في الواجهةمقالات قانونية

المبادرة المغربية للحكم الذاتي:قراءة في المضمون، وسؤال الديمقراطية والتنمية في ظل خيار الجهوية المتقدمة.

الإسم الكامل: مــحـمــد أقـــريـــقــز

دكــتور في القــانون العــام

إطــار بوزارة الـــداخـليــة.

المبادرة المغربية للحكم الذاتي:قراءة في المضمون، وسؤال الديمقراطية والتنمية في ظل خيار الجهوية المتقدمة.

 

إن التطورات والتحولات التي مست الميادين : السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية والثقافية للنظام المغربي، وكذا ضرورة مسايرة الرهانات والتحديات التي بات يطرحها موضوع التدبير الترابي/أو المجالي في إطار بعده المرتبط بمقومات الحكامة، كلها تغييرات إلى جانب مسلسل اللامركزية ببلادنا بكل تجلياته السلبية والايجابية طرحت نوعا آخر من النقاش العمومي والرسمي مبني على مقاربة جديدة للمجال أو التراب ترتكز أساسا على جوهره السياسي والاقتصادي كعناصر رئيسية للإحاطة بالأهداف المتوخاة، ومن أهمها : إعادة ترتيب علاقة المركز بالمحيط، وفق مقاربة تشاركية ونقاش علمي وازن، واسع ورصين يستحضر الخصوصيات المغربية والأشواط التي قطعتها مؤسسة الجهة ببلادنا ارتباطا بالمسألة الديمقراطية ومستوى نضجها لاستيعاب كل الآليات الديمقراطية.

المحور الأول : مقترح الحكم الذاتي : الضوابط والاختصاصات

إن المبادرة المغربية بشأن الحكم الذاتي في أقاليمنا الصحراوية، تعبير صريح يجسد التزام المغرب وتشبثه بإيجاد حل سياسي سلمي متفاوض بشأنه لنزاع الصحراء. إذ أن هذه المبادرة تتضمن الخطوط العريضة، على أساس أن التفاصيل المرتبطة بها ستكون موضوع نقاش وتفاوض بين الأطراف. وما سيتم الاتفاق حوله بين هاته الأطراف، سيتم عرضه على السكان المعنيين في استفتاء حر، سيكون بمثابة ممارسة للحق في تقرير المصير بالنسبة للسكان الصحراويين، وفقا لمقتضيات الشرعية الدولية، ميثاق الأمم المتحدة وبناء على قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن.[1] فالمبادرة في عمقها، توفيق مهم وناجح من قبل المغرب بين خيار الحكم الذاتي الموسع، وحق تقرير المصير الذي تضمنه المبادرة من خلال آلية الاستفتاء الذي يشارك فيه كل الساكنة المعنية بالأمر.

وزيادة على ذلك، فالمقترح المغربي، تعبير عن حسن نية المملكة في طي وتجاوز هذا النزاع بشكل نهائي لا رجعة فيه بناء على حل متفاوض بشأنه يحظى بقبول كل أطراف النزاع. وبعيدا عن كل المزايدات السياسية والحسابات المصلحية الضيقة، يجب الإقرار بكون المبادرة المغربية بشأن الحكم الذاتي في أقاليمنا الجنوبية، خلقت الحدث داخل أروقة الأمم المتحدة، واعتبرت نقلة نوعية وخطوة حقيقية في تاريخ هذا النزاع المفتعل.

وفي هذا السياق، تنص النقطة الحادية عشرة من هذه المبادرة على أن :

“المشروع المغربي للحكم الذاتي مستلهم من مقترحات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومن الأحكام الدستورية المعمول بها في الدول القريبة من المغرب جغرافيا وثقافيا”.[2]

فما هي الضوابط القانونية اللازمة والأحكام الدستورية لمقترح الحكم الذاتي ؟

المطلب الأول : الضوابط القانونية الشاملة المؤطرة لمبادرة الحكم الذاتي

بناء على الاعتبارات السالف ذكرها، والتي جعلت من هذه المبادرة بأنها جدية وذات مصداقية، فقد تفاعل معها المجتمع الدولي دولا ومنظمات، منوهة بأهميتها وجرأتها لحل النزاع والرامية إلى المضي قدما بالعملية في اتجاه التسوية وفتح آمال جديدة لتنمية المنطقة وتكريم سكانها وبناء اتحاد مغاربي قوي ومنسجم.

الفرع الأول: ظوابط القانون الدولي

أمام هذه النقطة بالضبط، لاسيما قرارات مجلس الأمن والجمعية العمومية، باعتبارها محددات دولية، تتميز أنظمة الحكم الذاتي عن أنظمة الجهوية ذات الطبيعة السياسية بمختلف أصنافها ودرجاتها.[3]

وفي هذا الإطار سنستحضر قرار مجلس الأمن عدد 1754 في أبريل 2007. فهذا القرار جاء بعد تقديم المغرب لهذه المبادرة للسيد الأمين العام للأمم المتحدة. وهو القرار الذي جاء في سياق الديناميكية الجديدة التي خلقها المغرب باقتراحه لمبادرة الحكم الذاتي كمنطلق وأساس لحل النزاع الذي طال أمده وتزايدت انعكاساته السلبية على كل دول المنطقة ودول جنوب الصحراء. فديباجة هذا القرار 1754 تحمل بصمات المبادرة المغربية، ومن خلال القراءة المتأنية لفقراته يتضح جليا أنه جاء أكثر إنصاتا للتحول الذي أحدثه المغرب. فعلى الرغم من قيام جبهة البوليساريو على عجل بتقديم مقترحاتها بين يدي الأمين العام بتاريخ 10 أبريل 2007 إلا أن الأمر لم ينطل كثيرا على مجلس الأمن الدولي الذي أدرك بعمق أن المشروع المغربي يشكل تحولا مدروسا ومتكاملا يجب تشجيعه وتثمينه. وهو ما عبر عنه المجلس من خلال إعلانه بارتياحه للمبادرة المغربية لكونها جدية وذات مصداقية تهدف إلى المضي قدما بالعملية نحو التسوية، مقابل اكتفائه بالإشارة بشكل عرضي إلى مقترح جبهة البوليساريو. وهي الإشارة التي تدخل تحت هاجس إقرار مجلس الأمن لصيغة تعبر عن نوع من التوازن كآلية لإرضاء كافة الأطراف.

فهذا القرار أنهى صلاحية مخطط بيكر الثاني أو ما كان يعرف “بخطة سلام من أجل تقرير مصير شعب الصحراء الغربية” حيث أقر على أن المبادرة المغربية تعد بحث جدي عن حل يتجاوز مشروع بيكر 2003.

وقد نصت النقطة السابعة والعشرون من المبادرة المغربية على وجوب أن يكون نظام الحكم الذاتي موضوع تفاوض، ويطرح على السكان المعنيين بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة ديمقراطية. ويعد هذا الاستفتاء، طبقا للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والذي يشكل ممارسة حرة لحق السكان في تحقيق مصيرهم. ومفهوم السكان المعنيين يضم سكان الداخل وساكني المخيمات. وذلك من خلال إشارة المبادرة المغربية على ضمان عودتهم وسلامتهم وكرامتهم،[4] ليقولوا كلمتهم بحرية.

فهذه المعطيات مجتمعة تبرز مدى مشروعية مبادرة الحكم الذاتي في الانسجام مع الفكر الاستراتيجي للمنظمات الحكومية الدولية التي عبرت عنه مجموعة من التقارير المشخصة للوضعية غير اللائقة لتجمع بلدان المغرب العربي في سلم الترتيب الدولي على أساس مؤشرات التنمية والتي من بين عواملها تضييع فرص الاندماج والتأهيل الحقيقي للمنطقة، نتيجة لتعطيل دور هذا التجمع الإقليمي داخل محيطه الجيوستراتيجي، بفضل نزاع لا يخدم سوى ثقافة التشتت والبلقنة والانغلاق وسط محيط دولي لا يؤمن سوى بقوة التكتلات الإقتصادية الكبرى الحكومية وغير الحكومية الجهوية كما هو الشأن بالنسبة للتجربة الأوروبية في هذا الميدان.[5]

الفرع الثاني : الضوابط الدستورية والقانونية

إن الخوض في هذه الضوابط الداخلية، يقرب أكثر بين نماذج الحكم الذاتي والجهويات السياسية.[6] ولا جدال في أن كافة الدول ترتكز في وضع دساتيرها على عدة مبادئ مؤسسة لأي نظام أو أي مجتمع. هذا بالإضافة إلى كون الضوابط القانونية هنا تؤخذ بمعناها الضيق من خلال المؤسسات التشريعية المختصة في مناطق وجهات الحكم الذاتي.

فعلى مستوى الضوابط الدستورية، نجد رزنامة من المبادئ الأساسية المتمثلة في: السيادة، الوحدة والشرعية. والتي تجدر الإشارة بصددها إلى أن طريقة تفصيلها وتهيئتها في النص الدستوري تنبني على تقنيات تختلف من نظام سياسي لآخر ومن دولة لأخرى انطلاقا من اختيارها لنوع الجهوية بمختلف درجاتها أو لنظام الحكم الذاتي بمختلف نماذجه وأشكاله وذلك في ارتباط وثيق بالمؤثرات السياسية على المستوى الداخلي والدولي وعلاقة بالسياق التاريخي الذي يحكم الظرفية.

الفقرة الأولى: مبدأ السيادة

في هذا الإطار، يشكل مفهوم الشخصية المعنوية الدولية دورا بارزا، حيث هذه الأخيرة –الشخصية المعنوية الدولية- هي التي تميز الدولة الفيدرالية عن نظيراتها الكنفدرالية والموحدة البسيطة التي قد تكون دولة الجهات أو دولة المجموعات المستقلة. حيث أن الالتزام الدولي يتطلب التوضيح الدقيق للمخاطب هدفا في تحديد أمثل للمسؤوليات.

وعلى هذا الأساس، فالدولة المغربية هي المؤهل الوحيد للتعبير الخارجي عن الشخصية الدولية في ميدان العلاقات الدولية محتفظة باختصاصاتها كاملة في مجالات من قبيل : السيادة وخاصة ميدان الدفاع، العلاقات الخارجية، والاختصاصات الدستورية والدينية لجلالة الملك أمير المؤمنين.[7]

وهي المقتضيات التي جاءت مفصلة على نحو أفضل من خلال الحديث عن مسألة الاختصاصات الحصرية للدولة،[8] التي حددت في :

  • مقومات السيادة، لاسيما العلم والنشيد الوطني والعملة.
  • المقومات المرتبطة بالاختصاصات الدستورية والدينية للملك بصفته أمير المؤمنين والضامن لحرية ممارسة الشعائر الدينية وللحريات الفردية والجماعية.
  • الأمن الوطني والدفاع الخارجي والوحدة الترابية.
  • العلاقات الخارجية.
  • النظام القضائي للمملكة.

الفقرة الثانية: مبدأ الوحدة

ومن مكوناته الجوهرية وعناصره الرئيسية : وحدة الأمة ووحدة الحقوق والحريات.

– فوحدة الأمة : مبدأ أساسي تتضمنه كافة الدساتير، ويهدف إلى التوفيق بين احترام استقلالية الجهات الإدارية والسياسية –أي مختلف أشكال وصور نظام الحكم الذاتي- وبين سيادة الدولة وعدم المساس بها. إنه بعبارة أوضح يفيد ذاك النجاح والتوفيق في تدبير التنوع والاختلاف في إطار الوحدة القوية،[9] المتينة والصلبة.

فهذا المبدأ العام، تنص عليه مختلف الدساتير. حيث نجد التجربة الإيطالية، والتي هي بنص الدستور[10] دولة بسيطة وموحدة وليست دولة مركبة أو فيدرالية. حيث ينص الفصل الخامس من الدستور الإيطالي على أن : “الجمهورية واحدة لا تتجزأ، تعترف وتشجع الاستقلال الذاتي المحلي، وتحقق بالنسبة للمصالح التابعة للدولة أوسع مدى من اللامركزية الإدارية، وتكيف مبادئ ومناهج تشريعاتها مع ضرورات الاستقلال الذاتي واللامركزي”.

وقد أرسى الدستور الإيطالي كذلك، قواعد الدولة التنظيمية على نوعين من الوحدات : وحدات تتمتع باللامركزية الإدارية، ووحدات تتمتع بالحكم الذاتي. حيث الوحدات الأولى لا تثير أي إشكال قانوني، فهي وحدات إدارية لامركزية ضمن تنظيم إداري لامركزي كلاسيكي. في حين الثانية لم يعطيها الدستور أي وصف قانوني، وبالتالي فهي ليست أكثر من وحدات محلية تتمتع بنوع من الحكم الذاتي حسب نص الدستور. فهي وحدات لامركزية تتجاوز نطاق اللامركزية الإدارية دون أن تصل إلى حد اللامركزية السياسية. إنها جهات ذات نظام خاص تم إحداثها بمقتضى الفصل 116 من الدستور الإيطالي لسنة 1948، وعددها خمس جهات.[11]

ومن تجليات مبدأ وحدة الأمة ضمن المبادرة المغربية للحكم الذاتي، نجد :

  • وحدة السلطة التأسيسية.
  • ووجود مؤسسة تمثيلية على المستوى المركزي، حيث تمثل ساكنة جهة الحكم الذاتي للصحراء في البرلمان وبباقي المؤسسات الوطنية وأن تشارك في كافة الانتخابات والاستحقاقات الوطنية.[12]

– وحدة الحقوق والحريات : إن المبادرة المغربية المتعلقة بمنح الحكم الذاتي لأقاليم الصحراء المغربية، ليست غاية في حد ذاتها. إنها آلية لإثبات احترام الشرعية الدولية، ووسيلة لإقرار وتعزيز الديمقراطية المحلية، وأخيرا هي ضمانة لتكريس وحماية حقوق وحريات المواطنين المغاربة في جهة الصحراء.

فالمبادرة تهدف إلى تكريم المواطن الصحراوي، وتمتيع ساكنة الجهة بكافة الضمانات التي يكفلها الدستور المغربي في مجال حقوق الإنسان، وكما هي متعارف عليها دوليا.[13]

وعلى هذا الأساس نجد التجربة الإسبانية في هذا المجال، وعلى مستوى دستورها باعتباره أسمى القوانين، ينص على عدم السماح لأية جماعة مستقلة أو لأي إقليم يتمتع بالاستقلال الذاتي أن يميز نفسه بناء على اعتبارات من قبيل : الحجم الجغرافي، التعداد السكاني، أو نظرا للمستوى الاقتصادي والاجتماعي أو لخصائصه الثقافية. وقد أكد ذلك في العديد من أحكامه، كالفصل 139 منه الذي يقر على أن جميع الإسبان لهم نفس الحقوق والواجبات على التراب الوطني، ولا يمكن لأي سلطة أن تحد من ذلك أو تقر بالتمييز بين مواطني إسبانيا بناء على انتماءاتهم الجهوية.

الرجوع1 / 5

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى