة:

أن اللعان يكون عندما ينعدم الشهود وليس ثمة شاهد إلا الزوج فقط حينئذ يكون اللعان. أما إذا كان مع الزوج بينة كالبصمة الوراثية تشهد لقوله أو تنفيه فليس هناك موجب للعان أصلا لاختلال الشرط في الآية.

2 – أن الآية ذكرت درء العذاب، ولم تذكر نفي النسب ولا تلازم بين اللعان ونفي النسب، فيمكن أن يلاعن الرجل ويدرأ عن نفسه العذاب ولا يمنع أن ينسب الطفل إليه إذا ثبت ذلك بالبصمة الوراثية.

3 – قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ* وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ }.

وجه الدلالة:

أن شق القميص من جهة معينة اعتبرت نوعاً من الشهادة والبصمة الوراثية تقوم مقام الشهادة.

4- إن نتائج البصمة يقينية قطعية لكونها مبنية على الحس، وإذا أجرينا تحليل البصمة الوراثية وثبت أن الطفل من الزوج وأراد أن ينفيه، فكيف نقطع النسب ونكذب الحس والواقع ونخالف العقل، ولا يمكن البتة أن يتعارض الشرع الحكيم مع العقل السليم في مثل هذه المسائل المعقولة المعنى وهي ليست تعبدية، فإنكار الزوج وطلب اللعان بعد ظهور النتيجة نوع من المكابرة والشرع يتنزه أن يثبت حكماً بني على المكابرة.

5- أن الشارع يتشوف إلى إثبات النسب رعاية لحق الصغير ومخالفة البصمة لقول الزوج في النفي يتنافى مع أصل من أصول الشريعة في حفظ الأنساب، وإنفاذ اللعان مع مخالفة البصمة لقول الزوج مع خراب الذمم عند بعض الناس في هذا الزمان وتعدد حالات باعث الكيد للزوجة يوجب عدم نفي نسب الطفل إحقاقاً للحق وباعثاً لاستقرار الأوضاع الصحيحة في المجتمع.

الترجيح:

قبل ذكر القول الراجح يجدر الاشارة إلى النقاط التالية:

1 – لا خلاف بين الفقهاء في أن الزوج إذا لاعن ونفى نسب الطفل وجاءت النتيجة تؤكد قوله، فإن النسب ينتفي ويفرق بينهما لكن الزوجة لا تحد لوجود شبهة اللعان و «الحدود تدرأ بالشبهات».

2 – لا خلاف بين الباحثين في المسألة لو أن الزوجين رضيا بإجراء البصمة قبل اللعان للتأكد وإزالة الشبهة فإن ذلك يجوز في حقهما، بل استحسن بعض الفقهاء عرض ذلك على الزوجين قبل اللعان ويظهر أن البصمة الوراثية إذا جاءت مخالفة لقول الزوج فلا يلتفت لدعواه بنفي النسب وإن لاعن أو طلب اللعان، وأن نسب الطفل يثبت للزوج ويجري عليه أحكام الولد وإن جاءت موافقة لقول الزوج فله أن يلاعن وذلك للأمور التالية:

1– أن الشريعة أعظم من أن تبني أحكامها على مخالفة الحس والواقع، فإن الشرع أرفع قدراً من ذلك والميزان الذي أنزله الله للحكم بين الناس بالحق يأبى كل الإباء ذلك.

فلو استلحق رجلاً من يساويه في السن وادعى أنه أبوه فإننا نرفض ذلك لمخالفته للعقل والحس.

فلا يمكن أن يتساوى أب وابن في السن مع أن الاستلحاق في الأصل مشروع.

وقد رد جماهير العلماء دعوى امرأة مشـرقية تزوجت بمغربي ولم يلتقيا وأتت بولد، فإن الولد لا يكون لزوجها المغربي البتة لمخالفة ذلك للحس والعقل.

وهذا النفي ليس تقديماً لقوله – صلى الله عليه وسلم -: «الولد للفراش» إنما لمخالفة ذلك لصريح العقل والحس.

2 – أن آية اللعان قيدت إجراءه بما إذا لم يكن ثمة شاهد إلا الزوج، ومفهومه أنه لو كان هناك بينة من شـهود فإنه لا يجرى اللعان، بل يثبت ما رمى به الزوج زوجته.

ومن البديهي لو كانت هناك بينة أخرى غير الشهادة فلا وجه لإجراء اللعان كما لو أقرت الزوجة زوجها فيما رماها به من الزنا، فإذا منعنا وقوع اللعان لوجود سبب مانع له، فما وجه إجرائه مع وجود

بينة قطعية «البصمة الوراثية» تخالف دعوى الزوج، فإننا إذا قمنا بذلك كان ضرباً من المكابرة ومخالفة للحس والعقل، واللعان معقول المعنى معروف السبب وليس تعبدياً محضا.

وقال ابن القيم: «والشاهدان من البينة، ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها كدلالة الحال على صدق المدعي، فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد…».

فإذا علمنا أن الشهادة أقوى من قول الزوج في اللعان لأن الشهادة مبنية على غلبة الظن أما قول الزوج في اللعان فهو متساوي الطرفين في الصدق أو الكذب أي بنسبة (50 %) لأنه إما أن يكون صادقاً أو تكون الزوجة صادقة، فهل من الفقه أن ندع بينة قطعية تصل لـ 99.9 % تؤكد كـذب الزوج ونأخذ ما هو محتمل للصدق بنسبة 50% وننسب ذلك للشريعة؟

3 – قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ }.

فإلحاق نسب الطفل بأبيه مقصد عظيم من مقاصد الشريعة، فإذا أثبتت البصمة الوراثية نسب طفل وأراد الأب لأوهام وشكوك أو للتهرب من النفقة أو لأي غرض آخر – مع ضعف الذمم في هذا الزمان – فإن العدل يقتضي أن نلحق الطفل بأبيه ولا نمكن الأب من اللعان لئلا يكون سبباً في ضياع الطفل.

4 – إن الاحتجاج بقصة اختصام عبد بن زمعة مع سعد بن أبي وقاص وإلحاق الرسول – صلى الله عليه وسلم – الولد بالفراش وأمره لسودة بالاحتجاب منه مع أنه أخوها، فقد قال ابن القيم: «وأما أمره سودة بالاحتجاب منه، فإما أنه يكون على طريق الاحتياط والورع لمكان الشبهة التي أورثها الشَّبَهُ البيِّن بعُتبة، وأما أن يكون مراعاة للشبهين وإعمالاً للدليلين فإن الفراش دليل لحوق النسب، والشبه بغير صاحبه دليل نفيه فأعمل أمر الفراش بالنسبة إلى المدّعي لقوته، وأعمل الشَّبه بعتبة بالنسبة إلى ثبوت المحرمية بينه وبين سودة، وهذا من أحسن الأحكام وأبينها، وأوضحها، ولا يمنع ثبوت النسب من وجه دون وجه وقال: وقد يتخلف بعض أحكام النسب مع ثبوته لمانع، وهذا كثير في الشريعة، فلا ينكر مِن تخلُّف المحرمية بين سودة وبين هذا الغلام لمانع الشبه بعتبة، وهل هذا إلا محض الفقه.

فدعوى أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – لم يلتفت لأمر الشبه «البصمة الوراثية» واستدلالهم بالحديث هذا هو استدلال بعيد، بل الحديث حجة عليهم حيث اعتبر الرسول – صلى الله عليه وسلم- أمر الشبه لذا أمر بالاحتجاب.

ففي حال التنازع على طفل ولد على فراش صحيح، ما المانع أن نعمل دليل الشبه ونثبت مقتضاه نفياً وإثباتاً ويكون درء الحد عن الزوج لوجود شبهة اللعان وبهذا نعمل بالأدلة كلها لا سيما وأن الطفل ولد

على الفراش فيتقوى إثبات النسب للطفل من جهة «الولد للفراش»، ومن جهة البصمة الوراثية، هذا في حال نفي النسب وثبوت خلاف ذلك من جهة البصمة، أما إذا جاءت البصمة تؤكد قول الزوج فيجتمع دليل اللعان مع البصمة فينتفي النسب وندرأ الحد عن الزوجة لوجود شبهة اللعان.

أما في حال الملاعنة فالأصل أن الطفل منسوب للزوج لأن الزوجة فراش له وجاء أمر الشبه «البصمة الوراثية» تؤكد ذلك الأصل فإننا نعمل بالأصل ونلحق الطفل بأبيه لدلالة الفراش والشبه ونكون أعملنا الشطر الأول من الحديث «الولد للفراش» وندرأ الحد عن الزوج إذا لاعن لوجود شبهة الملاعنة والحدود تدرأ بالشبهات ونكون أعملنا الشطر الثاني من الحديث «واحتجبي عنه يا سودة».

ويجاب عن حديث الملاعنة بنحو ما تقدم فقد جاء في الحديث، إن «جاءت به أصيهب أريضخ أثيبج حمش الساقين فهو لهلال، وإن جاءت به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين سابغ الإليتين فهو الذي رميت به – وهو شريك بن سمحاء كما في رواية البخاري – فجاءت به أورق جعداً خدلج الساقين سابغ الإليتين، أي شبيهاً لشريك بن سمحاء الذي رميت به – فقال النبي – صلى الله عليه وسلم: «لولا الأيمان لكان لي ولها شأن» فقد أفاد الحديث أنه حتى لو تمت الملاعنة بين الزوجين وولد الطفل شبيهاً بالزوج صاحب الفراش فإنه ينسب له ولا ينفى عنه– ؛ لأن النص جاء بنسبته إليه لأنه أقوى بكثير من مجرد التشابه الظاهري الذي أخذ به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في إثبات النسب ويدرأ الحد عن الزوج لوقوع الأيمان وبهذا عملنا بالأدلة كلها وهذا من دقائق المسائل التي يحظى بها من رزقه الله حظاً وافراً من الفقه.

4 – أن اعتراضهم على عدم إقامة الحد على الزوجة اعتماداً على البصمة الوراثية واكتفاءً بها دليل على أنها ليست حجة بذاتها يجاب عنها من وجهين:

1 – أن هناك فرقاً بين إثبات النسب أو نفيه وبين إقامة الحد القائم على المبالغة في الاحتياط فالحدود تدرأ بالشبهات بخلاف النسب فهو يثبت مع وجود الشبهة كما في قصة عبد بن زمعة ، فلو ادعت المرأة أنها كانت مكرهة أو أنها سقيت شراباً به مادة منومة وزنا بها آخر فحملت منه كان ذلك كافياً في إسقاط الحد عنها، وكذا الرجل لو ادعى أنه أودع منية في « بنك المني » وأن امرأة أخذت منيه بطريقة أو بأخرى واستدخلته وحملت بطفل وجاءت البصمة الوراثية تؤكد لحقوق الطفل وراثياً بذلك الرجل لم يحد لوجود شبهة، لا لأن البصمة ليست حجة.

2- إن من العلماء المعاصرين من يقول بإقامة الحد إذا ثبت ذلك بالبصمة الوراثية ولم يدع المتهم شبهة اعتماداً على هذه البينة وأخذاً بما أخذ به بعض الفقهاء المتقدمين كما قال ابن القيم: «والرجوع إلى القرائن في الأحكام متفق عليه بين الفقهاء، بل بين المسلمين كلهم، وقد اعتمد الصحابة على القرائن فرجموا بالحبل وجلدوا في الخمر بالقيء والرائحة وأمر النبي باستنكاه المقر بالسكر وهو اعتماد على الرائحة… فالعمل بالقرائن ضروري في الشرع والعقل والعرف».

3 – إن الفقهاء نصوا على أن الملاعن لو بدا له أن يعود في قوله ويلحق ابنه الذي نفاه باللعان جاز له ذلك لزوال الشبهة التي لاعن من أجلها، فهل من الحكمة ومن العدل أن يتجاسر الناس للتعرض للعنة الله أو غضبه وندع البينة «البصمة الوراثية» ولا نحكمها بينهم، ثم بعد اللعان يعود ويلحق ما نفاه !! فإن هذا من الفقه البارد.

وخلاصة القول فإن البصمة الوراثية يجوز الاعتماد عليها في نفي النسب ما دامت نتيجتها قطعية كما يرد دعوى الزوج في نفي النسب إذا أثبتت نتائج البصمة الوراثية القطعية لحوق الطفل به، لأن قول الزوج حينئذ مخالف للحس والعقل وليس ذلك تقديماً للعان، وينبغي للقضاة أن يحيلوا الزوجين قبل إجراء اللعان لفحوص البصمة الوراثية لأن إيقاع اللعان مشروط بعدم وجود الشهود، فإذا كان لأحد الزوجين بينة تشهد له فلا وجه لإجراء اللعان.

والأخذ بهذه التقنية يحقق مقصود الشرع في حفظ الأنساب من الضياع ويصد ضعفاء الضمائر من التجاسر على الحلف بالله كاذبين.

المطلب الثاني

حكم استخدام البصمة الوراثية

في إثبات النسب

أجمعت الأبحاث التي وقفت عليها في إثبات النسب بالبصمة الوراثية على أنها ترقى إلى حجية القيافة إن لم تكن أولى، ويمكن أن يذكر ضابط هنا وهو: ” كل ما يصلح أن يثبت به النسب عن طريق القيافة يمكن أن يثبت مثله بالبصمة الوراثية “.

وبناء على ما تقدم، فإنه يمكن الأخذ بنتائج البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات التالية:

  1. جميع حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صورها التي ذكرها الفقهاء، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها، أو كان بسبب اشتراك في وطء شبهة ونحو ذلك.
  2. حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية المواليد والأطفال ومراكز أطفال الأنابيب ونحوها، وكذا الاشتباه في حالات ضياع الأطفال واختلاطهم، بسبب الحوادث والكوارث، وتعذر معرفة أهليهم، وكذا عند وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها بسبب الحروب، وما شابه ذلك من حالات اشتباه الأنساب.
  3. ومن خلال البصمة الوراثية يمكن تحديد الصفات الوراثية للإنسان، يمكن البحث عن أهل مجهول النسب بإجراء البصمة على المشتبه فيهم، كطفل رضيع وجد ملقى في قرية ورباه بعض أهل الخير ولم يستلحقوا نسبه كما هو الأصل فظل مجهول النسب، فإن هذا الصنف من مجهول النسب يمكنه من خلال نتائج تحليلات البصمة الوراثية البحث عن أهله من المشتبه فيهم.

    ولا يجوز إثبات النسب بالبصمة الوراثية إذا عارض دليل البصمة ما هو أقوى منه كما في حالة وجود الفراش وجاء الزاني مثلا يستلحق الولد ويطلب تحليل البصمة الوراثية فإنه لا يثبت النسب بالزنا ولا تسمع دعواه ولا يمكن من ذلك باتفاق.

المطلب الثالث

حكم إثبات النسب بالبصمة الوراثية

بعد نفيه باللِّعان

لو قدر أن القاضي لم يطلب إجراء تحليل البصمة الوراثية وأجرى اللعان بينهما ونفي الولد، ثم أجريت البصمة بعد اللعان بنفي الولد، وكانت النتائج تثبت النسب من الملاعن فما الحكم؟.

الفقهاء المعاصرون اختلفوا في ثبوت النسب في هذه الحالة على قولين:

القول الأول: إن النسب لا يثبت بالبصمة الوراثية بعد نفيه باللعان، وهذا ظاهر، قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي وهو قول جماعة من الباحثين.

القول الثاني: يثبت النسب بالبصمة الوراثية بعد نفيه باللعان، وهو رأي دار الإفتاء المصرية وبعض العلماء والباحثين.

خاتمة البحث:

في نهاية هذا البحث، أشير لأهم التوصيات والنتائج التي توصلت إليها:

النتائج:

  • البصمة الوراثية هي التركيب الوراثي المشتمل على صفات جينية معينة تميزه عن غيره، و متوارثة من الأصول للفروع يمكن من خلالها تحديد هوية كل شخص بعينه وبالتالي يتم بموجبها التعرف على الشخصية أولا ومن ثّم الوالدية البيولوجية.
  • أن الطرق المتفق عليها لإثبات النسب في الفقه الإسلامي هي الفراش والبينة والإقرار، والطرق المختلف فيها القيافة فيتم اللجوء إليها في حالات المنازعة والاشتباه حول النسب.
  • أن هنالك ضوابط فقهية وفنية لابد من توافرها في البصمة الوراثية لجواز العمل بها، وأنها جائزة بأدلة من القرآن والسنة والقواعد الفقهية الأصولية.
  • البصمة الوراثية إذا استوفت كافة ضوابطها الفنية والشرعية تعتبر وسيلة لها دور فعّال في حسم منازعات النسب بل تعتبر أقوى من القيافة وشهادة الشهرة والتسامع ؛ لأن نتائجها قطعية وتكاد تجزم بإثبات الأب البيولوجي بنسبة 98%.
  • أن الطريق الوحيد لنفي النسب في الفقه الإسلامي والقانون هو اللعان.
  • البصمة الوراثية وسيلة قطعية لنفي النسب باتفاق الفقهاء المعاصرين والأطباء الشرعيين بنسبة تكاد أن تصل الى القطع 100%.
  • إذا حصل تعارض بين نفي النسب بالبصمة الوراثية ونفيه باللعان تسود أحكام اللعان سداً للذرائع.
  • هناك فرق بن البصمة الوراثية والحمض النووي DNA ، فالبصمة الوراثية هي نمط وراثي متفرد يتم الحصول عليه عن طريق تحليل الحمض النووي، أي أنها جزء من الحمض النووي DNA.

    التوصیات:

    وفي نهاية هذا البحث المتواضع أوصي بما يلي:

    1.     أن تمنع الدولة إجراء الفحص الخاص بالبصمة الوراثية إلا بطلب من القضاء، وأن يكون في مختبرات للجهات المختصة، وأن تمنع القطاع الخاص الهادف للربح من مزاولة هذا الفحص؛ لما يترتب على ذلك من المخاطر الكبرى. ويجب إيقاع العقوبات الرادعة على المخالفين حماية لأعراض الناس وأنسابهم، ودرأ للمفاسد المترتبة على ذلك.

    2.     أن يحاط إجراء تحليل البصمة الوراثية بحيطة وحذر وضوابط ويحبذ أن تكون لجنة خاصة في كل دولة، يشترك فيها المتخصصون الشرعيون، والأطباء، والإداريون، وتكون مهمتها الإشراف على نتائج تحليل البصمة الوراثية.

    3.     يوصى القضاة ومن في حكمهم بإجراء تحليل البصمة الوراثية قبل إجراء اللعان بين الزوجين.

    فهرس المصادر والمراجع

    أولاً: القرآن الكريم.

    ثانياً: المصادر والمراجع.

  • الإبهاج في شرح المنهاج، تأليف تقي الدين السبكي وابنه تاج الدين، دار الكتاب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى – ١٤٠٤هـ.
  • الآثار الفقهية والقضائية للبصمة الوراثية في إثبات النسب وتصحيحه ونفيه، محمد جبر الألفي، الجمعية العلمية السعودية للدراسات الطبية الفقهية، ١٤٣٥هـ ٢٠١٤م.
  • إثبات النسب بالبصمة الوراثية تأليف: الدكتور /محمد الأشقر. ضمن ثبت أعمال ندوة الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني – رؤية إسلامية. الكويت: المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية – ١٤٢١هـ -٢٠٠٠ م.
  • إثبات النسب بوسائل التقنية الطبية الحديثة، محمد سعدي أحمد حسانين، دار النشر: الجمعية العلمية السعودية للدراسات الطبية الفقهية محمد سعدي أحمد حسانين.
  • أحكام القرآن لابن العربي، لأبي بكر محمد بن عبد االله بن العربي (ت٥٤٣هـ)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الفكر: لبنان، د. ط، د. ت.
  • أحكام النسب في الشريعة الإسلامية: (طرق إثباته ونفيه) / علي محمد يوسف المحمدي. الدوحة: دار قطري بن الفجاءة للنشر والتوزيع، ١٩٩٤.
  • أصول الفقه، لعبد الوهاب خلاف، ط ١٣ ،دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع بالكويت، ١٣٩٨.
  • الأم ـ للإمام الشافعي (ت٢٠٤هـ)، دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام ١٤١٠هـ.
  • البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ابن نجيم، زين الدين بن إبراهيم بن محمد، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.
  • بداية المجتهد ونهاية المقتصد ـ لأبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (ت٥٩٥هـ)، دار الفكر ـ بيروت.
  • بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، المتوفى سنة ٥٨٧ هـ، دار المعرفة بيروت، الطبعة الأولى،١٤٢٠.
  • البصمة الوراثية وأثرها في النسب- السويلم، بندر بن فهد السويلم، دار النشر: مجلة العدل، السعودية، تاريخ النشر:١٤٢٩هـ ٢٠٠٨ م.

  • البصمة الوراثية وأحكامها في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، دراسة فقهية مقارنه، د.عبد الرحمن أحمد الرفاعي، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية الشريعة والقانون – جامعةالازهر،٢٠٠٥.
  • البصمة الوراثية وتأثيرها على النسب إثبات أو نفي، تأليف: د / نجم عبد االله عبد الواحد، بحث مقدم للمجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي في دورته(١٥ )عام ١٤١٩ هـ.
  • البصمة الوراثية وحجيتها في الاثبات الجنائي والنسب: المحامي حسام الأحمد، منشورات الحلبي، ٢٠٠٩م.
  • البصمة الوراثية وعلائقها الشرعية دراسة فقهية مقارنة د. سعد الدين مسعد هلالي- مجلس النشر العلمي- جامعة الكويت ١٤٢١ه- ٢٠٠١م.

    البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها: د/ وهبة الزحيلي-ضمن أعمال وبحوث الدورة السادسة عشر للمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة ،١٤٢٢ه- ٢٠٠٢م،٣/١٥.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى