في الواجهةمقالات قانونية

تحقيق امتياز الدين الضريبي عن طريق مسطرة الاشعار للغير الحائز

الباحث : عتيق بنسنس باحث بسلك الدكتوراه : جامعة الحسن الأول بسطات

تحقيق امتياز الدين الضريبي عن طريق مسطرة الاشعار للغير الحائز

Realization of tax debt privilege through the notification ruler for non-holders

?الباحث : عتيق بنسنس

باحث بسلك الدكتوراه : جامعة الحسن الأول بسطات

خلاصة المقال باللغة العربية:

يعتبر الإشعار للغير الحائز من بين المساطر الخاصة التي نظمها المشرع المغربي تحقيقا لامتياز الدين الضريبي، بغية تحصيل إدارة الضرائب لديونها عبر إجراءات إدارية تتميز بالبساطة والسرعة، وقد خصص له المشرع المادة 101 وما يليها إلى المادة 104 من مدونة تحصيل الديون العمومية، ويمكن تعريفه بأنه مسطرة قانونية من بين مساطر تحصيل الديون الضريبية، يتم مباشرتها عبر طلب موجه من طرف المحاسب المكلف التحصيل إلى أحد الأغيار الحائزين أو المودع لديهم، من أجل دفع الأموال التي يحوزونها، والتي تعود للملزمين الذين لم يؤدوا ما بذمتهم من ديون داخل الآجال القانونية للتحصيل الرضائي.

ومن أهم آثار هذه المسطرة التسليم الفوري للأموال والمبالغ الموجودة في حوزة الأغيار، والذين تم تبليغهم بدفع الدين الضريبي المستحق على الخاضع للضريبة الذي تربطه علاقة معينة بهؤلاء الاغيار.

Abstract of the article in English.

The notification to third parties is considered among the special procedures organized by the Moroccan legislator in order to achieve the tax debt privilege, in order to collect the tax administration’s debts through administrative procedures characterized by simplicity and speed.

The legislator assigned him Article 101 and the following to Article 104 of the Public Debt Collection Code, and it can be defined as a legal procedure among the procedures for collecting public debts, which is initiated through a request directed by the public accountant to one of the third parties possessing or depositing with them, in order to pay the money  which  they possess, and which belong to the obligors who did not pay their debts within the legal deadlines for consensual collection.One of the most important effects of this procedure is the immediate delivery of the money and sums in the possession of third parties, who have been notified to pay the tax debt owed by the taxable person who has a certain relationship with these third parties.         

مقدمة:

يعتبر الإشعار للغير الحائز من بين المساطر الخاصة التي نظمها المشرع المغربي تحقيقا لامتياز الدين الضريبي، بغية تحصيل إدارة الضرائب لديونها عبر إجراءات إدارية تتميز بالبساطة والسرعة.

وخصص المشرع لهذه المسطرة المادة 101 وما يليها إلى المادة 104 من مدونة تحصيل الديون العمومية، حدد من خلالها شروطها، وإجراءاتها، وآثارها التي تتسم بالفورية والفعالية.

وسنقوم بتقسيم موضوع تحقيق امتياز الدين الضريبي من خلال مسطرة الاشعار للغير الحائز الى مبحثين، نعالج في المبحث الاول تعريف هذه المسطرة وتحديد شروط قيامها، ثم نبين الإجراءات الإدارية المرتبطة بتحقيقها، لنخصص المبحث الثاني لطبيعة المنازعة المرتبطة بمسطرة الاشعار للغير الحائز والآثار القانونية المترتبة عليها.

       المبحث الأول: مفهوم الاشعار للغير الحائز وإجراءات ممارسته.

لم يعرف المشرع المغربي الإشعار للغير الحائز ولم يحدد طبيعته القانونية، رغم ذلك فإن خصوصيات هذه المسطرة تظهر من خلال إجراءاتها وآثارها وفق ما نص عليه المشرع في مدونة تحصيل الديون العمومية.

وفي هذا الاطار اعتبره البعض[1] وسيلة قانونية تمكن المحاسب المكلف بالتحصيل بصفة مباشرة من استخلاص الديون الضريبية المتمتعة بامتياز الدين الضريبي من يد مديني الملزمين بهذه الديون أو الحائزين لأموالهم، وذلك عن طريق توجيه إشعار لهم من أجل الوفاء عن المدينين في حدود ما تترتب في ذمتهم من ديون ضريبية.

كما عرفته دورية الخزينة العامة المتعلقة بتحصيل الديون العمومية بأنه: “مسطرة تمكن من وقف المبالغ التي يملكها أو ينبغي أن تعود للملزمين، والمخصصة لامتياز الخزينة، بين يدي الأغيار الذين يحوزونها”[2].

كذلك عرفه ميثاق تحصيل الديون العمومية بواسطة الاشعار للغير الحائز[3] بأنه: “مسطرة قانونية من بين مساطر تحصيل الديون العمومية، والذي تتم مباشرته عبر طلب موجه من طرف المحاسب العمومي إلى أحد الأغيار الحائزين أو المودع لديهم، من أجل دفع الأموال التي يحوزونها، والتي تعود للملزمين الذين لم يؤدوا عند الآجال المقررة ما بذمتهم من ديون، ولا يمكن استعمال هذا الإجراء إلا من أجل استخلاص ديون أصبحت على ذمة الملزم، والتي لم يتم الوفاء بها داخل الآجال القانونية للتحصيل الرضائي”.

من خلال هذه التعاريف يمكن استنباط مجموعة من الشروط المتطلبة لقيام مسطرة الإشعار للغير الحائز، منها أن يوجه المحاسب المكلف بالتحصيل آخر إشعار دون صائر عشرة أيام على الأقل قبل تبليغ الإشعار للغير الحائز، إضافة إلى خضوع هذا الإجراء للترخيص المسبق لرئيس الإدارة التي ينتمي إليها المحاسب العمومي، ولا يتم إخبار الملزم بهذا الإشعار إلا بعد تبليغه للغير الحائز، ويكون هذا الإخبار بمجرد رسالة عادية، يحدد فيها موضوع الإشعار للغير الحائز، والمحاسب الذي يباشر المسطرة، والجهة المحجوز لديها، والمبلغ المحجوز ونوعية الديون المستحقة[4].

ومن الشروط أيضا أن يتعلق الأمر بدين ضريبي، كما يجب أن يكون هذا الدين مستحق الأداء، كذلك من اللازم أن يكون الغير حائزا لأموال المدين أو مدينا له، وقد حدد المشرع المغربي الأغيار الحائزين أو المدينين في المادة 101 من مدونة تحصيل الديون العمومية الذين يمكن أن يتقدم إليهم المحاسب المكلف بالتحصيل بإشعارهم بأداء الدين الضريبي وهم: المحاسبين العموميين، المقتصدين، المكترين، مسيرو الشركات ومتصرفوها ومديروها كما تدخل في هذه الفئة المؤسسات البنكية والمصرفية[5].

ننتقل بعد ذلك للحديث عن الإجراءات الإدارية المنظمة لمسطرة الإشعار الغير الحائز، والتي نستنبطها من خلال المادة 101 من مدونة تحصيل الديون العمومية، والتي من خلالها يتضح أن المشرع ألزم الأشخاص الحائزين أو المدينين بمبالغ يملكها أو ينبغي أن تؤول لفائدة المدين، أن يدفعوا الأموال التي يحوزونها أو يدينون بها للمحاسب المكلف بالتحصيل بناء على طلبه، كما نلاحظ أن المادة المذكورة سابقا تجعل من نطاق الاشعار للغير الحائز الضرائب والرسوم المتمتعة بامتياز الخزينة، وهي المنصوص عليها في المادتين 105 و106 من مدونة تحصيل الديون العمومية[6].

والملاحظ أن المشرع لم يتول تنظيم أية شكلية معينة في هذا الطلب، ولا في طريقة تبليغه، لكن الإدارة الضريبية كعادتها عملت على تهيئ مطبوع يفي بالغرض، خاص بالإشعار للغير الحائز[7].

وإذا تعلق الأمر بمؤسسة بنكية فإن المحاسب المكلف بالتحصيل يقوم بالاطلاع على رصيد المدين استنادا على مقتضيات المواد 128 و129 و130 من مدونة تحصيل الديون العمومية، بعد طلب يقدم إلى مدير المؤسسة، وعند تأكده من وجود رصيد للمدين يقوم مباشرة بتعبئة المطبوع أعلاه فتقوم المؤسسة البنكية بتسليم المبالغ المطلوبة في حدود الديون الضريبية المترتبة في ذمة المدين.

ويطرح التساؤل في هذا الصدد حول مدى خضوع الإشعار للغير الحائز لمبدأ تدرج المتابعات، وبالتالي احترام الإجراءات القانونية الخاصة بمسطرة التحصيل الجبري من إنذار وحجز، أم أن الأمر يتعلق بمسطرة خاصة ومباشرة لا تحتاج إلى الشكليات السابقة؟

يذهب توجه قضائي[8] إلى أنه إذا تم التسليم بأن الإشعار للغير الحائز يدخل في إطار إجراءات التنفيذ الجبري المباشرة ضد المدين، فإنه لا يمكن للقابض سلوك هذا الإجراء في أي مرحلة من مراحل مسطرة التحصيل، بل لابد أن يخضعه للتسلسل الترتيبي للمتابعات المنصوص عليه في المادة 39 من مدونة تحصيل الديون العمومية، وبالتالي يكون باطلا كل إشعار للغير الحائز يوجهه المحاسب المكلف بالتحصيل قبل توجيهه إنذارا قانونيا للمدين، ما دام الحجز يأتي في المرحلة الثانية بعد الإنذار.

لكن بدأت تظهر بعض الاجتهادات القضائية التي تسير عكس هذا التوجه، ومنها بعض اجتهادات محكمة النقض التي اعتبرت أن الاشعار للغير للحائز من مواصفاته هو السرعة والمباغتة لتحصيل المستحقات الضريبية، وبالتالي لا يستلزم تبليغ الملزم الإجراءات السابقة عن هذه المسطرة من آخر اشعار دون صائر وانذار قانوني.

وفي هذا الإطار جاء في قرار لمحكمة النقض بأنه:

“لا يوجد بالمقتضيات القانونية المنظمة للإشعار للغير الحائز ما يفيد ضرورة تبليغه من طرف المحاسب المكلف بالتحصيل لاستخلاص الديون العمومية، أما ما جاء بمقتضيات المواد من 40 إلى 43 من مدونة تحصيل الديون العمومية، والمتعلقة أحكامها بطرق التبليغ وشكلياته، فإنها تخص الإجراءات المسبقة للتحصيل الجبري، من تبليغ الاشعار بدون صائر للمدين، وهي لا تتعلق البتة بالإشعار للغير الحائز.

يستفاد من مقتضيات المادتين 101 و102 من مدونة التحصيل، أن الأغيار الحائزين لمبالغ تعود للملزمين بديون مستحقة لفائدة الخزينة العامة، في حالة عدم أدائهم لهذه الأخيرة بشكل تلقائي، قبل تسلیم الأموال المذكورة لأصحابها طبقا للمادة 100 التي تفرض عليهم هذا الواجب، حتى ولو لم يتقدم المحاسب المكلف بالتحصيل بأي طلب، يصبحون ملزمين بذلك عن طريق إجراء الاشعار للغير الحائز الذي يفرض عليهم تسليم المبالغ التي بحوزتهم فورا إلى الخزينة، في حدود الضرائب والديون المستحقة ضد المدينين للخزينة العامة، بصرف النظر عن الدفع بعدم مشروعية الإجراء المذكور، الذي ينبغي إثارته في مواجهة التي باشرته أي مصالح الخزينة”[9].

ومن النقاط التي يجب الإشارة اليها أيضا أن المشرع استغنى عن المراقبة القضائية لمسطرة الاشعار للغير الحائز، وذلك بعدم إلزام المحاسب إلى استصدار أمر من رئيس المحكمة الإدارية لإيقاع هذه المسطرة قياسا على الحجز، وذلك يفسر فلسفة المشرع التي ترمي إلى توسيع ضمانات الخزينة في تحصيل ديونها الضريبية.

 

 

       المبحث الثاني: طبيعة المنازعة المرتبطة بمسطرة الاشعار للغير الحائز والآثار القانونية المترتبة عليها.                                                        

تعتبر طبيعة المنازعة في الإشعار للغير الحائز محط اختلاف على مستوى الفقه والقضاء، حول مدى اعتبارها موضوعية أو وقتية، مما يؤثر على الاختصاص بشأنها.

فيرى بعض الفقه[10] أنه من المؤكد على أن الإشعار للغير الحائز هو وسيلة قانونية تمكن المحاسب المكلف بالتحصيل من التنفيذ على الديون الضريبية تنفيذا جبريا في مواجهة المدين بها، فهي بمثابة حجز تنفيذي على أموال هذا الأخير، فإذا نازع المدين في هذا الإجراء على اعتباره باطل من الناحية القانونية، وطلب رفع الإشعار للغير الحائز، فإن البت في هذا النزاع يقتضي بالضرورة فحص وتقييم هذا الإجراء للقول بمدى صحته أو بطلانه، وهو ما يضفي على هذه المنازعة الطابع الموضوعي نظرا لمساسها بجوهر الحق، وبالتالي تكون المحكمة الإدارية كمحكمة موضوع هي المختصة بالنظر فيها وليس قاضى المستعجلات، لكن يرى أنه يمكن أن ينعقد اختصاص هذا الأخير، للبت في طلب رفع الإشعار للغير الحائز في الحالة التي تكون فيها المراكز القانونية للأطراف واضحة ولا تحتاج إلى فحص هذا الإنذار أو تقييمه من الناحية الموضوعية.

وفي هذا الصدد، صدر قرار[11] عن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط جاء فيه ما يلي:” لا شيء في القانون يمنع قاضي المستعجلات الإداري من حماية المراكز القانونية للأطراف إذا كانت واضحة، وذلك بالتدخل لإرجاع الأمور إلى نصابها متى تحقق عنصر الاستعجال، وكان من شأن هذا التدخل الحد من الخطر الذي يهدد الحق المراد حمايته،  ما دام الإشعار للغير الحائز الذي باشره القابض قد انصب على حساب بنكي لا يخص الملزم بصفة شخصية وإنما انصب على ودائع زبائنه حسب الظاهر من الشهادة البنكية المدلى بها في الملف، فإن تدخل قاضي المستعجلات الإداري من أجل الحد من مفعول الإجراء المذكور له ما يبرره لدرء الخطر الذي يهدد الحق المراد حمايته”.

ويمكن لقاضي المستعجلات أن يتدخل في صورة أخرى وذلك من باب إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، بحيث يمكنه حتى يتجنب الخوض في جوهر الحق، أن يكيف طلب رفع الإشعار للغير الحائز الموجه إليه، بإيقاف تنفيذ هذا الإجراء، وذلك في حالة ما إذا كانت هناك حالة استعجال قصوى لا تتحمل الانتظار، كما لو نظر في النزاع طبقا للإجراءات العادية، كأن ينصب الإشعار للغير الحائز على راتب المدين بكامله، أو على جزء منه يفوق ما هو مسموح بحجزه قانونا.

وفي غير هذه الحالات، لا يمكن لقاضي المستعجلات أن يأمر برفع الإشعار للغير الحائز لما في ذلك من مساس بجوهر الحق.

وقد جاء في قرار صادر عن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض في هذا الاتجاه أنه “يعتبر الإشعار للغير الحائز الذي أوقعه القابض إجراء من إجراءات التحصيل، وأن القول بعدم تطابقه مع القانون، يشكل منازعة موضوعية تمس بجوهر الحق الذي يخرج عن نطاق اختصاص قاضي المستعجلات”[12].

وسبق أن صدر عن نفس الغرفة قرار يقضي بعكس ما ورد أعلاه، جاء فيه أنه: “قاضي المستعجلات يختص بالنظر في طلب رفع الإشعار للغير الحائز باعتباره طلب يكتسي طابع الاستعجال ولا يتعلق بالمنازعة في الموضوع”[13].

وخلاصة القول فمناط التمييز لتحديد طبيعة هذه المنازعة، هو مدى تعلقها بجوهر الحق من عدمه فإذا كانت هذه المنازعة جدية كأن يتعلق الأمر بصحة الدين الضريبي مثلا، فإنها تكتسي طابعا موضوعيا يمنح الاختصاص بشأنه لمحكمة الموضوع، أما إذا كان الأمر له طابعا مؤقتا أو له صبغة الاستعجال القصوى فإن رئيس المحكمة هو المختص.

هذا ويترتب على لجوء المحاسب المكلف بالتحصيل إلى مسطرة الإشعار للغير الحائز العديد من الآثار القانونية، تنصب كلها في اتجاه ضمان ديون الخزينة على حساب باقي الديون الأخرى[14]، وتتجلى هذه الآثار أولا في التسليم الفوري للأموال والمبالغ الموجودة في حوزة الأغيار، والذين تم تبليغهم بدفع الدين الضريبي المستحق على الخاضع للضريبة الذي تربطه علاقة معينة بالمسؤول في هذا الإطار[15].

وقد أكد المشرع المغربي في المادة 102 من مدونة تحصيل الديون العمومية، صراحة على هذا التسليم الفوري للأموال والمبالغ الموجودة في حوزة الغير، ولم يحدد المقصود بعبارة “التسليم الفوري” فبالرجوع إلى دورية الخزينة العامة المتعلقة بتحصيل الديون العمومية، نجد أنها تطرقت لأثر الاشعار للغير الحائز بمفهوم التخصيص الفوري، أكثر من مفهوم التسليم الفوري، حيث اعتبرت أن من آثار هذه المسطرة التخصيص الفوري الذي يسري مفعوله على الديون بأجل أو الديون المشروطة[16].

وفي القانون الفرنسي، نجد أنه ينص على الأثر الفوري للتخصيص [17] وليس للتسليم، بمعنى أن الأثر الذي يترتب على الاشعار للغير الحائز في التشريع الفرنسي، هو فقط تخصيص الأموال المحجوزة لفائدة المستحقات الضريبية، وليس التسليم الفوري لها  . [18]

ونشير في هذا الاطار أن اعتماد المشرع المغربي لمفهوم التسليم الفوري ناتج فقط عن خطأ في الترجمة، والدليل على ذلك الصيغة الفرنسية للفصل 102 من مدونة تحصيل الديون العمومية[19] التي تنص على أثر التخصيص الفوري، وهذا هو الأسلم في التبني ويتلاءم مع خصوصية هذه المسطرة، التي يتعين أن تتم في مراعاة التوازن بين حقوق وضمانات الملزمین وخزينة الدولة[20].

وتجدر الإشارة إلى أن الغير الحائز لا يجبر على الوفاء نيابة عن المدين الحقيقي إلا بالمبالغ التي هو مدين بها للملزم ولا تثقل ذمته المالية بأي مبالغ إضافية تجاه دائنه[21]، لكن مقابل ذلك وداخل نفس الحدود فإن الغير الحائز الذي تم إشعاره بواسطة هذه المسطرة، إذا لم يوف بالالتزام الملقى على عاتقه تجاه الخزينة وبكل تلقائية، سيخضع لا محالة إلى إجراءات التحصيل الجبري المقررة بمقتضى القوانين المنظمة الجاري بها العمل، وبكافة الطرق المقررة في مواجهة المدين الأصلي.

ويخصم مبلغ الوصلات المسلمة من طرف المحاسب المكلف بالتحصيل للمودع لديهم وللأغيار الحائزين برسم أداء الضرائب والرسوم، من الأموال والديون العائدة للملزمين بالضرائب والرسوم المذكورة، ويمكن الاعتداد بهذه الوصولات في مواجهة هؤلاء الملزمين[22].

هذا وقد ألزم المشرع المغربي من خلال المادتين 100 و101 من مدونة تحصيل الديون العمومية الأغيار الحائزين بأداء المبالغ الموجودة في حوزتهم، وذلك في حدود مبلغ الضرائب والرسوم المطلوب أداؤها سواء بناء على طلب المحاسب المكلف بالتحصيل على شكل إشعار للغير الحائز[23] أو حتى ولو لم يتقدم المحاسب المكلف بالتحصيل بأي طلب[24].

ويمكن إلزام الأغيار الحائزين أو المودع لديهم حسب المادة 104 من مدونة تحصيل الديون العمومية بنفس الطرق المستعمل ضد الملزمين أنفسهم بدفع المبالغ الموجودة لديهم والمتمتعة بامتياز الدين الضريبي إلى المحاسب المكلف بالتحصيل باستثناء اللجوء إلى مسطرة الإكراه البدني، وهذا يعني أن المشرع خول للمحاسب المكلف بالتحصيل اللجوء إلى إجراءات التحصيل الجبري الأخرى من إنذار وحجز وبيع لاستيفاء ديون الخزينة[25].

ويلاحظ أن المشرع استعمل كلمة “يمكن” في المادة 104 السابقة الذكر، والتي تفيد بأن المحاسب المكلف بالتحصيل له الخيار في أن يجبر الغير على الأداء أو لا يجبره، فهل تبقى له السلطة التقديرية في هذا الإطار، خاصة وأن إجراءات التحصيل الجبري التي سيتم اتخاذها ضد هذا الشخص تتسم بالخطورة وبالحرمان من التصرف في أمواله الخاصة، أم أن المشرع يروم من وراء اتباع كلمة “يمكن” بمصطلح “إلزام” منح القابض الحق والسلطة في إجبار مديني الدولة ومن يحلون محلهم بموجب القانون، بكافة الطرق والوسائل[26].

خلاصة القول مسطرة الاشعار للغير الحائز هي إجراء إداري محض، يقوم به الأعوان المكلفون بالتحصيل، والتابعين للإدارة الضريبية، الهدف منها تحصيل الدين الضريبي رغما عن إرادة المدين المستنكف عن الأداء، وميزة هذا الإجراء هي السرعة والتلقائية، لكن هذا الاجراء إذا كانت له إيجابيات لفائدة خزينة الدولة، إلا أن بعض النقائص تعترضه، وتحديدا على المستوى التشريعي، حيث لم توضح مدونة تحصيل الديون العمومية بشكل دقيق الجانب الشكلي المرتبط بممارسته، وخصوصا ما يهم تدرج المتابعات الذي يخلق أحيانا تضاربا بين الإدارة الضريبية، والجهاز القضائي الذي يعتمد على مبدأ التدرج لسلوك هاته المسطرة، كذلك موضوع الآجال الذي يثير مجموعة من الإشكالات سواء عند تسليم الاشعار للغير الحائز والذي يكون فيه تاريخ الاشعار بالتوصل أو التسلم، مخالف لتاريخ وضع الاشعار، بالتالي تفند خاصية الفعالية والطابع الفوري الذي تتميز به هذه المسطرة، ودائما في إطار الآجال نلاحظ أن المشرع المغربي لم ينص على المدة التي ينبغي فيها تسليم المبالغ الموجودة في حوزة الأغيار، لأجل ذلك ينبغي أن يتدخل المشرع المغربي من أجل وضع قواعد خاصة وواضحة تنظم مسطرة الاشعار للغير الحائز حتى تتمكن الإدارة الضريبية من تحقيق امتيازها الضريبي بشكل فعال وفوري.

 

المراجع والمصادر                                      

  • المراجع باللغة العربية :
  • حجيبة جهدكان: تحصيل الديون الضريبية بين قانون المسطرة المدنية وخصوصيات التشريع الضريبي، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، طبعة ماي 2006.
  • وهيبة مرصالي: دور القضاء في حماية حقوق الخزينة وحقوق الملزم، دار النشر المغربية الدار البيضاء، طبعة 2020.
  • الأطروحات والرسائل:
  • عثمان الحادك: المنازعات الجبائية بالمغرب الاختصاص والمسطرة، أطروحة لنيل دكتوراه في الحقوق، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء، السنة الجامعية: 2002- 2003.
  • خليل بن تمزل: “امتياز الخزينة لتحصيل المستحقات العمومية- دراسة في الأسس القانونية ومساطر التنفيذ” أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة الحسن الأول بسطات كلية العلوم القانونية والسياسية سطات، السنة الجامعية2020 /2019.
  • عبد الرحيم بشكار، إيقاف الدين الضريبي في المنازعة الجبائية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، السويسي الرباط، السنة الجامعية 2007- 2008.
  • المقالات والمجلات:
  • عبد اللطيف العمراني ومراد الخروبي: الإصلاح الجديد في ميدان تحصيل الضرائب والديون العمومين، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 22، سنة 2000.
  • محمد قصري: “المنازعات الجبائية المتعلقة بربط وتحصيل الضريبة أمام القضاء الإداري”، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة “مؤلفات وأعمال جامعية” عدد 62، الطبعة الأولى 2005.
  • وثائق إدارية:
  • الميثاق المتعلقة بتطبيق مسطرة تحصيل الديون العمومية بواسطة الاشعار للغير الحائز.

 

  • BIBLIOGRAPHIE EN FRANÇAIS :
  • Thèses et mémoires :
  • Jean Jacques pujol : « les voies d’exécution en matière fiscales, l’exemple de l’avis à tiers détenteur », thèse pour le doctorat en droit publiques, université pantheon-assas, paris I , année universitaire 199 2- 1993.
  • Documents administratifs :
  • « Iinstruction sur le code de recouvrement des créances publiques », circulaire interne, Trésorerie Générale du Royaume, Mai 2001.

[1] – عبد اللطيف العمراني ومراد الخروبي: الإصلاح الجديد في ميدان تحصيل الضرائب والديون العمومين، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 22، سنة 2000، ص 135.

 

[2] – “L’avis à tiers détenteur (A.T.D) est une procédure qui permet d’appréhender entre les mains de tiers qui les détiennent les sommes affectées au privilège du Trésor, appartenant ou devant revenir aux redevables ». « Instruction sur le code de recouvrement des créances publiques », circulaire interne, Trésorerie Générale du Royaume, Mai 2001, p123.

[3] – هذا الميثاق هو وثيقة أعدتها الحكومة لمعالجة الإشكاليات العملية المتعلقة بتطبيق مسطرة تحصيل الديون العمومية بواسطة الاشعار للغير الحائز، وتم التوقيع عليه من طرف الإدارات المكلفة بالتحصيل بمعية الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والمجموعة المهنية لأبناك المغرب، وذلك بتاريخ 17 ابريل 2014، للاطلاع على نسخة من هذا الميثاق فهو منشور موقع وزارة الاقتصاد والمالية عبر الرابط التالي :

https://www.finances.gov.ma/Docs/2014/CA/charte_dette_publique_ar.pdf

[4] -« Instruction sur le code de recouvrement des créances publiques », op cit, p126.

[5] – وهيبة مرصالي: دور القضاء في حماية حقوق الخزينة وحقوق الملزم، دار النشر المغربية الدارالبيضاء، طبعة 2020، ص 86.

[6] – تنص المادة 105 من مدونة تحصيل الديون العمومية على ما يلي: “لتحصيل الضرائب والرسوم، تتمتع الخزينة ابتداء من تاريخ الشروع في تحصيل الجداول أو قائمة الإرادات، بامتياز على الأمتعة وغيرها من المنقولات التي يملكها المدين أينما وجدت، وكذا على المعدات والسلع الموجودة في المؤسسة المفروضة عليها الضريبة والمخصصة لاستغلالها.”

كما تنص المادة 106 من نفس المدونة على ما يلي: ” لتحصيل الضرائب والرسوم المفروضة على العقارات، تتمتع الخزينة علاوة على ذلك بامتياز خاص يمارس على المحاصيل والثمار والأكرية وعائدات العقارات المفروضة عليها الضريبة أيا كان مالكها.”

[7] – حجيبة جهدكان: تحصيل الديون الضريبية بين قانون المسطرة المدنية وخصوصيات التشريع الضريبي، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، طبعة ماي 2006، ص 245.

[8] – حكم عدد: 145، ملف رقم: 346-5-2010، صادر بتاريخ 29-03-2011 غير منشور.

 

[9] – قرار محكمة النقض عدد 1771 بتاريخ 29/07/2015 في الملف الإداري عدد 1022/4/1/12 (غير منشور).

[10] – محمد قصري: “المنازعات الجبائية المتعلقة بربط وتحصيل الضريبة أمام القضاء الإداري”، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة “مؤلفات وأعمال جامعية” عدد 62، الطبعة الأولى 2005، ص 130.

[11] – قرار بتاريخ 2007/04/30، ملف رقم 20/07/3 غير منشور.

انظر في هذا الإطار أيضا:

عثمان الحادك: المنازعات الجبائية بالمغرب الاختصاص والمسطرة، أطروحة لنيل دكتوراه في الحقوق، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء، السنة الجامعية: 2002- 2003، ص 126.

[12] – قرار عدد 409 بتاريخ 2006/05/15، ملف رقم 2003/2/4/1441، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 67، ص 277.

[13] – قرار عدد 156 بتاريخ 2003/03/13، ملف رقم 2002/2/4/4180، منشور بكتاب محمد قصري: المنازعات الجبائية المتعلقة بربط وتحصيل الضريبة امام القضاء الإداري، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، مرجع سابق، ص 412.

[14] – وذلك مع مراعاة الاستثناءات المنصوص عليها في المادة 107 من مدونة تحصيل الديون العمومية والتي تتعلق بالامتيازات الأربعة الأولى المنصوص عليها في المادة 1248 من قانون الالتزامات والعقود والامتياز المخول للمأجورين بمقتضى نفس المادة.

[15] – jean Jacques pujol : « les voies d’exécution en matière fiscales, l’exemple de l’avis à tiers détenteur », thèse pour le doctorat en droit publiques, université pantheon-assas, paris I , année universitaire 1992, p.90.

[16]-“L’ATD a un effet d’attribution immédiat qui s’étend mêmes aux créances à terme ou conditionnelles que le redevable possède à l’encontre des tiers détenteurs actionnés» ,                            « Instruction sur le code de recouvrement des créances publiques », op cit p123.

[17] – ينص الفصل L263 من قانون المساطر الجبائية الفرنسي على ما يلي:

« L’avis à tiers détenteur a pour effet d’affecter, dès réception, les sommes dont le versement est ainsi demandé au paiement des impositions privilégiées, quelle que soit la date à laquelle les créances même conditionnelles ou à terme que le redevable possède à l’encontre du tiers détenteur deviennent effectivement exigibles.

Il comporte l’effet d’attribution immédiate prévu à l’article L. 211-2 du code des procédures civiles d’exécution. Les dispositions des articles L. 162-1 et L. 162-2 de ce code sont en outre applicables.»

[18] – نفس الأثر القانوني نص عليه الفصل 2-L212 من مدونة المساطر المدنية للتنفيذ الذي جاء فيه ما يلي:

« L’acte de saisie emporte, à concurrence des sommes pour lesquelles elle est pratiquée, attribution immédiate au profit du saisissant de la créance saisie, disponible entre les mains du tiers ainsi que de tous ses accessoires. Il rend le tiers personnellement débiteur des causes de la saisie dans la limite de son obligation… »

[19] – Art 102 du code de recouvrement « L’avis à tiers détenteurs a pour effet l’attribution immédiate des sommes détenues par les tiers visés aux deux articles précédents à concurrence du montant des impôts, taxes et autres créances dont le paiement est requis ».

[20] – خليل بن تمزل: “امتياز الخزينة لتحصيل المستحقات العمومية- دراسة في الأسس القانونية ومساطر التنفيذ” أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة الحسن الأول بسطات كلية العلوم القانونية والسياسية سطات، السنة الجامعية2020 /2019، ص 318.

[21] – جهدكان حجيبة: مرجع سابق، ص 246.

[22] – عبد الرحيم بشكار، إيقاف الدين الضريبي في المنازعة الجبائية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، السويسي الرباط، السنة الجامعية 2007/2008، ص 27.

[23] – تنص المادة 101 من مدونة تحصيل الديون العمومية في فقرتها الأولى على ما يلي: ” يتيعن على المحاسبين العموميين والمقتصدين والمكترين وكل الحائزين أو المدينين الآخرين بمبالغ يملكها أو ينبغي ان تعود لفائدة الملزمين بالضرائب والرسوم والديون الأخرى المتمتعة بامتياز الخزينة، أن يدفعوا وفاء عن الملزمين، بناء على طلب المحاسب المكلف بالتحصيل على شكل إشعار للغير الحائز الأموال التي بحوزتهم أو التي يدينون بها وذلك في حدود المبالغ الواجبة على هؤلاء الملزمين”.

[24] – جاء في الفقرة الثالثة من المادة 100 من مدونة تحصيل الديون العمومية أنه: “يتعين على المودع لديهم المشار إليهم في الفقرتين السابقتين رغم كل التعرضات غير التي قد يقوم بها الدائنون اصحاب الامتيازات المنصوص عليها في المادة 107 أدناه أو يؤدوا مباشرة الضرائب والرسوم والديون الأخرى التي قد يدين بها الأشخاص المؤتمن على أموالهم قبل تسليمها لهم ولو لم يتقدم المحاسب المكلف بالتحصيل بأي طلب”. في الفقرة الثالثة من المادة 100 من مدونة تحصيل الديون العمومية أنه: “يتعين على المودع لديهم المشار إليهم في الفقرتين السابقتين رغم كل التعرضات غير التي قد يقوم بها الدائنون اصحاب الامتيازات المنصوص عليها في المادة 107 أدناه أو يؤدوا مباشرة الضرائب والرسوم والديون الأخرى التي قد يدين بها الأشخاص المؤتمن على أموالهم قبل تسليمها لهم ولو لم يتقدم المحاسب المكلف بالتحصيل بأي طلب”.

[25] – وهيبة مرصالي : دور القضاء في حماية حقوق الخزينة وحقوق الملزم، مرجع سابق، ص 98.

[26] – حجيبة جهدكان: مرجع سابق، ص 249-250.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى