قراءة قانونية في مقترح قانون تقدم به الحزب الاشتراكي الموحد والمتعلق بالعفو العام عن معتقلي ومتابعي حراك جيل Z – يوسف بنشهيبة

قراءة قانونية في مقترح قانون تقدم به الحزب الاشتراكي الموحد والمتعلق بالعفو العام عن معتقلي ومتابعي حراك جيل Z
يوسف بنشهيبة باحث في العلوم الجنائية والأمنية
ملاحظة: لا تروم هذه القراءة الخوض في تقييم أداء السلطة التشريعية، بل تقتصر على تسليط الضوء على بعض الملاحظات ذات الصلة بالجانب القانوني وبالصياغة القانونية.
القراءة التحليلية:
النقطة الأولى:
المعلوم أن الديباجة في أي مقترح قانون لها دور أساسي، باعتبارها المدخل الذي يوضح الخلفية والدوافع والأهداف التي بُني على أساسها مقترح القانون. وهذا هو الملاحظ من خلال سهر البرلمان على أن تكون الديباجة منسجمة مع المبادئ الدستورية، ومنطقية من حيث التسبيب، ولا تتناقض مع النصوص القانونية.
(ليست هناك أي ملاحظة على مستوى الديباجة.)
جاء في المادة الأولى: يصدر عفو عام وشامل عن (جميع الأفعال المرتكبة) على
خلفية أو بمناسبة الحركات الاحتجاجية المعروفة باسم حراك جيل Z.
الملاحظ من العبارة وجود غموض على مستوى الصياغة القانونية، حيث يُفهم منها أن هذا العفو الشامل يشمل جميع الأفعال الإجرامية من تخريب وعنف…، مع إغفال تأثير العفو الشامل الممنوح للأشخاص المرتكبين لأفعال في الأصل هي مجرَّمة قانوناً على الأمن والنظام العام.
ولا بأس من ذكر بعض الجرائم التي يُراد أن يصدر بشأنها العفو الشامل، انطلاقاً من عبارة (جميع الأفعال المرتكبة):
العنف في حق موظفين عموميين أثناء قيامهم بوظائفهم نتج عنه إراقة دم.
إهانة موظفين عموميين بسبب قيامهم بمهامهم.
التجمهر المسلح في الطريق العمومية.
تعييب أشياء مخصصة للمنفعة العامة.
حيازة السلاح بدون مبرر مشروع في ظروف من شأنها أن تشكل تهديداً لسلامة الأشخاص والأموال.
التواجد في مظاهرة حاملاً للسلاح.
جرائم العصيان.
التحريض على جنح وجنايات والمشاركة في التجمهر المسلح.
عرقلة سير الناقلات بغرض تعطيل المرور ومضايقته.
السرقة الموصوفة المقرونة بأكثر من ظرف تشديد.
إضرام النار عمداً في مبنى غير مسكون.
وبلا شك، فإن هذه الأفعال الإجرامية خلفت إصابات خطيرة في صفوف القوات العمومية، وخسائر مادية جسيمة في الممتلكات الخاصة والعامة.
ومن خلال ذكر بعض من الجرائم التي هي محل متابعة من طرف النيابات العامة بمختلف ربوع المملكة، يلاحظ أن مقترح القانون جاء بصيغة واسعة وغامضة، مما يفتح الباب للعديد من التأويلات التي نعتبرها خطيرة، أهمها المساس بحقوق الضحايا، (الحق العام)، والنظام العام، إضافةً إلى تناقض هذه المادة مع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.
الصيغة المقترحة للمادة الأولى:
أن يشمل العفو الشامل فقط “الأفعال ذات الطابع السلمي أو التعبيري” دون غيرها.
الصيغة الثانية المقترحة للمادة الأولى: أن يشمل العفو الشامل الأشخاص المتابعين أو المحكوم عليهم من أجل أفعال لا تشكل تهديداً خطيراً للنظام العام.
النقطة الثالثة: المادة الثانية: تنطبق عليها نفس الملاحظات من حيث الصياغة وعبارة ” (جميع الأفعال المرتكبة).
النقطة الرابعة: إغفال الإحالة على القانون الجنائي، الفصل 51 من مجموعة القانون الجنائي.
الصيغة المقترحة للمادة الثانية:
“تسري على هذا العفو مقتضيات الفصل 51 من القانون الجنائي وما يترتب عنه من آثار.”
الشق المتعلق بالمتابعة:
معطيات عن رئاسة النيابة العامة:
تم تقديم ما مجموعه 2400 شخص ثبت تورطهم في ارتكاب أفعال إجرامية تتسم بالخطورة نظراً لمساسها بالأشخاص والممتلكات والأمن والنظام العام.
قررت النيابات العامة متابعة ما مجموعه 2480 متهماً، منهم 959 في حالة سراح و1473 في حالة اعتقال، مع العلم أن من هؤلاء الأشخاص صدرت في حقهم أحكام موقوفة التنفيذ، وأحكام قضت بالبراءة، كما قضت بعض الأحكام الخاصة بالأحداث بتسليمهم لأولياء أمورهم.
تم حفظ المسطرة في حق 48 مشتبه فيه.
بلغ عدد المتهمين المحكومين إلى غاية 27 أكتوبر 2025 على مستوى غرفة الجنايات بالمحاكم الابتدائية 66 محكوماً، منهم من حُكم عليه بالإدانة والبالغ عددهم 61، في حين تم إصدار أحكام بالبراءة في حق 5 أشخاص.
على مستوى المحاكم الابتدائية، أُصدرت أحكام في حق الرشداء ما مجموعه 301 محكوماً، منها عقوبات نافذة في حق 208 من المحكومين و66 عقوبة موقوفة التنفيذ، وبرأت هذه المحاكم 57 شخصاً، كما صدرت في حق 162 من الأحداث المتورطين أحكام قضت في حق 83 منهم بتسليمهم لأولياء أمورهم.
بلغ عدد الأحكام القاضية بالبراءة على مستوى المحاكم الابتدائية إلى غاية 27 أكتوبر حوالي 30 حكماً، وهو ما يمثل 11.4% من الأحكام الصادرة عن هذه المحاكم.
بلغ عدد الأحكام القاضية بالبراءة على مستوى محاكم الاستئناف ما مجموعه 4 قرارات، وهو ما يمثل 9.7% من الأحكام الصادرة عن هذه المحاكم.
النقطة الخامسة: الملاحظ من خلال المادة الثالثة أن هناك ربط بين العفو الشامل والحكم الصادر بالبراءة، ربط بين قرار تشريعي وقرار قضائي. صحيح أن العفو الشامل يمحو الصفة الجرمية عن المتهم، لكنه لا يعني أن المتهم بريء مما نسب إليه، أي أنه لا يغير الطبيعة القضائية للأفعال، ولا الوصف الجرمي للفعل، أما الحكم بالبراءة فهو نتيجة قضائية، بينما العفو العام هو إجراء تشريعي وسياسي يقرره البرلمان.
الصياغة المقترحة للمادة الخامسة:
“ويترتب عن هذا العفو محو الآثار القانونية للأحكام الصادرة، ويُعتبر كأن الأفعال المشمولة بالعفو لم تكن مجرّمة أصلاً.”



