في الواجهةمقالات قانونية

مؤسسة المفوض الملكي بالمحاكم الإدارية

 يوسف صنبي

دكتوراه في القانون الخاص

إطار بوزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة

 

الموضوع:

“مؤسسة المفوض الملكي بالمحاكم الإدارية”

 مقدمة:

إن الركائز والدعامات الأساسية التي يجب أن تقف عليها دولة الحق والقانون، هو القانون نفسه وخاصة وضع إطار قانوني لتقنين وتنظيم العلاقة بين الحكام والمحكومين انسجاما مع مبدأ الشرعية الديموقراطية ومبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا، غير أن هذه العلاقة تفرض وجود طرفين أحدهما ذات صبغة عامة، والدولة باعتبارها واضعة للقانون وتملك سلطة تنفيذه، يثار التساؤل عما هو القانون الذي تخضع له؟

إن الدولة إما أن تخضع للقانون ذاته الذي يخضع له الأفراد-أو تخضع لقانون خاص يختلف عن الأول حسب ما إذا كانت هذه الدولة ذاتها تعتمد وحدة القانون أو إزدواجيته، غير أن الفقع في عمومه يجمع على أن القانون الذي تخضع له الدولة هو القانون الإداري.

إن تطور وتعدد وتنوع مجالات نشاط الإدارة حسب ما يتطلبه السير اليومي للمرافق العامة ومصالح الرعايا كان من اللازم والطبيعي أن تخطئ في تسييرها أو تتعسف في قراراتها اتجاه الأفراد نظرا لما لها من سلطات واسعة، مما فرض نشوب منازعات على أرض الواقع تكون الإدارة طرفا فيها يتعين الفصل فيها طبقا لأحكام القانون[1] فكان لا بد أن يعهد برقابة الإدارة في ممارسة نشاطها إلى جهاز قضائي متخصص، لم يكن سوى القضاء الإداري.

وقد عرف القضاء الإداري المغربي تطورا مهما منذ نشأته إلى اليوم حيث لعب القضاء الإداري الفرنسي الدور الأكبر والهام في تطويره، كما مارس تأثير لا يمكن تجاهله.

وهكذا كان المغرب من الدول التي عرف تنظيمها القضائي إصلاحات هامة ومتوالية فرضتها التحولات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية التي عرفها المجتمع، ويعتبر قانون 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية أهم هذه الإصلاحات، فكان في ذلك توضيح لكافة المواطنين أنه بإمكانهم مقاضاة الإدارة[2]. وبعد إحداث محاكم الإستئناف الإدارية بالمغرب أصبحت معالم نظام إزدواجية القضاء تتجلى بوضوح سيما وقد أعلن عاهل البلاد على تأسيس مجلس الدولة في المستقبل يعلو قمة هرم القضاء الإداري بالمغرب[3].

وعليه فإذا كان إحداث المحاكم الإدارية حدثا جديدا وجديا وفاتحة عهد حقوقي وقضائي مزدهر، فإنه استحدث معه وفي طياته مؤسسة لم يسبق لها وجود في القضاء الإداري المغربي على مر تاريخه وهي مؤسسة المفوض الملكي بالمحاكم الإدارية مخصصا لها المواد 2 و 4 و 5 من القانون 90-41. ولعل الهدف من إحلال مؤسسة المفوض الملكي للدفاع عن الحق والقانون محل النيابة العامة لدى المحاكم الإدارية هو فرض سلطة القانون وإعلاء صوته بكل موضوعية وحياد وتجرد وجعل الدولة ذاتها أول الخاضعين لأحكامه.

ونظرا لقصور وقلة النصوص القانونية المنظمة لمؤسسة المفوض الملكي تضعنا أمام عقبات محورية سنحاول الإجابة عنها من خلال هذا البحث حول مدى الإختصاصات والصلاحيات الممنوحة للمفوض الملكي للقيام بدوره الأساسي في الدفاع عن القانون والحق ومدى حصوله على الإستقلال المفروض.

هذه القلة في النصوص القانونية تفرض علينا معالجته وفق المنهج التاريخي ومبرره واضح في تتبع مراحل تطور ونشوء مؤسسة المفوض الملكي المقتبسة من نظيرتها في فرنسا ومصر، كما سيتم الإعتماد على المنهج التحليلي القانوني للوقوف على دوره في الدعوى الإدارية وكذا الإشكاليات المطروحة في الجانب القانوني والعملي على حد السواء.

وتجدر الإشارة إلى قيامنا بالتركيز على كل من التجربة الفرنسية باعتبارها النموذج والتجربة المصرية للخصوصية العربية والإسلامية المشتركة حتى يتسنى لنا الإستفادة من تجربة هذه الدول الرائدة لدعم المؤسسة فقها واجتهادا.

كما سنعتمد تقسيم الموضوع إلى قسمين أساسيين سنحاول في الأول التركيز على التجارب المقارنة لفهم طبيعة عمل المؤسسة الحديثة ببلادنا، وسنخلص في القسم الثاني إلى التحليل القانوني لمؤسسة المفوض الملكي والإشكاليات المثارة، وفق التصميم التالي:

 

 

الفصل الأول: المفوض الملكي في القانون المقارن ونشأته بالمغرب

المبحث الأول: نظام المفوض الملكي في الأنظمة المقارنة

المبحث الثاني: نشأة المفوض الملكي بالمغرب

 

الفصل الثاني: مهام المفوض القضائي وتقييم عمله

المبحث الاول: الاختصاصات والمسطرة

المبحث الثاني: تقييم نظام المفوض الملكي والمشاكل المثارة بشأنه.

 

 

الفصل الأول: المفوض الملكي في القانون المقارن ونشأته بالمغرب

 

المبحث الأول: نظام المفوض الملكي في الأنظمة المقارنة

 

إذا كان معظم الباحثين في الفقه القانوني يؤكدون على أهمية الدراسة المقارنة حيث بواسطتها يدرس الباحث نقط التلاقي و أوجه الإختلاف بين التشريعات، فإنه في مجال القضاء الإداري و خاصة عندما يقف الباحث على دراسة موضوع جديد طرح على الساحة القانونية و يتميز بقلة النصوص القانونية المنظمة و ندرة المراجع كما هو حال مؤسسة المفوض الملكي في القانون الإداري المغربي فإن أهمية الدراسات المقارنة تزداد لتصبح مادة خصبة تعطي للموضوع أفقا أرحب و أوسع للدراسة و التحليل و تخرجه من إطاره الضيق إلى قضاء أعم يستطيع في خضمه الباحث التعرف على مدى القيمة الفعلية لقانون إحداث المحاكم الإدارية ببلادنا سيما و أن أهمية الدراسات المقارنة أصبحت تحتل الريادة في مجال البحث العلمي و الدراسات القانونية على وجه الخصوص.

وهكذا سنقوم بدراسة موجزة لبنية المفوض في القضاء الإداري المصري لما له من خاصية عالمية متميزة وفريدة مع اعتبار القضاء الإداري الفرنسي مرجعا أساسيا للدراسة والتحليل في هذا الموضوع.

 

المطلب الأول: النظام النموذج (مفوض الحكومة في فرنسا):

 

         إن الاتفاق الحاصل في هذا الشأن بين الفقه والقضاء أن القضاء الإداري الفرنسي يعتبر بحق – النظام النموذجي على الساحة العالمية ولم يرق إلى سموه و رفعة مستواه إلا بفضل الجهود الموفقة التي بذلها مفوضو الحكومة والبحوث الفقهية على مر تاريخ فرنسا الحقوقي حيث بزغ هذا النظام – مفوض الحكومة – إلى الوجود سنة 1831 والذي كان يوجب في البداية بأن يتكلف ثلاث نواب من مجلس الدولة بوظيفة النيابة العامة أمام القضاء الإداري، وقد وضع هذا النظام كما بدل عليه إسم المكلفين به ” مفوضو الحكومة “للدفاع عن الحكومة أولا وقبل كل شيء، حيث يقوم مفوض الحكومة بدور النيابة العامة كخصم منظم في الدعوى الإدارية، غير أنه يجب التوضيح هنا على أن مفوضو الحكومة ورغم ما يوحي به هذا الإسم لا يمثلون الحكومة ولا اي شخص آخر سوى القانون والدولة .

 وقد توفق نظام مفوض الحكومة في فرنسا وبامتياز في أن يشيد لنفسه طريقا خاصا به يخالف بدرجة كبيرة ما تصوره ورسمه له واضعوه في البداية حيث أصبح مفوضو الحكومة في فرنسا لا يعملون لأي جهة عامة أو خاصة أو فردية بل لصالح القانون ولكلمة الحق المجردة المتسمة بالحياد التام والاستقلال البارز في مجال القضاء الإداري، بل في القانون العام بأكمله، وأن من ذاك التشابه في الاختصاص والدور مع النيابة العامة كطرف منظم إلى أن يصير مؤسسة ذات صبغة خاصة ووظيفة لا مثيل لها في القضاء العادي ترشد القضاء في أحكامهم إلى اتجاه الواجب[4].

تجدر الإشارة في هذا الباب إلى أن مفوض الحكومة في فرنسا وعلى ما له من حرية واستقلال وعلى ما يتمتع به من حصانة ضد كل التيارات الجارفة، آخر من يتكلم أمام القضاء الإداري. فمفوض الحكومة يعرض رأيه علنا بعد عرض الوقائع وانتهاء المرافعة[5] غير أن البعض يرى بأن القيمة الفقهية التي يتمتع بها آراء المفوض هي التي تجعله يدونها كي يتم نشرها في المجلات والدوريات القانونية.

 

  • الأدوار القضائية لمفوضي الحكومة بالمحاكم الإدارية

 

من خلال تطور الأداء القضائي لمفوض الحكومة بالمحاكم الإدارية الفرنسية يمكن إبداء الملاحظات التالية :

يلتزم مفوض الحكومة لدى المحاكم الإدارية وكذلك لدى مجلس الدولة الفرنسي وفقا لما تقتضي به المادة 67 من مرسوم 31 يوليوز لسنة 1945 بإعداد تقرير عن النزاع وإبداء الحل القانوني الذي يراه مناسبا، ومن تم لا يستطيع المفوض أن يسلك ذات المسلك الذي قد يسلكه الخصوم بالاكتفاء بترك الأمر لعدالة المحكمة لتقرر كما تشاء بل يجب عليه اقتراح الحق القانوني، فإذا لم يف بهذا الالتزام عد الحكم مشوبا بالبطلان، وهذا ما قرره مجلس الدولة عندما شجب مسلك المفوض الذي انطوى على عدم إعداد تقرير عن النازعة مكتفيا بإحالتها إلى القضاء للفصل فيها، ولقد أشار المجلس إلى أن هذا المسلك يمثل انتهاكا للالتزام المنصوص عليه في المادة 167 من قانون المحاكم الإدارية والمادة 46 من قانون 22 يوليو 1889 الذي يفرض على المفوض ضرورة إعداد رأيه القانوني عن المنازعة، ولقد تأكد هذا الموقف في حكم ( Adrasse ) حيث ألغى المجلس الحكم المطعون فيه معتبرا مسلك المفوض الذي انطوى على ترك الأمر لعدالة المحكمة دون الإعلان عن رأيه انتهاكا لالتزامه بإعداد تقرير وتضمينه الحل القانوني الذي يقترحه، بل أكثر من ذلك أشار المجلس إلى أن وجود علاقة شخصية بين المفوض ورافع الدعوى لا تعفيه من التزامه باقتراح حل للمنازعة وإلا وصف مسلكه بعدم المشروعية .

لقد أشارت السيدة مفوض الحكومة ( Grevisse ) انطلاقا من الحكم السابق أن أهمية هذا الالتزام الذي يقع على عاتق المفوض لا يكمن في إعلان التقرير وإنما في تسبيب الحل الذي اقترحه، هكذا يساهم التزام المفوض بإعداد رأي مسبب عن النزاع في تحقيق حسن سير العدالة، فهذا الالتزام بمثابة القاعدة الذهبية للمنطق القانوني، وهذا يعني أن الدور القضائي الذي يضطلع به مفوض الحكومة لا يقتصر على بيان الوقائع التي ينطوي عليها النزاع فقط، وإنما إنهاء دراسته باقتراح حل له وليس في مقدوره الامتناع عن تضمين تقريره رأيه القانوني .

ان مفوض الحكومة لا يستطيع الاستئناف في حكم يرى أنه لا يسند إلى أساس قانوني سليم، وهو ما تم التأكيد عليه من قبل مجلس الدولة ذاته في حكمه الصادر في أول ماي سنة 1931.

أن مفوض الحكومة يبتدئ دوره من حيث انتهى العضو أو المستشار المقرر، فيستلم مفوض الحكومة ملف الدعوى كاملا بما فيه تقرير المقرر ويقوم بدراسة وافية.

ينبغي أن يتوصل مفوض الحكومة بملفات النزاع أو الدعوى في ظرف ثمانية أيام على الأقل قبل انعقاد الجلسات، وعندما يتوصل بالتقرير ويطلع عليه يكون واجبا عليه إجراء مقابلة مع المقرر في حالة رسم أو وضع حل مخالف لتصور هذا الأخير.

ويتدخل مفوض الحكومة شفاهية ليعلن عن رأيه الذي انتهى إليه من دراسته لملف النزاع متمتعا بكامل الحرية والاستقلال

ولا يغير من ذلك لجوء المفوض إلى قراءة ما انتهى إليه في الجلسة العلنية من ورقة قام بكتابتها، وهو وإن كان يكتب رأيه في أغلب الأحيان، فإن ذلك لا يكون إلا اختيارا منه دون أن يكون ملزما بكتاباته، والبعض يرى أن القيمة الفقهية التي تتمتع بها آراء المفوض هي التي تجعله يدونها كي يتم نشرها في المجلات والدوريات القانونية.

أن مفوض الحكومة لا يتقيد بالقاعدة التي تفرض على القاضي عدم النظر فيما لم يتم إثارته من جانب أطراف الخصومة طالما لم يتعلق الأمر بالنظام العام، فيستطيع أن يبحث أمورا لم تتم إثارتها من قبل الأطراف.

تعتبر مذكرات مفوض الحكومة جزءا لا يتجزأ من إجراءات الدعوى، هذه المذكرات هي التي تعطي للجلسة العلنية قيمتها، فهي نوع من الحكم يسبق الحـكـم (Pré-jugement)، فالمفوض يستعرض عناصر القضية محولا كل منها إلى حيثيات يضيفها إلى ما يراه من حيثيات قانونية، جاعلا من الكل مشروع حكم يكون مائلا أمام المحكمة التي تحيل فيه نظرها إمعانا وتقديرا، وهنا يكمن الطابع الخاص بالإجراءات أمام القضاء الإداري، ذلك الطابع الذي يكشف عن سر المداولة المزدوجة والتي تبدأ بانتهاء الإجراءات التواجهية بمداولة باطنية، فالمفوض يبحث في تفصيلات كل حالة ابتداءا من المبدأ الأساسي إلى أبسط التفاصيل، وبهذا العمل يشترك مع القاضي حيث يقوم بتصنيف القضية وتكييفها من الناحية القانونية، والرؤية العلمية لقضية من القضايا تتوقف على هذا التكييف الذي يتأثر بمنطق المفوض الساعي من ورائه إلى حمل المحكمة على السير في نفس الاتجاه الذي سار فيه.

إن مفوض الحكومة في حقيقة الأمر هو مفوض قانون، ومشروع الحكم الذي يقترحه غالبا ما تتبناه المحاكم الإدارية، الشيء الذي جعل الكثير من الفقهاء – يرون أن المفوض هو بمثابة قاضي أول درجة.

ثمة ملاحظة أخيرة وهي أن المفوض ليس له صوت معدود في المداولات فقد سبق أن أبدى رأيه، ولا يصدر الحكم إلا في جلسة مقبلة.

نخلص إذن إلى أن تحضير الدعوى الإدارية في فرنسا يتولاه (المقررle Rapporteur (الذي تحال عليه الدعوى من رئيس القسم الفرعي، أما دور المفوض فهو لا يتعدى عرض الحل الذي يراه في الجلسة العلنية المحددة بعد الانتهاء من تحضير الدعوى بمعرفة المقرر وإعداده مشروع الحكم، وعليه، لا يلعب المفوض أي دور في مرحلة تخضير الدعوى أو تهيئتها للمرافعة، وتلعب مذكرات المفوضين الحكوميين دورا كبيرا في توجيه الأحكام القضائية نحو الوجهة الصائبة نظرا لما تحتويه من مبادئ و اتجاهات  قانونية بالغة الأهمية، الأمر الذي حدا بمجموعة من الدول بالأخذ بهذا النظام في أنظمتها القضائية.

 

 

المطلب الثاني: نظام مفوض الدولة بمصر: الخاصية العربية الاسلامية

 

أنشأ نظام هيئة مفوض الدولة بموجب القانون رقم 165 لسنة 1955 ومهمة مفوض الدولة هي إبداء الرأي المحايد في الدعوى الإدارية، وقد بينت المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور طبيعة عمل هيئة المفوض بقولها:

“إن مهمة هاته الهيئة أوضحتها المواد من 27 إلى 34 وتقوم على أغراض شتى منها تجريد المنازعات الإدارية من لدن الخصومات الفردية باعتبار أن الإدارة خصم شريف لا يبتغي إلا معاملة الناس جميعا طبقا للقانون على حد سواء ومنها معاونة القضاء الإداري من ناحيتين، إحداهما: ان يرفع عن القضاء عبء تحضير القضايا وتهيئتها للمرافعة حتى يتفرغ للفصل فيها، والأخرى تقديم معاونة فنية ممتازة تساعد على تمحيص القضايا تمحيصا يضيء ما اظلم من جوانبها ويحلى ما غمض في وقائعها برأي تتمثل فيه الحيدة لصالح القانون” وتتفرع على ذلك ان هيئة مفوض الدولة تعتبر أمينة على المنازعة الإدارية وعاملا أساسيا في تحضيرها وتهيئتها للمرافعة وفي إبداء الرأي القانوني المحايد لها.

 

اختصاصات هيئة مفوض الدولة:

لقد حددت اختصاصات هيئة مفوض الدولة بموجب القانون 165 لسنة 1955 من المواد 27 إلى 34 في المجالات التالية:

– النظر في طلبات المساعدة القضائية.

– تحضير الدعوى الإدارية حتى تجعلها صالحة للحكم فيها.

– تسوية النزاعات الإدارية بين الأطراف وديا على أساس المبادئ القانونية التي استقر عليها قضاء المحكمة الإدارية العليا.

-الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا متى رأت وجها لذلك بعد موافقة رئيس هيئة مفوض الدولة.

والملاحظ ان المفوض في النظام المصري وعلى خلاف كل من النظام الفرنسي والمغربي جمع بين مهمة تحضير الدعوى الإدارية وبين إبداء الرأي القانوني في جميع القضايا التي تعرض على مجلس الدولة وبذلك يعد المفوض بحق حجر الزاوية في سير الدعوى الإدارية والمحور الأساسي الذي يتوقف عليه نجاح القضاء الإداري.

وفي ذلك يقول الدكتور محمد فؤاد مهنا “ولا نخطئ إذا قلنا ان نجاح النظام الجديد لمجلس الدولة كهيئة قضاء إداري أو فشله إنما مرده في الحقيقة إلى نجاح هيئة مفوض الدولة أو فشلها في أداء رسالتها”.

1-إعداد التقرير:

 متى إنتهى المفوض من تحضير الدعوى واستكمال أوراقها وتهيئتها للمرافعة قام بإعداد تقرير يحدد فيه وقائع الدعوى والمسائل القانونية المثارة ثم استخلاص الرأي القانوني المناسب وهو هنا يقوم بدور مفوض الحكومة في فرنسا.

2-تحضير الدعوى الإدارية وتهيئتها للمرافعة:

تقضي المادة 57 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 بأن تتولى هيئة مفوض الدولة تحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة، ولمفوض الدولة في سبيل تهيئة الدعوى الاتصال بالجهات الحكومية المعنية للحصول على ما يكون لازما من بيانات وأوراق، باستدعاء ذوي الشأن لسؤالهم عن الوقائع التي يرى لزوما تحقيقها أو إدخال شخص ثالث في الدعوى أو تكليف ذوي الشأن بتقديم مذكرات أو مستندات تكميلية وغير ذلك من إجراءات التحقيق، والغاية من ذلك هو رفع عبء تحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة عن القضاء حتى يتفرغ للفصل فيها، والملاحظ ان دور المفوض في المنازعة الإدارية يعتبر دورا إيجابيا يتمثل في الهيمنة على المنازعة وتوجيهها الوجهة السليمة حتى تصبح صالحة للحكم فيها.

 

3-تسوية النزاع وديا بين أطراف الخصومة:

تقضي المادة 28 من القانون 47 لسنة 1972 أن لمفوض الدولة أن يعرض على الأطراف تسوية النزاع على أساس المبادئ القانونية التي استقر عليها قضاء المحكمة الإدارية العليا خلال اجل يحدده، فإذا ما تمت هاته التسوية تحرر في محضر موقع عليه بين الخصوم أو وكلائهم ويكون لهذا المحضر قوة السند التنفيذي وتعطى صورة منها للأطراف وفق القواعد المقررة لإعطاء صور الأحكام.

وحول أهمية نظام مفوض الدولة بمصر يقول د.النجار “ان التنظيم الذي أتى به المشرع المصري لهيئة مفوض الدولة هو تنظيم مبتكر من أساسه لم يحاول المشرع فيه تقليد النظام الفرنسي كما جرت على ذلك العادة في اغلب التنظيمات التي لها أصل فرنسي، وانما ابتدع نظاما أصيلا يناسب ظروفنا الخاصة ويجمع بين مزايا نظام المقرر ونظام مفوض الحكومة في فرنسا مع سلطات أوسع في سبيل تهيئة الدعوى”.

 

 

المبحث الثاني: نشأة المفوض الملكي بالمغرب

 

انطلاقا من كون المشرع الفرنسي يعتبر المادة الخام أو الخزان القانوني للمشرع المغربي وذلك لعدة اعتبارات تاريخية وسياسية، ونظرا كذلك للتطور الذي سار عليه نظام المفوض الحكومي بفرنسا، ونظرا للتطور العام داخل المغرب واتجاه إرادة الإدارة السياسية -على حد تعبيرها – إلى القطع مع تسلط وتعسف السلطات الإدارية وحماية المواطنين من التجاوزات التي قد يتعرضون لها في تعاملهم مع الإدارة. [6]

إضافة الى التطور الملحوظ للقضاء الإداري بالمغرب وكدى نظرا للأسباب الخارجية المتمثلة في هاجس الديمقراطية وحقوق الإنسان والتي تعتبر من الانشغالات الأساسية لبعض المنظمات الدولية كمنظمة هيومان رايس ووتش التي قامت بحملات واسعة في هذا المجال، وباعتبار المغرب جزءا لا يتجزأ من المنظومة الدولية فرض على المشرع المغربي الانفتاح أكثر على النظام الغربي، خاصة الفرنسي نظرا للروابط التاريخية كما أشرنا، كل ذلك شكل دوافع أساسية لإنشاء المحاكم الإدارية وإحداث نظام المفوض الملكي.

ولدراسة المفوض الملكي بالمغرب لابد من التطرق الى مركزه القانوني (المطلب الاول) والاطلاع عل وضعيته الإدارية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: المركز القانوني للمفوض الملكي.

إن تبيان المركز القانوني للمفوض الملكي يتطلب اولا قراءة في تسميته (الفقرة الاولى) ثم القيام بمقارنة بينه وبين النظم المشابهة له (الفقر الثانية).

الفقرة الأولى: قراءة في تسمية المفوض الملكي

إن الهدف المعلن من وراء إنشاء المحاكم الإدارية هو إرساء دولة القانون والحق، واعتبار مؤسسة المفوض الملكي ضمانة حقيقية للمتقاضين في مواجهة الادارة.

إلا انه ما يلفت الانتباه في القانون المحدث للمحاكم الإدارية هو الخروج عن المألوف وعن كافة الأنظمة المقارنة فيما يتعلق بالتسمية، إذ أن المصطلح الذي اختاره المشرع المغربي يثير العديد من التساؤلات، فمصطلح مفوض الحكومة في فرنسا كان في بداية الأمر يدافع عن الحكومة كما سبقت الإشارة إلى ذلك، قبل أن يتجه اليوم إلى حماية حقوق الأفراد من تعسف الإدارة، ومصطلح مفوض الدولة بمصر يعتبر تفوق رائد للمشرع المصري.

أما مصطلح المفوض الملكي فقد اعتبرها البعض -ونحن مع هذا الاتجاه -تسمية غير موفقة لان استقلال القضاء بشكل عام هو من الاستقلال الفعلي لمثل هذه الأجهزة عن الحكومة وعن كل سلطة، خصوصا إذا كانت هذه السلطة أصلا غير خاضعة للمساءلة والمحاسبة – حتى وان كنا نتحدث فقط على التسمية -لان هذه التسمية لها بالغ التأثير في مجرى الدعوى الإدارية وتوحي بالتبعية.

 في الواقع لقد تم اختيار مصطلح المفوض الملكي بعد خطاب الملك الذي أكد فيه: “عدم الإبقاء على مؤسسة النيابة العامة في المنازعات الادارية واستبدالها بهذا النظام، والذي عليه ان يضع حدا لكل اتصال مع الإدارات والتعليمات الإدارية”.

كان بإمكان المشرع الاستفادة من القانون الفرنسي أو المصري ومن اقتراحات أصحاب الاتجاه المتحدث عنه واختيار مصطلح أكثر دقة كمفوض الدولة أو مفوض الشعب.

الفقرة الثانية: تميزه عن غيره من الانظمة المشابهة

المفوض الملكي هو رجل محايد يمثل القانون ويدافع عن الحق، وهذا الحياد الذي يتصف به هو حياد تام لصالح القانون، فلا يمكن أن يمثل أحد من أطراف المنازعة ولا يمثل مصلحة شخصية بل يهدف إلى تحقيق مبدأ الشرعية وسيادة الحق والقانون، إلا أن هذه الميزة لا ينفرد بها وحده وهو ما يدفعنا لتبيان طبيعة نظام المفوض الملكي عبر التمييز بينه وبين النظم المشابهة:

1/ المفوض الملكي والفقيه.

إن مذكرات المفوض الملكي وتقاريره في القضايا تشبه إلى حد كبير المؤلفات الفقهية والتقارير والمذكرات التي تتناول النظريات القانونية والمشكلات العملية في كون كلا هما يعطيان الحلول العلمية لها.

وقد كتب الأستاذ جيز[7] عن تعاون مجلس الدولة والفقه في استنباط قواعد القانون الإداري الفرنسي إذ اعتبر جيز مفوض الحكومة: بالمفسرين الرسميين لقضاء مجلس الدولة، وأنه بقدر ما يكون وصف المظاهر الخارجية لمهمته سهلا ميسرا بقدر ما يكون وصف سير العمل الداخلي الذي يقوم به مفوض الحكومة عسيرا.

إن هذا التشابه ينبثق من كون المفوض الملكي يراعي منطق التوازن بين المصلحة العامة المتمثلة في حسن سير المرافق الإدارية والمصالح الخاصة، أما أوجه الاختلاف فتكمن في كون تقارير المفوض الملكي تتضمن الحلول العملية المناسبة التي تتماشى مع الواقع ومع القانون، أما الفقيه فيعمل في نطاق الحياة النظرية بحيث انه حتى ولو كانت الحلول التي يبتكرها تتفق مع القانوني السليم إلا انها تصطدم بالواقع العملي، من جهة أخرى يبقى مجال كل منهما مستقل تماما عن الأخر.

2/ المفوض الملكي وقاضي الحكم.

جاء في الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون المحدث للمحاكم الادارية 90-41 مايلي: ” وتسري على قضاة المحاكم الادارية أحكام الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 1.74.467 الصادر في 26 شوال 1394 (11نونبر 1974) بتحديد النظام الأساسي للقضاة، مع مراعاة الأحكام الخاصة الواردة فيه باعتبار خصوصية المهام المنوطة بقضاة المحاكم الإدارية “[8].

اذن ما ومن المقصود بهذه الخصوصيةِ؟

فكما هو واضح ليست هناك خصوصيات معينة للقاضي الإداري عن تلك التي للقاضي العادي، فيتضح اذن أن الخصوصية المتحدث عنها تعني المفوض الملكي على اعتبار انه يقوم بدور خاص في المنازعات الإدارية.

ومن أهم الفوارق بين المفوض الملكي وقاضي الحكم ما يلي:

1-المفوض الملكي لا يعتبر عضو بالهيئة المصدرة للحكم وان كان حضوره وجوبيا[9]، أما القاضي المقرر فهو عضو بالمحكمة –هيئة الحكم – وله صوت معدود إلى جانب قاضيين آخرين المكونين للهيئة.

2-قرارات المفوض الملكي لا تعتبر من القرارات الصادرة عن المحكمة مثل قرارات القاضي المقرر.

3-القاضي المقرر لا يبدي رأيه في الدعوى قبل حجزها للمداولة عكس المفوض الملكي الذي يقدم تقارير يضمنها الرأي القانوني الذي يراه مناسبا أثناء الجلسات.

3/ المفوض الملكي وممثل النيابة العامة.

يقع الكثير في الخلط بين مؤسسة النيابة العامة والمفوض الملكي إلا أن الاختلاف بينهما شاسع بكافة المقاييس، فالنيابة العامة جهاز فريد ولها صلاحيات كثيرة، من تحريك الدعوى ومتابعتها، ومراقبة مراكز الاعتقال الاحتياطي والسجون والتدخل في الدعاوى كطرف أصلي آو منظم…. فثمة اختلاف كبير بين المفوض وممثل النيابة العامة هذا الأخير يستمد رأيه من وكيل الملك او من الوكيل العام للملك ولا يجوز له مخالفة هذا الرأي باعتباره وكيلا له، أما المفوض الملكي لا يعد وكيلا لأحد، كما أن أعمال المفوض الملكي جميعها ذات صفة قضائية على العكس من أعمال النيابة العامة فهي ليست جميعها كذلك إذ لها أعمال إدارية كمراقبة السجون مثلا.

كما أن المفوض الملكي لا يعد طرفا في الدعوى لا أصليا ولا منظما عكس عضو النيابة العامة الذي يعد طرفا في الدعوى.

إلا أن الخلط آو التداخل يتجلى أكثر في الغرفة الإدارية بمحكمة النقض، هل ممثل الحق والقانون بها والمشار إليه في الفصل 327 من ق.م.م هل هو المفوض الملكي آو ممثل النيابة العامة. [10]

من جهة أخرى فالنيابة العامة تملك حق الطعن وهو ما لا يملكه المفوض الملكي عكس مفوض الدولة في مصر والذي يملك إلى جانب ذلك حق تسوية النزاع وديا، أما جوانب الالتقاء بين المفوض الملكي وممثل النيابة العامة فتتجلى أساسا في كون كلاهما يسهران على حسن سير تطبيق القانون وإحقاق الحق، إلا أن لكل واحد اختصاصاته وصلاحياته وذاتيته المستقلة الخاصة به دون أن تمتد إليه من أي نظام أخر، مما يجعل المفوض الملكي يتمتع بخصوصية ذاتية في مركزه القانوني.

 

المطلب الثاني الوضع الإداري للمفوض الملكي

كي يعتبر إحداث المحاكم الإدارية بحق إصلاحا قضائيا ناجعا لابد للتصدي للقرارات المجحفة الصادرة عن الإدارة الماسة بحقوق الأفراد، ولتحقيق ذلك لابد للمفوض الملكي من وضعية إدارية مستقلة ومضبوطة وواضحة تساهم في صدور الأحكام بشكل سريع وعاجل بداية من تعيينه، إلى إمكانية تجريحه (الفقرة الأولى) وكذا استقلاليته وضبط علاقته برئيس المحكمة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تعيين وتجريح المفوض القضائي

يتم تعيين المفوض الملكي من طرف رئيس المحكمة (أولا) ويتم التجريح فيه طبقا لقواعد المسطرة المدنية مما يعرض الحكم الذي شارك فيه للبطلان (ثانيا).

 

أولا) التعيين

 تنص الفقرة الأخيرة من المادة الثانية من قانون احداث المحاكم الإدارية على أن الرئيس يعين من بين القضاة مفوضا ملكيا آو مفوضين ملكيين للدفاع عن القانون والحق باقتراح من الجمعية العمومية لمدة سنتين.[11]

نفس الشيء سار عليه قانون إحدات محاكم الاستئناف الإدارية رقم 03.08 :” يعين  الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية من بين المستشارين مفوضا ملكيا  أو أكثر للدفاع عن القانون والحق باقتراح من الجمعية العمومية لمدة سنتين قابلة للتجديد”

  فالمفوض الملكي هو قاضي من بين قضاة المحكمة قبل تعيينه لمهمته تلك، هذا التعيين الذي يتم باقتراح من الجمعية العمومية سواء في دورة عادية آو استثنائية يقدم لرئيس المحكمة الذي منحه المشرع حق تعيين المفوض وبالتالي لا يمكن لأي جهة أن تعينه آو أن تعفيه سواء كان وزير العدل أو حتى المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

وبما أننا نتحدث عن تجاوز السلطة ماذا لو قام الرئيس بهذا التعيين بشكل فيه تجاوز يعرضه للطعن للشطط في استعمال السلطة طالما هو إجراء إداري؟

يرى البعض أن ذلك يدخل في إطار التنظيم الداخلي فلا يدخل ضمن القرارات الإدارية المستوفية لجميع شروط ومقومات القرار الإداري[12] القابلة للطعن بالإلغاء لتجاوز السلطة.

إن تعيين المفوض الملكي يختلف عن تعيين مفوض الحكومة في فرنسا الذي يعين بمرسوم من رئيس الوزراء بناء على اقتراح من وزير العدل مع مراعاة الخبرة الطويلة، كما يختلف عن مفوض الدولة في مصر الذي يعين بقرار من الرئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس الخاص بالشؤون الإدارية لمجلس الدولة. [13]

ويمكن تعيين أكثر من مفوض واحد بالمحكمة، وفي هذه الحالة قد تكون هناك ازدواجية الصفة لذا بعض القضاة بحيث قد يكون قاضيا في قضية ومفوض ملكي في أخرى داخل نفس المحكمة مما يعرض القضايا التي يشارك فيها للتجريح.   

ثانيا) التجريح

ان المفوض الملكي حتى وان كان له دور حيادي ويدافع عن الحق والقانون، فمثله مثل النيابة العامة يمكن تجريحه[14] لان العلة التي يقوم عليها التجريح متوفرة في كل من ممثل النيابة العامة وفي المفوض الملكي، لكونه يعد تقريرا يضمنه رأيه ولو انه غير ملزم وبمثابة ملاحظة إلا انه قد يكون له تأثير على اتجاه المحكمة وهو ما نصت عليه المادة السادسة من قانون 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية والتي تحيل على قواعد التجريح الواردة في قانون لمسطرة المدنية.

ومسالة التجريح تثير نقاشا بين رأيين مختلفين: الأول يقول بعدم خضوع المفوض الملكي لقواعد التجريح لكونه لا يبدي إلا رأيا استشاريا غير ملزم للمحكمة، أما الرأي الثاني فيستند إلى كون تقرير المفوض الملكي وان كان غير ملزم فهو لا شك يؤثر على المحكمة.[15] كما انه بدون إيداع مستنتجاته يبطل الحكم الصادر في الدعوى.

ورغم وجاهة كلا الرأيين فقد ذهب اغلب الفقه والاجتهاد القضائي إلى تغليب الرأي الثاني على اعتبار أن المفوض الملكي هو جزء من المحكمة والتجريح فيه يتم باعتباره قاضيا[16] وله تأثير كبير على اتجاه المحكمة، إذن يجوز التجريح في المفوض الملكي من طرف المتقاضين، ويبلغ إليه التجريح ليصرح خلال عشرة أيام كتابة بموافقته على التجريح آو رفضه له، ويحال طلب التجريح إذا تعلق الأمر بمفوض ملكي من المحكمة الإدارية خلال 3 أيام من جوابه أو سكوته إلى محكمة الاستئناف الإدارية لتبت فيه خلال 10 أيام  بعد الاستماع إلى إيضاحات الطرف المجرح و القاضي الجرح، وإذا كان يتعلق الأمر بمفوض ملكي بمحكمة الاستئناف الإدارية  فالنظر في الطلب يعود لنفس المحكمة (طبقا للمادة 296من قانون المسطرة المدنية)  .

عموما وطبقا لما هو وارد في قانون المسطرة المدنية يجوز تجريح كل قاض كيفما كان نوع المحكمة والعمل القضائي الذي يقوم به حيث أن كلمة قاضي واردة على إطلاقها.[17]

الفقرة الثانية: استقلالية المفوض الملكي

إن استقلالية القاضي عند ممارسته لمهامه يجد أساسه في دستور البلاد، حيث تم التنصيص على استقلالية القضاء وتم اعتباره سلطة قائمة بذاتها على غرار السلطة التنفيذية والتشريعية، من جانب اخر هذا لا يعني استقلال المحاكم الإدارية عن المحاكم العادية حيث أنهما يخضعان لنفس الهيئة القضائية المتمثلة في مجلس النقض، ويعملون جميعا تحت إشراف الرئيس الأول بالمجلس الأعلى بشكل هرمي بما فيهم المفوض الملكي.

فالقاضي الإداري يخضع لسلطة رئيسه المباشر من الناحية الإدارية، أما من الناحية القضائية أي من خلال نظره في الدعاوي وإبداء أرائه فليست هنا أي تبعية، حيث لا يمكن أن يتلقى أوامر من اجل إصدار نوع معين من الأحكام آو تلقي تعليمات بشأن التعامل مع ملف معين.

وفي إطار الحديث عن استقلالية المفوض الملكي يثار إشكال فيما يتعلق بالعلاقة بينه وبين رئيس المحكمة خصوصا بعد تعديل المادة 19 من النظام الأساسي لرجال القضاء، ففي بحث أجراه الأستاذ محمد القصري لاحظ انه طرأ على المادة المذكورة بعد التعديل تغير تام غير مضمونها، في حين ظل مضمون النص بالفرنسية نفسه، وبذلك كان الرؤساء يمارسون رقابتهم على قضاة الأحكام أصبحوا بعد التعديل يمارسون رقابتهم على قضاة المحاكم حيث تم الخلط بين كلمتي الأحكام والمحاكم ولم يكونا هما موضوع التعديل على ما يبدو، لان النص الفرنسي ظل كما هو  وكلا النصين منشور بالجريدة الرسمية، وهو ما يثير التساؤل أي نص يجب العمل به ؟

عموما فالمفوض الملكي خارج الدعوى الإدارية يكون مرؤوسا للرئيس وداخل الدعوى الإدارية يعتبر شخصا مستقلا بذاته لا يخضع لآي املاءات.

وستتضح لنا هذه الاستقلالية النسبية أكثر من خلال تناول الاختصاصات التي خصه المشرع بها (الفصل الثاني).

 

 

الفصل الثاني: مهام المفوض القضائي وتقييم عمله.

ان معرفة مدى نجاح نضام ما في تحقيق الاهداف التي انشئ من اجلها لا يتأتى الا من خلال الوقوف على ما حققه من نجاح، وذلك يستلزم الالمام أولا بمهام المفوض الملكي (المبحث الاول) ومن تم الالمام بمدى الإيجابيات التي حققها، وكذلك مدى ما لحقه من سلبيات (المبحث الثاني).

المبحث الاول: الاختصاصات والمسطرة.

خص المشرع المغربي المفوض الملكي باختصاصات محددة مما ميزه عن دور النيابة العامة سواء بالمحكمة الادارية (المطلب الاول) او بمحكمة الاستئناف الادارية (محكمة الاستئناف الادارية).

المطلب الاول: مسطرة عمل المفوض الملكي بالمحكمة الادارية.

تتجلى مهام المفوض الملكي أولا في الوسائل التي منحها إياه المشرع لمباشرة اختصاصاته بدءا بحضور المفوض الملكي جلسات المحكمة مرورا بعرضه لآرائه المكتوبة والشفهية أي المستنتجات، وصولا إلى الممارسة القضائية أو ازدواجية المهام المتوصل اليها.

الفقرة الأولى: حضور الفوض الملكي لجلسات المحكمة

من خلال الاطلاع على صياغة الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون 41.90 والمتعلق بالمحاكم الإدارية نجد أن المشرع أكد على إلزامية حضور المفوض الملكي للدفاع عن الحق والقانون جلسات المحكمة الإدارية.

كما نصت أيضا على ما يلي “… ويجب أن يحضر الجلسة المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق”.

لقد استهل المشرع الفقرة الثانية بصفة الوجوب والتأكيد دون التنصيص على البطلان صراحة عند تخلف المفوض الملكي عن حضور إحدى جلسات المحكمة، وللقول ببطلان الحكم الذي لا يشير إلى حضور المفوض جلسة المحكمة الإدارية يجب معرفة أية جلسة بالضبط يقصدها المشرع.

فإذا تعلق الأمر بالجلسة التي تكون فيها القضية جاهزة وبالتالي حجزها للمداولة فلا شك أن حضور المفوض الملكي ضروري لتقديم رأيه في القضية شفويا أو كتابيا على أن هذا الدور هو الغاية الأساسية من وجود هذه المؤسسة.

أما إذا اقتصر الأمر على جلسة للنطق بالأحكام فيبدو ان حضوره غير مجد انطلاقا من إعتباره مجرد مستمع، ولا يحق له أن يستأنف أحكام المحاكم الإدارية ولا أن يطعن فيها بأي طريق آخر من طرق الطعن، هذا بالإضافة بأنه لا يمثل لا إدارة ولا أفرادا، فهو إن صح القول ممثل القانون وما دام ليس من حقه الطعن لفائدة القانون فلا جدوى من حضوره الجلسات المخصصة للنطق بالأحكام[18]، عكس ما سار عليه المشرع المصري الذي اعطى له صلاحية الطعن في الاحكام، مما قوى دوره وحضوره بجلسات النطق بالحكم ورتب على عدم حضوره البطلان.

الفقرة الثانية: عرض المفوض الملكي لمستنتجاته المكتوبة والشفهية

لقد نصت الفقرة الثالثة من المادة الخامسة السالفة الذكر من قانون 41.90 أنه “يعرض المفوض الملكي للدفاع عن الحق والقانون آراءه المكتوبة والشفهية على هيئة الحكم بكامل الاستقلال…” ويعبر عن ذلك في كل قضية من القضايا المعروضة على المحكمة بالجلسة العامة، ويحق للأطراف أخذ نسخة من مستنتجات المفوض الملكي بقصد الإطلاع.

وما يلاحظ على هذه المادة هو استعمالها لمفهومين مختلفين للتعبير عن التقرير الذي يعده المفوض الملكي وهي (آراءه) و(مستنتجاته) وهكذا نجد ان الرأي هنا مرتبط أكثر بالتعبير عن التفكير الذاتي والشخصي الناتج عن دقة الملاحظة بينما المستنتجات فهي مرتبطة اساسا بالمستخلصات والاستنتاجات التي تبرز من خلال الاجتهادات والمقارنات والقياسات القانونية والواقعية.

لكن عندما قررت المادة الخامسة عرض المفوض الملكي لآرائه ومستنتجاته المكتوبة والشفهية بكامل الموضوعية على هيئة الحكم من اجل تبيان القانون الواجب تطبيقه على المنازعة الإدارية، لم يتم تحديد شكل هذه المستنتجات أو محتواها، وما هي طبيعتها وعلاقتها بالحكم، وهل لدى المفوض الملكي الإمكانية للإكتفاء بتأكيد ما ورد في التقرير الكتابي دون تلاوته، علاوة على ما مدى إمكانية التعقيب من طرف أطراف الدعوى.

ففيما يخص الشكلية التي تجب أن تقوم عليها مستنتجات المفوض الملكي، وبالرجوع الى مقتضيات المادة 50 من ق.م.م نرى ان هناك شكليات وبيانات من الواجب احترامها في كل حكم قضائي تحت طائلة البطلان، وتتجلى بالأساس في صدوره بجلسة علنية وباسم جلالة الملك وإشتماله على اسم القاضي أو الهيئة التي أصدرته، وأسماء وصفات ومهن وموطن إقامة الأطراف، والإشارة بإيجاز لوسائل دفاعهم، والمناقشات الواقعة، وتعليل الأحكام الصادرة، وتسليم نسخة للأطراف من منطوقها، وتوقيعها من طرف رئيس الجلسة والقاضي المقرر وكاتب الضبط..[19]

ويرى البعض أن عدم تحديد شكليات المستنتجات أمر إيجابي لمنح حرية أكثر للمفوضين الملكيين حول كيفية صياغة مستنتجاتهم دون التقيد بشكليات معينة.

فقياسا على القواعد اللازم احترامها في الأحكام المنصوص عليها آنفا بالإضافة إلى تطبيق القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية طبقا للمادة 50 السابقة وحسب المادة 7 من قانون 41.90 يستنتج البعض[20] أنه طالما تعلق الأمر بطلبات ومقترحات مقدمة من طرف المفوض الملكي إلى المحكمة ينبغي أن تتخصص في شكلياتها (رقم القضية وكل ما يتعلق بالأطراف ودفاعهم ووقائع الدعوى مع استعراض الاشكاليات القانونية المعروضة للمناقشة والقواعد الواجبة التطبيق علاوة على التعريف بالرأي القانوني المعروض للمناقشةن والقواعد الواجبة التطبيق مع التعريف بالرأي القانوني المعلل).

وفيما يخص أيضا مضمون وجوهر هذه المستنتجات فإن الهدف من تقديم المفوض الملكي لها هو مساعدة الهيئة القضائية على الإهتداء إلى الحل الراشد والعادل للنزاع الإداري المعروض عليها، وحتى يتمكن من العرض السليم لهذه المستنتجات يجب عليه تتبع خطوات قبل اقتراحه الحل القانوني لنزاع، استعراض الاشكالية والإحاطة بجوانبها القانونية والواقعية، وأن يبين للمحكمة الاجتهادات القضائية السابقة في الموضوع حتى يضمن بذلك استقرار العمل القضائي بالمحكمة.[21]

بالنسبة لطريقة تقديم المفوض لمستنتجاته: ورد بالمادة الخامسة على أنه يعرض آراءه المكتوبة والشفهية…، أي أنه بمجرد ما تصبح القضية جاهزة للحكم سواء أثناء انعقاد الجلسة العلنية أو بعد صدور أمر بالتخلي من قبل المقرر وتعيين القضية في آخر جلسة علنية تعطى آخر كلمة للمفوض الملكي للتعبير عن وجهة نظره بواسطة مستنتجاته.

وعليه فرغم استعمال المشرع عبارة الآراء الكتابية والشفهية فليس من الضروري أن يدلي المفوض الملكي بآرائه الشفهية في كل ملف، وهو ما يجري عليه العمل بالمحاكم الإدارية المغربية.

وبالنسبة لمسألة إثارة الدفوع: فعلى اعتبار أن الدفوع المتعلقة بالنظام العام واجبة الدفع في كل مراحل الدعوى الإدارية ومن أي كان، يجوز بل ويجب على المفوض الملكي الدفع بها، غير أن الخلاف يبقى قائما فيما يخص دفع المفوض الملكي بدفوع لا علاقة بها بالنظام العام.

وبالنسبة لمسألة تعقيب الخصوم على ملاحظات المفوض الملكي: فالأمر محسوم فقهيا أي لا يحق لهم التعقيب عليها باعتبار أن المفوض الملكي لا يعتبر طرفا في النزاع كما أشرنا سابقا، ومحسوم قضائيا حيث جرى عمل المحاكم الإدارية بعد إلقاء المفوض الملكي لتقريره يقفل باب المرافعة، فلا يقبل تقريره أي مناقشة أو تعقيب حيث يرفض رئيس الهيئة إعطاء الكلمة للأطراف أو ممثليهم الذين يرغبون أحيانا في التدخل للتعقيب على آراء المفوض الملكي.

ومن حيث تصرف المفوض الملكي في بسط آرائه، فلا تحتوي المواد على ما يبين إلزامية وقوف المفوض الملكي لبسط مستنتجاته من عدمها، لكن جرت العادة تقليدا لهيئة مفوضي الحكومة بفرنسا بوقوف المفوضين للإدلاء بآرائهم نظرا لما يضفي ذلك من قيمة على علينة الجلسات ولما فيه من تقدير واحترام لهيئة الحكم.

وفيما يخص علاقة المستنتجات بالحكم فحسب منطوق المادة الخامسة فهذه المستنتجات تعتبر جزءا لا يتجزأ من الحكم الذي يصدر في الدعوى، ومن تم فعدم تضمين الحكم لمستنتجات المفوض الملكي يعد خرقا مسطريا ويجعل الحكم باطلا، فلابد من وضع هذه المستنتجات بالحكم باعتبارها إجراءات جوهرية[22]، ونؤكد من ناحية ثانية أن هذه المستنتجات غير ملزمة لهيئة الحكم، ففي حكم صادر عن إدارية الرباط بتاريخ 24/2/2010 لم تركن هيئة الحكم إلى رأي المفوض الملكي بإجراء بحث تكميلي للتأكد من الأسباب والوسائل التي قام المدعي بتوضيحها بمقال الدعوى من خلال استدعاء بعض أعضاء لجنة التأهيل الجامعي، فجاء حكمها (على أن استناد الطاعن على شهادة الدكتوراه الحاصل عليها ومجموعة المقالات التي سبق أن ألقاها غير كافي لإثبات انحراف لجنة التأهيل في استعمال سلطتها لانتقائه لاجتياز اختبار التأهيل الجامعي خاصة وأنه لم يثبت أن مؤهلاته ترشحه أكثر من غيره من الذين تم قبولهم).[23]

إذن فمستنتجات المفوض الملكي هي تعبير عن رأيه القانوني المكتوب والشفوي يعرضه هذا الأخير بكل الاستقلال والتجرد[24]، ولا يجوز للخصوم التعقيب عليه لأنه لا يعتبر طرفا في النزاع[25]، فلا تعقيب على مستنتجاته طالما أنه يقفل باب المناقشة والترافع بعد الاستماع إلى تقريره بالجلسة، فرأيه يظل استشاريا ولا يؤخذ به إلا على سبيل الاستئناس ولا يمكن بأي حال أن يلزم الهيئة[26].

لكن وإن كان دور مستنتجات المفوض الملكي محدودا فإنه في المقابل يمكن أن يكون حاسما في القضايا المستعصية.[27]

لذلك ينبغي أن يعرض المفوض الملكي مستنتجاته عرضا سليما من منطلق المكانة الخاصة التي يمثلها لأنه بحكم موقعه يملك تنوير هيئة المحكمة استجلاء للحقيقة لتحري الدقة في كل ما يصدر عنه من أقوال وأفعال.[28]

ان التأملات الفكرية التي يخوضها المفوض الملكي المغربي وأبحاثه في مجالي الاجتهاد القضاء والفقهي سواء بالقانون الوطني والقانون المقارن من شأنها أن تساهم في ترسيخ تخصص القضاء وارتقاء القضاء الإداري.

ختاما نقول بأن المشرع المغربي خالف نظيره الفرنسي حينما نص هذا الأخير في الفصل 197 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية الفرنسية على وجوب تقديم مفوض الحكومة لمستنتجاته دون أن يحدد شكلها شفوية كانت أم كتابية أو هما معا.

في حين أعطى القانون المصري صلاحيات واسعة في تحضير الدعوى لمفوض الدولة، فلا يتصور أبدا أن يكون تقريره شفويا[29]، إذ ما يبديه مفوض الدولة شيء من إيضاحات بجلسة المرافعة لا يعد تقريرا بالرأي القانوني، فتقرير مفوض الدولة يكون مكتوبا باللغة العربية ليمكن مراقبته من الناحية القانونية.

المطلب الثاني: المفوض الملكي وتعدد درجة التقاضي.

رغم أن قانون محاكم الاستئناف لم يسند اختصاصات إضافية الى المفوض الملكي، الا أنه حل بعض الإشكاليات التي برزت من خلال الممارسة العملية لمهام المفوض الملكي بالمحاكم الادارية (الفقرة الاولى) إلا أن الاشكال المثار بمحكمة النقض ضل يراوح مكانه (الفقرة الثانية).

الفقرة الاولى: المفوض الملكي على صعيد محكمة الاستئناف الادارية.

رغم تشابه المواد التي تناولت مؤسسة المفوض الملكي بين قانون 90.41 و80.03 يلاحظ أن القانون المنشئ لمحاكم الاستئناف الادارية قد وضع حدا لبعض الاشكاليات التي يمكن ان تطرح على صعيد عمل المفوض الملكي لدى هذه المحكمة.

ومن خلال استقرائنا لنصوص القانون رقم 80.03 المتعلق بإحداث محاكم الاستئناف الادارية يتبين ان المشرع المغربي نص على طريقة تعيين المفوض الملكي في الفقرة الأخيرة من المادة الثانية منه[30] وأشار في المادة الثالثة إلى وجوب حضور المفوض الملكي بالجلسة، وأن صيغة الوجوب التي وردت في المادة المذكورة، توضح بأن هذه القاعدة آمرة ومن النظام العام، وأن الإخلال بها، يجعل تشكيلة الهيئة الحاكمة باطلة والقرارات الصادرة عنها باطلة أيضا.

والشيء الجديد الذي أتى به قانون 80-03 هو أن المفوض الملكي بمحكمة الاستئناف الإدارية يدلي بمستنتجاته مكتوبة إلا أنه يمكنه توضيحها شفهيا أثناء الجلسة، بحيث أن هذه الإلزامية أصبحت تنصب أساسا على الآراء المكتوبة، أما الآراء الشفهية فتبقى مسألة اختيارية بالنسبة إليه، وهذا شيء محمود أتى به المشرع، بحيث أن كثرة القضايا المعروضة بالجلسة، تجعل من الصعب على المفوض الملكي، تقديم مرافعة شفهية في كل قضية على حدة يبدي فيها آراءه التي غالبا ما تكون مطابقة لمستنتجاته الواردة في تقريره الكتابي.

ويستنتج من ذلك أن المشرع كان حكيما لما تراجع عن الصيغة التي جاءت بها الفقرة الثالثة من القانون رقم 41-90 المحدث للمحاكم الإدارية التي ورد فيها ما يلي: ” يعرض المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق آراءه المكتوبة والشفهية على هيئة الحكم …” بحيث أن هذه الصيغة تفيد الإلزام. وتطبيق هذا النص في بداية عمل المحاكم الإدارية، كان يجد فيه المفوضون الملكيون صعوبة كبيرة جدا في تقديم وعرض آرائهم الشفهية في كل قضية، خصوصا وأنه بتوالي الجلسات، أصبحت القضايا تتكاثر شيئا فشيئا مما اضطرهم في الأخير إلى الاقتصار في المرافعة الشفهية على القضايا التي تبرز فقط نقط قانونية هامة، أما بالنسبة للقضايا الأخرى، فإنهم يقتصرون عند إعطائهم الكلمة في الجلسة على تأكيد ما ورد في مستنتجاتهم الكتابية.

كما أن من أهم ما جاء به قانون رقم 80-03 بالنسبة لمؤسسة المفوض الملكي، وهو أنه أورد في الفقرة الأخيرة من المادة 3 العبارة التالية: ” لا يشارك المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق في المداولات”  و هذه العبارة جاءت واضحة وصريحة ولا تثير أي التباس أو غموض بالمقارنة مع ما كان عليه الشأن بالنسبة للقانون رقم 41-90 المحدث للمحاكم الإدارية الذي نصت الفقرة الأخيرة من المادة الخامسة منه على ما يلي : ” لا يشارك المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق في إصدار الحكم”  بحيث لم يكن يعرف المقصود بهذا المنع هل يتعلق بحضور المداولة أم بحضور الجلسة التي يتم فيها النطق بالأحكام؟

لذا فإن مشرع قانون 80-03 كان حكيما حينما وضح هذه النقطة بشكل جلي أزالت كل التباس في فهم عبارة ” إصدار الحكم ” بحيث أنه استعاض عنها  بعبارة  ” المداولة ” ، وبالتالي فإن المفوض الملكي محظور عليه المشاركة في المداولة أما حضوره في الجلسة ضمن تشكيلة هيئة الحكم، فهو إلزامي سواء كانت هذه الجلسة مخصصة لمناقشة القضايا المدرجة أو للنطق بالأحكام الصادرة فيها، إلا أننا نعتقد بأنه لا موجب لمنع المفوض الملكي من المشاركة في المداولة مادام لا يمثل أي طرف وليس من حقه الطعن في الأحكام، وأن دوره يقتصر على  الدفاع عن القانون والحق، وهو دور يمكن أن يمارسه أيضا حتى عند المشاركة في المداولة  لو أن المشرع سمح له بذلك.

الفقرة الثانية: المفوض الملكي ومحكمة النقض.

كما هو معلوم فمؤسسة المفوض الملكي المتواجدة على مستوى المحاكم الادارية ومحاكم الاستئناف الادارية غائبة على مستوى محكمة النقض، ليثار التساؤل حول حلول النيابة العامة لدى محكمة النقض محل مؤسسات المفوض الملكي في القضايا الادارية.

لقد كان من الراجح والصواب خلق مؤسسات المفوض الملكي على مستوى محكمة النقض لإعطاء دينامية جديدة في الاجتهاد القضائي المتعلق بالمجال الإداري ليعطي دعم جديد للقضاء بصفة عامة والقضاء الإداري بصفة خاصة، وكذلك تأكيدا لمبدأ التخصص الذي سار عليه المشرع المغربي بغية تحقيق النجاعة والحرفية.

 

المبحث الثاني: تقييم نظام المفوض الملكي والمشاكل المثارة بشأنه

 

بعد تناولنا لمختلف النقط المرتبطة بمؤسسة المفوض الملكي في مجالات مختلفة سواء تعلق الأمر بالمحكمة الإدارية أو محكمة الاستئناف الإدارية، يحق لنا أن نعطي تقييما شموليا لما أفرزه إحداث هذه المؤسسة داخل المنظومة القضائية والقانونية ببلادنا، على أن يشمل التقييم الجانب السلبي والإيجابي لهذه التجربة، دون إغفال إثارة مجموعة من الإشكاليات التي توزعت بين نطاق التسمية، والمجال القانوني والقضائي وأخيرا ما يهم الجانب العملي والواقعي من خلال الممارسة الفعلية لهذه المؤسسة

المطلب الأول: تقييم تجربة نظام المفوض الملكي.

الفقرة الأولى: الجانب الإيجابي.

إنه بالرغم من قلة المواد التي تنظم مؤسسة المفوض الملكي[31]، فإن إنشاء هذه المؤسسة يبقى إنجازا مهما وسابقة تاريخية تحسب للمشرع المغربي، على اعتبار أنه كسر القاعدة الثلاثية التقليدية المتمثلة في قضاء الحكم، قضاء النيابة العامة، ثم كتابة الضبط، هذه القاعدة الثلاثية التي تكون عادة هيئة الحكم إذا كان حضور النيابة العامة إلزاميا.

كما يعتبر إحداث مؤسسة المفوض الملكي طفرة نوعية في تاريخ القضاء المغربي، نظرا للخصوصيات التي تتميز بها، وهي تدافع عن القانون والحق، فقد نعتبر المفوض الملكي إلى حد ما  فقيها قضائيا من خلال سعيه إلى تجديد قواعد العمل القضائي الإداري، ومساعدة المحكمة وقضاة الحكم، وإرشادهم إلى حلول قانونية، خاصة في بعض القضايا الشائكة، والتي تستمد قوتها من الفقه والقانون المقارن، وكذا من الاجتهادات القضائية سواء تعلق الأمر بالمغرب أو بغيره من الدول الرائدة في هذا المجال، بل هناك من ذهب في إطار حديثنا عن إيجابيات مؤسسة المفوض الملكي إلى القول بأن وضعية هذه المؤسسة يدعو إلى القول بأن نجاح تجربة المحاكم الإدارية أو فشلها رهين بفشل أو نجاح هذا النظام.

الفقرة الثانية: الجانب السلبي.

نعتقد أن سلبيات مؤسسة المفوض الملكي قد تستمد عناصرها من المواد المنظمة لها سواء تعلق الأمر بالقانون المحدث للمحاكم الإدارية أو ذلك المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية، وأيضا من الممارسة العملية لهذه المؤسسة، وهكذا فنظرا لمحدودية الدور الذي تقوم به هذه المؤسسة عكس مثيلاتها في فرنسا ومصر، فقد يذهب الاعتقاد أنها مجرد آلة لعرض المستنتجات ليس إلا، وأن حذفها أو إلغاءها لن يؤثر على الدور الذي يلعبه قضاة الحكم والذين غالبا ما يصدرون أحكاما لا تتماشى مع مضمون المستنتجات، ومن هذه الأحكام مثلا: ما قضت به المحكمة الإدارية بالرباط في حكم صادر لها بتاريخ 15/04/2010 بإيقاف تنفيذ القرار الصادر عن مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة دكالة عبدة القاضي بإلغاء الترخيص النهائي لمتابعة التكوين بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط، وذلك بالرغم من مستنتجات المفوض الملكي الذي التمس الحكم بعدم الاختصاص لعدم توفر عنصري الاستعجال وجدية الوسائل المثارة[32].

بل وتتجلى سلبيات مؤسسة المفوض الملكي في مضمون المستنتجات التي قد تتسم بالضعف وعدم الإحاطة بالمسائل القانونية والإشكاليات، أو تتناول الإشكالية القانونية بشكل وجيز وغير مدقق، وهكذا فعوض أن تكون هذه المؤسسة بمثابة المساعد والمرشد لقضاة الحكم، فإنها تبعثر أوراق القضية بالشكل الذي لا يساعد هؤلاء القضاة على دراسة الملف ومناقشته وفق ما هو مطلوب.

إن هذا المعطى يفضي إلى تعطيل مفعول نظام المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق والغاية من استحداثه، وهاته هي سلبيات نظام المفوض الملكي.

 والأكيد أننا نشاطر الأستاذ محمد القصري في كون الوظيفة تكون بقدر الشخص الذي يمارسها، لأن بروز سلبيات أو إيجابيات في نطاق اختصاص أو عمل ما قد تكون وليدة تصرفات أشخاص إما برعوا في عملهم فاستحقوا الثناء وساهموا في تغليب الجانب الايجابي منه، وإما أهملوه ولم يتقنوه، فكانت النتيجة سلبية.[33]

المطلب الثاني: الإشكاليات المثارة بخصوص مؤسسة المفوض الملكي.

“إن مؤسسة المفوض الملكي المستحدثة لتلعب دورا كبيرا في الدفاع عن القانون والحق……لم تسلم كذلك من المعيقات مما جعلها محدودة المساهمة في حماية هذه الحقوق والحريات، حيث يرى الكثيرون أن نقل المشرع المغربي لنظام المفوض عن النظام الفرنسي لم يتجاوز إلا الأخذ بالفكرة دون التفصيلات.”[34]

ونعتقد أن عدم الخوض في التفصيلات والغموض الذي يطال النصوص المنظمة لمؤسسة المفوض الملكي هو الذي فتح الباب على مصراعيه لإثارة مجموعة من الإشكاليات بخصوص هذه المؤسسة، وفي هذا الإطار سنحاول تحديدها على ثلاث مستويات، على مستوى التسمية والنطق بها، على المستوى القانوني والقضائي، ثم أخيرا على المستوى الواقعي أو العملي.

الفقرة الأولى: إشكاليات على مستوى التسمية والنطق بها.

من خلال الاطلاع على الاسم الذي أطلقه المشرع المغربي على هذه المؤسسة سواء تعلق الأمر بالقانون المحدث للمحاكم الإدارية أو ذلك المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية، يبدو أن الاسم الكامل لها هو” المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق”، كما يبدو أن المشرع المغربي لم يطلق على هذه المؤسسة اسم مفوض المملكة، ربما حتى لا يتعرض لنفس الانتقادات التي طالت اسم المؤسستين في كل من فرنسا ومصر.

إذ أن تسمية مفوض الحكومة بفرنسا وتسمية مفوض الدولة في مصر، يعتبر اسما على غير مسمى ولا ينطبق على المهام التي يقوم بها باعتباره يوحي فقط بالدفاع عن الحكومة والدولة في المنازعات الإدارية، وكأنه نوع من النيابة العامة، وهو اسم منتقد فقها وقضاء لأنه لا ينطبق على المهمة التي يقوم بها في تلك المنازعات من الدفاع عن الحق والقانون بكل تجرد وحرية.[35]

بل أكثر من ذلك فإن عبارة الدفاع عن القانون والحق التي تجسد قمة العدل والإنصاف، توحي بأنه عندما يمارس المفوض الملكي دوره في الإدلاء بآرائه ومستنتجاته فإن مضمون هذه الآراء والمستنتجات يعد ترجمة لهذه المكانة السامية من العدل والإنصاف، وبالتالي سيضعنا الأمر أمام إشكالية كبيرة مفادها أن كل مقرر قضائي أصدرته المحكمة مخالف لهذه الآراء والمستنتجات، يكون بدوره قد خالف تلقائيا مقتضيات العدل والإنصاف.

ومن أجل تفادي هذه التأويلات بخصوص التسمية التي أطلقها المشرع على هذه المؤسسة، فنعتقد أنه من المستحسن إلغاء عبارة للدفاع عن القانون والحق، والإبقاء فقط على تسمية المفوض الملكي.

ومن جهة أخرى فإن كثيرا ما يتم النطق بكلمة مفوض (بكسر الواو)، وفي اعتقادنا فإن النطق الصحيح هو مفوض (بفتح الواو)، لأن هذه المؤسسة هي التي تم تفويضها وانتدابها للدفاع عن القانون والحق وليست هي التي قامت بفعل التفويض أو الانتداب.

الفقرة الثانية: إشكاليات على الصعيد القانوني والقضائي.

ننطلق في هذا الإطار من النصوص القانونية التي جاءت محتشمة ولم تتجاوز 3 فصول من أجل تنظيم مؤسسة لا زالت تعتبر حديثة العهد بالقضاء المغربي.

أولا: تشكل النصوص القانونية المنظمة لهذه المؤسسة إشكالية في حد ذاتها، نظرا للغموض الذي يكتنفها، والقصور الذي يطال تنظيمها، مما فتح المجال أمام مجموعة من التأويلات في تفسير اختصاصات هذه المؤسسة، وضبط المساطر التي يتعين سلوكها في هذا المجال، لهذا كان من الأولى وضع إطار تنظيمي مضبوط يحدد بدقة معالم هذه التجربة الجديدة التي عرفها المغرب في المجال الإداري.

ثانيا: لقد منح المشرع المغربي اختصاصات محتشمة للمفوض الملكي[36]، مما جعله مغلول اليدين أمام مجموعة من الإجراءات لو كلف بها لتقوى دوره وعضدت وظيفته، وخاصة منحه إمكانية الطعن بالاستئناف أو النقض لصالح القانون في حالة عدم سلوك أي طعن من طرف الأطراف، أو بدا له أن المقرر القضائي الصادر في قضية ما قد جانب الصواب قانونا وواقعا.

ثالثا: أمام غياب مؤسسة المفوض الملكي أمام محكمة النقض، يطرح تساؤل حول الصفة التي تتقمصها النيابة العامة بهذه المحكمة، وهي تنظر في القضايا الإدارية المعروضة عليها، فهل تتقمص دور المفوض الملكي وفق المقتضيات الخصوصية المنصوص عليها في هذا الشأن، أم تتصرف باعتبارها نيابة عامة، وفي هذه الحالة نتساءل عن أي استقلال وتجرد في تقديم المستنتجات، ذلك الذي تتحدث عنه المادة الخامسة من القانون المنشئ للمحاكم الإدارية والمادة الثالثة من القانون المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية.

وهكذا وفي انتظار إحداث مؤسسة مجلس الدولة بالمغرب، كان من المأمول إحداث مفوض ملكي عام على مستوى محكمة النقض لإعطائها دينامية جديدة في الاجتهاد القضائي، وأن ذلك لن يمس بالنظام القضائي المغربي بل سيعطي دعامة جديدة لهذا القضاء.[37]

رابعا: إذا كانت المادة 5 من القانون المنشئ للمحكمة الإدارية تشير إلى أن المفوض الملكي لا يشارك في إصدار الأحكام، فهل له الحق في حضور أشغال المداولة والإدلاء برأيه القانوني تدعيما لمستنتجاته الكتابية المدلى بها.

إذا كانت المادة 3 من القانون المنشئ لمحاكم الاستئناف الإدارية قد حسمت الأمر بالنسبة للمفوض الملكي لديها، بحيث نصت على أنه لا يشارك في المداولات، فإنه في نظرنا بالنسبة للمحاكم الإدارية ليس هناك مقتضى قانوني يمنعه من حضور أطوار جلسة المداولة إلى جانب أعضاء هيئة الحكم، وذلك لاستكمال دوره الرئيسي في الدفاع عن الحق والقانون، شريطة ألا يشارك في عملية التصويت لصالح أو ضد حكم معين.

خامسا: تعرف الممارسة القانونية والقضائية عدة دفوعات سواء منها ما يرتبط بالنظام العام أم لا، منها مثلا الدفع بعدم الاختصاص، الدفع بالتقادم، الدفع بسبقية البث…..واعتبارا لكون المفوض الملكي في الخصومة الإدارية لا يمثل أحدا، وأن دوره يتمثل في الدفاع عن القانون والحق ليس إلا، فإن الإشكالية المطروحة هي ما مدى أحقيته في إثارة جميع الدفوعات سواء منها ما تعلق بالنظام العام أم لا.

يذهب اتجاه إلى القول بأنه لا يقبل من المفوض الملكي إلا الدفوعات المتعلقة بالنظام العام، لعلة أن مهمته تعتبر قضائية وغير ذي مصلحة شخصية، ويدعم هذا الاتجاه رأيه بقرار قضى بأنه لا يجوز للمفوض الملكي الدفع بتقادم دعوى التعويض، لأنه دفع بحقوق صاحب الشأن وليس متعلق بالنظام العام.

غير أننا نخالف هذا الاتجاه ، ذلك أنه في اعتقادنا إذا كان دور المفوض الملكي هو الدفاع عن القانون والحق فإن القانون هو مجموعة القواعد الآمرة التي تنظم العلاقة بين الأفراد داخل المجتمع ولا يتعين خرقها أو تجاوزها، وبالتالي إذا كان القانون ينظم مثلا القواعد التي تنظم التقادم أو سبقية البث في الدعوى، فقد أتى بمقتضيات لا يجب مخالفتها، فلماذا لا يثير المفوض الملكي الحالات المخالفة للمقتضيات القانونية حتى ولو لم يتعلق الأمر بالنظام العام ما دام أن دوره الرئيسي هو الدفاع عن القانون الذي هو أسمى من مصلحة الأفراد الشخصية.

سادسا: إشكالية أخرى تطرحها الطبيعة المزدوجة للمفوض الملكي في الحالة التي تنتهي فيها مهمته بهذه الصفة، وينتقل إلى صفة قاضي الحكم، ذلك أنه قد يحدث أن تنتهي صفته هاته ويكون قد أدلى بمستنتجاته في قضية لم يتم البت فيها بعد، فيصبح عضوا في جلسة الحكم أو مقررا فيها للبت في نقس هذه القضية.

كما تطرح إشكالية إمكانية أن يكون أحد القضاة أو أكثر يحمل صفة قاض مقرر أو مستشار مقرر في بعض القضايا ومفوض ملكي في قضايا أخرى.

يرى بعض الباحثين بإمكانية ذلك، فقيام المفوض الملكي بمهام قضائية في نفس الوقت، تبرره وضعيته قبل أن يعين بهذه المؤسسة من طرف السيد رئيس المحكمة أو السيد الرئيس الأول باقتراح من طرف جمعيتها العمومية، والتي كان خلالها قاضيا مقررا أو مستشارا مقررا في العديد من القضايا الرائجة والتي قد يكون بعضها جاهزا للحكم. [38]

وإذا كان المشرع المغربي لم ينص صراحة على هذه الازدواجية في الصفة بين المفوض الملكي من جهة والقاضي المقرر أو المستشار المقرر من جهة أخرى، فإن الاجتهاد القضائي على ما يبدو قد استقر على هذه الإمكانية من ذلك مثلا القرار الصادر عن المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) بتاريخ 07/11/2003 حيث جاء في تعليله:” أنه لا يوجد مانع قانوني يحول دون تقلد المفوض الملكي لمهام القاضي المقرر في نفس الملف”.[39]

لكن هناك اتجاه آخر يرى أن الأخذ بنظام الازدواجية من شأنه أن يؤدي إلى شيء من الالتباس في الصفة الحقيقية للقاضي، كما أنه يؤدي إلى نوع من التناقضات في العمل القضائي.[40]

لتفادي هذه الإشكاليات أو للتخفيف من حدتها سواء تعلق الأمر بغياب المفوض الملكي أو بوجود نقص في عدد القضاة أو المستشارين، يتعين جعل مؤسسة المفوض الملكي تكتسب صفة أو مقومات وحدة المؤسسة كما هو الشأن بالنسبة لوحدة النيابة العامة، وبالتالي جعل الدائرة القضائية لمحكمة استئناف إدارية معنية مثلا، هي الإطار القانوني والنفوذ القضائي الذي سيتيح لمفوض ملكي يشتغل بمحكمة إدارية داخل هذه  الدائرة أن ينوب عن مفوض ملكي يشتغل بمحكمة إدارية أخرى بنفس الدائرة، بل ولما لا تسري هذه القاعدة حتى بين المفوضين الملكيين التابعين لمحكمة استئناف إدارية وأولئك  التابعين لمحكمة إدارية بنفس الدائرة.

الفقرة الثالثة: إشكاليات على الصعيد العملي.

أولا: قد تطرح إشكالية وجود اختلاف بين رئيس المحكمة وجمعيتها العمومية بخصوص تعيين أو عدم تعيين قاض مفوضا ملكيا، فهل يكون رئيس المحكمة ملزما بالأخذ بالاقتراح المقدم من طرف الجمعية العمومية أم لا، كذلك الشأن بالنسبة لمحكمة الاستئناف الإدارية.

يذهب اتجاه إلى القول بتبني الرأي المتخذ بالأغلبية، مادام أن رئيس المحكمة أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية هو جزء لا يتجزأ من الجمعية العمومية وبالتالي يجب تنفيذ رأي الأغلبية. [41]

ونعتقد أن هذا الاتجاه سليم لأنه يسير في الاتجاه الذي نصت عليه المادة 2 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية، والمادة 3 من القانون المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية، ذلك أن صلاحية التعيين الموكولة لرئيس المحكمة أو للرئيس الأول هي مرحلة لاحقة لعملية الاقتراح التي تقوم بها الجمعية العمومية بشأن اختيار المفوض الملكي، وقد نذهب إلى القول بأن مهمة الرئيس أو الرئيس الأول هاته هي أقرب إلى مفهوم تبني الاقتراح منه إلى مفهوم التعيين.

هذا ويستحسن في نظرنا لتفادي مثل هذه الاختلافات، أن يتم تعيين المفوض الملكي وفق ما ذهب إليه المشرع الفرنسي وذلك بمرسوم من طرف رئيس الوزراء، وباقتراح من وزير العدل، مع العمل بطبيعة الحال على ضمان كافة مقومات الاستقلالية والتجرد في عمل هذه المؤسسة.

ثانيا: لقد نص المشرع على ضرورة إحالة الملف على المفوض الملكي والقاضي المقرر من طرف رئيس المحكمة بعد تسجيل مقال الدعوى، إلا أن إحالة الملف على المفوض الملكي وبطبيعة الحال تسلمه نسخة من المقال، قد يعرقل من الناحية العملية عمل القاضي المقرر الذي يكتشف بعد إرجاع الملف إليه، أن عدد نسخ المقال غير متساو مع عدد المدعين مثلا، فأمام هذه الحالة قد يضطر القاضي المقرر إلى توجيه إنذار إلى المدعي من أجل تقديم نسخة من المقال داخل أجل محدد للقيام بعملية التبليغ للأطراف، فإذا لم يستجب المدعي لهذا الإنذار وتشبث بكونه أدلى بالنسخ الكافية ، فهل سيكون الجزاء هو الحكم بعدم قبول الدعوى طبقا للفصل 32 من ق م م[42] .

في اعتقادنا وحسب مقتضيات القانون المنظم للمحاكم الإدارية، فإن المفوض الملكي ليس طرفا في الدعوى ولا يمثل أحدا فيها، وبالتالي فالقاعدة العامة تقتضي أن تخصص نسخ المقال أولا لأطراف الدعوى وما زاد عن ذلك من النسخ فليتسلم واحدة منها المفوض الملكي، ولكن مادام طبيعة عمل هذا الأخير تقتضي تسلم نسخة من المقال للإطلاع على الدعوى ودراستها، فيبقى الدور قائما على كتابة الضبط من أجل توفير نسخ كافية في هذا الشأن.

ثالثا: قد يفاجأ أعضاء الهيئة يوم الجلسة بتغيب المفوض الملكي لأسباب خارجة عن إرادته، مثل وقوع حادث فجائي، أو يتعذر عليه الحضور بسبب مرض مفاجئ ألم به ذلك اليوم، في وقت لا تتوفر فيه المحكمة إلا عن مفوض واحد.

لقد ذهب البعض إلى القول بإمكانية تعيين أحد القضاة أو المستشارين للنيابة عن المفوض الملكي الغائب، ولكن نعتقد بأن المسألة تصطدم في هذه الحالة بمقتضيات المادة 2 من القانونين المحدثين سواء للمحكمة الإدارية أو محكمة الاستئناف الإدارية، اللتين تشيران إلى أن تعيين المفوض الملكي لا يكون إلا باقتراح من الجمعية العمومية.

 لتفادي هذا الإشكال فقد اقترح بعض الباحثين استحسان تعيين المفوض الملكي ومن ينوب عنه عند الاقتضاء، وذلك أثناء انعقاد الجمعية العمومية[43].

خاتمة:

كخلاصة يمكن القول إن للمفوض الملكي دورا مهما ليس لأنه يساعد على تحقيق فعالية العمل الإداري فحسب، بل أيضا لأنه يضمن بشكل خاص حماية حقوق وحريات الأفراد اتجاه الإدارة وذلك بدفاعه عن القانون والحق، غير أن فعالية المفوض الملكي يجب أن تبدأ من استيعابه لدور القضاء الإداري، وذلك بإعطائه مفهوما متطورا للقاعدة القانونية ينسجم ومتغيرات المجتمع سواء على الصعيد الحقوقي أو السياسي أو الاقتصادي، أو على صعيد ما يعرفه العالم من تحولات استراتيجية تحتم ضرورة التعجيل بخلق آليات فعالة  في مجال العدالة الإدارية، وذلك بالسعي إلى إحداث قانون إداري فعال، والقيام بتطوير مؤسسة المفوض الملكي التي هي جزء لا يتجزأ من السلطة القضائية، حتى تلعب هذه المؤسسة دورا مستقبليا يتماشى مع ما جاء به الدستور الجديد ليس فقط على صعيد دورها داخل المحكمة، بل فيما يخص تنفيذ بعض مقتضيات هذا الدستور خاصة فصله 113 الذي ينص على أنه “يصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان ، أراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بالعدالة مع مراعاة مبدأ فصل السلط “.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لائحة المراجع:

* نبيل شرطي؛ المفوض الملكي في القضاء الاداري المغربي والمقارن، الطبعة الاولى 2004.

* محمد محجوبي: الوجيز في القضاء الاداري المغربي بعد احداث المحاكم الإدارية، دار القلم، طبعة اولى 2002.

* الدكتور رشيدي السبايطي: المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق في المحاكم الإدارية سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، منشورات ريمالد مطبعة دار النشر المغربية 2012.

* محمد زكي النجار “تقويم نظام مفوض الدولة في المنازعة الإدارية” دار النهضة ” طبعة أولى، 1994.

         

* ماهر صالح الجبوري- مبادىء القانون الأداري– دراسة مقارنة – كلية القانون جامعة بغداد.

* مؤلف الاستاذ جيز: المبادئ العامة للقانون الإداري، الطبعة الثالثة، الجزء الثالث.

* احميد واكري ومحمد محجوبي: المفوض الملكي ومهامه لدى المحكمة الادارية مطبعة السلام.

* محمد محجوبي: الوجيز في القضاء الاداري المغربي بعد احداث المحاكم الإدارية، دار القلم. طبعة اولى 2002.

*محمد بن طلحة الدكالي – المحاكم الادارية بالمغرب – دار الثقافة للنشر والتوزيع. الدار البيضاء 1997.

* رشيد مشقاقة ” المفوض الملكي وممثل النيابة العامة في ضوء المحاكم الادارية “جريدة العلم –السبت 29 يناير1994.

* حسن صحيب، “القضاء الإداري المغربي، دراسة تحليلية للقانون المحدث للمحاكم الإدارية، اطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، الرباط.

* حسن عثمان محمد عثمان ” قانون القضاء الإداري” طبعة 2008.

* عرض للأستاذ محمد القصري، منشور بمجلة القضاء والقانون، العدد 151.

* عبد الكريم المساوي، “القواعد الإجرائية أمام المحاكم الإدارية”، رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في الحقوق قانون الخاص، جامعة محمد الخامس الرباط.

[1]  حسن عثمان محمد عثمان ” قانون القضاء الإداري” منشورات …………………..طبعة 2008 ص 7

[2] الدكتور رشيدي السبايطي: المفوض الملكي للدفاع عن القانون و الحق في المحاكم الإدارية سلسلة  مؤلفات و أعمال جامعية. منشورات ريمالد مطبعة دار النشر المغربية 2012.

[3] خطاب 15/12/1999 بمناسبة إفتتاح دورة المجلس الأعلى للقضاء

[4] محمد زكي النجار “تقويم نظام مفوض الدولة في المنازعة الإدارية” دار النهضة ” طبعة أولى 1994 ص 6/7

[5] مقال الأستاذ ريموند جليان أورده رشيد السبايطي (مرجع سابق)

[6]– المرجع: ماهر الجبوري- مبادئ القانون الاداري- دراسة مقارنة-كلية الحقوق بغداد.المصدر: الدكتور عثمان خليل عثمان.يقول في هذا الصدد (…فيما يتعلق بالسلطة التنفيذية هنا مصدر الخطر الأكبر على الحريات العامة وذلك لأسباب عدة كون الأصل الغالب في عمل السلطة التنفيذية هو مباشرة تنفيذ القانون بقرارات فردية ينقصها حياد القواعد العامة التي تتسامى عن الاعتبارات الفردية ثم أن لدى رجال السلطة التنفيذية من الاختصاصات التقديرية ومن المهام المتعلقة بسلامة الدولة والسيادة والضرورة والتنفيذ المباشر وصيانة الأمن العام والصحة العامة والدفاع والبوليس وغيرها مما يجعل مجال المحاربة والمحاباة أوسع من السلطتين الأخريين ويجعلها أكثر خطراً منها على الحريات وأولى بالرقابة والاحتياط) مؤلف- الاتجاهات الدستورية الحديثة– جامعة بغداد– طبع رونيو- عام 1968– ص196-.197

 

  .تاريخ الزيارة:17/12/2012 .الساعة:13:00             thiqaruni.org/lowthises/2/1   المرجع:    – [7]

-المرجع: ماهر صالح الجبوري- مبادىء القانون الأداري– دراسة مقارنة – كلية القانون جامعة بغداد.

المصدر: مؤلف الاستاذ جيز: المبادئ العامة للقانون الاداري.الطبعة الثالثة .الجزء الثالث.ص87 وما يتبعها.

    -احميد واكري ومحمد محجوبي: المفوض الملكي ومهامه لدى المحكمة الادارية  م.س.ص 43[8]

 -المادة 5 من قانون 41.90[9]

 – ذ.رشيد مشقاقة: وجهة نظر قانونية –الجزء الاول-القسم الثامن –ص 393-394[10]

 – تتألف الجمعية العمومية من رئيس المحكمة وقضاتها بمن فيهم المفوض الملكي او المفوضيين .[11]

 –  عرض للأستاذ محمد القصري، منشور بمجلة القضاء والقانون العدد 151    [12]

 – محمد محجوبي: الوجيز في القضاء الاداري المغربي بعد احداث المحاكم الادارية. دار القلم. طبعة اولى 2002.ص 55[13]

 – مرجع: محمد بن طلحة الدكالي – المحاكم الادارية بالمغرب – دار الثقلفة للنشر والتوزيع. الدار البيضاء 1997-ص:224.[14]

المصدر: د.رشيد مشقاقة ” المفوض الملكي وممثل النيابة العامة في ضوء المحاكم الادارية “جريدة العلم –السبت 29 يناير

1994-ص7.

– ذ. احميد واكري /ذ.محمد محجوبي. مرجع سابق .ص 38 [15]

-ذ.محمد بن طلحة الدكالي .مرجع سابق ص 63.[16]

– ذ.محمد بن طلحة الدكالي. مرجع سابق .ص 63.[17]

[18] – ذ. أحميدو أكري/ ذ محمد محجوبي، مرجع سابق، ص: 69-70.

[19] – للمزيد من التفصيل أنظر الفصل 50 من قانون المسطرة المدنية.

[20] – ذ. محمد القصري، مرجع سابق، ص: 159-160.

[21] – ذ.محمد القصري، مرجع سابق، ص: 160.

[22] – ذ. محمد القصري، مرجع سابق، ص: 163.

[23] – حكم إدارية الرباط رقم 540 بتاريخ 24/2/2010 ملف رقم 86/12/09.

[24] – ذ. محمد القصري ، مرجع سابق، ص: 166/167.

[25] – جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، مرجع سابق، ص: 11.

[26] – ذ. محمد محجوبي، مرجع سابق، ص: 95.

[27] – ذ. عبد الكريم المساوي، “القواعد الإجرائية أمام المحاكم الإدارية”، رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في الحقوق قانون الخاص، جامعة محمد الخامس الرباط، ص: 36.

[28] – ذ. حسن صحيب، “القضاء الإداري المغربي (دراسة تحليلية للقانون المحدث للمحاكم الإدارية)”، اطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، الرباط، ص: 335.

[29] – حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 10 لسنة 33 ق.ع بجلسة 30/11/1993، المجلة الحديثة، الجزء 47، ص: 168.

[30]– ورد في الفقرة الأخيرة من المادة الثانية من القانون 03 – 80 المحدث لمحاكم استئناف إدارية ما يلي : ” يعين الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية من بين المستشارين مفوضا ملكيا أو أكثر للدفاع عن القانون والحق باقتراح من الجمعية العمومية لمدة سنتين قابلة للتجديد

[31] – المواد 2-4-5 من القانون رقم 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية، والمواد2- 3 من القانون رقم  03-80 المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية.

[32] – حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 1102، بتاريخ 15/04/2010 ، رقم الملف09/04/2010.

[33]  – عرض للأستاذ محمد القصري، منشور بمجلة القضاء والقانون العدد 151 ص:169.

[34] – رشدي الصبايطي، المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق في المحاكم الإدارية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، مطبعة دار النشر عدد 90، 2012 ص 250.

[35] – عرض الأستاذ محمد القصري، المرجع السابق

[36] – المادة 5 من قانون 90- 41 المحدث للمحاكم الإدارية، والمادة 3 من القانون رقم 03-80 المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية.

 

 [37] – رشدي الصبايطي، المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق في المحاكم الإدارية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، مطبعة دار النشر عدد 90، 2012 ص 244.

[38] – أذ محمد محجوبي وأذ حميدو أكري، المفوض الملكي ومهامه لدى المحكمة الإدارية ط1 من95، ص77.

[39] – قرار عدد 1173 بتاريخ 07/11/2003 في الملف عدد 1071/2002.

[40] – الأستاذ محمد النجاري، تقويم نظام مفوضي الدولة في المنازعات الإدارية ، ص 51

[41] – رأي الأستاذ محمد النجاري في مقاله” نظرة حول تنظيم المحاكم الإدارية بالمغرب”طبعة سنة1994 مطبعة دار النهضة

[42]– ينص الفصل 32 من ق م م على ضرورة إرفاق الدعوى بنسخ من المقال موازية لعدد الأطراف المدعى عليها.

 

[43] – أذ محمد محجوبي و أذ حميدو أكري ، المرجع السابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى