
درب النضال النقابي والوحدة التنظيمية المنشودة
ذ.محمد المنصوري
درب النضال واحد، والطاقات النضالية الصادقة مبثوثة في كل زاوية ومكان، تنتظر فقط من يجمعها تحت سقف رؤية موحدة. فالمشكل لم يكن يوما في الإرادة النضالية ولا في الكفاءة النقابية المتمرسة، بل في غياب تلك البوصلة التي توحد الاتجاهات وتحول الجهود المتفرقة إلى قوة مؤثرة تخدم الشغيلة وتحمي كرامتها.
ومن خلال تجربة خاصة، راكمتها عبر الانخراط المباشر في تفاصيل العمل النقابي، تبين لي أن جوهر الفعل النقابي الحقيقي يقوم على الوحدة والتضامن، بعيدا عن كل أشكال التقاطبات وتغيير الألوان التي لا تزيد المشهد إلا تشتتا.
وربما، والله أعلم بالنيات، ما نراه أحيانا من صراعات وتجاذبات مرده سعي البعض إلى الظفر بمقعد أو مقاعد مع اقتراب الاستحقاقات المهنية هنا وهناك، بذرائع التمثيلية واكثرها عبر نظام انتخابي لائحي له عيوبه وفق تقديرات اهل الاختصاص، أو اندفاع لحظي يمنح شعورا عابرا بالانتشاء، يصفق له كل واحد ومجموعة داخل ” زاويته” ومع “عشيرته”. لكنها لحظات زائلة، تمر كما يمر دخان بلا أثر، ولا تصلح أن تكون هدفا ولا مشروعا لنضال نريده أصيلا ومسؤولا.
إن طرح هذا النقاش اليوم ليس رد فعل، ولا محاولة للتموضع، بل هو. دعوة صادقة لإعادة بناء رؤية نقابية واضحة المعالم، رؤية ترتكز على الديمقراطية الداخلية، النقد الذاتي، والتخليق النقابي، وتستعيد مبدأ الاستقلالية النقابية باعتباره الأساس الذي يحصن الفعل من كل أشكال التأثيرات الحزبية أو الإدارية أو الشخصية.
فالاستقلالية ليست شعارا يرفع، بل ممارسة يومية تختبر عند اتخاذ المواقف الصعبة، وعند مقاومة الإملاءات التي لا تخدم مصلحة الشغيلة.
وإذا تعذر علينا اليوم الوصول إلى وحدة نقابية تنظيمية شاملة، فلنعمل على الأقل على توفير شروط تحققها مستقبلا منها مثلا قبول الاختلاف ما دام صادقا، وفتح قنوات الحوار، إذ مع الحوار الحقيقي يتأكد للجميع صدق المشروع ونقاء المقصد، ثم الاشتغال على بناء جسور الثقة بين المناضلين مهما تشتتوا في “حزر متفرقة”. فبهذا تصان المصداقية، ويعاد تجسير ما تقطع، ويتحول الاختلاف إلى قوة بدل أن يكون معوقا.
فالنقابة التي نريدها ليست نقابة ارتجال ولا نقابة ردود أفعال، بل نقابة مبادرة، مسؤولة، تملك وضوحا أخلاقيا ومهنيا، وتطابق أفعالها مع الأقوال لا العكس.
هي بداية ليوم بنكهة الوعي والصفاء،
تذكرنا بأن الطريق ما زال مفتوحا،
وبأن البوصلة يمكن أن تعود لاتجاهها،
وبأن الاستقلالية ليست حلما بعيدا، بل ممارسة.
وبأن الديمقراطية الداخلية ليست تفصيلا بل شرطا أساسيا.
وأن الوحدة ليست خيارا جانبيا، بل قدر نضالي مشترك.
فالوحدة، والاستقلالية، والديمقراطية الداخلية
هي ثلاثية الخلاص لأي فعل نقابي يريد البقاء والنجاح والاحترام..
وتبقى هذه قناعتي التي أؤمن بها ولا اريد من خلاله الازعاج بقدر ما اريد من خلاله تحقيق الحلم الذي ظل يروادني منذ ولوجي هذا القطاع توحيد ما يمكن توحيده في افق الوحدة المنشودة.



