في الواجهةمقالات قانونية

الجبايات الترابية بين التأصيل الدستوري والتوجيهات الملكية الدكتورة: كوثر كويس

الجبايات الترابية بين التأصيل الدستوري والتوجيهات الملكية

LOCAL TAXATION: BETWEEN CONSTITUTIONAL LEGITIMACY AND ROYAL GUIDANCE

الدكتورة: كوثر كويس

حاصلة على دكتوراه في القانون العام كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي

هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 59 الخاص بشهر غشت / شتنبر 2025

رابط تسجيل الاصدار في DOI

https://doi.org/10.63585/KWIZ8576

للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665

 

الجبايات الترابية بين التأصيل الدستوري والتوجيهات الملكية

LOCAL TAXATION: BETWEEN CONSTITUTIONAL LEGITIMACY AND ROYAL GUIDANCE

الدكتورة: كوثر كويس

حاصلة على دكتوراه في القانون العام كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي

ملخص:

يتناول هذا الموضوع دور الدستور المغربي لسنة 2011 والخطب الملكية كمرجعيات أساسية في دعم وتوجيه إصلاح الجبايات الترابية. ويبرز البحث كذلك أهمية الضريبة كأداة استراتيجية لتمويل السياسات العمومية وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية. كما يسلط الضوء على المكانة الدستورية المتقدمة التي أصبحت تحتلها الجماعات الترابية، من خلال تمكينها من اختصاصات مالية وقانونية تدعم استقلاليتها. ويتناول البحث مساهمة الخطب الملكية، التي تُعد توجيهات عليا ذات قوة رمزية ودستورية في بلورة السياسات الجبائية، حيث تؤكد هذه الخطب في مناسبات مختلفة على ضرورة تبسيط النظام الجبائي، وتحقيق العدالة والشفافية، ودعم تمويل الجماعات الترابية. وتُعد هذه التوجيهات مؤشرات واضحة على أهمية الإصلاح الجبائي في المشروع التنموي الوطني.

Abstract :

THIS PAPER ADDRESSES THE ROLE OF THE 2011 MOROCCAN CONSTITUTION AND ROYAL SPEECHES AS FUNDAMENTAL REFERENCES IN SUPPORTING AND GUIDING THE REFORM OF LOCAL TAXATION. THE STUDY HIGHLIGHTS THE IMPORTANCE OF TAXATION AS A STRATEGIC TOOL FOR FINANCING PUBLIC POLICIES AND ACHIEVING SOCIAL AND TERRITORIAL JUSTICE. IT ALSO UNDERSCORES THE ADVANCED CONSTITUTIONAL STATUS NOW HELD BY LOCAL AUTHORITIES, THROUGH THE GRANTING OF FINANCIAL AND LEGAL POWERS THAT SUPPORT THEIR AUTONOMY. FURTHERMORE, THE PAPER EXAMINES THE CONTRIBUTION OF ROYAL SPEECHES—WHICH ARE CONSIDERED HIGH-LEVEL DIRECTIVES WITH SYMBOLIC AND CONSTITUTIONAL AUTHORITY—IN SHAPING TAX POLICIES. THESE SPEECHES, DELIVERED ON VARIOUS OCCASIONS, EMPHASIZE THE NEED TO SIMPLIFY THE TAX SYSTEM, ENSURE JUSTICE AND TRANSPARENCY, AND SUPPORT THE FINANCING OF LOCAL GOVERNMENTS. THESE DIRECTIVES ARE CLEAR INDICATORS OF THE IMPORTANCE OF TAX REFORM WITHIN THE NATIONAL DEVELOPMENT PROJECT.

 

مقدمة:

يشكّل إصلاح النظام الجبائي في المغرب إحدى الأولويات الوطنية الكبرى، بالنظر إلى الدور الحيوي الذي تضطلع به الضريبة كأداة مركزية في تمويل السياسات العمومية[1]، وضمان استمرارية المرافق العامة، والحفاظ على التوازنات المالية والماكرو-اقتصادية للدولة. فالضريبة ليست مجرد وسيلة لتحصيل الموارد المالية، بل تعتبر رافعة أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية وتعزيز العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق المجالية، إضافة إلى دورها في دعم الاستقرار المالي والاجتماعي والبيئي على المدى الطويل.

وفي هذا الإطار، يبرز دور المؤسسة الملكية باعتبارها الأساس المتين في النظام السياسي والدستوري المغربي. فالحديث عن المؤسسة الملكية لا ينفصل عن الحديث عن الدولة المغربية بمؤسساتها وأجهزتها. إذ تُعدّ مصدر التوجيه العام لمختلف السياسات العمومية. ويتجلى هذا الدور من خلال الخطب الملكية التي يُوجّهها جلالة الملك إلى الأمة أو إلى البرلمان في مناسبات رسمية ومحورية، والتي تتميز بقوتها التوجيهية وتشكل مرجعًا أساسيًا في رسم الأولويات الوطنية والمحلية.

وقد تطرقت هذه الخطب، في مناسبات مختلفة سواء بشكل مباشر أو ضمني إلى قضايا ذات صلة بالعدالة الجبائية وحكامة المالية العمومية، وضرورة اعتماد نظام جبائي عادل وفعال يراعي مبدأ المساواة ويعكس روح التضامن الوطني. وهو ما يُترجم الوعي العميق بأهمية البعد الجبائي في بناء نموذج تنموي جديد يضمن الإنصاف والاستدامة والنجاعة.

وانطلاقًا من هذا المنظور، يمكن طرح الإشكالية التالية:

إلى أي حد ساهم كل من دستور 2011 والخطب الملكية في رسم ملامح إصلاح النظام الجبائي، ولا سيما في شقه المتعلق بالجبايات الترابية؟

هذه الإشكالية تفتح المجال لتحليل مضامين النصوص الدستورية والخطب الملكية ذات الصلة، من أجل الوقوف على مدى حضور المبادئ الموجهة للعدالة الجبائية، وتكريس استقلالية الجماعات الترابية في تدبير مواردها المالية، وفق منطق التنمية المحلية. ولمعالجة هذه الإشكالية، يمكن الوقوف على الفرضيتين التاليتين:

  • الفرضية الأولى:
    يشكل دستور سنة 2011 محطة مفصلية في ترسيخ اللامركزية المالية، حيث أقر مبدأ تعزيز استقلالية الجماعات الترابية عبر تمكينها من موارد مالية كافية، تتيح لها القيام بدورها في تدبير الشأن العام المحلي بكفاءة وفعالية.
  • الفرضية الثانية:
    تساهم الخطب الملكية في توجيه السياسة الجبائية من خلال التأكيد على مبادئ العدالة، الشفافية، وتبسيط النظام الجبائي، ما يجعل منها مرجعية أساسية في مسار إصلاح الجبايات الترابية.

    1. من أجل الإجابة على الإشكالية المطروحة، والتحقق من صحة الفرضيات التي تم اقتراحها، سيتم اعتماد منهج تحليلي قانوني، يرتكز على دراسة النصوص الدستورية والخطب الملكية، وربطها بالإطار العملي للجبايات الترابية.
    2. الفقرة الأولى: المرتكزات الدستورية

إن المكانة الدستورية[2] التي أصبحت تتمتع بها الجماعات الترابية في ظل دستور 2011، أفرزت تصورًا جديدًا للتنظيم الترابي بمستوياته الثلاثة، يتماشى مع السياق الدولي والوطني[3]. وقد كرّس الدستور مجموعة من المبادئ التدبيرية التي تشكّل الأساس الذي يقوم عليه التدبير العمومي الترابي الحديث، وهي المبادئ التي تم تجسيدها بوضوح في مضامين القوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية، مما ساهم في إرساء أسس الحكامة الجيدة وتعزيز اللامركزية الفعلية.

هذه الهندسة الترابية الجديدة، بجميع أبعادها تشمل تدبير مختلف جوانب الشؤون العامة الترابية، سواء كانت استراتيجية أو تدبيرية. وقد تم صياغتها على شكل اختصاصات وأدوار تنموية، حيث تقوم الجماعات الترابية بتحديد برامجها ورسم سياساتها التنموية مع التركيز على ترجمتها إلى اعتمادات مالية وعمليات محاسباتية تُدرج في ميزانياتها السنوية وبرامجها متعددة السنوات، مما يعزز قدرتها على تحقيق التنمية المحلية المستدامة[4].

خصص دستور 2011 بابًا مستقلًا للجماعات الترابية، بما في ذلك الجهات وباقي الجماعات الترابية الأخرى، حيث عملت فصول هذا الباب على رسم ملامح الإطار العام لتدبير الوحدات الترابية اللامركزية. ورغم أن الباب التاسع لم ينص بشكل صريح على مطلب الاستقلال المالي، إلا أنه تضمّن مجموعة من المبادئ التي تُحيل دلالاتها، بشكل ضمني، إلى هذا الاستقلال، في أفق تمكين الجماعات الترابية من الاضطلاع بأدوارها التنموية في نطاق اختصاصاتها الذاتية والمشتركة والمنقولة.

ومن هذه المبادئ[5]، مبدأ التدبير الحر الذي أشار إليه الفصل 136 من الدستور، والذي يشترط لتحقق معناه التوفر على ثالث مقومات، وهي:

يتضح بجلاء أنه لا يمكن تفعيل مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية دون تمكينها من الموارد الضرورية، وذلك من خلال ضمان حد أدنى من الاستقلال المالي، يتيح لها التوفر على موارد مالية كافية لممارسة اختصاصاتها، إلى جانب هامش من الحرية في تدبير وصرف هذه الموارد، حتى لا تظل رهينة للمساعدات والإعانات التي تقدمها الدولة.

بالرجوع إلى الوثيقة الدستورية لسنة 2011، تنص الفقرة الأولى من الفصل 70 على أن “البرلمان يمارس السلطة التشريعية”، حيث أسند المشرّع للمؤسسة التشريعية صلاحية إحداث التكاليف العمومية وتوزيعها. ويُعدّ هذا التنصيص سابقة في تاريخ الدساتير المغربية، إذ يكرّس بوضوح الاختصاص المالي والجبائي للبرلمان داخل النص الدستوري ذاته.

وعمومًا، فقد خول المشرّع الدستوري للهيئة التشريعية سلطة إصدار القوانين الجبائية والمالية، وهو ما يتضح من عبارة “للقانون وحده” الواردة في الفصل 39 من الدستور، والتي تحيل على احتكار القانون لإحداث الرسوم والضرائب. ويظهر جليًا أن للبرلمان دورًا محوريًا في المجال المالي والجبائي، إذ إن قانون المالية، المتكوّن تقليديًا من شقين: أحدهما مخصص للموارد والآخر للنفقات، يضع الموارد الجبائية في صلب البنية المالية للدولة، باعتبارها أحد المكونات الأساسية لمواردها، بل تشكل الركيزة المركزية التي تُبنى عليها السياسات العمومية والمالية.

لقد منح دستور 2011 البرلمان سلطة تشريعية هامة في المجال الجبائي، من خلال تمكينه من إصدار القوانين الضريبية والمصادقة عليها، وذلك عبر آلية التصويت المنصوص عليها في الفصل 75 من الدستور. وفي السياق نفسه، ينص الفصل 141 من الوثيقة الدستورية على أن الجهات وباقي الجماعات الترابية الأخرى تتوفر على موارد مالية ذاتية، إلى جانب موارد مالية تُخصَّص لها من قبل الدولة. كما أقر المشرّع الدستوري مبدأً جوهريًا مفاده أن كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجماعات الترابية يجب أن يكون مصحوبًا بتحويل الموارد المالية اللازمة لتفعيله.

ويُجسّد هذا التنصيص التزام الدولة بتعزيز الاستقلال المالي للجماعات الترابية، باعتباره أحد الأسس المركزية لتمكينها من أداء مهامها وتنفيذ اختصاصاتها بكفاءة وفعالية، بما ينسجم مع متطلبات الحكامة الترابية والتنمية المحلية.

وبشكل وجيز، يمكن تصنيف الموارد المالية للجماعات الترابية إلى ثلاثة أنواع رئيسية: موارد ذاتية، موارد منقولة أو مخصصة من الدولة، وموارد ناتجة عن القروض. ويهدف تنوع هذه المصادر إلى تمكين الجماعات الترابية من أداء اختصاصاتها المختلفة.

  1. بالنسبة للموارد الذاتية تتمثل في:
  • حصيلة الضرائب والرسوم المأذون للجهات أو العمالات والأقاليم أو الجماعات في تحصيلها، وحصيلة الأتاوى المحدثة طبقا للتشريع الجاري به العمل ؛
  • حصيلة الأجور عن الخدمات المقدمة، وحصيلة الغرامات، ومدخول الأملاك والمساهمات، وحصيلة الاستغلالات والأتاوى وحصص الأرباح؛
  1. الموارد المنقولة:

فتشمل، حصيلة الضرائب أو حصص ضرائب الدولة المخصصة للجماعات أو للعمالات والأقاليم أو للجهات والموارد المالية المحولة والمطابقة للاختصاصات التي تنقلها الدولة إلى الجماعات الترابية، طبقا للفقرة الثانية من الفصل 141 من الدستور.

  1. الاقتراضات والموارد الأخرى المتاحة للجماعات الترابية:

إضافة إلى الموارد المالية الذاتية والمنقولة من طرف الدولة، فإن ميزانيات الجماعات الترابية تستفيد من مصادر تمويل أخرى، لعل أبرزها تلك المتأتية من القروض. حيث حددت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية إلى جانب الموارد المالية، آليات تمكن هذه الجماعات من ابتكار حلول بديله للتمويل.

  • كعقد اتفاقيات التعاون والشراكة مع القطاع العام والخاص؛
  • واتفاقيات التوأمة والتعاون اللامركزي مع جماعات ترابية وطنية وأجنبية؛
  • إبرام اتفاقيات مع فاعلين من خارج المملكة في إطار التعاون الدولي؛
  • الحصول على تمويلات في نفس الإطار بعد موافقة السلطات العمومية، ولا يمكن إبرام أي اتفاقية بين جماعة ترابية مع دولة أجنبية. ويمكن للجماعات الترابية الانخراط والمشاركة في أنشطة المنظمات المهتمة بالشؤون المحلية.

الفقرة الثانية إسهام الخطب الملكية في توجيه تطور هيكلة البنية الجبائية الترابية

إن سمو المؤسسة الملكية، يجعلها الفاعل الأول في صناعة السياسات العمومية بالمغرب وصاحبة القرار في جميع المجالات، بما في ذلك التدخل في مجال صناعة القرار الجبائي، فرغم التنصيص الدستوري على المؤسسة البرلمانية وتخويلها سلطة التشريع، فإن سلطة الملك في علاقته بالبرلمان تجعل منه المشرع الأعظم والفاعل الأول في صناعة السياسات العمومية، وباعتباره أعلى سلطة دستورية فهو يقوم بممارسة سلطة توجيهية من خلال توجيه خطابات في المجال الجبائي إلى كل من البرلمان والحكومة بغية تفعيل إصلاحات في القانون الجبائي، هذه الخطابات لها تأثير واضح على دوائر صناعة القرار الجبائي، حيث نجد أن عددا مهما من السياسات العمومية التي تحكم الأجهزة الإدارية تستمد سياستها من الخطابات الملكية، لمعرفة أهدافها ومصادرها [6].وعموما، تعتبر المؤسسة الملكية فاعل محوري في بلورة عملية إصدار القرار الجبائي. حيث يمارس الملك سلطة توجيهية للسياسات العمومية للدولة باعتباره أسمى سلطة دستورية.

كما ينص الفصل 52 من الدستور للملك أن يخاطب الأمة والبرلمان، ويتلى خطابه أمام كلا المجلسين، ولا يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش إذ يلخص أحد الأساتذة المؤسسة الملكية وموقعها في بنية النظام المغربي بقوله، “إن الحديث عن المؤسسة الملكية بالمغرب وموقعها في النظام الدستوري والسياسي للبلاد، هو حديث ليس فقط عن مؤسسة المؤسسات بل عن الدولة المغربية نفسها[7]. حيث يخاطب الملك الأمة والبرلمان في عدة مناسبات رسمية للدولة. وتتميز هذه الخطب بقوتها القانونية والتوجيهية أمام جميع المؤسسات. وقد تضمنت الخطب الملكية في عدة منابر ومناسبات تصريحات صريحة مباشرة تهم المجال الجبائي.

  • 25 شتنبر 2000: كلمة الملك أمام رؤساء غرف التجارة والصناعة ورؤساء المكاتب الوطنية وعدد من الفاعلين الاقتصاديين:

(….) “وبالنظر للنظام الجبائي من دور تحفيزي للاستثمار، فإننا أصدرنا تعليماتنا السامية لحكومتنا قصد وضع إصلاح جبائي قائم على الشفافية والتبسيط والعقلانية وإعادة النظر في الجبايات الترابية بحيث تكون الغاية المثلى للجبايات تشجيع الاستثمار المنتج الذي يخلف فرص الشغل(….)

(….) ” ولا يخفى عليكم ما تشكله اللامركزية الترابية ببلادنا منذ الاستقلال، من أهمية بالغة في إدارة الدولة، باعتبارها خيارا استراتيجيا في بناء صرحها الإداري والسياسي، وفي ترسيخ مسيرتها الديمقراطية. ومن ثم حظيت على مر المحطات التاريخية التي عرفتها بلادنا، بمكانة هامة في مسلسل الإصلاحات الدستورية والسياسية والإدارية التي تم اعتمادها، حيث مكنت من إدخال تغييرات جذرية على المنظومة القانونية المتعلقة بهذا الورش، وساعدت على الترسيخ التدريجي للدور الأساسي للجماعات الترابية في مجال التنمية، في مختلف أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية(….) “.

(….) ” وهنا نريد التركيز، مرة أخرى، على ضرورة التفعيل الكامل لميثاق اللاتمركز الإداري، وتبسيط و رقمنة المساطر، وتسهيل الولوج إلى العقار، وإلى الطاقات الخضراء، وكذا توفير الدعم المالي لحاملي المشاريع.” (…..)

وعموماً، يُعتبر الاستقلال المالي للجماعات الترابية، بحسب ما يؤكد عليه المجلس الدستوري الفرنسي، بمثابة إحدى الضمانات الأساسية التي تكفل تمكين هذه الجماعات من ممارسة مهامها واختصاصاتها بشكل فعّال. غير أن هذه الضمانة، على الرغم من أهميتها، تُعد ضمانة محدودة أو ضعيفة نسبياً، مما يفرض ضرورة تدخل المشرّع الدستوري لتعزيز هذا الاستقلال وضمان تفعيله على أرض الواقع، من خلال وضع الإطار القانوني والمؤسساتي الكفيل بتقويته وحمايته من مختلف أشكال التقييد أو التبعية المالية[8].

خاتمة:

عمل المشرع المغربي تماشيًا مع الدينامية الإصلاحية التي تعرفها البلاد، على تقوية موقع الجماعات الترابية من خلال تمكينها من آليات قانونية ومالية كفيلة بتعزيز استقلاليتها، وتوفير الشروط الضرورية لتحقيق تنمية محلية فعالة ومستدامة. وتُعد الموارد الجبائي، سواء الذاتية أو المنقولة ركيزة أساسية لبلوغ هذا الهدف، إذ تمكّن الجماعات من ممارسة اختصاصاتها، وتلبية الحاجيات المتزايدة للمجتمع في مجالات البنيات التحتية والخدمات العمومية الأساسية.

غير أن تحقيق هذا الرهان يظل مشروطًا بمدى قدرة هذه الجماعات على التوفيق بين متطلبات التدبير الحديث ومحدودية الموارد المتاحة، مع ضرورة تعزيز الكفاءات المحلية. كما أن توجيهات المؤسسة الملكية، عبر الخطب السامية، تمثل إطارًا مرجعيًا لا غنى عنه في بلورة السياسات الجبائية، وتحديد الأولويات الوطنية في مجال العدالة الجبائية والتنمية المجالية المتوازنة. وعليه، فإن تعزيز الاستقلال المالي والجبائي للجماعات الترابية يشكل مدخلًا أساسيًا لترسيخ الجهوية المتقدمة، وضمان نجاعة التدبير المحلي، وتحقيق الأهداف الكبرى للنموذج التنموي الجديد الذي تنشده المملكة.

لائحة المراجع:

ديباجة مشروع القانون الإطار رقم 69.19 المتعلق بالإصلاح الجبائي.

عبد اللطيف برحو،” مالية الجماعات الترابية بين واقع الرقابة ومتطلبات التنمية”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، الطبعة الثانية محينة ومنقحة، سلسلة مواضيع الساعة، العدد 97 ، 2016 .

نصير مكاوي، تأويل القاضي الإداري لقواعد القانون الضريبي، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا، السنة الجامعية 2013.

رضوان زهرو،”التدبير الحر للشأن الترابي”، مجلة مسالك في الفكر والسياسة والاقتصاد، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، العدد، 34/33 2015.

أمينة جبران: “المتخذ العملي في المادة الإدارية، مدخل لصياغة جذر مشترك في المادة الإدارية المغاربية”، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، الطبعة الأولى، 2006 .

نجيب الحجوي، سمو المؤسسة الملكية في المغرب- دراسة قانونية ، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية أكدال، الرباط، 2000/2001.

Amal Mecharfi, Les collectivités territoriales dans la constitution marocaine, actes des Xème journées Maghrébines de droit (17 – 18Avril 2015), publié avec le concours de la fondation Hanns Seidel.

  1. راجع في ذلك: ديباجة مشروع القانون الإطار رقم 69.19 المتعلق بالإصلاح الجبائي.
  2. تخضع المالية العامة في مختلف الدول للقواعد الدستورية المعمول بها، هذا الاتجاه تقرر مع تطور النظام الدستوري عقب الثورتين الفرنسية والانجليزية، وتكرس اليوم بانتشاره ليشمل كافة الدساتير، التي باتت تتضمن نصوصا تشمل على أحكام أساسية، تتعلق في شق منها بالمساواة بين المواطنين أمام الضرائب والتكاليف والأعباء العامة.

    راجع في ذلك: نصير مكاوي، تأويل القاضي الإداري لقواعد القانون الضريبي، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا، السنة الجامعية 2013، ص: 3.

  3. رضوان زهرو،”التدبير الحر للشأن الترابي”، مجلة مسالك في الفكر والسياسة والاقتصاد، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، العدد، 34/33 2015،ص: 29 .
  4. عبد اللطيف برحو،” مالية الجماعات الترابية بين واقع الرقابة ومتطلبات التنمية”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، الطبعة الثانية محينة ومنقحة، سلسلة مواضيع الساعة، العدد 97 ، 2016 ص:21.
  5. يمكن الإشارة في هذا الإطار كذلك لمبدأ التفريع le principe de subsidiarité des collectivités territoriales:
    هو المبدأ الذي يتمّ بمقتضاه توزيع الصلاحيات المشتركة والمنقولة من السلطة المركزية بين مختلف فئات الجماعات الترابية. حيث يعود لكل صنف من هذه الجماعات الصلاحيات التي تكون هي الأجدر بممارستها بحكم قربها من الساكنة وقدراتها على الأداء الأفضل للمصالح المحلّيّة. ويقتضي مبدأ التفريع اقتران نقل الصلاحيات من السلطة المركزية الى الجماعات المحليّة ونقل الاعتمادات والوسائل الضرورية لممارستها على الوجه الأفضل.
  6. أمينة جبران: “المتخذ العملي في المادة الإدارية، مدخل لصياغة جذر مشترك في المادة الإدارية المغاربية”، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، الطبعة الأولى، 2006 ص:237.
  7. نجيب الحجوي، سمو المؤسسة الملكية في المغرب- دراسة قانونية ، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية أكدال، الرباط، 2000/2001، ص:3.
  8. Amal Mecharfi, Les collectivités territoriales dans la constitution marocaine, actes des Xème journées Maghrébines de droit (17 – 18Avril 2015), publié avec le concours de la fondation Hanns Seidel, p. 95.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى