مقالات قانونية

هل يعترف المشرع الجزائري بالطلاق الرجعي؟

         49260f9e7d89b7f96270f4e0e5c117ea 

                                                    أ./عبد الحميد عيدوني

المدرس بكلية الحقوق-تلمسان

    تنص المادة 49 من ق أ على أنه:” لا يثبت الطلاق إلاَّ بحكم بعد عدة محاولات صلح يجريها القاضي …”[1]، هذه المسألة أثارت نقاشا قانونيا حادا بين فقهاء قانون الأسرة في الجزائر[2]، بين من ينكر و بصفة مطلقة أن يكون المشرع قد اعترف بالطلاق الرجعي، وبين من يرى عكس ذلك.

فهل يعترف المشرع الجزائري بالطلاق الرجعي؟، و بعبارة أخرى هل يقتضي نص  المادة المذكورة أن حكم الطلاق حكم منشئ أو أنه حكم كاشف؟.

للإجابة على هذا كله لابد من معرفة ما هو الطلاق الرجعي مع بيان عدته (أولا)؛ ثم لا بد بعد ذلك من التطرق إلى الآراء الفقهية التي انصبت على بيان مدى اعتراف المشرع الجزائري بالطلاق الرجعي (ثانيا)؛ ثم في الأخير نبحث في محاولة الترجيح في هذه المسألة (ثالثا).

أولا: تعريف الطلاق الرجعي و بيان عدته: ينصب الكلام هنا في تعريف الطلاق الرجعي(1)؛ وبيان عدته(2).

1– تعريف الطلاق الرجعي: الطلاق الرجعي يكون في حالة إذا ما طلق الزوج امرأته مرة واحدة، فيمكن له أن يراجعها في عدتها إما بالقول اتفاقا كأن يقول لها ” أرجعتك”، و يكون- إرجاعها – بالفعل  أيضا كالوطء[3].

2- بيان عدة الطلاق الرجعي: و عدة المطلقات رجعيا على ثلاثة أنواع : عدة الحائض(أ)؛ و عدة اليائسة من المحيض(ب)؛ وعدة الحامل (ج).

أ- عدة الحائض: أي المطلقة التي تحيض، فعدتها كما قال تعالى :” وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ[4]، و القروء جمع قرء و هو في اللغة الوقت فقد يكون للحيض و الطهر[5].

و لقد اختلف أهل العلم قديما و حديثا في المقصود من القرء في قوله تعالى ” ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ” فذهب المالكية[6] و الشافعية[7] و ابن حزم الظاهري[8] أن القرء المقصود في الآية الكريمة – المذكورة – هو الطهر؛ أما الحنابلة[9]، و الأحناف[10]فيقولون  أن القرء المقصود هو الحيض.

و تفصيل ذلك أن من يقول أن القرء هو الحيض يستدل بقوله تعالى: ” وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ[11]، فجعل عدم وقوع الحيض سببا للاعتداد بالأشهر، فدل أن العبرة بالاعتداد بالحيض[12]، و أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش – و كانت تستحاض –: “دعي الصلاة أيام أقرائك “[13]، فدل الحديث أن القرء هو الحيض فوجب تحميل معنى قوله تعالى ” ثَلاثَةُ قُرُوءْ” على أنها ثلاث حيض[14]، و أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :”طلاق الأمة طلقتان و قرؤها حيضتان “[15]، فيقاس قرء الحرة على قرء الأمة ، و قالوا إن الله تعالى يقول :” ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ[16] و لا تكتمل الأقراء الثلاثة إلاَّ إذا كان معنى القرء الحيض في الآية[17].

و النقد الموجه هنا أنه ليس في قوله :” وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ ” ما يعين  أن القرء هي الحيضات أو الأطهار، ذلك أن الطهر أصل  فكل من لم يأتها الحيض سواء كانت يائسة أم لا تسمى طاهرا، فلا يمكن أن يقول: ” وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الطهر”.

أما حديث “دعي الصلاة أيام أقرائك “و على فرض صحته فلا يدل كذلك أن القرء الوارد في قوله تعالى :” ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ” أنه الحيض ذلك أنه جرى الاتفاق على أن القرء يطلق على الحيض وعلى الطهر جميعا – كما ذكر- ، فالله يقول مثلا : ” فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا  “[18]، ويقول-أيضا-: ” فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ[19]، و لا يمكن أن يقال أن العين الواردة في الآية الأولى هي نفسها العين الواردة في الآية الثانية، فكذلك لا يتعين أن يقال أن القرء الوارد في قوله تعالى :” ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ” هو القرء الوارد في قوله صلى الله عليه و سلم :” دعي الصلاة أيام أقرائك”، فإن كلا من العين و القرء من الألفاظ المشتركة في اللغة.

و أما حديث :” طلاق الأمة طلقتان و قروؤها حيضتان ” فلا يصح[20]، و أما قولهم أنه لا تكون القروء الثلاثة كاملة إلا إذا حملت على الحيض، فقول لا يصح إذ قد يعبر بالكل على الغالب كقوله تعالى :” الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ” ، و هي عند الجميع شوال و ذو القعدة و بعض ذي الحجة[21].

ودليل من يقول أن القرء هو الطهر، قول رسول الله صلى الله عليه و سلم في شأن عبد الله بن عمر حين طلق إمرأته :” مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءَ “[22]، وهذا عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما – و هو صاحب القصة يقول: “إذا طلق الرجل امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه و برئ منها”[23]، و تقول عائشة –أم المؤمنين-: ” الأقراء الأطهار”[24]، و هي امرأة و زوج رسول الله صلى الله عليه و سلم و النساء أعلم بما يخصهن.

و أوجه الدلالة على أن الأقراء الأطهار كثيرة يطول سردها من بينها أنهم اتفقوا أن الطلاق السني ذلك الذي يقع في طهر لم يمسها فيه، فلو كانت العدة التي هي الأقراء الحيض لكان بين التلفظ بالطلاق و بين أول العدة- يعني الحيض-مدة ليست فيها معتدة و هذا باطل[25]، لقوله تعالى: ” فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ[26].

إذا فالقول الراجح أن يقال بقول ابن عمر و عائشة و كثير من الصحابة و عامة علماء المدينة، و الذي عليه مذهب المالكية و الشافعية و الظاهرية من أن الأقراء في قوله تعالى:” ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ” هي الأطهار.

ب-عدة اليائسة من المحيض: أتى تبيان عدة اليائسة من المحيض سواء لكبر أو لصغر في قوله تعالى: ” وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ[27].

فعدة الآيسة من المحيض بنص الآية ثلاثة أشهر هلالية- يعني هجرية[28]-، و تلحق بالآيسة من المحيض التي انقطع عنها دم الحيض، فعدتها ثلاثة أشهر بعد أن تتربص تسعة أشهر ليعلم براءة رحمها[29].

ج-عدة الحامل المطلقة: نقل الإجماع أن عدة الحامل إذا طلقت أجلها إلى أن تضع حملها[30]، لقوله تعالى :” وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ[31].

ثانيا: الآراء الفقهية في مدى اعتراف المشرع الجزائري بالطلاق الرجعي: تضاربت الآراء الفقهية في هذا المسألة، فأنكرت طائفة اعتراف المشرع بالطلاق الرجعي (1)؛ وذهب آخرون إلى عكس هذا القول (2).

1- الرأي الفقهي المنكر لاعتراف المشرع للطلاق الرجعي: يقول الأستاذ عبد العزيز سعد: “إن قانون الأسرة لا يعترف بالطلاق الشفهي الذي تعترف به و تقره الشريعة، و لا يعترف بالطلاق الرجعي أثناء العدة ما دامت القاعدة العامة أن طلاق القاضي طلاق بائن ولا يقبل الطعن بالإستئناف”[32].

و يقول الأستاذ بلحاج العربي: “إن الطلاق في الجزائر لا يقع إلى لدى المحاكم”[33]، ويزيد الأستاذ فضيل سعد: “أن القانون لا يعترف بالطلاق إلا بوجود حكم يقضي به طبقا لأحكام المادة 49 من قانون الأسرة”[34]، و يقول الأستاذ عمر زودة: ” إن الطلاق لا يقع إلا بإعلان الزوج عن إرادته أمام الجهة الرسمية، و أنه لا يمكن إنشاء الطلاق إلا بموجب محرر رسمي، إذ لايقع الطلاق إلا ابتداء من صدور هذا الإعلان من القاضي”[35]، ويقول الأستاذ باديس ديابي: “قانون الأسرة الجزائري لم يتحدث عن الطلاق الرجعي، ولم يتبناه من حيث مفهومه و آثاره، و اكتفى بالطلاق البائن بينونة صغرى و الطلاق البائن بينونة كبرى”[36].

و من لطيف ما يتعلق بهذه المسألة المناقشة التي كانت بيني و بين الأستاذ الفقيه تشوار الجيلالي إذ يقول: ” دائما أأكد أن المشرع الجزائري لم يأخذ بالطلاق الرجعي، والسبب في ذلك أن المحكمة عندما تنطق بالطلاق تبدأ العدة.

لأنه لو قلنا أن المشرع يأخذ بالطلاق الرجعي، فلو طلق الرجل زوجته يوم رفع الدعوى، ثم بعد ثلاثة أشهر نطق القاضي بالطلاق. نحسب ثلاثة أشهر، وأنجبت المرأة بعد ثمانية أشهر من يوم نطق القاضي بالطلاق.

لو طبقنا المادة 42 من ق أ فإن الطفل غير شرعي لأنه من يوم رفع الدعوى، فأين هو الطلاق الرجعي”.

2- الرأي الذي يرى اعتراف المشرع بالطلاق الرجعي: يقول الأستاذ عبد القادر بن داود- الذي كان أحد أعضاء اللجنة الوطنية لإعادة دراسة قانون الأسرة-: ” الحقيقة أنه لا يوجد أي إشكال إذ أن قاعدة: (لا يثبت الطلاق إلا بحكم) كانت موجودة منذ 1984 في المادة 49 قبل التعديل و بقيت بعد التعديل، فهل غفل عنها منتقدوها فلم يروها إلا بعد 20 سنة!!، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ليس في هذا أي مخالفة للشريعة الإسلامية، لأن فقه القانون يفرق في الأحكام القضائية بين الأحكام القضائية الكاشفة و الأحكام قضائية المنشئة للطلاق، ففي الأحكام القضائية الكاشفة دور القاضي كاشف لإرادة الزوج صاحب العصمة الذي ينطق بالطلاق، و لا يملك القاضي إلا تثبيتها بحكم قضائي..”[37].

و يقول الأستاذ نور الدين لمطاعي: ” إن المشرع عندما استعمل مصطلح: (من راجع زوجته)[38]، فهو يقصد به الرجوع الذي يأتي بعد الطلاق الذي أوقعه الزوج بإرادته المنفردة، طبقا لنص المادة 48 من قانون الأسرة، أي: (من راجع زوجته بعد أن طلقها طلاقا رجعيا، لا يحتاج إلى عقد جديد”، فلو كان حقيقة أنه لا وجود للطلاق الرجعي فلماذا يتكلم المشرع عن الرجوع، فرجوع الشيء لا يطلق إلا على عودة هذا الشيء بعد غيابه و زواله، فالمشرع يقصد من وراء ذلك، بدون أدنى شك، الطلاق الرجعي..”[39].

ثالثا: الترجيح في مسألة اعتراف المشرع بالطلاق الرجعي: الراجح أن يقال أن عبارة: “لا يثبت الطلاق إلا بحكم ” يقتضي أن حكم الطلاق حكم كاشف للطلاق غير منشئ له، و أن المشرع يعترف بالطلاق الرجعي لدلالتين، دلالة النصوص القانونية(1)؛ و شواهد الاجتهادات القضائية الصادرة عن المحكمة العليا(2).

1- دلالة النصوص القانونية على الطلاق الرجعي، دلت نصوص قانونية كثيرة على الطلاق الرجعي، من ذلك ما ورد في المادة 50 من ق أ بنصها أنه: ” من راجع زوجته أثناء محاولة  الصلح لا يحتاج  إلى عقد جديد و من راجعها بعد صدور الحكم بالطلاق يحتاج إلى عقد جديد”، فلو كان حكم الطلاق الوارد في المادة 49 من ق أ حكما منشئا لم يكن لهذه المادة معنى، إذ لو كان الحكم القضائي منشئا للطلاق لم يحتج الزوج إلى مراجعة امرأته لأنها زوجته، ولم تطلق منه بعد.

و لو قيل بأن نص المشرع أنه:” لا يثبت الطلاق إلا بحكم قضائي ”  يقتضي أن الحكم بالطلاق منشئ له للزم القول أن تثبيت الزواج في سجل الحالة المدنية أو بحكم قضائي إثبات منشئ للزواج، إذ أن عدم تثبيت الطلاق إلا بحكم قضائي كعدم تثبيت الزواج إلا بتسجيله في الحالة المدنية أو بحكم قضائي[40].

و الحقيقة أن نص المادة 50 من ق أ نص صريح على الطلاق الرجعي، إلا أن المشكلة في هذه المادة أنها قيدت حق الإرجاع بفترة الصلح التي قد تدوم ثلاثة أشهر، ومعلوم أن مدة العدة في الطلاق قد تكون أقل أو أكثر من الثلاثة أشهر كما قد تكون مساوية لها، فعدة الحامل ليست كعدة الحائض واليائسة من المحيض كما ذكرنا من قبل.

و من المعلوم -كذلك في الشريعة – أن حق المراجعة لا يكون إلا في مدة العدة في الطلاق الرجعي، و بالتالي فيكون المشرع قد تجاوز الحد المنصوص عليه شرعا لمراجعة الزوج زوجته في الطلاق الرجعي.

و السبب فيما يبدو أن المشرع أراد الخروج من الخلاف الوارد في حساب العدد و المقصود من القرء، إلا أن هذا الأمر لا يبرر للمشرع تجاوز الحد الذي حده الشرع لمراجعة الزوج زوجته، قال تعالى: ” تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا[41].

و عليه فيستحسن أن تعدل المادة 50 من ق أ على النحو التالي:” من راجع زوجته أثناء محاولة الصلح لا يحتاج إلى عقد جديد على أن لا تتجاوز مدة المراجعة العدة المنصوص عليها في الشرع تبتدئ من تاريخ تلفظ الزوج بالطلاق، ومن راجع زوجته بعد ذلك يحتاج إلى عقد جديد”.

و المشكلة الأخرى في المادة 50 من ق أ أنها لم تفرق بين الطلاق الرجعي و الطلاق البائن بينونة صغرى، و هنا لزم الرجوع إلى الشريعة الإسلامية -بمقتضى المادة 222 من ق أ- التي تلزم الزوج إذا طلق زوجته مرتين بعقد جديد في العدة و بعدها.

و يجب التنبيه هنا إلى أن القول بأن الحكم بالطلاق حكم كاشف لا يقتضي أن هذا القول على إطلاقه، بل الصواب أن يقال أن الأصل في الحكم بالطلاق أن يكون كاشفا له في غير التطليق و الخلع، فالحكم فيهما منشئ للطلاق في قانون الأسرة الجزائري.

2- شواهد الاجتهادات القضائية على الطلاق الرجعي: نذكر هنا قرارين، قرار صادر قبل تعديل الأمر 05/02 و قرار  صادر بعده.

أما القرار الأول فهو المؤرخ في 16 فيفري1999 الذي قضى أنه: “متى تبين في قضية الحال أن الطلاق وقع بين الطرفين أمام جماعة المسلمين، و أن المجلس أجرى تحقيقا و سمع الشهود الذين أكدوا بأن الزوج طلق فعلا المطعون ضدها أمام جماعة المسلمين، و بالتالي فلا يحق أن يتراجع عن هذا الطلاق، و عليه فإن القضاة بقضائهم بإثبات الطلاق  العرفي طبقوا صحيح القانون.”[42].

فدل هذا الاجتهاد أن المحكمة اعترفت بالطلاق الذي وقع أمام جماعة المسلمين فلو كان الحكم بالطلاق – في غير التطليق و الخلع – حكما منشئا لما أمكن للقضاء أن يعترف بالطلاق العرفي المذكور.

و مما يؤكد اعتراف القضاء بالطلاق الرجعي القرار الثاني المؤرخ في 09ماي 2007 ، والذي جاء فيه:” حيث أن القرار المطعون فيه جاء معللا و مؤسسا بما فيه الكفاية، و ذلك لأن المطعون ضده – الزوج – تمسك بالرجوع ما دامت العصمة بيده و أن الطلاق الذي صدر منه رجعي ما دام أنه تراجع عن ذلك و سعى إلى إرجاعها في خلال مدة عشرين يوما قبل فوات مدة العدة شرعا “[43].

و قد صرح هذا القرار بصورة جلية اعترافه بالطلاق الرجعي.

أما فيما يخص ما ذكره الأستاذ تشوار من أن الطفل الذي أنجب بعد إحدى عشرة شهرا و قبل ثمان أشهر من يوم نطق القاضي به، يعتبر غير شرعي إذا طلقت أمه يوم رفع دعوى الطلاق، هذا كله إذا قلنا أن المشرع يعترف بالطلاق الرجعي.

فالجواب أن الطفل غير شرعي قانونا، لأنه لو رجعنا إلى المادة 42 من قانون الأسرة نجدها تنص أن: “أقل مدة الحمل ستة أشهر و أقصاها عشرة أشهر.” المادة توقفت هنا، لتبين لنا المادة 43 من نفس القانون الوقت الذي نحسب فيه العشرة أشهر، فتنص على أن ذلك يكون من: “تاريخ الانفصال أو الوفاة”، لم يقل المشرع هنا من تاريخ صدور الحكم بالطلاق إذ لو قال ذلك لصح إعتراض الأستاذ.

فالمقصود من الانفصال هنا الطلاق الفعلي، أي من يوم التلفظ بالطلاق لدلالة النصوص القانونية و شواهد الاجتهادات القضائية.

الخاتــــــــــــــــــــــــمة

الحقيقة التي لابد أن ننبه إليها في الأخير، أن هذا النقاش لم يكن ليرد أبدا لو أن المشرع كان أكثر دقة في وضعه للنصوص القانونية،

فينبغي للمشرع أن يعدل المادة 49/1 من قانون الأسرة فينص أنه: ” يقع الطلاق بمجرد تصريح الزوج به، ويجب إثباته بموجب حكم قضائي، مع إسناده لتاريخ إيقاع الزوج له.”.

كما يحبذ أن يعدل من المادة 50 من نفس القانون على وفق الصيغة التي ذكرناها من قبل.

 

[1] – انظر، صدر القانون رقم 84/11 المؤرخ في 09/06/1984، المضمن قانون الأسرة، ج.ر، ع.24،المؤرخة في 12يونيو1984، والمعدل بالأمر 05/02 ، المؤرخ في 27/02/2005 ، المتضمن تعديل و تتميم القانون 84/11 ، المؤرخ في 09/06/1984 ، و المشتمل على قانون الأسرة ،ج.ر ، ع.15 ، المؤرخة في 27/02/2005.

 

[2] – انظر، كريم زينب، قانون الأسرة في ظل التطورات المعاصرة، أطروحة دكتوراه، جامعة جيلالي اليابس، كلية الحقوق، سيدي بالعباس،  2010، ص.115.

[3][3] -الرجعية في الطلاق على نوعين : رجعية من طلاق رجعي – و هو المذكور – و رجعية من طلاق بائن بينونة صغرى، و هذه الأخيرة تحتاج الرجعة فيها إلى عقد جديد سواء في العدة أو بعدها .انظر، وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، ج.7، ط.2، دار الفكر، دمشق، 1985،ص.462.

[4] – انظر، سورة البقرة، الآية 228

[5] -انظر ، محمد بن منظور ، لسان العرب،ج.1 ،ط.1 ،دار صادر، بيروت ،د.س ، 128.

[6] – انظر، أبو بكر بن العربي، ج.1، ط.2، دار الكتب العلمية، لبنان، 2002،ص. 250 و ما بعدها.

[7] – انظر، محمد الشافعي، الأم، ج.6، ط.1، دار الوفاء، المنصورة، 2001،ص.529 و ما بعدها.

[8] – انظر، أبو محمد حزم، ج.10، المحلى بالآثار، الطباعة المنيرية، مصر، د.س، ص.257 و ما بعدها.

[9] – انظر، أبو محمد بن قدامه، ج.11، المغني، ط.3، دار عالم الكتب، السعودية، 1997، ص.199 و ما بعدها.

[10] – انظر، ناصر الإسلام الرَّمفوري ، ج.5، البناية في شرح الهداية، ط.2، دار الفكر، لبنان، 1990، ص.405 و ما بعدها.

[11] – سورة الطلاق، الآية. 4.

[12] -أبو محمد بن قدامة ، المرجع السابق ، ج.11 ، ص.201.

[13] – انظر، على الدار قطني، سنن الدارقطني، ج.1، ط.1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 2004، ر.ح.822 ،ص.394.

[14] – انظر، محمد بن قيم الجوزية ، زاد المعاد في هدي خير العباد، ج.5، ط.27، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1994،ص.609

[15] – انظر، أبو داود السجستاني ، سنن أبي داود، ج.2، ط.1، دار بن حزم، بيروت، 1997، ر.ح.2189 ،ص.443.

[16] – سورة البقرة ، الآية 228.

[17] -ناصر الإسلام الرمفوري، المرجع السابق ،ج.5،ص.406.

[18] – سورة البقرة، الآية 60.

[19] – سورة الأعراف الآية 116.

[20] -أبو محمد بن حزم ، المرجع السابق،ج.10،ص.261.

[21] – انظر، محمد الأمين الشنقيطي، أضواء البيان، ج.1، ط.1، دار عالم الفوائد، مكة المكرمة، 2006،ص.184.

[22] – ملك بن أنس ، الموطأ ، ط.1، دار الإمام مالك، الجزائر، 2002، ر.ح.1205، ص .336

[23] -مالك بن أنس، نفس المرجع، ر.ح.1210،ص. 337.

[24] – مالك بن أنس، نفس المرجع، ر.ح.1206،ص. 336.

[25] -أبو محمد بن حزم ، المرجع السابق ،ج.10،ص.361

[26] – سورة الطلاق، الآية 1.

[27] – سورة الطلاق، الآية 4.

– انظر، سليمان البجيرمي، البجيرمي على الخطيب، ج.4، ط.1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1996، ص.396 .[28]

[29] -انظر ،السيد سابق،فقه السنة، ج.2، دار مصر للطباعة، القاهرة، د.س،ص.211.

[30] -انظر، مصطفى بن العدوى، أحكام الطلاق في الشريعة الإسلامية، ط.1، مكتبة بن تيمية، القاهرة، 1988، ص.151

[31] – سورة الطلاق، الآية.4.

[32] – انظر، عبد العزيز سعد، الزواج و الطلاق في قانون الأسرة الجزائري، ط.2، دار البعث، قسنطينة، 1989، ص.316.

[33] – انظر، بلحاج العربي، الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري، ج.1، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1999، ص.239.

[34] – انظر، سعد فضيل، شرح قانون الأسرة الجزائري، ج.1، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1986، ص.326.

[35]– انظر، عمر زودة، طبيعة الأحكام بإنهاء الرابطة الزوجية و أثر الطعن فيها، انسيكوبيديا للنشر، الجزائر، 2003، ص.33و34.

[36] – انظر، باديس ديابي، صور و آثار فك الرابطة الزوجية في قانون الأسرة، دار الهدى، الجزائر، 2012، ص.120.

[37] -انظر،بن داود عبد القادر، الوجيز في شرح قانون الأسرة الجديد، موسوعة الفكر القانوني،دار الهلال للخدمات الإعلامية ،ع.خاص،د.س ،ص.114 وما بعدها؛ وانظر أيضا، المصري مبروك، الطلاق وآثاره من قانون الأسرة الجزائرية، دار هومة، الجزائر، 2010، ص.141؛ وانظر كذلك، بلحاج العربي، الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري، المرجع السابق، ج.1، ص.317.

[38] – تنص المادة: 50 من قانون الأسرة: “من راجع زوجته أثناء محاولة الصلح لا يحتاج إلى عقد جديد”.

[39] – انظر، نور الدين لمطاعي، عدة الطلاق الرجعي و أثرها على الأحكام القضائية، أطروحة دكتوراه دولة في القانون، الجزائر، كلية الحقوق، بن يوسف بن خدة، الجزائر، 2006، ص.52.

[40] – ويؤكد اعتراف المشرع بالطلاق الرجعي نصه في المادة48 من ق أ أن الطلاق يتم”بإرادة الزوج…أو بطلب من الزوجة..”، إذ لو كان حكم الطلاق منشئا له لنص أن الطلاق يتم “بطلب الزوج” لا بإرادته.

[41] – سورة البقرة، الآية.229 .

[42] -انظر، قرار، م.ع،غ.أ.ش، 16/02/1999، ملف رقم.216250 ، الاجتهاد القضائي،قسم الوثائق للمحكمة العليا،د.و.أ.ت،ع.خاص، 2001، ص.100؛ وانظر، قرار، م.ع، غ.أ.ش،25 /09 /2002 ،ملف رقم.288322 ،م.ق،ع.1 ،2003 ،ص.375؛وانظر أيضا، قرار ،م.ع،غ.أ.ش ،23/02 /2005 ،ملف رقم.315403 ،م.م.ع،ع.1 ،2005 ،ص.275 .

[43] -انظر، قرار، م.ع، غ.أ.ش، 09/05/2007، ملف رقم.395557 ، م.م.ع،ع.2 ،2008 ،  ص.301-302؛ وانظر في هذا الصدد، قرار، م.أ، غ.أ.ش،17/12 /1984 ،ملف رقم.35322 ،م.ق،ع.4 ،1989 ،ص.91 ؛وانظر كذلك، قرار،م.أ، غ.أ.ش، 10/02/1986، ملف رقم. 39463، م.ق، ع.1 ،1989،ص.115 .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى