في الواجهةمقالات قانونية

أنظمة أثمان الصفقات العمومية بالمغرب: “دراسة تحليلية مع أمثلة تطبيقية” – هشام القاسمي الناصري

أنظمة أثمان الصفقات العمومية بالمغرب:

“دراسة تحليلية مع أمثلة تطبيقية”

هشام القاسمي الناصري

باحث في العلوم الإدارية والمالية

مقدمة:

تعتبر العقود الإدارية من أبرز تجليات النشاط الإداري، باعتبارها الآلية الأساسية التي تعتمدها الإدارة العمومية لتنفيذ برامجها التنموية والاستجابة لحاجيات وانتظارات المواطنين والمواطنات. وتحتل عقود الصفقات العمومية موقعا محوريا داخل هذه المنظومة، إذ تشكل أهم صور العقود الإدارية ذات الطبيعة المالية التي تبرمها الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية مع مختلف الفاعلين المؤهلين قانونا.

وتعرف الصفقات العمومية بكونها عقود إدارية بحكم القانون.[1] وهي عقد بعوض يبرم بين صاحب مشروع من جهة، وشخص ذاتي أو اعتباري من جهة أخرى، يدعى مقاولا أو موردا أو خدماتيا، ويهدف إلى تنفيذ أشغال أو تسليم توريدات أو القيام بخدمات.[2]

لقد خضعت المنظومة القانونية المؤطرة لتدبير الصفقات العمومية بالمغرب، منذ فترة الحماية إلى يومنا هذا، لمسار طويل من الإصلاحات والتعديلات المتعاقبة، تجسّد في صدور مجموعة من المراسيم التنظيمية التي كانت تروم، في كل مرحلة، إلى ملاءمة الإطار القانوني مع التحولات التي يعرفها ميدان تدبير المال العام. وقد جاءت أيضا هذه الإصلاحات استجابة لمختلف التطورات الاقتصادية والاجتماعية، وتماشيا مع المعايير الدولية المعمول بها في مجال الطلبيات العمومية، إضافة إلى السعي نحو ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وتحقيق النجاعة في الإنفاق العمومي.

وفي هذا السياق، يُعدّ المرسوم رقم 2.22.431 الصادر في 8 مارس 2023 بشأن الصفقات العمومية، آخر محطة تنظيمية كبرى في مسار إصلاح تدبير الطلبيات العمومية، حيث جاء بمقتضيات جديدة تهدف إلى تجاوز الإكراهات والثغرات التي كشفت عنها التجربة العملية للمحطات السابقة. كما يندرج أيضا هذا المرسوم ضمن رؤية شمولية ترمي إلى تحديث منظومة الطلبيات العمومية، بالإضافة إلى الرفع من جودة وفعالية مساطر التعاقد العمومي، عبر إدخال تكنولوجيا التواصل والتوجه نحو نزع الصفة المادية عن مساطر تدبير الطلبيات العمومية.

وفي سياق التطور المستمر لمنظومة الصفقات العمومية بالمغرب، تتجلى الحاجة الملحة إلى دراسة العناصر المؤثرة في كيفية تحديد كلفة الصفقات العمومية، باعتبارها عنصرا محددا جوهريا للعلاقة القانونية بين الإدارة وبين المقاول أو المورد أو الخدماتي، بالإضافة إلى كونها رافعة أساسية لضمان الالتزام بالمعايير القانونية والتقنية والمالية في تنفيذ عقود الصفقات العمومية، ومن هذا المنطلق، تشكل دراسة أنظمة أثمان الصفقات العمومية بالمغرب مدخلا ضروريا لفهم الآليات القانونية والمالية التي تكفل ضبط وتحديد تكاليف المشاريع، وتحقيق التوازن بين الفعالية الاقتصادية وجودة الإنجاز، بما يعكس الالتزام بمبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المال العام.

وتكتسي دراسة أنظمة أثمان الصفقات العمومية أهمية بالغة، باعتبارها الإطار الذي يحدد كيفية تقدير كلفة الصفقات العمومية وضبط التزامات الأطراف، وتتيح فهما معمقا للعلاقات التعاقدية بين الإدارة والمتعاقد معها في الجانب المالي. ومن هذا المنطلق، يبرز التساؤل عن ما هي الأسس القانونية التي تعتمد عليها الإدارة صاحبة المشروع في تحديد الأثمان، وكيفية توازنها بين الالتزامات المالية وطريقة تنفيذ الصفقات العمومية؟

وللإجابة عن التساؤل المطروح سوف نخصص (المطلب الأول) للحديث عن أنواع الصفقات العمومية حسب طبيعة الأثمان، في حين سنخصص (المطلب الثاني) للحديث عن أنواع الصفقات العمومية حسب صيغة الأثمان.

المطلب الأول: أنواع الصفقات العمومية حسب طبيعة الأثمان

وفقا لمقتضيات المادة 14 من المرسوم الجديد للصفقات العمومية، يمكن تقسيم الصفقات العمومية بحسب بنية وطبيعة الأثمان إلى صفقة بثمن إجمالي أو بأثمان أحادية، (الفقرة الأولى) أو بأثمان مركبة، أو بأثمان بنسب مئوية، (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الصفقة بثمن إجمالي وثمن أحادي

تتنوع الصفقات العمومية من حيث طبيعة الأثمان إلى صفقات بثمن إجمالي (أولا)، ثم صفقات بثمن أحادي (ثانيا).

أولا: الصفقة بثمن إجمالي

بادئ ذي بدء وقبل المضي تحليل الصفقة بثمن إجمالي وجبت الإشارة إلى أن تصنيف الصفقات العمومية حسب أنواعها أو صيغة الأثمان أو طبيعة الأثمان لا يعني بالضرورة أن كل صفقة تندرج تحت نوع واحد فقط بشكل حصري. فبعض الصفقات قد تجمع بين خصائص متعددة، مثل وجود عناصر بأثمان ثابتة وأخرى بأثمان مراجعة، أو مزج بين أشغال وخدمات مختلفة.

أما بخصوص الصفقة بثمن إجمالي فقد اعتبرها المشرع المغربي هي الصفقة التي يغطي فيها ثمن جزافي مجموع الأعمال موضوع الصفقة، ويتم احتساب هذا الثمن الجزافي على أساس تفصيل المبلغ الإجمالي، ويرصد لكل وحدة من هذا التفصيل ثمن جزافي، ويحتسب المبلغ الإجمالي بجمع مختلف الأثمان الجزافية المحددة لكل هذه الوحدات، وفي الحالة التي تكون فيها الوحدات مرصودة بكميات، فإن الأمر يتعلق بكميات جزافية يعدها صاحب المشروع، وتعد كمية جزافية الكمية التي قدم بشأنها صاحب الصفقة ثمنا جزافيا يسدد إليه كيفما كانت الكمية المنفذة فعلا.[3]

بمعنى أنها صفقة يحدد فيها صاحب المشروع ثمنا واحدا ومحددا مسبقا لتغطية كل الأشغال أو الخدمات، بغض النظر عن الكميات التي سيتم تنفيذها فعليا، حتى لو تغيّرت الكميات أثناء التنفيذ، يبقى الثمن نفسه.

إذن كيف يحتسب ثمن الصفقة بثمن إجمالي؟

صاحب المشروع يعطي تفصيلا للمبلغ الإجمالي (détail estimatif forfaitaire):

  • يقسم الأشغال إلى وحدات (أجزاء).
  • يعطي لكل وحدة ثمنا جزافيا (forfait).
  • يجمع ثمن كل الوحدات → لنحصل على الثمن الإجمالي للصفقة.

وإذا كانت الوحدات تحتوي على كميات، فهذه تسمى كميات جزافية أي أنها ليست حقيقية 100%، بل تقديرية فقط، وللمقاول أن يحصل على الثمن الجزافي مهما كانت الكمية المنفذة فعلا حتى لو كانت أقل أو أكثر.

مثال تطبيقي:

لتقريب مفهوم الصفقة بثمن إجمالي، يمكن تقديم المثال التالي:

لنفترض على سبيل المثال ففي إطار برنامجها لتأهيل البنيات التحتية الرياضية، قررت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم إبرام صفقة لبناء ملعب جديد. وقد اختارت الجامعة اعتماد نظام الثمن الإجمالي، باعتباره آلية تعاقدية يقوم من خلالها صاحب المشروع بتحديد ثمن جزافي وشامل لجميع الأشغال موضوع الصفقة.

ولتحقيق ذلك، قامت الجامعة بإعداد تفصيل للمبلغ الإجمالي من خلال تقسيم المشروع إلى مجموعة من الوحدات، ورصد ثمن جزافي لكل وحدة على حدة، كما يلي:

  • تهيئة الأرضية وإنجاز الأساسات: 20 مليون درهم
  • بناء المدرجات والمنشآت الإسمنتية: 35 مليون درهم
  • إنجاز المرافق الملحقة (غرف الملابس، المكاتب الإدارية، الممرات…): 15 مليون درهم
  • تهيئة أرضية الملعب بالعشب الطبيعي ونظام السقي والصرف: 10 مليون درهم
  • التجهيزات التقنية واللوجستيكية (الإنارة، الكراسي، أدوات السلامة…): 12 مليون درهم

وعليه، تم تحديد الثمن الإجمالي للصفقة في 92 مليون درهم، وهو ثمن جزافي يشمل مجموع الأشغال.

ويترتب على اعتماد هذا النظام أن المقاول يظل ملزما بتنفيذ المشروع بنفس الثمن المحدد سلفا، حتى لو طرأت اختلافات في الكميات أثناء التنفيذ، كزيادة كمية الحديد في الأساسات أو نقصان عدد المقاعد في المدرجات. وفي المقابل، لا يحق لصاحب المشروع تعديل هذا الثمن إلا وفق الشروط القانونية المنصوص عليها في عقد الصفقات العمومية والملحقات التعاقدية المرفقة به.

ويبرز هذا المثال بوضوح أن الصفقة بثمن إجمالي تقوم على استقرار الثمن وتحميل المقاول مسؤولية المخاطر المرتبطة بتقدير الكميات، مما يساهم في تحقيق شفافية أكبر في المنافسة وضبط نفقات المشروع.

ثانيا: الصفقة بثمن أحادي

اعتبر المشرع صفقة بأثمان أحادية هي الصفقة التي تكون فيها الأعمال موزعة على وحدات مختلفة بناء على بيان تقدير مفصل يضعه صاحب المشروع، مع الإشارة بالنسبة لكل وحدة من هذه الوحدات إلى الثمن الأحادي المقترح، وتحسب المبالغ المستحقة برسم الصفقة بتطبيق الأثمان الأحادية على الكميات المنفذة فعلا حسب الصفقة.[4]

بحيث تقسم فيها الأشغال إلى وحدات، ويحدد صاحب المشروع ثمنا أحاديا لكل وحدة (ثمن لكل متر، لكل طن، لكل مقعد…).[5]

خلال التنفيذ، لا تحسب مبالغ المقاول جزافيا كما هو الشأن بالنسبة للصفقات بثمن إجمالي، وإنما تحتسب وفقا لـ: الثمن الأحادي × الكمية المنفذة فعليا.

مثال تطبيقي:

على سبيل المثال في إطار تعزيز البنية التحتية الطرقية وربط جهات المملكة بشبكات نقل حديثة، أطلقت وزارة التجهيز والماء صفقة عمومية لإنجاز طريق سيار سريع جديد يربط بين مدينة مكناس ومدينة الرشيدية. ونظرا إلى الطبيعة الهندسية المعقدة لهذا المشروع، التي تتطلب أشغالا متغيرة تبعا للتضاريس والمناطق الجغرافية، فقد اعتمدت الوزارة نظام الأثمان الأحادية لاحتساب الكلفة الفعلية للأشغال.

وقد قامت الإدارة صاحب المشروع بوضع بيان تقديري مفصل يتضمن عدة وحدات تمثل مختلف مراحل وأجزاء المشروع، مع تحديد ثمن أحادي لكل وحدة، ومن بين هذه الوحدات كما هو موضح على الشكل التالي:

  • ثمن أحادي لكل متر مكعب من أعمال الحفر والردم.
  • ثمن أحادي لكل متر طولي من القنوات وصرف مياه الأمطار.
  • ثمن أحادي لكل متر مربع من طبقة الأساس والخرسانة الإسفلتية (Enrobé)،
  • ثمن أحادي لإنشاء المنشآت الفنية (القناطر والعبّارات).
  • ثمن أحادي لعلامات التشوير الأفقي والعمودي.

وقد مكن هذا البيان من وضع تقدير أولي للكلفة، دون أن يشكل ذلك المبلغ النهائي للصفقة، إذ إن المبالغ المستحقة تحتسب على أساس الكميات المنجزة فعليا. فعلى سبيل المثال، إذا حدد الثمن الأحادي لأشغال الحفر في 95 درهما للمتر المكعب، وتم تنفيذ 600.000 متر مكعب بالفعل، فإن المبلغ المستحق لهذه الوحدة يحتسب كما يلي:

600.000 × 95 = 57.000.000 درهم

وينطبق الأمر نفسه على باقي الوحدات، بحيث يظل الثمن مرتبطا بشكل مباشر بالكميات الحقيقية التي تثبتها تقارير المراقبة التقنية خلال مراحل إنشاء الطريق.

ويبرز هذا المثال أن الصفقة بالأثمان الأحادية تتيح قدرة أكبر على التكيّف مع طبيعة المشاريع الطرقية، خاصة عندما تتضمن مناطق جبلية أو وعرة، كما هو الحال في المحور الرابط بين مكناس والرشيدية. فهي تمكن الإدارة من تقييم دقيق للتكلفة الفعلية، وتضمن من جهة أخرى أداء مستحقات المقاول بناء على الأشغال الحقيقية المنجزة، مما يحقق توازنا عادلا بين الطرفين ويسهم في ضبط النفقات العمومية وتحسين جودة المشاريع العمومية.

الفقرة الثانية: الصفقة بأثمان مركبة وبنسبة مئوية

بناء على ما سبق سوف نتطرق (أولا) للصفقات بأثمان مركبة، على أن نتطرق (ثانيا) للصفقات بأثمان بنسبة مئوية.

أولا: الصفقة بأثمان مركبة[6]

تسمى الصفقة بأثمان مركبة عندما تتضمن أعمالا يؤدى جزء منها على أساس ثمن إجمالي، والجزء الآخر على أساس أثمان أحادية:

  • الجزء الذي يحسب وفق الثمن الإجمالي يسدد كما في الصفقة الجزافية، بغض النظر عن الكميات المنفذة.
  • الجزء الذي يحسب وفق الأثمان الأحادية يسدد وفق الكميات الفعلية المنجزة لكل وحدة.

هذا النظام يتيح الجمع بين مزايا النظامين:

  • الاستقرار المالي للأجزاء التي يمكن تقديرها بدقة مسبقا.
  • المرونة والتكيف مع التغيرات في الأجزاء التي يصعب تحديد كمياتها بدقة.

وتعد الصفقة بالأثمان المركبة مناسبة للمشاريع الكبرى والمتنوعة، التي تتضمن مكونات يمكن تقديرها بدقة وأخرى قد تتغير كمياتها أثناء التنفيذ، مثل مشاريع الطرق الكبرى، المستشفيات، والمشاريع التقنية المعقدة.

ثانيا: الصفقة بنسبة مئوية

تكون الصفقة بثمن بنسبة مئوية عندما يحدد ثمن العمل بواسطة نسبة مئوية تطبق على مبلغ الأشغال المنجزة فعليا دون احتساب الرسوم، والتي تمت معاينتها بصفة قانونية ودون احتساب المبلغ الناتج عن مراجعة الأثمان ومبالغ التعويضات والغرامات المحتملة، ولا يطبق هذا الشكل من الأثمان إلا على أعمال الهندسة المعمارية طبقا لمقتضيات الباب الخامس من هذا المرسوم.[7]

وتحتسب أتعاب المهندس المعماري بتطبيق النسبة المئوية المقترحة من لدنه على مبلغ الأشغال المنجزة فعلا، دون احتساب الرسوم، والمثبتة بصورة قانونية، ولا يشمل هذا المبلغ، المبلغ الناتج عن مراجعة أثمان الأشغال والتعويضات الممنوحة لصاحب الصفقة والغرامات المحتملة.

ويضاف إلى أتعاب المهندس المعماري سعر الضريبة على القيمة المضافة الجاري به العمل. وتحتسب أتعاب المهندس المعماري حسب الكيفيات التالية:[8]

بالنسبة لأعمال التشييد الجديد للمباني، يجب ألا تقل نسبة أتعاب المهندس المعماري عن أربعة في المائة (4%) وألا تتجاوز ستة في المائة (6%)؛ بالنسبة لأعمال تشييد المنشآت الفنية والمستشفيات والمؤسسات السجنية والمدرجات والمطارات والموانئ والملاعب والمنشآت أو البنايات الأخرى المماثلة، يجب ألا تقل نسبة أتعاب المهندس المعماري عن أربعة في المائة (4) وألا تتجاوز ستة في المائة (6%)؛

بالنسبة للأعمال المتعلقة بمشاريع تشييد المباني ذات الطابع المتكرر، يجب ألا تقل نسبة أتعاب المهندس المعماري عن أربعة في المائة (4%) وألا تتجاوز خمسة في المائة (%5) بالنسبة للأعمال المتعلقة بتهيئة المباني وصيانتها، يجب ألا تقل نسبة أتعاب المهندس المعماري عن ثلاثة في المائة (3%) وألا تتجاوز أربعة في المائة (4%)؛

بالنسبة للأعمال المتعلقة بالديكور والهندسة المعمارية الداخلية، يجب ألا تقل نسبة أتعاب المهندس المعماري عن ثلاثة في المائة (3) وألا تتجاوز أربعة في المائة (%4).

المطلب الثاني: الصفقات العمومية من حيث صيغة الأثمان

يتضمن ثمن الصفقة الربح وجميع الحقوق والضرائب والرسوم والمصاريف العامة والعرضية وبصورة عامة، جميع النفقات المترتبة على العمل موضوع الصفقة إلى غاية تنفيذ هذا العمل، غير أنه يمكن لصاحب المشروع أن يدرج في دفتر الشروط الخاصة بندا ينص على أنه يتحمل بموجبه مصاريف الاستخلاص الجمركي أو النقل أو هما معا.[9]

وتكون الصفقات العمومية من حيث صيغة الأثمان إما بثمن ثابت أو قابل للمراجعة (الفقرة الأولى)، أو تكون بثمن مؤقت (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الصفقة بثمن ثابت وقابل للمراجعة

بناء على ما سبق سوف نتطرق (أولا) للصفقة بثمن ثابت، على أن نتطرق (ثانيا) للصفقة بثمن قابل للمراجعة

أولا: الصفقة بثمن ثابت

يكون ثمن الصفقة ثابتا عندما لا يمكن تعديله خلال أجل تنفيذ الصفقة، وإذا تغير سعر الضريبة على القيمة المضافة بعد التاريخ الأقصى المحدد لتسليم العروض، فإن صاحب المشروع يعكس هذا التغيير على ثمن التسديد.

وبالنسبة للصفقات المتعلقة باقتناء مواد أو خدمات ذات أسعار منظمة، يعكس صاحب المشروع الفارق الناتج عن تغيير أثمان هذه المواد أو الخدمات الحاصل بين تاريخ إيداع العروض وتاريخ التسلم على ثمن التسديد المحدد في الصفقة.

وتبرم على أساس أثمان ثابتة صفقات التوريدات وصفقات الخدمات غير تلك المتعلقة بالدراسات، غير أنه بالنسبة لصفقات التوريدات وصفقات الخدمات غير تلك المتعلقة بالدراسات التي لا تتضمن أسعار منظمة والتي يفوق أجل تنفيذها ستة أشهر، فصاحب المشروع يعكس الفارق الناتج عن تقلبات أثمان الأعمال موضوع الصفقات المذكورة، الحاصل بين تاريخ إيداع العروض وتاريخ التسليم على ثمن التسديد المحدد في الصفقة.

وتبرم صفقات الدراسات أيضا بثمن ثابت إذا كان الأجل المحدد لتنفيذها يقل عن ثلاثة أشهر.[10]

مثال تطبيقي:

لنفترض على سبيل المثال أن كلية العلوم الاقتصادية والاجتماعية أبرمت صفقة توريد تجهيزات مكتبية ومعلوماتية لفائدة مختلف المصالح البيداغوجية والإدارية برسم السنة الجامعية الجارية 2025. وقد تم تحديد ثمن هذه الصفقة بثمن ثابت وفقا لمقتضيات مرسوم الصفقات العمومية الجديد، باعتبار أن طبيعة التوريدات موضوع التعاقد تسمح بتحديد دقيق لسعر الوحدة والكميات المطلوبة، كما أن مدة التنفيذ لا تتجاوز أربعة أشهر.

وقد تم الإعلان عن طلب العروض بتاريخ 10 يناير 2025، وحدد التاريخ الأقصى لإيداع العروض في 30 يناير 2025. وبعد تقييم العروض، رست الصفقة على شركة مختصة في توريد أجهزة الحواسيب والطابعات والمكاتب والكراسي، بثمن إجمالي قدره 850.000 درهم دون احتساب الرسوم.

وبما أن الصفقة مبرمة على أساس أثمان ثابتة، فقد التزمت الكلية بعدم مراجعة الثمن المتفق عليه طوال مدة تنفيذ الصفقة. غير أنه بعد انقضاء أجل إيداع العروض بشهر واحد، قامت الدولة بمراجعة سعر الضريبة على القيمة المضافة المطبقة على تجهيزات الإعلاميات، حيث انتقلت من 20% إلى 21%. وفي هذه الحالة، وبالرغم من أن الثمن الأصلي ثابت، فإن الكلية ملزمة قانونا بعكس هذا التغيير على ثمن التسديد، لأن تعديل الضريبة يشكل تغييرا قانونيا خارجا عن إرادة الأطراف. وهكذا ارتفع مبلغ الأداء من 1.020.000 درهم إلى 1.028.500 درهم باحتساب الرسوم وفق النسبة الجديدة.

وبالتالي يشكل هذا المثال نموذجا تطبيقيا لكيفية تنزيل آليات الثمن الثابت في الصفقات العمومية، وكيفية تعامل صاحب المشروع، أي الكلية، مع التغيرات القانونية المُلزمة كالضريبة على القيمة المضافة، في إطار احترام قاعدة عدم مراجعة الأسعار إلا في الحالات التي يسمح بها القانون.

ثانيا: الصفقة بثمن قابل للمراجعة

يقصد بالصفقة بثمن قابل للمراجعة هي الصفقة التي يمكن مراجعة ثمنها بسبب التقلبات الاقتصادية التي قد تبرز خلال مرحلة تنفيذ الأعمال أو عندما يتطلب إنجازها اللجوء إلى حصة هامة من المواد الأولية التي تتأثر أسعارها بصورة مباشرة بتقلبات الأسعار العالمية.[11]

وتجدر الإشارة إلى أن الهدف من مراجعه أثمان الصفقات العمومية هو إيلاء الاعتبار للتقلبات الاقتصادية التي يمكن معاينتها بين تاريخ وضع الأثمان الأولية المحددة في دفتر التحملات وتواريخ انصرام الآجال المحددة من قبل الطرفين المتعاقدين لإنجاز الأعمال موضوع الصفقة.

ولقد حددت المادة 15 في فقرتها الثانية من مرسوم 8 مارس 2023 الصفقات التي يمكن إبرامها ثمن قابل للمراجعة، ويتعلق الأمر بصفقات الأشغال وصفقات الدراسات التي يساوي أو يفوق أجل إنجازها ثلاثة أشهر.

وعندما يكون الثمن قابلا للمراجعة، فإن دفاتر التحملات تبين صراحة كيفيات المراجعة وتاريخ استحقاقها، وذلك طبقا لقواعد وشروط مراجعة الأثمان كما هي محددة بقرار لرئيس الحكومة بعد تأشيرة الوزير المكلف بالمالية.

مثال تطبيقي:

لنفرض أن جماعة ترابية أبرمت صفقة أشغال تتعلق بتعبيد الطرقات بعدد من الدواوير، بأجل إنجاز يبلغ خمسة أشهر. يعتمد تنفيذ هذا المشروع بشكل كبير على مواد أولية مثل الزفت (البيتومين) والحديد والآليات المستعملة في الضغط والفرش، وهي مواد وأسعار ترتبط عادة بسوق المحروقات والأسعار العالمية للمعادن، وخلال فترة تنفيذ الأشغال، قد تعرف أسعار الزفت ارتفاعا ملحوظا نتيجة تغيرات في سعر البترول في السوق الدولية. وبما أن الصفقة تمت لأجل يتجاوز ثلاثة أشهر، فإنها تدخل ضمن الصفقات القابلة للمراجعة طبقا لمقتضيات المادة 15 من مرسوم 8 مارس 2023.

في هذه الحالة، يقوم صاحب المشروع (الجماعة) بتطبيق قواعد المراجعة المنصوص عليها في دفتر التحملات، والتي تبين طريقة احتساب معامل المراجعة، ونسب تأثير المواد على الكلفة الإجمالية للصفقة، وتاريخ استحقاق المراجعة.
وبالتالي، تتم مراجعة ثمن الجزء المنجز خلال الفترة التي شهدت ارتفاع أسعار الزفت، وذلك وفق المؤشرات الرسمية المعتمدة، دون المساس بالأجزاء المنجزة قبل حدوث هذه التقلبات.

الفقرة الثانية: الصفقة بثمن مؤقت

تبرم الصفقة بثمن مؤقت في حالة ضرورة الاستعجال المرتبطة بتنفيذ الأعمال موضوع الصفقة، بينما نجد أن كل الشروط المتطلبة لتحديد ثمن أصلي نهائي غير مستوفاة بسبب الصبغة الاستعجالية التي يكتسيها العمل بسبب تعقد الأعمال موضوع الصفقة.[12]

وبالتالي فهي أعمال مستعجلة يتعين تنفيذها بالرغم من عدم اكتمال كل شروطها، ومنها الأعمال التي تهم الدفاع عن صورة التراب الوطن أو أمن السكان أو سلامة السير الطرقي أو بالملاحة الجوية أو البحرية أو بالأعمال ذات الصلة بحملة الاستكشاف في البحر، والتي يجب الشروع في تنفيذها قبل أن يتم تحديد جميع شروط الصفقة.

ويتم إنجار هذه الأعمال طبق الأشكال والشروط الواردة في البند “ب” من المادة 90 من مرسوم 8 مارس 2023، وذلك من خلال تبادل رسائل أو اتفاقية خاصة بالنسبة للأعمال التي تكتسي طابعا استعجاليا والتي لا يتلاءم إنجازها مع إعداد الوثائق المكونة للصفقة.[13]

ولا يجوز إبرام صفقة بثمن مؤقت إلا في الحالة المنصوص عليها في الفقرة 7 من البند 11 من المادة 89 من هذا المرسوم، ويتعلق الأمر بالأعمال التي تكتسي طابعا استعجاليا والتي تتعلق بالدفاع عن حوزة التراب الوطني أو بأمن السكان أو بسلامة السير الطرقي أو بالملاحة الجوية أو البحرية أو بالأعمال ذات الصلة بحملة الاستكشاف في البحر، والتي يجب الشروع في تنفيذها، قبل أن يتم تحديد جميع شروط الصفقة. ويتم إنجاز هذه الأعمال طبقا للأشكال والشروط المنصوص عليها في البند (ب) من المادة 90 بعده.

ويشترط مرسوم 8 مارس 2023 أن تنص الرسائل المتبادلة أو الاتفاقية الخاصة على الأقل على طبيعة الأعمال وكذا حدود التزامات الطرفين من حيث المبلغ والمدة، وتحدد هذه الرسائل أو الاتفاقية أيضا الثمن النهائي أو الثمن المؤقت، ويتعين أن تتم تسوية تبادل الرسائل أو الاتفاقية الخاصة في شكل صفقة بثمن نهائي خلال الثلاثة أشهر الموالية.

مثال تطبيقي:

لنفترض على سبيل المثال إذا حدث انفجار لأنبوب رئيسي للماء الشروب داخل حي سكني لمكناس، وهدد بانقطاع التزويد كليا أو تسبب في انجرافات أو انهيارات، فإن المصلحة المتعاقدة تضطر إلى إبرام اتفاقية مستعجلة لإصلاح الأنبوب، لأن انتظار إنجاز الدراسات وتحديد الثمن النهائي سيؤدي إلى أضرار جسيمة.

تحدد الاتفاقية المستعجلة طبيعة الإصلاحات، والحد الأعلى للتكلفة، والأجل الزمني للتنفيذ، ليتم لاحقا اعتماد صفقة نهائية بناء على الوثائق التقنية التي يتم إعدادها بعد السيطرة على الوضع.

خاتمة:

تشكل أنظمة أثمان الصفقات العمومية بالمغرب دعامة أساسية في هندسة التدبير المالي العمومي للطلبيات العمومية، وأداة محورية لتحقيق التوازن بين متطلبات الفعالية والنجاعة من جهة، وضرورات الشفافية وترشيد الإنفاق من جهة أخرى. وقد كشفت هذه الدراسة التحليلية عن تعدد وتنوع هذه الأنظمة، انطلاقا من التمييز بين الصفقات حسب طبيعة الأثمان (إجمالي، أحادي، مركب، نسب مئوية)، ومرورا بتصنيفها حسب صيغة الأثمان (ثابت، قابل للمراجعة، مؤقت)، مما يتيح للإدارة صاحبة المشروع مرونة كبيرة في اختيار النظام الأنسب طبيعة وحجم المشروع، ودرجة اليقين بشأن مدخلاته ومخرجاته.

  1. درج الفقه والقضاء الإداريين، في مجال أنواع العقود الإدارية على التمييز بين العقود الإدارية بقوة القانون والعقود الإدارية بطبيعتها القضائية. بالنسبة للأولى النص القانوني المنظم لها هو الذي ينص صراحة على أنها عقود ذات طبيعة إدارية. أما الثانية، فالأصل أنها تعتبر من العقود الخاضعة للقانون الخاص، لكن القضاء الإداري عندما يلاحظ أنها تتضمن شروطا غير مألوفة في القانون الخاص أو تساهم في تسيير مرفق عام، فإنه يضفي عليها طابعا إداريا.
  2. المادة 4 من المرسوم رقم 2.22.431، الصادر في 15 شعبان 1444 (8 مارس 2023) المتعلق بالصفقات العمومية، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7176، بتاريخ 9 مارس2023، الصفحة 2865.
  3. المادة 14 من المرسوم رقم 2.22.431، الصادر في 15 شعبان 1444 (8 مارس 2023) المتعلق بالصفقات العمومية، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7176، بتاريخ 9 مارس2023، الصفحة 2865.
  4. المادة 14 من المرسوم رقم 2.22.431، الصادر في 15 شعبان 1444 (8 مارس 2023) المتعلق بالصفقات العمومية، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7176، بتاريخ 9 مارس2023، الصفحة 2865.
  5. نور الدين شغايش، ” نظام الصفقات العمومية -دراسة ميدانية على ضوء مرسوم 8 مارس2023 ودفاتر الشروط الإدارية العامة والمراسيم والقرارات المرتبطة بتدبير الصفقات العمومية- “، مطبعة دار القلم للطباعة والنشر، الرباط المغرب،2025، الصفحة 251.
  6. المادة 14 من المرسوم رقم 2.22.431، الصادر في 15 شعبان 1444 (8 مارس 2023) المتعلق بالصفقات العمومية، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7176، بتاريخ 9 مارس2023، الصفحة 2865.
  7. المادة 14 من المرسوم رقم 2.22.431، الصادر في 15 شعبان 1444 (8 مارس 2023) المتعلق بالصفقات العمومية، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7176، بتاريخ 9 مارس2023، الصفحة 2865.
  8. المادة 93 من المرسوم رقم 2.22.431، الصادر في 15 شعبان 1444 (8 مارس 2023) المتعلق بالصفقات العمومية، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7176، بتاريخ 9 مارس2023، الصفحة 2865.
  9. نور الدين شغايش، ” نظام الصفقات العمومية -دراسة ميدانية على ضوء مرسوم 8 مارس2023 ودفاتر الشروط الإدارية العامة والمراسيم والقرارات المرتبطة بتدبير الصفقات العمومية، مرجع سابق الصفحة 253.
  10. المادة 15من المرسوم رقم 2.22.431، الصادر في 15 شعبان 1444 (8 مارس 2023) المتعلق بالصفقات العمومية، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7176، بتاريخ 9 مارس2023، الصفحة 2865.
  11. ” فؤاد الفتوحي ” محاضرات في مادة تدبير الصفقات العمومية “، ألقيت على طلبة الفصل السادس، تخصص العلوم القانونية، مسلك إجازة التميز في الحكامة الترابية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، السنة الجامعية 2023 ـ 2024، الصفحة 20.
  12. المادة 15من المرسوم رقم 2.22.431، الصادر في 15 شعبان 1444 (8 مارس 2023) المتعلق بالصفقات العمومية، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7176، بتاريخ 9 مارس2023، الصفحة 2865.
  13. البند (ب) من المادة 90 من المرسوم رقم 2.22.431، الصادر في 15 شعبان 1444 (8 مارس 2023) المتعلق بالصفقات العمومية، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7176، بتاريخ 9 مارس2023، الصفحة 2865.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى