البصمة التربوية كمدخل لتطوير التعليم الشرطي: تعزيز التفكير والأداء والنزاهة لدى المتدربين العقيد / خالد راشد الزيودي
البصمة التربوية كمدخل لتطوير التعليم الشرطي:
تعزيز التفكير والأداء والنزاهة لدى المتدربين
Signature Pedagogy as an Approach to Police Education Development: Enhancing Recruits’ Thinking, Performance, and Integrity
العقيد / خالد راشد الزيودي
عضو هيئة التدريس بكلية الشرطة – أبو ظبي
هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 59 الخاص بشهر غشت / شتنبر 2025
رابط تسجيل الاصدار في DOI
https://doi.org/10.63585/KWIZ8576
للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665
البصمة التربوية كمدخل لتطوير التعليم الشرطي:
تعزيز التفكير والأداء والنزاهة لدى المتدربين
Signature Pedagogy as an Approach to Police Education Development: Enhancing Recruits’ Thinking, Performance, and Integrity
العقيد / خالد راشد الزيودي
عضو هيئة التدريس بكلية الشرطة – أبو ظبي
ملخص البحث :
تهدف هذه الدراسة إلى مناقشة تطبيق مفهوم البصمة التربوية في التعليم والتدريب الشرطي، وتوضيح دوره في تعزيز كفاءة الأداء الشرطي ورفع مستوى جودة الخدمات الأمنية المقدمة. وقد تم تقسيم الدراسة إلى ثلاثة فصول رئيسية؛ يتناول الفصل الأول الإطار المفاهيمي من خلال تعريف مفهوم البصمة التربوية ونشأته التاريخية، وتحديد الأبعاد الأساسية التي يرتكز عليها هذا المفهوم، وهي التفكير والأداء والنزاهة، إلى جانب استعراض النظريات التربوية الداعمة له. في حين يركّز الفصل الثاني على استعراض أبرز التطبيقات العملية لمفهوم البصمة التربوية في المجال الشرطي، وذلك من خلال توضيح أساليب التعلم القائم على السيناريو، والتعلم القائم على المشكلات، وكذلك التدريب بالمحاكاة والتدريب الميداني، ومدى فاعلية هذه الأساليب في تطوير المهارات العملية لضباط الشرطة. بينما يناقش الفصل الثالث تقييم فعالية تطبيق هذا المفهوم في المؤسسات الشرطية، من خلال تحديد المعايير والمؤشرات التي تساعد على قياس نجاح تطبيق البصمة التربوية، واستعراض الصعوبات والتحديات العملية التي قد تعيق التطبيق الناجح لهذا المفهوم. كما يقدّم الفصل مجموعة من المقترحات العملية التي من شأنها تطوير وتعزيز استخدام البصمة التربوية في مؤسسات الشرطة، وذلك بهدف الارتقاء بمنظومة التعليم والتدريب الشرطي بما يواكب المستجدات والمتغيرات الأمنية الحديثة.
الكلمات المفتاحية: البصمة التربوية، التعليم الشرطي، التدريب الشرطي، الأداء الأمني، التطوير المهني.
Abstract
This study discusses applying the concept of signature pedagogy in police education and training, highlighting its role in improving police performance and enhancing the quality of security services. The study is divided into three main chapters. The first chapter introduces the conceptual framework by defining signature pedagogy, its historical background, and its core dimensions—thinking, performing, and integrity—alongside relevant educational theories. The second chapter focuses on practical applications of signature pedagogy in police education, including scenario-based learning, problem-based learning, simulation training, and field training. It emphasizes the effectiveness of these methods in developing practical police skills. The third chapter evaluates the effectiveness of implementing signature pedagogy within police institutions by identifying clear success indicators, discussing challenges and obstacles faced during implementation, and offering practical recommendations for improvement. Ultimately, the research aims to enhance police training systems to align with contemporary security challenges and developments.
Keywords: Signature Pedagogy, Police Education, Police Training, Police Performance, Professional Development.
المقدمة:
يشهد العالم اليوم تحولاتٍ سريعة وتطوراتٍ كبيرة في شتى المجالات الاجتماعية والثقافية والتقنية، مما يتطلب من المؤسسات الأمنية والشرطية مواكبة هذه التغيرات والاستجابة لمتطلبات الواقع الجديد بفعالية وكفاءة. وفي هذا السياق، يبرز التعليم والتدريب الشرطي كعنصر أساسي في تطوير قدرات رجال الشرطة، وتأهيلهم للتعامل مع التعقيدات المتزايدة في بيئة العمل الأمني. وبالرغم من أهمية الدور الذي يؤديه التعليم الشرطي التقليدي، فإن الكثير من الدراسات والخبرات الميدانية تؤكد قصوره في تأهيل الضباط للتفاعل المرن مع الواقع العملي المتغير، وتطوير مهارات التفكير واتخاذ القرار بصورة عملية وفاعلة.من هذا المنطلق، تسعى هذه الدراسة إلى إبراز أهمية مفهوم البصمة التربوية باعتباره أحد النماذج التربوية الحديثة والفعالة، والتي يمكن من خلالها إحداث نقلة نوعية في برامج التعليم والتدريب الشرطي. ويتميز مفهوم البصمة التربوية بتركيزه على ثلاثة أبعاد رئيسية هي التفكير والأداء والنزاهة، مما يجعله أكثر انسجامًا مع احتياجات ومتطلبات العمل الشرطي، ويمكّن المتدربين من اكتساب المهارات العملية بشكل فعال ومباشر.ستتناول هذه الدراسة بشكل مفصّل مفهوم البصمة التربوية وتطبيقاتها العملية في المجال الشرطي، مع توضيح أبرز الأسس النظرية التي تدعم استخدام هذا المفهوم في البرامج التعليمية والتدريبية. كما ستُقيّم الدراسة مدى فاعلية تطبيق أساليب البصمة التربوية في الواقع الميداني، مع رصد الصعوبات والتحديات التي تواجه تطبيقها، وتقديم مقترحات عملية تساعد في التغلب على هذه التحديات وتطوير البرامج التدريبية بصورة مستدامة.وفي ضوء ما سبق، تأتي هذه الدراسة كمحاولة جادة وعلمية للمساهمة في تحسين جودة التعليم والتدريب الشرطي، بما يضمن تطوير الأداء الأمني، وتعزيز قدرة المؤسسات الشرطية على مواكبة المستجدات الأمنية والاجتماعية في عالم سريع التغير.
أولاً – مشكلة الدراسة:
تتمثل مشكلة الدراسة في محدودية فاعلية برامج التعليم والتدريب الشرطي التقليدية، لاعتمادها بشكل كبير على الأساليب النظرية التي لا تلبي متطلبات العمل الشرطي الحديث. كما تكمن المشكلة في غياب إطار تربوي متخصص يراعي خصوصية المهنة الشرطية واحتياجاتها. وتتفاقم هذه المشكلة بسبب قلة وندرة المراجع العربية المتخصصة في مفهوم البصمة التربوية عمومًا، ونقص الدراسات العلمية المنشورة حول تطبيقاتها العملية في التعليم الشرطي بشكل خاص.
ثانياً – أهداف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على مفهوم البصمة التربوية وإمكانية تطبيقها في مجال التعليم والتدريب الشرطي، مع إبراز دورها في تحسين كفاءة الأداء الشرطي وتطوير القدرات المهنية لضباط الشرطة، وتسعى هذه الدراسة إلى تحقيق الأهداف الآتية:
توضيح مفهوم البصمة التربوية وأبعادها الأساسية في التعليم الشرطي.
استعراض الأسس النظرية والتربوية الداعمة لتطبيق مفهوم البصمة التربوية في المؤسسات الشرطية.
تحديد أبرز التطبيقات العملية للبصمة التربوية في تدريب وإعداد ضباط الشرطة.
تقييم فاعلية تطبيق البصمة التربوية في تطوير الأداء الشرطي.
اقتراح توصيات عملية لتعزيز وتطوير تطبيق البصمة التربوية في المجال الشرطي.
ثالثاً – أهمية الدراسة:
تنبع أهمية هذه الدراسة من تناولها لمفهوم حديث ومتخصص في مجال التعليم والتدريب الشرطي، وهو البصمة التربوية، حيث تسلط الضوء على إمكانية الاستفادة منه في تطوير برامج التدريب ورفع مستوى الأداء الشرطي، بما يواكب التحديات والمتغيرات الأمنية المعاصرة، وتتجلى أهمية الدراسة في النقاط الآتية:
تقدم إطارًا نظريًا واضحًا لمفهوم البصمة التربوية في المجال الشرطي.
تسهم في سد الفجوة المعرفية الناجمة عن ندرة المراجع العربية في هذا المجال.
توضح فوائد تطبيق البصمة التربوية في تعزيز مهارات التفكير واتخاذ القرار لدى الضباط.
تساعد صنّاع القرار في المؤسسات الشرطية على اختيار أساليب تدريب حديثة وفعالة.
توفر مقترحات وتوصيات عملية تساهم في تحسين جودة برامج التعليم والتدريب الشرطي.
رابعاً – تساؤلات الدراسة:
تسعى هذه الدراسة إلى الإجابة عن مجموعة من التساؤلات العلمية التي تهدف إلى توضيح مفهوم البصمة التربوية وتطبيقاته العملية في التعليم والتدريب الشرطي، وذلك لتحديد مدى مساهمته في تحسين كفاءة الأداء وتطوير قدرات رجال الشرطة، وفي ضوء ذلك، تتحدد تساؤلات الدراسة في النقاط الآتية:
ما المقصود بمفهوم البصمة التربوية، وما أبعادها الأساسية في التعليم الشرطي؟
ما الأسس النظرية والتربوية التي يقوم عليها تطبيق البصمة التربوية في المؤسسات الشرطية؟
كيف يمكن تطبيق البصمة التربوية في برامج تدريب وتأهيل ضباط الشرطة؟
ما مدى فعالية تطبيق البصمة التربوية في رفع مستوى الأداء الشرطي؟
ما التحديات والصعوبات التي قد تواجه تطبيق مفهوم البصمة التربوية في المؤسسات الشرطية؟
خامساً – منهج الدراسة:
اعتمدت هذه الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي، لملاءمته لطبيعة أهداف الدراسة، حيث تم من خلاله وصف مفهوم البصمة التربوية وتطبيقاته في المجال الشرطي، وتحليل مدى إمكانية تطبيقه، وأبرز التحديات المتعلقة به، مع تقديم مقترحات عملية لتعزيز فاعليته في المؤسسات الشرطية.
سادساً – تقسيم الدراسة:
تتناول هذه الدراسة موضوعًا بالغ الأهمية يتمثل في تطبيق مفهوم البصمة التربوية في التعليم الشرطي، وذلك من خلال ثلاثة فصول رئيسية على النحو الآتي:
الفصل الأول: الإطار المفاهيمي للبصمة التربوية في التعليم الشرطي:
المبحث الأول: مفهوم البصمة التربوية ونشأتها التاريخية.
المبحث الثاني: الأبعاد الأساسية التي ترتكز عليها البصمة التربوية (التفكير، الأداء، النزاهة).
المبحث الثالث: الأسس والنظريات التربوية الداعمة لاستخدام البصمة التربوية في التعليم الشرطي.
الفصل الثاني: تطبيقات البصمة التربوية في التعليم والتدريب الشرطي:
المبحث الأول: التعلم القائم على السيناريو في تدريب رجال الشرطة.
المبحث الثاني: التعلم القائم على المشكلات وتطبيقاته العملية في إعداد وتطوير ضباط الشرطة.
المبحث الثالث: التدريب بالمحاكاة والتدريب الميداني ودورهما في رفع كفاءة الأداء الشرطي.
الفصل الثالث: تقييم فعالية تطبيق البصمة التربوية في المؤسسات الشرطية:
المبحث الأول: معايير ومؤشرات تقييم نجاح البصمة التربوية في التعليم والتدريب الشرطي.
المبحث الثاني: الصعوبات والتحديات العملية التي تؤثر على نجاح البصمة التربوية.
المبحث الثالث: مقترحات عملية لتطوير وتعزيز تطبيق البصمة التربوية في المؤسسات الشرطية.
الخاتمة :
النتائج والتوصيات
الفصل الأول
الإطار المفاهيمي للبصمة التربوية في التعليم الشرطي
التمهيد :
يهدف هذا الفصل إلى استعراض الإطار المفاهيمي للبصمة التربوية في مجال التعليم الشرطي، من خلال توضيح مفهومها العام ونشأتها التاريخية، وإبراز أهميتها باعتبارها مدخلًا تربويًا حديثًا ومتخصصًا في تعزيز قدرات ومهارات المتدربين في المجال الشرطي. ويأتي الاهتمام بهذا المفهوم في ظل ما يشهده العالم اليوم من تحديات أمنية متزايدة تتطلب إحداث نقلة نوعية في أساليب التعليم والتدريب الشرطي التقليدية، واعتماد أساليب أكثر ملاءمةً لواقع العمل الأمني الحديث.
وسيتناول هذا الفصل بالتحديد ثلاثة محاور أساسية؛ يتناول المحور الأول توضيحًا دقيقًا لمفهوم البصمة التربوية ونشأتها التاريخية، وكيف تطورت عبر الزمن لتصبح واحدة من الأساليب التربوية المتخصصة التي تُستخدم بشكل واسع في مختلف المجالات المهنية. أما المحور الثاني فيتطرق إلى شرح الأبعاد الأساسية التي تقوم عليها البصمة التربوية، وهي التفكير والأداء والنزاهة، مع توضيح أهمية كل بُعد منها ودوره في إعداد رجال الشرطة بطريقة مهنية متكاملة. وأخيرًا، يستعرض المحور الثالث أهم الأسس والنظريات التربوية الداعمة لاستخدام البصمة التربوية، ويوضح كيف يمكن الاستفادة من هذه النظريات في تطوير مناهج التدريب الشرطي وإعداد كوادر أمنية قادرة على التعامل مع الواقع العملي بفاعلية وكفاءة، لمواجهة التحديات الأمنية المعاصرة والمستقبلية بشكل أفضل.
المبحث الأول: مفهوم البصمة التربوية ونشأتها التاريخية:
يتناول هذا المبحث مفهوم البصمة التربوية من خلال توضيح معناها العام، واستعراض تاريخ نشأتها وتطورها كمفهوم تربوي متخصص يهدف إلى تعزيز طرق وأساليب التعليم في مختلف المهن، مع التركيز على تطبيقاتها في مجال التعليم الشرطي.
أولًا: مفهوم البصمة التربوية:
يُقصد بمفهوم البصمة التربوية أنها أساليب تعليمية مميزة ترتبط بشكل واضح بهوية مهنية محددة، وتعكس الطرق التي يتم من خلالها تعليم المتدربين وإعدادهم ليكتسبوا مهارات عملية وسلوكية ومهنية متميزة تُساعدهم على أداء عملهم بصورة فعّالة (Shulman, 2005). وتتميز البصمة التربوية بأنها تجمع بين ثلاثة أبعاد أساسية، وهي التفكير، والأداء، والنزاهة، بحيث تؤهل المتدرب لممارسة مهنته بشكل متوازن، من خلال اكتساب معرفة مهنية محددة، ومهارات عملية تطبيقية، وقيم أخلاقية واضحة (Shulman, 2005).
ثانيًا: النشأة التاريخية لمفهوم البصمة التربوية:
يرجع مفهوم البصمة التربوية إلى الباحث التربوي لي شولمان (Lee Shulman)، والذي قدمه في دراساته حول التعليم المهني المتخصص عام 2005، مؤكدًا على أن لكل مهنة طابعها التربوي الخاص الذي يُميزها عن غيرها من المهن، وأن هذه الأساليب التعليمية الفريدة هي ما أطلق عليها “البصمة التربوية” (Shulman, 2005). ويذكر شولمان أن مفهوم البصمة التربوية ارتبط في بدايته بمهن مثل الطب والقانون والهندسة، حيث طُبقت فيه أساليب تعليمية وتدريبية ترتكز على الممارسة العملية المباشرة بدلًا من الاعتماد على النظريات وحدها (Shulman, 2005). وقد توسّع هذا المفهوم لاحقًا ليشمل مجالات مهنية عديدة، ومنها المجال الشرطي، حيث تم استخدامه في تدريب وتأهيل رجال الشرطة من خلال التركيز على إعدادهم لمواجهة الواقع العملي وتعقيداته بشكل فعال (Shipton, 2019).
ثالثًا: البصمة التربوية في التعليم الشرطي:
تأتي أهمية تطبيق مفهوم البصمة التربوية في التعليم الشرطي من الحاجة الملحة إلى إعداد رجال الشرطة لمواجهة تحديات أمنية معقدة ومتغيرة، حيث يتميز هذا المفهوم بقدرته على الجمع بين المعرفة النظرية والمهارات العملية بشكل متوازن ومنسجم مع متطلبات المهنة الشرطية (Shipton, 2019). وتؤكد الدراسات أن استخدام البصمة التربوية في برامج التدريب الشرطي قد ساهم في تعزيز مهارات التفكير الناقد، وتحسين قدرة الضباط على اتخاذ القرارات المناسبة في ظروف عمل صعبة ومعقدة (Shipton, 2019).
المبحث الثاني: الأبعاد الأساسية التي ترتكز عليها البصمة التربوية (التفكير، الأداء، النزاهة):
يركز هذا المبحث على استعراض وتحليل الأبعاد الأساسية التي تقوم عليها البصمة التربوية في التعليم الشرطي، وهي التفكير والأداء والنزاهة. وتُمثل هذه الأبعاد الثلاثة الركيزة الرئيسة في عملية إعداد وتأهيل رجال الشرطة، من خلال تعزيز قدراتهم على ممارسة مهامهم الأمنية بشكل فعال واحترافي.
أولًا: التفكير:
يُعد التفكير من أهم الأبعاد التي ترتكز عليها البصمة التربوية، وهو يشير إلى قدرة الفرد على التحليل والتفكير النقدي واتخاذ القرارات الصحيحة في المواقف الأمنية المختلفة. ويوضح شيبتون (Shipton, 2019) أن المتدربين في المجال الشرطي يجب أن يتم تدريبهم على تحليل السيناريوهات المعقدة والتعامل معها بأساليب منطقية ونقدية، مثل حالات التدخل الأمني في الأزمات أو الجرائم الكبرى، مما يُسهم في تعزيز الثقة والقدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة في اللحظات الحرجة.
ثانيًا: الأداء:
يشير الأداء في مفهوم البصمة التربوية إلى المهارات العملية والتطبيقية التي يمتلكها ضابط الشرطة ويستخدمها في بيئة العمل الميداني. ويؤكد شيبتون (Shipton, 2019) على ضرورة أن تعتمد برامج التدريب الشرطي على الأنشطة العملية مثل التدريب بالمحاكاة والتدريبات الميدانية؛ كالتدريب على التعامل مع حوادث إطلاق النار، وملاحقة المطلوبين، والتفاعل مع الجمهور في المواقف الأمنية الطارئة، وهو ما يعزز جاهزية الضباط واستعدادهم العملي لأداء واجباتهم.
ثالثًا: النزاهة:
تعبر النزاهة في إطار البصمة التربوية عن الالتزام بالقيم الأخلاقية والمهنية في أداء الواجبات الشرطية. ويشير شيبتون (Shipton, 2019) إلى أهمية تضمين البعد الأخلاقي في جميع مراحل التدريب الشرطي، مثل تدريب الضباط على احترام حقوق الإنسان، والتعامل العادل مع المشتبه بهم، وتجنب استخدام القوة المفرطة، مما يعزز صورة المؤسسات الأمنية ويكسبها ثقة المجتمع.
المبحث الثالث: الأسس والنظريات التربوية الداعمة لاستخدام البصمة التربوية في التعليم الشرطي:
يتناول هذا المبحث توضيحًا وتحليلًا للأسس والنظريات التربوية التي تدعم استخدام البصمة التربوية في التعليم الشرطي، حيث تستند هذه النظريات إلى أسس علمية ومنهجية تسهم في تعزيز فاعلية البرامج التدريبية الشرطية.
أولًا: النظرية البنائية:
تُعد النظرية البنائية من أبرز النظريات التربوية الداعمة للبصمة التربوية، وترتكز على فكرة أن التعلم يحدث بشكل أفضل عندما يكون المتدرب نشطًا في عملية بناء المعرفة بدلًا من تلقيها جاهزة. ويوضح شيبتون (Shipton, 2019) أهمية هذه النظرية في تدريب رجال الشرطة، حيث يمكن تطبيقها من خلال استخدام سيناريوهات واقعية يتعلم من خلالها الضباط طرق الاستجابة للمواقف الأمنية بشكل تفاعلي، مثل التدريبات على كيفية التعامل مع جرائم السطو المسلح أو حوادث الاختطاف.
ثانيًا: نظرية التعلم القائم على التجربة:
تركز هذه النظرية على أهمية التجارب العملية والميدانية في عملية التعلم، وتؤكد أن المتدربين يكتسبون المعارف والمهارات بشكل أفضل من خلال الممارسة الفعلية. ويشير شيبتون (Shipton, 2019) إلى إمكانية تطبيق هذه النظرية في التعليم الشرطي عبر استخدام التدريب الميداني والتدريب بالمحاكاة، مثل التدريب على إدارة الأزمات الأمنية والكوارث، حيث يُعزز ذلك من قدرة الضباط على اتخاذ القرارات الصحيحة تحت الضغط وفي ظروف مشابهة للواقع.
ثالثًا: نظرية التعلم التحويلي:
تقوم هذه النظرية على أن التعلم الحقيقي يغيّر طريقة تفكير الفرد وتصرفه تجاه المواقف بشكل جذري. ويوضح شيبتون (Shipton, 2019) أن استخدام هذه النظرية في برامج التدريب الشرطي يساعد في تطوير قدرات المتدربين على إدراك أهمية الالتزام بالقيم المهنية والأخلاقية، على سبيل المثال، تدريب الضباط على مراعاة حقوق الإنسان واحترام القانون عند استخدام القوة، مما يسهم في تعزيز النزاهة والمهنية الشرطية.
الفصل الثاني
تطبيقات البصمة التربوية في التعليم والتدريب الشرطي
التمهيد :
يستعرض هذا الفصل التطبيقات العملية لمفهوم البصمة التربوية في برامج التعليم والتدريب الشرطي، من خلال تسليط الضوء على مجموعة من الأساليب التدريبية الحديثة والمتخصصة التي ترتكز على تعزيز القدرات المهنية والميدانية لضباط الشرطة. فقد أثبتت التجارب العملية والدراسات الحديثة أن الأساليب التدريبية التقليدية التي تعتمد بشكل أساسي على الجانب النظري لم تعد كافية لإعداد رجال الشرطة للتعامل مع تحديات العمل الأمني المعاصر. ولذلك يأتي الاهتمام بتطبيقات البصمة التربوية كأسلوب مبتكر وفعال في تطوير أداء ضباط الشرطة، وتزويدهم بالمهارات التطبيقية والمعرفية اللازمة لأداء مهامهم بكفاءة عالية. وسيتناول هذا الفصل ثلاثة محاور أساسية؛ يركّز المحور الأول على التعلم القائم على السيناريو في تدريب رجال الشرطة، كونه يوفر بيئة تدريبية مشابهة للواقع، تساعد المتدربين على تطوير مهارات اتخاذ القرار في المواقف الطارئة. فيما يوضح المحور الثاني أسلوب التعلم القائم على المشكلات، الذي يتيح للمتدربين القدرة على مواجهة المشكلات الأمنية المعقدة وإيجاد حلول عملية لها. أما المحور الثالث فيناقش التدريب بالمحاكاة والتدريب الميداني ودورهما في تعزيز كفاءة الأداء الشرطي، من خلال توفير تجارب عملية واقعية تمكّن المتدربين من تطبيق ما تعلموه بشكل مباشر، مما يعزز من استعدادهم المهني وقدرتهم على الاستجابة السريعة والفعالة في الظروف الميدانية المختلفة.
المبحث الأول: التعلم القائم على السيناريو في تدريب رجال الشرطة:
يُعد التعلم القائم على السيناريو أحد أهم التطبيقات العملية لمفهوم البصمة التربوية في برامج تدريب رجال الشرطة، إذ يرتكز على محاكاة مواقف أمنية واقعية أو شبه واقعية، لتطوير مهارات التفكير النقدي واتخاذ القرار لدى المتدربين. ويسهم هذا النوع من التعلم في توفير بيئة تدريبية آمنة وفعالة، تسمح لضباط الشرطة باختبار قدراتهم، وتطوير مهاراتهم من خلال مواجهة تحديات مشابهة لما قد يواجهونه في الواقع العملي (Shipton, 2019).
أولًا: مفهوم التعلم القائم على السيناريو:
يُشير التعلم القائم على السيناريو إلى أسلوب تدريبي تفاعلي يستخدم السيناريوهات الواقعية لتطوير المهارات العملية للمتدربين، حيث تُستخدم سيناريوهات متعددة تحاكي أحداثًا وظروفًا أمنية مختلفة، مثل التعامل مع جرائم العنف، أو إدارة عمليات التفاوض مع محتجزي الرهائن، مما يُسهم في تطوير مهارات التحليل والاستجابة بشكل احترافي (Birzer, 2003). ويؤكد بيرزر وتانينهيل (Birzer & Tannehill, 2001) على أهمية هذا النوع من التدريب في تعزيز التفكير النقدي والمهارات الميدانية لضباط الشرطة.
ثانيًا: آلية تطبيق التعلم القائم على السيناريو:
يعتمد التعلم القائم على السيناريو على تقديم مواقف عملية مدروسة للمتدربين من خلال استخدام دراسات الحالة، أو السيناريوهات المسجلة مسبقًا، أو المحاكاة المباشرة. ويشرح شيبتون (Shipton, 2019) أنه يتم تطبيق هذا الأسلوب من خلال توزيع المتدربين في مجموعات عمل، وتكليفهم بإدارة الموقف بشكل جماعي، مما يتيح لهم تبادل الأفكار والتعاون في اتخاذ القرارات، كما هو الحال في سيناريوهات التدخل في حادثة إرهابية أو جرائم معقدة، حيث يُطلب من المتدربين تقديم حلول وإجراءات عملية فعّالة.
ثالثًا: فوائد التعلم القائم على السيناريو في التدريب الشرطي:
يساعد التعلم القائم على السيناريو في تحسين جاهزية المتدربين لمواجهة المواقف الأمنية، ويزيد من قدرتهم على اتخاذ القرارات بسرعة ودقة في الظروف الميدانية المعقدة. وقد أوضحت الدراسات التربوية والأمنية أن هذا النوع من التدريب يسهم بشكل واضح في رفع مستوى أداء المتدربين، وتحسين مهاراتهم الميدانية والتواصلية، وتطوير قدراتهم على إدارة الأزمات بفاعلية (Werth, 2011). وأكد فيرت (Werth, 2011) أن برامج التدريب الشرطي التي تعتمد على السيناريوهات الواقعية تعزز من ثقة المتدربين بأنفسهم، وتقلل من الأخطاء المحتملة أثناء الممارسة الفعلية للمهام الأمنية.
المبحث الثاني: التعلم القائم على المشكلات وتطبيقاته العملية في إعداد وتطوير ضباط الشرطة:
يُعد التعلم القائم على المشكلات أحد الأساليب التربوية التي ترتكز عليها البصمة التربوية في التعليم الشرطي، ويهدف إلى تنمية مهارات التفكير الناقد وحل المشكلات لدى ضباط الشرطة، من خلال تقديم مشكلات واقعية تتطلب حلولًا عملية. ويعتمد هذا النوع من التعلم على إشراك المتدربين في تحليل المشكلة بشكل جماعي وتطوير استراتيجيات فعّالة للتعامل معها (Shipton, 2019).
أولًا: مفهوم التعلم القائم على المشكلات:
يعرّف التعلم القائم على المشكلات بأنه أسلوب تعليمي يتمحور حول الطالب، ويتضمن طرح مشكلات حقيقية أو مشابهة للواقع، ويكون دور المتدربين هو تحليل المشكلة، وجمع المعلومات اللازمة، ثم اقتراح حلول مناسبة وتنفيذها (Barrows & Tamblyn, 1980). ويهدف هذا الأسلوب إلى تعزيز القدرات المعرفية والتفكيرية لدى المتدربين، من خلال تقديم تحديات عملية تساعدهم على تطوير استراتيجيات فعالة لمواجهة المواقف المهنية المعقدة (Savery, 2006).
ثانيًا: آلية تطبيق التعلم القائم على المشكلات في التدريب الشرطي:
تتمثل آلية تطبيق التعلم القائم على المشكلات في تقسيم المتدربين إلى مجموعات صغيرة، ثم تقديم مشكلة أمنية واقعية أو افتراضية، مثل التعامل مع قضية مخدرات معقدة، أو أزمة مرورية كبرى، أو اختطاف أشخاص. بعد ذلك يتم تكليف المتدربين بتحليل المشكلة، وجمع المعلومات اللازمة، واقتراح الحلول الممكنة (Werth, 2009). على سبيل المثال، يمكن تدريب الضباط على حل مشكلة مثل التعامل مع اشتباكات بين مجموعتين في مناسبة عامة، حيث يتوجب عليهم اختيار الأساليب المناسبة للتدخل وضمان السلامة العامة.
ثالثًا: فوائد التعلم القائم على المشكلات في التعليم الشرطي:
تشير الدراسات إلى أن استخدام أسلوب التعلم القائم على المشكلات في التدريب الشرطي يسهم في تنمية مهارات التفكير النقدي والإبداعي، ويعزز قدرة الضباط على اتخاذ القرارات المناسبة في ظروف صعبة (Shipton, 2019; Savery, 2006). كما يؤكد سيفري (Savery, 2006) أن هذا النوع من التعلم يزيد من قدرة المتدربين على التكيف مع المستجدات والتغيرات الأمنية، ويدعم تطوير المهارات القيادية والتعاونية لديهم، مما يسهم في تحسين مستوى الأداء الشرطي العام في مختلف الظروف.
المبحث الثالث: التدريب بالمحاكاة والتدريب الميداني ودورهما في رفع كفاءة الأداء الشرطي:
يُعد التدريب بالمحاكاة والتدريب الميداني من التطبيقات الفعالة التي ترتكز عليها البصمة التربوية في التعليم الشرطي، لما لهما من أهمية كبيرة في تعزيز القدرات العملية والمهنية لدى ضباط الشرطة، وتطوير كفاءتهم في التعامل مع مختلف المواقف الأمنية التي قد يواجهونها في الواقع العملي. ويهدف هذان النوعان من التدريب إلى تمكين المتدربين من تطبيق المعرفة النظرية بشكل عملي في بيئة تدريبية تحاكي الظروف الحقيقية (Shipton, 2019).
أولًا: التدريب بالمحاكاة في التعليم الشرطي:
يُشير التدريب بالمحاكاة إلى استخدام تقنيات تدريبية متقدمة تحاكي ظروفًا أمنية واقعية، ويهدف إلى توفير بيئة آمنة تمكّن الضباط من اكتساب الخبرة العملية دون التعرض للمخاطر الحقيقية. وتتنوع هذه المحاكاة من السيناريوهات الافتراضية القائمة على الحواسيب إلى البيئات الواقعية المعدّة خصيصًا للتدريب (Birzer & Tannehill, 2001). على سبيل المثال، يتم استخدام أجهزة محاكاة لسيناريوهات إطلاق النار أو اقتحام المباني، حيث يواجه المتدربون مواقف افتراضية تساعدهم في تحسين مهارات اتخاذ القرار والتصرف في الظروف الضاغطة (Werth, 2011).
ثانيًا: التدريب الميداني في التعليم الشرطي:
يُعتبر التدريب الميداني مرحلة ضرورية تكمّل التدريب بالمحاكاة، إذ يتم من خلالها تطبيق المتدربين لما تعلموه نظريًا وعمليًا على أرض الواقع. ويتضمن التدريب الميداني وضع المتدربين في مواقف فعلية تحت إشراف مباشر من مدربين ذوي خبرة، مما يعزز الثقة بالنفس والكفاءة المهنية للمتدربين (Shipton, 2019). ومن الأمثلة على ذلك، قيام الضباط الجدد بمرافقة ضباط ذوي خبرة في دوريات ميدانية حقيقية، أو المشاركة في تنظيم الفعاليات الكبرى والتعامل المباشر مع الجمهور، لاكتساب مهارات التعامل مع الضغوط الأمنية اليومية (Makin, 2016).
ثالثًا: دور التدريب بالمحاكاة والميداني في رفع كفاءة الأداء الشرطي:
أثبتت الدراسات والتجارب العملية أن استخدام التدريب بالمحاكاة والميداني يسهم بشكل ملحوظ في تحسين الأداء العام لضباط الشرطة، ويزيد من قدرتهم على اتخاذ القرارات الصائبة تحت الضغط (Birzer & Tannehill, 2001; Werth, 2011). كما يساعد هذا النوع من التدريب على تقليل الأخطاء التي قد تحدث في الميدان، من خلال تزويد المتدربين بالخبرات اللازمة للتصرف في الظروف المعقدة، مثل حالات التدخل في الأزمات الأمنية أو التعامل مع جرائم عنف (Makin, 2016). وبالتالي، ينعكس ذلك إيجابيًا على جودة الخدمات الأمنية المقدمة للمجتمع، ويسهم في تعزيز صورة الأجهزة الشرطية لدى الجمهور.
الفصل الثالث
تقييم فعالية تطبيق البصمة التربوية في المؤسسات الشرطية
التمهيد :
يهدف هذا الفصل إلى تقييم مدى فاعلية تطبيق مفهوم البصمة التربوية في المؤسسات الشرطية، من خلال تسليط الضوء على مجموعة من المعايير والمؤشرات العلمية والعملية التي تساعد في قياس مدى نجاح البرامج التدريبية والتربوية المبنية على هذا المفهوم، إضافة إلى رصد أبرز التحديات والصعوبات التي يمكن أن تؤثر سلبًا في عملية التطبيق العملي لمفهوم البصمة التربوية في البيئة الشرطية. وتكمن أهمية هذا التقييم في تحديد نقاط القوة التي يمكن تعزيزها، ونقاط الضعف التي يجب معالجتها لتحسين جودة وكفاءة الأداء الشرطي.
ويناقش هذا الفصل ثلاثة محاور رئيسية؛ يُعنى المحور الأول بتوضيح المعايير والمؤشرات الدقيقة التي تساعد في تقييم نجاح تطبيق البصمة التربوية، وذلك من خلال تحديد الأدوات والأساليب المناسبة لقياس أثر هذه البرامج التدريبية على أداء ضباط الشرطة. بينما يتناول المحور الثاني تحديد وتحليل الصعوبات والتحديات العملية والإدارية والثقافية التي قد تؤثر سلبًا على فاعلية تطبيق البصمة التربوية، مثل محدودية الموارد المتاحة، أو مقاومة بعض القيادات الشرطية للتغيير. وأخيرًا، يقدّم المحور الثالث مقترحات عملية وتوصيات تطبيقية تساعد على التغلب على هذه التحديات وتطوير استخدام مفهوم البصمة التربوية في المؤسسات الأمنية، بهدف ضمان الاستدامة في تحسين الأداء الشرطي، ومواكبة التطورات الأمنية والاجتماعية المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم.
المبحث الأول: معايير ومؤشرات تقييم نجاح البصمة التربوية في التعليم والتدريب الشرطي:
تُعد عملية تقييم نجاح البصمة التربوية في التعليم والتدريب الشرطي أمرًا بالغ الأهمية لضمان تحقيق أهدافها المرجوة. ويتطلب ذلك وجود معايير ومؤشرات واضحة وموضوعية يمكن من خلالها قياس مدى فاعلية الأساليب التدريبية المتّبعة، وتأثيرها في تطوير القدرات المهنية والميدانية لضباط الشرطة، وتحديد جوانب القوة والضعف في هذه البرامج (Shipton, 2019).
أولًا: معايير تقييم الجوانب المعرفية (التفكير والتحليل):
تتمثل هذه المعايير في قياس مدى تطور مهارات التفكير الناقد والتحليلي لدى المتدربين، وذلك من خلال استخدام أدوات قياس علمية، كاختبارات المواقف الافتراضية أو الأسئلة المفتوحة التي تعكس قدرات التفكير العليا (Birzer & Tannehill, 2001). على سبيل المثال، يمكن تقييم قدرة الضباط على التعامل مع سيناريوهات أمنية مفاجئة، مثل مواجهة تهديد أمني أو اتخاذ القرار في حالات احتجاز رهائن، بحيث يُلاحظ مدى تطور مهاراتهم في تحليل المواقف واتخاذ القرارات المناسبة بشكل منطقي وسريع (Shipton, 2019; Werth, 2011).
ثانيًا: معايير تقييم الأداء العملي (المهارات التطبيقية والميدانية):
تشمل هذه المعايير تقييم قدرة المتدربين على تطبيق المعرفة النظرية في الميدان العملي، وذلك من خلال المراقبة المباشرة أثناء التدريبات الميدانية أو استخدام تقنيات المحاكاة. وتشير الدراسات إلى أن استخدام قوائم مراجعة ومقاييس أداء محددة يمكن أن يساهم في تقييم الأداء الميداني بشكل أكثر دقة (Makin, 2016). ومن الأمثلة العملية على ذلك، تقييم أداء الضباط خلال تدريبات ميدانية مثل الاستجابة لحوادث إطلاق النار أو السيطرة على حشود كبيرة في مناسبات عامة، بهدف تحديد مدى تمكّنهم من تطبيق إجراءات التدخل بصورة احترافية وفعالة (Birzer, 2003).
ثالثًا: معايير تقييم الجوانب الأخلاقية والسلوكية (النزاهة المهنية):
تهتم هذه المعايير بقياس مدى التزام المتدربين بالقيم الأخلاقية والمهنية أثناء أداء واجباتهم الشرطية. ويتم ذلك من خلال رصد السلوكيات أثناء التدريب والمحاكاة، وكذلك من خلال استطلاعات الرأي التي تقيّم تصرفات المتدربين وفقًا لمعايير واضحة للسلوك الشرطي المهني (Shipton, 2019). على سبيل المثال، يمكن قياس مستوى التزام المتدربين باحترام حقوق الإنسان وتجنب استخدام القوة المفرطة، أو التعامل المهني مع المحتجزين أثناء التدريبات الميدانية، مما يضمن ترسيخ النزاهة والسلوكيات الإيجابية لديهم (Chappell & Lanza-Kaduce, 2010).
المبحث الثاني: الصعوبات والتحديات العملية التي تؤثر على نجاح البصمة التربوية:
تواجه المؤسسات الشرطية عند تطبيق البصمة التربوية عددًا من الصعوبات والتحديات العملية التي قد تؤثر بشكل مباشر على نجاح وفعالية هذه البرامج التربوية في تحقيق أهدافها. وتتنوع هذه التحديات بين عوامل إدارية ومنهجية، وعوامل ثقافية ومجتمعية، تتطلب دراسة معمّقة وتقديم حلول عملية مناسبة (Shipton, 2019).
أولًا: الصعوبات الإدارية والتنظيمية:
تتمثل الصعوبات الإدارية والتنظيمية في نقص الموارد المالية والبشرية اللازمة لتطبيق برامج البصمة التربوية بشكل فعّال. فقد أشارت الدراسات إلى أن تطبيق أساليب تدريبية حديثة كالتدريب بالمحاكاة يتطلب موارد مالية كبيرة لتوفير أجهزة المحاكاة المتقدمة، بالإضافة إلى الحاجة إلى كوادر تدريبية مؤهلة ومتخصصة (Birzer & Tannehill, 2001). كما تبرز مقاومة بعض القيادات الإدارية للتغيير، وتمسّكهم بالأساليب التقليدية في التدريب، مما يحدّ من تطبيق الأساليب التدريبية الحديثة (Chappell & Lanza-Kaduce, 2010). على سبيل المثال، تواجه بعض المؤسسات الشرطية صعوبة في توفير العدد الكافي من المدرّبين المؤهلين لتطبيق التعلم القائم على السيناريو بشكل موسّع.
ثانيًا: التحديات المنهجية والتقنية:
تتعلق هذه التحديات بصعوبة تصميم وإعداد مناهج تدريبية متخصصة تعتمد على أساليب تربوية حديثة كالتعلم القائم على المشكلات والتعلم بالمحاكاة، حيث تحتاج هذه الأساليب إلى خبرة تربوية وتقنية متقدمة لضمان جودة وكفاءة التدريب (Werth, 2011). كما يواجه بعض المتدربين صعوبات في التكيف مع هذه الأساليب، خاصة إذا كانوا معتادين على أساليب التلقين التقليدية، مما يؤدي إلى ضعف استجابتهم للبرامج التدريبية الجديدة (Birzer, 2003). على سبيل المثال، قد يجد بعض الضباط صعوبة في التعامل مع تقنيات التدريب بالمحاكاة الحديثة، نتيجة نقص التدريب المسبق على استخدام التكنولوجيا في بيئة العمل الشرطي.
ثالثًا: التحديات الثقافية والمجتمعية:
تتمثل هذه التحديات في وجود ثقافة تنظيمية تقليدية داخل المؤسسات الشرطية تقاوم اعتماد أساليب تدريبية حديثة، حيث يميل بعض الضباط ذوي الخبرة الطويلة إلى رفض أو مقاومة التغييرات في المناهج والأساليب التدريبية (Makin, 2016). كما توجد أحيانًا تحديات مرتبطة بالمجتمع المحيط بالمؤسسات الشرطية، مثل عدم إدراك الجمهور لأهمية هذه الأساليب التدريبية الحديثة، ما يقلّل من الدعم المجتمعي اللازم لتطبيقها بنجاح (Chappell & Lanza-Kaduce, 2010). ومن الأمثلة على ذلك، رفض بعض القيادات الشرطية ذات الخبرة الطويلة استخدام أساليب التعلم بالمشكلات باعتبارها أساليب نظرية قد لا تتناسب مع الواقع الأمني المعقّد.
المبحث الثالث: مقترحات عملية لتطوير وتعزيز تطبيق البصمة التربوية في المؤسسات الشرطية:
تحتاج المؤسسات الشرطية إلى تبني مجموعة من الإجراءات العملية التي تساعد على تعزيز تطبيق البصمة التربوية وتحسين فاعلية برامج التدريب الشرطي المرتبطة بها. وتهدف هذه الإجراءات إلى تذليل التحديات التي قد تؤثر سلبًا على نجاح هذه البرامج، وتوفير بيئة تدريبية مناسبة لتحقيق أهدافها التربوية (Shipton, 2019).
أولًا: توفير برامج تدريبية متخصصة للمدربين الشرطيين:
تُعد برامج تدريب المدربين الشرطيين من أهم الإجراءات اللازمة لتعزيز تطبيق البصمة التربوية، حيث تسهم هذه البرامج في رفع مستوى كفاءة المدربين وتزويدهم بالمهارات والمعارف اللازمة لتطبيق أساليب التدريب الحديثة كالتعلم القائم على السيناريو والمشكلات (Birzer & Tannehill, 2001). فعلى سبيل المثال، يمكن تنظيم ورش تدريبية دورية يتم من خلالها تعريف المدربين بكيفية تصميم وتطبيق سيناريوهات أمنية تحاكي الواقع بشكل دقيق، وتقديم أساليب تدريب مبتكرة تُناسب الواقع الأمني الراهن (Werth, 2011).
ثانيًا: تطوير مناهج تدريبية حديثة تراعي الواقع الأمني:
من المهم العمل على تطوير مناهج تدريبية متقدمة تعتمد على مفاهيم البصمة التربوية، وذلك من خلال الاستعانة بخبراء في مجال التعليم الأمني والتدريب الشرطي، وتوظيف أساليب مثل التعلم القائم على المشكلات والتدريب بالمحاكاة بشكل عملي وموسّع (Chappell & Lanza-Kaduce, 2010). ومن الأمثلة على ذلك تطوير مناهج تدريبية تعتمد على تحليل جرائم حقيقية تم التعامل معها سابقًا، واستخدام هذه الحالات كمادة تدريبية لتعزيز قدرات المتدربين على اتخاذ القرارات الصحيحة (Makin, 2016).
ثالثًا: تعزيز ثقافة التغيير وتوفير الدعم الإداري:
يُعد تعزيز ثقافة التغيير داخل المؤسسات الشرطية وتوفير الدعم الإداري اللازم من القيادات العليا من العوامل الحاسمة لنجاح تطبيق البصمة التربوية. حيث يجب أن تتبنى القيادات الشرطية سياسات واضحة تدعم استخدام أساليب التدريب الحديثة، وتشجع المتدربين على المشاركة الفعالة في هذه البرامج، وتُزيل أي مقاومة أو تخوّف من تطبيق التغيير (Birzer, 2003). فعلى سبيل المثال، يمكن إنشاء برامج توعوية وحلقات نقاشية للقادة والمدربين، تُبرز فوائد التدريب الحديث وتؤكد على ضرورة تبنّي أساليب التدريب بالمحاكاة والتعلم القائم على السيناريو كجزء أساسي من منظومة التدريب الشرطي (Shipton, 2019).
الخاتمة :
توصلت هذه الدراسة إلى مجموعة من النتائج والتوصيات المهمة حول تطبيق البصمة التربوية في التعليم والتدريب الشرطي، والتي يمكن أن تسهم في تطوير البرامج التدريبية وتعزيز كفاءة الأداء الأمني.
من أبرز النتائج التي توصلت إليها الدراسة:
يُعد مفهوم البصمة التربوية من المفاهيم الحديثة والفعالة في تطوير برامج التعليم والتدريب الشرطي، نظرًا لاعتماده على الجوانب العملية والتطبيقية.
ساهم تطبيق أساليب التدريب الحديثة مثل التعلم القائم على السيناريو والتعلم القائم على المشكلات والتدريب بالمحاكاة في رفع كفاءة الأداء العملي لضباط الشرطة.
وجود تحديات إدارية وثقافية تؤثر سلبًا في تطبيق البصمة التربوية، أبرزها نقص الموارد المالية والبشرية، ومقاومة بعض القيادات للتغيير.
ضعف المراجع العلمية العربية والدراسات البحثية المنشورة حول مفهوم البصمة التربوية وتطبيقاته في المجال الشرطي.
أثبتت برامج البصمة التربوية فعاليتها في تعزيز مهارات التفكير الناقد، واتخاذ القرارات، وترسيخ القيم الأخلاقية لدى المتدربين.
غياب معايير ومؤشرات تقييم موحدة وواضحة لقياس مدى نجاح تطبيق البصمة التربوية في التدريب الشرطي.
في ضوء هذه النتائج، توصي الدراسة بما يلي:
ضرورة تبني مفهوم البصمة التربوية كإطار تربوي أساسي ضمن برامج التدريب والتعليم الشرطي.
توفير الدعم المالي والإداري اللازم لتطوير برامج تدريبية حديثة تعتمد على التعلم بالمشكلات والتدريب بالمحاكاة.
تنظيم دورات تدريبية متخصصة للمدربين الشرطيين لتعريفهم بأساليب التدريب التفاعلية والتطبيقية.
تعزيز ثقافة التغيير داخل المؤسسات الشرطية من خلال توعية القيادات بأهمية التدريب الحديث.
تشجيع الباحثين على إعداد دراسات وبحوث متخصصة حول البصمة التربوية في التعليم الشرطي باللغة العربية.
وضع معايير واضحة وموحدة لتقييم فاعلية برامج البصمة التربوية، واستخدام مؤشرات أداء علمية لقياس أثرها على تحسين الأداء الشرطي.
قائمة المصادر والمراجع :
Barrows, H. S., & Tamblyn, R. M. (1980). Problem-based learning: An approach to medical education. New York: Springer.
Birzer, M. L. (2003). The theory of andragogy applied to police training. Policing: An International Journal of Police Strategies & Management, 26(1), 29-42.
Birzer, M. L., & Tannehill, R. (2001). A more effective training approach for contemporary policing. Police Quarterly, 4(2), 233-252.
Chappell, A. T., & Lanza-Kaduce, L. (2010). Police academy socialization: Understanding the lessons learned in a paramilitary-bureaucratic organization. Journal of Contemporary Ethnography, 39(2), 187-214.
Makin, D. A. (2016). A descriptive analysis of a problem-based learning police academy. Interdisciplinary Journal of Problem-Based Learning, 10(1), 1-15.
Savery, J. R. (2006). Overview of problem-based learning: Definitions and distinctions. Interdisciplinary Journal of Problem-Based Learning, 1(1), 9-20.
Shipton, B. (2019). Signature pedagogies in police education. Charles Sturt University, Australia.
Shulman, L. S. (2005). Signature pedagogies in the professions. Daedalus, 134(3), 52-59.
Werth, E. P. (2009). Problem-based learning in police academies: Adult learning theories utilized by police trainers. Journal of Criminal Justice Education, 20(1), 64-84.
Werth, E. P. (2011). Scenario training in police academies: Developing students’ higher-level thinking skills. Police Practice and Research, 12(4), 325-340