القانون الضريبيفي الواجهةمقالات قانونية

التحكيم الضريبي : حوار الدكتور مصطفى الفوركي مع جريدة المساء

 

 

التحكيم الضريبي
التحكيم الضريبي

مصطفى الفوركي: حاصل على دكتوراه في  موضوع “التحكيم في النزاع الضريبي”

أولا: ما هي الأسباب الكامنة من وراء هذه الأهمية التي تطبع الوسائل البديلة لفض المنازعات ، والتي تزداد يوما بعد يوم؟

لقد اصبح اللجوء إلى الوسائل البديلة لفض المنازعات في وقتنا الحالي أمرا ملحا وذلك لتلبية متطلبات الأعمال الحديثة والتي لم تعد المحاكم قادرة على التصدي لها بشكل منفرد , فمع التطور المستمر في التجارة و الخدمات , وما نتج عن ذلك من تعقيد في المعاملات , والحاجة إلى السرعة والفعالية في فض الخلافات , نشأت الحاجة لوجود اليات قانونية يمكن للأطراف من خلالها حل خلافاتهم بشكل سريع و عادل و فعال

ثانيا: ماهو التحكيم؟

        يعتبر التحكيم نوعا من القضاء الخاص يقوم على مبدأ سلطان الإرادة بحيث ان اطراف العلاقة يتفقون فيما بينهم على اللجوء إلى التحكيم لاجل حل خلافاتهم ومنازعاتهم التي قد تحصل او حصلت , بمعنى اخر تخلي المتخاصمين لحقهم في اللجوء إلى القضاء و اعتمادهم التحكيم كسبيل لحل الخلاف بينهم , وبمعنى أدق فالتحكيم هو تولية الخصمين لحكم بينهما له من الكفاءة و الخبرة ما يمكنه من عرض النزاع امامه لاجل الحكم في القضية بحكم قاطع.

ثالثا: ماهي المميزات التي تميز التحكيم عن القضاء ؟

التحكيم مؤسسة قائمة بذاته ويتميز عن القضاء الرسمي بمجموعة من المميزات وفي هذا الشأن عبر الفيلسوف (أرسطو) بقوله أن اطراف النزاع يستطيعون تفضيل التحكيم عن القضاء , ذلك ان المحكم يرى العدالة بينما القاضي لا يعتد الا بالتشريع وكذا قوله ان المحكم يسعى إلى العدالة بينما القاضي يسعى إلى تطبيق القانون , والتحكيم ابتكر لتحقيق العدالة.

ومن جهة أخرى تتجلى افضلية التحكيم عن القضاء العادي حينما يكون النزاع القائم ذا طابع فني وتقني معقد وهي الصفة التي تطبع حاليا الكثير من النزاعات التجارية و المالية و الضريبية والتي تتماشى مع التطورات التكنولوجية مما أدى ذلك إلى اثارة مجموعة من المسائل العلمية والتكنولوجية و المحاسباتية…

ومن هذا المنطلق يتعذر عن القاضي الفصل في هكذا منازعات دون الرجوع إلى ذوي الخبرة والمعرفة للاستعانة بهم وأصبح الفصل في المنازعات يعود إلى الخبير الذي يكون على علم ودراية بموضوع النزاع

رابعا: اذن من يحكم هل الخبير ام القاضي ؟

        سؤال مهم جدا ! لقد صار لجوء القاضي إلى التماس الخبرة من أهلها يؤدي في معظم الأحيان إلى حلول الخبير من الناحية العملية محل القاضي حين الفصل في الدعوىو خصوصا في المنازعات الضريبية او التقنية او المحاسباتية , فحينما يتم تعيين الخبير و بعد ان يدلي بتقريره فان القاضي يكون مضطرا واقعيا على الاخذ برأي الخبير نظرا لكفاءته وخبرته في المجال على عكس تكوني القضاة الذي يكون شاملا للمسائل القانونية النظرية و التطبيقية لكن دون المسائل التقنية التي تفترضها التحولات التكنولوجية و التقنية و التي تقتضي دخول خبراء على الخط لاجل توجيه نظرة و  قناعة القاضي للوصول إلى حكم عادل.

 خامسا : ما علاقة الضريبة بالوسائل البديلة لفض النزاعات ؟

        يعد المجال الضريبي اكثر الميادين اثارة لنفور المواطنين عموما , والمكلفين على وجه الخصوص , حيث ان الفكرة السائدة ان الإدارة الجبائية لاتقنع وان صح التعبير ان لها شهية شرهة .

وكما هو معلوم ان قوانين الضرائب تتميز عن غيرها من القوانين بالتعديل و التغيير المستمرين ( سنويا أحيانا بمقتضى قوانين المالية ) مما يؤدي إلى كثير من المستجدات القانونية والتي تكون غالبا محل نزاع بين إدارة الضرائب و المكلف , وأمام كثرة الملفات و المشاكل المصاحبة لها امام المحاكم الإدارية كان لابد من التفكير في الوسائل البديلة لفض النزاعات لاجل تخفيف العبء عن المحاكم وتسريع وتيرة التقاضي

 

سادسا: ماذا عن التحكيم في المنازعة الضريبية؟

حاليا المشرع المغربي وكذلك توجه الاجتهاد القضائي يقر بالتحكيم في المنازعة الضريبية فقط انطلاقا من عمل اللجان المحلية و الوطنية التي تتولى فض النزاع الضريبي المعروض عليها لكن هذا التوجه مجانب للصواب نظرا لان طبيعة التحكيم تختلف كليا عن طبيعة اللجان سواء من حيث التكوين فاللجان المحلية يرأسها قاض و تتكون من ممثل للإدارة الضريبية بالإضافة الى ممثل عن الملزم و ممثل للعمالة او الإقليم . من خلال تكوين اللجنة المحلية لتقدير الضريبة نرى اختلافا واضحا مع مبادئ التحكيم حيث ان لجنة التحكيم يجب ان تكون وترا وليس عدد زوجي , وفي التحكيم لا مكان لممثل العمالة او الإقليم و يرأس اللجنة محكم وليس قاض

اما بالنسبة للنظر في النزاع فهذه اللجان تنظر فقط في المسائل الواقعية و ليس المسائل القانونية بينما لجنة التحكيم تنظر في المسائل القانونية و الواقعية والوصول الى حكم عادل عن طريق التصويت بين أعضاء اللجنة

سابعا: هل التحكيم في المنازعة الضريبية جائز في المغرب ؟

هناك ثلاثة نصوص قانونية صريحة تمنع التحكيم في المنازعة الضريبية وهي المادة 244 من المدونة العامة للضرائب خصوصا الفقرة الثانية التي تنص على ” لا يمكن للنزاعات المتعلقة بتطبيق القانون الجبائي ان تكون موضوع تحكيم ”

وكذا المادة 310 من قانون المسطرة المدنية والتي تمنع هي الأخرى ان تكون الضريبة مجل تحكيم من خلال فقرتها الأولى والتي تنص على: ” لا يجوز ان تكون محل تحكيم النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة او الجماعات المحلية او غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية….غير ان النزاعات المالية الناتجة عنها يمكن ان تكون محل عقد تحكيم ما عدا المتعلقة بتطبيق قانون جبائي ”

وكذلك المادة 164 من قانون الجبايات المحلية في فقرتها الأخيرة التي تنص على انه لا يمكن للنزاعات المتعلقة بتطبيق هذا القانون ان تكون موضوع تحكيم ”

لكن وتشجيعا للاستثمارات الخارجية نص المشرع من خلال المادة 17 من ميثاق الاستثمار على جواز التحكيم في المنازعات المتعلقة بالاستثمار والتي تكون في كثير من الأحيان متعلقة بشق منها بمجال الضرائب , وخصوصا فيما يتعلق بالاتفاقيات الثنائية و الدولية التي وقع عليها المغرب و التي تتضمن بنود اللجوء إلى التحكيم حالة وقوع النزاع مما يصبح المغرب ملزما بتطبيق مضامين الاتفاقيات واستثناء الملزم المغربي منها خصوصا حينما تكون الاتفاقيات الدولية غير منشورة في الجريدة الرسمية فتصبح ملزمة للدولة المغربية في مواجهة المستثمر الأجنبي مع استثناء الملزم و المستثمر الوطني من هذه المكنة

ثامنا: ما هي اقتراحاتكم في سبيل تعزيز مكانة التحكيم في المجال الضريبي؟

في هذا الجانب يمكننا القول بانه امام كثرة الملفات المعروضة امام المحاكم وخصوصا في المجال الضريبي و قلة المحاكم الإدارية في المغربي فمتوسط اصدار حكم ابتدائي في قضية معروضة امام المحكمة الإدارية في نزاع ضريبي قد تصل بين السنة و والسنتين وبعدها تأتي مرحة الاستثناف التي قد تصل هي الأخرى من سنة إلى ثلاث سنوات , اذن فلاجل الحصول على حكم في قضية تعنى بالضريبة يجب انتظار اكثر من ثلاث او اربع سنوات . اما في التحكيم فيمكن من حل النزاع من لدن هيئة متخصصة في النزاع يختارها الأطراف في اجل لا يتعدى ستة أشهر , اذن فالتحكيم يوفر لنا السرعة و الفعالية لحسم النزاع و تلافي الحقد و الضغينة بين الملزم والإدارة الضريبية .

لذلك ننادي المشرع المغربي بضرورة تعديل المواد التي تمنع التحكيم في المنازعة الضريبية و أن ينص على جواز التحكيم في المنازعة الضريبية على غرار المنازعات التجارية و باقي المنازعات الأخرى,

فالتحكيم في المنازعة الضريبية لن يقلل من هيمنة الدولة او من سلطتها بل على العكس تماما حيث اننا نضع هذه المنازعة في ايادي الخبراء المتخصصين في المجال الضريبي و المجال المسطري القانوني وكذلك التقني

تاسعا: ما هي نظرة التشريعات المقارنة للتحكيم في المنازعة الضريبية ؟

بالنسبة للمشرع الفرنسي على غرار المشرع المغربي يمنع التحكيم في المنازعة الضريبية وظل موقفه متشددا في الموضوع لكن المشرع التونسي في الأول كان هو الاخر يمنع التحكيم في المنازعة الضريبية لكنه في اخر التعديلات المتعلقة بمجلة الضرائب تم السماح باللجوء إلى التحكيم لفض مجموعة من النزاعات المتعلقة بالضرائب عن طريق التحكيم .

أما المشرع الكويتي فقد كان هو السباق بين التشريعات العربية إلى إقرار التحكيم في المنازعات الضريبية انطلاقا من المادة 13 من المرسوم الملكي رقم 3 لسنة 1955 الذي يقر بإحالة أي نزاع يتعلق بالضرائب للتحكيم .

ومن جهة أخرى فالتشريع الأمريكي يجعل التحكيم هو الخيار الأول و الأوحد لفض المنازعة الجبائية وعلى نفس النهج صار المشرع الصيني كذلك انطلاقا من القواعد التي وضعتها اللجنة الصينية للتحكيم الإقتصادي و التجاري الدولي والتي دخلت حيز التنفيذ سنة 2012 تم الاعتراف بشكل واسع بالتحكيم كوسيلة لفض المنازعات الضريبية .

والمشرع الأسترالي هو الاخر يقر بالتحكيم في المنازعة الضريبية عن طريق تبني هذه الفكرة في معاهدات الازدواج الضريبي .

التحكيم في النزاع الضريبي
التحكيم في النزاع الضريبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى