في الواجهةمقالات قانونية

تاثير جائحة كورونا على اطراف العلاقة الشغلية  

 

تاثير جائحة كورونا على اطراف العلاقة الشغلية  

إبراهيم سدزاوي

حاصل شهادة الماستر تخصص علاقات الشغل ونظم الحماية الاجتماعية

 

عرف قانون الشغل تطورا ملحوظا باختلاف العصور حيث لم تكن هناك قواعد منظمة لقانون الشغل في القديم، وأخدت قواعده تظهر على شكل أنظمة إقطاعية في الزراعة وأنظمة الطوائف الحرفية في الصناعة خلال العصر الوسيط، الى أن تم الإعلان على مبادئ الحرية والمساواة التي تولد عنها مبدأ سلطان الإرادة في العصر الحديث.

ويعد قانون الشغل من أهم فروع القانون الخاص على الاطلاق، ويعرف بكونه مجموع القواعد القانونية المطبقة على العلاقات الفردية والجماعية الناشئة بين المؤاجرين الخصوصيين من جهة ومن يشتغلون تحت سلطتهم وإشرافهم من جهة أخرى بسبب الشغل.

كما أثارت مخاطر الأوبئة والامراض خلال العشرين سنة الأخيرة العديد من الإشكاليات ذات الابعاد القانونية والاقتصادية والاجتماعية في ارتباطها بالأمن الصحي العالمي[1] وبالعوائق والاكراهات الناجمة عنها في مجال تبادل السلع والخدمات وذلك مرورا بوباء ” سراس ” في 2003 و”ابولا” سنة [2]2009 بالإضافة عدة أوبئة أخرى ليتجدد بذلك النقاش في الساحة القانونية وطنيا ودوليا بخصوص أثار هذه الأوبئة على أطراف علاقة الإنتاج.

-هل يعد فيروس كورونا أحد تطبيقات القوة القاهرة؟

-ما هو تأثير فيروس كورونا على أطراف العلاقة الشغلية؟

هذا ما سنحاول الإجابة عليه وفق مطلبين:

 

 

المطلب الأول: مدى اعتبار فيروس كورونا بمثابة قوة قاهرة

يقصد بالتكييف القانوني تحليل واقعة أو تصرف قانوني معين قصد وضعها في المكان الملائم من بين التقسيمات السائدة في فرع معين من فروع القانون وهو العملية الذهنية المتمثلة في إنزال حكم القانون على الواقع أو إدراج الواقعة في طائفة معينة.[3]

ويقصد بالقوة القاهرة في هذا الباب وحسب منطوق الفصل 269 من ظهير الالتزامات والعقود كل امر لا يستطيع الانسان أن يتوقعه كالظواهر الطبيعية ويكون من شأنه ان يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا.

ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الامر الذي كان من الممكن دفعه، مالم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه.

كما لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين.

لكن حتى يتقرر الاعفاء من المسؤولية بسبب القوة القاهرة فإنه يلزم توفر الشروط الاتية:

1-أن يكون الحادث غير ممكن التوقع

ويقصد بهذا الشرط ان لا يخطر في الحسبان حصول مثله عند وقوع الفعل الضار[4]، وبالتالي إذا أمكن توقع ذلك كفيضان نهر يحصل في أوقات دورية[5] فلا يشكل قوة قاهرة حتى ولو استحال دفعه و اثبات أن الحادث كان غير ممكن التوقع يقاس بمعيار الشخص العادي الذي يوجد في نفس الظروف الخارجية وليس الرجل شديد الفطنة و الذكاء

2- أن يكون الحادث غير ممكن ال الدفع

ويقصد بذلك أن يستحيل على الشخص تجنب نتائج الحادث استحالة مطلقة بمعنى أنه لا يستطيع أن يمنع نتائجه بأي طريقة كانت أما اذا كان من شأن الحادث أن يجعل تفادي الضرر أكثر ارهاقا و مشقة فانه لا تكون هناك قوة قاهرة تنتفي معها المسؤولية و الاستحالة المقصودة هنا تلك التي تكون بالنسبة لأي شخص يوجد في موقف المدعى عليه او المتابع.

 

3-أن يكون الحادث أجنبي عن المدين

بمعنى أن لا يكون هناك خطأ من جانب المسؤول أدى الى الحادث و عليه اذا كان الحادث نتيجة لخطأ المدعى عليه فإننا لا نكون أمام قوة قاهرة و هذا نص عليه صراحة الفصل 95 ل.ع وهكذا فإن قيام القوة القاهرة يقتضي أن يكون الحادث خارجيا لا يد للمدين فيه سواء بفعله أو مساهمته أو مشاركته.

 

وبإعمال الشروط أعلاه على حالة فيروس كورونا يتضح لنا أن هذا الأخير “فيروس” غير متوقع حيث يعتبر حسب منظمة الصحة العالمية فصيلة كبيرة من الفيروسات التي قد تسبب المرض للإنسان و يسبب لدى البشر حالة من الضيق في الجهاز التنفسي مثل متلازمة الشرق الوخيمة التي تعرف بالسارس كما أنه يستحيل دفع الضرر الناتج عنه في هاته الأيام العصيبة و ليس للمدين دخل في إثارته كما أنه ذات مصدر اجنبي عن المدين  مما يجعله بمثابة قوة قاهرة[6] إذ نفس الاتجاه سارت عليه محكمة الاستئناف الفرنسية في إحدى قراراتها  حيث اعتبرت جائحة كورونا احدى تطبيقات القوة القاهرة[7] و يجعل تبعا لذلك  تنفيذ الالتزامات التعاقدية الشغلية مستحيلة وهذا ما سنحاول الإحاطة به في إطار المطلب الثاني

 

المطلب الثاني: تأثير فيروس كورونا على اطراف العلاقة الشغلية

اعتبارا لكون عقد الشغل عقد تبادلي يرتب التزامات متبادلة في ذمة طرفيه فإن الاجير في إطار الالتزامات التي تفرضها عليه مدونة الشغل يكون مسؤولا عن فعله واهماله كما يرتب التزامات على عاتق المشغل الذي يكون مقيد باحترامها   وتبعا لما قلناه سابقا من تكييف جائحة كورونا بكونها بمثابة قوة قاهرة فإنه يثار سؤال حول مشروعية أثر عدم أداء الاجير المشغل لهاته الالتزامات

1-أثر فيروس كورونا على تنفيذ التزامات الاجير

بالرجوع الى مقتضيات الفصل 723 ق ل ع و المادة 6 م ش فالعمل يعتبر من أهم الالتزامات القانونية التي تقع على عاتق الاجير و تبعا لذلك لا يمكنه التحلل من هذا الالتزام إلا إذا كانت هناك قوة قاهرة تحول بينه و بين الالتزام الملقى على عاتقه كلما توفرت الشروط المبينة أعلاه .

-في حالة مرض الاجير بهذا الفيروس  

إذا كان مرض الاجير مثبت بموجب شهادة طبية فإن عقد الشغل يتوقف عند تغيب الاجير بسبب هذا المرض غير المهني و ذلك وفق شرطين الأول أن لا تزيد مدة الغياب عن 180 يوما متوالية خلال فترة 365 يوما، و الثاني  أن لا يترتب عن المرض فقدان الاجير لقدرته على الاستمرار في مزاولة لشغله، وفي هذه الحالة سيكون هذا الغياب مشمول بمقتضيات قانون الضمان الاجتماعي و أي فصل للأجير خلاله يمكن تكييفه كفصل تعسفي

أما إذا كان مرض الاجير غير مثبت بشهادة طبية كما في حالة ما إذا دخل الاجير مرحلة الحجر الصحي بشكل ارادي فإن تغيبه هذا يعتبر تغيبا غير مبرر ويعتبر تبعا للمادة 39 من م ش من قبيل الأخطاء الجسيمة التي يرتكبها الاجير إذا تجاوز مدة الغياب أكثر من 4 أيام أو ثمانية أنصاف يوم خلال الاثني عشر شهرا، وفي حالة تحريك المشغل لمسطرة الخطأ الجسيم واحترامه الآجال القانونية، يمكن أن يفصل الاجير عن العمل ويعتبر ذلك فصلا مبررا، بما يعني أن مدونة الشغل لم تتناول حالة الحجر الصحي الطوعي.

لكن هل يمكن الحد من ولوج أماكن العمل للأجير في حالة إصابته بهذا المرض نتيجة الوباء؟؟

يجب على المشغل وفقا للقانون أن يمنع الاجير الذي تم تسجيل حالة مرضه من ولوج أماكن العمل، باعتبار المشغل مسؤولا على نظافة أماكن الشغل وملزما بتوفير شروط الوقاية الصحية ومتطلبات السلامة اللازمة للحفاظ على صحة الاجراء ويجب على المشغل الاتصال بالجهات المعنية قصد اتخاذ التدابير اللازمة.

أما في حالة ما إذا رفض الاجير القيام بعمله بسبب انتشار جائحة كورونا فالمدونة لم تتطرق صراحة لأثار ذلك وبالتالي متى رفض الاجير أداء العمل لعلة انتشار الفيروس يكون قد ارتكب خطأ جسيما يخول للمشغل إمكانية فصله وفق لمقتضيات المادة 62 وما يليها خلافا لما نصت عليه الاتفاقية رقم 155 منظمة العمل الدولية الخاصة بالسلامة والتي اقرت بحق الاجير في الانسحاب من العمل كلما كان هناك سبب معقول يهدده ويشكل خطر على حياته وعلى صحته.

 

2-اثر فيروس كورونا على تنفيذ التزامات   المشغل

إذا  كان الاجير ملزما بالقيام بالعمل باعتباره احد اهم الالتزامات الملقاة على عاتقه فإن المشغل بدوره ملزما باحترام مجموعة من الالتزامات أهمها أداء الاجر و توفير الظروف الملائمة للعمل و اتخاذ جميع التدابير الممكنة للحفاظ على صحة و سلامة الاجراء لهذا الغرض جاءت مدونة الشغل بمجموعة من المؤسسات  القانونية التي تسهر على حفظ صحة وسلامة الاجراء من قبيل طبيب الشغل و لجان الصحة و السلامة و تعزيز و تقوية دور مفتشي الشغل لذلك فجائحة كورونا تضع المشغل في مجموعة من الوضعيات تؤثر على التزاماته تجاه الاجراء من قبيل:

 

 

-اعتماد العمل عن بعد

 

تتيح مدونة الشغل في مادتها 8 إمكانية تشغيل الاجراء بالمنازل لفائدة المشغل شريطة توفير شروط الصحة والسلامة والمنصوص عليها في المرسوم رقم 2.12.262 الصادر بتاريخ 10 يوليوز 2012 وكذا توفير التأمين ضد حوادث الشغل طبقا لمقتضيات القانون 18.12 وشريطة حصول اتفاق بين الطرفين ودون مساس بالحقوق المكتسبة الناتجة عن العلاقة الشغلية القائمة قبل اللجوء الى النمط من التشغيل.

-تخفيض مدة عمل الاجراء

يمكن للمشغل للوقاية من الازمات الدورية العابرة تخفيض مدة العمل وفقا لمقتضيات المادة 185 من مدونة الشغل، مع احترام شرط استشارة مندوب الاجراء والممثل النقابي بالمقاولة عند وجودهم، والتزامه بأداء الاجر عن مدة الشغل الفعلية على ألا يقل في جميع الحالات عن 50 في المئة من الاجر العادي ما لم تكن هناك مقتضيات أكثر فائدة للأجراء.

 

-حالة تنظيم العمل بالتناوب

 

أجاز المشرع هذه الامكانية وفق المادة 188 من مونة الشغل شريطة الا تتجاوز المدة المقرر لكل فرقة ثماني ساعات في اليوم وينبغي ان تكون هذه المدة متصلة مع التوقف لفترة استراحة لا تتعدى الساعة

 

-حالة استفادة الاجراء من عطلة سنوية

 

يستحق كل اجير قضى ستة أشهر متصلة من الشغل في نفس المقاولة عطلة سنوية مؤدى عنها تحدد مدتها بناء على مقتضيات المادة 231 من م ش و يمكن الاستفادة من العطلة السنوية المودى عنها، خلال أي فترة من فترات السنة و يتولى المشغل تحديد تواريخ العطلة السنوية بعد استشارة مندوبي الاجراء و الممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم ويمكن تجزئة العطلة السنوية المؤدى عنها أو الجمع بين أجزاء من مددها على مدى سنتين متتاليتين ويتم تحديد تواريخ مغادرة الاجراء لشغلهم قصد قضاء عطلهم السنوية المؤدى عنها بعد استشارة المعنيين بالأمر بناء على مقتضيات المادة 245 من مدونة الشغل مع ضرورة اشعار مفتش الشغل إذا اقترنت العطلة بالإغلاق الكلي أو الجزئي للمؤسسة وهنا يمكن أن تستفيد المقاولة من هذه الامكانية كإجراء وقائي من الحد من انتشار جائحة كورونا وخلال فترة الطوارئ الصحية، وهنا يستحق الاجراء اجورهم عن أيام العطلة السنوية.

 

-الاغلاق الكلي للمقاولة

 

أجاز المشرع في المادة 66 للمشغل امكانية إغلاق المقاولة كلما تعلق الامر بالمقاولات التي تشغل اعتياديا 10 اجراء أو اكثر لأسباب اقتصادية او تكنولوجيا أو هيكلية أو ما يماثلها وفق إجراءات  استشارة والتفاوض مع مندوب الاجراء او الممثل النقابي بالمقاولة عند وجودهم أو عبر لجنة المقاولة و توجيه محضر نتائج المشاورات و المفاوضات الى المندوب الإقليمي المكلف بالشغل والحصول على إذن يسلمه عامل العمالة أو الإقليم لهذا يمكن اعتبار جائحة كورونا من الأسباب المؤدية لتقليص عدد الاجراء بالتالي فالأجراء يستفيدون من  التعويض عن أجل الاخطار و التعويض عن الفصل مع استفادتهم من حق الأولوية في إعادة تشغليهم.

 

-الاغلاق الجزئي

 

بالرجوع الى مقتضيات المادة 66 من م ش نجدها تسمح للمشغل تخفيض عدد الاجراء بالمقاولة كلما تعلق الامر بالمقاولات التي تشغل اعتياديا 10 اجراء أو اكثر لإسباب اقتصادية او تكنولوجيا أو هيكلية أو ما يماثلها وفق إجراءات  استشارة والتفاوض مع مندوب الاجراء او الممثل النقابي بالمقاولة عند وجودهم أو عبر لجنة المقاولة و توجيه محضر نتائج المشاورات و المفاوضات الى المندوب الإقليمي المكلف بالشغل والحصول على إذن يسلمه عامل العمالة أو الإقليم لهذا يمكن اعتبار جائحة كورونا من الأسباب المؤدية لتقليص عدد الاجراء بالتالي فاللأجراء يستفيدون من  التعويض عن أجل الاخطار و التعويض عن الفصل مع استفادتهم من حق الأولوية في إعادة تشغليهم.

 

-إغلاق المقاولة بناءا على قرار   السلطات العمومية

 

السلطات العمومية وفي إطار ممارستها لصلاحيتها سوآءا في الظروف العادية او في مرحلة الطوارئ بإمكانها اتخاذ مجموعة من القرارات الإدارية لحفظ النظام العام المتجلي في الصحة العامة وأن تمنع بعض الأنشطة الاقتصادية وتامر بإغلاقها مؤقتا وهو ما يقع في العديد من القطاعات الاقتصادية بالمغرب بسبب جائحة كورونا .

 

 

من خلال كل ما سبق فعقد الشغل من العقود التبادلية التي تفرض مجموعة من الالتزامات على عاتق طرفيه، ولا يمكن التحلل منها الا إذا كانت هنا قوة قاهرة تحول دون تنفيذها، ونظرا لهذه الأهمية فقد أولى المشرع من خلال مدونة الشغل أهمية كبيرة لحالات إنهاء هذا العقد لما يرتبه من أثار على الاجير من ماسي اجتماعية الشيء الذي سيحظى لا محال بنقاش كبير في نظر المحاكم فيما يتعلق بتكييف هذه الجائحة هل تعتبر قوة قاهرة أم لا ؟؟

-دراسة بعنوان “وباء كورونا وعالم العمل ” اثار المرض و ردود الأفعال عليه ” منظمة العمل الدولية 18 مارس 2020  [1]

الخضراوي “كورونا والالتزامات النعاقدية” س 2020    ص 1-[2]

محمد طارق ” أثر جائحة كورونا على علاقات الشغل ” س 2020  ص 1[3]

-الأستاذة فريدة اليرموكي ” علاقة السببية في مجال المسؤولية التقصيرية بين رأي الفقه و موقف القضاء –دراسة مقارنة-” الطبعة الأولى [4]

1430-2009

 الأستاذ عبد الرحيم عامر ” المسؤولية المدنية التقصيرية و العقدية ط2 دار المعارف القاهرة 1979 ص 392[5]

-أمينة رضوان “مدى مساهمة فيروس كورونا في إنهاء العلاقة الشغلية [6]

قرار محكمة الاستئناف الفرنسية ” كولمار” عدد 01098/20 بتاريخ 12/03/2020 [7]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى