برامج الحاسوب وقواعد الملكية الصناعية: تناغم أم تنافر؟
الأستاذة بشرى النية[1]
تقديم :
شهد العالم تطورات تكنولوجية متلاحقة أرَّخَت لعصر جديد يصطلح عليه بعصر ثورة المعلومات، الذي شهد ميلاد أعظم ما تفتق عنه العقل البشري، وهو "الحاسوب". وهو جهاز إلكتروني ذو مقدرة عالية على تخزين المعلومات واسترجاعها، وإعطاء نتائج جد دقيقة بسرعة متناهية. ولتشغيله والقيام بالعديد من المهام بواسطته، لابد من تثبت على ذاكرته البرامج التي تعد قلبه النابض، بحيث لولاها لما كان الحاسوب سوى قطعة حديد فارغة.
والبرامج هي مجموعة من التعليمات المتتالية المعبر عنها بكلمات أو برموز أو برسوم أو بأي طريقة أخرى، تمكن حينما تدمج في دعامة قابلة لفك رموزها بواسطة آلة، من إنجاز عمل أو تحقيق مهمة محددة، أو الحصول على نتيجة بواسطة حاسوب، أو بأي طريقة إلكترونية قادرة على معالجة المعلومات[2]. لهذا لم تطرح أي مشاكل عند ظهور الحاسوب، بحيث اعتبر منذ البداية اختراعا[3]. على أن الإشكال انحصر بالأساس في برامج الحاسوب التي كانت تسوق معه بادئ الأمر، بدون فصل في العقود المتضمنة لبيع الأجهزة، بينها وبين البرنامج المشغل عليها.
أسباب عديدة جعلت مسألة حماية برامج الحاسوب تطرح بحدة، خاصة مع تطور تكنولوجيا الحواسيب، وتنوع أشكال القرصنة والتقليد بشكل كبير، هذا إلى جانب أن صناعة برامج الحاسوب تتطلب رؤوس أموال ضخمة وأيادي عاملة خبيرة معلوماتيا، مما يعني أنها استثمار صناعي بالدرجة الأولى[4].
فلماذا يا ترى، لم ينظر إليها على أنها اختراع تقني في مجال المعلوميات[5]، وبالتالي تمنح البراءة وتحمى وفق قواعد الملكية الصناعية؟.
هذا ما سنتطرق إليه من خلال البحث في مدى إمكانية تطبيق قانون الملكية الصناعية على برامج الحاسوب (المبحث الأول). لتقدير الحماية القانونية لبرامج الحاسوب عن طريق قانون الملكية الصناعية (المبحث الثاني).
المبحث الأول: مدى إمكانية تطبيق قانون الملكية الصناعية على برامج الحاسوب :
تتداخل في برامج الحاسوب عناصر الإبداع الفكري بالمعرفة التقنية في مجال البرمجة وإنشاء البرامج، مما يجعلها بمثابة اختراع. والاختراع في التشريع المغربي بموجب المادة 21 الفقرة 1، هو منتجات وطرائق وكل تطبيق جديد أو مجموعة وسائل معروفة للوصول إلى نتيجة غير معروفة بالنسبة إلى حالة التقنية. وعليه، "الاختراع فكرة جديدة تسمح عند تطبيقها، بحل مشكلة محددة في مجال التكنولوجيا"[6]. وهو يتخذ صورا عديدة، كأن يؤدي إلى إنتاج صناعي جديد كليا، أو يكون تطبيقا جديدا لطريقة أو وسيلة صناعية معروفة. وقد تضمن ظهير الملكية الصناعية الجديد، الإشارة إلى تحديد صور الابتكار في المواد من 21 إلى 29، كما حدد شروط منحه للبراءة بمقتضى هذه المواد.
وعلى المخترع حماية اختراعه وفق الطرق القانونية التي خولها له المشرع، حيث يمنحه وثيقة رسمية تصدرها الجهات المسؤولة في الدولة[7]، بمقتضاها يستطيع استغلال اختراعه لمدة معينة وبقيود يحددها المشرع. كما له حق التمسك بالحماية القانونية لاختراعه، ضد كل أشكال التعدي عليه من قبل الغير[8].
ورغم أن الكثير من التشريعات استبعدت برامج الحاسوب من دائرة الحماية بموجب براءة الاختراع، فإن الكثير من الآراء الفقهية نادت منذ طرح مسألة حماية برامج الحاسوب، بوجوب حمايتها وفق قواعد براءة الاختراع. وما يزكي هذا الطرح، هو التوجه الحالي لمعظم التشريعات نحو قواعد الملكية الصناعية، لإضفاء حماية قانونية فعالة لبرامج الحاسوب، فما مدى إمكانية حماية قانون الملكية الصناعية لبرنامج الحاسوب ولخرائطه التدفقية وكذا لعلامته التجارية؟.
المطلب الأول: مدى توافقية شروط منح البراءة مع طبيعة برامج الحاسوب:
تظهر كل يوم إبداعات جديدة ومختلفة، لكن لا توصف كلها بالاختراع لعدم توفرها على شروطه وهي:
الشرط الأول: بأن يكون مشتملا على نشاط إبداعي، أي أن يكون إنتاجا جديدا مقارنة والمستوى التقني المعروف، أو طريقة أو وسيلة جديدة بالنسبة إلى حالة التقنية، أو تطبيقا جديدا لوسائل معروفة، أو أن يكون الاختراع عنصرا في تركيب صناعي جديد.
الشرط الثاني: أن يكون هذا الابتكار جديدا وغير داخل ضمن حالة التقنية الصناعية.
الشرط الثالث: أن يكون هذا الاختراع قابلا للتطبيق الصناعي.
الشرط الرابع: ألا يكون الاختراع منافيا للنظام العام أو الآداب العامة:
فالاختراع إذن، إبداع فكري بالدرجة الأولى موجه إلى التطبيق التقني. ولا تخرج برامج الحاسوب عن كونها أيضا إبداعا فكريا، على أنها تتميز بتنوعها بين ما هو مخصص للتطبيق الصناعي وبين ما هو مخصص للميادين التجارية أو قطاعات التدبير والصناعة وغيرها.
فبرامج الحاسوب مجموعة من التعليمات المتتالية يطلق عليها في الاصطلاح المعلوماتي "بالخوارزميات"[9]، موجهة من الإنسان إلى الآلة والتي بنقلها على دعامة مادية مقروءة من الآلة، يؤدي إلى تحقيق نتيجة معينة والحصول على وظيفة محددة عن طريق آلة تستطيع معالجة المعلومات. وهي وإن كان فكرة جديدة أو تطبيقا جديدا مقارنة ومستوى التقنية الموجودة، لا تبدو اختراعا وفق المعنى الكلاسيكي لهذا المصطلح. لكن، هل يعني هذا، أن يحرم البرنامج الذي يدخل ضمن طريقة أو تطبيق صناعي جديد من دائرة الحماية ؟.
إن البحث في مدى إمكانية اعتبار البرنامج فكرة أو تطبيقا أو وسيلة جديدة في مجال التقنية بمقتضاها يمنح البراءة، يستلزم الوقوف بادئا على الآتي:
لعل أول ما يصطدم به البرنامج إزاء تطبيق قواعد البراءة عليه، أنه لا يعد -من وجهة نظر المشرع المغربي- اختراعا بمقتضى المادة 23 الفقرة 3 من قانون الملكية الصناعية، ولم تستثن سوى تصاميم الدوائر المندمجة التي يكون الغرض منها أداء وظيفة إلكترونية[10]. فماذا عن أفكار البرامج وخوارزمياتها والطرق التي نشأت على أساسها؟.
من الممكن أن نعتبر الخوارزميات وفق المادة أعلاه كالأفكار ملك عام، للجميع حق استعماله واستغلاله دون أن يكون ملزما بالرجوع إلى مؤلفها الحقيقي، وإن كانت إبداعات أصلية لمبتكرها أو ابتكارا جديدا في مجال تركيب البرامج أو أسلوبا جديدا في البرمجة. وبذلك تستبعد من الحماية خوارزميات برامج الحاسوب، لأن مفهومها بعيد عن التطابق ومفهوم التطبيق أو الوسيلة الجديدة في قانون الملكية الصناعية. ورغم أن موقف هذا الأخير صريح بهذا الخصوص، فإن مسألة حماية برامج الحاسوب بمقتضى قواعد البراءة، مثار نقاش كبير، ذلك أن البراءة استبعدت عنها لدواعي سياسية واقتصادية بحتة[11].
فقد نادى بعض من الفقه بضرورة حماية برامج الحاسوب وفق قواعد براءة الاختراع، لأن البرامج تستعمل بالأساس للتعامل ليس مع الإنسان، بل مع مجموعة من الآلات والأجهزة في الحاسوب، لإدارتها وتوجيهها للقيام بعمل معين أو لتقديم خدمة محددة للمستخدم. وما دامت هذه البرامج لصيقة بالآلة وهذه الأخيرة محمية وفق مقتضيات براءة الاختراع، ولأن الفرع يتبع الأصل، فمن الواجب أن تنسحب البراءة أيضا على برامج الحاسوب باعتبارها جزءا من الآلة التي تستخدمها[12].
وعليه، البرامج كأي اختراع تتضمن أفكارا منطوية على إبداع فكري جديد. بمعنى آخر، البرامج وفق هذا الاتجاه، طريقة صناعية جديدة، تجعل آلات وأجهزة الحاسوب تؤدي خدمة معينة، فهي تؤدي غرضا جديدا يصلح لاستغلاله وتطبيقه صناعيا. وبذلك تكون برامج الحاسوب، اختراعا ابتكاريا جديدا قابلا للتطبيق الصناعي. فالبراءة تعني الصناعة، والبرامج كذلك.
إن برنامج الحاسوب يظهر كنظام تعليمات معبر عنها وفق شكل معين، موجه لجهاز آلي بقصد تحقيق نتيجة محددة، وكل من هذا الجهاز وتلك النتيجة مرتبط نسبيا بذلك النظام. ويجب أن يكون البرنامج متميزا عن كل تلك العناصر أو على الأقل، من حيث النظام القانوني الذي يحكمه. بعبارة أخرى، يجب أن يكون البرنامج منفصلا عن شكله المادي المعبِّر عنه، وهو دعامته المثبت عليها والتي تعطيه شكلا ماديا. لكن، ألا يمكن اعتبار أن ابتكار تقنيات البرمجة من باب التطبيق الصناعي، ويستأهل البرنامج بالتالي الحماية القانونية بمقتضى البراءة؟.
إن هذا يستدعي البحث في نوع وتخصص البرنامج، مثلا: نبحث في برنامج حاسوب ما، هل يشكل طريقة جديدة لحل مشكل علمي، أم أنه ليس سوى تعريف بتعليمة أو طريقة جديدة في الإنتاج، أم هو عبارة عن تركيبة تعليمات، من أجل تجربة جهاز جديد أو وظائف جديدة لجهاز موجود، كما ولا بد من معرفة ما إذا كان هذا البرنامج تطبيقي أم نظري. بعبارة أخرى هل يحل هذا البرنامج لمستخدمه مشكلة محددة ذات طبيعة تقنية أو صناعية، أو في مجال آخر ؟. فهل يمكن القول، بأن عنصر الجدة، يمكن أن نبحث عنه في البرنامج من حيث هو تعليمات لمنحه البراءة؟. وهل ما يحضى بالحماية القانونية أحد عناصره فقط، أو مرحلة معينة منه؟.
الواقع أنه يصعب رصد هذا، وإن كانت مجموع التعليمات المركب منها البرنامج جديدة. فما يُرتكز عليه للقول بأنها متضمنة لعنصر الجدية، هو المفهوم المعطى للاختراع لكي يحصل أي ابتكار على البراءة. وبذلك برنامج الحاسوب من حيث تركيبته من مجموعة تعليمات لا تتوفر فيه الشروط المتطلبة لمنحه صفة اختراع، وبالتالي القول ببراءته. ويبدو للوهلة الأولى، أن شرط الجدة في برنامج الحاسوب لا يمكن تطبيقه إلا في حالة البرنامج في صفته الأولى، كفكرة أساس (Idée-base) لابتكار البرنامج، أي البرنامج-المصدر الذي يمكن أن يقترب نوعا ما من مفهوم الاختراع.
ولنعد هنا إلى مسألة الخوارزميات كطريقة تعبيرية عن التصورات المراد تحقيقها من خلال البرمجة، والتي يمكن حمايتها إذا ما اعتبرنا الخوارزميات وسيلة جديدة لعمليات متتابعة للوصول إلى صناعة منتجات مادية أو لتحقيق نتيجة تقنية جديدة، إعمالا لمقتضيات المادة 21 من ق.م.ص.، سواء كان التطبيق الجديد للخوارزميات للحصول على منتجات صناعية معروفة، أو للوصول إلى نتيجة صناعية جديدة، أو كان استخدام هذه الوسائل المعروفة للوصول إلى إنتاج معروف يكون الجديد فيه، هو استخدام هذه الطريقة لتحقيق تلك النتيجة.
بهذا يمكن التوصل إلى إمكانية حصول خوارزميات برنامج الحاسوب على البراءة، كابتكار جديد في مجال التطبيق التقني. ونقول التقني بدل الصناعي، لما في ذلك من توسيع لدائرة الاختراعات وعدم حصرها في دائرة التطبيق الصناعي فقط.
وعليه، فإن قواعد البراءة كما نص عليها في ق.م.ص.، يصعب اتساقها وطبيعة تركيبة ومضمون برامج الحاسوب، نظرا لانصياعها وراء مفاهيم -قد تبدو في مستقبل قريب- قاصرة عن شمول الكثير من الابتكارات. كما "يصعب التحقق من شرط الجدة إلا في حالة وحيدة، وهي حينما يشتمل البرنامج على تطبيق جديد للخوارزميات في مجال التقنية، بحيث تظهر بكل وضوح لرجل الحرفة العادي عناصر الإبداع المتطلبة، للقول بتوافر الابتكار والإبداع الجديد في البرنامج"[13]، مما يكون معه من اللازم إعادة النظر في مفاهيم البراءة والاختراع وغيرهما.
ويعتبر موقف المشرع المغربي من برامج الحاسوب، إجحافا كبيرا بحقها، إذ أنها قد تكون ذات أغراض صناعية وأفكار جديدة في مجال التطبيق التقني، مما من شأنه الوقوف أمام التطور التكنولوجي، مع ما قد يستجد من تقنيات لبرامج الحاسوب.
ويبدو أن الطرح الذي أعطاه الأستاذ أحمد بن عجيبة أفضل لو اتبع، فهو يرى أنه "إذا كان الغرض من برامج الحاسوب إظهار فكرة صناعية جديدة، لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال هذا البرنامج، فمن هذه الزاوية تصبح قابلة للحماية ببراءة الاختراع. ذلك أن برامج الحاسوب وإن كان يصدق عليها في كثير من الأحيان وصف الاستغلال الصناعي، إلا أن أغلبها لا يمثل في كثير من الأحيان إلا أفكارا موجودة ومتناولة"[14].
وتجدر الإشارة إلى أن المادة 22 الفقرة 1 من اتفاقية الجوانب الفكرية المتصلة بالتجارة لسنة 1994، أتاحت إمكانية الحصول على براءة الاختراع، سواء للمنتجات أم العمليات الصناعية في كافة ميادين التكنولوجيا، شريطة كونها جديدة ومنطوية على "خطوة إبداعية" قابلة للاستخدام في الصناعة (…)، ويتم التمتع بحقوق ملكيتها دون تمييز فيما يتعلق بمكان الاختراع أو المجال التكنولوجي أو ما إذا كانت المنتجات مستوردة أم منتجة محليا". فبمقتضى هذه المادة وبالضبط من العبارات "عمليات صناعية في كافة ميادين التكنولوجيا، شريطة كونها جديدة…"، نفهم بأن هذه الاتفاقية، لم تمنع برامج الحاسوب من التمتع بالبراءة إذا ما كانت قابلة للاستخدام في المجال الصناعي وكانت جديدة. ومن ثم، تكون قد تركت الباب مفتوحا أمام خوارزميات البرنامج لكي تحظى بالبراءة، كلما دخلت ضمن مفهوم "العمليات الصناعية" المنطوية على "خطوة إبداعية"، في كافة ميادين التكنولوجيا[15].
ويمكن أن نفهم أن الاتفاقية المذكورة، حينما حمت برامج الحاسوب عن طريق قانون حق المؤلف، فالأغلب أنها اعتبرت أن هذه الحماية مقررة لمؤلف البرنامج وليس للبرنامج في ذاته، بحيث نجدها قد حمت برنامجي المصدر والهدف أيضا، واعتبرتهما بمثابة إبداع أدبي وفق اتفاقية برن. لهذا، خوارزميات برامج الحاسوب أحيطت بالحماية القانونية وفق هذه الاتفاقية.
ونجد هذا الطرح صحيحا، إذا ما ميزنا بين مختلف مراحل إنجاز البرامج، وما يزيده تأكيدا، أن:
– أولا: الممارسة العملية للمكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية -وحتى قبل صدور ق.م.ص.الجديد- قد أخذت بما استقرت عليه الممارسة العملية الدولية، بحيث يقبل منح البراءة لأي برنامج للحاسوب، دخل في مرحلة ما من مراحل طريقة صناعية جديدة.
– ثانيا: أن التعليمات النموذجية لحماية البرمجية الصادرة عن المكتب الدولي للمنظمة العالمية للملكية الفكرية لسنة 1978، نصت صراحة على شمولية وصف البرنامج مجال حماية البرامج، وعرفته بأنه التقديم الكامل والمفصل لمختلف العمليات، شفويا أو تخطيطيا أو غيرهما بشكل كاف، بقصد تحديد مجموعة التعليمات المكونة لبرنامج الحاسوب.
إذن، البرنامج والحاسوب هما إحدى الوسائل للوصول إلى النتيجة أو الاختراع الجديد، ويقوم البرنامج بتكملة الطريقة الصناعية، بحيث لولاه لما تم التوصل إلى النتيجة المطلوبة. مما تتوجب حمايته من القرصنة، لما في هذا النوع من الاستثمارات من أهمية كبيرة، ليس فقط على مستوى الاختراع أو النتيجة المتوصل إليها، ولكن أيضا من حيث تصميم وإنشاء البرنامج؛ فكلاهما استثمار ضخم، وأي فصل بينهما يكون مسا خطيرا بالاختراع وبالفكر الإبداعي وبالحقوق المالية على هذا الإبداع .
ويعمل المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، عن طريق قاعدة المعطيات الوطنية والدولية للبراءات، على البحث عن البراءات عبر مختلف أقطار المعمور، ليراقب في كل طلب للحصول على البراءة مدى جديته وجدته أيضا ومدى استيفائه للشروط المطلوبة[16]. وهكذا، تحظى برامج الحاسوب بحماية قانونية مهمة بمقتضى قواعد البراءة، إذا ما أخذنا مفاهيم الابتكار والإبداع والصناعية بشيء من المرونة.
لكن، هل تمتد حماية قواعد الملكية الصناعية لبرامج الحاسوب إلى علامته؟. وماذا عن خرائطه التدفقية، أيمكن أن نعتبرها بمثابة رسوم ونماذج، تمتد إليها قواعد ق.م.ص. بالحماية؟.
المطلب الثاني: حماية اسم البرنامج وعلامته التجارية، وكذا خرائطه التدفقية
باعتبار برنامج الحاسوب إنتاجا فكريا وسلعة تجارية تقوم بمهمة معينة، لا بد له من اسم تعريفي لدى الجمهور يميزه عن غيره، كما قد تكون له علامته الفارقة المميزة له عن غيره من البرامج الأخرى[17]. وحماية اسم وعلامة البرنامج من الأهمية بمكان، وإلا لظهرت العديد من البرامج التي تحمل ذات الاسم ونفس العلامة، مما سيوقع المستخدم في خلط كبير بخصوص أنواع البرامج ومهماتها. فهل يمكن حماية برامج الحاسوب، بمقتضى علامة الصنع أو التجارة أو الخدمة؟ (1).
خلال مراحل إعداد أي برنامج للحاسوب وبعد تجميع كل المعطيات الضرورية لتصميمه وابتكاره، يقوم مهندسو البرمجة والمبرمجون بتجسيد هذه المعلومات على شكل خرائط تدفقية وتصاميم تمثيلية، فهل يصدق عليها وصف الرسوم والنماذج لقانون الملكية الصناعية بقصد حمايتها؟ (2).
1- حماية علامة واسم برنامج الحاسوب:
تلعب علامة البرنامج دورا مهما في إرشاد المستهلك أو المستخدم، للتعرف عليه وعلى نوعية الخدمة التي يقدمها، ليس فقط على الصعيد الوطني بل وعلى الصعيد الدولي أيضا، مما يكسبه ثقة الجمهور فيه كسلعة أو خدمة من جهة، وفي الجهة المصدرة للبرنامج من جهة ثانية.
فلا يخفى في ظل عصر العولمة والتنافس التكنولوجي والاقتصادي، "الدور المهم الذي تلعبه العلامة في حياة المقاولات بصفة عامة. فهي تكون أحد العناصر الأساسية لاستمرار أنشطتها الاقتصادية، والضامن لتمييز منتوجاتها وخدماتها عن المنتوجات المنافسة والمحافظة على قيمتها وجودتها وزبنائها، في الأسواق التجارية الوطنية والدولية"[18]. وعملا بهذه المقتضيات، كان على المغرب أن يواكب التطورات الدولية، بقصد تشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية على السواء، بضمان الحماية القانونية للعلامات التجارية.
وقد عرف المشرع المغربي في ق.م.ص. علامة الصنع أو التجارة أو الخدمة في المادة 133 الفقرة 1، بأنها "… كل شارة قابلة للتجسيد الخطي تمكن من تمييز منتجات أو خدمات شخص طبيعي أو معنوي". وأفرد لها الحماية بمقتضى (المواد من 134 إلى 136)، إذا ما توافرت فيها: صفتها المميزة لها، والجدة والمشروعية أيضا.
وفي غياب حكم قضائي مغربي في الموضوع، نستأنس بقرار لمحكمة النقض الفرنسية، التي أقرت "بالحق في حماية العلامة التجارية للبرنامج، إذا ما استعملت شركة منافسة علامته التجارية، وإن اقتصر هذا الاستعمال على جزء منها، لما في ذلك من تشابه بين البرامج من شأنه خلق اضطراب لزبائن الشركة المعتدى على العلامة التجارية لبرنامجها"[19]. فلكل برنامج للحاسوب، اسم يميزه عن غيره من البرامج الأخرى. والاسم التجاري، بمقتضى المادة 177 من ق.م.ص. هو "التسمية أو الشارة المميزة التي تستغل بها منشأة من المنشآت"، وقد عمل الكثير من مؤلفي ومنشئي برامج الحاسوب على تسجيل الاسم كعلامة للبرنامج، بحيث نجد إشارة صريحة عن ذلك، من خلال العقود الإلكترونية التي تبرمها مع مستخدم البرنامج عند تحميله لأول مرة على ذاكرة الحاسوب[20]، أو من خلال صفحة العرض الأولى عند تحميل البرنامج على الذاكرة لاستعماله.
وعليه، يظهر أن الحماية القانونية لعلامة واسم برنامج الحاسوب، حماية تكميلية مضمونة بنصوص قانون الملكية الصناعية. وهي ذاتها الأهمية التي أعطتها اتفاقية (ADPIC) للعلامة التجارية بمقتضى المادة 15 الفقرة 1 التي ورد فيها: "تعتبر أي علامة أو مجموعة علامات تسمح بتمييز السلع والخدمات التي تنتجها منشأة ما عن تلك التي تنتجها المنشآت الأخرى صالحة لأن تكون علامة تجارية…".
وإذا كان هذا من شأن حماية قانون الملكية الصناعية لعلامة واسم برنامج الحاسوب، فماذا عن حمايته للخرائط التدفقية لبرامج الحاسوب، كتصاميم أو نماذج.؟.
2- حماية الخرائط التدفقية لبرامج الحاسوب كرسوم ونماذج، بمقتضى ق.م.ص:
تعتبر الخرائط التدفقية إحدى الركائز الأساسية، وهي تسبق مرحلة كتابة البرنامج بإحدى لغات البرمجة. وباعتبارها تصاميم ورسوما للبرنامج، ألا يصدق عليها تعريف المشرع المغربي للرسوم والنماذج في المادة 104 ق.م.ص.، والتي نصت على أنه "يعتبر رسما صناعيا حسب مدلول هذا القانون تجميع للخطوط أو الألوان، ويعد نموذجا صناعيا كل صورة تشكيلية تخالطها أولا تخالطها خطوط أو ألوان، بشرط أن يعطي التجمع أو الصورة المذكورة مظهرا خاصا لأحد المنتجات الصناعية أو الحرفية، وأن يتأتى استخدامه نموذجا لصناعة منتج صناعي أو حرفي"؟.
إذا ما اعتبرنا أن تصاميم البرنامج أو خريطته -ولو أنها ليست تجميعا لخطوط أو لألوان- تجميع بمظهر خاص لأحد المنتجات الصناعية أو الحرفية في مجال التقنية، بحيث يمكن استخدام هذا النموذج أو هذه الخريطة لعمل برنامج أو إنتاج صناعي، فمن الممكن اعتبارها تجميعا لمعطيات وأدوات خاصة بالبرامج، من أجل الحصول على منتجات صناعية أو تقنية. وبما أن قوانين الملكية الصناعية، انحصرت في التعامل بما هو مألوف ومعروف بخصوص الخرائط الصناعية ومدلولها المادي، فإن إهمال وتغييب فكرة أساسية مفادها، أن التطور التكنولوجي قد غير وسيغير مفاهيم عديدة، ومنها بطبيعة الحال تلك المتعلقة بالمجال الصناعي، سيجعلها صعبة التطبيق في الواقع العملي كلما ظهرت ابتكارات تقنية معنوية.
ومع ذلك يمكن التعامل بشيء من المرونة مع عبارة المشرع "حالة التقنية"، لنعتبر بذلك خرائط البرامج، كلما توافرت فيها الجدة والمشروعية للتطبيق الصناعي أو التقني، محمية وفق ق.م.ص.، خصوصا وأن ''الرسم والنموذج يخدم الطريقة أكثر ما يخدم التقدم الصناعي''[21].
صحيح أن الرسوم والنماذج التي يتألف منها برنامج الحاسوب، تميل إلى الأعمال الفنية أكثر من الصناعية، على أن غايتها الصناعية لا تمس في شيء طابعها الفني الذي يبقى مسألة شخصية للغاية، وبذلك حمايتها وفق قواعد الملكية الصناعية لن يعرقل حركة التطور الصناعي. والعبرة في حماية الخرائط التدفقية لبرامج الحاسوب، أن تكون طريقة جديدة يتم اعتمادها للوصول إلى نتيجة -لا فرق بين أن تكون صناعية أم لا- بحيث تتميز عن غيرها من الخرائط من حيث شكلها وطابعها التصميمي، بقيمة فنية واقتصادية تُستمد من قيمة البرنامج نفسه.
وهكذا، نقف على أهمية الحماية القانونية التي توفرها قواعد الملكية الصناعية لبرامج الحاسوب، إذ أنها لا تهتم بالبرنامج في ذاته فقط، بل ومن حيث ما هو، أكثر من كونه مؤَلَّفَ فلان أو فلان. وعليه، هي حماية مهمة لبرامج الحاسوب، فما مدى هذه الحمايةا؟.
المبحث الثاني : تقدير الحماية القانونية لبرامج الحاسوب عن طريق قانون الملكية الصناعية:
لقد طِرحت مسألة منح برامج الحاسوب البراءة منذ أن ظهرت الحاجة إلى حمايتها، ويعود ذلك إلى طبيعتها التي يختلط فيها ما هو مادي بما هو معنوي أو منطقي. وهذه الميزة ذاتها، هي التي جعلتها في مفترق طرق الآراء الفقهية. وللوصول إلى تقدير حماية برامج الحاسوب عن طريق نظام البراءة، لابد من الوقوف على مزايا هذا السبيل الحمائي (المطلب الأول)، كما تلزمنا معرفة العيوب التي تلحق بنظام حماية براءة الحاسوب (المطلب الثاني).
المطلب الأول: مزايا نظام البراءة في تحقيق الحماية القانونية لبرامج الحاسوب:
كان لتزايد استثمارات الشركات المصنعة لبرامج الحاسوب، دور تأثيري كبير للتخلي عن فكرة رفض البراءة عن برامج الحاسوب، بأن أصبحت تحظى بالبراءة في أوروبا، كلما دخلت البرامج ضمن طريقة صناعية جديدة أو تطبيق صناعي جديد.
واتجهت الكثير من القوانين إلى الاعتراف لبرامج الحاسوب بالبراءة.، كما في الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا واليابان، التي منحتها البراءة بصفتها منتوجا صناعيا؛ أي حمايتها في ذاتها، ولو لم تدخل ضمن طريقة أو تطبيق صناعي جديد[22]. وما يزيد من أهمية حماية برامج الحاسوب عن طريق قواعد الملكية الصناعية، أنها تحمي أيضا علامته المميزة له عن غيره وكذا خرائطه التدفقية –إذا ما أعملنا المفهوم الواسع للخرائط والرسوم- وذلك لمدة 20 سنة. كما تخصص قواعد الملكية الصناعية للاختراع والعلامة التجارية والخرائط التدفقية لبرنامج الحاسوب، حماية أخرى مدنية وجنائية، كلما وقع اعتداء على حق صاحب الاختراع أو الملكية (الفقرة1). هذا إلى جانب الدور المهم الذي يلعبه نظام الإيداع، في مجال حماية البرامج من كل صور التقليد (الفقرة2).
الفقرة الأولى : الحماية المدنية والجنائية التي تقررها الملكية الصناعية:
لقد خول المشرع المغربي بمقتضى المادة 211 الفقرة 1 من ق.م.ص.، لكل صاحب "… طلب براءة أو طلب شهادة إضافة مرتبطة ببراءة أصلية أو صاحب براءة أو شهادة إضافة مرتبطة ببراءة أصلية، أن يثبت بجميع الوسائل التزييف الذي يدعي أنه ضحية له". كما يحق له بموجب الفقرة 2 من نفس الفصل المذكور، "… أن يحصل على أمر من رئيس المحكمة التابع لها مكان وقوع التزييف، للقيام بالوصف المفصل للمنتجات أو الطرائق المدعى تزييفها، سواء أكان ذلك بالحجز أم بدونه، بواسطة عون قضائي أو كاتب ضبط، يمكن أن ينجز ذلك الإجراء بمساعدة خبير مؤهل للقيام بالوصف المذكور… ".
وقد حدد المشرع المغربي المقصود بالتزييف في المادة 201 الفقرة 1، بأنه "… كل مساس بحقوق مالك براءة أو شهادة إضافة أو شهادة تصميم تشكل (طبوغرافية) الدوائر المندمجة أو شهادة تسجيل رسم أو نموذج صناعي أو شهادة تسجيل علامة صنع أو تجارة أو خدمة…". ولكل من تعرض حقه للمساس، إقامة دعوى التزييف (المادة 220). ولرئيس المحكمة -بصفته قاضيا للمستعجلات- أن يمنع مواصلة الأعمال المدعى أنها تزييف أو يوقف مواصلتها، على وضع ضمانات ترصد لتأمين منح التعويض لمالك سند الملكية الصناعية أو المرخص له[23].
كما وضع المشرع المغربي، نصوصا خاصة بالعقوبات وتجريم فعل كل معتد على براءة أو علامة أو تصميم. فبمقتضى المادة 213 الفقرة 1 ق.م.ص.، كل مساس عن عمد بحقوق مالك براءة، إلا ويعد تزييفا وعملا غير مشروع يعاقب عليه المشرع المغربي، بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين. وقد قسم المشرع الحماية وفق مقتضيات ق.م.ص.، إلى دعاوى مدنية يترتب عنها الكف عن الأعمال المؤذية للحقوق المحمية والتعويض المادي للأضرار التي لحقت بصاحب الحق، ودعاوى جنائية لمعاقبة مرتكب فعل الاعتداء، والمتمثلة في عقوبتي الحبس والغرامة أو إحداهما.
ولعل في تقرير المشرع للمسطرة الاستعجالية لحماية الملكية الصناعية، أهمية كبيرة في الحد من الأضرار الناجمة عن التزييف ومعاقبة مرتكبيه، مما من شأنه "خلق مناخ قانوني ملائم وفعال، لتمكين المستثمرين الوطنيين والأجانب، من إنجاز مشروعاتهم الاستثمارية في إطار قانوني يضمن حماية فعالة لحقوقهم المحمية"[24].
الفقرة الثانية: أهمية نظام الإيداع المقرر لحماية الاختراع:
بمجرد حصول المستفيد على ترخيص بالبراءة، يخوله المشرع حق استغلال استئثاري (المادة 51 ق.م.ص.)، بحيث يحق لمالك سند الملكية الصناعية من تاريخ إيداع طلب البراءة المتعلق بطريقة ما، والتي تشمل المنتجات المحصل عليها مباشرة بهذه الطريقة (المادة 52 ق.م.ص.)، استعماله واستغلاله والتصرف فيه وفق ما يريد[25].
ولإيداع طلب الحصول على شهادة تسجيل لدى المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، دور مهم في تحديد الأسبقية في عمل البرنامج إذا ما حدث نزاع. ويتم ذلك عن طريق مراقبة تاريخ التسجيل، الذي يصبح هو تاريخ الإيداع بعد قبول الطلب، ومن خلال التدقيق في جميع الوثائق والمستندات المودعة بالسجل الوطني للرسوم والنماذج الصناعية الذي يمسكه المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، كي يتأتى الاحتجاج بها على الغير (المادة 126). مما من شأنه أن يفسح المجال أمام الاستثمارات في مجال صناعة برامج الحاسوب، من أجل ضمان حماية فعالة لها من كل أشكال التعدي غير المشروع.
إذن، يضمن الإيداع لدى المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية:
v أسبقية الإيداع (إذا ما حصل نزاع بين برنامجين).
v حرية اعتراض كل أعمال المنافسة غير المشروعة والقرصنة.
v حماية كل مشتملات الاختراع، بما فيها البرنامج أيضا[26].
وعليه، تبقى الحماية القانونية لبرامج الحاسوب بمقتضى ق.م.ص. بالرغم من رفض الكثيرين الأخذ بها لتشبثهم بالنظريات الكلاسيكية في مواجهة برامج الحاسوب، حماية قانونية مهمة، إذا ما تمت مراعاة طبيعة برامج الحاسوب كمنتوجات مُصَنّعة من مواد جديدة، تختلف عن باقي المواد الأخرى المادية المعروفة. ففي عصر تقدر فيه الاستثمارات في مجال برامج الحاسوب بملايير الدولارات، وفي ظل ازدهار صناعتها عبر العديد من أقطار العالم، كيف لا نعتبرها اختراعات فكرية -بامتياز- خاصة وأن كل صناعة إلا وتتطلب رؤوس أموال ضخمة وتقنيات عالية. وصناعة برامج الحاسوب، لا تختلف عن نظيراتها من الأنواع الأخرى للصناعة.
ما يزكي طرحنا هذا هو التحول المهم للعديد من التشريعات إلى منح البراءة لبرامج الحاسوب استنادا إلى "اتفاقية البراءة الأوروبية (ميونخ 5 أكتوبر 1973) التي لم تستبعد صراحة من الحماية، سوى البرنامج في ذاته دون الذي يدخل ضمن تعليمة للتطبيق الصناعي"[27]. كما "اتجه المكتب الأوروبي للبراءات[28] نفسه إلى القبول التدريجي بمنح البراءة لكل برامج حاسوب، يمثل تأثيرات تقنية[29]، سواء كان برنامج حاسوب في ذاته أو مزيجا من المكونات المادية والمعنوية، بشرط أن تتوافر شروط منح البراءة. وتعتبر "الاتفاقية المتعلقة بالنواحي الفكرية المتصلة بالتجارة الموقعة بمراكش في سنة 1994، إحدى الأسباب التي جعلت التفكير يتحول عن الملكية الأدبية في حماية برامج الحاسوب. فبمقتضى المادة 27 الفقرة 1، لم نجد ما يفيد أنها تستبعد البراءة عن برامج الحاسوب، فقد تمكنت شركة "إ.ب.م.IBM""، من الحصول على براءتين من المكتب الأوروبي للبراءات استنادا فقط لهذه المادة سنة 1998 و1999"[30].
أمام هذا الوضع، وبعد التطورات التشريعية التي عرفتها تشريعات الدولتين الرائدتين عالميا في صناعتها، اليابان والولايات المتحدة الأمريكية[31]، فقد تحولت أنظار مشرعي البلدان الأوروبية إلى الإسراع في تعديل تشريعاتها، حتى لا تتراجع لا اقتصاديا ولا تشريعيا أمامهما. ومنذ 19 أكتوبر 2000، انطلقت مشاورات عديدة داخلة اللجنة الأوروبية، لاستطلاع الرأي حول موضوع منح البراءة لبرامج الحاسوب[32]. وقد تعالت العديد من الأصوات الرافضة لحماية البرامج عن طريق البراءة، بدعوى تكلفتها وصعوبة تطبيقها وعدم انسجامها مع برامج الحاسوب، إلى جانب إمكانية إضرارها بالاقتصاد، وتعريض فئات عديدة من اليد العاملة في مجال المعلوميات للبطالة[33].
فهل سيبادر المشرع المغربي، إلى ضرورة حماية برامج الحاسوب وفق قواعد الملكية الصناعية بمنحها البراءة كاختراع معلوماتي، كما أقدمت على ذلك الكثير من الدول التي تحولت إلى حماية البرامج وفق قواعد البراءة كالولايات المتحدة، الأمريكية، أو بتفريدها بقوانين خاصة كما فعلت الصين وبلجيكا؟. على أن أي تعديل تشريعي، إلا ويجب أن يكون محاطا بالكثير من الحذر والاحتراس، مع مراعاة حماية الاستثمارات والمصالح الاقتصادية في مجال صناعة برامج الحاسوب، إلى جانب رغبة أكيدة في تجديد النص القانوني كلما دعت الضرورات التكنولوجية إلى ذلك.
[1] أستاذة زائرة بكليتي الحقوق – الرباط أكدال والسويسي.
[2] عرف المشرع المغربي برامج الحاسوب في القانون المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة الصادر في 15 فبراير 2000، بمقتضى المادة 1 – الفقرة 13.وللمزيد من الاطلاع حول هذا الموضوع انظر رسالتي لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني "الحماية القانونية لبرامج الحاسوب"، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط – أكدال، 2002.
[3] لم يطرح المشكل بخصوص المكونات المادية للحاسوب، إلا بظهور تقنية الشرائح الدقيقة التي تتضمن مزجا بين كل من البرامج والجهاز. وهنا الفصل بين النوعين من المكونات من الصعوبة بمكان حصوله، لأن هذه الشرائح تتضمن برنامجا لتشغيل الحاسوب.
[4] في غياب إحصائيات وطنية، نكتفي بالإشارة إلى أن خلال سنة 1993، تجاوز رقم أعمال شركة مايكروسوفت كل أرقام معاملات منافساتها الرئيسية مجتمعة ب500 مليون دولار، وتجاوزت قيمة رأسملتها البورصية 27 مليار دولار. عبد النبي رجواني،"عصر المعلومات". سلسلة المعرفة للجميع، ع.9، غشت-سبتمبر 1999، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، ص.50.
[5] معلوم أن القانون المغربي للملكية الصناعية استبعد برامج الحاسوب من دائرة الحماية بموجب المادة 23 الفقرة 3 .
[6] المنظمة العالمية للملكية الفكرية، "العناصر الأساسية لحماية الاختراعات"، جنيف 1995. ص.241.
[7] في المغرب، المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، ومقره بالدار البيضاء.
[8] تختلف وجهات نظر الفقهاء حول طبيعة البراءة من حيث هل هي عقد بين المخترع والإدارة، أم قرار إداري من جهات مختصة، أم عمل منشئ لا مقرر. ولتفاصيل هذه المواقف الفقهية، انظر: سميحة القيلوبي، "الملكية الصناعية"، دار النهضة العربية، (بدون سنة الطبع)، ص.37. وأيضا، محمد حسني عباس، "الملكية الصناعية أو طريق انتقال الدول النامية إلى عصر التكنولوجيا"، المنظمة العالمية للملكية الفكرية، جنيف 1967، ص.10.
[9] يقصد بالخوارزميات، مجموعة التعليمات المتتالية المتكونة من سلسلة تراكيب حسابية ومنطقية، تمثل عددا كبيرا من العمليات، للتوصل إلى نتيجة معينة.
[10] عرف المشرع المغربي بمقتضى م. 90 "الدائرة المندمجة"، بأنها "كل منتوج تكون فيه العناصر، على أن يكون أحد العناصر على الأقل عنصرا نشطا، وبعض الوصلات أو كلها جزءا لا يتجزأ من قطعة من المادة و/ أو عليها، في شكله النهائي أو في شكله الوسط، ويكون الغرض منه أداء وظيفة إلكترونية".
[11] انظر في تفاصيل هذه النقطة: Bernard A.Galler, "Software and intellectual property protection: Copyright and Patent issues for computer and legal professionals. Published by Quorum Books, USA 1995, p.43.
[12] Frédérique Toubol, "Le logiciel: Analyse juridique "FEDUCI, LGDJ, Paris 1986, supra n°54,55.
[13] Vesna Besarovié op.cit, p.148.
[14] اذ.أحمد بن عجيبة، "الحماية القانونية لبرامج الحاسوب"، مجلة الإشعاع، ع. 20 س.11، دجنبر 1999، ص.108.
[15] هذا ونشير إلى أن هذه الاتفاقية نصت بمقتضى م.10-فق.1 بأنه "تتمتع برامج الحاسوب الآلي (الكمبيوتر)، سواء أكانت بلغة المصدر أو بلغة الآلة، بالحماية باعتبارها أعمالا أدبية بموجب معاهدة برن". وبذلك يمكننا أن نفهم أن هذه الاتفاقية ميزت بين البرنامج وبين مجال تطبيقه. فالحقوق مضمونة على البرامج وفق معاهدة برن التي تعتبر برامج الحاسوب أعمالا أدبية، بينما البرنامج كتطبيق يحمى بمقتضى هذه المادة، كلما كان مجال تطبيق البرنامج صناعيا أو في مجال من مجالات التكنولوجيا.
[16] أنظر بخصوص هذه الشروط:
Ministère de l’industrie du commerce et de l'Artisanat, " Guide du déposant – Brevet d'invention", 1999.
[17] مثلا تسوق شركة مايكروسوفت الحزمة المكتبية ( أوفيسOffice )، بالعلامة التجارية للشركة مايكروسوفت، وبالعلامة الخاصة بهذه الحزمة، ولكل برنامج تتكون منه هذه الحزمة، اسمه المميز له. فمثلا برنامج معالجة الكلمات "Ms Word" " له علامته الفارقة عن برنامج الجداول الإلكترونية " Ms Excel".
[18] البيان التفصيلي لمشروع قانون رقم 97-17 ، المتعلق بحماية الملكية الصناعية والتجارية، تقرير سابق، ص.18.
[19] Cass.Com., 9 mars 1999, n° 96-11.332; CA Paris, 4éme Ch. B., 18 Déc. 1998, Soc. Microsoft Corporation c / Soc. AG-Communication systems corporation, n°197. Lamy droit de l'informatique et des réseaux, Bulletin -C- n° 115, juin 1999; CA Paris, 4éme Ch. B., 5 Mars 1999, Soc Compagnie IBM France et autre c/ Loufrani, et la décision de la Cour de cassation, Ch.Com., 9 Mars 1999, n°115, n°117 et 197, Lamy Bulletin, -E- n°117, Août-Sept. 1999.
[20] انظر بخصوص الشروط الموضوعية للعلامة القابلة للتسجيل، د.عبد الله درميش، أطروحة سابقة، ص. 568 وما بعدها.
[21] انظر تفاصيل تمييز الرسوم عن النماذج الصناعية والنماذج الفنية في أطروحة د.عبد الله درميش، أطروحة سابقة.ص.502، وخاصة ص.509 وما بعدها.
[22]Christophe Caron, "Réflexions sur la coexistence du droit d'auteur et du droit des brevets sur un même logiciel", R.I.D.A., n° 184 Août 2000, Supra n°3, p.9.
[23] م.203-فق.1 من ق.م.ص.
[24] البيان التفصيلي لمجلس المستشارين حول ق.م.ص.، تقرير سابق، ص.22.
[25] انظر القسم الخاص بانتقال الحقوق وفقدانها، المواد من 56 إلى 59.
[26] Ministère de l'industrie et du commerce et de l'artisanat, op.cit., p. 4 et 5.
[27] M.Vivant, "Informatique…", JCP Ed G. n°49/50, I-3169. Supra n°9. V. Yasmine Kaplun, "Brevet ou droits d'auteurs pour nos logiciels?", Yasmine Kaplum@club-internet.fr MSj du 25/10/1999.
[28] لقد أصبح المكتب الأوروبي للبراءات، يركز على مدى إمكانية إنتاج برنامج الحاسوب لآثار تقنية، أو لحل مشكلة تقنية، بدل التركيز على مسألة التطبيق الصناعي، تماشيا مع ما يتطلبه التشريع الأمريكي (م.35 US)، وكذا مكتب الولايات المتحدة الأمريكية للبراءات والعلامة التجارية "USPTO: United States Patent and Trade Mark Office". انظر في أولى القرارات الصادرة عن المكتب الأوروبي للبراءات، التي علق عليها "M.Vivant et A.Lucas"
JCP Ed E, n°48 1990, I-15920, N°5. V., pour les mêmes auteurs, "Droit et informatique", JCP Ed E, n° 31/33 1987, I-16607, Supra n°1 (A).V.aussi, Mousseron et M.Vivant, note, Lamy de Droit de l'informatique, MSJ(A), 1987, p.3.
[29] Laurence Tellier-Loniewski, "Brevetabilité des logiciels l'Europe dans le sillage des Etats Unis et du Japon", Gaz. Tech. Av., du 15 Juil. 1996, D. P.871.
[30] Yasmine Kaplun, "Brevet ou droits d'auteurs pour nos logiciels?", Op.cit. Supra: "La Communauté Européenne".
[31] للمزيد من الإيضاح حول منح الولايات المتحدة الأمريكية واليابان البراءة لبرامج الحاسوب، انظر:
Laurence Tellier-Loniewski, "Brevetabilité des logiciels …", op.cit, p.873.
[32] La Commission Européenne, " Brevets des logiciels: Consultations engagées par la Commission le 19 Oct.2000 sur Internet", le rapport complet in http://MARKT-SOFTPAT@cec.eu.int, et http://www.europa.eu.int. Publié aussi in droit et nouvelles technologies, http://www.droit-technologie.org, Actualités du droit NTIC.
[33] AFUL, "L'AFUl s'oppose à la brevetabilité des logiciels et met en garde les gouvernements contre ses effets pervers". V.aussi "Droit des brevets: une menace pour le logiciel libre", dans le même site http://www. aful@aful.org.