البيانات الجغرافية وتسميات المنشآ
Geographical Indications and Appellations of Origin
الباحث: امام سباعنة
محامي متدرب وطالب باحث في سلك الدكتوراه في مختبر الدراسات القانونية والقضائية في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء-المحمدية
هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 60 الخاص بشهر أكتوبر/ نونبر 2025
رابط تسجيل الاصدار في DOI
https://doi.org/10.63585/EJTM3163
للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665
البيانات الجغرافية وتسميات المنشآ
Geographical Indications and Appellations of Origin
الباحث: امام سباعنة
محامي متدرب وطالب باحث في سلك الدكتوراه في مختبر الدراسات القانونية والقضائية في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء-المحمدية
ملخص
تُعدّ البيانات الجغرافية وتسميات المنشأ وسيلة قانونية لحماية المنتجات المرتبطة بمكان معين يضفي على السلع خصائص أو سمعة خاصة، مثل الأجبان أو القهوة ذات المنشأ المعروف. ويقصد بالبيان الجغرافي كل إشارة إلى بلد أو منطقة تدل على مصدر المنتج، بينما تسمية المنشأ ترتبط ارتباطاً أوثق بخصائص طبيعية أو بشرية متفردة لذلك المكان. ويختلف كلاهما عن العلامة التجارية التي تميز منتجاً معيناً دون اشتراط علاقة بالموقع. تؤدي هذه المؤشرات وظائف اقتصادية مهمة كضمان الجودة، وتعزيز ثقة المستهلك، وحماية المنتجين من المنافسة غير المشروعة. وللاعتراف بها قانوناً يجب أن يتوافر فيها ارتباط حقيقي بالموقع وسمعة متوارثة أو خصائص مميزة. وتتم حمايتها وطنياً عبر آليات مدنية كمنع الاستعمال غير المشروع، وجنائياً من خلال تجريم التقليد أو التزوير. أما دولياً فتخضع لأحكام اتفاقيات متعددة مثل اتفاقية لشبونة التي توفر تسجيلات دولية لتسميات المنشأ. وتحقق هذه الحماية توازناً بين حقوق المنتجين وحماية المستهلك، وتشجع التنمية المحلية والحفاظ على السمعة التجارية.
Imam Sabaana
Trainee lawyer and doctoral student researcher at the Laboratory of Criminal and Judicial Studies, Hassan II University, Casablanca-Mohammedia
Abstract
Geographical indications (GIs) and appellations of origin are legal tools that protect products whose qualities or reputation are linked to a specific place, such as cheeses, wines, or specialty coffees. A geographical indication refers to any sign that identifies a product as originating from a country or region, while an appellation of origin requires an even stronger connection to natural or human factors unique to that location. Both differ from trademarks, which merely distinguish products without requiring a geographical link. These indications serve key economic functions by guaranteeing quality, strengthening consumer trust, and shielding producers from unfair competition. To gain legal protection, they must demonstrate a genuine connection to the location and a recognized reputation or distinctive characteristics. Protection is granted nationally through civil measures that prevent unauthorized use and through criminal sanctions against imitation or falsification. Internationally, they are safeguarded by agreements such as the Lisbon Agreement, which allows international registration of appellations of origin. Such protection balances producer rights with consumer interests, while promoting local development and preserving product reputation.
مقدمة:
تشمل الملكية الفكرية إلى جانب كل من حقوق المؤلف ,الملكية الصناعية التي بدورها تشتمل على نوعين من الحقوق منها ما يرد على شكل مبتكرات جديدة كبراءة الاختراع , وتصاميم تشكل طبوغرافية الدوائر المندمجة , والرسوم والنماذج الصناعية والبعض الآخر يرد على شكل رموز مميزة فمنها ما يميز المنتجات ويتعلق الأمر بالرسم التجاري والعنوان التجاري , ومنها ما يميز المنتجات ويتعلق الأمر بالعلامات بمختلف أنواعها والبيانات الجغرافية وتسميات المنشأ.
ويرجع ظهور هذه الأخيرة -أي البيانات الجغرافية وتسميات المنشأ – كشارة لتمييز منتجات تتميز بمواصفات منطقة إنتاجها إلى العصور القديمة، فقد عرفت الصين بشيها الأخضر , والهند بعطورها , والمغرب بمنتجاته الجلدية والصوفية , وروما بخمورها المعتقة هذا من ناحية مستوى الممارسة بشكل واسع في التجارة بين هذه المناطق وكانت الأعراف المحلية هي التي تحكم مثل هذا الاستعمال.
أما على المستوى القانوني فلم يكتمل التنظيم القانوني للبيانات الجغرافية وتسميات المنشأ إلا مع إبرام اتفاقية باريس عام 1883م , التي عرفت حجر الأساس ومرتكز الملكية الصناعية , ومن ثم تلتها عديد الاتفاقيات مثل اتفاقية مدريد , واتفاقية لشبونة , واتفاقية مراكش , وقد استطاع المغرب الانضمام إلى هذه الاتفاقيات وعمل المشرع المغربي على وضع تنظيم قانوني للبيانات الجغرافية وتسميات المنشأ وذلك من خلال قانون 17.97 المغير والمتمم بالقانون رقم 31.05 الصادر الأمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.05.190 المؤرخ في 15 محرم 1427 (14 فبراير2006) , وذلك من خلال المواد 180,181,182,183,231 من قانون الملكية الصناعية .
وتعتبر البيانات الجغرافية وتسميات المنشأ عبارة عن شارات مميزة تستعمل للتميز بين المنتجات من حيث مصدرها أي تحديد المكان الذي نشأ منه منتج ما، والغرض من تنظيمها القانوني هو تنظيم استعمالها، وحمايتها باعتبارها شارات جغرافية تعين منتجات متفردة تنحدر من منشأ وذلك لضمان حق المستهلك في الاطلاع على المعطيات والتفاصيل المرتبطة بمنتج ما.
يتبين لنا من خلال ما تم التقديم به أن موضوع البيانات الجغرافية وتسميات المنشأ حظي باهتمام كبير من قبل الباحثين وكذلك الأمر بالنسبة للمشرع المغربي، بحيث يرتبط بحماية المستهلك وتقرير الجودة التي أصبحت أداة لمواجهة المنافسة الحادة، أي باختصار أصبحت تضطلع بدور اقتصادي مهم، فقد اهتمت الدول بتنظيمها القانوني بمنحها الحماية الكافية ضد أي اعتداء عليها خاصة مع تفشي ظاهرة التقليد التي أصبحت تجارة مربحة والتي من شأنها الأضرار بكل هذه المصالح.
فمن هنا يمكن بسط الإشكال التالي:
إلى أي حد استطاع المشرع المغربي من خلال قانون 17.97 وضع نظام قانوني حمائي للبيانات الجغرافية وتسميات المنشأ ؟
والتي تتفرع عنه مجموعة من التساؤلات :
- كيف عرف التشريع والفقه البيانات الجغرافية وتسميات المنشأ؟
- ما هي أهم وظائف البيانات الجغرافية وتسميات المنشأ؟
- ما هي أهم المقتضيات القانونية الوطنية والدولية المتطلبة لحماية البيانات الجغرافية وتسميات المنشأ ؟
وبناء على الإشكالية التي وردتنا فإننا سوف نتطرق للإجابة عنها من خلال التصميم التالي:
المبحث الأول: الأحكام العامة للبيانات الجغرافية وتسميات المنشأ
المبحث الثاني: الحماية القانونية للبيانات الجغرافية وتسميات المنشأ
المبحث الأول: الأحكام العامة للبيانات الجغرافية وتسميات المنشأ
يندرج تحت إطار حماية الملكية الصناعية حماية كل من البيانات الجغرافية وتسمية
المنشأ، الشيء الذي سيدفعنا في المبحث الأول لإلقاء الضوء على مفهوم كل من البيانات الجغرافية وتسمية المنشأ وتمييزها عن باقي البيانات من جهة، والوقوف على بعض وظائفها وشروط حمايتها من جهة أخرى.
المطلب الأول: ماهية البيانات الجغرافية وتسميات المنشأ
تعتبر البيانات الجغرافية وتسمية المنشأ شارات مميزة تستعمل لتمييز بين المنتجات من حيت مصدرها، إذا كيف عرف كل من التشريع والفقه البيانات الجغرافية وتسمية المنشأ؟
الفقرة الأولى: مفهوم البيانات الجغرافية وتسميات المنشأ
أولا: تعريف البيانات الجغرافية
يطلق على البيانات الجغرافية عدة تسمية كالمؤشرات الجغرافية أو بيان المصدر، والبيان الجغرافي،[1] وأيا كانت التسمية أو المصطلح فإن المشرع المغربي عرفها في المادة “180” من قانون 31.05 المعدل لقانون 17.97 المتعلق بالملكية الصناعية بالبيان الجغرافي ويراد به ” كل بيان يستعمل في تحديد منتوج من حيث منشئه في إقليم أو جهة أو موضع في ذلك الإقليم حيت تكون الجودة أو السمعة إحدى السمات الأخرى لهذا المنتوج راجعة بصورة أساسية إلى هذا المنشأ الجغرافي”.[2]
نفس التعريف اعتمده المشرع في نص القانون رقم 25.06[3] المتعلق بالعلامات المميزة للمنشأ والجودة للمواد الغذائية والمنتجات الفلاحية والبحرية (المادة 2).[4]
أما بالنسبة للفقه فقد عرفها البعض بأنها شارة مميزة تحيل على منطقة جغرافية معينة، توضع على منتجات لها خصائص معينة أو لها سمعة ترجع للمصدر الجغرافي الذي تحيل عليه الشارة.
ومن أمثلة ذلك مثلا المنتجات الزراعية يمكن أن تستفيد من ميزة التعيين ببيان جغرافي، كما هو الشأن بالنسبة لزيت أركان وزيت الزيتون والبعض مما استفاد من هذه الميزة أصبح يتمتع بصيت دولي خاصة ما يشكل منها تسمية منشأ في نفس الوقت مثل بيان «toscane» المستعمل لتعيين زيت الزيتون في منطقة معينة من إيطاليا.[5]
ثانيا: تعريف تسمية المنشأ
تعرف تسمية المنشأ وفق المادة “181 ” من قانون ملكية صناعية بأنها: «الاسم الجغرافي الذي يطلق على بلد أو جهة أو مكان ويستعمل لتعيين منتج يكون متأصلا منه وترجع جودته أو سمعته أو مميزاته الأخرى المحددة بصورة حصرية أو أساسية إلى الوسط الجغرافي الذي يشتمل على عوامل طبيعية وعوامل بشرية[6]”
يستفاد من هذا التعريف أن تسمية المنشأ ترتبط دائما بوجود منطقة إنتاج خاصة تتوفر على عوامل بشرية كالتقنيات، تقاليد جماعية …، وعوامل طبيعية كالمناخ وتربة …إلخ.
وبالتالي فخصوصية مثل هذه المنتجات أنه لا يمكن إنتاج ما يماثلها من حيت الجودة أو السمات الخاصة التي تتميز بها إلا في المنطقة المعنية، بحيث لو استعملت نفس الطرق الإنتاج في منطقة أخرى فإن المنتج يكون مختلفا ومن أمثلة ذلك في المغرب زيت أرغان الذي يتواجد بمناطق سوس وزعفران الحر بتلوين نسبة الى تارودانت، أي بالمناطق التي يغلب عليها الطابع الجبلي.[7]
الفقرة الثانية: تمييز البيانات الجغرافية عن تسميات المنشأ وعن العلامة
أولا: تمييز البيانات الجغرافية عن تسميات المنشأ
لابد من الإشارة إلى أن تسمية المنشأ هي نوع من البيانات الجغرافية، فالبيان الجغرافي يحتوي أو يشمل على مفهوم تسمية المنشأ ولكن دون أن يتطابق معه.
وعليه فإن البيان الجغرافي أعم لكونه يشمل في نفس الوقت على الشارات الجغرافية التي تعين منتجات، وإن اكتسبت شهرتها من المنطقة التي يعينها البيان غير أنها لا تنحصر على تلك المنطقة بل يمكن إعادة إنتاجها في مناطق أخرى إذا توفرت نفس العوامل.
على عكس تسمية المنشأ التي تخص المنتجات التي تتوفر على مواصفات ترجع بصفة أساسية وحصرية للمنطقة المعنية بالتسمية، فلا يمكن لمنطقة أخرى إنتاج ما يماثلها حتى ولو استعملت نفس طرق الإنتاج فإن المنتج يبقى مختلفا.
ثانيا: تمييز البيانات الجغرافية وتسميات المنشأ عن العلامة
تعد العلامة ملكية خاصة لصاحبها، فهدفها تمييز منتجاتها أو خدمات عن منتجات أو خدمات غيرها من المقاولات خاصة تلك المنافسة لها وبالتالي تخول صاحبها سبق الاستئثار باستغلالها ومنع الغير من استعمالها بدون إذنه.
على عكس البيان الجغرافي حتى وإن كان شارة مميزة تعين المنتج مثلها مثل العلامة لكن من منطلق منشئه الجغرافي وليس من منطلق المقاولة التي تنتجه، وهذا يجعل منه شارة جماعية يثبت الحق في استعمالها لكافة منتجي المنتج في المنطقة المعنية بالشارة وليس لمقاولة بعينها كما هو الشأن بالنسبة للعلامة.[8]
ونفس الشيء يسري على تسمية المنشأ حيت تكون تحت تصرف كل المنتجين الذين ينتمون للمكان الذي يستفيد من حماية تسمية المنشأ.[9]
وقد صدر حكم بالمحكمة الابتدائية الدار البيضاء يؤكد على عدم جواز منع المنتجين الذين ينتمون إلى نفس الجهة أو المكان من استعمال نفس البيان أو التسمية، وتتلخص الأحداث في كون ” المدعية تدعي بمنع الغير من استعمال “وادي إيكم” بالنسبة للخمور والتي تعني منطقة موجودة على ضفتي النهر التي تحمل اسمه” لكن لا يمكن أن تحتكر اسم هذه المنطقة لحسابها الخاص.[10]
أيضا من بين المميزات التي يتميز بها البيان الجغرافي عن العلامة كون وظيفة البيان الجغرافي هو ضمان مواصفات معينة تتوفر في المنتج يرجع الفضل فيها للمنطقة التي يحيل عليها ذلك البيان، في حين أن العلامة هي شارة محايدة على هذا المستوى تكتفي بتعيين المنتج دون ضمان مواصفات معينة فيه.[11]
أيضا من بين مميزات أن تسمية المنشأ لا تتمتع بالحماية بدعوى التزييف وإنما بمقتضيات جنحيه خاصة خلافا لما عليه الأمر بالنسبة للعلامة.[12]
المطلب الثاني: وظائف وشروط حماية البيانات الجغرافية وتسميات المنشأ
تعتبر البيانات الجغرافية وتسميات المنشأ مختلفة عن باقي حقوق الملكية الصناعية الأخرى فهي تتمتع بمجموعة من الوظائف على المستوى الاقتصادي وحماية المستهلك والمنافسة (الفقرة الأولى) والتي تميزها عن غيرها من الحقوق، كما وانه يتطلب لحماية هذه البيانات توافر جملة من الشروط الموضوعية والشكلية (الفقرة الثانية) التي يجب توافرها .
الفقرة الأولى: وظائف البيانات الجغرافية وتسميات المنشأ
تلعب البيانات الجغرافية وتسمية المنشأ دورا هاما ومؤثرا في الزبائن، كما وأنها أصبحت تشكل أداة للمنافسة ولحماية المستهلك، وكذلك الأمر أصبحت لها مكانة مهمة على المستوى الاقتصادي وسنتناول ذلك من خلال ما يلي:
أولا: الوظيفة الاقتصادية للبيانات الجغرافية وتسمية المنشأ
تتجلى الأهمية الاقتصادية للبيانات الجغرافية في ضمان اثمنة بيع أفضل بالنسبة للمنتجين، بالإضافة لضمان جودة المنتوج بالنسبة للمستهلك وتطوير الاقتصاد القروي.
وانطلاقا من طبيعة الوظيفة التي تطلع بها البيانات الجغرافية، ما دام أنها موجهة لتعيين منتجات من مواصفات ذات جودة خاصة ترجع لمنشئها الجغرافي، فأنه بالنظر لما تحققه لها من قيمة مضافة يمكنها أن تضطلع بدور اقتصادي مهم على مستوى تطوير المنتجات، ومن ثم تنمية المناطق المعينة لها.[13] ونرى بأن هنالك بعض الدول التي بدأت تنتبه لفوائد البيانات الجغرافية من الناحية الاقتصادية خاصة بالنسبة للمنتجات الزراعية الطبيعية والمحولة منها والتي يمكن أن تضمن لها قيمة مضافة حقيقية، ويمكن أن نأخذ الصين على سبيل المثال بحيث أنها بدأت في تنفيد بعض البرامج الطموحة لاستعمال هذه الشارة في إطار إستراتيجية اعم، والذي تبتغي من وراءه تطوير إنتاج وتسويق بعض المنتجات ذات الخصائص المميزة والذي تنفرد بها في العالم.
كما وان تسمية المنشأ تقوم بنفس الدور الاقتصادي الذي تلعبه البيانات الجغرافية، فهي تمنح قيمة مضافة للمنتجات المعينة وتضمن لها تسويقا بالمقارنة مع المنتجات المتشابهة.
ثانيا: وظيفة البيانات الجغرافية وتسميات المنشأ على مستوى المنافسة.
وفيما يخص مستوى المنافسة، فإن البيانات الجغرافية ترتبط بالمنتجات التي لها سمعة خاصة بسبب خصوصيات ترجع إلى العوامل الجغرافية المرتبطة في المكان الذي تنتج فيه، لأنها تشكل أداة لتعيين تلك المنتجات، كما وأنها تستعمل لتمييزها عما يماثلها،فتحدد للمستهلك نوع المنتج الذي هو بصدد، فتشكل أداة جذب بالنسبة له، وهذا يمنع على غيرهم من المنتجين من الاستحواذ على تلك الشارة واستعمالها لكون منتجاتهم لا ترجع لنفس المنطقة ولا تتوافر فيها نفس المواصفات، وهذه الميزة تعطي للمنتجات أفضلية عن غيرها وذلك نسبة لمكافحتها. وكل هذا يعني ان البيانات الجغرافية تخول لأصحابها كذلك حقا استشاريا للاستغلال، إلا انه حق ذو طابع جماعي ينحصر في منتجي المنطقة المعينة وكما كان يمنع على المنتجين المنافسين من غير تلك المنطقة استغلال نفس الشارة.[14] إما فيما يخص تسمية المنشأ فهي بالمنتجات التي لها سمعة خاصة بسبب خصوصيات ترجع إلى العوامل الجغرافية المرتبطة بالمنطقة التي تنتج فيها وهذا يعني إن البيانات الجغرافية وتسمية المنشأ لهما نفس الوظائف على مستوى المنافسة.
ثالثا: وظيفة البيانات الجغرافية وتسميات المنشأ على مستوى حماية المستهلك.
تلعب البيانات الجغرافية وتسميات المنشأ دورا هاما في تمرير رسالة إلى المستهلك مفادها أن المنتج مصدره منطقة جغرافية معينة اشتهرت بجودة منتجاتها من ذلك النوع أو في توافره على سمات خاصة الى تلك المنطقة، فكثير من المنتجات تكتسب مع الوقت شهرة وذلك بفضل مجهود المنتجين المحليين الذين يستطيعون ضمان مستوى من الجودة أو على الأقل سمات خاصة فيها، تصبح مع الوقت مطلوبة من الزبائن فيعمدا أولئك المنتجين إلى تمييز تلك المنتجات عن طريق وضع بيان عليها يبين مصدرها الجغرافي، فيصبح هذا الأخير أداة للمنافسة بين منتجي ذلك المنتج، ووسيلة للتزاحم على الزبائن.[15]
الفقرة الثانية: الشروط المتطلبة لحماية البيانات الجغرافية وتسميات المنشأ
لتكون البيانات الجغرافية وبيانات المنشأ في بر الأمان فأنه يجب أن يتوافر فيها شرطان أساسيان وذلك لكي تستفيد من الحماية القانونية لها ويتمثل هذان الشرطان في الشروط الشكلية والشروط الموضوعية والتي سنتناولها من خلال ما يلي :
أولا: الشروط الموضوعية
تتمثل الشروط الموضوعية في ضرورة اقتران هذه البيانات باسم جغرافي، ويتضح هذا الشرط من خلال مقتضيات المادة 181[16]من قانون 17.97، كما وانه يجب أن يكون المنتج متأصلا من المساحة الجغرافية المحددة، وهذا ما تضمنته المواد 181،180[17] والمادة2 من قانون 25.06 وحتى تستفيد هذه المنتجات من تسمية المنشأ ينبغي لزاما أن تكون متأصلة من المساحة الجغرافية ، وهذا ما يؤدي إلى اعتقاد المستهلكين بأن هناك رابطة بين مكان الصنع والخصائص الجغرافية والبيئية البشرية التي تميزها عن تلك المنطقة.
ويجب أن تكون فضلا عن ذلك متوفرة على خصائص تميزها عن باقي المنتجات، ولا ننسى شرط عدم مخالفة التسمية أو البيان للنظام العام، حيث أن المشرع المغربي لم ينص صراحة على هذا الشرط على خلاف التشريع الجزائري الذي نص عليه صراحة في الفقرة الرابعة من الفصل الرابع من قانون رقم 65 بشأن حماية تسمية المنشأ حيث أكد أنه لا يمكن حماية تسمية المنشأ التالية التسميات المنافية للأخلاق الحسنة والآداب أو النظام العام.
ثانيا: الشروط الشكلية
لقد استوجب المشرع المغربي تسجيل حقوق الملكية الصناعية لتستفيد من الحماية القانونية، والملاحظ أن المشرع المغربي في القانون رقم 17.97 قد استبعد إجراء تسجيل البيانات الجغرافية وتسميات المنشأ على عكس العلامة التجارية لكونها ملك فردي يثبت لصاحبها حق الملكية والتصرف والاستئثار، ولو افترضنا تسجيل البيان الجغرافية وتسمية المنشأ، فإن هذا سيؤدي لا محالة إلى ضياع حقوق العديد من المنتجين الذين ينتجون نفس المنتج في نفس المنطقة.
غير أن قانون 25.06 المتعلق بالعلامات المميزة للمنشأ والجودة للمواد الغذائية
والمنتوجات الفلاحية والبحرية وضع مجموعة من الشروط الشكلية الواجب توافرها في هذه البيانات، التي تتجلى في تقديم طلب الاعتراف بعلامة الجودة الفلاحية أو البيان الجغرافي أو تسمية المنشأ مصحوبا بمشروع دفتر التحملات إلى السلطة الحكومية المختصة من طرف المنتجين طبقا للمادة 8[18] من نفس القانون. وباستقرائنا للمادة [19]9 بتكوين دفتر التحملات من مجموعة من العناصر تتمثل في ضرورة تحديد اسم المنتج مع الإشارة إلى البيان الجغرافي أو تسمية المنشأ المرغوب فيهما، وكذلك تحديد الموقع الجغرافي المعني إضافة إلى وصف طريقة الحصول على هذا المنتج. ولا تقوم السلطة الحكومية بالاعتراف بتسميات المنشأ والبيان الجغرافي والمصادقة على مشروع دفتر التحملات إلا بعد استطلاع اللجنة الوطنية وايداء رأيها داخل أجل ستة أشهر من تاريخ إحالة الأمر عليها، وفي حالة عدم ايداء رأيها بعد مرور هذا الأجل فإنه يعتبر موافقة منها حسب نصت عليه المادة 10 [20]وهذه الأخيرة تقوم بإشهار طلب الاعتراف من خلال نشره في جريدتين وطنيتين على الأقل. وذلك على نفقة طالب الاعتراف.
وبالتالي تسجل البيانات الجغرافية وتسمية المنشأ من طرف المستفيد بناء على طلب يتقدم به الأخير إلى المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية وذلك بعر أن يتم نشر قرارات الاعتراف بالبيان الجغرافي وتسمية المنشأ من طرف السلطة الحكومية في الجريدة الرسمية وبعد المصادقة على دفتر التحملات والتعديلات التي أدخلت عليه.
المبحث الثاني: الحماية القانونية للبيانات الجغرافية وتسمية المنشأ
لقد خص المشرع المغربي البيانات الجغرافي وتسمية المنشأ بحماية خاصة غلى غرار باقي حقوق الملكية الصناعية حيث تنقسم للحماية الوطنية ( المطلب الأول) والحماية الدولية ( المطلب الثاني).
المطلب الأول: الحماية الوطنية للمؤشرات الجغرافية
تستفيد الشارات الجغرافية على المستوى الداخلي بحماية مدنية وجنائية. بحيث أن ق.م.ص خص الحديث بكل ما يتعلق بالحماية الجنائية، أما الحماية المدنية فهي من مؤدى القواعد العامة وهذا ما سوف يتم تناوله من خلال الفقرات التالية :
الفقرة الأولى: الحماية المدنية للشارات الجغرافية.
الفقرة الثانية: الحماية الجنائية للشارات الجغرافية.
الفقرة الأولى: الحماية المدنية للشارات الجغرافية
باعتبار الشارات الجغرافية شارات مميزة غير خاضعة لمبدأ التسجيل في سجلات الملكية الصناعية والتجارية فإن أداة حمايتها القانونية في دعوى المسؤولية المدنية، وتختلف طبيعة هذه الدعوى بحسب ما إذا كان التعدي على الشارة الجغرافية قد تم من قبل منافس، حيث أن حمايتها تكون في هذه الحالة بواسطة دعوى المنافسة غير المشروعة، أم أن التعدي تم من قبل غير منافس، حيث أن حمايتها تكون بواسطة دعوى التعسف في استعمال الحق.[21]
أولا: حماية الشارات الجغرافية بواسطة دعوى المنافسة غير المشروعة
لما كانت البيانات الجغرافية وتسميات المنشأ شارات مميزة جماعية ينحصر الحق في استعمالها في منتجي المنطقة الجغرافية المعنية بها بالنسبة للمنتجات المعنية بها، فإنه يمنع على غيرهم ممن ينتجون نفس المنتج في المناطق أخرى استعمالها وإذا خالف الغير هذا المنع تحمل المسؤولية عن ذلك وفق القواعد العامة أي وفق دعوى المنافسة غير المشروعة. ذلك أن البيانات الجغرافية وتسميات المنشأ لا تخضع للتسجيل في المكتب الملكية الصناعية وإنها يكفي أن صدر نص خاص يقضي باعتبارها لذلك لتتمتع ى بالحماية أي لتصبح شارة يستأثر باستعمالها المنتجون المعنيون في النص بالنسبة للمنتجات المعينة فيه، من هنا فهي ليست محمية بواسطة دعوى التزييف، التي تحمي حقوق الملكية الصناعية المسجلة، وإنما بواسطة دعوى المنافسة غير المشروعة ما دام ان التعدي عليها يعني استعمالها بغير وجه حق من قبل منتج أخر منافس .
وتقام الدعوى في هذه الحالة ضد المعتدي من قبل كل شخص له الحق في استعمال البيانات الجغرافية أو تسمية المنشأ وكذلك من قبل كل هيئة قد يخولها النص القانون الخاص المنظم للشارة حق الدفاع عنها، ولكل واحد من هؤلاء الأشخاص حق التدخل في الدعوى المقامة من قبل واحد منهم ما دامت له مصلحة في ذالك
وبالرجوع إلى القواعد العامة المقررة في هذا الشأن يتضح لها أن المشرع المغربي قد خول لكل شخص له الحق في استعمال البيان الجغرافي وتسمية المنشأ لإقامة دعوى وذلك بالتقدم بطلب للقاضي الأمور المستعجلة لإصدار أمر بإيقاف التعدي الواقع على البيان الجغرافي أو بحجز المنتجات المدعى أنها تمس الشارات الجغرافية وبعد ثبوت حصول التعدي يمكن للمحكمة أن تقضي بتعويض للطرف المتضرر كما يمكنها بناءا على طلب هذا الأخير بمصادرة المنتجات ومصادرة المواد المستعملة في ذلك[22].
ثانيا: حماية البيانات الجغرافية بواسطة دعوى التعسف في استعمال الحق
لما كان الغرض من استعمال الشارة الجغرافية من قبل منتج غير منافس، استغلال ما كرسته في أذهان الجمهور من صورة جيدة، لاكتساب الزبائن،فذلك يعتبر تعسفا في استعمال الحق في الاتجار، تمثل في التحايل على مبدأ حرية التجارة، والتعسف في استعمال تلك الحرية عن طريق استغلال حقوق الغير في ممارسة التجارة، وهو ما يشكل خطأ من الناحية القانونية يمكن مسائلة صاحبه عنه في إطار الفصل 77 من ق.ل.ع.[23]
الفقرة الثانية: الحماية الجنائية للبيانات الجغرافية وتسمية المنشأ
تتجلى الحماية الجنائية التي نص عليها المشرع في قانون الملكية الصناعية المغربي في منع استعمال البيان الجغرافي أو تسمية منشأ كاذب وتقرير عقوبات زجرية على هنا في هاته القاعدة.
أولا: منع البيان الجغرافي أو تسمية المنشأ الكاذبين
تنص المادة 182 من ق.م.ص صيغتها الجديدة بعد تعديل 2006 على أنه: يعتبر غير مشروع:
الاستعمال المباشر و غير المباشر لبيان كاذب أو خداع أو غير المباشر لبيان كاذب أو خداع يتعلق بمصدر منتج أو خدمة بهوية المنتج أو الصانع أو المتاجر.
الاستعمال المباشر أو غير المباشر لبيان جغرافي أو تسمية كاذبة أو خداعة أو تقليد بيان جغرافي أو تسمية منشأ حتى ولو كان مشارا إلى منشأ المنتج الحقيقي أو كانت التسمية مترجمة أو مشفوعة بعبارات مثل “النوع” أول الطريقة أو التقليد أو ما شابه ذلك[24].
فالفقرة الثانية من هذه المادة هي التي تتعلق بالبيان الجغرافي وتسمية المنشأ. بحيث منع القانون بداية استعمال بيان جغرافي أو تسمية المنشأ كاذبة أو خداعة، أي منع تعبير منتجات وتمييزها بالإشارة عليها الى بيان جغرافي او تسمية منشأ ليس لها الحق فيها فيهما.
وفي نفس الوقت منع القانون تقليد بيان جغرافي وتسمية منشأ محميين ويكون التقليد بإدخال تغييرات على تلك البيانات من شأنها أو تؤدي إلى مغالطة الجمهور أو تظليلهم وهذا ما قصده المشرع بعبارة “ولو كان مشارا الى منشأ المنتج الحقيقي أو كانت التسمية مترجمة أو مشفوعة بعبارات مثل “النوع” أو ” الطريقة” أو «التقليد” أو ما شابه ذلك.
والمشرع بتنصيصه على هاته المقتضيات فإنه يكون قد وفر حماية للمستهلك من أي تظليل أو خداع وحماية النظام العام الاقتصادي، من منطلق أن البيانات الجغرافية وتسمية المنشأ شكل وسيلة للمنافسة في ما بين المنتجين. كما أن المشرع أرفق هذا المنع إلى إيقاع عقوبات زجرية على القائم بمثل هذه الأفعال.
ثانيا: جزاء البيان الجغرافي أو تسمية المنشأ الكاذبين
بالإضافة إلى الإمكانيات التي ترسيها القواعد العامة بالنسبة للمستهلك بما في ذلك إمكانية المطالبة بإبطال العقد بسبب التدليس والمطالبة بالتعويض عن الضرر، فإن قانون الملكية الصناعية نص على جزاء جنائي خاص يتعلق باستعمال بيان جغرافي أو تسمية المنشأ كاذبين.
حيث نص عليه في المادة 226 من ق م.ص التي تحيل عليها المادة 231 بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة مالية من 25.000 إلى 250.000 درهم وبالرجوع إلى المادة 183 نصت على إمكانية إقامة الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة لمعاقبة الأفعال الغير المشروعة المنصوص عليها في المادة 182 كما يمكن إقامتها من طرف أي متضرر للمطالبة بالتعويض سواء كان شخصا ذاتيا أو معنويا أو نقابة مهنية.
المطلب الثاني: الحماية الدولية للبيانات الجغرافية وتسميات المنشأ
رغم المقتضيات السابقة التي تقتضي بحماية البيانات الجغرافية وتسمية المنشأ على المستوى الوطني إلا أنه لابد من وجود مقتضيات دولية تعنى بهذه الغاية، وهذا عن طريق مجموعة الاتفاقيات التي عملت علي وضع إطار قانوني حمائي للبيانات الجغرافية (الفقرة الأولى) وتسميات المنشأ (الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى: الحماية الدولية للبيانات الجغرافية
تعتبر الشارات الجغرافية موضوع حماية على المستوى الدولي، وذلك عن طريق مجموعة من الاتفاقيات التي تديرها المنظمة الدولية للملكية الفكرية، والتي تستهدف حماية هذه البيانات على اعتبار أن أهم ما يميز البيانات الجغرافية أنها مرتبطة بصفة كلية بمكان أو بمنطقة جغرافية معينة ولا يمكن نقل مكان استعمالها، هذا يفرض معه أن يتم استعمالها داخل دائرة منتجي تلك المنطقة أي أنه لا يمكن لغيرهم من منتجي نفس المنتج سواء داخل نفس الدولة أو خارجها استعمالها.[25]
ومنه يتبين لنا أهمية المقتضيات الحمائية في هذا الصدد، فبالنسبة للحماية الداخلية فبطبيعة الحال يرجع لمقتضيات القانون الداخلي للدولة، لكن الإشكال يطرح في إيجاد نظام دولي يعنى بالحماية الدولية لهذه الشارات، الأمر يتعلق هنا باتفاقية(أولا) وكذا اتفاقية مراكش (ثانيا) ADPIC
أولا: الحماية الدولية للبيانات الجغرافية وفق اتفاقيةADPIC
يعد الاتفاق المتعلق بحقوق الملكية الفكرية التي تؤثر على التجارة ، أو بالمختصر[26] من بين أهم الاتفاقيات التي تولت موضوع حماية البيانات الجغرافيةADPIC بحيث خصصت المواد من 22 إلى 24، و كل مادة منها ترسي إلى مبدأ معين، فالمادة 22 من الاتفاقية تلزم الدولة المنظمة طبقا للفقرة الثانية منها بتوفير كل الآليات الممكنة من أجل منع أي وسيلة بإمكانها نشر المنتج بغير مصدره الجغرافي الحقيقي مما يعمل على تضليل الجمهور و تبيان الحقيقة على عكس ما هي عليه بشأن المنشأ الحقيقي للمنتوج ، و كذا منع أي عمل بشكل منافسة غير مشروعة طبقا للمادة 10 مكرر، كما ألزمت في الفقرة الثالثة منها الدول الأعضاء برفض قبول طلب تسجيل كل علامة تتضمن علامة جغرافية محمية حماية للعلامة الأصلية، أما المادة 23 فإنها تنص على حماية الشارات الجغرافية الخاصة بالخمور ، ذلك أن في فقرتها الأولى نصت على ضرورة وضع الوسائل القانونية لمنع استعمال شارات مظللة في خمور لا تتأصل لتلك المنطقة الجغرافية المعينة بالشارة حتى ولو كانت هناك إشارة إلى المصدر الحقيقي للسلعة، كما نصت الفقرة الثانية من نفس المادة على منع الدول من تسجيل كل علامة تتضمن شارة خاصة بالخمور أو مشروبات أخرى لا تتأصل إلى تلك المنطقة التي تم تعيينها، وأكدت في الفقرة 3 منها إلى ضرورة وضع شروط معينة تمكن من التمييز بين تلك الشارات ، و ذلك من أجل ضمان الاستغلال الجيد لهذه الشارات و كذا منع تضليل الجمهور .
أما المادة 24 من الاتفاقية فإنها تفرض على الدول الأعضاء الدخول في مفاوضات من أجل ترسيخ هذه الحماية وتضع قيود بمثابة استثناء ونستخلصها في ثلاث حالات، أولها الحالة المتعلقة بالعلامة التي تكون محل استخدام سابق بشكل مستمر داخل دولة عضو متى كان هذا الاستخدام مستمرا لمدة تتجاوز 10 سنوات قبل وضع الاتفاقية، كذلك عندما يتعلق الأمر بعلامة تمس بشارة جغرافية محمية، شريطة أن تستغل بحسن نية أو قبل تاريخ تطبيق أحكام الاتفاقية داخل البلد المعني.
ثانيا: حماية البيانات الجغرافية وفق اتفاقية مراكش
تؤرخ اتفاقية مراكش في 15 أبريل 1994 والتي تعني ب”الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية، و المعروفة باسم تريبس[27] تضم هذه الاتفاقية 31 دولة من بينها بعض الدول العربية والمغرب، وتعنى بمختلف الأحكام
المتعلقة بكافة الجوانب المتصلة بالملكية الفكرية، و بين هذه الأحكام نجدها اهتمت بالبيانات الجغرافية، و قد أدت مجموعة من الاعتبارات إلى نشوء هذه الاتفاقية، من بينها انتشار ظاهرة القرصنة و نسخ العلامات المعروفة عالميا مما أدى إلى ضرورة وضع إطار حمائي لهذه العلامات و عدم كفاية الحماية الدولية من خلال الاتفاقيات الدولية على توفير حد أدنى مقبول دوليا من الحماية القانونية للحقوق الفكرية الشيء الذي أوجب معه إبرام اتفاقية ناجعة تحقق هذا الغرض. ومن بين أهم ما جاءت به هذه الاتفاقية هو مبدأ المعاملة الوطنية، وتقضي هذه القاعدة بوجوب معاملة الوطنيين والأجانب على قدم المساواة فيما يتعلق بحماية الملكية الفكرية في مختلف المقتضيات المتعلقة بها وهو ما نصت عليه المادة الثالثة من اتفاقية مراكش، كما نصت كذلك في المادة الرابعة على منح مزايا وحصانات ومعاملة تفضيلية للدولة المنتمية فيما يخص الملكية الفكرية وحمايتها بدون أية شروط، وأكدت على فكرة التعامل بشفافية وذلك من خلال نشر الدولة العضو لكل قوانينها وكذا الأحكام الصادرة عن محاكمها، وإذا تطلب الأمر تزويدها بهذه القوانين والقرارات، وقد عملت الاتفاقية على تنظيم مدة الحماية من خلال إلزامها للدولة العضو أن ترفع مدة الحماية لهذه البيانات إلى الحد الأدنى على الأقل الذي توفره تلك الاتفاقية، فيما كان قانونها يوفر حماية أقل من تلك المدة التي توفرها الاتفاقية، على أنه يجوز للدولة العضو دون أن يكون لزاما عليها أن يسبغ على حقوق الملكية الفكرية مدة حماية اعلى من تلك المدة التي توفرها اتفاقية مراكش. كما نصت كذلك على ضرورة تضمين كل دولة من الدول الأعضاء قانونها الداخلي بالمقتضيات التي جاءت بها الاتفاقية لضمان حماية حقوق الملكية الفكرية، كالإجراءات التحفظية والوقائية والجزاءات.
وجاءت بمجموعة من المقتضيات المتعلقة بحماية العلامات التي تدخل في نطاقها البيانات الجغرافية فيما يتعلق بتسجيلها بحيث منعت الاتفاقية رفض تسجيل البيانات الجغرافية من قبل الدولة إلا إذا كان تسجيلها من شأنه المساس بالحقوق المكتسبة للغير في الدولة التي تطلب فيها الحماية، ويكون التسجيل عن طريق الإيداع على اعتبار انه يحق لكل مواطن أو شخص مقيم إيداع طلب التسجيل للعلامة ولا يجوز رفض هذا الطلب أو التشطيب عليه كما سبق القول، وعن هذا التسجيل تنشا الحماية على هذه العلامة على المستوى الدولي، من هذه المقتضيات كذلك نجدها تنظم كيفية الترخيص والتنازل عن هذه البيانات بحيث نجد أن الاتفاقية أجازت التراخيص العقدية التي تبرم بين مالك العلامة التجارية والمرخص لهم وتركت للدول الأعضاء حرية النص في قوانينها الوطنية على تحديد شروط وأحوال التنازل والترخيص.
الفقرة الثانية: الحماية الدولية لتسمية المنشأ وفق اتفاقية لشبونة
أبرمت اتفاقية لشبونة بتاريخ 31 أكتوبر 1958 من طرف ثمانية عشر دولة وذلك لوضع نظام دولي لحماية تسميات المنشأ داخل الدول الموقعة على هذه الاتفاقية، بحيث ألزمت هذه الدول بتوفير الحماية لها، وذلك عن طريق تسجيلها لدى المكتب الدولي للملكية الفكرية، فطبقا للفقرة الأولى من المادة الخامسة نجد أنها تنص على ضرورة قيام التسجيل من قبل السلطات الإدارية لدولة المنشأ وليس من قبل المنتجين لكي يتم الاعتراف بها وحمايتها على أنها تسمية منشأ محمية وفق ما يقرره قانونها الداخلي،[28] كما أنه بعد إيداع طلب التسجيل يجب أن يكون متضمنا سجلين، الأول هو سجل وطني يخص كل دولة من الدول المنتمية للاتحاد والتي تم تسجيل تسميات المنشأ لديها، والثاني هو سجل دولي يخص كل تسميات المنشأ المسجلة لديه ومن خلاله يتم إخطار كل دولة من الدول الأعضاء بذلك التسجيل، وتنشر بعد ذلك التسمية في مجلة دورية طبقا للفقرة الثانية من المادة الخامسة من الاتفاقية، وبالتالي فبمجرد التبليغ بهذا التسجيل تصبح التسمية محمية داخل الدول الأعضاء، غير أنه يمكن لدولة من دول الاتحاد أن تعلن عدم رغبتها في توفير الحماية للتسمية، وذلك عن طريق قيامها بإخطار المكتب الدولي بذلك مع ضرورة بيان أسباب ذلك، ويقوم المكتب الدولي بدوره بإخطار دولة المنشأ داخل أجل عام، مما يسمح للمستفيد بإمكانية ممارسة كل طرق الطعن الإدارية المتاحة في مواجهة الدولة الرافضة.
الخاتمة
من خلال ما سبق تناوله في المبحثين فأننا نستنتج أن المشرع المغربي عمل على خلق إطار وتنظيم قانوني وحمائي للبيانات الجغرافية وتسمية المنشأ ,من خلال وضع قانون رقم 17.97 المغير والمتمم بالقانون رقم 31.05 , وتبين من خلال المقتضيات القانونية التي تناولت ماهية هذه البيانات وتسمية المنشأ , بالإضافة إلى منع الاستعمال الغير مشروع لهما, وتحديد الجهات التي لها صلاحية إقامة الدعوى العمومية , وتمكن من فرض عقوبة وذلك من نفس القانون , أي أنها حظيت بحماية خاصة سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي بشكل يمنع من المنافسة غير المشروعة بين المنتجين ,
اضافة إلى أن الحماية تضل قاصرة عن الإحاطة بجميع التهديدات التي قد تطال هذه الحقوق في انتظار تدخل من المشرع المغربي خاصة , للتصدي لظاهرة التزييف والقرصنة التي تنتشر بشكل واسع في جميع الأوساط بالمغرب وذلك للرقي أكثر وتطوير الاقتصاد . لائحة المراجع:
- المراجع العامة:
- حميد محمد علي اللهبي، الحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية في إطار منظمة التجارة العالمية، المركز القومي للإصدارات القانونية ،54 ش علي عبد اللطيف –الشيخ ريحان – بجوار وزارة الداخلية.
- فؤاد معلال، الملكية الصناعية والتجارية (دراسة في القانون المغربي والاتفاقيات الدولية)، دار الآفاق المغربية للنشر، الدار البيضاء, الطبعة الأولى، سنة 2009.
- فؤاد معلال، شرح القانون التجاري الجديد، دار الآفاق المغربية، الدار البيضاء، الطبعة الرابعة، سنة 2016.
- صلاح زين الدين، “العلامات التجارية وطنيا ودوليا”، ط1، دار الثقافة للنشر والتوزيع، سنة2006.
محمد المحبوبي، النظام القانوني للعلامات في ضوء التشريع المغربي المتعلق بحقوق الملكية الصناعية والاتفاقيات الدولية، ط.2، 2011، دار أبي رقراق للطباعة ونشر10 شارع العلويين رقم 3 حسان، الرباط.
- المقالات:
- منشور بمجلة المحاكم المغربية ، عدد361، بتاريخ 25 ماي 1929 .
- – القانون رقم 31.05 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.05.190 المؤرخ في 14 فبراير 2006. ↑
- – القانون رقم 25.06 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.08.56 المؤرخ في 23 ماي 2008 . ↑
- – المادة 2 من قانون 25.06″ البيان الجغرافي :التسمية التي تمكن من التعرف على منتوج ينحدر من إقليم أو جهة أو موقع محلي عندما تعزى جودة هذا المنتوج أو سمعته أو كال مزية أخرى محددة له،بصورة أساسية إلى هذا المنشأ الجغرافي ويكون إنتاجه أو تحويله أو تهيئته قد تم داخل الموقع الجغرافي المحدد.”. ↑
- – د.فواد معلال، الملكية الصناعية والتجارية، ط.1، دار الآفاق المغربية للنشر والتوزيع الدار البيضاء، ص 663 الى 664 . ↑
- – القانون رقم 31.05 المتعلق بحماية الملكية الصناعية ، م.س. ↑
- – ذ فواد معلال مرجع سابق ص 674 الى 675. ↑
- – ذ فواد معلال م.س، ص666 الى 667. ↑
- – ذ محمد المحبوبي في كتابه النظام القانوني للعلامات في ضوء التشريع المغربي المتعلق بحقوق الملكية الصناعية والاتفاقيات الدولية، ط.2، 2011، دار أبي رقراق للطباعة ونشر10 شارع العلويين رقم 3 حسان الرباط، ص62. ↑
- – حكم منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد361 بتاريخ 25 ماي 1929 . ↑
- – ذ فواد معلال، م.س، ص667 . ↑
- -ذ محمد محبوبي، م.س، ص 62. ↑
- – د.فؤاد معلال، الملكية الصناعية والتجارية(دراسة في القانون المغربي والاتفاقيات الدولية)، دار الآفاق المغربية للنشر، الدار البيضاء،الطبعة الأولى، سنة 2009، ص668. ↑
- – د.فؤاد معلال ، م.س، ص669. ↑
- – د.فؤاد معلال ، م.س، ص669. ↑
- – المادة 181 من قانون 17.97 “تسمية المنشأ هي الاسم الجغرافي الذي يطلق على بلد أو جهة أو مكان ويستعمل لتعيين منتج يكون متأصلا منه وترجع جودته أو سمعته أو مييزاته الأخرى المحددة بصورة حصرية أو أساسية إلى الوسط الجغرافي الذي يشتمل على عوامل طبيعية وعوامل بشرية ” . ↑
- – المادة 180 من قانون 17.97 ” يراد ببيان المصدر العبارة أو الشارة المستعملة للدلالة على أن منتجات أو خدمات ما مصدرها بلد أو مجموعة بلدان أو جهة أو مكان معين”. ↑
- تنص المادة 8 من قانون 25.06 على أنه “يقدم طلب الاعتراف بعلامة الجودة الفلاحية أو البيان الجغرافي أو تسمية المنشأ
مصحوبا بمشروع دفتر التحملات إلى السلطة الحكومية المختصة وفق الشكليات التنظيمية ،
جمعيات أو تعاونيات أو كل هيأة مهنية أخرى أو من طرف الجماعات المحلية أو المؤسسات
العمومية المعنية.
ويمكن لكل شخص آخر ذاتي أو معنوي معني بالبيان الجغرافي أو تسمية المنشأ أن
ينضم إلى الطلب المقدم.
غير أنه وخلافا لمقتضيات الفقرة الأولى أعلاه، يمكن لكل شخص ذاتي أو معنوي منتج
أو محول معني بالأمر أن يقدم، بصفة فردية، طلب الاعتراف بعلامة الجودة الفلاحية”. ↑
- – انظر للمادة 9 من قانون 25.06 . ↑
- – تنص المادة 10 من قانون 25.06″. تقوم السلطة الحكومية المختصة بالاعتراف بعلامة الجودة الفلاحية أو البيان الجغرافي أو تسمية المنشأ والمصادقة على دفاتر التحملات بعد استطلاع رأي اللجنة الوطنية من هذا القانون. 71المنصوص عليها في المادة أشهر ابتداء من تاريخ 2 داخل أجل 3 ويتم إبداء الرأي المذكور طبقا للشكليات التنظيمية إحالة الأمر إلى اللجنة الوطنية. يعتبر أن هذه ،بعد انصرام الأجل المذكور وفي غياب جواب من طرف اللجنة الوطنية الأخيرة أبدت رأيها بالموافقة. ↑
- – فؤاد معلال ،م.س، ص 680. ↑
- – فؤاد معلال 683. ↑
- – ينص الفصل 77 من ق.ل.ع “كل فعل ارتكبه انسان عن بينة واختيار، ومن غير ان يسمح له به القانون، فاحدث ضررا ماديا او معنويا للغير، الزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، اذا ثبت ان ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الاثر”. ↑
- – انظر المادة 182 من ق.م.ص ↑
- – د.فؤاد معلال مرجع سابق، صفحة 688. ↑
- accord sur les aspects des droits de propriété intellectuelle qui touchent au commerce. ↑
- – trips » agreement on trad related on intellectual property right. ↑
- – الدكتور صلاح زين الدين، “العلامات التجارية وطنيا ودوليا”، ط1، سنة 2006، دار الثقافة للنشر والتوزيع، ص315. ↑
- – R. V. IHERING, L’esprit du droit romain dans les divers phases de son développement, formi Editor, Bologne, 1886-1888, T III, p16.
ذكره منير عياري، أحكام تأويل القانون، مجمع الأطرش، 2022 ↑