مقالات قانونية

الاشتراط في عقد الزواج

Client Resources-Link Pages-1747-mirath

الأستاذة: بوكايس سمية             

أستاذة بالملحقة الجامعية بمغنية

 

مقدمة

ان  عقد الزواج من العقود المهمة ذات الشأن اذ يبيّن فيه كل واحد من المتعاقدين مطالبه ورغباته، فإذا ما تلاقت الرغبات أقدما وتفاهما فيتم العقد بتلاقي الإراديتين، الأمر الذي جعل الشريعة الاسلامية وقانون الأسرة تعطي لكل من الزوجين الحق في تضمين عقدهما بالشروط التي يريانها مناسبة وذلك لضمان حقوقهما، وقيام علاقة زوجية خالية من المشاكل مادام أن باب الاشتراط مفتوح، الا أن ذلك لا يعني أن للزوجين مطلق الحرية في الاشتراط، وذلك لوجود ضوابط وحدود لهذه الشروط. الأمر الذي يستدعي التساؤل عن الشروط التي يمكن أن تكون محلا للاشتراط في عقد الزواج؟ وكذلك عن الطريقة التي عالج بها قانون الأسرة الجزائري[1] مسألة الاشتراط خاصة بعد التعديل الأخير؟

للإجابة على الاشكاليات المطروحة نتبع التقسيم التالي:

أولا: الاشتراط في الفقه الاسلامي.

ثانيا حرية الاشتراط في قانون الأسرة الجزائري.

أولا: الاشتراط في الفقه الاسلامي:

لقد اختلفت الآراء الفقهية والمذاهب في نظرتهم للشروط وذلك بين مضيّق وموسّع، ويمكن تقسيم الشروط حسب موقف الفقهاء إلى شروط متفق على صحتها، وشروط متفق على بطلانها، وشروط مختلف فيها.

فالشروط الصحيحة والمتفق على صحتها هي الشروط التي لا تنافي مقتضى العقد كاشتراط المرأة العشرة بالمعروف والإنفاق والكسوة والسكنى؛ وألّا يقصّر الزوج في شيء من حقها في القسمة، أو كاشتراطها صداقا قيمته كذا، أما بالنسبة للزوج، كاشتراطه ألا تخرج إلاَّ بإذنه ولا تمنعه نفسها وألا تتصرف في ملكه إلاَّ برضاه[2].

أما الشروط المتفق على بطلانها وهي الشروط التي ورد نهي الشارع عنها بنصوص صريحة كأن تشترط الزوجة الثانية طلاق الزوجة الأولى لما فيه من اضرار بها[3] لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لا يحل لامرأة أن تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها فإنما لها ما قدر لها “[4].

أو كأن يزوج شخص ابنته أو أخته لشخص آخر على أن يزوجه هو ابنته أو أخته أو أي امرأة في ولايته ويجعلا صداق هذه بصداق تلك، وهو ما يسمى بنكاح الشغار، ولكن اختلف الفقهاء إذا وقع هل يصح بمهر المثل أم لا، فقال مالك لا يصح يفسخ أبدا قبل الدخول وبعده وبه قال الشافعي، إلا أنه قال: إن سمي لإحداهما صداقا أو لهما معا فالنكاح ثابت بمهر المثل والمهر الذي سميناه فاسد، وقال أبو حنيفة نكاح الشغار يصح بفرض صداق المثل وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور والطبري[5].

هذا بالإضافة الى شرط التّأقيت في زواج المتعة، لما ثبت من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة إلاأنه تم الاختلاف في الوقت الذي وقع فيه التحريم[6]. وكذلك شرط المحلل والذي يتم فيه الزواج بالمطلقة ثلاثا شرط احلالها لمطلقها[7].

أما الشروط المختلف في صحتها فهي تلك التي يشترطها أحد الزوجين على الآخر ولا تكون موافقة لمقتضى عقد الزواج، ولا منافية لمقتضاه ولم يرد دليل خاص للأخذ بها من عدمه، ويكون فيها منفعة للمشترط كأن تشترط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها أو ألا ينقلها من دارها أو بلدها، أو ألا يسافر بها إلى بلد آخر، أو أن تشترط عليه خروجها إلى العمل بعد الزواج، وكأن يشترط الزوج على زوجته أن تكون بكرا أو جميلة أو متعلمة ونحوه[8].

وقد ذهب الحنابلة الى أن هذه الشروط صحيحة لازمة يجب الوفاء بها[9]، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: “أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج”[10]، لأن ما لا دليل له من الشروط يكون هذا الحديث دليله بمقتضى عموم لفظه وشمول ما يدل عليه وتأكيد طلب الوفاء به[11].

أما المالكية فذهبوا الى أن هذه الشروط غير ملزمة ولا يتوجب الوفاء بها الا اذا اقترنت بيمين ويكون الوفاء بها من أجل اليمين وليس لأجل الشرط[12].

أما الشافعية والحنفية فذهبوا الى أن هذه الشروط باطلة والعقد صحيح[13]إلا أنه-بالنسبة للحنفية-  لو كانت تلك الشروط مقابل الحطّ من مهر مثلها، فإن وفّى لها بالشرط فلها المسمى أما لو خرق الشرط فلها ما نقص عن مهر مثلها [14].

أما الظاهرية فذهبوا الى أن  اشتراط المرأة ألا يخرجها من بلدها أو ألا يتزوج عليها، إذا كان في نفس العقد فالعقد مفسوخ، أما إن اشترطت ذلك بعد العقد فالعقد صحيح والشرط باطل[15].

 

ثانيا: حرية الاشتراط في قانون الأسرة الجزائري:

خصّص المشرّع لباب الاشتراط في عقد الزواج المادة 19 المعدلة من الأمر رقم 05-02، حيث ورد فيها ما يلي: ” للزوجين أن يشترطا في عقد الزواج أو في عقد رسمي لاحق كل الشروط التي يريانها ضرورية، ولا سيما شرط تعدد الزوجات وعمل المرأة ما لم تتنافى هذه الشروط مع أحكام هذا القانون”.

نرى أن المشرع أخذ بحرية الاشتراط وذلك بشرط ألّا تتصادم تلك الشروط مع نصوص القانون ومقتضيات عقد الزواج، كاشتراط مثلا عدم الوطأ بها.

إضافة إلى أن حق الاشتراط ليس مقصورا على أحد طرفي العقد، بل أنه حق يتمتع به كل من الرّجل و المرأة على حدّ سواء[16]، وبذلك يكون المشرع قد كرّس مبدأ المساواة بين الجنسين فيما يتعلق بحرية الاشتراط إذ جاءت الصياغة في المادة على صيغة المثنى.

وحسب المادة 19 من قانون الأسرة فإنّ الاشتراط يكون إمّا من خلال عقد الزواج نفسه أو من خلال عقد رسمي لاحق، وهو تأكيد من المشرع على ضرورة الالتزام بالشروط من كلا الزوجين.

هذا إذا كانت الشروط لا تتنافى مع عقد الزواج، أما في حالة أن الشرط كان منافيا لمقتضيات العقد فقد جاء المشرع بنصين أولهما المادة 32 التي تنص على أنه: “يبطل الزواج إذا اشتمل على مانع أو شرط يتنافى ومقتضيات العقد”، وبذلك اعتبر المشرع اشتمال العقد على الشرط المنافي له يكون سببا لبطلانه (أي العقد).

أما ثانيها وهو نص المادة 35 وجاء فيها ما يلي: “إذا اقترن عقد الزواج بشرط ينافيه كان ذلك الشرط باطلا، والعقد صحيحا”، فجعل بذلك العقد المقترن بشرط ينافيه صحيحا مع ابطال الشرط.

ومن ثم فإن الجمع بين هذين النصين يكون متعذرا، فمرة جعل الشرط باطلا و مرة أخرى العقد باطلا، و لذلك كان من الأنسب حذف عبارة “أو شرط يتنافى ومقتضيات العقد” وعدم ادراجها ضمن المادة 32 و الاكتفاء بما ورد بالمادة 35[17]. أو اعتبار المادة 32 متعلقة بالمانع فقط، والاكتفاء بالمادة 35 كجزاء خاص بالشرط المنافي لعقد الزواج.

وما تجدر الاشارة إليه هو أن المشرع في تعديله للمادة 19 جاء بمثالين للاشتراط وهو شرط عدم تعدد الزوجات و شرط عمل المرأة، وما يلفت الانتباه هو أنّ كلاّ من الشرطين يعد حماية للزوجة وحقوقها وكذا ضمانا لها من تعسفات الزوج أو قيامه بأعمال تنعكس على حياتهما خلال مرحلة قيام علاقتهما الزوجية[18] ولذلك سنفصل في هذين الشرطين كل على حدى:

1/شرط عمل المرأة:

لقد نص قانون الأسرة على حق المرأة في اشتراط عملها وذلك من أجل ضمان حقوقها والتأكيد على عدة أمور أهمها، مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحق في العمل والذي كرسه الدستور من خلال المادة 55[19] التي تنص على أنه “لكل مواطن الحق في العمل” وكذا نص المادة 29 بقولها: ” كل المواطنين سواسية أمام القانون ولا يمكن أن يتذرّع بأيّ تمييز يعود سببه إلى المولد أو العرق أو الجنس أو الرّأي أو أيّ شرط أو أيّ ظرف آخر شخصي أو اجتماعي”، إضافة إلى المادة 32 بنصّها: “الحريات الأساسية وحقوق الانسان والمواطن مضمونه”[20].

والأكثر من ذلك فإن المشرع قد أورد في المادة 67 من قانون الأسرة بعد التعديل أنه: “لا يمكن لعمل المرأة أن يشكل سببا من أسباب سقوط الحق عنها في ممارسة الحضانة”.

2/شرط عدم تعدد الزوجات:

نصّ قانون الأسرة صراحة في تعديله للمادة 19 على أنه يجوز للزوجة الاشتراط على زوجها ألّا يتزوج عليها ما دامت هي تحت عصمته، بعدما كان هذا الشرط محلّ خلاف ونقاش الفقهاء، حيث أثار جدلا كبيرا نظرا لارتباطه بمبدأ هام أقرته الشريعة الاسلامية وهو مبدأ تعدد الزوجات.

ذهب الحنفية إلى أن اشتراط الزوجة على زوجها عدم الزواج عليها هي من الشروط التي لا يقتضيها عقد الزواج، وحكم هذا النوع من الشروط أن العقد لا يتأثر بمثل هذه الشروط، فيلغى الشرط ويبقى العقد صحيحا، ومن ثم لا يلزم وفاء الزوج بهذا الشرط[21].

وأما الشافعية فاعتبروا أن هذا الشرط مما يخالف مقتضى العقد، إلا أن فيه منفعة مقصودة لمن يشترطه، فيصح النكاح ويفسد الشرط[22].

أما المالكية فيرون أن هذا الشرط مما لا يقتضيه العقد وإن كان لا ينافيه، وبالتالي يكون مكروها، ولا يلزم الوفاء به ابتداءً، ولكن إن وقع صحّ العقد وبطل الشرط، إلا أنه يستحب الوفاء به[23].

ويرى الحنابلة أن هذا الشرط لا يقتضيه عقد الزواج ولا ينافيه، وحكمه أنه صحيح يلزم الوفاء به، وإذا فات الشرط كان لصاحب الشرط الخيار بين فسخ العقد أو إمضائه[24].

وبالرجوع إلى قانون الأسرة، فإنّ اشتراط عدم التعدد هو شرط لا يتنافى مع أحكام القانون إذ أن المشرع قد سمح بالزواج بأكثر من واحدة وهو أمر جوازي، ولما كان كذلك واعتبارا بأنه حق يتصرف به الرجل كما يشاء فإنه يستطيع التنازل عنه وقبول شرط المرأة التي ترفضه[25]، وذلك باتفاقهما سواء في العقد أو بعده. ومن ثمّ فإن قانون الأسرة قد أخذ بالرأي الذي يبيح اشتراط عدم تعدد الزوجات، وهو ما ذهب إليه بعض الحنابلة والذين اعتبروا هذا الشرط جوازيا، ويلزم الزوج به وإذا لم يف به كان للزوجة فسخ عقد الزواج[26].

خاتمة:

من خلال هذه الدراسة الموجزة تبين أن الاشتراط في عقد الزواج هو حق لكل زوج يمارسه بحرية وفي اطار الشروط التي لا تتنافى مع هذا العقد ومع الأهداف التي يحققها والآثار التي يرتبها. وأن التشريع الأسري الجزائري قد أكد على حق الاشتراط مع اعطاء مثالين حاول من خلالهما حماية حق المرأة في العمل و في عدم التعدد عليها بدون رضاها.

 

 

[1]القانون 84/11 المؤرخ في 09/06/1984 المتضمن قانون الأسرة المعدل والمتمم بالأمر 05/02 المؤرخ في 27/02/2005، الجريدة الرسمية رقم 15 الصادرة بتاريخ 27/02/2005.

[2]أبو محمد بن حزم ، المحلى  بالآثار ، ادارة الطباعة المنيرية ، مصر، دون سنة النشر ، ص.516.

[3]أبو محمد بن قدامة ، المغني ، ط.3 ، دار عالم الكتب  ، السعودية،1997، ص.486.

[4] أبو عبد الله بن اسماعيل البخاري، الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه المشهور بصحيح البخاري، كتاب النكاح، باب الشروط التي لا تحل في النكاح، رقم الحديث 5152، الطبعة الأولى، المطبعة السلفية، القاهرة، 1979، ص. 640.

[5] محمد بن رشد القرطبي ، بداية المجتهد ونهاية المقتصد ، ط.2، دار المعرفة ، لبنان، 1982، ص.57.

[6]ففي بعض الروايات أنها حرمت يوم خيبر، وفي بعضها يوم الفتح، وفي بعضها في غزوة تبوك، وفي بعضها في حجة الوداع، وفي بعضها في عمرة القضاء، محمد بن رشد القرطبي، المرجع السابق، ص.58.

[7] أبو محمد بن قدامة ، المرجع السابق، ص.486

[8]السيد سابق، فقه السنة،ج.2،ب.ط،  دار مصر للطباعة، القاهرة، دون سنة النشر، ص.35

[9] أبو العباس بن تيمية، الفتاوى الكبرى،ج.3،ط.1، دار الكتب العلمية، لبنان، 1987، ص.78.

[10]أبوعبد الله بن اسماعيل البخاري، كتاب النكاح، باب الشروط في النكاح، حديث رقم5151، المرجع السابق،ص.375.

[11]محمد أبو زهرة، الأحوال الشخصية، الطبعة الثالثة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1957، ص. 160.

[12]أنظر، أبو الوليد الباجي، المنتقى شرح موطأ مالك، ج.5، ط.1، دار الكتب العلمية، لبنان، 1999، ص .69؛ محمد بن رشد القرطبي، المرجع السابق، ص.59.

[13]أنظر، محمد بن محمد الغزالي، الوسيط في المذهب، ج.5، ط.1، دار السلام للطباعة، بدون بلد النشر، 1997. ص.229.

[14]محمود بن أحمد العيني ، البناية في شرح الهداية، ط.2، دار الفكر، بيروت، 1990، ص.690.

[15] أبو محمد بن حزم، المرجع السابق، ص.517.

[16]أنظر، رباحي أحمد، ضوابط حرية الاشتراط في عقد الزواج بين قانون الأسرة الجزائري والفقه الاسلامي، دراسات قانونية، مجلة سداسية تصدر عن مخبر القانون الخاص الأساسي ، جامعة أبو بكر بلقايد، تلمسان 2010 ، عدد 07، ص. 34.

[17]أنظر، عبد القادر داودي، أحكام الأسرة بين الفقه الاسلامي وقانون الأسرة ، دار البصائر للنشر، الجزائر،2010، ص. 153.

[18]أنظر، يوسف مسعودي، الاشتراط في عقد الزواج في قانون الأسرة الجزائري ،مذكرة ماجستير في قانون الأسرة، المركز الجامعي، بشار، 2007، ص. 311.

[19] من دستور 1996 المعدل والمتمم بموجب القانون رقم 08-19 المؤرخ في 15/11/2008 المتضمن التعديل الدستوري، الجريدة الرسمية رقم 63 المؤرخة في 16/11/2008 .

[20]هذا إضافة إلى المادة 31 والمادة 31 مكرر التي تنادي بضمان مساواة كل المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات وكذا مشاركة المرأة في الحياة السياسية.

[21] محمد بن رشد القرطبي، المرجع السابق، ص.59.

[22] محمد بن محمد الغزالي، الوسيط في المذهب، ج.5، ط.1، دار السلام للطباعة، دون بلد النشر،1997، ص.229.

[23]أبو الوليد الباجي، المنتقى شرح موطأ مالك، ج.5، ط.1 ، دار الكتب العلمية ، لبنان، 1999، ص.68.

[24] أبو محمد بن قدامة، المرجع السابق، ص.483.

[25] طالبي سرور، حماية حقوق المرأة في التشريعات الجزائرية مقارنة مع اتفاقيات حقوق الانسان، مذكرة ماجستير في القانون الدولي والعلاقات الدولية، بن عكنون، الجزائر، 2000، ص. 65؛ لوعيل محمد لمين ، المركز القانوني للمرأة في قانون الاسرة الجزائري، مذكرة ماجستير في القانون، عقود مسؤولية، الجزائر 2001، ص. 61.

[26] رشدي شحاتة أبو زيد، الاشتراط في وثيقة الزواج في الفقه الاسلامي وقانون الأحوال الشخصية، ط1، مكتبة الوفاء القانونية، الاسكندرية، 2011، ص. 240.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى