بحوث قانونية

الأهلية والنيابة الشرعية على ضوء مدونة الأسرة


مقدمة:

تعتبر الأسرة اللبنة الأساسية والمحورية لبناء مجتمع سليم ومستقر، فهي نقطة انطلاق رقيه وازدهاره، فإن حسنت الأسرة حسن المجتمع بأفراده وإن فسدت الأسرة فسد الأفراد والمجتمع([1]) وأهمية الأسرة تلك، هي التي تفسر مدى الاعتناء بها من طرف جميع التشريعات، وتنظيم روابطها وضبط علاقاتها وتقنينها.

وما مدونة الأسرة الصادرة سنة 2004 سوى نتيجة طبيعية لوعي المشرع المغربي بأهمية دورها ومحطة ثالثة للتطور التاريخي لأحكام الأسرة في القانون المغربي.

[xyz-ihs snippet=”adsenseAkhbar”]

ويمكن إيجاز التطور التاريخي الحاصل للتنظيم القضائي المغربي للأسرة في ثلاثة مراحل. انطلقت المحطة الأولى قبل الاستقلال، فعرفت بتطبيق قواعد الشريعة الإسلامية، تلتها مباشرة بعد حصول المغرب على الاستقلال([2]) المرحلة الثانية حيث تم وضع أسس أول قانون للأحوال الشخصية الذي عرف عدة تعديلات([3]) فيما بعد كان آخرها سنة 1993.

وجاءت مدونة الأسرة مجسدة للمرحلة الثالثة الآنية، بنصوص وقواعد مسايرة للحداثة ومحافظة على الأصالة المغربية([4]) هدفها بناء أسرة سليمة تنعم بحياة كريمة، مستقرة وسعيدة فكانت شاملة لجميع جوانب الحياة الأسرية بتناولها لكل جزئياتها وأبعادها الاجتماعية.

ولم يترك المشرع جانبا من جوانب قضايا الأسرة إلا وأولاه عنايته الخاصة وقننه. وفي هذا المنحى، أولى المشرع للعلاقة المالية بين الزوجين رعاية خاصة، ونظمها من خلال المادة 49، حتى لا تضطرب تلك الروابط المقدسة وتعكر صفوتها المسائل المادية.

ولم يقتصر المشرع على الاهتمام بالزوجين في حياتهما بل أولى أيضا أهمية خاصة لحماية أموال القاصرين فخصص قسما خاصا للأهلية والنيابة الشرعية في الكتاب الرابع من مدونة الأسرة من المادة 206 إلى المادة 260. وأخضع النائب الشرعي لرقابة القضاء القبلية في إدارته لأموال المحجور وأناط القاضي المكلف بشؤون القاصرين بصلاحيات واسعة حيث خول له إمكانية إصدار أمر استثنائي بفتح ملف النيابة الشرعية، خلافا للقاعدة إذا تبين له أن مصلحة المحجور تستدعي ذلك.

والهدف المنشود هو تحقيق العناية والرعاية والحماية للطفل القاصر أو المحجور في كل تجلياتها وأبعادها.

ومن خلال هذا الموضوع سنحاول إبراز كيف نظم المشرع المغربي موضوع الأهلية في مدونة الأسرة؟ وهل نجحت النيابة الشرعية في توفير الحماية اللازمة لحقوق المحجور عليهم. للإجابة على هذا الإشكال اعتمدنا التصميم التالي:

الفصل الأول: الأهلية

المبحث الأول: تعريف الأهلية وبيان أنواعها.

المطلب الأول: تعريف الأهلية

المطلب الثاني: أنواع الأهلية

المبحث الثاني: كمال الأهلية.

المبحث الثالث: نقصان الأهلية

المطلب الأول: حالات نقصان الأهلية

المطلب الثاني: أثر نقصان الأهلية على تصرفات المحجور عليه

المبحث الرابع: شرط الأهلية في الزواج

الفصل الثاني: النيابة الشرعية

المبحث الأول: تعريف النيابة الشرعية وإطارها القانوني

المطلب الأول: تعريف النيابة الشرعية

المطلب الثاني: الأحكام المنظمة للنيابة الشرعية

الفقرة الأولى: الجهات المسؤولة بالقيام بالنيابة الشرعية  

الفقرة الثانية: صلاحيات النائب الشرعي في تدبير أموال القاصر

المبحث الثاني: دور القضاء في حماية القاصر من خلال فرض الرقابة على النيابة الشرعية

المطلب الأول:الرقابة القضائية على النيابة القانونية

المطلب الثاني: سلطة القضاء في مراقبة الاخلالات الناتجة عن إلتزامات النائب الشرعي

 

 

 الفصل الأول: الأهلية

المبحث الأول: تعريف الأهلية وبيان أنواعها.

سنبحث في هذا المحور بإيجاز تعريف الأهلية (المطلب الأول) ثم بيان أنواعها (المطلب الثاني).

المطلب الأول: تعريف الأهلية

الأهلية في اللغة: الجدارة والكفاءة، يقال فلان أهل لتحمل مهمة كذا، فهو إذن جدير بتحملها.

وفي الاصطلاح القانوني: هي: قابلية الشخص لأن يكتسب الحقوق ويتحمل الالتزامات، ولأن يمارس بنفسه التصرفات التي تمكنه من كسب الحقوق، وتحمل الالتزامات.

ومن هذا التعريف يتضح أن الأهلية نوعان:

المطلب الثاني: أنواع الأهلية

جاء في المادة 206 من مدونة الأسرة أن:"الأهلية نوعان: أهلية وجوب وأهلية أداء".

وبناء على هذه المادة فإن الأهلية نوعان:أهلية وجوب وأهلية أداء:

ـ فأهلية الوجوب: capacité de jouissance حسب المادة 207 من مدونة الأسرة هي "صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق وتحمل الواجبات التي يحددها القانون.."، وهي تثبت له منذ أن يكون جنينا في بطن أمه وإلى حين وفاته. .

ـ أما أهلية الأداء  capacité d’exercice فهي وفق المادة 208 من مدونة الأسرة "صلاحية الشخص لممارسة حقوقه الشخصية والمالية ونفاذ تصرفاته". وأضافت هذه المالية أن القانون هو الذي يحدد شروط اكتسابها وأسباب نقصانها أو انعدامها.

فأهلية الأداء إذن هي صلاحية الشخص لأن يباشر بنفسه التصرف الذي من شأنه أن يرتب له الحق أو يحمله بالالتزام.

والأهلية بنوعيها نظمها المشرع المغربي في الكتاب الرابع من مدونة الأسرة؛ لكننا سنقتصر على ما يتعلق بأهلية الأداء التي يفترض من حيث الظاهر كمالها في الشخص.

المبحث الثاني: كمال الأهلية

جاء في الفقرة 2 من الفصل 3 ق ل ع أن : كل شخص أهل للالتزام،ما لم يصرح قانون أحواله الشخصية بغير ذلك.

من هنا فالأصل إذن كمال الأهلية في الإنسان بحيث لا يعتبر أحد فاقد للأهلية أو ناقصها إلا بنص قانوني،وعلى من يريد الطعن في أهلية شخص أن يثبت ذلك .

فإذا قامت البينة على انعدام الأهلية أو نقصها فإن العقد يكون في هذه الحالة باطل أو قابلا للإبطال، وبالتالي فإن أحكام الأهلية تعتبر من النظام العام فلا يجوز مخالفتها، أو الاتفاق على مخالفتها.  

فلا يجوز للشخص أن يتنازل عن أهليته،كما لو باع قاصر عقاره من راشد واتفق معه على أن يتنازل له عن التصرف فيه بعد بلوغه سن الرشد وأن لا يطلب إبطال العقد، فإن هذا التنازل يقع باطلا.

وهذا ما نص عليه كل من القانون المدني المصري والقانون المدني السوري حيث ورد في هذا الشأن نص يقضي بأنه: "ليس لأحد التنازل عن أهليته ولا التعديل في أحكامها".  

وإذا كان الأصل في الشخص كمال الأهلية،فإن هذا الأصل ترد عليه استثناءات من جملتها أن الشخص يصير محجورا عليه لنقصان أهليته.

المبحث الثالث: نقصان الأهلية

سنبحث في هذا المحور حالات الشخص التي يكون فيها ناقصا الأهلية(المطلب الأول) ثم أثر نقصان الأهلية على تصرفات المحجور عليه (ثانيا).

المطلب الأول: حالات نقصان الأهلية

نصت المادة 213 من مدونة الأسرة أن ناقص أهلية الأداء هو الصغير الذي بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد(أ) والسفيه(ب) ثم المعتوه(ج).

أ: ـ الصغير المميز:

بالرجوع إلى المادة 214 م. أس نجد أن الصغير المميز هو الذي أتم اثنتي عشرة سنة شمسية كاملة لكن لم يبلغ سن الرشد.

والصغير المميز كالصغير غير المميز يعتبر محجورا عليه للصغر، ويخضع بحسب الأحوال لأحكام الولاية والوصاية أو التقديم بالشروط، ووفقا للقواعد العامة في مدونة الأسرة، (م 211 ).

ب: ـ حالة السفيه :

عرفت المادة 215 م. أس السفيه بما يلي:  "السفيه هو المبذر الذي يصرف ماله فيما لا فائدة فيه، وفيما يعده العقلاء عبثا بشكل يضر به أو بأسرته".  

والسفيه يختلف عن الصغير المميز من حيث أن هذا الأخير يكون محجورا عليه بطبيعته، أما بالنسبة للسفيه، فلا يحكم عليه بالحجر إلا بحكم صادر عن المحكمة من وقت ثبوت حالة السفه، ويرفع عنه الحجر من تاريخ زوال هذه الأسباب حسب القواعد الواردة في هذه المدونة.  

ج: ـ المعتوه :

المعتوه حسب منطوق المادة 216 من م أس "هو الشخص المصاب بإعاقة ذهنية لا يستطيع معها التحكم في تفكيره وتصرفاته".  

والمعتوه مثله مثل فاقد العقل لجنون، أو السفيه، فإنه لا يعتبر محجورا عليه إلا بحكم صادر عن المحكمة (220 م أس) وذلك من وقت ثبوت العته، ويرفع عنه ابتداء من تاريخ زواله.  

ولا يحكم بالتحجير على جميع هؤلاء إلا بناء على طلب من المعني بالأمر أو من النيابة العامة أو ممن له مصلحة في ذلك(221 م أس).

هذا، وإذا ثبت أن الشخص كان ناقص الأهلية فإن أي تصرف يقدم عليه سيكون محل الطعن فيه ممن له المصلحة في ذلك، بل حتى من ناقص الأهلية نفسه.

المطلب الثاني: أثر نقصان الأهلية على تصرفات المحجور عليه

يختلف أثر نقصان الأهلية على تصرفات المحجور باختلاف نوع التصرف، أي ما إن كانت هذه التصرفات نافعة (أ) أو ضارة (ب) أو تدور بين النفع والضرر(ج).

أ:ـ التصرفات النافعة نفعا محضا(أهلية الاغتناء):

هي التصرفات التي تثري المتصرف أو تبرئ ذمته من التزام دون تحمله مقابل ذلك بأي تكليف، قبول هبة بلا عوض أو إبرائه من دين عالق بذمته. تمثل هذه التصرفات تقع صحيحة ولو وقعت بمعزل عن الوصي أو الولي أو المقدم حسب ما نصت عليه المادة 12 من ق ل ع التي جاء فيها:

"يجوز للقاصر وناقص الأهلية أن يجلبا لنفسهما نفعا ولو بغير مساعدة الأب أو الوصي أو المقدم، بمعنى أنه يجوز لهما أن يقبلا الهبة أو أي تبرع آخر من شأنه أن يثريهما أو يبرئهما من التزام دون أن يحملهما أي تكليف".

ونصت الفقرة 1 من المادة 225 م أس على أنه :

"تخضع تصرفات الصغير المميز للأحكام التالية :"  "تكون نافدة إذا كانت نافعة له نفعا محضا".

 

 

ب:ـ التصرفات الضارة ضررا محضا(أهلية الافتقار):

هي التصرفات التي تجلب ضررا محضا للمتصرف، وتحمله تكاليف دون أي كسب أو نفع يجنيه بالمقابل وذلك كالهبة بلا عوض بالنسبة للواهب أو كالإبراء من الدين بالنسبة للدائن. فمثل هذه التصرفات تقع باطلة من القاصر وناقص الأهلية ولو صدرت منه بمحضر نائبه الشرعي، بل ولو صدرت من هذا الأخير. حسب ما نصت عليه المادة 12 من ق ل ع.

"ولا تسري هذه القاعدة على التبرعات المحضة حيث لا يكون لها أدنى أثر ولو أجريت مع الإذن الذي يتطلبه القانون".

ونصت الفقرة 2 من المادة 225 م أس على أن تصرفات الصغير المميز: "تكون باطلة إذا كانت مضرة به".

ج:ـ التصرفات الدائرة بين النفع والضرر(أهلية الإدارة):

وهي التصرفات التي إذا أجراها القاصر فيمكن أن تجلب له النفع أو المضرة، كالبيع والشركة وهنا يجب التمييز بين ما إذا أجريت بإذن من النائب الشرعي أو بإذن من القاضي أو حصلت بدون إذن:

1 ـ إذا أجرى ناقص الأهلية تصرفا بإذن من النائب الشرعي أو قام النائب الشرعي بتصرف ما باسم من ينوب عنه مباشرة أو بعد حصوله على إذن من القاضي في الحالات التي يشترط فيها إذن من القاضي، فإن مثل هذا التصرف يعتبر صحيحا منتجا لآثاره القانونية كما لو قام به شخص كامل الأهلية،وهذا ما يستفاد بمفهوم المخالفة من المادة 4 من ق ل ع التي نصت على أنه : "إذا تعاقد بغير إذن القاضي أو الوصي أو المقدم فإنهما لا يلزمان بالتعهدات التي يبرمانها، ولهما أن يطلبا إبطالها" وكذلك المادة 12 من ق ل ع وفي الفقرة 3 من المادة225  من مدونة الأسرة.

"يتوقف نفاذها إذا كانت دائرة بين النفع والضرر على إجازة نائبه الشرعي حسب المصلحة الراجحة للمحجور، وفي الحدود المخولة لاختصاص كل نائب شرعي".

2 ـ إذا أجرى القاصر التصرف من غير الحصول على إذن من نائبه الشرعي، فإن هذا التصرف لا يكون ملزما له، ويقع قابلا للإبطال. وهذا ما نصت عليه المادة 4 من ق ل ع "إذا تعاقد القاصر وناقص الأهلية بغير إذن الأب أو الوصي أو المقدم، فإنهما لا يلزمان بالتعهدات التي يبرمانها ولهما أن يطلبا إبطالها.

المبحث الرابع: شرط الأهلية في الزواج

1-القاعدة: يشرط المشرع المغربي لصحة عقد الزواج أن يكون كل من طرفي دلك العقد وهما الزوج والزوجة، عاقلا و بالغا سن الرشد القانوني، كما حددته المادة209 من مدونة الأسرة.

ووفقا للمادة19 من هده المدونة الأخيرة "تكتمل أهلية الزواج بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية ثمان عشرة سنة شمسية".

فالزواج هو تصرف قانوني قبل كل شيء. وهو تصرف يحمل الزوج تبعات مالية لأنه يلزمه بدفع مبلغ الصداق، وتجهيز بيت الزوجة، والإنفاق على الزوجة بعد البناء بها مباشرة. والقاعد التشريع المغربي أن من لم يبلع سن الرشد. وهو ثمان عشر سنة شمسية كاملة . يحجز عليه من الناحية المالية بسبب صغره.

على أن الزواج يحمل الزوجين مسؤوليات أخرى كبيرة لا علاقة لها بالمال تفرض عليها على الأقل.أن يكون راشدين.

2- الاستثناء: ورغم دالك.فان تقرير القاعدة أعلاه لم يمنع المشرع. لاعتبارات اجتماعية أو نفسية أو دينية. من وضع استثنائيين يخصانها، أولهما يتعلق بالزواج من لم يبلغ سن الرشد وثانيهما يتعلق بزواج المصاب بإعاقة ذهنية.                                                                                                         

أ-زواج من لم يبلغ سن الرشد:

و لأن الضرورة  قد تقتضي الزواج في حالات خاصة قبل بلوغ سن الرشد التي نص عليها المشرع في المادة 19 السالفة الذكر. فقد وضع المشرع لتلك القاعدة استثناء هاما تم تنظيمه بالمواد 20و21و22 من مدونة الأسرة تنص المادة 20 من مدونة الأسرة على ما يلي:

لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى و الفتاة دو سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19 أعلاه,بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لدلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحت اجتماعي.

مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل لأي طعن.                                           

وهكذا فللقاضي أن يأذن بزواج من لم يبلغ سن الرشد القانوني من الزوجين بقرار معلل يبين فيه المصلحة و الأسباب المبررة لدلك.

والمصلحة يجب أن تكون أكيدة وأن تكون هي الدافع الأساسي لطلب ادن بالزواج وبالتالي منحه.

ولأن المشرع لم يبين هده المصلحة فهي تستخلص من الأقوال الأب و إلام أو رأي الطبيب المتخصص أو تقرير من أنجاز بحثا اجتماعيا في الموضوع أو من لقاء قد يتم بين القاضي والقاصر أو القاصرة الراغبين في الزواج من باب المصلحة القوة الجنسية الجامحة .

وإذا كان مقرر الموافقة على طلب الإذن بزواج القاصر أو القاصرة لا يقبل أي طعن فمفهوم المخالفة لهذا الحكم التشريعي يقضي بان مقرر الرفض يقبل دالك الطعن أمام المحكمة الأعلى درجة وهده قاعدة سائدة في المجال لولائي عموما ومجال الأوامر المبنية على طلب خصوصا.

تنص المادة 21من مدونة الأسرة على أنه:   

زواج القاصر متوقف على موافقة نائبه الشرعي وتتم موافقة النائب الشرعي بتوقيعه مع القاصرة على طلب الإذن بالزواج وحضور إبرام العقد .

إذا امتنع النائب الشرعي للقاضي عن الموافقة بت القاضي الأسرة المكلف بالزواج في الموضوع لا يتوقف زواج من لم يبلغ سن الرشد من الزوجين على استصدار إذن بدلك من القاضي ولكن لابد كذلك من موافقة النائب الشرعي على هدا الزواج.    

وقد تتخذ هده الموافقة عدة من مقدمتها التوقيع مع القاصر على طلب الإذن بالزواج عملية إبرام العقد  أمام العدلين المنتصبين للإشهاد . 

  غير انه من المتصوران يتقدم القاصر بطلب الإذن وحده ويمتنع نائبه الشرعي عن السماح له بالزواج أما تعنتا وإما لسبب معقول وفي هده الحالة فكلمة الفصل تبقى لقاضي الأسرة المكلف بالزواج.     

ومتى سمح القاضي المختص بالزواج من لم يبلغ سن الرشد من الزوجين أصبح الإذن وثيقة من وثائق التي يتضمنها ملف الزواج (المادة65) تجب الإشارة إليه في رسم الزواج (المادة67) تنص المادة 22 من مدونة الأسرة على ما يلي:

ينتسب المتزوجان طبقا للمادة 20 أعلاه الأهلية المدنية في ممارسة حق التقاضي في كل ما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق و التزامات . 

فهكذا وطبقا لهدا النص التشريعي فان من لم يبلغ سن الرشد القانوني بعد ادن له بإبرام عقد الزواج بالكيفية المحددة في المادتين 20و21 السالفتين. يصير أهلا لاكتساب الحقوق والتحمل الالتزامات الناتجة عن عقد الزواج وخاصة تلك المنصوص عليها ضمن المادة 51 من مدونة الأسرة.

ورغم خلو مدونة الأحوال الشخصية الملغاة من نص صريح مماثل فقد سمح المجلس الأعلى للزوجة التي لم تبلغ بعد سن الرشد القانوني بان ترفع دعوى التطليق على زوجها.

بقية الإشارة إلى أن الزوج مثلا قد لا تكون له مواد مالية أو له موارد مالية غير كافية أو براتب بشأنها الطرف الأخر وفي هده الحالة على هدا الأخير أو نائبه الشرعي إن يطلب تحديد التكاليف المالية للزوج المعني بالأمر ومن دلك مثلا أن يضمن الأب أداءه.

3-زواج المصاب بإعاقة ذهنية: يتمثل المصاب بإعاقة ذهنية غالبا في جنون وفي المعتوه ومن تعطل مداركه القلية لسبب أو لأخر (38) وقد سمح المشرع لهدا المصاب بان يتزوج طبقا لشروط ورد النص عليها ضمن المادة 23 من مدونة الأسرة والتي صيغت على شكل الأتي:

يأتي قاضى الأسرة بالزواج زواج الشخص المصاب بإعاقة ذهنية ذكرا كان أم أنثى، بعد تقديم تقرير حول حالة الإعاقة من طرف الطبيب خبير أو أكثر. يستنتج من هدا المقتضى التشريعي أن زواج المصاب بإعاقة ذهنية. يتوقف على توافر شروط أربعة هي:

1-يجب عرض المعني بالأمر على طبيب خبير مختص للتقرير بشان إعاقته وبشان اثر زواجه على تلك الإعاقة. 

2-يطلع القاضي الطرف الأخر في عقد الزواج على تقرير الذي أنجزه الطبيب مع النص على دلك في تقرير ينجز لهده الغاية.

3-يجب أن يكون الطرف الأخر في عقد الزواج راشد، أي كامل الأهلية .

4-يمنح القاضي للمعاق ذهنيا بالزواج بعد تحققه من توفر الشروط الثلاثة أعلاه.

وبخلاف طلب الإذن الزواج من لم يبلغ سن الرشد القانوني، فان المشرع لم يتطرق إلى مسالة الطعن في مقرر الاستجابة أو عدم الاستجابة لطلب الإذن بزواج المعاق ذهنيا والقاعدة هنا أن ما لا يمنعه القانون فهو يبيحه.

وقد قنن المشرع اليمني نفس القاعدة أعلاه، وان كان أكثر مراعاة لمصلحة النسل والغير حيث نصت المادة 11 من قانون الأحوال الشخصية باليمن الشقيق على ما يلي:

1- لا يعقد زواج المجنون أو المعتوه إلى من وليه بعد صدور ادن من القاضي.

2- لا يأذن القاضي بزواج المجنون أو المعتوه إلا بتوافر الشروط الآتية:

أ-قبول الطرف الأخر التزوج من بعد اطلاعه على حالته.

ب- كون مرضه لا ينتقل منه إلى نسله.

ج-كون زواجه فيه مصلحة له ولا ضرر لغيره.

3-يتم التثبت من الشرطين الأخيرين المذكورين في الفقرة السابقة من هده المادة بتقرير من دون الاختصاص.

 

الفصل الثاني: النيابة الشرعية

المبحث الأول: تعريف النيابة الشرعية وإطارها القانوني

المطلب الأول: تعريف النيابة الشرعية

استنادا إلى المادة 229 من المدونة فإن النسابة الشرعية عن القاصر تكون إما ولاية أو وصاية أو تقديم .

É  الولاية: هي النيابة التي يمارسها الأب أو الأم الراشدة عند عدم وجود الأب أو فقد أهليته عن أبناءه القاصرين

É  الوصاية: هي النيابة التي يمارسها وصي الأب أو وصي الأم بموافقة قاضي القاصرين أثناء حياته للمحافظة على أموال أبنائه القاصرين والنظر في مصالحهم وتدبير شؤونهم وذلك بعد مماته

É  التقديم: النيابة التي يمارسها الشخص الذي يعينه القاضي لإدارة وتسيير أحوال القاصر الذي لا أب له ولا أم تتوفر فيها شروط الولاية ولا وصي له ومما يشترط في المقدم أو الوصي أن يكون ذا أهلية كاملة حازما و أمينا .

إلى جانب ولاية الأب و الأم الراشدة عند عدم وجود الأب أو فقده أهليته فإن هناك ولاية عامة يمارسها القاضي تخوله سلطة المراقبة والإشراف على النيابات القانونية ضمن دائرة نفوذه، بالإضافة إلى الأشخاص السابق ذكرهم كنواب شرعيين فإنه وطبقا للمادة 232 من المدونة يمكن للمؤسسة التي يوجد القاصر تحت رعايتها الفعلية أن تعتبر نائبا شرعيا ريثما يعين له القاضي مقدما.

المطلب الثاني: الأحكام المنظمة للنيابة الشرعية:

لقد جاءت مدونة الأسرة بأحكام ومقتضيات جديدة، هدفت منها بصفة عامة العناية بالأسرة وحمايتها، وحماية شؤون القاصر الشخصية وحقوقه المالية بصفة خاصة، أي كل ما يتعلق بأهليته والنيابة الشرعية عليه([5])، ولقد نظم المشرع المغربي أحكام النيابة الشرعية في مدونة الأسرة وقانون المسطرة المدنية، حيث تناولتها فصول مدونة الأسرة من المادة 229 إلى المادة 276 والمسطرة المدنية من المادة 181 إلى 211، وحرص المشرع من خلال هذه المواد على توفير الحماية اللازمة لشؤون القاصرين خصوصا المالية منها، وذلك من خلال مجموعة من المساطر التي تهدف بالدرجة الأولى تفادي سوء تدبير أموال القاصرين وأسند لمجموعة من الجهات تحقيق هذه الغاية.

 

 

الفقرة الأولى: الجهات المسؤولة بالقيام بالنيابة الشرعية:

  يمكن التمييز في إطار الحديث عن الإجراءات المتعلقة بتعيين الجهات المسؤولة عن حماية شؤون القاصرين إلى صنفين: الولي وهو الأب والأم وبغض النظر عن القاضي المكلف بشؤون القاصرين (أولا)، لاستحالة قيامه مباشرة بالولاية على من لا ولي له ويعين غالبا مقدما عنه لكثرة ملفات الولاية، بالإضافة إلى الوصي والمقدم (ثانيا).

أولا: الولي:

الولاية إما ولاية قاصرة أو متعدية، فأما القاصرة فهي التي تقتصر على القدرة في تصرف الشخص في ماله ونفسه مع احترام حق الغير وتثبت للشخص إذا كان كامل الأهلية وغير محجور عليه، أما الولاية المتعدية وهي ما يهمنا فتعني سلطة الولي في حق الغير أو ماله والولي لا تثبت له الولاية المتعدية إلا إذا تبثث له الولاية على نفسه، والولاية المتعدية إما ولاية على النفس أو على المال أي القدرة في التصرف وإدارة أموال المولى عليه بما هو أصلح له.

يعتبر الأب حسب منطوق المادة 236 من مدونة الأسرة "الولي على أولاده بحكم الشرع ما لم يجرد من ولايته بحكم قضائي وللأم أن تقوم بالمصالح المستعجلة لولدها في حالة حصول مانع للأب" فولاية الأب على أولاده القاصرين ثابتة بسبب الولادة وهي مستمدة من الشرع مباشرة، لا يمكن للأب أن يتنصل منها، أو يتنازل عنها وتبقى ملتصقة به لا تفارقه إلا إذا جرد منها قضاء طبقا لأحكام قانون المتعلق بالأطفال المهملين([6])، أو بعض النصوص الخاصة الواردة في القانون الجنائي([7])، وبالخصوص المواد 88 و 104 و 37 و 38 من القانون الجنائي أو إذا فقد أهليته، كل ذلك حفاظا على مصالح القاصر.

أما الأم فقد نصت المادة 238 م. أ على شرطين لولايتها على أولادها:

·       أن تكون راشدة؛

·       عدم وجود الأب بسبب وفاته أو غيابه أو فقدان أهليته أو غير ذلك من الأسباب.

فإذا توافر الشرطان تثبت للأم الولاية وإذا تنافى كلامها أو أحدهما لا تثبت لها الولاية المذكورة.

ثانيا: الوصي أو المقدم:

للمحافظة على أموال المحجور من الضياع لم يقتصر المشرع المغربي القيام بمهام النيابة الشرعية على الولي فقط، بل أعطى لهذا الأخير الحق في تعيين شخص للقيام بهذه المهمة بعد وفاته ويسمى هذا الشخص وصيا([8])، لأن الأب أو الأم أوصيا له برعاية شؤون أبنائهما.

كما منح نفس الحق للقاضي باعتباره هو الآخر ولي من لا ولي له، لاختيار من يراه مناسبا للقيام مقام المحجور في تصرفاته ويسمى مقدما ويتم تعيينه حسب المادة 244 من م. أ. من بين العصبة أو الأقارب أو من غيرهم، من طرف القاضي المكلف بشؤون القاصرين ويمكن الجمع بين شخصين في التقديم إذا رأت المحكمة في ذلك مصلحة للقاصر وتحدد في هذه الحالة صلاحيات كل واحد منهم([9]).

أما الوصي فإنه يكون معينا سلفا من طرف الأم أو الأب وما عليه إلا التوجه إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين ليعرض وصيته بمجرد وفاة الأب أو الأم وعلى القاضي التحقق منها وتثبتها([10]) بعد التأكد من الشروط القانونية، فإذا تبين توفره عليها منحه القاضي الوصاية والعكس صحيح([11]).

وفي هذه الإطار نصت المدونة على مجموعة من الشروط القانونية التي يجب توفرها في الوصي والمقدم ورد ذكرها في المادتين 246 و 247 من م. أ وهي:

·       أن يكون ذا أهلية كاملة، حازما، ضابطا أمينا وأن يكون متوفرا على شرط الملائمة أي أن يكون المقدم والوصي موسرا([12])، ونشير هنا إلى أن المشرع قد ترك للمحكمة أن تأخذ بهذا الشرط الأخير أو لا تأخذ به (ف 246 فقرة 2 م. أ).

كما نصت المدونة في المادة 247 على أنه لا يجوز أن يكون  وصيا أو مقدما:

·       المحكوم عليه في جريمة سرقة أو إساءة ائتمان أو تزوير أو في جريمة من الجرائم المخلة بالأخلاق.

·       المحكوم عليه بالإفلاس أو في تصفية قضائية.

·       من كان بينه وبين المحجوز نزاع قضائي أو خلاف عائلي يخشى منه على مصلحة المحجوز.

وهذا التشدد راجع بالأساس إلى الصلاحيات المهمة الممنوحة للوصي والمقدم في مجال تدبير شؤون القاصر، وفي رأينا كان لازما التشدد حتى بالنسبة للولاية، فما هو الحل إذا كان الأب محكوم عليه في جريمة سرقة أو محكوم عليه بالإفلاس وحتى يمكن أن يكون بينه وبين ابنه القاصر خلاف عائلي هذا الخلاف يمكن أن يهدد مصلحة القاصر؟

هنا كان على الأقل إن وجد القاصر في حالة من هذه الحالات أن يجعل القاضي مشرفا على الولي تكون مهمته رقابة الولي فإن بدا منه تقصيرا يبلغ بذلك القاضي أو النيابة العامة كما فعل بالنسبة للوصي والمقدم (م 248) صحيح أن القضاء يتدخل لحماية مصالح القاصر من الولي إن كانت تصرفات هذا الأخير في غير مصلحة القاصر لكن هذا التدخل يكون غالبا بعد حدوث التصرف والضرر لأموال القاصر، أي أن رقابة القضاء في هذه الحالة رقابة بعدية إن صح التعبير.

لكن ما نلاحظه هو أنه في حالة نشوء خصومة بين القاصر ونائبه القانوني فمن يباشر الدعوى باسم القاصر؟

فالقضاء بهذا الخصوص يتأرجح من حلين:

الحل الأول: باعتبار أن النيابة العامة تعتبر طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية لتطبيق المدونة فإنها تكون هي المختصة في إقامة هذه الدعاوى.

أما الحل الثاني: فهو المتمثل في الاحتفاظ للمحجوز بالحق في التقاضي باسمه إلى أن يبلغ سن الرشد.

وللقضاء على هذه الإشكالية وتوحيد الحلول([13]) لها كان الأحق بالمشرع أن ينص على وصي الخصومة كما فعل المشرع الفرنسي وتكون مهمته تمثيل القاصر أمام القضاء.

 

الفقرة الثانية: صلاحيات النائب الشرعي في تدبير أموال القاصر

أولا: صلاحيات الولي:

الولي كما سبقت الإشارة إلى ذلك وطبقا للمادة 231م. أ: "الأب الراشد والأم الراشدة عند عدم وجود الأب أو فقد أهليته والقاضي"، وسنقوم بدراسة صلاحيات الأب والأم بغض النظر عن القاضي باعتباره هو المشرف على مسطرة حماية شؤون القاصرين وسيكون محط دراسة خاصة عند الحديث عن الرقابة القضائية على النيابة القانونية.

– لا يخفى أن ولاية الأب مقررة بقوة الشرع والقانون (م 236 م. أ).

وقد خول الشرع للأب سلطات واسعة بشأن التصرفات المنصبة على أموال القاصر، يمارسها بدون أن يحتاج إلى إذن من القاضي، وهذا لا يعني أن الأب الولي لا يستطيع أن يباشر ما يستطيعه القاصر من تصرفات، بل تدخل في سلطته كل التصرفات([14]) فله أن يتصرف في مال ولده إلى أن يثبت إضراره به.

والجدير بالذكر أن مدونة الأسرة قد سمحت للأب بتعيين وصي على ولده المحجوز أو الحمل، كما خولت له حق الرجوع عن إيصائه([15]).

ولا يخضع الولي لرقابة القضاء القبلية في إدارته لأموال القاصرين، ولا يفتح ملف النيابة الشرعية بالنسبة له، إلا إذا تعدت قيمة أموال المحجور 200 ألف درهم، وللقاضي النزول عن هذا الحد والأمر بفتح ملف النيابة الشرعية إذا تبثث مصلحة المحجوز في ذلك ويمكن الزيادة من هذه القيمة بموجب نص تنظيمي([16]).

كما يجوز للأب أن يصالح في حق القاصر شرطا ألا يصالح بالأقل لمحجوره وهذا ما يؤكده المجلس الأعلى في قراره 151 الصادر عن المجلس بتاريخ 30 يناير 1990 ملف شرعي عدد 47749: "إذا كان الحق تابتا لا يخشى فواته فلا يجوز للأب أن يصالح عنه بأقل أضرار محجوره وإن فعل فللمحجور إذا رشد أن يرجع على الخصم بالباقي دون حق هذا الأخير في الرجوع على الأب الذي تصالح معه على حق محجوره، إلا إذا كان قد تحمل بذلك".

ولقد أعطيت الولاية  للأم عن ابنها القاصر شرطية أن تكون راشدة وعدم وجود الأب إما بسبب الوفاة أو غياب أو فقدان للأهلية أو بغير ذلك([17]).

غير أنه يمكن أن نسجل أنه بالإمكان تصور وجود وصي للأب إلى جانب الأم وينحصر دوره فقط في تتبع تسيير الأم لشؤون الموصى عليه ورفع الأمر إلى القضاء عند الحاجة([18]).

من خلال هذه الفصول وأخرى من المدونة يتضح أن المشرع سوى بصورة واضحة بين السلطات الممنوحة للأب والأم كوليين على أبنائهما القاصرين وهذا خلاف ما كان عليه الأمر في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، فلم يعد هناك مجال لتمييز تصرف الأم عنه بالنسبة للأب في عقارات ومنقولات القاصر.

ثانيا: صلاحيات الوصي والمقدم:

للمحافظة على أموال المحجور من الضياع لم يقصر المشرع المغربي بمهام النيابة الشرعية على الولي فقط، بل أعطى لهذا الأخير الحق في تعيين شخص للقيام بهذه المهمة بعد وفاته ويسمى وصيا، كما منح نفس الحق للقاضي لاختيار من يراه مناسبا للقيام مقام المحجور في كل تصرفاته ويسمى مقدما وذلك إذا لم توجد أم أو وصي، ويعين القاضي المقدم من بين العصبة فإن لم يوجد فمن الأقارب الآخرين وإلا فمن غيرهم([19]).

كما يمكن للحكمة أن تجعل على الوصي أ المقدم مشرفا لمراقبة تصرفاته وإرشاده لما فيه مصلحة المحجور([20]).

فبعد إصدار القاضي المكلف بشؤون القاصرين أمرا يثبت الإيصاء (م 237 من مدونة الأسرة) وإصدار المحكمة حكما بالتقديم يتعين على الوصي والمقدم القيام بالإجراءات التالية:

·       عليه أن يقوم بعناية شؤون المحجور الشخصية من توجيه ديني وتكويني وإعداد للحياة، والقيام بكل ما يتعلق بأعمال الإدارة العادية لأموال المحجور دون تقصير ولا إخلال.

·       إبلاغ القاضي المكلف بشؤون القاصرين بوجود الأموال النقدية والوثائق والحلي والمنقولات ذات القيمة([21]).

إذا كان مال المحجور لم يتم إحصاؤه بعد تعين على الوصي أو المقدم إنجاز هذا الإحصاء ويوفقه في جميع الأحوال بما يلي:

·       ما يكون لدى الوصي أو المقدم من ملاحظات على هذا الإحصاء.

·       اقتراح مبلغ النفقة السنوية للمحجور ولمن تجب النفقة عليه.

·       المقترحات الخاصة بالإجراءات المستعجلة الواجب اتخاذها للمحافظة على أموال المحجور.

·       المقترحات المتعلقة بإدارة أموال المحجور.

·       بيان المداخيل الشهرية أو السنوية أو أي مداخيل لأموال المحجور.

·       إيداع أموال المحجور باسمه في صندوق الإيداع والتدبير بناء على أمر قضائي([22]).

·       مسك كناش التصرف وفق النموذج المحدد([23]).

·       إذا ظهر للمحجور مال لم يتم إحصائه أعد الوصي أو المقدم ملحقا به يضاف للإحصاء الأول (المادة 254 م. أ).

وبهدف حماية القاصر وحفاظا على مصالحه وعدم تعريضها للمخاطر عملت المدونة على تقييد صلاحيات الوصي والمقدم التي لا يمكنه القيام ببعض التصرفات المنصوص عليها في المادة 271 إلا بعد الحصول على إذن من القاضي المكلف بشؤون القاصرين.

وإضافة لذلك ألزم المشرع المقدم أو الوصي إذا أراد القيام بتصرف تتعارض فيه مصالحه أو مصالح زوجه أو أحد أصوله أو فروعه مع مصالح القاصر، بأن يرفع الأمر إلى المحكمة التي يمكنها أن تأذن به، وتعين للقاصر ممثلا عنه في إبرام التصرف والمحافظة على مصالحه([24]).

علاوة على ذلك فإن للقاضي المكلف بشؤون القاصرين أن يلزم الوصي أو المقدم بتقديم الحساب السنوي مؤيد بجميع المستندات على محاسبين يعينهم القاضي الذي يقوم بعد ذلك بمراجعة المحضر الذي حرره المحاسبان ولا يصادق على هذه الحسابات إلا بعد فحصها ومراقبتها، والتأكد من سلامتها وعند ملاحظة خلل في الحسابات يتخذ الإجراءات الكفيلة بحماية المحجور([25]).

وما يمكن أن نشير إليه أخيرا إلى أن هذه القيود الكثيرة المفروضة على الوصي والمقدم مع طبيعة وإمكانيات عمل القاضي وكثرة الملفات سيؤدي لا محالة إلى نتائج معاكسة، تؤثر في مصلحة القاصر وتعطلها.

المبحث الثاني: دور القضاء في حماية القاصر من خلال فرض الرقابة على النيابة الشرعية

المطلب الأول:الرقابة القضائية على النيابة القانونية

لطالما شكلت الرقابة القضائية ضمان الأمان والفيصل الأساس في حماية مال القاصرين على اعتبار أن ترك الأمر بدون رقابة وعقاب من شأنه أن يفتح المجال للتلاعب بأموال القاصر، لذلك أسند المشرع هذه المهمة إلى جهات مهمة (فقرة أولى) وحرص على أن تكون رقابتهم ذات طبيعة خاصة لكل واحد من هذه الجهات (فقرة ثانية).

 

الفقرة الأولى: الجهات المسؤولة عن الرقابة القضائية على النيابة القانونية:

تقوم المحكمة بممارسة الرقابة العامة على سير النيابات القانونية (م 265 م. أ) ويقوم القاضي المكلف بشؤون القاصرين غالبا بهذه الرقابة بدائرة نفوذه وهو قاضي من المحكمة الابتدائية، يعين لمدة ثلاث سنوات بقرار وزير العدل([26])، صريح الفصل (182 ق. م. م.) ينص على أن القاضي الذي يمارس مهام شؤون القاصرين يعين من قضاة المحاكم الابتدائية، أي من قضاة الدرجة الثالثة لكن الواقع العملي لا يقتصر عليهم، بل كثيرا ما يعين لهذه المهمة قضاة من الدرجة الثانية والأولى عن طريق التكليف من طرف وزير العدل في نطاق ما تقتضيه المصلحة القضائية([27]).

طبقا للنصوص السالف ذكرها المتعلقة بمدونة الأسرة والمسطرة المدنية، تشمل مهمة القاضي المكلف بشؤون القاصرين في الأمر بتكوين ملف النيابة القانونية عن القاصر وضبط ماله، مع رقابة عامة لسير الوصاية والتقديم وصلاحيات خاصة إزاء الوصي والمقدم والإذن للقاصر بتسلم جزء من أمواله، ويمارس مهمته تلك عن طريق أوامر ولائية وقضائية لكن التساؤل يبقى مطروح حول طبيعة هاته الأوامر على اعتبار أن عمل القاضي المكلف بشؤون القاصرين ليس قضائيا صرفا لذلك فإن الأوامر التي يصدرها القاضي منها ما هو قضائي ومنها ما هو ولائي، وللتمييز بين النوعين يمكن الاسترشاد بالمعايير الآتية حسب بعض الفقه([28]).

·       الأمر القضائي يصدر بناء على مقال، الأمر الولائي لا يتوقف صدوره على مقال.

·       الأمر القضائي يتطلب وجود "خصومة" أي طرفين لهما مصالح متعارضة وهو ما لا يتطلبه الأمر الولائي.

هذا التمييز أدى إلى اختلاف الآثار لكل من الأمرين:

·       فالأمر القضائي قابل للطعن كقاعدة عامة وعلى العكس من ذلك الأمر الولائي.

·       الأمر القضائي لا يمكن للقاضي التراجع عنه عكس الأمر الولائي.

بناء عليه يمكن القول أن الأوامر القضائية التي يصدرها القاضي المكلف بشؤون القاصرين هي الواردة في المادة 276 من مدونة الأسرة، حيث نصت "القرارات التي يصدرها القاضي المكلف بشؤون القاصرين طبقا للمواد 226 و 240 و 268 و 271 تكون قابلة للطعن"، وهي:

1.          البث في طلب الإذن للقاصر بتسليم جزء من ماله (م 226 م. أ).

2.          البث في رفع القيمة المالية أو التخفيض منها بالنسبة لفتح ملف النيابة القانونية بالنسبة للولي (م 260 م. أ).

3.          التحديد عند الاقتضاء المصاريف والتعويضات المترتبة عن تسيير أموال المحجور (م 268 م. أ).

4.          الإذن بالقيام بالتصرفات الواردة في (الفصل 271 م. أ).

وتجدر الإشارة إلى أن مدونة الأسرة أحدثت جهازا آخر يساعد القاضي المكلف بشؤون القاصرين وهو مجلس العائلة تطبيقا للفصل 251 من مدونة الأسرة، المنصوص على إحداثه بمقتضى مرسوم رقم 08. 04. 2 صادر في 25 ربيع الآخر 1425- 14 يونيو 2004 بشأن تكوين مجلس العائلة وتحديد مهامه.

لكن ما يؤاخذ على هذا المجلس أن قراراته ليست ذات صبغة إلزامية الشيء الذي يجعله جهازا شكليا فقط، ذلك أن إضفاء الصبغة الإلزامية على قراراته قد يساهم بشكل فعال على وضع حل لبعض المشاكل والقضايا المطروحة عليه وهذا على غرار ما سار عليه المشرع الفرنسي، حيث أضفى الصبغة الإلزامية لقرارات مجلس العائلة([29]).

ونشير في الأخير إلى أن جهاز النيابة العامة أصبح له دور مهم في رقابة النيابة القانونية وخرج عن الدور التقليدي الذي كان منصوصا له في ق. م. م. كطرف منظم إذ أصبح طرفا رئيسيا في جميع قضايا الأسرة([30]).

الفقرة الثانية: طبيعة رقابة القاضي المكلف بشؤون القاصرين:

إن رقابة القاضي قد تكون سابقة على تصرف النائب الشرعي في أموال القاصر وقد تكون لاحقة له.

أولا: الرقابة السابقة:

الرقابة السابقة هي الإجراءات القبلية أي السابقة للقيام بأي تصرف أو إجراء ينصب على أموال القاصر والغاية منه وقائية بالدرجة الأولى، وتكون هذه الرقابة بالنسبة للتصرفات التي يشترط القانون سبق الإذن بها من القاضي المكلف بشؤون القاصرين، وهي التصرفات المنصوص عليها في المادة 271 من المدونة، هذا وأن المدونة استثنت من هذه الرقابة التصرفات التي لا تحتاج إلى إذن ونصت عليها في المادة 272 من المدونة.

وتجدر الإشارة إلى أن المشرع حاول ما أمكن خلق مجموعة من الإجراءات القبلية من أجل حماية مال القاصر سواء من خلال تأكد القاضي من الشروط الواجب توفرها في الوصي والمقدم أو على مستوى التصرفات المشروطة بإذن مسبق من القاضي المكلف بشؤون القاصرين، وإذا تعلق الأمر بالبيع وجب احترام مقتضيات المواد من 201 إلى 211 من ق. م. م. هذا بالإضافة إلى إلزام الوصي والمقدم بمسك سجل يضمنان فيه التصرفات المنجزة باسم القاضي مع تواريخها([31]).

غير أن الإشكال الذي يبقى مطروحا هو حول خضوع الولي لهذه الرقابة على اعتبار أن هناك تعارض بين المادة 11 من ق. ل. ع. والتي تنص على أن: "الأب الذي يدير أموال ابنه القاصر أو ناقص الأهلية والوصي والمقدم بوجه عام كل من يعينه القانون لإدارة الأموال التي يتولون إدارتها إلا بعد الحصول على إذن خاص بذلك من القاضي المختص ولا يمنح الإذن إلا في حالة الضرورة أو في حالة النفع البين لناقص الأهلية"([32]).

يستفاد من هذا النص أن المشرع مدد الرقابة إلى الأب بدوره وحتى الأم لأن النص جاء بوجه عام ليشمل كل من يعينه القانون لإدارة أموال غيره.

لكن مدونة الأسرة على خلاف ذلك نصت على أنه: "لا يخضع الولي لرقابة القضاء القبلية في إدارته لأموال المحجور ولا يفتح ملف النيابة الشرعية بالنسبة له إلا إذا تعدت قيمة أموال المحجور مائتي ألف درهم (200 ألف درهم). القاصرين النزول عن هذا الحد والأمر بفتح ملف النيابة الشرعية إذا تبتت مصلحة المحجور في ذلك، ويمكن الزيادة في هذه القيمة بموجب نص تنظيمي" (م 240 م. أ).

وأمام هذا التعارض نرى أن مقتضيات قانون الأسرة أولى بالتطبيق لأن النص اللاحق ينسخ النص السابق لكن نناشد المشرع المغربي من أجل أن يتدخل لتحيين هذا النص وغيره لتتلاءم والنصوص الجديدة.

 

 


[1] – ويقول الشاعر الكبير حافظ إبراهيم في هذا المنحى:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت                     فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ولا أحد يجادل اليوم في كون الأسرة المستقرة والسليمة تشكل الحجر الأساس لبناء مجتمع تسود فيه الأخلاق الحميدة.

 

[2] – سنة 1957/1958.

 

[3] – محمد الأزهر: "شرح مدونة الأسرة" الزواج/ انحلال ميثاق الزوجية وآثاره، الولادة ونتائجها، مطبعة دار النشر المغربية، الدار البيضاء، 2006، ص: 16:

·         الأولى سنة 1961، كان الهدف منها توحيد قانون الأحوال الشخصية بالنسبة لجميع المغاربة مسلمين كانوا أم يهود.

·         الثانية سنة 1965.

·         الثالثة سنة 1981.

هذا بالإضافة إلى بعض الاقتراحات التي قدمت إلى البرلمان، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل إلى غاية 1993، حيث عرفت مدونة الأحوال الشخصية بعض التعديلات.

 

[4] – للتعمق في دراسة الموضوع، أنظر كتاب أستاذنا خالد برجاوي: "إشكالية الأصالة والمعاصرة –وضعية المرأة نموذجا" طبعة دار القلم، سنة 2003.

 

[5] – محمد الأزهر: "شرح مدونة الأسرة" الزواج/ انحلال ميثاق الزوجية وآثاره، الولادة ونتائجها، مطبعة دار النشر المغربية، الدار البيضاء، 2006، ص: 16:

·         الأولى سنة 1961، كان الهدف منها توحيد قانون الأحوال الشخصية بالنسبة لجميع المغاربة مسلمين كانوا أم يهود.

·         الثانية سنة 1965.

·         الثالثة سنة 1981.

هذا بالإضافة إلى بعض الاقتراحات التي قدمت إلى البرلمان، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل إلى غاية 1993، حيث عرفت مدونة الأحوال الشخصية بعض التعديلات.

 

[6] – أنظر قانون رقم 01-15 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5031 بتاريخ 19 غشت 2002، (ظ. ش. رقم 172. 02. 1 الصادر بتاريخ 13 يونيو 2002).

 

[7] – أمر صادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، آنفا، بتاريح 07-02-2002، تحت عدد 307 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 90، ص 190 وما يليها.

 

[8] – د. سميرة كميلي أظريف: "الأهلية القانونية" مرجع سابق، ص 58-59.

 

[9] – المادة 244 من مدونة الأسرة.

 

[10] – المادة 237 فقرة ثانية من مدونة الأسرة.

 

[11] – الدليل العملي لمدونة الأسرة جمعية المعلومة القانونية والقضائية، مطبعة فضالة، 2004.

 

[12] – أنظر محمد بن معجوز: "أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية وفق مدونة الأحوال الشخصية"، الجزء الثاني، الولادة ونتائجها، الأهلية والنيابة الشرعية، مطبعة النجاح، الدار البيضاء 1999، ص 155.

 

[13] – راجع بهذا الخصوص: الأستاذة أمينة شايب، "تأملات حول النصوص الجديدة للنيابة الشرعية"، كلية الحقوق السويسي-الرباط.

 

[14] – جميلة أوحيدة: "آثار الولادة والأهلية والنيابة القانونية"، 2007.

 

[15] – المادة 237 من مدونة الأسرة.

 

[16] – المادة 240 من مدونة الأسرة.

 

[17] – المادة 238 من مدونة الأسرة.

 

[18] – الفقرة الأخيرة من المادة 238 من مدونة الأسرة.

 

[19] – الفقرة 244 من مدونة الأسرة.

 

[20] – المادة 248 من مدونة الأسرة.

 

[21] – المادة 235 من مدونة الأسرة.

 

[22] – المادة 235 من مدونة الأسرة، شرح لوزارة العدل.

 

[23] – أنظر في الملحق قرار لوزير العدل رقم 04-275 صادر في 12 ذي الحجة 1424-  3 فبراير 2004- بتحديد شكل ومضمون كناش التصرف.

 

[24] – المادة 269 من مدونة الأسرة.

 

[25] – المادة 255 من مدونة الأسرة.

 

[26] – الفصل 182 من قانون المسطرة المدنية.

 

[27] – عبد السلام المنصوري: "مسطرة حماية شؤون القاصرين في إطار التشريع المغربي"، (دروس تطبيقية)، المناشير والظهائر والمراسيم الوزارية نماذج الأوامر والإذن، 1986.

 

[28] – أحمد الخمليشي: "التعليق على قانون الأحوال الشخصية"، الجزء 2، "آثار الولادة ونتائجها والأهلية والنيابة القانونية"، دار النشر المعرفة، الطبعة الأولى، ص 363 و 364.

 

[29] – جميلة أوحيدة: "آثار الولادة والأهلية والنيابة القانونية"، 2007.

 

[30] – المادة 3 من مدونة الأسرة.

 

[31] – المواد 253- 257 من مدونة الأسرة.

 

[32] – المادة 11 ق. ل. ع.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى