مقالات قانونية

الأراضي السلالية بين مطلب التمليك ورهانات التنمية

الأراضي السلالية بين مطلب التمليك ورهانات التنمية

من اعداد الراقي محمد طالب باحث بماستر الدراسات العقارية والتعمير

 

 


يكتسي العقار أهمية بالغة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، اذيعتبر مقر سكنى الإنسان، ومورد رزقه كما يشكل اللبنة الأساسية لانطلاق أي مشروع سواء أكان تجاريا أوصناعيا أوحرفيا أوسياحيا نظرا لكونه محلا له خاصة لما له من دور هام في مجال التعامل المالي ومحرك أساسي في الاستثمار فالأرض هي منبع الخير ومستودع العطاء.

 الا ان المتتبع والمهتم للوضعية العقارية للمغرب يلاحظ التعدد والازدواجية والتنوع الذي تتميز به هذه الاخيرة اذ نجد الى جانب ملك الدولة الخاص والعام  المحفظ منه وغير المحفظ, عقارات الخواص المحفظة والغير محفظة بدورهاكما نجد العقارات المحبسة او اراضي الاوقاف والاراضي السلالية او الجماعية هذه الاخيرةكثر اللغط حولها في السنوات الاخيرة وهي مؤطرة بموجب ترسانة قانونية متعددة منها الظهير الشريف المؤرخ في 26 رجب 1337 الموافق ل 27 ابريل 1919 بشأن تنظيم الوصاية الادارية على الجماعات وضبط تدبير شؤون الاملاك الجماعية وتفويتها و ظهير  12 رجب 1342 المتعلق بتحديد الاراضي الجماعية كما وقع تعديله وتتميمه بالاضافة الى ظهير الشريف رقم  1.69.30 بتاريخ 10 جمادى الاولى 1389 الموافق ل  25 يوليوز 1969 المتعلق بالاراضي الجماعية الواقعة في دوائر الري ورغم كل هذه الترسانة القانونية فان الاعراف والتقاليد والعادات لم تفقد دورها ومكانتها في تنظيم هذا النوع من العقارات وهذا اللغط راجع بالاساس الى مساحتها الشاسعة التي تقارب 15 مليون هكتار وتهافت لوبيات العقار على هذا النوع من الاراضي خاصة الضاحوية منها مما يسيل لعاب عشاق الاسمنت رغم خضوعها لوصاية وزارة الداخلية في شخص مديرية الشؤون القروية وكذا السلطات الاقليمية والمحلية.

ويقصد بالاراضي السلالية حسب الفصل الاول من ظهير 27 ابريل 1919 الاراضي التي تعود ملكيتها الى القبائل  وفصائل القبائل وغيرهم من العشائر الاصلية من فخدات ودواوير والجماعات الاثنية او العرقية التي تجمع بينهم قواسم مشتركة عائلية أو عرفية أو عرقية أو اجتماعية أو دينية والتي يتمتع افرادها بحقوق الانتفاع الجماعية عليها,وهي بذلك تعتبر ثروة عقارية مهمةوتشكل احياطيا عقاريا مهما ومجالا لممارسة الانشطة الاقتصادية والاجتماعية لسكانها إذ أنها تسغتل من طرف ذوي الحقوق في الرعي و الفلاحة و السكن… بطرق مشاعة بين أفرادها وهو ما جعل الدولة تفكر في تمليك هذه الاراضي لفائدة ذوي الحقوق والمنتفعين منها خاصة تلك الواقعة داخل دوائر الري ليفتح الباب امامنا الباب لتساؤل حول الرهانات التنموية لتفويت هذه الاراضي لفائدة ذوي الحقوق بالمجان؟

أولا: خيار تمليك الأراضي الجماعية بين النص والواقع:

بداية لابد من الاشارة الى ان النظام القانوني لهذه الاراضي يعود الى الحقبة الاستعمارية اذ عملت سلطات الحماية على استعمالها كالية للاستيلاء على عقارات المغاربة الا ان حصول المغرب على الاستقلال لم يغير من واقع هذه الأراضي اي شيء اذ بقيت دار لقمان على حالها ونظرا لما لهذه الاراضي من اهمية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية خاصة في ظل مساحتها الشاسعة فقد توالت المبادرات الرامية الى النهوض بهذه الاخيرة وساكنتها التي تتزايد يوميا وهو ما دفع بالحكومة الى تنظيم الحوار الوطني حول الاراضي الجماعية تحث شعار الاراضي الجماعية من اجل تنمية بشرية مستدامة والذي لم يكتب للمناظرة الوطنيةحوله ان تنعقد بعد والذي حاولت من خلاله وزارة الداخلية الوقوف على مكامن الضعف والخلل والاكراهات التي تواجه هذا الصنف من العقارات والمنتفعين منه وذلك من اجل النهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لذوي الحقوق عن طريق ادماجهم في مسلسل التنمية وتثمين الممتلكات الجماعية.

الا ان المناظرة الوطنية المنعقدة بالصخيرات يومي 8 و9 دجنبر 2015 حول السياسة العقارية للدولة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية اعادت النقاش حول هذه الأراضي الىالواجهة اذ وجه صاحب الجلالة رسالة الى المشاركين في هذه المناظرةومن بين ما اشار اليه نصره الله : ضرورة العمل على تمليك الاراضي الجماعية الواقعة داخل دوائر الري ويبقى الهدف من ذلك هو ادراج هذه الاراضي في حلبة التنمية الاقتصادية والاجتماعية اذ قال" وفي هذا الصدد ندعوا الى تضافر الجهود من اجل انجاح عملية تمليك الاراضي الجماعية الواقعة داخل دوائر الري لفائدة ذوي الحقوق مع مجانية التمليك."

ان النقاش الدائر حول تمليك الاراضي الجماعية لذوي الحقوق مقتصر فقط على الاراضي الواقعة داخل دوائر الري دون البورية و بمفهوم المخالفة فانه لا مجال لإعمال هذا المبدأ على الأراضي الجماعية الواقعة خارج دوائر الري من إمكانية التملك سواء بالمجان او بمقابل باستثناء ما هو منصوص عليه في ظهير 1919 مع الاشارة الى ان تمليك الاراضي السلالية الواقعة داخل هذهالدوائر تخضع لظهير 25 يوليوز 1969الذي تعتبر من بين اهدافه تحسين وتنمية الزراعات وتربية المواشي داخل هذه الأراضي وتوفير ظروف الاستغلال المعقول لهذه الأراضي و الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود نظام قانوني يضمن لذوي الحقوق و يساعدهم على الاستقرار الضروري لاستغلال أمثل و مضاعف في إطار مؤسسات الاستغلال الكبرى.

وقد سمح هذا الظهيربإمكانية اخضاع هذه الأراضي للقسمة شريطة احترام الشروط القانونية الشكليةوالموضوعية لذلك ومن بينها الا تقل المساحة الدنيا للقطع الأرضية المخصصة للاستغلالعن 5 هكتارات اذ ينص الفصل الخامس عشر من نفس الظهير على انه يصبح كل شخص مسلمة اليه قطعة ارضية مالكا للقطعة المخصصة به على إثر التجزئة المقررة بالفصل 12. الا ان هذه المساطر المتبعة في التقسيم وتمليك ذوي الحقوق تتميز بطول المساطر وتعقدها مما يجعل ذوي الحقوق لا يرغبون في اتباع الاجراءات القانونية والمسطرية ويفضلون الاتجاه نحو تطبيق الاعراف والتقاليد مما يساهم في تكريس كثرة النزاعات واغراق المحاكم بها وبالتالي جعل مسألة التمليك غير ممكنة واقعا لا قانونا.

ثانيا: مجانية تمليك الأراضي الجماعية بين الفعالية والمحدودية:

ان الحديث عن تمليك الأراضي الجماعية لا يمكن ان يتم خارج اطار القانون اذ يجب ان يتم اصدار نص قانوني يقضي بتفويت هذه الأراضي و من بين ما يجب أن يتضمنه هذا النص هو الإشارة إلى مسألة المجانية التي يجب أن يتم منحها بموجب نصوص قانونية واضحة تحدد حدودها والمستفيدين منها وهو ما دعا اليه جلالة الملك في رسالته إلى المشاركين في المناظرة الوطنية الأخيرة بالصخيرات وذلكبإعادة النظر في النصوص القانونية المنظمة للعقار بالمغرب والاطار القانوني للأراضي الجماعية والواقعة خارج دوائر الري على وجه الخصوص نظرا لان الفصل 20 من الظهير 25 يوليوز 1969 خدد العمليات المعفية من أعداء رسوم التنبر والتسجيل وصوائر التقييد بالدفاتر العقارية في التخلي عن الحصص المشاعة المحددة في التخلي عن الحصص المشاعة لفائدة ملاك على الشياع وكذلك التخلي عن الحصص المشاعة الجارية على ملك الدولة بعوض لفائدة الملاك على الشياع الذين يختارهم مجلس الوصاية، وكذلك تستفيد من الاعفاء العمليات المنجزة بين الشركاء في الإرث في حين انه اعفى فقط اللائحة المصادق عليها بقرار لوزير الداخلية المحددة للملاكين على الشياع (الفصل5) وكذلك عمليات نقل الإرث المتعلقة بالحصص المشاعة في عقار مجزأ من صوائر التقييد بالرسوم العقارية فقط دون رسوم التنبر والتسجيل.

هذا من جهة اما من جهة اخرى فان الحديث عن تمليك الاراضي لذوي الحقوق سواء البورية او المسقية يبقى غير كاف للنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لساكنة هذه الاراضي اذ يجب ان يتم دعم وتتبع المالكين لهذه الاراضي ومدى قدرتهم على المساهمة في التنمية ويبقى الرهان في هذا الباب معولا على صندوق تنمية العالم القروي خاصة في ظل الميزانية المالية المرصودة له في مشروع قانون المالية لسنة 2016.

كما ان مسألة التمليك بدورها ستعرف اكراهات جمة منها غياب ارقام شاملة حول ذوي الحقوق وكذلك غياب شبه تام لمؤسسة النائب وطغيان الطابع الذكوري في التملك اذ ان اغلب الجماعات السلالية تحرم المرأة من الحق في الانتفاع فما بالك بالتمليك بالإضافة الى تقليص دور القضاء في النزاعات المرتبطة بهذه الاراضي.

اذ أن خيار التمليك يجب أن يبدأ أولا بتوعية ذوي الحقوق بأهمية المساطر المتبعة والإجراءات القانونية الكفيلة بتحقيق أهدافهم والنتائج المرجوة منه وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بإعادة الاعتبار لمؤسسة النائب وإعطائها المكانة التي تستحقها مع فته الباب أمام المرأة السلالية لتولي مهمة نائب جماعة سلالية، بالإضافة إلى التقليص من اختصاصات مجلس الوصاية وذلك بانتقاله من المراقبة القبلية إل المراقبة البعدية وتقديم يد المساعدة لفائدة الجماعة وسكانها.

كما أن مسألة التمليك تبقى رهينة بإجراءات مسطرية إدارية وقانونية يجب أن يتم احترامها ومن بينها ضرورة إخضاع الأراضي الجماعية إلى عملية تحديد واسعة تليها عملية تحفيظ، إذ أن أعلب الجماعات تكتفي فقط بالتحديد الإدارية دون التحفيظ العقاري ظنا منها أن الأولو يبقى كافيا لحماية حقوقها وضمانها كما أن عملية التحديد والتحفيظ يجب أن تستفيد من المجانية.

ومن أجل تحقيق كل هذه الأهداف وغيرها يجب أن يتم إسناد مهمة السهر على تدبير الأراضي الجماعية سواء الواقعة داخل دوائر الري أو البورية إلى مؤسسة عمومية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري ولم لا التفكير بإحداث وزارة الشؤون العقاري مهمتها الأساسية تدبير المجل العقاري بمختلف أطيافه

وفي الاخير اتمنى ان تأخذ الحكومة البعد الجهوي عند العمل على التوصيات الملكية بالإضافة الى الاهتمام بداية بالمناطق التي تعرف توترات فيما بين السكان كل هذا يبقى الهدف منه هو ادخال العقارات السلالية في حلبة التنمية الاقتصادية والمساهمة في تحقيق الامن العقاري وهذا لا يمكن ان يتحقق الا بإعادة النظر في النظم القانونية المنظمة لهذه الاراضي وجمع شتاتها في نص قانوني واحد وخلق الانسجام بينها وبين باقي القوانين العقارية الاخرى وتحيين المعطيات الرقمية المتعلقة بالأراضي الجماعية ومسايرة المعطيات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها هذه الاراضي في السنوات الاخيرة ولاشك على ان الاهتمام المتزايد بالأراضي السلالية سيعطيها نفسا قويا وسيؤدي الى تلاؤم المقتضيات القانونية مع الواقع والذي لا يمكن ان يتحقق الا بتوفير الظروف الملائمة لذلك .

إن مقترحاتي هذه، ليست من قبيل التنكر أوالقدح في المؤسسات التشريعية الحالية، وانما يمليها النظرالعلمي المتجدد والمتمثل في ضرورة مواكبة النص القانوني لواقع البنيات الاقتصادية والاجتماعية المتغيرة، حتى يصير في مستوى الرهانات التي تنتظر بلادنا.

واختم بقولةمشهورة لأبي حنيفة النعمان رحمهالله " علمناهذارأي فمن جاءنا بأحسن منه قبلناه" والله الموفق والهادي إلى الصواب.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى