في الواجهةمقالات قانونية

توزيع الماء والكهرباء: من المرفق العام نحو الخوصصة – قراءة في القانون 83.21 – حسن اد يحي

 

 

توزيع الماء والكهرباء: من المرفق العام نحو الخوصصة
– قراءة في القانون 83.21 –
حسن اد يحي
خريج ماستر قانون العقار والتعمير بكلية الحقوق أكادير
باحث في القانون.

مقدمة
يعد توفير الماء الصالح للشرب والكهرباء أحد الالتزامات الضرورية للدولة اتجاه المواطنين، فالماء هو أساس استمرار الحياة البشرية وحياة جميع الكائنات الأخرى على وجه الأرض، مصداقا لقوله تعالى ” وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون” .
كما أن الاستفادة من الكهرباء يعتبر حقا لا غنى عنه لجميع المواطنين، في ظل التطورالتكنولوجي الهائل وارتباطه المباشر بالكهرباء وبجودة الحياة بل باستمرارها أحيانا، وبذلك تنص القوانين الدولية على أن تقديم خدمات الكهرباء هو شرط أساسي ولازم لممارسة الحق بالصحة والحق بالحياة، وعليه يجب ضمان تمتع كل إنسان بغض النظر عن وضعه الاقتصادي والاجتماعي من الحق بتوفر التيار الكهربائي لسد احتياجاته الأساسية .
وقد ألقى الدستور المغربي لسنة 2011 على عاتق الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية مسؤولية العمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة من الحق في الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة (الفصل 31) .
ويتميز قطاع الكهرباء بتنوع الجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص في مختلف الأنشطة (الإنتاج والنقل والتوزيع) لتلبية احتياجات المواطنين من الكهرباء، لكن يظل المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب (قطاع الكهرباء) الفاعل الرئيسي في هذا القطاع، فهو مؤسسة عمومية ذات طبيعة تجارية وصناعية، تخضع للوصاية الإدارية والتقنية لوزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، مهمتها هي السهر على تسيير مرفق الكهرباء والماء الصالح للشرب، وضمان هذا الحق للمواطنات والمواطنين بشكل فعال ومستدام.
ونظرا للأهمية التي يحظى بها الحق في الكهرباء وتزايد الطلب على الطاقة الكهربائية، تم اعتماد استراتيجية طاقية سنة 2009، طبقا للتوجيهات الملكية، والتي ترتكز على تعبئة الموارد الوطنية من خلال الرفع من الطاقات المتجددة وترسيخ النجاعة الطاقية كأولوية وطنية، إضافة إلى تعزيز الاندماج الإقليمي والتنمية المستدامة.
وقد استحضر واضعوا النموذج التنموي الجديد هذه التحولات من خلال البناء على إنتاج الكهرباء اللامركزي والعمل على تنظيم مستقل وشفاف للقطاع مع تحريره – القطاع –المسؤول، والفصل بين أدوار الفاعلين، زد على ذلك تعميم الولوج للطاقة الكهربائية بأسعار تنافسية .
وعطفا عن مقام حديثنا في البداية عن الماء الصالح للشرب، فقد ظل هذا القطاع لصيقا بقطاع الكهرباء من حيث الجهة المدبرة وكذلك – إن صح القول – منطق التدبير ، منذ سنة 2011، بعد أن كان القطاعان يدبران سابقا من طرف مؤسستين مختلفتين .
ونظرا لأهمية المياه، يعرف استعمال المياه الجوفية والسطحية استنزافا حادا، الشيء الذي أدى إلى تقليص مخزون المياه وانتشار ظاهرة الجفاف، ولمواجهة هذه التحديات وغيرها، فقد مر التنظيم التشريعي للماء باعتباره مادة حيوية وحقا من حقوق المواطن بعدة محطات، لعل أبرزها صدور القانون 10.95 المتعلق بالماء ، الذي نسخ بموجب القانون 36.15 ، هذا الأخير الذي جاء في مادته الأولى على أنه ” يحدد هذا القانون قواعد التدبير المندمج واللامركزي والتشاركي للموارد المائية من أجل ضمان حق المواطنات والمواطنين في الحصول على الماء واستعمال عقلاني ومستدام للماء وتثمين أفضل كما وكيفا …” ، وفي الحقيقة ما جاء هذا المقتضى إلا سيرا على هدى مقتضى الفصل 31 دستور 2011 (تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير حصول المواطنين، على قدم المساواة، على الماء والعيش في بيئة سليمة).
واستجابة للتطورات الاجتماعية والديمغرافية وللأوضاع والتوجهات الاقتصادية للدولة المترجمة في النصوص التشريعية – خاصة القانون 36.15 – وفي روح النموذج التنموي، التي تنصب في اتجاه تدعيم الاستثمار في قطاع الماء والكهرباء، من خلال تحريره وتثمين أفضل كما وكيفا للقطاع، كما سبق بيانه، (استجابة لهذه المتغيرات) ظهر مستجد في تدبير قطاع الكهرباء والماء الصالح للشرب، يرتبط بصدور القانون 83.21 المتعلق بالشركات الجهوية متعددة الخدمات ، والذي سنعمل على سبر أغواره، من خلال تمحيص بعض مواده، ومحاولة إجراء قراءة لها، منطلقين من الاحاطة بالمبادئ العامة لهذه الشركات (الفقرة الأولى)، وصولا إلى هذه دراسة ذمتها المالية والامتيازات المخولة لها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: المبادئ العامة المؤطرة للشركات الجهوية متعددة الخدمات
سننطلق أولا من الإطار المفاهيمي للموضوع، ثم نبرز طبيعة هذه الشركات وأهدافها.
أولا: المفاهيم الرئيسية
بالرجوع إلى مقتضيات القانون محل الدراسة (83.21)، نجده حدد في مادته الأولى (3) مفاهيم رئيسية وهي المرفق وصاحب المرفق، ثم عقد التدبير. وسنعمل على الوقوف عندها على التوالي:
1 – المرفق: عرفته المادة الأولى المذكورة أعلاه على أنه ” خدمات توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء والتطهير السائل، والإنارة العمومية عند الاقتضاء”.
إن الملاحظة الأولى المسجلة على التعريف السابق، هي التراجع الحاصل عن إضفاء صفة “المرفق العام” عن خدمات توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء والاكتفاء بجعله ” مرفق ” ، وهو ما ينم عن الانتقال، بشكل أو بآخر، من منطق التدبير العمومي للقطاع نحو التدبير الخاص المبني على استحضار البعد الاستثماري (الربح أوالخسارة)، وهو الأمر – في نظرنا المتواضع – الذي قد يمس بمبدأ المساواة بين المواطنات والمواطنين في الحق من الاستفادة من الماء والكهرباء وفق ما يقضي به الفصل 31 من دستور 2011.
وينبغي أن نشير، إلى أن الملاحظة السابقة، لا تعني بالضرورة أن المشرع (الدولة) قد خرق القانون، بل إن الإجراء الذي اتخذته في هذا الإطار يجد أساسه في القانون 39.89 المؤذن بموجبه في تحويل منشآت عامة إلى القطاع الخاص .
2- صاحب المرفق: هو” الجماعات أو مؤسسات التعاون بين الجماعات الترابية أو كل شخص اعتباري من أشخاص القانون العام أوكلت له الجماعة تدبير المرفق”.
الملاحظ من خلال التعريف السابق، أن المشرع أسند ملكية مرفق توزيع الكهرباء والماء الصالح للشرب لأصغر هيئة ترابية (الجماعة) أو أي شخص من أشخاص القانون العام أسندت له بوكالة تدبير هذا المرفق، أو لمؤسسات التعاون بين الجماعات، وهو ما يبرز من خلاله استحضار البعد الجهوي في تدبير هذا المرفق، استجابة لمسار تكريس مفهوم الجهوية المتقدمة المنصوص عليه في دستور 2011 .
3ـ عقد التدبير: هو “عقد يعهد بموجبه صاحب المرفق إلى الشركة الجهوية متعددة الخدمات بتدبير المرفق، في حدود مجالها الترابي”.
ومن خلال المادة الأولى الفاتحة للقانون 83.21، التي جاءت بالتعاريف السابقة، يمكن استنتاج المنطق والغرض الذي انطلق منه المشرع في وضع هذا القانون؛ وهو تدعيم مسار إرساء الجهوية المتقدمة، وتدعيم الاستثمار، من خلال خوصصة قطاع توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء.
يظهر من خلال كل ما سبق، أن المشرع لم يعرف الشركات الجهوية متعددة الخدمات، وإن كان اسمها، وطريقة إحداثها، والغرض منها، قد يغنيان عن تعريفها، إلا أنه لا بأس أن نجتهد من جانبنا، في إطار قراءة متكاملة للنصوص القانونية، فنقول أن الشركات الجهوية متعددة الخدمات ” هي شخص معنوي خاضع للقانون الخاص يتولى بموجب عقد، تدبير مرفق توزيع الكهرباء والماء الصالح للشرب والتطهير السائل، والإنارة العمومية عند الاقتضاء”، أو بتعبير أكثر دقة ” هي شركات مساهمة، تتولى بموجب عقد، تدبير مرفق توزيع الكهرباء والماء الصالح للشرب وتطهير السائل، والإنارة العمومية عند الاقتضاء”.
وقد استنبطنا التعريف السابق، من خلال عملية إسقاط مفهوم الشركات الجهوية متعددة الخدمات على مفهوم “الهيئات المكلفة بمهام المرفق العام”، هاته الأخيرة التي عرفها القانون رقم 54.19 بمثابة ميثاق المرافق العمومية، في مادته الأولى، بكونها ” كل شخص اعتباري خاضع للقانون العام أو الخاص يتولى تدبير مرفق عام طبقا للتشريع الجاري به العمل”.
وإن كانت عملية الاسقاط السابقة في الحقيقة، لا تكاد تخلوا من لبس، خاصة أن المشرع في تعريفه للهيئات المكلفة بمهام المرفق العام، يستعمل عبارة ” المرفق العام” (الذي عرفه بدوره في المادة الأولى من القانون 54.19)، ومن هنا نتساءل عن العلاقة بين القانون 83.21 المتعلق بالشركات الجهوية متعددة الخدمات والقانون 54.19 بمثابة ميثاق المرافق العمومية، هل هي علاقة قطيعة تامة ؟ أم أنه يمكن الرجوع إلى ميثاق المرافق العمومية في حالة عدم وجود نص في القانون 83.21 ؟ خاصة إذا استحضرنا أن المادة 2 من هذا الأخير، المحددة للقانون المطبق على الشركات الجهوية متعددة الخدمات، ليس فيها أي إشارة إلى القانون 54.19.
ثانيا: طبيعة الشركات الجهوية متعددة الخدمات وأهدافها
وفقا لمقتضيات المادة 2 من القانون 83.21، محل الدراسة والتحليل، يتم إحداث شركة جهوية متعددة الخدمات على صعيد كل جهة، بمبادرة من الدولة، وهي -هذه الشركة- عبارة عن شركة مساهمة تخضع للقانون 17.95 ولنظامها الأساسي، ويتم احداثها على صعيد جميع جهات المملكة بشكل تدريجي على ثلاث مراحل وفقا لمقتضيات المادة الأولى من المرسوم 2.23.1033 .
ويتمثل الغرض الرئيسي للشركات الجهوية متعددة الخدمات في تدبير مرفق توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء والتطهير السائل، والإنارة العمومية عند الاقتضاء، بناء على عقد التدبير وفي حدود مجالها الترابي.
ويمكن أن يقتصر دور هذه الشركات على المراقبة، في الحالة التي تعهد فيها بموجب عقد، مؤشر عليه وجوبا من لدن وزارة الداخلية، إلى شخص اعتباري من أشخاص القانون الخاص القيام ببعض المهام، غير الرئيسية، وتبقى الشركة متعددة الخدمات مسؤولة اتجاه صاحب المرفق والأغيار عن الوفاء بالتزاماتها المحددة في عقد التدبير، ويجب عليها أن توجه تقارير دورية إلى صاحب المرفق حول مستوى تنفيذ هذا العقد (عقد التدبير)، وفقا لما تقضي به المادة 10 من القانون 83.21.
إن مقتضى المادة 10 المذكورة أعلاه، يطرح تساؤلات من قبيل: ما طبيعة العقد الرابط بين الشركة والشخص الاعتباري المعهود إليه القيام ببعض المهام غير الرئيسية؟ وما هي هذه المهام غير الرئيسية ومعيار تحديدها؟
يظهر أن الإجابة عن السؤال الأول تبدوا واضحة، فهذا العقد هو عقد (عادي) يربط بين شخصين من أشخاص القانون الخاص، وبالتالي يبقى التكييف الوحيد الذي يمكن أن يعطى له هو كونه “تعاقدا من الباطن”، وما يعزز هذا الطرح هو مقتضيات المادة 5، وإن جاءت في سياق آخر كما سنفصل فيما بعد، التي أشارت إلى بيانات عقد التدبير في حالة الاتفاق المباشر، وذكرت من بينها؛ شروط التعاقد من الباطن.
ويبقى السؤال الثاني، مستعصيا علينا – بكل تواضع – الإجابة عنه في ظل عدم وجود أي مقتضى قانوني واضح، يساعدنا على فهم كنه المهام غير الرئيسية؛ إلا ما يمكن استنتاجه من مقتضيات الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 2، من أن الأنشطة الصناعية والتجارية والعقارية والمالية ذات الصلة بتدبير المرفق، الذي يعد الغرض الرئيسي للشركة، (الأنشطة المذكورة) هي التي يمكن إدخالها ضمن المهام غير الرئيسية للشركة.
وفي اعتقادنا، تبقى السلطة التقديرية للإدارة في تقدير ما يدخل ضمن المهام الرئيسية أو غير الرئيسية للشركة الجهوية متعددة الخدمات، إذ أن عملية التعاقد من الباطن متوقفة على موافقة صاحب المرفق، كما لا يكون هذا العقد قابلا للتنفيذ إلا بعد التأشير عليه من طرف وزارة الداخلية.
زد على ما سبق، يمكن أن تؤهل الشركات الجهوية متعددة الخدمات، بموجب عقد التدبير، للقيام بتحصيل الرسوم، والأتاوى، أو الأموال، أو المساهمات، أو الفواتير لحساب صاحب المرفق أو الدولة أو لحسابها الخاص .
وتجدر الإشارة إلى أنه، يمكن لصاحب المرفق أن يلجأ إلى الاتفاق المباشر مع الشركة، على أن يحدد عقد التدبير المبرم في هذه الحالة العناصر المشار إليها في المادة 5 من القانون 83.21، وهي:
– موضوع العقد
– مدة العقد
– كيفيات تحديد التعريفات والأتاوى والأجرة المتعلقة بالمرفق وكذا شروط وقواعد تعديلها أو تغييرها أو مراجعتها.
– النظام المحاسبي والقانوني لأموال المرفق
– شروط التعاقد من الباطن والذي لا يمكن أن يشمل المهام الرئيسية
– آليات المراقبة وتتبع تنفيذ العقد
– المقتضيات المتعلقة بفسخ العقد
– آليات فض النزاعات.
عموما، سواء لجأ صاحب المرفق إلى التعاقد مع الشركة بواسطة عقد التدبير، الذي يحدد نموذجه ودفتر التحملات الملحق به بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية ، أو عن طريق الاتفاق المباشر، فإن مدة العقد تكون محددة وفق طبيعة المهام المسندة للشركة وقيمة الاستثمارات المزمع إنجازها، وتكون المدة المحددة قابلة للتجديد، كما تتم مراجعة العقد بشكل دوري على الأقل مرة كل خمس سنوات .
ونهجا لسياسة القرب، تحدث الشركات الجهوية متعددة الخدمات تمثيليات للقرب، على مستوى كل عمالة أو إقليم داخل مجالها الترابي، لضمان استمرارية وجودة الخدمات الموكولة إليها بموجب عقد التدبير، طبقا لمقتضيات المادة 7 من القانون 83.21.
الفقرة الثانية: الذمة المالية للشركات الجهوية متعددة الخدمات امتيازاتها
قبل أن نشير إلى بعض الامتيازات المخولة للشركات الجهوية متعددة الخدمات (ثانيا)، نعرج في البداية على ذمتها المالية (أولا).
أولا: الذمة المالية للشركات الجهوية متعددة الخدمات
تتكون الذمة المالية للشركات الجهوية متعددة الخدمات من الرأسمال الأولي، وأموال رجوع موضوعة رهن إشارتها، تكون موضوع ملحق لعقد التدبير.
أ – المساهمات في الرأسمال الأولي
يستفاد من مقتضيات المادة 3 من القانون 83.21، أن الدولة تعد المساهم الرئيسي في رأسمال الشركات الجهوية متعددة الخدمات، كما يمكن للمؤسسات والمقاولات العمومية والجماعات الترابية ومجموعتها ومؤسسات التعاون بين الجماعات أن تساهم في تكوين رأسمال هذه الشركات، بشرط أن يؤشر على مقرراتها في هذا الشأن من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية.
كما سمحت نفس المادة المشار إليها أعلاه للشركة بفتح رأسمالها للقطاع الخاص، بشرط ألا تقل مساهمة عن 10 بالمائة (10٪).
وقد حدد المرسوم 2.23.1034 ، قيمة الرأسمال الأولي الذي يجب أن تؤسس عليه الشركات الجهوية متعددة الخدمات (المادة الأولى من المرسوم)، وهو موزع – الرأسمال الأولي – بالنسبة لكل شركة، على الشكل التالي:
– الدولة: مساهمة ب 25٪ في الرأسمال الأولي.
– الجماعات الترابية أو مجموعات ها أو هما معا: مساهمة ب 50٪ في الرأسمال الأولي.
– المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب: مساهمة ب 25٪ في الرأسمال الأولي.
يلاحظ من خلال ما سبق، أن المشرع قد راعى في تحديد الرأسمال الأولي للشركات الجهوية متعددة الخدمات، مقتضيات المادة 6 من القانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة التي تقضي على أنه “لا يجوز أن يقل رأسمال شركة المساهمة عن ثلاثة ملايين درهم إذا كانت تدعو الجمهور إلى الاكتتاب وعن ثلاثمائة ألف درهم إذا كانت لا تدعو إلى ذلك”.
كما يسجل مما سلف، وفاء المشرع للبعد الجهوي في إنشاء الشركات الجهوية، من خلال انفراد الجماعات الترابية ومجموعاتها بحصة الأسد في الرأسمالها الأولي (50٪)، وهو الأمر الذي سيعزز إرساء الجهوية المتقدمة، ويدعم الاستقلال المالي للجماعات الترابية، من خلال العائد المهم الذي سيعود به هذا الأمر على خزينة هذه الهبئات الترابية.
ب – أموال الرجوع
طبقا لمقتضيات المادة 11 من القانون 83.21، فإن صاحب المرفق يقوم بوضع مختلف المنقولات والعقارات اللازمة بتدبير المرفق، باعتبارها أموال رجوع، وتكون قائمة هذه الأموال موضوع ملحق لعقد التدبير، وتعفى عمليات النقل السابقة، من جميع الضرائب والرسوم ووجيبات المحافظة العقارية.
وتدخل كذلك ضمن أموال الرجوع؛ العقارات المنقولات التي اقامتها الشركة لفائدة المرفق والتي تدخل ضمن أموال الرجوع المحددة في عقد التدبير .
ومن جهة أخرى، تنقل إلى الجماعات المشمولة بعقد التدبير، العقارات والمنقولات التابعة للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، والمخصصة حصريا للمرفق الذي تدبره الشركة، كما توضع رهن إشارة الجماعات المذكورة العقارات والمنقولات التابعة للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، والمخصصة حصريا للمرفق الذي تديرها الشركة، ويجب أن يتم جرد ونقل هذه العقارات والمنقولات داخل أجل 3 سنوات من تاريخ إبرام عقد التدبير.
وقد حدد المرسوم 2.23.1035 مسطرة جرد العقارات والمنقولات السابقة، وكيفيات تعويض المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب عنها.
وحسب مقتضيات المرسوم السابق ذكره، يقوم المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، عقب إبرام عقد التدبير، بموافاة الجماعات المعنية بلائحة العقارات والمنقولات التي يتعين تلقائيا نقلها إليها.
وتتم معاينة عملية النقل السابقة، بمقتضى مقتضى محضر بعده المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، ويوقعه ممثلون عن كل من هذا المكتب والجماعات المعنية أو مجموعات ها حسب الحالة ووزارة الداخلية.
وفي الأخير، يصادق على الجرد النهائي، بقرار مشترك بين السلطات الحكومية المكلفة بالداخلية، والمالية والطاقة.
ويعوض المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، وفق ما سبق، من خلال: تحويل ديون التمويل ذات الصلة بقطاع توزيع الماء والكهرباء والتطوير السائل إلى صاحب المرفق؛ وتحمل العجز السنوي للتقاعد المتعلق بقطاع توزيع الماء والكهرباء وتطهير السائل؛ أضف إلى ذلك، المساهمة في ميزانية هيئات الأعمال الاجتماعية الخاصة بمستخدمي المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب وفق الشروط والكيفيات المحددة بمقتضى الاتفاقيات الإطار المبرمة مع الشركاء الاجتماعيين.
وفي انتظار إجراء عملية الجرد للممتلكات السابقة، تنقل تلقائيا إلى الجماعات المعنية العقارات والمنقولات المخصصة حصريا للمرفق الذي تدبره الشركة، وفقا لما تقضي به الفقرة الأخيرة من المادة 14 من القانون 83.21.
ثانيا: امتيازات الشركات الجهوية متعددة الخدمات
مراعاة لطبيعة مرفق توزيع الماء والكهرباء وأهميته، فقد خص المشرع الشركات المكلفة بهذا المرفق ببعض الامتيازات، التي من شأنها أن تسهل أداء مهامها، واستمرارية الخدمات وجودتها.
وبالرجوع مقتضيات المادة 4 من القانون 83.21 نجدها تنص على ما يفيد أن الشركات الجهوية متعددة الخدمات من كافة الإرتفاقات الجاري بها العمل فيما يرتبط بالمنشآت وقنوات توزيع الماء والكهرباء وتطهير السائل، كما لهذه الشركات حق نزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت طبقا التشريع الجاري به العمل.
وفي إطار تشجيع الشركات الجهوية متعددة الخدمات على الاستثمار، منحها المشرع حق الاستفادة من جميع الحقوق والامتيازات التي يحظى بها المستثمرون ومنعشي المشاريع الصناعية، طبقا التشريع الجاري به العمل .

 

 

خاتمة:
في الختام، يظهر من خلال دراسة موضوع الشركات الجهوية متعددة الخدمات، أن هذه الشركات تهدف إلى تدعيم ركائز إرساء الجهوية المتقدمة، وتوسيع دائرة استفادة المواطنين والمواطنات من خدمات توزيع الماء والكهرباء في إطار خدمات القرب، وإعدام الفوارق المجالية بين العالم الحضري والقروي.
ووعيا من المشرع بأن الأهداف السابقة لن تجد طريقها إلى الترجمة على أرض الواقع دون وجود سيولة مالية مهمة، فقد جعل منطق الاستثمار في صلب تنظيم هذه الشركات، من خلال جعلها ذات طبيعة تجارية خاضعة للقانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة ولنظامها الأساسي، وجعل نصف قيمة الرأسمال الأولي لهذه الشركات على عاتق الجماعات الترابية أو مجموعاتها، وهو ما سيعود بنفع مهم على خزينة هذه الجماعات مما سيسهم في ترسيخ مزيد من الاستقلال المالي لها.
الأكيد أن كل ما سبق، لا يعدوا أن يكون سوى طريقا ايجابيا نحو التنزيل السليم لمقتضيات دستور 2011، إلا أنه – هذا الطريق – لا يكاد يخلوا من مجازفة ومخاطرة بمصير تكلفة استفادة المواطنين والمواطنات من حق أساسي وهو الحق في الحصول على الماء (مسألة حياة أو موت..) والكهرباء، ذلك أن هذه الشركات يحكمها منطق تجاري محض قائم على الربح أو الخسارة، ونرجو أن يتم كبح هذا المنطق عن طريق بسط كافة أوجه الرقابة الممكنة على هذه الشركات، خاصة فيما يرتبط بتقييم جودة الخدمات وضبط أثمنتها، حتى يستفيد المواطن بشكل جيد من حقه في الحصول على الماء والكهرباء والعيش في بيئة سليمة، كما يضمنه له دستور 2011.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى