بحوث قانونية

اندماج الشركات، أية حماية اجتماعية ؟

اندماج الشركات، أية حماية اجتماعية ؟

 245706

إعداد : حياة عمي

باحثة بسلك الدكتوراه كلية العلوم القانونية بسطات

 

إن التغيرات السريعة و المتلاحقة في النظام العالمي و المتمثلة في العولمة و الحرية الإقتصادية و إزالة العوائق أمام تدفق التجارة وفتح الأسواق، وإقامة التكتلات الإقتصادية وزيادة المشاكل المالية و الإقتصادية التي تواجه الدول النامية و المتقدمة ، كلها عوامل أدت إلى زيادة حدة المنافسة بين الشركات وزيادة التحديات التي تواجهها. ولمواجهة هذه المنافسة اتجهت العديد من الشركات في العالم إلى الإندماج ، حيث نشأ عن هذه العملية ظهور كيانات عملاقة ذات تقدم تقني ورأسمالي وتكنولوجي يمكنها من استغلال حدة المنافسة العالمية لصالحها و اللعب في ميدان المنافسة الحرة الخالية من العوائق.

ويعرف الإندماج بأنه العملية التي تجتمع بموجبها شركتان أو أكثر، لتكون شركة واحدة . وبشكل أكثر تفصيلا، يعتبر الإندماج عملية إقتصادية ذات طابع عقدي و نظامي، بمقتضاها تزول الشخصية المعنوية لشركة أو أكثر نتيجة ضمها من طرف شركة أخرى ، أو اتحادها في تأسيس شركة جديدة يشكل يؤدي في جميع الأحوال إلى الإنتقال الشامل لذمتها المالية إلى الشركة المستفيدة  التي تصبح وحدة اقتصادية قوية[1]

وبالرجوع إلى القانون المغربي نجد بأن المشرع قد اكتفى بتصنيف أشكال الإندماج من خلال قانون 95-17 المتعلق بشركات المساهمة في الفقرة الأولى من المادة 222 حيث جاء فيها : ” يمكن لشركة ما أن تضمها شركة أخرى أو أن تشترك في تأسيس شركة جديدة عن طريق الإندماج…”. في حين عرف بعض الفقه[2] الإندماج على أنه اتفاق يترتب عليه انحلال شركتين أو أكثر من أجل تكوين شركة واحدة جديدة وهو ما يسمى الإندماج بالضم ، أو فقط انحلال شركة واحدة من أجل أن يتم ابتلاعها من قبل شركة قائمة، وهو ما يسمى بالإندماج بالإبتلاع.

ومن خلال ما سبق، يتضح لنا بجلاء أهمية  الإندماج كتقنية تحتاج إليها المقاولات من أجل تقوية قدرتها التنافسية  والتي تساعد كذلك الإقتصاد الوطني لمواجهة ما قد يتعرض له من اختراق وهيمنة من طرف المقاولات الأجنبية.

والإندماج كباقي التصرفات القانونية تترتب عليه مجموعة من الآثار وبالأخص ما يتعلق بكتلة الدائنين، وكذا مايتعلق بالأجراء. و الملاحظ أن القواعد القانونية المتعلقة بالإندماج قد تم تنظيمها في إطار قانون الشركات، لذلك فقد أولت أهمية بالغة للدانين فقط في حين أن المقاولة تلتقي فيها مجموعة من المصالح على رأسها مصلحة الطبقة العمالية، فهذه الأخيرة تعتبر عنصرا مكونا لكل مقاولة شغلية ولحمة من كيانها، فهي تبقى الثروة الحقيقية و اللازمة لتحقيق أهدافها.

وبناء على ما سبق، تتركز اشكالية هذا الموضوع في البحث عن مدى توفق المشرع المغربي في إضفاء الحماية اللازمة لطبقة الأجراء في حالة تغيير الوضعية القانونية للمشغل عن طريق الإندماج؟ و هل هذه الحماية كافية لتغطية جميع مصالح و حقوق الأجراء سواء ما تعلق منها بالحقوق الفردية الناشئة عن عقد الشغل(أولا) أو تلك المتعلقة بالحقوق  الجماعية (ثانيا) ؟

 

أولا: حماية الحقوق الناجمة عن عقد الشغل:

 

تعتبر فئة الأجراء أهم فئة تتأثر بعملية الإندماج حيث يمكن أن تؤثر هذه العملية على حقوقهم الناشئة عن عقد الشغل، وتتعدد هذه العقود لتختزل في الحق على المحافظة على الشغل. لذلك تدخلت التشريعات الإجتماعية وأقرت مبدأ استقرار عقود الشغل في حالة تغيير الوضعية القانونية للمشغل التي يدخل الإندماج في إطارها (أ)، والذي يتم اعماله وفقا لمجموعة من الشروط (ب).

 

          أ- مبدأ استقرار الشغل:

بالرجوع إلى الفصل 288 من قانون الإلتزامات و العقود ما يلي ” الالتزامات لا تلزم إلا من كان طرفا في العقد، فهي لا تضر الغير ولا تنفعهم إلا في الحالات المذكورة في القانون” وهذا مايعرف بمبدأ نسبية آثار العقد أو النطاق الشخصي للعقد، الذي يقصد به أن العقد لا يضر ولا ينفع إلا طرفيه. فالغير لا يتاثر بالعقد الذي لم يساهم في إبرامه فلا يحمله التزاما ولايكسبه حقا.[3]

وتطبيق قاعدة نسبية آثار العقد في مجال عقود الشغل سيترتب عليه آثار جد وخيمة، ذلك أن المشغل الجديد لم يكن طرفا في عقد الشغل الذي كان يجمع المشغل القديم مع الأجير، وبالتالي في ظل الفصل 228 الآنف الذكر سيترتب عن عملية الإندماج انتهاء عقود الشغل التي كانت تربط الأجراء بالمشغل السابق، مالم يرغب المشغل الجديد في الحفاظ على هؤلاء الأجراء.

وقد انتبه المشرع المغربي للآثار الخطيرة التي قد تترتب عن تطبيق مبدأ نسبية آثار العقد، فاعتبر حالات تغيير الوضعية القانونية للمشغل استثناء يرد على هذا المبدأ، لذلك عمل المشرع على تكريس قاعدة استمرار عقود الشغل في بداية الأمر ضمن الفصل 754 من ق.ل.ع بإضافة الفقرة السابعة التي تنص على أن عقود الشغل تبقى منتجة لآثارها في حالة تغيير وضعية المشغل القانونية. ثم أقر المشرع هذه القاعدة في وقت لاحق، من خلال المادة 19 من مدونة الشغل والتي تنص على أنه: ” إذا طرأ تغيير على الوضعية القانونية للمشغل، أو على الطبيعة القانونية للمقاولة، وعلى الأخص بسبب الإرث، أو البيع، أو الإدماج، أو الخوصصة، فإن جميع العقود التي كانت سارية المفعول حتى تاريخ التغيير، تظل قائمة بين الأجراء وبين المشغل الجديد، الذي يخلف المشغل السابق في الإلتزامات الواجبة    للأجراء ..”

ومما تنبغي الإشارة إليه في هذا الإطار، أن القضاء قد ساهم بدوره في تحقيق استقلال القانون الإجتماعي عن القانون المدني، حيث اعتبر أن علاقة الشغل تقوم على مبدأ هام وأساسي، وهو الحفاظ على استقرار هذه العلاقة وضمان حسن استمرار المقاولة المشغلة وحسن أدائها[4] وبالتالي كان له دور فعال في تحسيس المشرع بخطورة بعض المقتضات المتضمنة في القانون المدني على وضعية الأجير خاصة مبدأ نسبة آثار العقد.

تأسيسا على ذلك، عمل المشرع المغربي حماية لاستقرار علاقة الشغل، على إقرار مبدأ استمرار عقود الشغل القائمة بين الأجراء والمشغل الجديد أو الخلف إذا طرأ تغير في الوضعية القانونية للمشغل [5]

إلا أنه ومن أجل تطلبيق مبدأ استقرار علاقة الشغل في حالة الإندماج لابد من توافر مجموعة من الشروط والتي ستتم مناقشتها في ما يلي.

 

ب- شروط إعمال مبدأ استقرار الشغل:

لم ينص المشرع  صراحة في المواد التي تكرس قاعدة استمرارية عقود على الشروط الواجبة لإعمال هذه القاعدة، فإن االقضاء قد لعب دورا كبيرا في استنباط هذه الشروط من خلال تفعيل سلطته في تفسير النصوص القانونية.

فمما ينبغي التأكيد عليه هو أن المهم في تطبيق قاعدة استمرار عقود العمل هو حدوث تغيير في المركز القانوني للمشغل، أيا كان نوع التغيير أو شكله[6]. وبمفهوم المخالفة، مادام المشغل مايزال على رأس المقاولة، ولم يقدم على التصرف فيها بإحدى التصرفات التي تعتبر بأنها تغيير إما في الوضعية القانونية للمشغل كالإندماج، لا يمكن الحديث عن حدوث تغيير وتبقى عقود العمل سارية.

وما تجدر الإشارة إليه في هذا الإطار، أن تغيير الوضعية القانونية للمشغل لا يتحقق في حالة التغيرات التي يتم القيام بها داخل المقاولة التي تتعلق بإعادة هيكلتها، أو بالتقليص من نشاطها، أو تخفيض مستوى إنتاجها لظروف اقتصادية صعبة تمر بها المؤسسة، كما لا يعتبر بمثابة تغيير في المركز القانوني للمشغل، تحويل نشاط المقاولة إلى نشاط آخر اقتضته   الظروف الإقتصادية أو الفنية للمؤسسة مادام المشغل نفسه مازال على رأسها[7].

إضافة إلى ماسبق، حتى نتمكن من إعمال قاعدة سريان عقود الشغل بعد عملية الإندماج لابد من الحفاظ على نفس نشاط الشركة المندمجة، على اعتبار أن الحكمة من الإندماج لا تتحقق إلا باستمرار المشروع الإقتصادي الذي كانت تقوم عليه الشركة المندمجة. وإذا كان الإندماج يؤدي إلى زوال الشخصية القانونية لهذه الأخيرة فإنه لا يؤدي إلى انقضاء مشروعها الإقتصادي، بل يستمر نشاطها بعد انتقالها إلى الشركة الدامجة أو الجديدة[8].

وعلى هذا الأساس، فإذا كان بإمكان المشغل الجديد أن يفصل أجراء المشغل القديم، في حالة إقدامه على تغيير النشاط الذي كان يمارسه هذا الأخير، ولو تم هذا الفصل وفق الإجراءات المنصوص عليها قانونا، أي بإشعار الأجير بالرغبة في فصله ومنحه تعويضا عن الإعفاء، وباقي مستحقاته المترتبة عن عقد  الشغل. إلا أن ذلك لا يخدم مصلحة الأجير.

ومن أجل إضفاء حماية أكثر لصالح الأجراء، في حالة تغيير الوضعية القانونية للمشغل فإن القضاء اعتبر أن الخلف يكون ملزما بالإحتفاظ بالأجراء ولو لم يباشر نفس النشاط، مادام النشاط الممارس من طبيعة مماثلة للنشاط السابق[9].

حيث أنه أمام عدم كفاية الحماية القانونية المقررة للطبقة العمالية بمقتضى النصوص القانونية المنظمة لحالات تغيير المركز القانوني للمشغل ، تدخل القضاء لدعم مبدأ استمرار عقود الشغل واستقرار علاقات العمل، وذلك عن طريق التوسع في تغيير وحدة النشاط بحيث أصبح يكفي مجرد وجود تماثل،  أو تشابه في النشاط من أجل الإبقاء على أجراء المشغل القديم[10].

ولكن بالمقابل يجب على الأجير إثبات أن الشركة الجديدة لازالت تمارس نفس النشاط أو نشاطا مماثلا للنشاط الذي كانت تزاوله الشركة القديمة، قبل تحقق تغيير في وضعية المشغل القانونية، مع إمكانية استعانة القاضي بخبرة فنية للتأكد من حقيقة ادعاء الأجير[11] .

و في إطار إضفاء حماية أكثر للأجراء، فإن التغيير الجزئي للنشاط يمنع الشركة الدامجة من فصل الأجراء، فلو تمت تجزئة مقاولة الشركة الدامجة من فصل أو تم توقيف جزء منها عن العمل وظل الجزء مشتغلا، فإن أجراء الشركة المندمجة سيستمرون في الإشتغال في إطار هذا الجزء[12].

إضافة إلى الشروط السالفة الذكر يعد شرط سريان عقود الشغل الفردية عند تحقق الإندماج شرطا ضروريا، حتى يتمتع الأجراء بالحماية القانونية، وهذا الشرط قد نصت عليه جميع النصوص القانونية سواء في م.ش المغربية أو في باقي التشريعات المقارنة.

بمعنى، أن وجود علاقة شغلية قائمة بين المشغل والأجير تنتج آثارا قانونية إلى حين تحقق عملية الإندماج، ستؤدي بالضرورة إلى عدم تأثرها بسبب تغير المركز القانوني للمشغل، واستمرارها مع المشغل الجديد (الشركة الدامجة أو الشركة الجديدة) بكل ما تتضمنه من حقوق والتزامات، الشيء الذي أكده المشرع المغربي من خلال المادة 19 من مدونة الشغل التي جاء فيها: ” … فإن جميع العقود التي كانت سارية المفعول حتى تاريخ التغيير تظل قائمة بين الأجراء وبين المشغل الجديد، الذي يخلف المشغل السابق في الإلتزامات الواجبة للأجراء.”

وبمعنى آخر، يفترض لتطبيق قاعدة استمرار عقود الشغل، وجود عقود جارية في تاريخ حدوث تغيير في الوضعية القانونية للمشغل. تنتقل مقتضياتها بقوة القانون ليتحملها المشغل الجديد، دون أن يتطلب ذلك أي إجراء خاص، لكون قاعدة سريان عقود الشغل في حالة حدوث تغيير على الوضعية القانونية للمشغل أو على الطبيعة القانونية للمقاولة من النظام العام[13].

وكل اتفاق بين المشغل القديم والجديد على خرق هذه القاعدة يعتبر باطلا، ولا تأثير له على عقود الشغل السارية المفعول وقت حصول التغيير[14].

وقد يطرح التساؤل حول المقصود بعقود الشغل التي تظل سارية المفعول في حالة حصول التغيير، والتي تنتقل إلى المشغل الجديد؟

للجواب عن هذا التساؤل نتمعن في مضمون المادة 19 من م.ش حيث نستشف أن المقصود بعقود الشغل، العقود التي كانت سارية المفعول وقت حدوث تغيير في الوضعية القانونية للمشغل، سواء كانت في شكل مكتوب أو غير مكتوب،وسواء محددة المدة أو غير محددة المدة، فالمهم هو أن تكون هذه العقود سارية وقت حصول التغيير بغض النظر عن شكل هذه العقود[15].

 ثانيا: حماية الحقوق الجماعية للأجراء.

إذا كانت لعملية اندماج الشركات آثار على الحقوق الفردية للأجراء التي من شانها أن تمس بعقد الشغل الفردي الرابط بين الأجير و صاحب المقاولة، وتؤثر بالتالي على العلاقة الرابطة بينهما، فإن لها كذلك آثار تتجاوز هذه العلاقة لتشمل العلاقات الجماعية للشغل.

ذلك أن علاقات الشغل خرجت من نطاق العلاقات ذات الطابع الفردي الذي يقوم على رابطة شخصية بين المشغل و الأجير لتتطور شيئا فشيئا منذ أواخر القرن التاسع عشر في اتجاه علاقات جماعية، هذه الأخيرة التي تربط بين عنصري الإنتاج: العمل ورأس المال، منضو كل منهما في معظم الأحيان في إطار هيئات أو تجمعات نقابية أصبحت تتولى تنظيم العلاقة الرابطة بين الطرفين[16].

وقد عمد المشرع المغربي من خلال مدونة الشغل لسنة 2003 إلى تنظيم علاقات الشغل الجماعية ومسايرة المستجدات المتعلقة بها حيث تطرق في الكتاب الأول من مدونة الشغل للنظام القانوني المتعلق بأحكام الإتفاقية الجماعية [17].

إن إتفاقية الشغل الجماعية تتضمن مجموعة من المزايا، و التي تطرق إليها المشرع المغربي من خلال المادة 105 من مدونة الشغل و تتعلق بعناصر الأجر و شروط و أنماط تشغيل الأجراء و فصلهم و التغطية الإجتماعية و ظروف الشغل و غيرها.ومما ينبغي التأكيد عليه أن إتفاقية الشغل بالرغم من المزايا التي تمنحها للأجراء لا يجوز أن تنزل عن ما هو مقرر لهم بمقتضى عقد الشغل الفردي.

و بالرجوع إلى مدونة الشغل نجد أن المشرع المغربي يؤكد من خلال المادة 131 على إستمرار العمل باتفاقية الشغل الجماعية عند تغيير الوضعية القانونية للمشغل، و الذي يعتبر الإندماج أحد صورها حيث تنص هذه المادة على ما يلي : ” إذا طرأ تغيير على الوضعية القانونية للمشغل أو على الطبيعة القانونية للمقاولة كما نصت على ذلك المادة 19 فإن إتفاقية الشغل الجماعية تظل قائمة بين أجراء المقاولة و المشغل الجديد “. فالمشرع المغربي إذن يقر باحتفاظ الأجراء بالمزايا الواردة في إتفاقية الشغل الجماعية متى تغير المركز القانوني للمشغل.

وفي هذا الإطار يرى جانب من الفقه[18]  أن المادة 19 من م.ش لا تحتاج إلى تدقيق لكونها نصت بصريح العبارة على أن جميع العقود التي كانت سارية المفعول حتى تاريخ التغيير تظل قائمة، و لاسيما ما يتعلق بمبلغ الأجور و التعويضات عن الشغل و العطلة المؤدى عنها. و يرى هذا الجانب أن عبارة ” الإلتزامات الواجبة للأجراء ” تبرز بأن المشغل الجديد يغطي كل الأداءات و الإمتيازات سواء التي تم النص عليها في مدونة الشغل أو في عقد الشغل الفردي أو الإتفاقية الجماعية.

وقد ذهب جانب من الباحثين[19]  في هذا الصدد، إلى أنه في حالة إندماج شركتين يجب للأخذذ بمبدأ إستمرارية إتفاقية الشغل الجماعية أن يكون نشاط الشركة الدامجة هو نفسه الذي كانت تعتمده الشركة المندمجة.

إلا أننا نرى أنه لا مجال للحديث عن توفر شرط استغلال نفس النشاط السابق لاستمرارية إتفاقية الشغل، مادام يشترط لاستمرار عقود الشغل الفردية[20]  أن تتم المحافظة على نفس النشاط من طرف المشغل الجديد بمعنى آخر نعتقد أنه لا داعي لمناقشة مسألة إستمرار الإتفاقية الجماعية  في إنتاج آثارها أي إستفادة الأجراء من الحقوق الواردة فيها، ما دام مبدأ استمرار عقد الشغل الفردي رهين باستمرار استغلال نفس النشاط.

و تستمر إتفاقية الشغل الجماعية عند الإندماج بما تحمله من حقوق مكتسبة للأجراء بقوة القانون، دون حاجة إلى موافقة المشغل الجديد أي الشركة الدامجة، وهذا ما أكدته المادة 131 من م.ش التي لم تنص على موافقة المشغل الجديد كشرط لاستمرارية الإتفاقية الجماعية. وقد تضمنت المادة 105 من م.ش المواضيع التي تعالجها الإتفاقية و المتعلقة بالأساس بتنظيم شروط العمل وظروفه، على النحو الذي يحقق منافع أكبر للأجراء عما هو منصوص عليه في مدونة الشغل هذا الأمر الذي ستكون له حسناته بالنسبة للمشغلين المبرمين أو المنظمين لهذه الإتفاقية حيث ستكون المساواة بينهم في التكاليف الإجتماعية، مما سيوفر لهم إمكانية المنافسة العادلة و المتكافئة.

و تعتبر المقتضيات موضوع الإتفاق التي حددتها المادة 105 من م.ش واردة على سبيل المثال، فمصطلح “لاسيما” يفيد المثال لا الحصر مما يجعل من تلك المقتضيات لا تمثل سوى الحد الأدنى من الإمتيازات التي يمكن تضمينها بالإتفاقية، ولا يمنع من وضع إمتيازات لفائدة المشغل شريطة أن لا تمس بالحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الفرد.

وعليه لا يمكننا الحديث عن إستحالة إستمرارية إتفاقية الشغل عند الإندماج مادامت هذه الإستمرارية مكرسة بقوة القانون مما جعل أجراء الشركة المندمجة يستفيدون من الحقوق المكرسة بمقتضى الإتفاقية الجماعية المبرمة من طرف مشغلهم، سواء كانت الشركة الدامجة مرتبطة بإتفاقية شغل أو لا.

 

إن  تقنية الإندماج بين الشركات التجارية تشكل وسيلة ناجعة تجعل المقاولة المغربية قادرة على فرض الذات على مستوى الساحة الإقتصادية، وتوخي الأزمات و الصمود أمام حدة المنافسة … وفي المقابل تفرض الضرورة الإجتماعية ضمان الإستقرار القانوني لعلاقات الشغل وعليه نكون أمام مبدأين متعارضين، الأول يتعلق بحماية المصلحة الإقتصادية للمقاولة، وذلك من خلال تكريس حق المشغل في التسيير و الإدارة و التنظيم، أما الثاني فيخص الحق في الشغل و إستمرار الأجير في منصب عمله و احتفاظه بكافة الحقوق و المزايا التي يتمتع بها …

و على إعتبار أن الأجير هو الطرف الضعيف في العلاقة الشغلية اهتم به المشرع الإجتماعي، و عمل على منحه الحماية القانونية الكافية له، لذلك نجد أن المشرع المغربي قد عمل على ضمان إستقرار علاقة الشغل عند الإندماج من خلال تكريسه لمبدأ إستمرارية الحقوق الفردية الناجمة عن عقد الشغل الفردي من خلال المادة 19 من مدونة الشغل.

اوقد تم تعزيز هذه الحماية من خلال إقرار إستمرارية الحقوق الجماعية، الناجمة عن إتفاقية الشغل الجماعية حسب المادة 131 من مدونة الشغل.

 

 اللمتوني عبد الرحمان، اندماج الشركات الموجودة في حالة صعوبة، مجلة القصر، ع 13 2005، ص145.[1]

 الروبيو سعيد، الشركات التجارية – أحكام عامة – مطبوعات الهلال،ط2 2008، ص 86.[2]

 1  الترابي بوعبيد: مبدأ استقرار الشغل في حالة تغيير الوضعية القانونية للمشغل، دراسة تحليلية نقدية ، في ضوء القانون المغربي والمقارن، الطبعة الأولى 2013، ص 20.

 

[4] قرار المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا )، عدد 33 الصادر بتاريخ 12/1/2005 في الملف الاجتماعي عدد 92/5/1/2004، غير منشور.

 مباركة دنيا، ضمانات حقوق أجراء المقاولة المخوصصة، رسالة الدفاع، ع 2 يونيو 2001، ص 42.[5]

 مباركة دنيا، نفس المرجع السابق، ص 46[6]

[7] Henry Blaise, les modifications dans la personne de l’employeur, l’article 122-12 dans la tourmente .Droit Social , n°3, Mars 1986 , p 841 et suivants

 حسني المصري، : اندماج الشركات وانقسامها دراسة مقارنة بين القانون الفرنسي و القانون المصري، الطبعة الأولى،1986، ص313 [8]

4 قرار رقم 168 في الملف الاجتماعي عدد 9027/88، صادر في 6 فبراير 1989، مجلة الإشعاع، ع 19، 1999، ص 167

 بوعبيد الترابي، ن.م.س،ص72[10]

1 ادريس فجر، الخوصصة وأثرها على عقود الشغل، الندوة الثانية للقضاء الاجتماعي، المعهد الوطني للدراسات القضائية، فبراير 1992، ص 216.

 ادريس فجر، ن.م.س، ص 216[12]

 انظر بهدا الخصوص، بوعبيد الترابي، ن.م.س ص 80[13]

4 محمد سعيد بناني، : قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل، علاقات الشغل الفردية، الجزء الثاني، المجلد الأول ، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء 2007. ص 447

[15]بوعبيد الترابي، م.س ص 80

[16] – انظر : عبد اللطيف خالفي، واقع الإتفاقية الجماعية و مدى مساهمتها في تطوير القانون الإجتماعي، المجلة المغربية للقانون و اقتصاد التنمية ،ع 22 ، 1990 ص 111

[17]  – انظر المواد من 104 الى 134 من م.ش

[18] – محمد سعيد بناني مرجع سابق ، ص610

[19] – ياسر الوافي ، آثار اندماج الشركات التجارية على حقوق الأجراء، رسالة لنيل دبلوم الماستر، كلية الحقوق السويسي،2010ص 76

[20] – للمزيد من التوسع انظر رسالتنا: الحماية القانونية للأجراء من آثار اندماج الشركات،رسالة لنيل دبلوم الماستر، كلية الحقوق المحمدية، 2013

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى