في الواجهةمقالات قانونية

الحوكمة كآلية قانونية استراتيجية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد: دراسة تحليلية مقارنة – الدكتور سعد عبدالله الجدعان

Governance as a Legal Strategic Mechanism for Promoting Integrity and Combating Corruption: An Analytical Comparative Study

الحوكمة كآلية قانونية استراتيجية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد: دراسة تحليلية مقارنة

Governance as a Legal Strategic Mechanism for Promoting Integrity and Combating Corruption: An Analytical Comparative Study

الدكتور سعد عبدالله الجدعان

متخصص في القانون الدولي، ومجالات الحوكمة ومكافحة الفساد ومدونات السلوك،

مدرب معتمد في التحكيم التجاري الدولي والحوكمة ومكافحة الفساد،

محكم معتمد لدى المؤسسات الدولية المعنية بالتحكيم التجاري والاستثماري.

هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 60 الخاص بشهر أكتوبر/ نونبر 2025
رابط تسجيل الاصدار في DOI


https://doi.org/10.63585/EJTM3163

للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665

 

 

الحوكمة كآلية قانونية استراتيجية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد: دراسة تحليلية مقارنة

Governance as a Legal Strategic Mechanism for Promoting Integrity and Combating Corruption: An Analytical Comparative Study

الدكتور سعد عبدالله الجدعان

متخصص في القانون الدولي، ومجالات الحوكمة ومكافحة الفساد ومدونات السلوك،

مدرب معتمد في التحكيم التجاري الدولي والحوكمة ومكافحة الفساد،

محكم معتمد لدى المؤسسات الدولية المعنية بالتحكيم التجاري والاستثماري.

الملخص

يتناول هذا المقال دور الحوكمة كإطار شامل لتعزيز كفاءة الإدارة العامة وتحقيق الأهداف الاستراتيجية الوطنية. وينطلق من فكرة أنّ الاقتصار على التقييمات الجزئية للأداء يبقى قاصراً، إذ يحجب مظاهر القصور البنيوي ويحول دون الإصلاح الشامل. وتُبنى الحوكمة على مبادئ التنسيق المؤسسي، الشفافية، والمساءلة، باعتبارها آليات تكاملية تضمن تحسين جودة الخدمات العمومية، تقليص النفقات، والحد من الفساد. كما يبرز العنصر البشري كركيزة محورية، من خلال التمكين، والتدريب المستمر، وتحمّل المسؤولية الفردية. وتُعد الرقابة المؤسسية أداة أساسية لضمان الالتزام بالمعايير، ورصد الانحرافات، وتوجيه مسارات التصحيح. ولا يقتصر أثر الحوكمة على القطاع العام فحسب، بل يمتد إلى القطاع الخاص، حيث تعزز قدرته التنافسية، وتُحسن إدارة المخاطر، وتدعم المشاركة الشمولية في صنع القرار عبر إشراك مختلف الأطراف المعنية.

الكلمات المفتاحية: الحوكمة؛ الإدارة العامة؛ المساءلة؛ الرقابة؛ العنصر البشري؛ القطاع العام؛ القطاع الخاص.

Abstract

This article explores the role of governance as a comprehensive framework for enhancing the efficiency of public administration and achieving national strategic objectives. It argues that partial performance evaluations are insufficient, as they obscure structural shortcomings and hinder systemic reform. Governance, based on institutional coordination, transparency, and accountability, provides an integrated mechanism to improve the quality of public services, reduce costs, and prevent corruption. The study highlights the centrality of human capital, emphasizing continuous training, empowerment, and individual accountability as prerequisites for effective governance. Furthermore, institutional oversight mechanisms are identified as key tools to ensure compliance with standards, detect deviations, and guide corrective action. The article also underlines that governance is not limited to the public sector; it extends to the private sector, where it fosters competitiveness, improves risk management, and promotes inclusive decision-making by engaging multiple stakeholders.

Keywords: Governance; Public Administration; Accountability; Oversight; Human Capital; Public Sector; Private Sector

المقدمة:

تسعى الدول باستمرار إلى تطوير أجهزتها الإدارية، إذ إن قوة الدولة تتجسد في كفاءة الأجهزة التي تقوم بتنفيذ القرارات المتخذة، المدعومة بالأجهزة الرقابية التي تتابع تطبيق هذه القرارات، ويظل القانون هو المرجع الأساسي الذي يحدد الأطر التي يتم من خلالها تنفيذ الأعمال الإدارية في الدولة، ويرتبط ذلك بالبحث المستمر عن الوسائل الحديثة التي تساهم في تعزيز قوة هذه القرارات، التي تنعكس بدورها على صورة الدولة، فوجود دولة قوية يعكس المبادئ والعوامل الأساسية التي تساهم في قوتها، وفي مقدمتها قوة القرار الإداري الذي يسير شؤون ومصالح المواطنين.

تمتلك الحكومة أداة قديمة تعتبر جزءا من تكوين الدول الحديثة في نفس الوقت، إذ تتمثل حداثتها في سعيها المستمر للبحث عن وسائل وطرق جديدة لتحسين الأداء في إدارة مختلف جوانب الدولة، كلما كانت الدولة أكثر تنظيما في اتخاذ قراراتها، كانت أكثر قدرة على الاستمرار في مواجهة التحديات والأزمات المفاجئة، تكمن أهمية الحوكمة في قدرتها على متابعة جميع الجوانب التي تساهم في صناعة القرار، فهي لا تقتصر على جانب واحد بل تأخذ بعين الاعتبار جميع الجوانب في وقت واحد، طالما أن كل منها يساهم في سير العمل في جانب من جوانب الدولة.

كما تتيح الحوكمة إجراء تقييم شامل للأوضاع، مما يساعد في تحديد أسباب أي خلل محتمل، ويؤكد ضرورة معالجته، لتحقيق ذلك يجب تبني أساليب جديدة تتيح إيجاد حلول للمشكلات التي قد تواجهها مختلف الجهات في الدولة، مع ضرورة التخلي عن الأساليب القديمة التي قد تؤدي إلى عدم فاعلية القرارات أو عدم تحقيق الأهداف المنشودة بالمستوى المطلوب لذلك، يتعين وضع آليات جديدة لتحسين الأساليب المتبعة في الأجهزة الإدارية، من أجل الوصول إلى المستوى المطلوب وتحقيق الفاعلية المنشودة.

من أبرز الأساليب الحديثة التي تسعى الحوكمة الرشيدة إلى ترسيخها في أجهزة الدولة الإدارية هو أسلوب الإدارة الجماعية، وهذا الأسلوب يعتمد على الهيكل الأفقي الذي يتيح لجميع الأفراد في الجهة الإدارية مستوى متساويا، مما يساهم في التخلي عن الأسلوب التقليدي الذي كان يركز السلطات في يد عدد قليل من الأفراد في أعلى السلم الإداري.

لقد أصبحت البيروقراطية تمثل عقبة حقيقية، حيث تسببت في تضخم إداري وبطء في التعامل مع القضايا، بالإضافة إلى غياب السرعة في تنفيذ القرارات، ويرجع ذلك إلى الظروف التي قد تؤدي إلى غياب بعض المسؤولين عن اتخاذ القرارات، مما يعطل تنفيذها بناء على ذلك، أصبح من الضروري البحث عن وسائل وأساليب جديدة، حيث تسعى الأنظمة الإدارية إلى تغيير الأنماط القديمة وتبني الإدارة الجماعية كأسلوب حديث من خلال إنشاء دوائر متعددة داخل الجهة الواحدة تشارك في اتخاذ القرارات.[1]

تسعى الإدارة الحديثة إلى الاستفادة من الكفاءات المتنوعة التي يمتلكها كل فرد في الجهة، وفقا لتخصصه، مما يعزز روح الحافز ويعطي كل شخص شعورا بأهميته، كما أن هذا الأسلوب يساهم في إزالة العوائق التي قد تعترض جهود اتخاذ القرارات، مما يتيح للفرق العمل بشكل مشترك وفعال، ويؤدي ذلك إلى تطوير مهارات الأفراد ليتحملوا دورا فاعلا في عمليات اتخاذ القرار، وبالتالي يساهم هذا النهج في تعزيز قيمة الأشخاص القادرين على تبني رؤى جديدة، مما يؤدي إلى نتائج إيجابية تعود بالفائدة على الجهة التي يعملون فيها، ويجنب احتكار اتخاذ القرار من قبل أفراد قد يفتقرون إلى القدرة على تقييم الأمور بشكل سليم.

في ظل تنوع المهام التي تقوم بها الأجهزة الإدارية في الدولة، نجد أن كل إدارة تتبع أسلوبا معينا يتناسب مع طبيعة الأعمال التي تؤديها، فالإدارة المالية في المؤسسات المصرفية والمالية تختلف في مهامها عن الإدارة الصحية أو التعليمية أو الصناعية أو الإعلامية أو غيرها من الإدارات الأخرى، كل إدارة تعتمد على نمط خاص في عملها بناء على تخصصها، مما يجعل فلسفة كل إدارة تختلف عن الأخرى وفقا للمستوى الفني المطلوب لإنجاز الأعمال، ومع ذلك، إذا تم ترك هذه الإدارات تعمل بشكل منفصل وفقا لأساليبها الخاصة دون تنسيق، فقد يؤدي ذلك إلى حالة من عدم التناسق بين الإدارات، مما يساهم في تفاوت مستويات الكفاءة بين مختلف فروع الإدارات بسبب اختلاف المناهج المتبعة.[2]

يمكننا ملاحظة التباين في الكفاءات الناتجة عن طبيعة المهام التي يتم تنفيذها، ففي الوقت الذي تحقق فيه بعض الإدارات أداء متميزا وتقترب من بلوغ الأهداف المقررة لها، نجد أن هناك إدارات أخرى تفشل في تحقيق الأهداف المنوطة بها، وهذا يدل على أن كل إدارة قد تعمل بشكل منفصل عن الأخرى، رغم أن العمل ينبغي أن يتم وفق معايير موحدة تضمن التكامل بين جميع الجهات، عندما تكون المعايير واضحة ودقيقة، يسهل إجراء تقييم دقيق للأداء، ما يساعد في تحقيق الأهداف المشتركة.

إن الجهاز الإداري في الدولة يجب أن يعمل كآلية واحدة، تهدف جميع الإدارات من خلالها إلى تحقيق الأهداف المحددة، وبالتالي، يعد قياس قدرة كل إدارة على أداء مسؤولياتها من أهم معايير تقييم أدائها، عندما يتم تطبيق المعايير بشكل دقيق على جميع الإدارات، يصبح من الأسهل تطبيق الحوكمة، حيث تكتمل جهود كل جهة لتحقيق الأهداف العامة.

لكن إذا تم التركيز على بعض الإدارات دون الأخرى، فإن ذلك قد يؤدي إلى أضرار غير متوقعة حتى للجهات التي نوليها اهتماما أكبر، فإهمال تحقيق الأهداف في إحدى الإدارات قد يؤدي إلى تأثير سلبي على باقي الجهات، مما يسبب ضررا عاما، في حال لم يتم التعرف على هذا الضرر، تصبح الإدارة التي لا تقوم بمهامها عرضة للتحول إلى جهة بيروقراطية، تؤدي مهامها بشكل جامد دون إحداث تغيير، مما يسبب تفاعلات غير مثمرة لا تساهم في تحسين الأداء الإداري.

كانت الإدارة في مختلف العصور تعكس بشكل واضح قوة أو ضعف الدولة، فهي، مثل أي نظام آخر، لا بد أن تواجه تحديات ومشكلات تتطور مع مرور الزمن، ومن هنا، كان هناك دائما سعي مستمر لإيجاد حلول لهذه القضايا، فلا يوجد نظام إداري في أي مكان في العالم خال من المشكلات، بل إن كثرتها تعد سمة يومية في غالب الأحيان لذلك، اعتمدت الدول الكبرى على أسلوب الحوكمة الحديثة، الذي رغم حداثته، فإنه يستفيد من الدروس المستفادة من تجارب الأنظمة الإدارية السابقة في هذه الدول.

لقد أولت دول مجلس التعاون الخليجي اهتماما متزايدا بمفهوم الحوكمة خلال العقود الأخيرة، إدراكا منها لأهمية هذا النهج في تعزيز كفاءة الإدارة العامة وتحقيق التنمية المستدامة، وفي هذا الإطار، شرعت بعض دول المجلس في تبني مبادئ الحوكمة بصورة تدريجية؛ حيث برزت دولة الإمارات العربية المتحدة في مقدمة الدول الساعية إلى تطوير أنظمتها الإدارية وفقا لمتطلبات الحوكمة، مقدمة نموذجا إصلاحيا يعكس توجها جادا نحو ترسيخ الشفافية والمساءلة.

أما المملكة العربية السعودية، فقد كثفت جهودها مؤخرا لتسريع وتيرة تطبيق الحوكمة، من خلال تطوير هياكلها الإدارية ومؤسساتها العامة بما ينسجم مع رؤية تنموية شاملة تستهدف رفع كفاءة الأداء وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة وفي السياق ذاته، تواصل دولة الكويت خطواتها الحثيثة نحو إدماج الحوكمة في بنيتها المؤسسية، باعتبارها أداة رئيسية لتعزيز النزاهة وتكريس ممارسات إدارية أكثر شفافية وفاعلية.

كما حققت دولة قطر تقدما ملموسا في هذا المجال، من خلال تعزيز المشاركة المجتمعية في صناعة القرار وتطوير مؤسساتها الإدارية بما يتلاءم مع متطلبات الحوكمة الحديثة، وهو ما منحها موقعا متقدما على المستويين الإقليمي والدولي.

وفي سلطنة عمان، اتجهت الإدارة الحديثة إلى اعتماد الحوكمة كنهج استراتيجي لتطوير أجهزتها الإدارية، مما يعكس وعيا متناميا بأهمية هذا المسار الإصلاحي في تحقيق الاستقرار المؤسسي.

أما مملكة البحرين، فقد تبنت مسارا تكامليا يتماشى مع التوجهات الخليجية، مستفيدة من التجارب الناجحة في الدول المجاورة، وساعية إلى مواءمتها مع احتياجاتها الوطنية، بما يعزز قدرتها على ترسيخ مبادئ الحوكمة في مختلف القطاعات. [3]

الهدف من الدراسة

تتمثل أهمية الدراسة في كونها محاولة لفهم الأساليب المعتمدة في الأنظمة الإدارية الأخرى، والتي يمكن أن تسهم في تغيير الفلسفة الإدارية السائدة في الأجهزة الحكومية بالدول المختلفة، وتهدف الدراسة إلى استكشاف النتائج المترتبة على العمل وفقا لأهداف الحوكمة الرشيدة، مع التأكيد على أهمية تبني هذه الأساليب التي اعتمدتها الدول الغربية وأثبتت فعاليتها في إصلاح الأنظمة البيروقراطية ومعالجة المشكلات الإدارية التي كانت قائمة في تلك البلدان، وتأتي هذه الدراسة في وقت تتزايد فيه مظاهر الفساد في بعض الأنظمة الإدارية، مما يبرز الحاجة الملحة لتغيير الأنماط الإدارية الحالية بأنماط جديدة تحقق الفائدة المرجوة وتعزز أداء الإدارة.

الهدف الرئيس للدراسة هو تسليط الضوء على أهمية تطبيق الحوكمة في دول مجلس التعاون الخليجي، وتحديد الآليات التي تحتاجها هذه الدول لبدء تطبيق الحوكمة بنجاح، كما تهدف الدراسة إلى مناقشة التحديات التي قد تعترض تطبيق الحوكمة في هذه الدول، في وقت تحتاج فيه بشدة إلى اعتمادها كبديل ضروري للنهوض بالقطاعات الإدارية، مع الاستفادة من تجارب الدول الكبرى التي نجحت في تطبيق الحوكمة.

إشكالية الدراسة:

نظرا لأن موضوع الحوكمة يعد من القضايا الحديثة التي لا تزال غير واضحة تماما، حتى بالنسبة للمهتمين بها مثل المعاهد العلمية، فإن فرضياتها قد تبدو بعيدة بعض الشيء عن الثقافة المعاصرة في منطقتنا العربية، كما أن متطلباتها قد تتعارض مع العديد من المفاهيم السائدة في الأنظمة الإدارية، خصوصا أن الحوكمة تعمل في إطار متكامل يشمل جميع المؤسسات، سواء كانت سياسية، اقتصادية، اجتماعية أو ثقافية، ولتنفيذ الحوكمة بفعالية، يتطلب الأمر توفر أدوات خاصة بها، بالإضافة إلى وجود عنصر بشري مدرب على تطبيق هذه المبادئ.

ومع ذلك، تحتاج الحوكمة إلى بيئة جاهزة لدعم تطبيقها، وإلا فقد تصبح غير فعالة ولا تحقق النتائج المرجوة، كما أن الحوكمة، رغم حداثتها في ثقافتنا، تستدعي إدخال تغييرات في أنظمة العمل، خصوصا فيما يتعلق بالشفافية وحق الاطلاع، وهما من المبادئ التي لا تزال جديدة في الأنظمة الإدارية لدينا، علاوة على ذلك، تتطلب الحوكمة تعديل الأساليب الإدارية التي أدت إلى تفشي البيروقراطية، وهي من أبرز العوائق التي تواجه تنفيذ الحوكمة بفعالية.

إحدى الإشكاليات التي تواجه الحوكمة تكمن في أنها تتطلب وعيا خاصا لا يقتصر على فهم مهام كل جهة إدارية فقط، بل يمتد ليشمل فهم العلاقات المتبادلة بين جميع الجهات المعنية، وهذا يتطلب توسيع نطاق العمل استنادا إلى مفاهيم جديدة ترتبط بأسلوب عمل الحوكمة، وهي مفاهيم ما تزال حديثة في العقلية الإدارية، ورغم أهميتها، إلا أنها لا تزال غائبة عن الفكر الإداري التقليدي، ومن هنا، تظل الإشكالية قائمة في البحث عن الكفاءات المطلوبة القادرة على فهم أساليب الحوكمة ومتطلباتها، والإلمام بالصورة الشاملة التي تعمل وفقا لها، بالإضافة إلى التعرف على أبعادها المختلفة، لأن الحوكمة ستكون الأسلوب الإداري المعتمد في الجهاز الإداري للدولة، وفي حال غياب العنصر البشري القادر على تطبيقها، سيظل تطبيق الحوكمة يواجه تحديات كبيرة على أرض الواقع، وتهدف الدراسة إلى توضيح الاحتياجات الضرورية والمهمة لتطبيق الحوكمة بنجاح.

يعد أسلوب الحوكمة من المناهج الحديثة التي أثبتت فاعليتها في تحسين الأداء المؤسسي وتعزيز الشفافية والمساءلة في الدول التي بادرت إلى تطبيقها، غير أن إدماجها في الهياكل الإدارية القائمة لا يخلو من تحديات موضوعية ومعقدة، إذ يتطلب التحول نحو الحوكمة إحداث تغيير جذري في أنماط الإدارة التقليدية التي اعتادت عليها الأجهزة الحكومية لعقود طويلة، وهذا التحول لا يقتصر على تعديل بعض الإجراءات أو القواعد التنظيمية فحسب، بل يمتد ليشمل إعادة صياغة الفلسفة الإدارية ذاتها، بما يضمن تجاوز الجمود المؤسسي والانفتاح على آليات أكثر مرونة وفاعلية.

وفي سياق دول مجلس التعاون الخليجي، تبرز التحديات بشكل أوضح، نظرا لاعتياد الأنظمة الإدارية على أساليب عمل راسخة تقوم على المركزية والتدرج الهرمي الصارم ومن هنا، فإن الانتقال إلى نموذج الحوكمة يستلزم تعزيز قدرات المورد البشري الوطني، لا سيما في القطاع الإداري، بحيث يكون الموظف العام قادرا على استيعاب التحولات الجديدة والتكيف معها ومن ثم، يصبح الاستثمار في رأس المال البشري ضرورة استراتيجية، من خلال خطط تدريبية وتطويرية شاملة تشمل جميع الفئات الوظيفية، وتعمل على غرس قيم النزاهة والشفافية والمسؤولية كجزء من الثقافة المؤسسية، إن هذا التوجه من شأنه أن يمهد الطريق لتطبيق فعال ومستدام للحوكمة، بما يحقق الأهداف المنشودة على مستوى الكفاءة والعدالة وجودة الخدمات العامة. [4]

أهمية الدراسة:

نظرا للآثار السلبية التي يترتب عليها وجود الفساد، خاصة فيما يتعلق بالتهديدات التي يشكلها على القيم الديمقراطية في الدول المتقدمة، والتي قد تصل إلى تهديد مصير العديد من الدول، خاصة بعد أزمة الرهن العقاري في 2008 وما تبعها من اهتزازات اقتصادية طالت العديد من الدول، فقد أوجدت هذه البيئة ضرورة ملحة للانطلاق في سباق متسارع نحو اعتماد وسائل وإجراءات تهدف إلى مكافحة الفساد، على الرغم من الخطوات العديدة التي تم اتخاذها مسبقا، خاصة في إطار الاتحاد الأوروبي، وما تمتلكه من مؤسسات ومنظمات مثل المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية، التي عقدت العديد من الاتفاقيات والمبادرات بهدف إعادة تقييم الاستراتيجيات المعتمدة في مكافحة الفساد، فقد تم تبني تعريفات جديدة للمفاهيم المرتبطة بهذا المجال، تسعى هذه التعريفات إلى توضيح كيفية الاستفادة من الوسائل المتاحة وتعزيز دورها في محاربة الفساد، مع توسيع نطاق العمل بهذه المفاهيم، وهو ما يرتبط بشكل مباشر بتعريف الموظف العمومي.

نظرا للارتباط الوثيق بين الحوكمة وإدارة الدولة، يعد الموظف العنصر الأساسي في إدارة الأجهزة والهيئات والمؤسسات الإدارية، إذ يتحمل مسؤولية تنفيذ المهام الوظيفية، في هذا السياق، تأتي الإصلاحات الإدارية من خلال البحث عن أساليب حديثة تتماشى مع التطورات المستمرة، والتي تعتمد على وسائل مبتكرة تساهم في تعزيز الأساليب الإدارية المعاصرة، هذه الأساليب تلعب دورا مهما في مكافحة الفساد، حيث تعتبر الحوكمة من أبرز الأساليب التي تركز عليها العديد من الدول المتقدمة.

تكمن أهمية الحوكمة في أنها تؤثر على جميع الهيئات والكيانات داخل الدولة، سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، فهي تشمل الإدارة على المستويين الأفقي والرأسي داخل مختلف الإدارات داخل كل جهة، يمكن ربط مدخلات الحوكمة بتقييم مخرجات هذه الجهة، مما يتيح لنا بسهولة ملاحظة كيف يمكن للحوكمة أن تراقب الآليات المتبعة في سير الأمور، وتحكم على جودة الاستراتيجيات المتبعة في المؤسسات والهيئات على مستوى التخطيط، والإنشاء، والأعمال الإدارية، والإدارة المالية، وإدارة الموارد البشرية، كما أنها تساعد في تحديد أفضل الطرق والوسائل التي يمكن من خلالها تعزيز فعالية وتأثير الجهات المعنية، ولا يقتصر الأمر على جهة معينة، بل يشمل جميع الجهات.

يمكن مراجعة الاستراتيجيات المتبعة وتقييم النتائج المحققة منها، بالإضافة إلى تحديد الأساليب التي تساهم في رفع معايير الجودة والإنتاجية، كما يجب إشراك جميع الأفراد في تحديد الأساليب التي تساهم في مكافحة الفساد، عندما يتعلق الأمر بكفاءة أي جهة، يتم الحكم على مدى تحقيقها للأهداف الموضوعة، ويعتمد على معايير محددة لتقييم الاستراتيجيات وطرق أدائها، وقياس الإنجازات التي تحققها أو عدم تحقيقها في ظل وجود فساد، حتى ولو كان بشكل محدود، سيكون له تأثير كبير في تقييم الأداء، حيث يعد الفساد عقبة رئيسية تحول دون تحقيق الأهداف المرجوة لذلك، تكتسب مكافحة الفساد أهمية بالغة، إذ تترابط الحوكمة بشكل وثيق مع القدرة على تحقيق الأهداف والاستراتيجيات المطلوبة، ومكافحة الفساد ضرورية للحد من تأثيره في سير العمل.

أشار إيمان بيبرس في عام 2004 إلى أهمية الحوكمة، حيث أكد أنها تساهم في توفير الشفافية والمساءلة، وتمنع ظاهرة السيطرة والهيمنة ضمن إطار القوانين واللوائح العامة، كما تلعب الحوكمة دورا في تحديد أهداف التنمية وسبل تحقيقها، بالإضافة إلى الرقابة على الأداء، وتعمل الحوكمة على تقليص الأزمات المالية والإدارية، وتحقق القيادة الرشيدة والكفاءة والفعالية في استخدام الموارد، حيث تتسم القيادة بالأمانة، كما تساعد الحوكمة في تقويم عمل المنظمات وقياس العائد من برامج التنمية.[5]

منهجية الدراسة:

نظرا لحداثة مفهوم الحوكمة، تقتضي منهجية الدراسة التعرف على المعاني المتعددة لهذا المفهوم، مع مراعاة التطورات المتلاحقة التي أدت إلى إبراز أهمية الحوكمة ودورها في معالجة قضايا الفساد، كما تتطلب الدراسة فحص تطور الأساليب المستخدمة في القطاع الخاص والتي أصبحت قادرة على تقديم خدمات للقطاع الحكومي، وما تقوم به الإدارة العامة من مهام يفرض ذلك ضرورة وصف المعايير المرتبطة بالحوكمة والتفريق بين تطبيقات الحوكمة في المجالات المختلفة، سواء في القطاع الخاص، القطاع العام، أو الإدارة السياسية، ويمتد هذا التوصيف ليشمل كافة المؤسسات العاملة في فضاء الدولة، نظرا لتنوع المهام التي تؤديها، مما يعقد المهمة بسبب تنوع تطبيقات الحوكمة في مختلف المجالات لذا، كان من الضروري استخدام المنهج الوصفي، مع إجراء مقارنات بين الإجراءات المتبعة في أنظمة الإدارة المختلفة، لتحديد الإيجابيات التي يمكن الاستفادة منها في تطبيقات الحوكمة، ويساعدنا هذا المنهج في التعامل مع الإشكاليات التي تواجه تطبيق الحوكمة، كما يقتضي المنهج الوصفي التعرف على كافة المفاهيم المرتبطة بالحوكمة مثل الشفافية، والنزاهة، والحق في المنافسة، والحق في الاطلاع، ورفع معدلات الكفاءة، وربط الأجهزة المختلفة للإدارة العامة.

وتعتبر مقارنة التجارب التي اتبعتها الدول الأخرى والتعرف على أفضل التطبيقات واختيار أنجح هذه التجارب، بالإضافة إلى السعي لفهم أدق التفاصيل حول فعالية تطبيق الحوكمة، من الأهداف الأساسية التي تسعى الدراسة لتحقيقها.

الحوكمة هي مجموعة من المبادئ والقواعد التي تهدف إلى تنظيم العلاقات بين مختلف الأطراف في المنظمات، سواء كانت حكومية أو خاصة أو غير ربحية، بما يضمن الشفافية، والمساءلة، والكفاءة في اتخاذ القرارات وتنفيذ السياسات، وفيما يلي بعض التعريفات المتنوعة للحوكمة، تعريف الحوكمة من منظور المؤسسات، الحوكمة هي النظام الذي يتم من خلاله إدارة الشركات والمؤسسات، وهي مجموعة من القواعد والعمليات التي تحدد كيفية اتخاذ القرارات، وكيفية متابعة الأداء والامتثال.

تعريف الحوكمة من منظور الشركات، الحوكمة هي مجموعة المبادئ والسياسات التي تحكم العلاقة بين مجلس الإدارة، الإدارة التنفيذية، المساهمين، وأصحاب المصلحة الآخرين تهدف إلى ضمان الشفافية والمساءلة وحماية حقوق المساهمين.[6]

تعريف الحوكمة من منظور الشفافية والمساءلة، الحوكمة تشير إلى العمليات التي تضمن أن القرارات المتخذة في المؤسسات تتم بطرق شفافة ومنصفة، وأن الأفراد أو الفرق المسؤولة عن اتخاذ تلك القرارات يتم محاسبتهم على أفعالهم، وتعريف الحوكمة في السياق الحكومي، الحوكمة هي العملية التي يتم من خلالها إدارة وتوجيه شؤون الدولة من خلال قوانين، لوائح، ومؤسسات لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.

تعريف الحوكمة المالية، الحوكمة المالية تشير إلى كيفية إدارة وتنظيم الأموال العامة والخاصة، بما يضمن عدم الفساد، وتحقيق الكفاءة في استخدام الموارد، وتوفير الآليات اللازمة للرقابة والمساءلة. تعريف الحوكمة في سياق التنمية المستدامة، الحوكمة هي الطريقة التي يتم من خلالها اتخاذ قرارات اقتصادية واجتماعية وبيئية تؤثر على المجتمع والبيئة بشكل مستدام، مع التركيز على المساواة في الفرص والعدالة.

عرف البنك الدولي الحوكمة بأنها الوسيلة التي يتم بها ممارسة السلطة في إدارة الموارد الاقتصادية والاجتماعية للازمة للتنمية.[7]

ويعرفها ) (Jill and Arisبأنها نظام للرقابة الداخلية والخارجية للشركات، بما يضمن تحقيق مسؤولية الشركات تجاه جميع أصحاب المصلحة، والالتزام بالمسؤولية في جميع مجالات أعمالها وانشطتها التجارية.[8]

ويمكن تعريف الحوكمة بأنها منهج قياسي رقابي عملي، يضبط الأعمال والعلاقات الخاصة بالمنشآت العامة والخاصة لحفظ الحقوق، وفق ما يصدر بشأنها من القوانين والنظم والمعايير واللوائح والسياسات والقواعد.[9]

ترتبط الحوكمة ارتباطا وثيقا بقدرة الجهاز الإداري للدولة على تحقيق الأهداف المحددة، من خلال الربط بين هذه الأهداف والنتائج التي يتم تحقيقها، ومدى كفاءة تلك النتائج من المهم أن تكون الأهداف محددة بشكل دقيق لتلبية الاحتياجات المطلوبة، وهذا يتطلب تكامل الجهود بين جميع الأجهزة المختلفة في الدولة، حيث تعمل الإدارة العامة وفق منظومة موحدة، وتشمل كافة المستويات داخل الجهاز الإداري، مما يضمن أن جميع الإدارات تعمل بكفاءة عالية.

الحوكمة لا تقتصر على تحسين الأداء في بعض الإدارات فقط، بل تهدف إلى استبدال الأساليب القديمة المعمول بها في إدارة الأجهزة الحكومية بنماذج أكثر تطورا، مثل النموذج الأفقي بدلا من النموذج الرأسي، مما يسمح بالمرونة والتخصص في اتخاذ القرارات، هذه التغييرات تساعد على منح أهمية أكبر لكل موظف في الجهاز الإداري وتمكينه من اتخاذ قرارات تعزز من كفاءة الأداء المؤسسي.

من خلال تبني أساليب جديدة في اتخاذ القرارات، التي تختلف عن تلك المعمول بها في الأنظمة الإدارية السابقة، تركز الحوكمة على تحسين قدرة الموظفين على اتخاذ القرارات التي تساهم في رفع كفاءة الهيئات والمؤسسات، كما تركز الحوكمة على تقليص الفاقد في الموارد والنفقات، بهدف إيجاد وسائل أكثر فعالية في إدارة الأموال العامة، بما يسهم في تحقيق أعلى استفادة ممكنة من هذه الموارد، وبالتالي تحسين كفاءة العمل العام، هذا يسهم بدوره في بناء الثقة لدى المواطنين، ويعزز من فاعلية المؤسسات في تحقيق مصالحهم.

تعد الحوكمة من الأساليب التي تتبنى مفاهيم جديدة في الإدارة العامة للدولة، حيث تهدف إلى تحسين إدارة الأموال العامة وطرق إصدار القرارات، فهي ترتبط بأسلوب جديد يدار فيه إصدار القرارات على المستوى الأفقي بدلا من المستوى الرأسي التقليدي للإدارة، مع تغيير في الهيكلية الوظيفية والتركيز على معايير مختلفة في اتخاذ القرارات مقارنة بما كان معمولا به في الماضي.

الحوكمة تتسم بالشفافية والنزاهة، وتحرص على العمل وفق مدونات السلوك، كما تضمن حق الاطلاع على القرارات للأطراف المعنية، سواء في القطاع العام أو الخاص أو في القرارات السياسية، بهذا الشكل، ترتبط الحوكمة الرشيدة بمفاهيم وقيم تهدف إلى العمل وفق نماذج معدة مسبقا لضمان الكفاءة والعدالة، من خلال هذه التعريفات، يتبين أن الحوكمة تتعلق بالإدارة الرشيدة وتطبيق المبادئ التي تضمن استدامة العمليات المؤسسية وتحقيق أهداف العدالة والشفافية في مختلف القطاعات. [10]

مفهوم الإدارة العامة تشمل الأجهزة والهيئات والمؤسسات التي تنشئها الدولة بهدف توفير الخدمات وتلبية احتياجات الجمهور من أصحاب المصالح، وتعكس رؤية الدولة في التعامل مع الفئات السكانية المختلفة ومتطلباتهم الخدمية، تتولى الإدارة العامة مسؤولية تنفيذ هذه المهام نيابة عن الدولة تجاه المواطنين، حيث يتم تعيين موظفين لتولي المسؤوليات والمهام الوظيفية المتعلقة بتقديم الخدمات في مختلف القطاعات، ويعمل هؤلاء الموظفون وفق قواعد محددة تحدد مسؤولياتهم في تنفيذ القرارات المكلفين بها.

مفهوم الإدارة العامة يشير إلى العمليات والأنشطة التي تتم داخل المنظمات الحكومية أو المؤسسات العامة بهدف تحقيق أهداف محددة للمجتمع، تتضمن الإدارة العامة تنسيق وتوجيه الأنشطة الحكومية بشكل فعال لضمان تقديم الخدمات العامة بكفاءة وشفافية، مثل التعليم، الصحة، الأمن، والنقل.

تعتبر الإدارة العامة مجالا مهما يشمل مجموعة من الوظائف مثل التخطيط، التنظيم، التوجيه، الرقابة، والاتصال لضمان تنفيذ السياسات الحكومية وتنظيم العمل في القطاع العام، ويهدف هذا المجال إلى تحسين جودة الحياة للمواطنين وضمان تطبيق القوانين والسياسات بطريقة فعالة، تعتبر الإدارة العامة جزءا من علم الإدارة التي تركز على التطبيقات في المجال العام والحكومي، وتختلف عن الإدارة الخاصة التي تركز على القطاع الخاص والشركات التجارية.[11]

مفهوم مكافحة الفساد منذ منتصف القرن الماضي، عملت المنظمات الدولية على تطوير استراتيجيات تهدف إلى مكافحة الفساد بكل أشكاله، حيث كان التركيز في البداية منصبا على سلوكيات الموظفين في الجهات الإدارية الذين قد ينحرفون عن واجباتهم الوظيفية، مما يعرض أعمالهم للمساءلة القانونية نتيجة لتعارض المصالح، حيث يفضلون مصالحهم الخاصة على حساب المصلحة العامة للجهاز الذي يعملون فيه.

ومع مرور الوقت، توسعت الجهود لتشمل دراسة الأسباب الأخرى التي تساهم في تفشي الفساد، حيث لم تكن الجهود السابقة تتناول الفساد الذي قد يمارسه المسؤولون في قمة الهرم الوظيفي، وخاصة في الأجهزة الحكومية والسياسية ولذلك، تم تبني أساليب جديدة لمكافحة الفساد، مثل الإعلان عن إقرارات الذمة المالية، وإنشاء هيئات متخصصة في مكافحة الفساد، وتعزيز العمل بمدونات السلوك، وتهدف هذه المبادئ إلى توجيه السلوكيات والتصرفات بشكل يتوافق مع مجموعة من القيم الأخلاقية التي تسهم في تحسين أداء الموظفين في الإدارة العامة. [12]

مفهوم مكافحة الفساد يشير إلى الجهود والإجراءات المتخذة للحد من الفساد ومنعه داخل المؤسسات والهيئات الحكومية والخاصة، الفساد يعني إساءة استخدام السلطة أو النفوذ لتحقيق مكاسب شخصية غير مشروعة على حساب المصلحة العامة أو القوانين، ومكافحة الفساد تتضمن مجموعة من الأنشطة التي تهدف إلى تعزيز الشفافية، والمساءلة، والنزاهة، ومنع استغلال المنصب لتحقيق مكاسب غير قانونية تشمل هذه الأنشطة، التشريعات والرقابة القانونية، وضع قوانين صارمة ضد الفساد، وتأسيس مؤسسات رقابية مستقلة مثل الهيئات الوطنية لمكافحة الفساد.

تعزيز الشفافية، نشر المعلومات الحكومية والإجراءات لتكون متاحة لجميع المواطنين، والمساءلة تكون بمحاسبة المسؤولين والمتورطين في قضايا الفساد أمام القانون، التوعية والتثقيف تكون ب نشر الوعي بين المواطنين والمؤسسات حول مخاطر الفساد وأثره على المجتمع والاقتصاد، وتطوير الأنظمة الإلكترونية بتبني الأنظمة التكنولوجية مثل الحكومة الإلكترونية لتقليل الفجوات التي قد يستغلها الفاسدون، مكافحة الفساد ضرورية لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة وتعزيز ثقة المواطنين في المؤسسات الحكومية.

مفهوم التنمية المستدامة عند الحديث عن التنمية، يبرز الوعي كعنصر أساسي يرتبط بها بشكل وثيق، نظرا لأهمية الوعي البشري باحتياجاته وقدرته على تحسين وضعه الحالي والوصول إلى الأفضل. فالتنمية تتعلق بتحقيق أفضل النتائج الممكنة وفقا للتطلعات المستقبلية، وهذا يتماشى مع جوهر وروح الحوكمة، ومع ذلك، فإن المبدأ الأهم الذي يجب مراعاته هو مبدأ الاستدامة، حيث يجب أن تكون التنمية غير مرتبطة بفترة زمنية محددة، بل أن تتطور باستمرار نحو الأفضل، مع الأخذ في الاعتبار الوعي الكامل بمقتضيات الحوكمة، مفهوم التنمية المستدامة يشير إلى القدرة على تلبية احتياجات الحاضر دون التأثير على قدرة الأجيال القادمة في تلبية احتياجاتها الخاصة، وهو نهج شامل يهدف إلى تحقيق توازن بين النمو الاقتصادي، تحسين نوعية الحياة، وحماية البيئة.[13]

تعتبر التنمية المستدامة مبدأ أساسيا في تحسين رفاهية الإنسان والمجتمع، من خلال الاهتمام بالأبعاد الاقتصادية، الاجتماعية، والبيئية، على النحو التالي، البعد الاقتصادي يشمل تحقيق نمو اقتصادي مستدام يعزز من فرص العمل، ويعزز الإنتاجية ويحسن مستوى المعيشة، مع تجنب الاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية. البعد الاجتماعي يركز على تعزيز العدالة الاجتماعية والمساواة في الفرص، وتحسين التعليم، والصحة، وضمان حقوق الإنسان، وتعزيز الرفاه الاجتماعي لجميع أفراد المجتمع، البعد البيئي يتضمن الحفاظ على الموارد الطبيعية والحد من تلوث البيئة، وتحقيق التوازن بين احتياجات الإنسان والقدرة الاستيعابية للبيئة، ومفهوم التنمية المستدامة يركز على التكامل بين هذه الأبعاد الثلاثة بشكل يساهم في تحقيق أهداف طويلة الأجل تعود بالنفع على الأفراد والمجتمع والبيئة على حد سواء. [14]

الفصل الأول: أهمية الحوكمة

تتمثل أهمية الحوكمة في قدرتها على توفير رؤية شاملة للأمور، مما يساهم في تجنب الإغفال للنظريات التي تشير إلى أن جميع الهيئات والمؤسسات والإدارات تشترك معا في التأثير على الواقع من الضروري أن ندرك ذلك لتفادي الوصول إلى طريق مسدود في لحظة معينة نتيجة لتجاهل هذا التنسيق، فالحوكمة تحدد كيفية مساهمة كل جهة فاعلة في تشكيل واقع معقد قد يتسبب في نتائج سلبية إذا لم تتم معالجته بشكل صحيح، وعندما يغيب الفهم الكامل لمسؤولية كل جهة تجاه تصرفاتها التي تؤدي إلى وقوع مشاكل معينة، يصبح من الصعب تحديد المسؤولية واتخاذ إجراءات لحلها بطريقة فعالة، بدلا من معالجة المشكلات بشكل بناء، قد يؤدي ذلك إلى تعقيد الأمور أكثر ويؤخر الوصول إلى الحلول، بينما نعتقد أننا نعمل على تقديم حلول. [15]

من المهم أن نأخذ بعين الاعتبار أن كل عامل ساهم في تشكيل الوضع الحالي لا يمكن تجاهله عند وضع الحلول، وإلا ستظل هناك نقطة معقدة لم يتم تحليلها بشكل دقيق، مما يعزز ضرورة النظر إلى الصورة الكلية، ويجب أن نفهم كيف تراكمت الأمور عبر فترة تاريخية وصولا إلى الوضع القائم، وأن هذا لم يحدث بشكل مفاجئ بل كنا جميعا شهودا عليه، رغم أننا لم نكن على مستوى فكري كاف لفهم تداعياته المستقبلية.

وعند تقديم حلول الإصلاح، يصبح من الضروري فهم جميع أبعاد الضعف التي يجب تعزيزها، حيث أن هذه الضعف تتكرر بناء على ثوابت تحددها هوية الإنسان ورغباته وتوجهاته، وقد حاول المفكرون عبر التاريخ فهم القوانين التي تحكم هذه الظواهر، ولا شك أن معظم هذه القوانين تم التعرف عليها وفهم أسباب حدوثها ونتائجها، وبنظرة متعمقة في العديد من الكتابات الفلسفية والتاريخية، يمكن بسهولة ملاحظة هذه القوانين.

نملك مجموعة واسعة من الأفكار التي قدمها العديد من المؤرخين الذين استطاعوا تحديد القوانين التي تحكم كيفية حدوث الظواهر، ومن دون التطرق لفهم هذه الاستنتاجات، لن نتمكن من إدراك الأحداث الحالية بشكل صحيح، طالما أن هذه القضايا قد تم تناولها وحسمها في الكتابات التاريخية، التاريخ لا يكرر نفسه إلا في السياقات التي تميزها نفس الأسباب والعوامل التي أدت إلى ظهور أحداث معينة، وقد قام المؤرخون بدراسة عميقة لأسباب نشوء الحضارات وانتشارها، موضحين العوامل التي ساهمت في اتساع رقعة هذه الحضارات، كما تناولوا بتفصيل الأسباب التي أدت إلى انهيارها، وكيف أسس هذا الانهيار لحضارات ودول أخرى.

تعد محاولات المؤرخ جيبون في دراسة التاريخ الروماني، وطرقه المبتكرة في توثيق وتحليل الأحداث، مثالا غنيا على كيفية تشكيل الأحداث والظروف، وكشف الأسباب التي تقف وراء الظواهر من خلال أعماله، يمكننا أن نفهم كيف تتشكل الأحداث في سياقاتها التاريخية وكيفية تحليل نتائجها، وهذا يبرز أهمية تبني النظرة الكلية للأمور، إذ من دونها لا يمكن تقديم رؤية دقيقة لفهم الوقائع والتنبؤ بتوجهات المستقبل، والنظرة السطحية لن تسهم في فهم كيفية حدوث الأحداث وتشكلها في المجتمعات، فدراسة مسارات الظواهر منذ نشأتها وحتى نتائجها تتطلب منظورا واعيا وأمينا ومحايدا، يمكننا من الاقتراب من منطق الظروف التي نشأت فيها هذه الظواهر.[16]

تتمثل أهمية الحوكمة في محاولة فهم مصادر القرارات والتصرفات والأحداث التي تحدث داخل أي مجتمع، بالإضافة إلى تحديد الأدوار التي تؤديها الهيئات المختلفة، ومدى تأثير هذه الأدوار في تحقيق النتائج المرجوة، تركز الحوكمة على الجوانب الفنية والاقتصادية والإدارية، بما في ذلك السياسات والقوانين التي تنظم العلاقات الإدارية، ومع ذلك، تظل الأولوية في الحوكمة هي إطلاق جميع الطاقات المتاحة في الهيئات لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المنشودة، ويتم ذلك من خلال توفير الفرصة لجميع الكوادر للقيام بدورها على أكمل وجه، مما يساهم في تطوير أساليب إدارية أكثر فعالية، وبديلة لتلك التي تسببت في البيروقراطية في الماضي.

تتمثل وظيفة الحوكمة في السعي لفهم مصدر القرارات والتصرفات والأحداث التي تحدث في أي مجتمع، وكذلك تحديد الأدوار التي تقوم بها الهيئات المختلفة، وتقييم ما إذا كانت هذه الأدوار ستؤدي إلى تحقيق النتائج المرجوة، وتركز الحوكمة على الجوانب الفنية والاقتصادية والإدارية، بالإضافة إلى السياسات والقوانين التي تنظم العلاقات الإدارية، ومع ذلك، يكمن الهدف الأساسي للحوكمة في تفعيل الطاقات المتاحة داخل الهيئات لتنفيذ الاستراتيجيات المطلوبة، ويتم ذلك من خلال منح الفرصة لجميع الكوادر المتاحة في الهيئة لإظهار أفضل إمكانياتها، وأداء دورها بشكل فعال، مما يسهم في تطوير أساليب إدارية أكثر كفاءة وابتكارا، بديلة لتلك التي ساهمت في تعزيز البيروقراطية في الماضي.

الحوكمة الرشيدة بما تقدمه من حلول فعالة، تظهر قدرتها على تحقيق أداء منظم يرتكز على نماذج مدروسة وفنية، فهي تمثل نموذجا عمليا يمكن من خلاله تقديم حلول للمشكلات والتغلب على العوائق التي تواجه إدارة الإشكاليات في القطاع العام، من الجدير بالذكر أن هذه الحلول هي نتائج جماعية، حيث يشارك فيها جميع الكوادر المعنية، سواء في الهيئات والمؤسسات الحكومية أو في القطاع الخاص الذي يتعامل مع الاستثمارات في مجالات متنوعة.

أصبح النظام الإداري التقليدي يعاني من الترهل أمام التطورات السريعة التي تشهدها إدارة الأمور في معظم دول العالم، هذا التفاوت ساعد على نجاح الأساليب المعتمدة في الشركات الخاصة مقارنة بتلك التي تعمل تحت إشراف القطاع العام، ونتيجة لذلك، ظهرت كيانات اقتصادية استطاعت التفوق على اقتصادات الدول الكبرى، مما أثار قلق الحكومات في هذه الدول، التي بدأت تحذر من تأثير الشركات متعددة الجنسيات.

في ظل عالم يتسارع فيه تعقيد الأمور وإعادة تشكيل التوازنات، أصبحت الأنظمة الإدارية التقليدية مهددة ومحكوم عليها بالوصول إلى طرق مسدودة، فقد اضطرت هذه الكيانات إلى تغيير الأنماط الإدارية التي اعتمدت عليها لعقود دون أن تطور آلياتها بما يتناسب مع المتغيرات التي تفرضها قوانين السوق والاقتصاد، وكان هذا التباطؤ في التكيف مع التغيرات هو السبب وراء أزمة الرهن العقاري التي ضربت العديد من الاقتصاديات العالمية، وأدت إلى انهيارات ضخمة في الاقتصاد العالمي، هذه الأزمة دفعت إلى التفكير في إيجاد نهج إداري قادر على مواجهة هذه الفجوات والتحديات.

إن جميع الآثار المترتبة على تنفيذ برامج الحوكمة الرشيدة لا تشمل أي آثار سلبية، إلا إذا كانت هناك إساءة فهم لأساليب هذه الطريقة في الإدارة، على العكس، فإنها تعزز الإمكانيات الإدارية في الأجهزة العامة وتساهم في الاستفادة بشكل أفضل من الموارد المادية والفنية، كما تشجع على مشاركة المواطنين في البرامج التنموية وتعزز دور المجتمع المدني، فضلا عن دعم التحركات التي يقودها المواطنون للدفاع عن حقوق الإنسان وحرية التعبير، وهو ما يزداد وضوحا مع دعم وسائل الإعلام لهذه القضايا.

يحدث ذلك بشكل أكثر فعالية عندما تصبح الحوكمة الرشيدة الإطار الأيديولوجي الذي يعتمد عليه النظام الإداري في جميع عملياته والمعايير التي تحدد طريقة عمل الإدارة العامة، في هذه الحالة، يمكن أن تساهم الحوكمة الرشيدة في إعادة تقييم التحديات الكبيرة التي تواجه تنفيذها عمليا، وفهم الآثار المترتبة على هذه التحديات على اقتصاد الدولة، لأن الحلول المطروحة ستكون مستمدة من كيفية عمل الإدارة العامة وتطورها، في حين أن الموظفين سيخضعون لضغوط الالتزامات اللازمة لتحقيق النتائج التي من شأنها تحسين شؤون الإدارة العامة وزيادة الإنتاجية، مما يبرز الفارق بين الآثار والنتائج الفعلية التي يمكن تحقيقها.

تعتمد الأعمال التي تروج لها الحوكمة الرشيدة بشكل أساسي على مبادئ الالتزام بقواعد الحوكمة، مثل الشفافية والنزاهة، بالإضافة إلى وضع معايير تسهم في مكافحة الفساد من خلال العديد من المبادرات المخصصة لمكافحة الفساد، يمكن رصد إنشاء مؤسسات مخصصة للقيام بمهام مكافحة الفساد، فضلا عن إصلاح آليات تبادل المعلومات والرقابة على استخدام الأموال العامة وتنفيذ السياسات التي تصدر عن السلطات العامة.

من بين أهداف الحوكمة الرشيدة، نلاحظ أنها تهدف إلى تعزيز النزاهة والشفافية، والمسؤولية، والالتزام بأداء الواجبات المرتبطة بالحوكمة، فضلا عن تشجيع المشاركة الفعالة والقدرة على الاستجابة لاحتياجات أصحاب المصلحة.

الحوكمة الرشيدة ترتبط بالأهداف والنتائج التي تنبثق عن سياسات المؤسسات الراغبة في تحقيق أهداف التنمية، والاختيار الفعلي للحوكمة الرشيدة يتجسد في الإجراءات التي يتم من خلالها التأكد من الالتزام بتحقيق الوعود المرتبطة بحقوق الإنسان، وكذلك في مجال المشتريات لصالح الجهات العامة، وفيما يتعلق بحقوق الإنسان، تشمل الحوكمة بالطبع الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتظل القضية الأساسية للحوكمة، ونقطة انطلاقها، هي أن مبادئ الحوكمة تضمن تنفيذ هذه الحقوق بطريقة فعالة.

تعد الحقوق الأساسية مثل الحق في الصحة، والسكن الملائم، والتغذية الكافية، والتعليم الجيد، والعدالة في الحقوق القضائية، إضافة إلى ضمان أمن الأفراد، تشكل جميعها جوانب أساسية في العمليات التي تنفذها الحكومة والمؤسسات هذه العمليات تتضمن اتخاذ القرارات واللوائح الخاصة بالمصالح العامة التي تؤثر على حياة المواطنين، والحوكمة بدورها، تضيف بعدا معياريا من خلال تقييم العمليات المتعلقة بهذه الحقوق، بحيث تضمن المؤسسات العامة تطبيق المعايير المرتبطة بحقوق الإنسان، من خلال ممارساتها التي تقع ضمن المصلحة العامة وإدارة الأموال العامة، هدف هذا التقييم هو ضمان أن جميع هذه الحقوق تحترم وتحفظ بشكل يتماشى مع المعايير الدولية.

من خلال الإصلاحات المرتبطة بالحوكمة الرشيدة، يمكن تحقيق تقدم ملحوظ في مجال حقوق الإنسان، خصوصا عندما تقوم الدولة بمسؤولياتها في توفير الأموال والموارد الضرورية للمجتمع وحمايتها، مثل الحق في التعليم، والصحة، والغذاء، هذه الإصلاحات تعكس تحولا إيجابيا في كيفية إدارة الشؤون العامة، بحيث تركز على تحقيق رفاهية المجتمع وتوفير احتياجاته الأساسية، في حال استرشدت الحوكمة بالقيم الديمقراطية، فإنها ستأخذ بعين الاعتبار المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وتدعم الإصلاحات المطلوبة للمؤسسات الديمقراطية، هذا يهدف إلى تحسين السياسات العامة من خلال اعتماد أسس مؤسسية رسمية تضمن تحقيق العدالة والمساواة.

تعكس العلاقة المتبادلة بين الحوكمة الرشيدة وحقوق الإنسان، حيث تبرز أهمية الحوكمة في تحسين السياسات العامة من خلال توفير احتياجات المجتمع الأساسية وضمان حقوق الأفراد، والحوكمة لا تقتصر فقط على إدارة الموارد العامة، بل تشمل أيضا تطبيق معايير حقوق الإنسان في جميع عمليات اتخاذ القرار، هذا يبين كيف أن الإصلاحات المتعلقة بالحوكمة تؤثر بشكل إيجابي على حياة المواطنين، وتعزز القيم الديمقراطية التي تركز على العدالة والمساواة.

المطلب الأول: أهمية اللجوء للحوكمة

لا تزال التحولات نحو الحوكمة في الثقافة العربية عامة في طورها الأول، ولم تتجاوز بعد مرحلة التأسيس الفكري والمفاهيمي، فما زالت المبادئ التي تقدمها الحوكمة بعيدة نسبيا عن التطبيق العملي في مجال الإدارة العامة، ويرجع ذلك إلى محدودية الوعي بمكوناتها وتفاصيلها وآليات تفعيلها، ولم تتمكن المؤسسات الإدارية في القطاعين العام والخاص بعد من استيعاب هذه المبادئ أو إدماجها في أنظمتها بشكل ممنهج، مما يجعلها في حاجة ملحة إلى الانفتاح على مفاهيم الحوكمة وفهم أدواتها كآلية لتطوير الأداء الإداري، والتعامل بفاعلية مع التحديات التنظيمية، واقتراح الحلول الملائمة وتنفيذها، وعند المقارنة بين التجارب الغربية في تطبيق الحوكمة وما يطرحه الفكر الإداري العربي في هذا السياق، تظهر فجوة واضحة تعكس تفاوتا في مستوى النضج الإداري، ومدى القدرة على المواءمة بين النظرية والتطبيق.

في الفكر الغربي، يتم تطوير مفاهيم الحوكمة بشكل مستمر من خلال الأبحاث والدراسات والمكاتب الفنية المتخصصة، بينما تظل الأفكار في ثقافتنا الإدارية ثابتة ولا تتواكب مع التغيرات والمتغيرات الحديثة، كما أن أحد التحديات الرئيسية في تطبيق الحوكمة هو أنها غالبا ما تتعامل مع المشكلات الإدارية بشكل جزئي، رغم أن هذه المشكلات هي نتاج تداخل وتفاعل عدة عوامل، لفهم المشكلة بشكل كامل، من الضروري أن يتم التعامل معها بطريقة شاملة تأخذ بعين الاعتبار جميع جوانبها.

التحديات التي تواجه تطبيق الحوكمة في الثقافة العربية تشير إلى أن الحوكمة لا تزال في مراحلها الأولية ولم تجد بعد مكانا فاعلا في المؤسسات الإدارية، يتمثل التحدي الأكبر في الفجوة بين الفكر الغربي المتطور في مجال الحوكمة والفكر العربي الذي لم يتطور بعد بالشكل الكافي للتعامل مع المتغيرات الإدارية، كما أن هناك مشكلة في فهم المشكلات الإدارية باعتبارها نتائج تفاعلية ومعقدة، حيث يقتصر التعامل معها على حلول جزئية لا تواكب الواقع الشامل للمشكلة.

عندما يستحيل التركيز على عنصر واحد دون مراعاة العناصر الأخرى التي ساهمت بدورها في نشوء المشكلة ووصولها إلى حالة الأزمة، يصبح من الضروري تحليل الجوانب المختلفة التي شكلت الأزمة لفهم كيفية تداخل الظروف وتراكمها وصولا إلى هذا الوضع، من الصعب تحديد المسارات التي اتخذتها الأحداث في سياق تطورها، خاصة عندما تتجه الأمور نحو أزمة محتملة، ذلك أن قدرة الفكر تتأثر بشكل مباشر بالنتائج التي تظهر على الأرض، في مثل هذه الحالات، يتعين على الفرد أن يستشرف المستقبل من خلال نقطة الحاضر الذي يعيش فيه، وهو أمر بالغ التعقيد لأنه جزء من بناء الحدث نفسه.

إذ لا يمكن في كثير من الأحيان التنبؤ بشكل كامل بطبيعة الأحداث والظروف في وقت حدوثها، حيث يكون إدراك الأزمة محصورا في اللحظة التي تتجلى فيها على أرض الواقع، وبينما قد تكون الأزمة نتيجة لعوامل متعددة تراكمت على مدار الزمن، فإن القدرة على ملاحظتها أو التفاعل معها في وقت مبكر قد تكون محدودة، حيث أن الفكر البشري غالبا ما يعجز عن استشعار تلك العوامل أثناء حدوثها.

تتأثر المؤسسات الموجودة في الدولة بمجموعة من التصورات التي تحدد وظائفها، وهذه التصورات تتأثر بالثقافة السائدة في فترة زمنية معينة، والثقافة تشمل عدة عناصر مثل القانون والفنون والأديان، وكذلك الأدوات الفنية التي تستخدمها البشرية لإدارة هذه المؤسسات، ومن الواضح أن هذه المؤسسات تعتمد على مفاهيم قانونية وفنية وعملية، كل منها يتبع نظاما خاصا به ويستند إلى مرجعيات معينة، وجميع هذه المؤسسات، التي تهدف لخدمة المجتمع، تشترك في النظام القانوني الذي يربطها بالشروط المادية التي تضمن وجودها، وهو ما يشكل أساس وجود الدولة.

منذ العصور الحديثة، بدأت الدولة في تحديد الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية بشكل منهجي في العقود الأخيرة، أصبح بالإمكان تتبع هذه الأنشطة بشكل أكثر احترافية باستخدام الوسائل الحديثة، مثل الأدوات الإحصائية التي تساعد في قياس الثروات وتعداد السكان، الإحصاءات تعد أداة أساسية لهذه المهمة، حيث تختلف الأنظمة بين الدول، فعلى سبيل المثال لا الحصر، النظام الإنجليزي يعتمد على الحسابات السياسية، التي تقوم على الإحصاءات والأرقام، بينما يشير النظام الألماني إلى أن الإحصاء يعكس صورة شاملة للدولة.

تاريخيا، كانت الدولة تستخدم طرقا قانونية لتحديد الكميات المتعلقة بالاقتصاد، ومع تطور الاقتصاد وتوسعه، بدأت الدولة في اتخاذ القرارات بناء على البيانات الإحصائية، والتي تساهم في تحديد العلاقات التجارية بين القطاع العام والخاص، هذه العلاقات تخضع لأربع معايير أساسية، قيم الحسابات، والإدارة، والقضاء، والتشريع، التي تساهم في تنظيم الاقتصاد وتعزيز التنسيق بين الجهات الحكومية والخاصة.

تعتبر دفاتر المحاسبة أداة أساسية للتعبير عن العلاقة بين القانون والأرقام في العصر الحديث، إذ تمثل وسيلة لتحديد الكميات والالتزامات القانونية، وهو ما يتجلى بوضوح في القانون التجاري المعاصر، هذا الأخير يحدد كيفية تطبيق الالتزامات المحاسبية في مختلف أنواع التجارة، في هذا السياق، يجب على أي شخص، سواء كان فردا طبيعيا أو اعتباريا، يمتلك الأهلية لممارسة التجارة، أن يسجل حساباته المتعلقة بأنشطة شركته المالية، هذه الحسابات يجب أن تسجل وفقًا لتسلسل زمني دقيق، على أن تتم مراقبتها عبر إجراء جرد على الأقل مرة واحدة سنويا، لضمان دقة ما يتم تسجيله من أصول وخصوم تخص الشركة. [17]

تتمثل هذه الحسابات السنوية في إعداد الموازنة، الحساب النهائي، والملحقات، وهي تهدف إلى توفير صورة واضحة ودقيقة عن الوضع المالي للشركة، هذه العملية تعتبر شكلا أوليا للحكم باستخدام الأرقام، وقد تم تطويرها ليس من قبل الدول ولكن من قبل الشركات نفسها، في العصور القديمة، وخاصة في روما، كان يتم استخدام أساليب فنية لتسجيل الحسابات وفقا للقواعد المحاسبية المعتمدة في تلك الحقبة.

العملية المحاسبية تمثل أحد الجوانب الأساسية في تنظيم النشاط الاقتصادي، حيث تربط بين الجانب القانوني والمالي، مما يساهم في تعزيز النزاهة والشفافية والمسؤولية في العمليات التجارية، كما أن النظام المحاسبي يوفر الأدوات اللازمة لمتابعة ومراقبة الوضع المالي للمؤسسات، وهو ما يعكس التزامها بالقوانين الاقتصادية والمالية، تطور هذه الممارسات من الأساليب القديمة التي كانت تستخدم في حضارات مثل روما، وصولا إلى الأنظمة الحديثة التي تعتمد على دفاتر محاسبية دقيقة ومعايير متطورة.

الحوكمة هي قرار سياسي بالدرجة الأولى، تلجأ إليه الدول لتحقيق الأهداف التي تحددها في رؤاها المستقبلية وتسعى إلى تنفيذها، ويأتي هذا التحول في ظل عدم قدرة الأساليب الإدارية التقليدية على الوفاء بتلك الأهداف، بالإضافة إلى رؤية الدول الأخرى التي بدأت في تطبيق هذه الأساليب بنجاح ومن هنا، أدرك صناع القرار السياسي في العديد من الدول الحاجة الماسة لتطبيق الحوكمة في الأجهزة الإدارية بهدف تجنب الفجوات الكبيرة التي قد تنشأ نتيجة عدم تطبيقها.

إذا كانت الدولة ترغب في تطوير مرافقها وتحقيق أهدافها، فإنها لا بد أن تعتمد على الحوكمة كأسلوب عمل أساسي، مما يعزز قدرتها على تلبية تلك الأهداف، كما أن تطبيق الحوكمة يساعد في تحسين كفاءة الأجهزة الإدارية من خلال تطوير أداء الأفراد العاملين فيها، وبالتالي رفع مستوى الأداء العام.

إن الحوكمة، باعتبارها إطارا تنظيميا وإداريا حديثا، قد تتطلب في بعض الأحيان تغييرات جذرية في الهياكل والأطر التقليدية للدولة لتحقيق التطبيق الأمثل وضمان الوصول إلى النتائج المرجوة، ففي سياق دول مجلس التعاون الخليجي، أصبح من الضروري إجراء هذه التغييرات على مختلف الأصعدة إذا ما كانت هذه الدول تسعى إلى مواكبة التطور وتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تطمح إليها، التغيير الجذري في هذه الحالة ليس مجرد خيار بل هو ضرورة حتمية لضمان النجاح في تنفيذ استراتيجيات الحوكمة الحديثة.

وبناء على ذلك، يجب أن يكون تطبيق الحوكمة عملية مستمرة ومتطورة، تتطلب التزاما طويل الأمد من قبل جميع الأطراف المعنية، مع التركيز على التدريب المستمر وتطوير المهارات من أجل ضمان نجاح هذه التطبيقات على أرض الواقع.

في ظل التحولات السياسية العميقة التي تمر بها المنطقة، وتزايد حجم التحديات الداخلية والخارجية، يزداد وعي الأنظمة السياسية في دول مجلس التعاون الخليجي بأهمية تبني مقاربات إدارية حديثة قادرة على تقليل المعوقات التي تعطل مسيرة التنمية وتؤثر سلبا في كفاءة المؤسسات، ويأتي الفساد في مقدمة هذه المعوقات، إذ يعد من أخطر التحديات التي تضعف ثقة المجتمع بمؤسساته، وتقوض ركائز الإصلاح، وتعيق تحقيق الأهداف الاستراتيجية للتنمية المستدامة.

ومع تسارع التطورات في مجالات الاتصالات والتكنولوجيا، أخذ الفساد أشكالا أكثر تعقيدا وتشابكا وانتشارا، فلم يعد مجرد ظاهرة مالية أو إدارية تقليدية، بل تحول إلى تهديد استراتيجي يمس استقرار الدول وأمنها، ما يجعل مواجهته أولوية قصوى تتطلب أدوات فعالة تتقدمها مبادئ الحوكمة الرشيدة.

وفي هذا السياق، تمثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (2003) مرجعية عالمية بالغة الأهمية، إذ وضعت إطارا متكاملا لتعزيز الشفافية، وترسيخ قيم النزاهة، وتكريس المساءلة في إدارة الشأن العام، وقد سارعت دول مجلس التعاون إلى الانخراط في هذه الاتفاقية وتكييف تشريعاتها الوطنية بما يتوافق مع معاييرها، في خطوة تعكس إدراكا متزايدا بأن الحوكمة ليست مجرد خيار إداري، بل ضرورة استراتيجية لحماية المال العام، وترسيخ الثقة، وضمان استقرار الدول وتنميتها المستدامة. [18]

إحدى الظواهر التي أصبحت مقلقة بشكل خاص هي الفساد الخارجي الذي بدأ يزداد بشكل ملحوظ، لم يعد الفساد محصورا في نطاق الحدود الوطنية فقط، بل أصبح يمتد ليشمل أنشطة عابرة للحدود مثل غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهي جرائم ذات آثار مدمرة على الاقتصاد العالمي وأمن الدول، في هذا السياق، نجد أن عمليات نقل الأموال عبر القنوات الرقمية أصبحت تتطلب مزيدا من الرقابة والتنسيق بين الدول لمكافحة هذه الظواهر، التي تهدد سيادة الدول بشكل مباشر.

علاوة على ذلك، فإن الفساد لم يعد محصورا في نطاق محلي أو إقليمي، بل أصبح ظاهرة عالمية عابرة للحدود تتجلى بوضوح في العقود الخارجية التي تبرمها الحكومات مع كيانات دولية، حيث كشفت التحقيقات عن تورط العديد من هذه العقود في ممارسات مشبوهة، من بينها غسل الأموال وتمويل الإرهاب والرشوة الدولية، وتبرز خطورة هذه الأنماط في كونها لا تهدد الاستقرار الداخلي للدول فحسب، بل تقوض أيضا الأمن الاقتصادي والسياسي العالمي، بما يعزز الحاجة إلى حوكمة رشيدة ذات أبعاد دولية.

ومن أبرز الأمثلة التي عرت هذا الواقع، التسريبات الشهيرة المعروفة بـوثائق بنما(panama papers) التي هزت العالم في العقد الماضي، حيث كشفت عن شبكات معقدة من الشركات الوهمية والحسابات السرية في ملاذات ضريبية استخدمت للتحايل على القوانين، وإخفاء الثروات غير المشروعة، وتمويل أنشطة ذات صلة بالفساد والإرهاب، لقد مثلت هذه الوثائق جرس إنذار عالمي يبين مدى تغلغل الفساد في المنظومات المالية الدولية، ومدى حاجة المجتمع الدولي إلى تبني آليات صارمة للشفافية والمساءلة بما يحول دون تكرار مثل هذه الممارسات التي تهدد استقرار الاقتصاد والأمن الدوليين على حد سواء.[19]

لذلك، تفرض هذه التطورات على الأنظمة السياسية والإدارية في الدول ضرورة إعادة التفكير في كيفية تنظيم عملها، ويجب أن تتبنى هذه الأنظمة سياسات إصلاحية شاملة تضمن تحسين الشفافية والمساءلة، وتعزز من الرقابة على العمليات المالية المحلية والدولية، كما أن ذلك يتطلب تكامل الجهود بين الحكومات على المستوى الدولي من أجل تبادل المعلومات ومكافحة الجرائم المالية العابرة للحدود.

فإن التصدي لهذه التحديات يتطلب تغييرات جذرية في كيفية إدارة الأنظمة السياسية والإدارية داخل الدول، لضمان قدرتها على مواجهة الفساد بكافة أشكاله، والعمل على تطبيق آليات الحوكمة الحديثة التي تساهم في الحد من تأثير هذه المعوقات.

تواجه دول مجلس التعاون الخليجي تحديات متعددة في مسيرتها نحو تحقيق التنمية المستدامة والتقدم الاقتصادي، في ظل متغيرات سياسية واقتصادية عالمية متسارعة، ومن أجل أن تواكب هذه الدول المتقدمة، وتحقق مستوى عاليا من التنافسية في مؤشرات التنمية العالمية، يصبح تطبيق الحوكمة ضرورة ملحة في جميع المجالات.

تعد الحوكمة أحد الأسس التي يمكن أن تساهم بشكل كبير في تعزيز الشفافية، والمساءلة، والكفاءة في العمل الحكومي والإداري، فعندما تطبق الحوكمة بشكل سليم، فإنها تساهم في تحسين إدارة الموارد، وتطوير الأداء المؤسسي، وتعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين، كما أن تطبيق مبادئ الحوكمة يساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية، ويساهم في تحفيز الابتكار وتحقيق التنمية المستدامة.

لقد شهدت الدول المتقدمة في العقود الأخيرة تحولات كبيرة في هياكلها الاقتصادية والإدارية بفضل تطبيق أسس الحوكمة الرشيدة التي جعلتها أكثر قدرة على التفاعل مع التحديات المعاصرة، وعليه، فإن دول مجلس التعاون الخليجي، التي تسعى بدورها إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، مطالبة أن تواصل العمل على تحسين مؤسساتها الحكومية، وتفعيل القوانين والسياسات التي تدعم تطبيق الحوكمة.

من الجوانب المهمة التي تتطلب التركيز في تطبيق الحوكمة في هذه الدول هي تحسين شفافية اتخاذ القرارات في جميع القطاعات، سواء كان ذلك في القطاع العام أو الخاص، فعندما تكون عمليات صنع القرار شفافة، فإن ذلك يقلل من فرص الفساد ويزيد من فعالية التنفيذ، كما يجب على الحكومات تعزيز الرقابة المستقلة وتعزيز الآليات التي تضمن المساءلة على جميع مستويات الإدارة.

إضافة إلى ذلك، مع التوسع في استخدام التكنولوجيا الحديثة، يصبح من الضروري دمج الحوكمة مع أحدث الابتكارات التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي في إدارة الأنظمة الإدارية، هذا التحول الرقمي يسهم في تسريع عمليات اتخاذ القرارات، وتقليل البيروقراطية، وتحسين خدمات الحكومة الإلكترونية، مما يعزز من مستوى رضا المواطنين ويزيد من فعالية الأداء الحكومي.

علاوة على ذلك، فإن تطبيق الحوكمة يعزز من قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على التعامل مع التحديات العالمية مثل تغيرات المناخ، والتنمية المستدامة، والابتكار التكنولوجي، كما يساهم في تحسين ترتيبها في المؤشرات العالمية التي تقيس التنافسية وجودة الحياة وفعالية المؤسسات الحكومية، وعليه، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تحتاج إلى جعل الحوكمة أداة محورية في استراتيجياتها التنموية لتحقيق الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية، وضمان مستقبل مشرق للمواطنين في ظل التحديات العالمية المتزايدة. [20]

في النهاية، يمكن القول إن تطبيق الحوكمة في جميع المجالات هو الطريق الأمثل لدول مجلس التعاون الخليجي للارتقاء بمستوى إدارتها العامة، ومواكبة الدول المتقدمة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية، هذا التطبيق سيزيد من قدرتها على التكيف مع التغيرات السريعة في العالم المعاصر، ويعزز من مكانتها على الساحة الدولية.

المطلب الثاني: نطاق تطبيق الحوكمة

من الصعب تفسير الأحداث الاقتصادية والاجتماعية المعقدة باستخدام نظرة أحادية الجانب، حيث تقتصر هذه النظرة على التركيز على جانب واحد فقط من الواقع مثل العوامل الاقتصادية أو التجارية دون النظر إلى العوامل الأخرى التي تسهم في تشكيل الأزمة، فعلى سبيل المثال، يركز العديد من المفكرين الاقتصاديين على الجوانب الاقتصادية البحتة مثل العرض والطلب، والأسواق، والمكاسب والخسائر، دون أن يأخذوا بعين الاعتبار الجوانب الأخلاقية والاجتماعية التي تلعب دورا حاسما في تشكيل التوجهات السائدة في المجتمع، هذه التوجهات، بدورها، تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد بشكل عام.

إن الإغفال عن الجوانب الأخلاقية والاجتماعية يمكن أن يؤدي إلى تجاهل العوامل التي تشكل قاعدة الانطلاق للأزمات الاقتصادية، في الواقع، لا يمكن فهم تطور الأزمات الاقتصادية فقط من خلال دراسة المؤشرات المالية والاقتصادية، بل يجب أن يتم النظر في التأثيرات الاجتماعية والسياسية التي تلعب دورا في هذه التطورات، فوجود نسق سياسي معين في أي دولة، مثل النظام الحاكم أو السياسات الاقتصادية المتبعة، يمكن أن يكون له تأثيرات كبيرة على الحالة الاقتصادية، سواء كانت إيجابية أو سلبية.

المشكلة التي تواجهها الدول في مثل هذه الظروف تكمن في أنه يمكن أن يؤدي الواقع الفعلي إلى نتائج متباينة، قد تكون هذه النتائج إيجابية في حال تم إدارة الأزمات بشكل حكيم، أو قد تتفاقم وتتحول إلى مشاكل أكبر إذا لم يتم تداركها بالشكل الصحيح، وهذا يشير إلى أن التحدي لا يقتصر فقط على فهم الأزمة، بل يشمل أيضا تحديد دور كل مؤسسة في تقديم الحلول، سواء على المدى القصير أو الطويل، المؤسسات يجب أن تدرك مسؤولياتها وأدوارها في وضع الحلول المناسبة وتحقيق التوازن بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

من الجوانب التي تساهم في تعقيد الأمر هو عدم قدرة بعض المؤسسات على العمل بشكل متكامل، حيث يظل التنسيق بين المؤسسات محدودا، مما يؤدي إلى فشل محاولات إيجاد حلول فعالة للأزمة، إذا لم تفهم جميع المؤسسات دورها في تقديم الحلول، سواء كانت اقتصادية، اجتماعية، أو سياسية، فإن الأزمة قد تستمر أو تتفاقم مع مرور الوقت، في هذا السياق، يجب أن تكون هناك جهود منسقة بين مختلف المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لتحقيق استجابة شاملة وفعالة لمواجهة الأزمات.

إذن، الحل يكمن في توسيع نطاق التفكير وإعادة النظر في كيفية فهم الأزمات وتحديد العوامل التي تساهم في تشكيلها، ينبغي أن تتضمن الجهود المستقبلية تكامل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مع التركيز على التعاون بين المؤسسات وتوزيع المسؤوليات بشكل واضح لتقديم حلول فعالة على المدى القصير والطويل.

إن الأزمات، سواء كانت تاريخية أو حالية، لا تنشأ إلا نتيجة لتضافر مجموعة من العوامل المتنوعة التي تتفاعل معا بشكل معقد، هذه العوامل قد تشمل الجوانب الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، وحتى الثقافية، وكلها تلعب دورا في تشكيل المسار الذي تتخذه الأزمة، من المهم أن نفهم أن أي أزمة لا تحدث بسبب واحد فقط، بل هي نتيجة تفاعل عدة ظروف وعوامل قد تتداخل وتتداخل بشكل تدريجي، مما يجعل تحليلها وفهمها أمرا بالغ التعقيد.

صعوبة فهم كيفية تلاحم هذه العوامل معا هي أحد التحديات الأساسية التي تواجه الأفراد والمؤسسات أثناء محاولاتهم لتحديد أسباب الأزمات وأشكالها، في بعض الأحيان، قد تتداخل الأحداث والأوضاع بشكل معقد لدرجة أن الأسباب الحقيقية للأزمة قد تكون مخفية أو غير واضحة في البداية.

وعلى الرغم من السعي المستمر للبحث عن حلول للأزمات الحالية واتخاذ إجراءات لمعالجتها، إلا أننا قد نواجه في الوقت نفسه خطرا غير مرئي يتمثل في صناعة أزمة جديدة، فحتى عندما نركز جهودنا على إدارة الأزمة الحالية، قد تكون الظروف السائدة تساهم بشكل غير مباشر في خلق أزمة أخرى في المستقبل، حيث تتضافر العوامل المحيطة لتتسبب في تطور جديد للأزمة أو لظهور أزمة إضافية قد لا تكون مرئية في الوقت الراهن.

هذا التفاعل بين الأزمات، والأزمات المستقبلية التي قد تنشأ، يتطلب منا أن نكون على وعي تام بأبعاد الأزمة من كافة الجوانب، سواء كانت قصيرة المدى أو بعيدة المدى، إذا كانت الجهود المبذولة لحل الأزمة الحالية تقتصر فقط على معالجة المشكلة الظاهرة دون النظر إلى العوامل التي قد تؤدي إلى ظهور أزمات جديدة، فإن الحلول ستكون ناقصة وغير فعالة.

لذلك، من الضروري أن يتم التعامل مع الأزمات ليس فقط من خلال معالجة الأسباب المباشرة والظاهرة، بل من خلال رؤية شاملة تتضمن تقييم الظروف المستقبلية المتوقعة، وتحديد كيف يمكن أن تتداخل هذه الظروف مع بعضها البعض في المستقبل، يجب أن يكون هناك وعي دائم بأن الحلول التي نتخذها اليوم قد تؤدي إلى تطورات غير متوقعة في المستقبل، هذا يتطلب من الأفراد والمؤسسات تبني استراتيجيات مرنة قادرة على التكيف مع المتغيرات المستقبلية، مع التأكد من أن أي حل يتم اتخاذه لا يؤدي إلى خلق أزمات جديدة، وفي النهاية، يصبح من الضروري أن تتم معالجة الأزمات من منظور شامل يتجاوز الحلول اللحظية، بحيث يتم التفكير في التأثيرات المستقبلية وتوقع الأزمات المحتملة التي قد تنشأ بسبب القرارات المتخذة اليوم.[21]

لقد ارتبط ظهور مفهوم الحوكمة في بداياته بتداعيات سقوط العديد من الشركات الكبرى في القطاع الخاص، وهي شركات كانت تتمتع بموارد ضخمة ورؤوس أموال كبيرة، لكنها انهارت بسبب عدة عوامل داخلية وخارجية، من أبرز هذه العوامل كان تضارب المصالح بين المسؤولين، وعدم وجود الكفاءات الإدارية المناسبة، بالإضافة إلى غياب التنسيق بين الأقسام المختلفة في الشركات.

علاوة على ذلك، كانت عملية اتخاذ القرارات مركزة في يد عدد قليل من المديرين التنفيذيين الذين كانوا يتربعون في أعلى السلم الوظيفي، دون أن يكون هناك إشراك حقيقي لبقية الأفراد الذين يمتلكون الخبرات التي يمكن أن تسهم في تحسين الأداء وتجنب الأزمات.

لقد كانت هذه الشركات قادرة على تحقيق النجاح والنمو، لكن غياب نظام حوكمة فعال أدى إلى هشاشة هذه المؤسسات، وجعلها عرضة لهزات مالية كبيرة انتهت بها إلى الاستدانة والإفلاس، إذا كان قد تم تطبيق مبادئ الحوكمة بشكل سليم منذ البداية، لكانت هذه الشركات قد ضمنت الاستمرارية والنمو المستدام، بل كانت قادرة على تجاوز الأزمات التي مرت بها بفضل التوزيع العادل للسلطات وتفعيل دور جميع الأطراف المعنية، سواء من الموظفين أو من أصحاب المصالح.

إن الحوكمة، التي تطورت لتشمل معايير فعالة للإدارة والمساءلة، توفر نموذجا إداريا يقوم على الشفافية والمشاركة الجماعية في اتخاذ القرارات، وهي تساهم في تعزيز التنسيق بين جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك المساهمين، والإدارة، والموظفين، وبالتالي تعزز قدرة الشركات على إدارة المخاطر واتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب من خلال هذا النموذج، لا تقتصر القوة على قلة من المسؤولين في قمة هرم الشركة، بل يتم إشراك الجميع في اتخاذ القرارات، مما يعزز من قدرة الشركة على تجنب الأزمات والأخطاء التي قد تؤدي إلى انهيارها.

في الواقع، يمكن القول إن الحوكمة تلعب دورا أساسيا في استدامة الشركات الكبرى في القطاع الخاص، حيث توفر الإطار الذي يضمن توازن المصالح، ويعزز من الشفافية والمساءلة، مما يعزز من قدرة هذه الشركات على النمو والتكيف مع التحديات الاقتصادية المتغيرة، تطبيق الحوكمة بشكل صحيح كان سيحول دون الوقوع في الأزمات التي تعرضت لها العديد من الشركات، حيث كان من الممكن تفادي الوقوع في فخ الاستدانة أو الإفلاس، بل كان يمكن لهذه الشركات أن تصعد وتحقق نجاحات أكبر إذا ما تم تمكين جميع الأطراف من المساهمة الفعالة في إدارة شؤونها.

فإن الحوكمة ليست مجرد أداة إدارية بل هي أساس لضمان الاستدامة والتوسع في الشركات، فهي تتيح إشراك جميع المعنيين في العمليات الإدارية بشكل متكامل، مما يسهم في اتخاذ قرارات أكثر توازنا واستشرافا للمستقبل، ويضمن تفادي المخاطر التي قد تهدد استمرارية الشركات في بيئات العمل التنافسية.

عند اتخاذ القرار داخل الشركات، يكون من المهم تحميل جميع الأطراف المسؤولية في عملية اتخاذ القرار، للاستفادة من كافة الخبرات والموارد المتاحة، هذه المشاركة الجماعية يمكن أن تؤدي إلى تطوير العمل الإداري والمالي بشكل كبير، مما يسهم في تحسين الأداء العام للشركة وتحقيق أهدافها بشكل أكثر فعالية لكن، إذا نظرنا إلى تطبيقات الحوكمة في القطاع العام، نجد أن الدول قد اضطرت إلى تبني هذا المفهوم في الأجهزة الإدارية، وهو ما يتطلب إشراك جميع القطاعات الأخرى في هذا التحول.

التغيير الذي فرضته الحوكمة في الإدارة العامة قد يتطلب التخلي عن الأساليب الإدارية التقليدية التي كانت سائدة لفترة طويلة، وهو ما يترتب عليه تأثيرات عميقة على الخريطة الاستثمارية للقطاعات المختلفة، عملية تطبيق الحوكمة تعتمد على فلسفة إدارية قد تكون مستوحاة من الأنظمة الرأسمالية، حيث يتسم العمل بمبدأ “دعها تعمل، دعها تمر”، وهذا يعني إعطاء الحرية للقطاع الخاص للعمل بشكل أكثر مرونة وتقديم التسهيلات الضرورية له، سواء من خلال برامج الخصخصة أو بتخفيف القيود الإدارية. [22]

إلا أن هذا التغيير الإداري، بالرغم من فوائده، يرتبط بضرورة ترشيد النفقات العامة، خاصة في ظل ضعف الأنظمة الإدارية السابقة التي لم تتمكن من تحقيق الأهداف المرجوة منها، فهذه الأنظمة لم تكن قادرة على تقديم مستوى كافٍ من الكفاءة في تقديم الخدمات، ولم تحقق التنمية المستدامة بالشكل المطلوب بل، كان لها تأثيرات سلبية على العديد من الحقوق التي تمس قطاعات واسعة من المواطنين، مما أضعف الثقة في المؤسسات الحكومية والقطاع العام بشكل عام.

ومن هنا، تظهر الحاجة الماسة لتبني الحوكمة بشكل يتجاوز الأبعاد الاقتصادية البحتة، إلى أن تشمل تحسين الأداء الإداري، وضمان تحقيق الأهداف التنموية، الحوكمة إذا تم تطبيقها بالشكل الصحيح، يمكن أن تكون الوسيلة الفعالة لإصلاح الأنظمة الإدارية، وتحقيق التنمية المستدامة، وضمان تحقيق العدالة والمساواة في توزيع الحقوق بين المواطنين ولكن، في الوقت نفسه، يجب أن تأخذ الحوكمة بعين الاعتبار التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية، وأن تعمل على تحقيق توازن بين مصالح القطاع العام والقطاع الخاص، بما يخدم المصلحة العامة ويضمن حقوق الأفراد.

إن تطبيق الحوكمة في القطاع العام لا يعد كافيا بمفرده لتحقيق الأهداف التنموية المرجوة، إذ يتطلب الأمر توافر آليات فعالة تضمن تنفيذ هذه الأهداف بشكل ملموس فالحوكمة، التي تشمل مجموعة من المبادئ والممارسات التي تهدف إلى تحسين إدارة الموارد واتخاذ القرارات في القطاع العام، تصبح عديمة الفائدة إذا لم تكن مدعومة بنظام فعال وقوي يترجم هذه المبادئ إلى نتائج واقعية.

من الأهمية بمكان أن يتم تعزيز الحوكمة بمسائل عملية تضمن تحقيق أهداف التنمية المستدامة على أرض الواقع، هذا يشمل وضع خطط تنفيذية، وتوزيع الموارد بشكل عادل، وإقامة نظم رقابية فعالة، وكذلك ضمان مشاركة المجتمع في عملية اتخاذ القرارات، لكن الأهم من ذلك كله هو ضرورة وجود آليات تضمن تفعيل تلك الخطط وتحقق الفعالية في التطبيق.

علاوة على ذلك، لا يتوقف دور الحوكمة على التخطيط والتنفيذ فقط، بل يجب أن يشمل المتابعة المستمرة لتقييم الأداء وقياس التقدم بشكل دوري، عملية التقييم المستمر تعد أمرا حيويا لضمان أن السياسات والبرامج التنموية تسير في الاتجاه الصحيح وأنها تلامس احتياجات المجتمع من خلال التقييم الفعلي، يمكن تحديد ما إذا كانت السياسات بحاجة إلى تعديل أو تحسين لتحقيق الأهداف التنموية بشكل أفضل، كما أنه يوفر فرصة لمعالجة أي تحديات أو مشاكل قد تنشأ أثناء تنفيذ هذه البرامج.

وبالإضافة إلى ذلك، يظل عنصر الاستدامة من العناصر الأساسية في تحقيق الأهداف التنموية، حيث يجب أن تكون هذه الأهداف قابلة للاستمرار على المدى الطويل دون أن تتوقف أو تتأثر سلبا بأي عوامل خارجية تتطلب الاستدامة تخطيطًا بعيد المدى يراعي الحفاظ على الموارد الطبيعية، ويعزز من القدرة على التكيف مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية.

أما الشمولية، فهي ضرورة لا غنى عنها في تحقيق التنمية، حيث لا يمكن تحقيق الأهداف التنموية إذا كانت موجهة لفئة معينة من المجتمع دون الأخرى، ينبغي أن تشمل التنمية جميع شرائح المجتمع، من الفئات الفقيرة والمهمشة إلى الطبقات المتوسطة، مع ضمان توزيع عادل للموارد والفرص.

وأخيرا، إن تطلعات المجتمع هي الأساس الذي يجب أن تقوم عليه جميع البرامج التنموية، فلا معنى لأي سياسة أو استراتيجية تنموية إذا لم تكن موجهة لتحقيق هذه التطلعات وبالتالي، يجب أن تواكب الحوكمة هذه التطلعات وتلبي احتياجات المجتمع بشكل يتناسب مع تطوراته المستمرة ومتطلباته المتجددة، باختصار، لا بد أن تتكامل الحوكمة مع آليات متابعة فعالة وأسس تقييم مستمر لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة تحقق تطلعات المجتمع بكافة شرائحه، وتضمن استمرارية هذه التنمية في المستقبل.[23]

المطلب الثالث: معوقات الإصلاح في النظام الإداري

لقد كانت المشكلة الأساسية في النظم الإدارية القديمة، التي ما زالت تؤثر حتى وقتنا الحالي، تكمن في اعتماد أسلوب الإدارة الرأسي الذي يتسم بالتركيز الشديد للقرارات في يد عدد قليل من الأفراد على رأس الهيئات والمؤسسات، هذا الأسلوب يجعل هؤلاء الأفراد يحتكرون عملية اتخاذ القرار استنادا إلى رؤيتهم الشخصية، دون إشراك باقي الفاعلين الذين يعملون في تلك الهيئات، وفي الواقع، هذا يقلل من أهمية مشاركة الأفراد الآخرين الذين يمتلكون خبرات ورؤى قيمة يمكن أن تسهم بشكل كبير في اتخاذ قرارات أكثر دقة وفاعلية.

إحدى المشكلات الكبرى في هذا السياق هي أن بعض الأفراد في أعلى هرم السلم الوظيفي قد لا يمتلكون القدرة على فهم جميع التفاصيل المتعلقة بالعمل الإداري بشكل شامل على سبيل المثال، من الممكن أن لا يكون لديهم الدراية الكافية بالجوانب المالية، القانونية، أو الفنية التي ترتبط بتلك القرارات، ما يعني أن القرارات المتخذة قد تكون ناقصة أو غير مدروسة بما يكفي لذلك، فإن الاعتماد على مجموعة صغيرة من الأفراد في اتخاذ القرار قد يؤدي إلى تفويت بعض التفاصيل الهامة، مما يدفع باتجاه ضرورة توسيع نطاق المشاركة في عملية اتخاذ القرارات.

يتطلب هذا الأمر تبني نموذج أفقي في الإدارة، يتيح مشاركة الجميع في اتخاذ القرار، بدلا من تركيز السلطة في يد القلة النموذج الأفقي يعزز من التواصل بين جميع العاملين ويتيح لهم فرصة إبداء الرأي والمساهمة في تحديد المسار الصحيح للهيئات والمؤسسات، هذا التوسع في المشاركة يتماشى مع المبادئ الأساسية للحوكمة الرشيدة، التي تدعو إلى إدخال أساليب إدارية جديدة تهدف إلى تجاوز مشكلات البيروقراطية التقليدية التي يعاني منها القطاع العام. [24]

فقد أسفرت البيروقراطية عن العديد من المشكلات التي أدت إلى انهيار العديد من الشركات في القطاع الخاص، ويظل هذا “المرض العضال” مستشريا في الأجهزة الإدارية العامة، مما يؤدي إلى تباطؤ النمو، وتراجع الإنتاجية، وعدم القدرة على تنفيذ الاستراتيجيات المقررة بكفاءة.

من الواضح أن الأسلوب الرأسي في الإدارة لا يحقق المصالح التي تركز الدول على تحقيقها، بل يؤدي إلى تعطيل القدرة على التكيف والتطور إضافة إلى ذلك، يرتبط ظهور الفساد ارتباطا وثيقا بهذا النموذج، حيث تزداد احتمالات سوء استخدام السلطة واتخاذ قرارات غير عادلة أو غير شفافة، وهذه الظاهرة لا تقتصر على ثقافة معينة، بل تمتد لتشمل جميع الثقافات والنظم الإدارية.

وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة أمام دول مجلس التعاون الخليجي إلى صياغة خطط استراتيجية مدروسة تعنى بتطبيق مبادئ الحوكمة بصورة فعّالة داخل المؤسسات الحكومية، ويقتضي ذلك إرساء آليات واضحة تعزز قيم الشفافية والنزاهة في جميع التعاملات الإدارية والمالية والاقتصادية، بما يضمن رفع كفاءة الأداء المؤسسي، وتوجيه الموارد نحو تحقيق الأهداف الوطنية الكبرى، وترسيخ ثقة المواطن والمستثمر في آن واحد، إن نجاح هذه الجهود لا يقتصر على تحسين الأداء الحكومي فحسب، بل يشكل أيضا ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار المؤسسي في المنطقة.

الحوكمة الرشيدة، إذا تم تطبيقها بشكل صحيح، تساهم في تقليل الفساد، وتعزز من فعالية الأداء، وتضمن تحقيق التنمية المستدامة في جميع القطاعات، إذن، إن الانتقال من النظم الإدارية التقليدية القائمة على التركيز الرأسي للسلطة إلى نظم أفقية أكثر مشاركة وشفافية، يعتبر خطوة ضرورية نحو تعزيز الحوكمة الرشيدة، التي من شأنها تحسين فعالية الإدارة الحكومية وضمان تحقيق مصالح الجميع.

لقد لوحظ أن بعض الشركات التي بدأت في الأسواق وحققت نتائج اقتصادية متميزة في البداية، تمكنت في فترة قصيرة من تحقيق قفزات اجتماعية واقتصادية كبيرة بفضل توافر الظروف المواتية، هذه الشركات كان لديها القدرة على تحقيق نجاحات ضخمة في الأسواق، وكانت تحظى بثقة كبيرة من المتعاملين معها، لكن المفاجأة كانت في أن هذه الشركات سرعان ما انهارت وتجمدت أنشطتها نتيجة لعدم قدرة أنظمتها الإدارية على التكيف مع المستجدات والمتغيرات التي طرأت في الأسواق الاقتصادية.

من أبرز الأسباب التي أدت إلى انهيار هذه الشركات هو فشل أنظمتها الإدارية في الاستجابة الفورية والفعالة لتلك المتغيرات، إذ كان من الضروري على هذه الشركات أن تواكب التغيرات السريعة التي تحدث في الأسواق، وتواكب التحديات الجديدة في بيئات العمل الاقتصادية غير أن الجمود الإداري وعدم القدرة على التكيف مع هذه المتغيرات أدى إلى تدهور وضعها المالي، وبالتالي إلى انهيار العديد من هذه الكيانات التي كانت عملاقة وواعدة في أسواقها.

على سبيل المثال، تعد شركة “أنرون” (ENRON) واحدة من أبرز النماذج العالمية التي كشفت عن خطورة غياب مبادئ الحوكمة الرشيدة، إذ انهارت بشكل مفاجئ رغم كونها من أكبر شركات الطاقة في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك إثر فضائح مالية كبرى ارتبطت بسوء الإدارة والتلاعب في البيانات المحاسبية، ما أدى إلى خسائر جسيمة للمستثمرين وإفلاس الشركة بالكامل، وفي السياق ذاته، يمكن الاستشهاد بحالة شركة “نوكيا” (Nokia)، التي مثلت يوما ما رمزا عالميا للريادة في صناعة الهواتف المحمولة، غير أنها فشلت في التكيف مع التحولات السريعة في مجال التكنولوجيا، ولم تتمكن من مواكبة الابتكارات المتسارعة التي طرحتها شركات منافسة مثل “آبل” و”سامسونج”، الأمر الذي أدى إلى تراجعها الحاد وفقدانها موقعها الريادي، وتبرز هذه الأمثلة العالمية بوضوح أن غياب الحوكمة الفعالة أو ضعف آلياتها قد يفضي ليس فقط إلى انهيار المؤسسات، وإنما إلى زعزعة الثقة في الأسواق وتكبيد الاقتصاد خسائر فادحة. [25]

هذه الأمثلة تؤكد على أهمية إجراء التغييرات الإدارية بشكل مستمر ومواكبة المستجدات في الأسواق والبيئات الاقتصادية، إن الأنظمة الإدارية التقليدية التي تركز على البيروقراطية والمركزية في اتخاذ القرارات لم تعد قادرة على التكيف مع التغيرات السريعة التي تطرأ على السوق، لذا فإن تحديث الأنظمة الإدارية وتطبيق الحوكمة الرشيدة أصبح أمرا بالغ الأهمية للحفاظ على استدامة الشركات وتحقيق النمو المستمر. [26]

في هذا السياق، تبرز الحاجة إلى تبني أساليب إدارية مرنة قادرة على التفاعل مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة، بما في ذلك تعزيز الشفافية والمشاركة في اتخاذ القرارات، وضمان القدرة على اتخاذ خطوات فورية للتعامل مع أي تغييرات في البيئة الاقتصادية أو السوقية.[27]

المطلب الرابع: الأبعاد المتعددة لأهمية الحوكمة في النظام القانوني والإداري

الأبعاد المتعددة لأهمية الحوكمة في النظام القانوني والإداري يمكن النظر إليها من زاوية تكاملية تجمع بين الأثر التشريعي والتنظيمي والمؤسسي، حيث تمثل الحوكمة الإطار الذي يضمن وضوح القواعد القانونية وتماسكها بما يحقق مبدأ سيادة القانون، فالأنظمة الإدارية والقانونية تحتاج إلى آليات واضحة للشفافية والرقابة والمساءلة، وعندما تتبنى المؤسسات مبادئ الحوكمة فإنها تحد من التعارض بين المصالح وتوجه العمل نحو خدمة الصالح العام، كما تسهم في تعزيز الثقة بين المواطن والإدارة عبر إرساء بيئة قائمة على وضوح الإجراءات وعلانية القرارات، ومن جانب آخر فإن الحوكمة تمثل أداة للحد من الفساد الإداري والمالي، إذ تجعل الرقابة الداخلية والخارجية أكثر فاعلية، وتضع معايير دقيقة للأداء المؤسسي، ما يعزز الكفاءة ويمنع الانحرافات، كما أن البعد القانوني للحوكمة يتجلى في تحديث التشريعات ومواكبتها للمعايير الدولية، بحيث لا تبقى القوانين جامدة، بل تخضع لمراجعة دورية تضمن توافقها مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية، وهذا يفتح المجال لتطوير نظام قانوني مرن قادر على استيعاب المستجدات، إضافة إلى ذلك فإن البعد الإداري للحوكمة يعزز مبدأ العدالة التنظيمية داخل المؤسسات عبر ترسيخ قواعد المشاركة في اتخاذ القرار وتوزيع الصلاحيات بشكل عادل يقلل من التركيز المفرط للسلطة ويضمن إشراك جميع المستويات الإدارية في صنع السياسات، كما أن اعتماد الحوكمة في الأجهزة الإدارية يعزز جودة الخدمات العامة، حيث تصبح الإجراءات مؤتمتة وفق قواعد محددة تقلل من التدخلات الشخصية وتحد من البيروقراطية، وهو ما يؤدي إلى رفع مستوى رضا المواطن عن الأداء الحكومي. [28]

ومن زاوية أخرى تسهم الحوكمة في تعزيز التنافسية المؤسسية على المستويين الوطني والدولي، فالمؤسسات التي تطبق مبادئ الشفافية والمساءلة تكون أكثر قدرة على جذب الاستثمارات وتحقيق الاستدامة، أما في الجانب القضائي فإن الحوكمة تمثل ضمانة للاستقلالية والنزاهة من خلال إخضاع القضاة والمؤسسات القضائية لمعايير واضحة في التعيين والترقية والمحاسبة، وهو ما ينعكس إيجابا على جودة الأحكام وثقة المتقاضين بالنظام القضائي، كما أن الحوكمة الإدارية والقانونية تحقق التكامل بين القطاع العام والخاص عبر وضع آليات واضحة للشراكات والرقابة على العقود العامة بما يمنع الاحتكار ويضمن عدالة المنافسة، وإلى جانب ذلك فإن البعد المجتمعي للحوكمة يتجسد في تمكين الأفراد من الوصول إلى المعلومات القانونية والإدارية، مما يعزز الوعي العام بحقوقهم وواجباتهم ويزيد من المشاركة الشعبية في رسم السياسات، كذلك فإن إدماج مبادئ الحوكمة في النظام التعليمي والإداري يساهم في خلق ثقافة مؤسسية قائمة على النزاهة والشفافية، مما يضمن استدامة هذه القيم على المدى الطويل، ولا يمكن إغفال البعد الرقمي للحوكمة الذي أصبح في ظل التحول الرقمي ضرورة حتمية، حيث تتيح النظم الإلكترونية للإدارة تطبيق مبادئ الحوكمة بفعالية أكبر من خلال الأرشفة الذكية للوثائق، ونشر المعلومات إلكترونيا، وإتاحة قنوات رقمية للتظلم والشكاوى، وهذا يحد من الفساد ويقرب الإدارة من المواطن، كما أن الأبعاد الاقتصادية للحوكمة تظهر في قدرتها على ترشيد الإنفاق العام وتعظيم الاستفادة من الموارد الوطنية عبر سياسات قائمة على الكفاءة والفعالية، وبالتالي يصبح النظام القانوني والإداري أكثر قدرة على تحقيق التنمية المستدامة. [29]

ومن جانب آخر تسهم الحوكمة في تعزيز التكامل الإقليمي والدولي عبر مواءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية، ما يرفع من مكانة الدولة في التصنيفات العالمية ويجعلها أكثر قدرة على الانخراط في النظام الاقتصادي العالمي، كما أن الأبعاد الأخلاقية للحوكمة تعكس التزام النظام القانوني والإداري بالقيم العليا كالعدل والإنصاف والشفافية، مما يعزز مناعة المؤسسات أمام الضغوط السياسية والمصالح الضيقة، وفي ضوء كل ما سبق يمكن القول إن الحوكمة ليست مجرد أداة تنظيمية، بل هي إطار متكامل يعيد تشكيل العلاقة بين القانون والإدارة والمجتمع، ويضمن بناء نظام مؤسسي متماسك قادر على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية بكفاءة وعدالة واستدامة. [30]

الفصل الثاني: الحوكمة كآلية لتعزيز مكافحة الفساد

إن الحوكمة، بما تشمل من معايير وآليات، تلعب دورا حيويا في تعزيز فعالية الهيئات والمؤسسات من خلال توفير إطار عمل منضبط يعزز من القدرة على تحقيق الأهداف المرجوة، وباعتماد هذه المعايير بدقة، يمكن تحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة وتعظيم الفرص التي تستطيع الجهات المعنية اغتنامها من خلال تطبيق أساليب تنظيمية فعّالة، تساهم الحوكمة في تحسين أداء المؤسسات، سواء في القطاع العام أو الخاص.

تعتبر الشفافية وتوافر المعلومات من العوامل الأساسية التي تساهم في تحقيق هذه الأهداف إذا تم فتح الملفات الخاصة بالمؤسسات ومناقشة جميع المسائل المتعلقة بها، فإن ذلك يؤدي إلى تعزيز المشاركة الفعالة من جميع الأطراف المعنية، يصبح من الممكن الكشف عن المعوقات التي تعرقل العمل وتمنع الهيئات من تحقيق المستوى المطلوب من الأداء، إن إشراك جميع الفاعلين في عملية اتخاذ القرار، وتفعيل دورهم في إدارة العمل، يمكن أن يسهم في تحديد القضايا والتحديات التي تواجه المؤسسات والعمل على إيجاد حلول مبتكرة لها.

من أهم المعوقات التي يمكن أن تؤثر سلبا على الأداء المؤسسي هي مشكلة الفساد يعتبر الفساد من أكبر العوامل التي تعيق فعالية الهيئات الحكومية أو الخاصة، حيث يؤدي إلى إهدار الموارد، وتوزيع غير عادل للفرص، وغياب العدالة في اتخاذ القرارات، ويشكل الفساد عقبة كبيرة أمام تطبيق الحوكمة بشكل صحيح، إذ يمكن أن يؤثر على الشفافية والمساءلة، ويعطل العمليات التشغيلية، مما يمنع المؤسسات من تحقيق أهدافها.[31]

عليه، فإن تبني الحوكمة الرشيدة يتطلب النظر إلى جميع الجوانب المرتبطة بها، والعمل على تفعيل الشفافية في جميع المستويات الإدارية من خلال مشاركة جميع الأطراف في عملية صنع القرار، وإتاحة الفرص للجميع للمساهمة في تحسين الأداء المؤسسي، يمكن خلق بيئة صحية تدعم التطور المستدام، وعندما يتم القضاء على المعوقات مثل الفساد، يصبح بالإمكان تحويل المؤسسات إلى هيئات فاعلة ومؤثرة تسهم بشكل إيجابي في التنمية العامة للدولة.

في النهاية، تعتبر الحوكمة أداة أساسية لتحقيق الإصلاح الإداري والاقتصادي، وهي ضرورية لإصلاح المؤسسات وضمان تحقيق النجاح المستدام عبر تعزيز الشفافية، إشراك الجميع في اتخاذ القرار، ومكافحة الفساد، يمكن للمؤسسات أن تحقق أعلى مستويات الأداء وتساهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين.

كما هو الحال في الحوكمة، فإن تفعيلها لا يمكن أن يتم إلا إذا توفرت جميع الجوانب الإنتاجية للهيئات والمؤسسات، حيث أن الحوكمة تعتمد على تطبيق مبادئها بشكل شامل وكامل، فإما أن يتم تبني هذه المبادئ وتطبيقها جميعا، أو تترك بالكامل إذا كانت إحدى الهيئات تعاني من خلل معين في بعض شؤونها، فإن ذلك ينعكس بالضرورة على بقية الجهود المبذولة، ولا يمكن لها أن تؤدي الدور المنوط بها على أكمل وجه، نفس الأمر ينطبق على الفساد، حيث أن صور الفساد ليست واحدة، بل تتعدد وتتفرع داخل المؤسسات بشكل معقد.

الفساد في الهيئات والمؤسسات ليس دائما في صورة واحدة يمكن الإمساك بها أو معالجتها بسهولة، فهناك صور عديدة ومعقدة للفساد يصعب مراقبتها أو كبح جماحها إلا من خلال تطبيق معايير أخلاقية صارمة ومراقبة دائمة للأداء الإداري.

إن نقص المعايير الأخلاقية داخل الهيئات يعزز من حدوث الفساد، فحتى لو كانت الدراسات القانونية قد حددت بعض الصور الشهيرة للفساد مثل الرشوة، الاستيلاء على المال العام، والمحاباة، والمحسوبية، واستغلال النفوذ، إلا أن الفساد يتجاوز هذه الصور ليشمل أبعادا أخلاقية وثقافية تتغير بمرور الوقت وتختلف من بيئة إلى أخرى.

على سبيل المثال، هناك سلوكيات قد لا تصنف في البداية على أنها فساد، ولكنها في الواقع تسهم في تقويض فعالية المؤسسة وتضعف من كفاءتها، مثل التراخي في إنجاز الأعمال أو التقاعس عن أداء المهام المكلف بها الموظف، هذه السلوكيات قد لا تكون واضحة أو قابلة للتوثيق بشكل مباشر، مما يجعل من الصعب تحديد ما إذا كان الموظف قد ارتكب فعل فساد أم لا ولكن، في نهاية المطاف، يؤدي هذا التقاعس إلى إفساد الجهود التي تبذلها المؤسسة وبالتالي التأثير سلبا على أداء الهيئة ككل.

إحدى المشاكل الكبرى في هذا السياق هي صعوبة تحديد معايير واضحة لقياس الكفاءة والالتزام، ففي كثير من الحالات، من الصعب تحديد ما إذا كان الموظف قد أدى عمله بالكفاءة المطلوبة أم لا، خاصة إذا كانت هناك تباين في المعايير وتغيرات ثقافية تؤثر في تفسير هذا السلوك، ما قد يعتبر تقاعسا في مكان قد ينظر إليه على أنه سلوك مقبول في مكان آخر بناء على العادات والتقاليد.

وبالتالي، يكمن التحدي في وضع معايير شاملة وواضحة لقياس الكفاءة والأداء، بحيث تكون قابلة للتطبيق في مختلف السياقات الثقافية والتنظيمية، وهذا يتطلب جهودا متواصلة في تطوير آليات الرقابة والمساءلة، وتطبيق القيم الأخلاقية التي تمنع انزلاق المؤسسات نحو الفساد بأشكاله المختلفة لا يمكن تفعيل الحوكمة بشكل صحيح دون معالجة هذه الأبعاد الأخلاقية وإرساء معايير ثابتة تضمن الشفافية والمساءلة، مما يعزز من قدرة الهيئات على مواجهة الفساد بكافة أشكاله.

يمكن القول إن الفساد قد يحدث في مراحل متعددة من اتخاذ القرار الإداري، ويظهر هذا بوضوح في محاولات الإصلاح الحالية التي تتم في نظام المشتريات العامة في الاتحاد الأوروبي حيث يعكف العديد من الأنظمة القانونية الأوروبية على معالجة الثغرات التي قد تتيح وقوع الفساد في هذا المجال، وهو ما يبرز في التنوع الكبير للخدمات التي تقدم في أنظمة المشتريات العامة، مثل أسواق المواد الأولية الزراعية والغذائية، التي تتطلب بشكل مستمر مراجعة الأسعار وفقا لظروف السوق المتغيرة.

في هذا السياق، من الممكن أن تتحول مراجعة الأسعار إلى نقطة ضعف يتم استغلالها في عمليات فساد متكررة، حيث يسعى البعض إلى تحقيق مكاسب شخصية عبر التلاعب بأسعار المشتريات أو التعاقدات، مما يعيق التنفيذ العادل للصفقات في السوق لذلك، تصبح الحاجة إلى ضمان الشروط العادلة في تنفيذ المشتريات العامة أمرا بالغ الأهمية، إذ أن ذلك يعد حجر الزاوية في تطبيق الحوكمة في هذا المجال.

إحدى الخطوات الأساسية التي يتم اتخاذها لتحسين هذا النظام هي إدخال مزيد من الشفافية في عملية المشتريات العامة، حيث تسعى الحكومات الأوروبية إلى إنشاء منصات تداول تظهر جميع تفاصيل المعاملات والتعاملات المالية في مجال المشتريات العامة، مما يسمح بمتابعة الإجراءات من قبل مختلف الأطراف المعنية والمراقبين.

إن هذه الشفافية تساهم بشكل مباشر في تعزيز الرقابة، وتقلل من الفرص المتاحة للفساد من خلال السماح للجميع بمراقبة ومتابعة جميع العمليات المتعلقة بالمشتريات، ولكن الشفافية وحدها لا تكفي؛ إذ يتطلب الأمر أيضا وضع تشريعات واضحة وفعالة تساهم في تقليل الفساد في هذا المجال.

هذه التشريعات يجب أن تدعم الحوكمة الرشيدة من خلال تنظيم آليات اتخاذ القرار في المشتريات العامة وتحديد المعايير الأخلاقية والقانونية التي يجب أن تحكم هذه العمليات هنا، تلعب الحوكمة دورا حاسما في تقديم أساليب رقابية وإدارية لضبط الأمور بشكل فعال، والتأكد من أن جميع الأطراف المعنية تلتزم بالقواعد والضوابط التي تضمن نزاهة وشفافية المشتريات العامة.

بالإضافة إلى ذلك، يرتبط إصلاح نظام المشتريات العامة بضرورة دمج الحوكمة في جميع جوانب عملية اتخاذ القرار، بداية من تحديد احتياجات السوق، مرورا بعملية الاختيار والتعاقد، وصولا إلى تنفيذ الشروط في السوق، هذا الإصلاح يتطلب تطوير منظومات قانونية وإدارية تساهم في تقليل التلاعب وضمان التوزيع العادل للموارد، أن الإصلاح المستمر لنظام المشتريات العامة، ودمج الحوكمة في هذه العملية، هو خطوة حاسمة للحد من الفساد وضمان الشفافية والعدالة في جميع العمليات التي تتم في هذا المجال. [32]

المطلب الأول: أهمية تصميم نموذج تفرضه الحوكمة لمكافحة الفساد

الحوكمة هي الطريقة التي يتم من خلالها إدارة وتنظيم الأمور داخل المؤسسات والهيئات، سواء كانت تلك المؤسسات تابعة للقطاع العام (الدولة) أو للقطاع الخاص في جميع الأحوال، تعد الأبعاد الاقتصادية من الجوانب الأساسية التي تساعد في تقييم مدى نجاح هذه الكيانات في تحقيق أهدافها الاقتصادية، إذ يعد تحقيق مستويات اقتصادية جيدة أحد الأهداف الرئيسية التي تسعى إليها المؤسسات لتحقيق تحسينات في مستوى حياة الأفراد والمجتمعات، بما يضمن تلبية احتياجاتهم الأساسية ويعزز من رفاهم.

وفي نفس الوقت، تفرض هذه المتطلبات الاقتصادية ضرورة مواجهة التحديات والعراقيل التي قد تعترض الطريق، وهو ما يستدعي أن تكون هناك استراتيجيات لإدارة هذه العوائق بفعالية، علاوة على ذلك، يتعين على المؤسسات وضع مصلحة الأجيال المستقبلية في الاعتبار، لأن هذه الأجيال تمثل استمرارية وجودهم وتطور المجتمع وبالتالي، يصبح من الضروري أن تسعى الحوكمة إلى ضمان استدامة الموارد والفرص للأجيال القادمة.

أن الحوكمة ليست مجرد عملية إدارية بل هي أيضا عملية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية، من خلال توجيه المؤسسات نحو تحقيق الأهداف الاقتصادية، يتم التركيز على تحقيق رفاهية الإنسان والمجتمع بشكل عام، مع مراعاة التحديات التي قد تطرأ أثناء تحقيق تلك الأهداف، كما أن الحوكمة تتطلب تفكيرا استراتيجيا يدمج بين الحاضر والمستقبل لضمان استمرار العوائد الاقتصادية وعدم التأثير سلبا على الأجيال المقبلة.

ما يتم تنفيذه اليوم من برامج وخطط تنموية يأخذ في الاعتبار الفائدة التي ستعود على الأجيال المستقبلية، فهذه الأجيال هي التي ستجني ثمار ما تقوم به الأجيال الحالية، ويظهر هذا بوضوح في قضايا مثل التغيرات المناخية، التي أصبحت محورا رئيسيا للكثير من القمم والمعاهدات الدولية منذ قمة ريو دي جانيرو في يونيو 1992 منذ تلك القمة، بدأ مفهوم إعادة التدوير يكتسب أهمية متزايدة في معظم الدول، كما ظهرت الحركات السياسية الإيكولوجية التي تهتم بالحفاظ على البيئة.

إننا نعيش في الحاضر، ولكن من الضروري أن نولي اهتماما كبيرا للمستقبل، لأنه سيكون مرآة للمشكلات التي نواجها اليوم، مثل الديون التي نترتب على الأجيال القادمة، وموازنات الدول التي تعاني من العديد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية، هذه التحديات ليست محصورة في الدول المتقدمة فقط، بل تشمل أيضا الدول النامية وعليه، يصبح من المهم أن نتساءل: ما الذي يجعلنا نولي اهتماما لأجيال المستقبل؟ وما الفوائد التي يمكن أن تعود علينا من النظر في احتياجاتهم وتحقيق مصلحة لهم؟

أن الحاجة الملحة للموازنة بين احتياجات الحاضر وأولويات المستقبل، إن ما تقوم به الأجيال الحالية من برامج وقرارات يؤثر بشكل مباشر على البيئة والمجتمعات التي ستعيش فيها الأجيال القادمة ولذا، تبرز أهمية البحث في كيفية تحقيق التنمية المستدامة التي لا تضر بالموارد المتاحة للأجيال المقبلة من خلال التوجه نحو حلول مثل إعادة التدوير وحماية البيئة، يسعى العالم إلى تجنب إرث ثقيل من المشكلات البيئية والاجتماعية والاقتصادية التي قد تؤثر سلبا على المستقبل، كما أن السؤال عن كيفية استفادة الأجيال القادمة يفتح الباب أمام التفكير في استراتيجيات مبتكرة تضمن تحسين الأوضاع على المدى البعيد.[33]

في الحقيقة، الإجابة على هذه التساؤلات ليست بالأمر السهل، خاصةً عندما نحاول فهم ما الذي ينبغي أن نقوم به من واجبات تجاه الأجيال القادمة هذا يتطلب منا احترام ما قدمه أسلافنا لنا من تضحيات وإيثار، إذ لولا هذا الإيثار لما كانت لنا حياة كما نعيشها اليوم، إن هذا الالتزام الذي كان لديهم تجاهنا يفترض أن يعود علينا الآن بدور مماثل، وهو أن نعمل على حماية رفاهية الأجيال القادمة وضمان حياة أفضل لهم.

ومن هنا، تصبح مسؤوليتنا أن نعمل على إيجاد حلول للمشكلات التي نواجها اليوم بكل أشكالها، سواء كانت انبعاثات حرارية تؤثر على البيئة أو ديون تؤرق اقتصادات الدول، كما يجب أن نسعى إلى إيجاد نوع من الانسجام بين مختلف الأطراف والمصالح، مع إدراك أن الإيثار يعد من الأبعاد الأساسية التي ينادي بها العقلانيون في عالم اليوم وعليه، يصبح الاقتصاد الإيجابي، الذي يدمج بين الطموح والنفع العام، هو الهدف الذي يسعى الجميع لتحقيقه في المستقبل.

هناك تحديا فلسفيا وأخلاقيا عميقا، حيث يطرح تساؤلات حول كيفية التوازن بين احتياجات الحاضر وواجبات المستقبل، لا يمكن تجاهل أن الأجيال السابقة قدمت الكثير من التضحيات التي سمحت للأجيال الحالية بالعيش والازدهار، وبالتالي فإن المسؤولية تنتقل إلينا لنحمي مصالح الأجيال القادمة، إن هذه التحديات تتطلب حلولا مبتكرة وعقلانية يمكن أن تسهم في تقليل الأضرار البيئية والاقتصادية، وفي الوقت ذاته تعمل على تعزيز رفاهية الأجيال القادمة، يعكس النص أيضا أهمية تبني مفاهيم مثل “الإيثار” و”الانسجام” لتحقيق توازن مستدام بين المصالح الإنسانية والبيئية، وبالتالي يضع الأساس لفهم الاقتصاد الإيجابي كطموح اقتصادي وأخلاقي للمستقبل.

تسعى دول مجلس التعاون الخليجي بجهود حثيثة إلى مواجهة الفساد عبر تنظيم المؤتمرات وورش العمل والجلسات التفاعلية، في محاولة لصياغة بيئة مؤسسية أكثر نزاهة وشفافية، ولعل أبرز الآليات التي يتم تبنيها في هذا المجال هو تطبيق مبادئ الحوكمة الحديثة وفق الأسس والمعايير الدولية، والتي تشمل المساءلة، وسيادة القانون، والشفافية، وحق الاطلاع، وآليات الإبلاغ الداخلي، فضلا عن تبني مدونات السلوك الوظيفي، غير أن هذه الجهود، رغم أهميتها، تواجه تحديا يتمثل في أن الفساد ليس مجرد ظاهرة إجرائية يمكن استئصالها عبر النصوص واللوائح، بل هو منظومة متجذرة في بعض البنى الإدارية والاقتصادية.

إن القول بأن الالتزام الصارم بالحوكمة قادر على القضاء على الفساد “بشكل نهائي” قد يبدو طموحا مثاليا، لكنه في الوقت ذاته يتجاهل أن الفساد ظاهرة ديناميكية تتكيف مع التطورات التشريعية والرقابية لذلك، فإن نجاح الحوكمة لا يقاس فقط بوجود تشريعات متقدمة أو مدونات سلوك معلنة، بل بقدرة المؤسسات على تفعيل هذه المبادئ عمليا، وبناء ثقافة إدارية داخلية قائمة على النزاهة والمساءلة الحقيقية، وهنا يبرز التحدي الأكبر، وهو الانتقال من مستوى المبادرات الرمزية والمؤتمرات النظرية إلى مستوى الممارسات اليومية الفعلية التي تلمسها المجتمعات في الأداء الحكومي.

في هذا السياق يشير إلى الجهود الحثيثة التي تبذلها دول مجلس التعاون الخليجي لمكافحة الفساد داخل المؤسسات الحكومية، ويتضح أن تلك الدول تعتمد على تطبيق الحوكمة وفقا للمعايير الدولية كإحدى الأدوات الرئيسية لمكافحة الفساد، حيث تتمحور الحوكمة حول تعزيز الشفافية والمساءلة والنزاهة، ويعكس هذا التوجه أن الفساد ليس مجرد مشكلة إدارية، بل هو تحد اجتماعي واقتصادي يستدعي إجراءات صارمة، من خلال تطبيق هذه المبادئ والمعايير، يفترض أن يتم تحجيم الفساد في مختلف القطاعات، مما يؤدي إلى تعزيز الثقة العامة وتحقيق التنمية المستدامة.

المطلب الثاني: دور الحوكمة في تحقيق التنمية المستدامة

ما يسود الاقتصاديات الحالية وما يتبعها من فلسفات مجتمعية حديثة هو حالة الاستعجال، حيث ينظر إلى الأهداف قصيرة المدى على حساب المدى الزمني الطويل، مما يؤدي إلى وقوع أضرار كبيرة تساهم في تحويل الحياة إلى سلسلة من المشكلات التي تلقى تبعاتها على المستقبل، ومن هنا يأتي دور الاقتصاد في إعادة توجيه الرأسمالية نحو تلبية متطلبات المدى الطويل، مع الأخذ في الاعتبار مصلحة الأجيال القادمة، هذا الإيثار تجاه المستقبل يصبح الدافع المحوري الذي يحرك الفاعلين الاقتصاديين نحو إنعاش اقتصاد السوق الحالي.

وفي هذا السياق، نجد العديد من المبادرات الإيجابية التي ركزت على المسؤولية الاجتماعية للشركات، حيث تتولى الشركات مسؤولياتها تجاه المجتمع من خلال الاستثمار في المبادرات التي تدعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية، كما تعزز ممارسات مثل التجارة العادلة، والتي تساهم في تحقيق التوازن الاجتماعي والاقتصادي، لكن من أجل أن يكون الاقتصاد قادرا على الانتقال إلى نموذج أكثر استدامة، يجب إجراء تغييرات على جميع الأصعدة الاقتصادية المعمول بها.

المشكلة الرئيسية تكمن في أن اقتصاد السوق الحالي يفتقر إلى الموضوعية في التعامل مع القضايا الاقتصادية الكبرى على سبيل المثال، يظل التمويل مسألة معقدة، مما يجعل من الصعب توجيه الاستثمارات نحو المدى الطويل لذا، يجب أن يتحول الاقتصاد ليركز على إيداع المدخرات على المدى الطويل، مما ينتج فائضا هائلًا يمكن استخدامه لإعادة تنظيم الاحتياجات الكبرى في المستقبل هذا التوجه يتطلب أن تصبح الموازنة أداة قوية تستطيع التأثير على مجريات الأمور وتقديم الخدمات بشكل مستدام.

أما على مستوى الشركات، فإن طغيان الاستعجال أصبح سمة بارزة، إذ أصبحت الشركات مضطرة لتلبية المتطلبات المالية العاجلة والمبادرة بتعويضات للمساهمين، إضافة إلى التعامل مع المصالح المختلفة في الشركات، ويؤدي هذا الضغط إلى تقليص هامش المناورة المتاح للابتكار والاستثمار على المدى الطويل وبالتالي، يصبح من الضروري أن تتحول الأنشطة الاقتصادية إلى نموذج يأخذ في اعتباره تحقيق الأهداف المستقبلية، مما يساعد في بناء مشاريع اقتصادية مستدامة.

أن التحديات التي يواجها الاقتصاد العالمي في ظل ضغط تحقيق النتائج السريعة على حساب التفكير في المدى الطويل، يؤكد النص على ضرورة إعادة التفكير في نموذج الاقتصاد الرأسمالي الحالي، بحيث يأخذ في الاعتبار مسؤولية الأجيال القادمة ويركز على استثمارات طويلة الأجل، خاصة في مجالات مثل المسؤولية الاجتماعية كما يعترف النص بوجود مشكلة هيكلية في اقتصادات السوق، تتمثل في الميل إلى العاجل على حساب الاستدامة، هذه النقطة تبرز أهمية إجراء تغييرات هيكلية في النظام الاقتصادي لتحفيز الاستثمارات التي تضمن نموا طويل الأجل، وهو ما يعتبر أمرا حيويا لضمان توازن الاقتصاد ومواجهة التحديات المستقبلية.[34]

علاوة على الأبعاد الاقتصادية، تعتبر الأزمة أيضا مشكلة اجتماعية وأخلاقية، حيث يتولد عنها عدم المساواة بسبب النظام الذي تقوده غالبية القوى الاقتصادية، هذا النظام لا يتجاوز حدود الاستهلاك، ويؤدي إلى زيادة الفجوات بين الأفراد، مما يجعل الكثير منهم في وضع مأساوي، إذا لم يعد النظام الاقتصادي الحالي توجيه مساره نحو أخذ الأمور في الحسبان على المدى الطويل، سيكون من المستحيل مواجهة التحديات البيئية والاجتماعية والسياسية المستقبلية، فضلا عن التحولات التي قد تطرأ على القيم السائدة، وهو ما قد يؤدي إلى ظهور ظواهر يصعب التعامل معها، وعندما تحدث، قد تؤدي إلى فوضى وإفلاس الدول، بالإضافة إلى العجز في مواجهة التغيرات المناخية وظهور الاقتصاد غير المشروع.

في هذا السياق، تأتي أهمية الحوكمة، التي تؤسس لاقتصاد قادر على أداء مهامه بشكل أكثر إيجابية، مما يمنحه القدرة على حل الأزمات وتجنب الكوارث، أحد الأسس التي يقوم عليها بناء الرأسمالية الحديثة هو الاستثمار في المستقبل، من خلال التمويل الإيجابي الذي يدعم النمو المستدام ويخلق فرص العمل هكذا، يسهم هذا النوع من التمويل في تعزيز الاقتصاد الفعلي ورفع مستويات الثروات والتوظيف.

أما فيما يتعلق بالتنمية، فقد كان الحديث في الماضي يدور حول مفهوم التنمية التقليدية، لكن الآن أصبح “التنمية المستدامة” هو الهدف الأساسي الذي تسعى الدول لتحقيقه، لا يمكن الوصول إلى الاستدامة إلا إذا كانت الأسس التنموية قائمة على استراتيجيات متينة وقوية، تمكن المؤسسات في الدولة، سواء كانت في القطاع الخاص أو العام، من تنفيذ خطط فعالة تسهم في تحقيق الأهداف التنموية وتحسين الظروف المعيشية للأفراد.

في دول مجلس التعاون الخليجي، يتمثل التحدي في كيفية تحقيق التنمية المستدامة ضمن سياق اقتصادي يعتمد في الغالب على الموارد النفطية هذه الدول، على الرغم من ثرواتها الهائلة، تواجه ضرورة التنويع الاقتصادي والتوجه نحو استدامة الموارد، تبرز أهمية الحوكمة هنا من خلال تطبيق سياسات مالية واقتصادية تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط، وتعزيز القطاعات غير النفطية مثل التكنولوجيا المتقدمة والسياحة والخدمات المالية.

علاوة على ذلك، يتعين على دول مجلس التعاون تطبيق أسس التنمية المستدامة من خلال الاستثمار في البنية التحتية الحديثة، وتحسين نظام التعليم والابتكار، فضلا عن تبني استراتيجيات حماية البيئة والتعامل مع التغيرات المناخية بشكل أكثر فاعلية، من خلال هذه السياسات المتكاملة، يمكن لدول المجلس التعاون الخليجي أن تضمن تحقيق التنمية المستدامة والتكيف مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية المستقبلية. [35]

المطلب الثالث: الحوكمة ودورها في تحقيق المواءمة بين الأهداف والنتائج

عند قيام إدارة الدولة بتأسيس مؤسساتها وهيئاتها العامة، يتم تحديد أهداف واضحة تسعى لتحقيقها، كما يفعل الأفراد في القطاع الخاص عند تأسيس مؤسساتهم، حيث يضعون أهدافا محددة يتطلعون لتحقيقها، وبين الأهداف والنتائج، توجد مجموعة من العوامل التي تحدد ما إذا كانت هذه الأهداف قد تحققت أم لا، في هذا السياق، تبرز أهمية الحوكمة، حيث تعمل الدولة على ضمان تحقيق الأهداف من خلال الإدارة الفعالة للمؤسسات العامة، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية.

في ظل النظام الرأسمالي، لا تسعى الدولة بشكل مباشر لتحقيق المكاسب المالية كما يفعل القطاع الخاص، بل تقوم بتوفير البيئة المناسبة للأفراد لممارسة الأنشطة الاقتصادية المختلفة، في الوقت نفسه، تستفيد الدولة من مصادرها الخاصة التي تستخدم لتمويل الخدمات العامة والإدارة الحكومية، بما فيها توفير الاحتياجات الأساسية والخدمات للمواطنين الذين لا يمكنهم المشاركة الفعالة في الاقتصاد الحر، هنا تبرز مسؤولية الدولة في تجميع الإيرادات العامة لتغطية هذه النفقات من خلال موازنتها.

من أجل تحقيق ذلك، يتطلب الأمر من الدولة مراجعة الآليات المعمول بها في جميع المؤسسات العامة والخاصة على حد سواء، كما يجب أن تقوم الحوكمة بعملية تقييم شاملة لطرق إدارة الأعمال في هذه المؤسسات، ومتابعة ما إذا كانت تقوم بدورها بشكل فعال لتحقيق الأهداف المنشودة، في حال تبين أن بعض الجهات لا تحقق الأهداف المرسومة لها، يجب على الدولة اتخاذ الإجراءات المناسبة، مثل توجيه الملاحظات وتحفيز العاملين في تلك الجهات على تحسين أدائهم بما يساهم في تحقيق النفع العام وتعزيز مكانة الدولة في مسار التقدم والنمو المستدام.

ومع ذلك، تبقى صعوبة تحقيق الحوكمة في العديد من الجهات بسبب غياب الكفاءات البشرية المدربة والمؤهلة، التي تمتلك الخبرات والمعارف اللازمة لتقديم حلول فعالة للمشكلات التي تواجه هذه الجهات، بالإضافة إلى ذلك، من الضروري أن تتمكن الكفاءات من تقديم طرق مبتكرة لتحسين سير العمل، والوصول إلى مستوى يرضي الجمهور المتلقي للخدمات، إذ لا تقتصر الحوكمة على الأداء الإداري فقط، بل تمتد إلى تحسين الجودة وكفاءة الخدمة المقدمة للمواطنين.

أن النجاح في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للمؤسسات العامة والخاصة يعتمد بشكل كبير على فاعلية الحوكمة، والتي تشكل الإطار الذي يضمن تحقيق الأهداف بطرق فعالة ومنهجية، تتضح هنا أهمية مراجعة وتقييم الأداء المؤسسي بانتظام لضمان أن المؤسسات تعمل بالشكل الأمثل لتحقيق النفع العام، كما يتناول النص قضية غياب الكفاءات البشرية المدربة كمشكلة رئيسية في تطبيق الحوكمة بشكل فعال، ويؤكد على أن تحقيق النجاح يتطلب الاستثمار في تطوير الكفاءات وتحفيز الإبداع والابتكار لتحسين الأداء المؤسسي، مما يسهم في تعزيز الثقة العامة وتحقيق التقدم المستدام.

تضع الحوكمة نماذج وإطارات عمل يجب على الجهات الفاعلة أن تسير وفقًا لها، وهذه النماذج يتم تطويرها عادة من قبل شركات متخصصة في مجال الحوكمة، حيث تقوم بتقديم مقررات ودورات تدريبية للمؤسسات والجهات المختلفة حسب نوع الأنشطة التي تقوم بها بعد ذلك، يطلب من الأفراد داخل هذه الجهات تقديم مقترحاتهم بشكل دوري لضمان تحسين الأداء وتحقيق الأهداف من خلال هذه العملية، يمكن الوصول إلى نموذج حوكمة يضمن تحقيق أعلى مستوى من الرضا لدى المعنيين، ويضمن أيضا القدرة على مواجهة الأزمات والتحديات التي قد تواجه المؤسسات.

تتمثل أهمية هذا النموذج في قدرة المؤسسات على التعامل مع الأزمات بشكل فعال باستخدام الموارد والآليات المتاحة، خاصة في الظروف الاستثنائية، هذه القدرة على التكيف مع الأزمات تعتبر أساسية لضمان استمرارية العمل في المؤسسات وتفادي الأضرار التي قد تنجم عن حدوث الأزمات، في حال فشلت الجهات في التعامل مع الأزمات، فإن ذلك قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على المؤسسات، مثل تعطيل خدماتها أو حتى إغلاقها، مما يشكل عبئا على الدولة في بعض الحالات، قد يؤدي ذلك أيضا إلى خسائر مالية كبيرة، وقد يتسبب في تشريد العاملين في هذه المؤسسات.

في هذا السياق يبرز الدور الحيوي الذي تلعبه الحوكمة في تعزيز استقرار المؤسسات وضمان قدرتها على مواجهة الأزمات، فهو يشير إلى أن الحوكمة ليست مجرد إطار تنظيمي، بل هي أيضا أداة حيوية تساهم في حماية المؤسسات من الأزمات والتحديات التي قد تعصف بها، من خلال التدريب المستمر وتقديم المقترحات الدورية، تضمن المؤسسات أن لديها خططًا مرنة وفعالة للتعامل مع أي طارئ، مما يعزز استدامتها وقدرتها على الوفاء بمهامها، وهذا التوجه ينعكس إيجابيا على الدولة والمجتمع، حيث يسهم في الحفاظ على استمرارية الخدمات العامة وتقليل الآثار السلبية للأزمات، مثل فقدان الوظائف أو تعطيل الخدمات الحيوية.[36]

تدرك الحوكمة بشكل فعال أن المؤسسات والهيئات والشركات تمثل روح الدول نفسها، حيث إنها مسؤولة عن مصير العنصر البشري الذي يعد حجر الزاوية في اقتصاد الدولة، فالأفراد الذين يعملون في هذه المؤسسات هم من يتحكمون في مسار الأمور الاقتصادية والاجتماعية في الدولة وبالتالي، فإن الحوكمة تعنى بمراجعة الإجراءات والسياسات المتبعة لضمان سير الأمور بطريقة فعالة وشفافة، من خلال تفعيل الرقابة والمراجعة الدورية، يمكن تجنب الفساد والكشف عن أية ممارسات غير سليمة داخل المؤسسات الحكومية والخاصة، إن غياب هذه الرقابة قد يؤدي إلى انهيار بعض الجهات التي قد لا تكون واعية للمتغيرات من حولها، وبالتالي تصبح الدولة في حاجة لتدخل سريع لإصلاح أي خلل قد يظهر.

إحدى أبرز أدوار الحوكمة هي مراقبة كافة الكيانات المؤسساتية لضمان استمرارية سير الأمور بشكل صحيح، في حال تم اكتشاف خلل في بعض الجهات، فإن تدخل الدولة يصبح ضروريا لتوجيه وإصلاح هذه الأخطاء، من خلال تقديم النصائح والإرشادات، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتجنب التدهور أو الانهيار في المؤسسات. وهذا يمثل أهمية كبيرة في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للدولة.

عندما نأخذ مثال الأزمة العالمية الأخيرة (كوفيد-19)، يمكن ملاحظة أن فلسفة إدارة الأزمات كانت تختلف من دولة إلى أخرى، وذلك بناء على قدرتها على تطبيق الحوكمة الفعالة، الدول التي تمكنت من اتخاذ قرارات سريعة ومدروسة استنادا إلى نظم حوكمة قوية كانت أكثر قدرة على تخفيف آثار الأزمة وتجاوزها بنجاح، كما أظهرت الأزمة أن الرقابة الفعالة قادرة على حماية الدول من الخسائر الكبيرة على كافة الأصعدة، بما في ذلك الاقتصاد الجزئي.

من جهة أخرى، يعد ضعف الرقابة على شركات القطاع الخاص من أبرز التحديات، حيث يتيح ذلك لهذه الشركات التلاعب بمصالح العملاء، شركات قد تستغل أموال عملائها لتحقيق مكاسب وهمية من خلال عمليات تدليس متعمدة، ما يؤدي في النهاية إلى انهيار هذه الشركات وتساقطها في دوامة المحاكمات القانونية لذلك، من الضروري تفعيل الرقابة على هذه الشركات وفقا لمعايير الحوكمة، وضمان الشفافية وتداول المعلومات، مما يسهم في الكشف المبكر عن أي ممارسات غير قانونية أو غير أخلاقية.

هذا السياق يعكس الدور الحيوي للحوكمة في ضمان استقرار المؤسسات وحمايتها من المخاطر التي قد تطرأ نتيجة للفساد أو ضعف الرقابة، الحوكمة ليست فقط مجموعة من القواعد والإجراءات، بل هي أداة حيوية لضمان الشفافية، والمساءلة، والكفاءة في عمل المؤسسات الحكومية والخاصة، كما يظهر النص أن الرقابة الفعالة ليست فقط وسيلة للحفاظ على نزاهة المؤسسات، بل هي أيضا ضمان للحد من المخاطر الاقتصادية والاجتماعية التي قد تضر بمصالح المواطنين، أهمية تفعيل الرقابة تظهر بوضوح من خلال التجارب العملية مثل أزمة كورونا، حيث أثبتت الدول التي تمتلك أنظمة حوكمة مرنة وفعالة قدرتها على التكيف مع الأزمات وتجاوزها بأقل الخسائر.[37]

تكمن أهمية الربط بين الأهداف والنتائج التي تم تحقيقها في تقييم النتائج ومدى مطابقتها للأهداف التي وضعت في البداية وهو ما يعتبر من النقاط المحورية في تطبيق الحوكمة الفعالة، في الأنظمة الإدارية القديمة، كانت هناك إشكالية تتمثل في غياب التقييم الموضوعي والشامل للأهداف، مما جعل تحليل النتائج غالبا ما يعطي مؤشرات غير مرضية أو قد تكون حتى مخالفة للأهداف المرسومة، أحد الأسباب وراء ذلك هو أن آليات التقييم كانت في كثير من الأحيان تفتقر إلى الدقة والموضوعية، مما يؤدي إلى شعور بالرضا غير المبرر عن النتائج رغم العجز الواضح في الأجهزة الإدارية عن تحقيق الأهداف بشكل فعال.

تواجه العديد من دول العالم تحديات متنامية في قطاعات حيوية مثل البنية التحتية، والصحة، والتعليم، والإعلام، ورغم ما تحقق من إنجازات ملحوظة في بعض الدول، فإن دولا أخرى ما زالت تعاني من قصور واضح في هذه المجالات، الأمر الذي يعكس محدودية النظم التقليدية المعتمدة في تقييم الأداء وقياس النتائج.

وغالبا ما تكشف هذه التحديات عن فجوة بين الخطط والسياسات المعلنة وبين ما يتحقق فعليا على أرض الواقع، نتيجة اعتماد آليات تقييم شكلية تركز على الأرقام والإحصاءات أكثر من تركيزها على الأثر النوعي في حياة المواطنين، هذه الفجوة تضعف الثقة بين المجتمع ومؤسساته، وتؤكد الحاجة الماسة إلى أدوات أكثر موضوعية وفاعلية في رصد الأداء وإصلاح مواطن الخلل.

في هذا السياق، تبرز الحوكمة كأداة استراتيجية لإعادة ضبط المعايير وتصحيح المسارات، من خلال إرساء مبادئ الشفافية والمساءلة وتعزيز المراجعة المستمرة للعمليات الإدارية والتنموية، فالاعتماد على الحوكمة لا يسهم فقط في تحسين الأداء المؤسسي، بل يتيح أيضا خلق بيئة أكثر عدالة وفاعلية، قادرة على مواكبة المتغيرات العالمية وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للدول على المدى البعيد.

أحد المبادئ الأساسية التي تركز عليها الحوكمة هو التحقق من الوصول إلى نتائج سليمة تعكس واقعا حقيقيا على الأرض، وليس مجرد نتائج شكلية تهدف إلى إرضاء أطراف معينة دون الأخذ في الاعتبار الواقع الفعلي، وتعد الحوكمة أداة هامة في تجاوز الثقافة الإدارية السابقة التي كانت تعتمد على مبدأ لم يكن بالإمكان أفضل مما كان، حيث تؤكد الحوكمة على أهمية السعي لتحقيق أفضل النتائج الممكنة وتقديم حلول أكثر فاعلية لتلبية احتياجات المواطنين وتحقيق التنمية المستدامة.

هذا السياق يعكس التحديات التي قد تواجه الأنظمة الإدارية التقليدية في تقييم الأداء، ويبرز أهمية الحوكمة كأداة لضمان تقييم النتائج بشكل دقيق وواقعي، يوضح أن الحوكمة لا تقتصر فقط على تحقيق الأهداف بل تشمل أيضا المراجعة المستمرة والتقييم المستند إلى معايير موضوعية تضمن الشفافية والنزاهة، الفارق الأساسي بين الحوكمة القديمة والجديدة يكمن في أن الحوكمة الحديثة تشجع على السعي لتحقيق الأفضل دائما، وتؤكد على أهمية التغيير والتطوير المستمر بما يخدم الصالح العام.

الفصل الثالث: دور الحوكمة في تعزيز فعالية إدارة المخاطر

تشكل الحوكمة نموذجا حديثا لإدارة المؤسسات والهيئات من خلال المشاركة الجماعية في اتخاذ القرارات، وهو أسلوب تنظيمي جديد يعكس فكرا جمعيا متطورا يتيح هذا النموذج وجود آليات تحدد كيفية عمل المجموعات في اتخاذ القرارات، مما يعزز من قدرة الأفراد على المشاركة في المسؤولية والعمل الجماعي.

كما يتيح للأعضاء إيجاد طرق فعالة لتحقيق الأهداف، وتصريف الموارد المتاحة، وإدارة المعلومات المتوفرة في يد الأجهزة الإدارية، حيث يتم استخدام هذه المعلومات للتعامل مع الأزمات وحل المشكلات بشكل أسرع وأكثر كفاءة من خلال الحوكمة، يمكن لكل فرد في المؤسسة أن يتولى دور القائد في مواجهة التحديات المتجددة، مما يعزز من قدرة المؤسسة على التكيف مع المتغيرات.

في السياق الاقتصادي، وفي ظل التنافس المتزايد، ما تزال العديد من الشركات تعتمد على الأساليب القديمة في الإدارة التي تعتمد على اتخاذ القرارات من قبل شخص واحد، مما قد يؤدي إلى الاستبداد في اتخاذ القرارات، هذه الشركات تكون أقل قدرة على تبني أساليب إدارة الأزمات الحديثة باستخدام الوسائل التكنولوجية، الاجتماعية، والبيئية التي أصبحت متاحة اليوم لمواجهة التحديات، وعلى الرغم من ذلك، يعتبر الانتقال إلى أسلوب الإدارة الجماعية الذي يعتمد على التكنولوجيا الحديثة في اتخاذ القرارات وتحليل الأزمات، خطوة نحو تحسين جودة الإدارة بشكل عام، حيث أن هذا النموذج يساهم في تطوير القدرة على مواجهة التحديات بكفاءة أكبر.

في هذا السياق يبرز التحول الذي تشهده الأنظمة الإدارية في ظل الحوكمة الحديثة، حيث يتم الانتقال من نماذج الإدارة التقليدية التي تعتمد على فرد واحد إلى نماذج تشاركية وجماعية تساهم في توزيع المسؤوليات واتخاذ القرارات، هذا النموذج يتيح للجميع المشاركة الفعالة في الإدارة، مما يعزز من القدرة على التعامل مع الأزمات بمرونة وسرعة أكبر بالإضافة إلى ذلك، يؤكد النص على ضرورة تكامل التكنولوجيا والوسائل الحديثة في أساليب الإدارة الحديثة للتغلب على العقبات الاقتصادية والاجتماعية.[38]

الإدارة الجماعية تمثل مبدأ حديثا في كيفية تنظيم وتوزيع المسؤوليات داخل المؤسسات، وتعتبر عاملا محوريا في تحفيز الجميع على المشاركة الفعالة في العمل مما ينعكس إيجابيا على الأداء العام للشركات، هذا الأسلوب يعزز قناعة الأفراد بأهمية أدوارهم داخل المجموعة، ويخلق بيئة من الرضا الوظيفي، حيث يتاح لكل موظف فرصة المساهمة الفعالة في اتخاذ القرارات وتنفيذ المهام وبالتالي، يتولد الإبداع والابتكار بشكل دائم، ما يساهم في تحسين الأداء وزيادة الإنتاجية، مثال على ذلك هو شركة “أمازون” التي تبنت هذا النوع من الإدارة الجماعية وحققت قفزات كبيرة بفضل أسلوبها في توزيع المسؤوليات واستخدام التكنولوجيا المتقدمة.

لقد تبين أن الشركات التي اتبعت أسلوب الإدارة الجماعية على النحو الأفقي قد حققت نتائج استثنائية، وذلك بفضل القدرة على الاستجابة السريعة للأزمات، وتحسين جودة اتخاذ القرارات من خلال مشاركة كل الأفراد في العملية، وأدى ذلك إلى تحقيق التضامن بين الموظفين، والذي سهل إدارة المخاطر والتوترات الداخلية، من خلال هذه البيئة، يتم تفعيل طاقات كل العاملين في المؤسسة، مما يساهم في تحسين بيئة العمل العامة ويؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتحقيق أهداف المؤسسة بشكل أكثر فعالية.

أحد الفوائد الرئيسية للإدارة الجماعية هو تفعيل المرونة لدى الموظفين وتمكينهم من التعامل مع التغييرات، والأزمات، والمخاطر بصورة استباقية، عندما يمنح الموظفون القدرة على المشاركة في اتخاذ القرارات والقيام بمهامهم بحرية، يصبحون أكثر استعدادا للاستجابة بشكل سريع وفعال للأحداث غير المتوقعة، يعزز هذا من قدرتهم على ملاحظة الفروق بين الحقيقة والتوقعات، ويشجعهم على استخدام “الذكاء الجمعي” الجماعي لمواجهة تحديات العمل.

الإدارة الجماعية ليست مجرد نظرية، بل هي فلسفة تنظيمية تقوم على مجموعة من المبادئ التي تبنى عليها آليات عمل متكاملة داخل المؤسسة، هذه الفلسفة تركز على استبدال النظام الإداري الهرمي التقليدي بنظام أفقي يسمح بتوزيع المسؤوليات بشكل أكثر تساويا بين جميع الموظفين، كل دائرة في المنظمة، التي تمثل مجموعة من الموظفين، تكون مسؤولة عن اتخاذ قرارات محددة وتعمل ضمن إطار عام تتشكل فيه دائرة أخرى أعلى ترتبط بها، ما يساهم في إحداث توازن بين القوة والسلطة داخل المؤسسة، كما أن هذا النظام يسمح بتكييف الهيكل التنظيمي لتلبية احتياجات الشركة بشكل مرن، وبالتالي تعزيز قدرتها على التكيف مع التغيرات السريعة في السوق.

في هذا النموذج، يتم توزيع المهام الوظيفية بحيث يكون لكل موظف دور واضح يتماشى مع الأهداف العامة للمؤسسة، مما يعزز من قدرات الموظفين ويشجعهم على الابتكار والمشاركة الفعالة وعليه، فإن الإدارة الجماعية تضمن تحقيق التوازن بين الأفراد والأدوار، وتوفر بيئة عمل مرنة ومتجددة تواكب احتياجات التطور السريع داخل الشركات.

هذا السياق يسلط الضوء على أهمية الإدارة الجماعية كفلسفة إدارية تركز على المشاركة الفعالة لجميع الأفراد في اتخاذ القرارات وتنفيذ المهام من خلال هذه الفلسفة، يمكن للمؤسسات أن تحقق مرونة أكبر في التعامل مع التحديات والفرص، مما يعزز الابتكار والإبداع في العمل، كما يظهر أن النظام الأفقي، الذي يعتمد على توزيع السلطة بين الدوائر الداخلية، يساهم في تحسين إدارة الأزمات والقرارات الاستراتيجية داخل المؤسسة.[39]

الإدارة الجماعية تعتمد على التنظيم الأفقي حيث تتوزع المسؤوليات بين الأفراد داخل الدوائر المختلفة في المؤسسة، وتعزز هذه الطريقة التعاون والانسجام بين الفرق المختلفة لتحقيق الأهداف المشتركة في هذا النموذج، يكون لكل دائرة موظف مسؤول يضمن التنسيق مع الدائرة الأعلى، وهو مسؤول ليس فقط عن المهام التي يتم تكليفه بها، بل أيضا عن تخصيص الموارد اللازمة لتحقيق أهداف الدائرة التي يعمل ضمنها، هذه المسؤولية لا تقتصر فقط على الوظائف التقليدية للمدير، بل تتوسع لتشمل عناصر من الحوكمة مثل تدوير الأدوار وإدارة التوترات بين الدوائر المختلفة.

تعد عملية “تدوير الأدوار” أحد الجوانب الحيوية للإدارة الجماعية، حيث يقوم الأفراد داخل الدائرة بتولي مهام متعددة بحسب الحاجة، ما يعزز مرونة الفريق ويسمح له بالتكيف مع التغيرات بشكل أسرع، كما أن هناك دورا مهما للموظف الذي يتولى مهمة ربط الدائرة مع الدوائر الأخرى، حيث يعزز التكامل بين مختلف الأقسام ويضمن استمرارية التعاون عبر مختلف الفرق، بفضل هذا الهيكل، تكون التوترات بين الدوائر مرحلة إلى الدوائر الأعلى لمعالجتها، مما يعزز من فاعلية اتخاذ القرارات ويساعد في إدارة الأزمات.

تتيح الاجتماعات الدورية في بداية كل أسبوع لأعضاء كل دائرة مناقشة التحديات المطروحة، والإجابة على التساؤلات مثل “ماذا ينبغي علينا أن نفعل؟” كما تتيح لهم فرصة التعاون مع الدوائر الأخرى للحصول على الدعم وتبادل الحلول، هذه الاجتماعات تساعد في معالجة التوترات المحتملة التي قد تؤثر على هيكل المؤسسة، مما يعزز من قدرة المؤسسة على الحفاظ على استقرارها واستمراريتها في مواجهة التحديات.

هذا السياق يعكس نموذجا مرنا وفعالا للإدارة الجماعية التي تعتمد على التنسيق بين الأفراد عبر الدوائر المختلفة في هذا النموذج، تصبح الحوكمة جزءا لا يتجزأ من العمليات اليومية، حيث يشجع الأفراد على التعاون وتبادل المسؤوليات لضمان نجاح المؤسسة، كما أن الاجتماعات الدورية تساهم في تجنب الأزمات المحتملة، وتوفر بيئة عمل مرنة وقادرة على التكيف مع التغيرات.[40]

بحسب إيفان وليامز، مؤسس تويتر، فإن التصرفات التي يشير إليها تتطلب خلق بيئة من التعاون الجماعي، حيث يمكن الجميع من مشاركة المعرفة والآراء حول القضايا الغامضة والآثار المحتملة التي قد تطرأ هذا التعاون يساهم في فهم القضايا بشكل أفضل وتحديد الحلول المناسبة لها من خلال هذا الأسلوب الجماعي في الإدارة، يمكن استشراف المواقف غير المتوقعة التي قد تظهر، مما يساعد في تحديد الاتجاه الاستراتيجي طويل الأمد للمؤسسة على عكس الأساليب التقليدية التي تقتصر على الاجتماعات المغلقة للنخب، يسمح هذا النموذج للجميع بالمشاركة الفاعلة في اتخاذ القرارات ووضع الاستراتيجيات المناسبة بناء على المعرفة الجماعية للأفراد.

يعتبر هذا الأسلوب في الإدارة بمثابة خطوة مهمة نحو تحسين إدارة المخاطر، حيث يتيح للمؤسسات القدرة على التعامل مع التحديات المستقبلية بشكل مرن وفعال من خلال استغلال المعرفة الجماعية والقدرة على اتخاذ قرارات جماعية مدروسة، يمكن للمؤسسات تحسين أدائها والتفاعل بشكل أفضل مع الظروف المتغيرة.

وفي سياق تحديات دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة في العقود القادمة، يبرز التحدي الأبرز المتمثل في تنويع مصادر الإنتاج وتقليل الاعتماد على الطاقة الأحفورية لصالح الطاقة النظيفة، هذه التحولات تتطلب ليس فقط تغييرا في السياسات، بل أيضا ابتكار حلول جديدة في قطاعات لم تكن موجودة من قبل في هذا الصدد، تصبح الحوكمة ضرورة ملحة لضمان تفعيل قدرات العنصر البشري بشكل يتناسب مع هذه التغيرات، حيث أن الإدارة التقليدية لم تعد قادرة على تلبية احتياجات القطاعات الحديثة.

الإدارة الحديثة تتطلب تفكيرا مبتكرا وآليات عمل جديدة بعيدا عن الأنماط التقليدية التي كانت سائدة في الإدارات القديمة، التي تفتقر إلى التقنيات والمعارف اللازمة للتعامل مع التحولات الكبيرة في مجالات مثل الطاقة النظيفة، لذا تصبح الحوكمة أسلوبا حتميا لضمان قيادة هذه التحولات، حيث يجب أن يستند النجاح إلى الأفراد الذين يمتلكون المعرفة والتقنيات اللازمة لتشغيل هذه الأنظمة الحديثة.

باختصار، يظهر إيفان وليامز أن النجاح في العصر الحالي يتطلب تبني أساليب إدارة جماعية ومرنة تقوم على المعرفة الجماعية، وأن الحوكمة هي الحل الأمثل لمواجهة التحديات المعقدة التي قد تظهر، سواء على مستوى المؤسسات أو الدول.

المطلب الأول: الحوكمة بين المفهوم النظري والتطبيق المنهجي

التحليل هنا ينطوي على إطارين رئيسيين، الأول يتناول التساؤلات حول الآثار الناتجة عن تطبيق الإدارة الجماعية بشكل أفقي، وهي تعتمد بشكل أساسي على فرضية وجود المخاطر ومدى تقبل المجتمع لها، ويرتبط هذا الفرض بنظرية ثقافية تدرس كيفية تأثير المخاطر على البيئة الاجتماعية وكيفية تنظيمها من خلال الإدارة الجماعية داخل الشركات، كما يتم النظر إلى حدود تطبيق هذه الإدارة في سياق اجتماعي وثقافي معين، حيث يتشكل هذا المنظور استنادا إلى أفكار العالم الاجتماعي إميل دوركهايم.

ويعتقد بعض علماء الأنثروبولوجيا أن المخاطر لا تعتبر فقط ظاهرة مادية، بل هي أيضا ظاهرة اجتماعية ترتبط ارتباطًا وثيقا بمعتقدات المجتمع، وتعكس المجتمعات المختلفة في طريقة تعاطيها مع المخاطر، سواء في شكل القيم والمبادئ التي تسود فيها أو في كيفية ترتيب الأولويات الاجتماعية، وتعد المؤسسات، بحسب هذا التحليل، نتيجة لتفاعلات اجتماعية مستمرة بين الأطراف التي تشارك في النقاشات لتحديد القواعد والمبادئ التي تحكم سلوك الأفراد.

في هذا السياق، يصبح الخطر موضوعا اجتماعيا يجب قبوله وإدارته من خلال إجراءات مشتركة داخل المجتمع، فالمجتمعات تتعاون لتشكيل استراتيجيات ثقافية من خلال التفكير الجماعي لمواجهة المخاطر والتهديدات، هذه العمليات الجماعية قد تكون متجذرة في تاريخ الفكر الإنساني، كما كان الحال في الحضارات القديمة مثل اليونان، الصين، ومصر، حيث اعتمدت هذه المجتمعات على العقل الجماعي لتنظيم التعامل مع المخاطر، وهذا التوجه الجماعي يتيح للأنظمة الاجتماعية تقبل المسؤولية الجماعية، واستثمار الذكاء الجمعي في مواجهة التهديدات.

في السياق المعاصر، يمكن تطبيق هذا المفهوم في الشركات أو المؤسسات التي تتعامل مع الأزمات أو المخاطر، على سبيل المثال لا الحصر، في الشركات التي تواجه تحديات اقتصادية أو بيئية، يمكن للإدارة الجماعية أن تستخدم لتوزيع المسؤولية بين مختلف الأقسام والمستويات، بدلا من الاعتماد على قرارات فردية، يمكن توجيه الجهود نحو تشكيل استراتيجيات جماعية باستخدام الذكاء الجمعي لجميع الأفراد المعنيين، هذا يمكن أن يتضمن جلسات من العصف الذهني، وتبادل الخبرات، وتحليل المخاطر بشكل جماعي، مما يعزز من قدرة المؤسسة على التكيف مع التحديات ويزيد من فرص النجاح في مواجهة المخاطر المحتملة.

الإطار النظري للحوكمة يتعلق بالمفاهيم والمبادئ الأساسية التي تشكل نظرة عامة لفهم وتطبيق الحوكمة، يشمل هذا الإطار المبادئ الأخلاقية، القانونية، والعملية التي تحكم كيفية تنظيم وإدارة المؤسسات أو الأنظمة، يتمثل الإطار النظري في عدة مفاهيم رئيسية، مثل الشفافية حيث يتوقع من المؤسسات أن تكون واضحة في اتخاذ قراراتها وتوفير المعلومات للمعنيين، المساءلة تشير إلى ضرورة أن يكون المسؤولون في المؤسسات أو الحكومات محاسبين على أفعالهم وقراراتهم. [41]

المشاركة تضمن أن جميع الأطراف المعنية (الموظفون، المواطنون، المستفيدون) يمكنهم المشاركة في اتخاذ القرارات، العدالة تعني تحقيق الإنصاف في التعامل مع جميع الأطراف المعنية وتوفير فرص متساوية للجميع، الاستجابة قدرة النظام أو المؤسسة على التكيف مع المتغيرات ومواجهة التحديات بكفاءة.

أما الإطار المنهجي للحوكمة فيرتبط بالطرق والأساليب التي يمكن من خلالها تطبيق هذه المبادئ والنظريات في الواقع العملي، يشمل هذا الإطار الأدوات والآليات التي تستخدمها المؤسسات والمنظمات في تنفيذ الحوكمة بفعالية، ويمكن تلخيصه في عدة مجالات، التخطيط الاستراتيجي إعداد خطط وسياسات طويلة وقصيرة الأجل لضمان تحقيق أهداف المؤسسة أو الحكومة، مراقبة الأداء استخدام أساليب مثل التدقيق الداخلي والمراجعة لتتبع مدى تحقيق الأهداف والالتزام بالمعايير، إدارة المخاطر تقييم المخاطر المرتبطة بالأعمال أو القرارات واتخاذ التدابير اللازمة للحد منها، النظم القانونية ضمان امتثال النظام أو المؤسسة للقوانين والأنظمة المحلية والدولية، الرقابة الاجتماعية التأكد من أن الأعمال والقرارات تتم وفقا لمعايير أخلاقية واجتماعية مقبولة.

الإطار النظري يوفر الأساس الفكري والمبادئ التي توجه السياسات والقرارات في الحوكمة، بينما الإطار المنهجي يقدم الأدوات والإجراءات التي يتم من خلالها تنفيذ هذه المبادئ على أرض الواقع بالتالي، يجب أن يتكامل الإطاران لضمان تطبيق فعال للحوكمة في المؤسسات أو الحكومات، حيث يمكن للإطار النظري توجيه وتشكيل الاستراتيجيات، في حين يقدم الإطار المنهجي الطرق العملية لتطبيقها وتحقيق أهداف الحوكمة.

إذا كانت الحوكمة في مؤسسة تسعى لتحقيق الشفافية، يمكن للإطار النظري أن يحدد الشفافية كقيمة أساسية، بينما سيعمل الإطار المنهجي على تحديد كيف يمكن للمؤسسة أن تقدم تقارير مالية مفتوحة للجميع أو توفر منصات للتفاعل مع المواطنين/الموظفين، الإطار النظري يركز على المبادئ العامة والقيم الأخلاقية التي توجه الحوكمة، بينما الإطار المنهجي يهتم بكيفية تطبيق هذه المبادئ من خلال سياسات وإجراءات عملية. [42]

المطلب الثاني: الحوكمة كآلية لتعزيز الوعي الجمعي في إدارة المخاطر

الفكر الجمعي لأفراد الدائرة الواحدة هو مجموع القدرات الخاصة بالفهم والتفكير في اتخاذ القرار وأداء العمل الجماعي الذي ينتج عنه رد فعل مشترك بين الأفراد بهدف التعامل مع المواقف الحالية أو المحتملة التي قد تفرز تحديات معينة في المستقبل، ويشمل هذا الفكر تطبيق الحلول الممكنة لمواجهة هذه المواقف بناء على مقارنة تعتمد على المصادر المتاحة.

عند اقتراح نموذج للفكر الجمعي، يجب أن يتضمن ثلاثة أبعاد رئيسية، البعد الأول هو الإدراك (المعرفة بالخطر)، والذي يساعد على فهم أهمية التصرف الجماعي في مواجهة المخاطر، البعد الثاني يتعلق بالعلاقات الاجتماعية، حيث يتم تحديد شكل وكثافة الروابط بين أعضاء الفريق في سياق العمل المشترك، أما البعد الثالث فهو البعد التنظيمي، الذي يعتمد على الموارد المتاحة للمجتمع أو المنظمة في التعامل مع المخاطر، وإعادة توظيف هذه الموارد بناء على استبيانات تهدف إلى تعزيز التفكير الجماعي في إدارة المخاطر.

تتم جمع البيانات المتعلقة بهذه الجهود من خلال مشاريع متنوعة تدار بصورة جماعية من قبل مجموعة من الأفراد الذين يعملون لصالح عدة شركات أو مشاريع مشتركة، في هذا السياق، تعتبر السياسات المعمول بها في وقت المخاطر أداة للحفاظ على سيادة الدولة وتعزيز قدرتها على مواجهة الأزمات التي قد تؤثر على استقرارها، وتتمثل مهمة الحوكمة في تمكين المواطنين من المشاركة في تحمل أعباء الأزمات الطارئة والتصدي لسلبياتها من خلال الوسائل القانونية المتاحة، مما يساعد في تأمين احتياجات المواطنين في أوقات الأزمات.[43]

عند تطبيق هذا الفكر في سياق المشاريع المشتركة، يمكن ملاحظة أنه يتم جمع البيانات الخاصة بتلك الجهود من خلال مشروعات متنوعة، حيث يتم إدارة تلك المشاريع بشكل جماعي من قبل مجموعة من الأفراد يعملون لصالح عدة شركات أو مؤسسات، على سبيل المثال لا الحصر، يتم إدارة جهود جماعية من خلال فرق مكونة من خمسة عشر شخصا يعملون معا في سبع شركات أو مشاريع مشتركة.

في حالات المخاطر، تسعى السياسات إلى الحفاظ على سيادة الدولة وتعزيز قدرتها على التصدي للأزمات التي قد تضعف من قدرتها على تلبية احتياجات مواطنيها، في هذا السياق، يعتبر دور الحوكمة حيويا في تمكين المواطنين من المشاركة في مواجهة الأزمات الطارئة من خلال الوسائل القانونية، مما يضمن توزيع الأعباء الناتجة عن الأزمات ويسهم في التصدي لآثارها السلبية.

عند تطبيق الفكر الجمعي في دول مجلس التعاون الخليجي، يمكن ملاحظة أن هذه الدول قد بدأت تتبنى نماذج من التعاون الجماعي في مشاريعها التنموية والاقتصادية المختلفة في سياق المشاريع المشتركة بين الشركات والمؤسسات داخل هذه الدول، يتم جمع البيانات الخاصة بتلك الجهود وتنظيمها من خلال فرق متعددة التخصصات تعمل بشكل جماعي، على سبيل المثال لا الحصر، قد تشارك فرق تتكون من خمسة عشر شخصا من عدة شركات في مشاريع مشتركة تهدف إلى تطوير البنية التحتية، الطاقة المتجددة، أو التقنيات الحديثة في مجال الصناعات النفطية في هذا السياق، يتم تفعيل الفكر الجمعي لمواجهة تحديات هذه المشاريع من خلال التنسيق الفعال بين الفرق المختلفة التي تتعاون بشكل جماعي لتحقيق أهداف المشروع.

فيما يتعلق بإدارة المخاطر، تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى اعتماد سياسات تهدف إلى الحفاظ على استقرار الدولة وتعزيز قدرتها على التصدي للأزمات المتنوعة التي قد تؤثر على الاقتصاد أو الأمن الوطني، هذه السياسات تشمل توظيف الفكر الجمعي في مواجهة المخاطر، مثل الأزمات الاقتصادية، والكوارث الطبيعية، أو التحديات الصحية كالأوبئة، على سبيل المثال لا الحصر، في حالات الطوارئ، يتم التنسيق بين مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة لمواجهة الأزمة بشكل جماعي.

دور الحوكمة في هذا السياق حاسم، حيث يسهم في تعزيز النزاهة والشفافية والمشاركة الفعالة للمواطنين في التعامل مع الأزمات من خلال القوانين والأنظمة، يتمكن المواطنون من المشاركة في جهود مواجهة الأزمات، مثل المساهمة في عمليات الإغاثة أو التصدي للأزمات الصحية، في هذا الصدد، يمكن للحكومة أن توفر الأطر القانونية التي تضمن توزيع الأعباء على مختلف فئات المجتمع، مما يعزز من قدرة الدولة على التصدي لتحديات الأزمات وتخفيف آثارها السلبية على المواطنين، بالتالي، يتضح أن الفكر الجمعي في دول مجلس التعاون الخليجي يتجسد في تعزيز العمل الجماعي بين المؤسسات الحكومية والخاصة، مما يسهم في تحسين القدرة على إدارة المخاطر ومواجهة التحديات المستقبلية بشكل أكثر فعالية.

الوعي الجمعي يعتبر من العوامل الأساسية التي يمكن أن تساهم في تقليل المخاطر المحتملة للمؤسسات أو المجتمع ككل، ويقصد بالوعي الجمعي أن تكون هناك إدراك جماعي لأهمية المخاطر التي قد تواجه النظام أو المؤسسة وتفعيل أدوار الأفراد والجماعات للتعامل معها بشكل فعال، ويعني أيضا تفاعل الأفراد مع محيطهم وفهمهم للمخاطر في البيئة التي يعيشون فيها.

الحوكمة الفعالة لا تقتصر على المساءلة أو الشفافية، بل تشمل أيضا إدارة المخاطر بشكل دقيق تطوير الوعي الجمعي يمكن أن يكون أحد الأدوات الفعالة لتحقيق هذه الأهداف، ففي بيئة الحوكمة الجيدة، يتوقع أن تكون جميع الأطراف المعنية (من الموظفين إلى المجتمع ككل) على دراية كاملة بالمخاطر المحتملة وكيفية التعامل معها.

عندما يمتلك الأفراد والمؤسسات وعيا جماعيا بالمخاطر، فإنهم يمكنهم العمل بشكل منسق لمواجهتها، على سبيل المثال لا الحصر، يمكن للأفراد أن يكونوا أكثر حذرا في التعامل مع البيانات الشخصية في بيئة عمل رقمية، وبالتالي تقليل خطر اختراق البيانات، وتطوير الوعي الجمعي يؤدي إلى تعزيز ثقافة الوقاية والتخطيط المسبق، عندما يكون لدى الموظفين أو الأفراد فهم جماعي حول المخاطر المحتملة، يصبحون أكثر استعدادا لإجراءات وقائية، مثل التدريب المستمر على السلامة أو مراقبة التهديدات الأمنية.

الوعي الجمعي يعزز من ثقافة التعاون داخل المؤسسات وبين الأفراد في المجتمع، مما يساعد في إيجاد حلول للمخاطر التي قد تؤثر على الجميع، على سبيل المثال لا الحصر، في حالة الكوارث الطبيعية أو الأزمات الصحية، يؤدي التعاون الجماعي إلى الاستجابة السريعة والفعالة.

تعليم الأفراد في المؤسسات والمجتمعات حول المخاطر المحتملة وآليات مواجهتها هو خطوة أولى في تطوير الوعي الجمعي، برامج التدريب التي تشمل توعية الموظفين بالقوانين، الأخلاقيات، والمخاطر مثل المخاطر المالية، البيئية، أو الأمنية، تساهم في بناء بيئة مؤسسية أو اجتماعية قادرة على التعامل مع التحديات بشكل احترافي، ويتطلب تطوير الوعي الجمعي تواصلا مستمرا وفعالا داخل المؤسسات وبين الأطراف المعنية، هذا يشمل الاجتماعات الدورية، والنشرات الداخلية، ورش العمل، أو حتى منصات التواصل الرقمي لنقل المعلومات المتعلقة بالمخاطر وكيفية تجنبها، والشفافية في صنع القرارات هي من أهم عناصر الحوكمة الفعالة، إذا كان لدى الجميع في المؤسسة أو المجتمع الوعي الكافي بالمخاطر التي تواجههم، وتتخذ القرارات بناء على معلومات دقيقة ومفتوحة، فسيشعر الجميع بالمسؤولية المشتركة تجاه المخاطر وتكون هناك استجابة أكثر فاعلية.

إذا كانت المعلومات حول المخاطر غير متاحة أو غير واضحة، فإن الوعي الجمعي لن يتطور بشكل كاف، بعض الأفراد أو المؤسسات قد تقاوم التغييرات في الطريقة التي يتم بها التعامل مع المخاطر، خصوصا إذا كان هناك تكاليف أو تأثيرات جانبية مرتبطة بالتكيف مع طرق جديدة، ليس كل الأفراد في المؤسسة أو المجتمع سيكونون على نفس القدر من الوعي بالمخاطر، مما قد يؤدي إلى نقص في التنسيق بين الأطراف المختلفة في مواجهة المخاطر.

إن الحوكمة الجيدة التي تتضمن تطوير الوعي الجمعي لمواجهة المخاطر تمثل أداة قوية لتحقيق استدامة المؤسسات وحمايتها من التحديات المستقبلية من خلال تعزيز الوعي الجماعي حول المخاطر وتوفير الأدوات والآليات المناسبة للتعامل معها، يمكن للمؤسسات والمجتمعات أن تساهم في بناء بيئات أكثر أمانا ومرونة.[44]

المطلب الثالث: الإدارة الجماعية بين السياق المؤسسي والتحديات المعاصرة

إدارة التوترات في إطار الإدارة الجماعية تعد خطوة أساسية لتحسين فعالية العمل الجماعي وتنظيم الاجتماعات واتخاذ القرارات بشكل سريع ومؤثر، وتعتمد الشركات التي تعمل بنظام الإدارة الجماعية على هذا الأسلوب لتتمكن من التفاعل بسرعة مع التغيرات البيئية والتطورات المحيطة، مما يسهم في تحسين الأداء التنظيمي، إن الهدف الأساسي هنا هو تقليص الوقت الضائع في الاجتماعات والتركيز على تحقيق نتائج عملية وواقعية.

الإدارة الجماعية تهدف إلى تبني نهج مرن ومتنوع، يسمح للمشاركين في اتخاذ القرار بالتركيز على القضايا الحيوية دون التورط في التفاصيل التي قد تؤدي إلى إضاعة الوقت، وذلك من خلال تنظيم الاجتماعات بسرعة وفعالية، مما يضمن أن تكون القرارات المتخذة ملائمة وفعالة في مواجهة التحديات المستمرة، وبالتالي، يتم تجنب التأخير في اتخاذ القرارات ويتاح للأفراد المعنيين أن يكونوا أكثر إنتاجية في فترة زمنية قصيرة.

ما يميز الإدارة الجماعية عن الإدارة التقليدية الهرمية هو إبداعها وقدرتها على التكيف مع التغيرات المستمرة، وهو ما يجعلها أكثر ملائمة في الشركات العائلية الحديثة أو الشركات التي تبحث عن طرق مبتكرة لحل المشكلات، هذا الأسلوب يتطلب من المديرين، بدلا من اتخاذ القرارات الفردية كما في النظام الهرمي التقليدي، أن يعملوا مع الفرق المعنية بشكل جماعي، مما يساعد في تفادي الأخطاء المحتملة وتحقيق نتائج أفضل.

وفي ظل التحديات المتزايدة في بيئات العمل، حيث تتراكم المعلومات وتتداخل المسؤوليات، ويعد نموذج الإدارة الجماعية حلا مناسبا لتوزيع العبء واتخاذ القرارات بطريقة أكثر فاعلية ومرونة، مما يتيح هذا الأسلوب للمديرين مواجهة التعقيدات بثقة أكبر والتعامل مع التحديات المعلوماتية والتشغيلية بكفاءة، مما يعزز من القدرة على تسوية المشكلات ومعالجة القضايا المعقدة التي قد تواجهها الشركات الحديثة.[45]

إن تحقيق نظام حوكمة فعال في القطاع الخاص أصبح اليوم أولوية استراتيجية بالنسبة للشركات في العديد من البلدان، وخصوصا في الدول الناشئة يعد القرن العشرون “قرن مصداقية الشركات”، حيث أصبحت حوكمة الشركات من المصطلحات الأساسية في عالم الأعمال، خاصة بعد وقوع فضائح ضخمة لشركات ذات سمعة كبيرة مثل “إنرون” (ENRON) في الولايات المتحدة وبعض الشركات الأخرى في إيطاليا، وهذه الفضائح كشفت عن الحاجة الماسة لتعزيز الشفافية في نشر المعلومات، خاصة تلك التي تتعلق بقواعد المسؤولية وسلوك المديرين وأعضاء مجالس الإدارة.

إن أهمية التحقيقات الداخلية والخارجية في هذه الشركات تهدف إلى تحسين الكفاءة وزيادة الثقة لدى المستثمرين، وبعد هذه الفضائح، أظهرت الحاجة الماسة لمبادئ حوكمة الشركات التي وضعتها منظمات مثل منظمة التجارة والتنمية، بالإضافة إلى القوانين التي تم فرضها لتوضيح وتنظيم هذه المبادئ، وقد تركزت هذه المبادئ على تعزيز النزاهة، والشفافية في المعاملات المالية، ومنع التلاعب في الأسواق.[46]

على الرغم من أن المجلس الأوروبي لم يحدد إجراءات محددة تتعلق بحوكمة الشركات، إلا أن هناك بعض المبادئ العامة المتعلقة بالحوكمة التي نوقشت في جمعيته البرلمانية، وتم التأكيد على أهمية إعادة تنظيم القطاع الأوروبي فيما يخص مراجعة الحسابات، والانسجام بين قواعد المحاسبة، وكذلك تعزيز القوانين التي تمنع التلاعب بالأسواق والانتهاكات القانونية المحتملة، كما دعمت الجمعية البرلمانية تعزيز المسؤولية الاجتماعية للشركات والعمل على منع تضارب المصالح داخل المؤسسات.

ومع ذلك، تظل القدرة القانونية والسياسية لهذه الإصلاحات محدودة في بعض الأحيان، حيث يتسم محتوى هذه المبادئ بالعوم في بعض الحالات، مما يعني أن القرارات قد لا تكون مؤهلة بما يكفي لتكون أدوات فعالة في ضمان حوكمة الشركات ومع ذلك، فإن الجمعية البرلمانية الفرنسية نادت بإجراء إصلاحات وفقا لروح الإصلاحات التشريعية التي تمت في الولايات المتحدة بعد فضيحة إنرون، خاصة قانون “SOXLEY” الذي تم تبنيه بعد تلك الفضيحة، رأت الجمعية البرلمانية أن هذه الإصلاحات يمكن أن تكون إطارا قويا لتطبيق الحوكمة في أوروبا، وتوفير ضمانات إضافية لمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية في الشركات، وبذلك، يظهر أن حوكمة الشركات تتطلب تغييرات تشريعية وبيئية، وأهمية اتباع أفضل الممارسات الدولية، مثل تلك التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية، لضمان نزاهة وشفافية الأسواق وحماية المستثمرين من التلاعب والمخاطر المالية.[47]

ورغم غياب أداة حوكمة شاملة وفعالة في الشركات، يمكن الإشارة إلى بعض الأدوات المتاحة، مثل الاتفاقية المدنية التي تتعلق بأشكال محددة لمنع الفساد وكشفه، والتي تشكل جزءا أساسيا من مكونات حوكمة الشركات وفقا للمبادئ التي أرستها منظمة التجارة والتنمية، بالإضافة إلى ذلك، يعد قانون “Sarbanes-Oxley” من أبرز هذه الأدوات، حيث يقدم إصلاحات هامة تشمل تحسين المحاسبة وحماية المستثمرين.

يشمل قانون “Sarbanes-Oxley” عدة إصلاحات رئيسية، خاصة تلك المتعلقة بالإصلاح المحاسبي وحماية المستثمرين، والتي تم تبنيها بعد فضيحة “إنرون” وغيرها من الفضائح الكبرى، وهذا القانون الذي تم التصويت عليه في الكونغرس الأمريكي، يفرض قواعد جديدة للشفافية المالية والمحاسبية، بهدف زيادة المسؤولية في الشركات، ويركز القانون على ضرورة تدوين كل المعاملات المالية بشكل دقيق ومؤرخ، بما في ذلك المصروفات والإيرادات، بحيث يحاسب المدير العام، والمدير المالي على مسؤولياتهم ويتحملون تبعات أي انحرافات في التقارير المالية.

يتضمن القانون أيضا متطلبات لنشر المعلومات المالية الخاصة بالشركات، بما في ذلك الالتزامات خارج الميزانية، وأي بيانات مهمة تتعلق بالوضع المالي للشركة، ويجب أن تكون هذه البيانات دقيقة وموثوقة، ويشمل ذلك تقارير المراجعة الداخلية والمدونات الأخلاقية التي تعتمدها الشركات كما يتطلب القانون وجود لجنة لمراجعة الحسابات تشكل بشكل دوري، وتشرف على الإجراءات المتعلقة بالتحقيق في السلوكيات المحاسبية والأخطاء المحتملة في الحسابات، وتتمثل مسؤولية هذه اللجنة في الإشراف على المراجعين وتقديم آلية واضحة للتعامل مع الشكاوى والملاحظات المتعلقة بالانتهاكات المحاسبية.

لضمان الشفافية والمصداقية، يفرض القانون على الشركات استخدام مراجعين خارجيين لإجراء التحقيقات المستقلة في الحالات التي قد تشير إلى وجود أخطاء أو جرائم محاسبية، يساعد ذلك في كشف أي ممارسات غير قانونية أو سلوكيات منحرفة تؤثر على دقة الحسابات وموثوقية التقارير المالية، بالتالي، يوفر قانون “Sarbanes-Oxley” إطارا قويا لضمان شفافية الأعمال وحماية المستثمرين من التصرفات غير القانونية، ويعزز من مفهوم الحوكمة الجيدة في الشركات من خلال الالتزام بالقواعد الصارمة للمحاسبة والمراجعة.[48]

إن إنشاء شركة محاسبات عامة متخصصة في مراقبة الحسابات هو خطوة هامة نحو تعزيز النزاهة والشفافية والامتثال في القطاع المالي، تمثل هذه الهيئة الجديدة للتنظيم والرقابة أداة فعالة للإشراف على مكاتب مراجعي الحسابات، حيث تهدف إلى وضع معايير محددة للتفتيش والمعاقبة في حالات الانحراف، وتضمن هذه الهيئة محاسبة الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين الذين يخطئون أو يتلاعبون بالتقارير المالية، حيث تتضمن العقوبات المفروضة غرامات مالية كبيرة (مثل مليون دولار) أو عقوبات جنائية تصل إلى السجن لمدة تصل إلى عشر سنوات في حالات التزوير المالي.

إذا كانت الأساليب الإدارية التقليدية تعتمد على السلطة المركزية للأفراد في المراكز العليا لاتخاذ القرارات، مما قد يؤدي إلى البيروقراطية واحتمالات الفساد، فإن الحوكمة الحديثة تحدث تحولا جذريا في هذا النهج، فهي لا تركز السلطة في يد شخص واحد أو مجموعة محدودة، بل تتيح مساحة اعتبارية لكل مختص في مجاله للعمل ضمن الدوائر الوظيفية التي يتبع لها، وكل دائرة تتولى مسؤولية اتخاذ القرارات المتعلقة بمجالها، مع إمكانية تفاعل هذه الدوائر مع بعضها البعض لضمان اتخاذ قرارات شاملة ومدروسة بهذه الطريقة، يشارك جميع الأفراد العاملين في الهيئة في عملية اتخاذ القرارات، مما يعزز من جودة الأداء ويرفع من مستوى الاحترافية داخل المؤسسات.

تكمن أهمية العمل الجماعي في أنه يمنح كل فرد حق المشاركة في اتخاذ القرارات، وهو ما يشعره بقيمة دوره وأهمية مساهمته في نجاح الجهة التي يعمل بها، هذا التمكين يحفز الأفراد على التفكير المستمر والبحث عن حلول مبتكرة تظهر تميزهم، ويخلق بيئة تنافسية صحية حيث يسعى الجميع إلى تقديم أفضل ما لديهم، هذه المنافسة لا تقتصر فقط على الأداء الفردي، بل تمتد لتشمل تحسين طرق العمل وابتكار أساليب جديدة تؤدي إلى اتخاذ قرارات ذات جودة عالية.

إن الحوكمة بهذا الشكل تشجع على الإبداع والابتكار، حيث يسعى الأفراد إلى البحث الدائم عن حلول جديدة تتماشى مع التحديات الحالية والمستقبلية، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال بيئة عمل تشجع على التفكير المستقل والتعاون الجماعي، مما يعزز من قدرة المؤسسات على التكيف والنمو في بيئات العمل المتغيرة.

في دول مجلس التعاون الخليجي، التي تشهد تطورا سريعا في القطاعات الاقتصادية، أصبحت الحوكمة مسألة بالغة الأهمية، والدول الخليجية تتبنى العديد من الإجراءات لتطبيق الحوكمة الجيدة في الشركات الخاصة والعامة، بهدف تعزيز الشفافية وتحقيق الاستدامة الاقتصادية في هذا السياق، يمكن تطبيق نموذج شركة المحاسبات العامة التي تشرف على مكاتب مراجعي الحسابات وضمان التزامها بالمعايير القانونية.

تجربة دول مثل الإمارات والسعودية في تعزيز الحوكمة في الشركات تظهر التزاما قويا بتطبيق الأنظمة المعمول بها دوليا، مثل تطبيق اللوائح الخاصة بالتفتيش المالي ومراقبة الحسابات، على سبيل المثال لا الحصر، فإن المملكة العربية السعودية قد قامت بتطوير وتشديد قوانين الرقابة المالية، مما يعزز من دور المراجعين الخارجيين في مراقبة الشركات وضمان أن التقارير المالية تعكس الواقع بشكل دقيق.

في الإمارات، تم إنشاء الهيئة الاتحادية للرقابة المالية لتطبيق المعايير المحاسبية والمراجعة بشكل صارم، وهو ما يساعد على تحسين بيئة الأعمال وزيادة ثقة المستثمرين في الأسواق المحلية كما أن دبي على سبيل المثال، تشهد تطورا مستمرا في مجال حوكمة الشركات من خلال تعزيز ممارسات الشفافية والامتثال للمواصفات الدولية، في هذا الإطار، يمكن تطبيق مبدأ الحوكمة الحديثة بشكل يتناسب مع خصوصيات كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي، فبموجب هذه الأنظمة، يتم تمكين الأفراد في مختلف المراتب الوظيفية من المشاركة في اتخاذ القرارات، مما يعزز من التنسيق بين الدوائر المختلفة ويعزز القدرة على الابتكار وحل المشكلات بكفاءة.

إن تطبيق الحوكمة بشكل فعال من خلال إنشاء شركات محاسبات عامة للرقابة المالية يعد خطوة هامة نحو تعزيز الشفافية والمصداقية في قطاع الأعمال، من خلال تبني أساليب العمل الجماعي، يصبح من الممكن تحقيق نتائج أفضل على مستوى الشركات، حيث يشارك الجميع في اتخاذ القرارات ويبحثون عن حلول مبتكرة تساهم في رفع جودة الأداء، في دول مجلس التعاون الخليجي، فإن تطبيق هذا النظام سيسهم بشكل كبير في تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية، مما يعزز من النمو الاقتصادي المستدام في المنطقة.

الفصل الرابع: أفضل الممارسات الدولية في مجال الحوكمة ومكافحة الفساد

الحوكمة الرشيدة تعد من الأسس الحيوية التي تساهم في تعزيز الشفافية والمساءلة، وتهدف إلى تحسين كفاءة الأداء الحكومي والمؤسساتي، وتعني الحوكمة بشكل عام الأنظمة والهياكل التي تحدد كيفية إدارة وتنظيم المؤسسات سواء كانت حكومية أو خاصة، وتشمل كل من السياسات والإجراءات التي تحدد كيفية اتخاذ القرارات وتنفيذها ومراقبتها.

مع تطور العولمة وتزايد أهمية الشفافية في العلاقات الاقتصادية والسياسية، أصبح تبني أفضل الممارسات في الحوكمة أمرا ضروريا لتحقيق الاستقرار والنمو المستدام. تلك الممارسات تركز على ضمان التفاعل العادل والشفاف بين الأطراف المعنية، من خلال تعزيز الرقابة، والمشاركة المجتمعية، والاستجابة السريعة للمشاكل والتحديات التي قد تطرأ.

ومن أهمية أفضل الممارسات في الحوكمة، تعزيز الشفافية والمصداقية، و تسهم الممارسات الجيدة في الحوكمة في بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين، وكذلك بين المؤسسات الخاصة والمستثمرين، من خلال تأكيد أن القرارات والإجراءات تتم بشفافية، تحقيق التنمية المستدامة، والحوكمة الرشيدة تعد شرطا أساسيا لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، حيث تساهم في تقليل الفساد وتوجيه الموارد إلى الاستخدام الأمثل، وتحسين بيئة الأعمال، ومن خلال تطبيق ممارسات حوكمة فعالة، تصبح البيئة الاقتصادية أكثر جذبا للاستثمارات المحلية والدولية، والمسؤولية والمساءلة، وتعزز أفضل الممارسات في الحوكمة المساءلة وتعطي ضمانات بأن المسؤولين والقيادات يتحملون مسؤولياتهم ويحاسبون على القرارات المتخذة.

ومن أهم عناصر أفضل الممارسات في الحوكمة هي الشفافية من خلال نشر المعلومات المتعلقة بالقرارات الحكومية والمالية والاجتماعية، وكذلك إجراءات التعيين والترقية، والمساءلة ويجب أن يكون هناك نظام رقابي فعال يمكن المواطنين من متابعة أداء الحكومة أو المؤسسات الخاصة، ومحاسبة المسؤولين على القرارات التي يتخذونها، والعدالة والمساواة، وضمان معاملة جميع الأفراد والمؤسسات بنفس المعايير دون تمييز أو تحيز، والاستقلالية من خلال ضمان استقلالية المؤسسات الرقابية والقضائية عن أي تدخلات سياسية أو اقتصادية، والمشاركة المجتمعية وإشراك المواطنين والجهات المعنية في صنع القرار، مما يعزز من المشاركة الفاعلة في التنمية واتخاذ القرارات. [49]

في هذا السياق يتضح بأن أفضل الممارسات في الحوكمة تمثل الخطوات التي يجب أن تتبعها الدول والمؤسسات لضمان تحقيق الأهداف التنموية بشكل عادل وفعال، فهي لا تقتصر على تحسين الشفافية والرقابة، بل تشمل أيضا تعزيز دور المجتمع المدني، وتحقيق الاستدامة الاقتصادية، وتوفير بيئة عمل مواتية للاستثمار.

المطلب الأول: التجارب الناجحة للدول في مجال تطبيق الحوكمة

هناك العديد من الدول التي تعتبر من أفضل الممارسات في مجال الحوكمة، وهي تسعى باستمرار إلى تحسين الشفافية، والمساءلة، والمشاركة المجتمعية، وتطوير بيئة الأعمال من خلال تطبيق معايير الحوكمة الرشيدة، وتعتمد هذه الدول على تقوية المؤسسات القانونية، وتعزيز الحقوق المدنية، وتوفير بيئة مشجعة للاستثمار والنمو المستدام.

تعتبر الدنمارك واحدة من الدول الرائدة في تطبيق أفضل ممارسات الحوكمة، ويشمل النظام الحكومي في الدنمارك، الشفافية العالية ويتم نشر كافة المعلومات الحكومية المتعلقة بالميزانية والمشاريع العامة، والمشاركة المجتمعية ويتم إشراك المواطنين في اتخاذ القرارات من خلال عمليات ديمقراطية شفافة، والمؤسسات القوية وتضم الدنمارك مؤسسات رقابية قوية مثل “الهيئة الدنماركية للمحاسبة” التي تراقب استخدام المال العام.

وتعتبر نيوزيلندا من الدول التي تطبق سياسات حوكمة متميزة، بما في ذلك، الرقابة والمساءلة الحكومة النيوزيلندية، وتتمتع بنظام رقابي مستقل وفعال، كما يحرص المواطنون على مراقبة أداء الحكومة عبر وسائل متعددة، وقانون مكافحة الفساد، وتتمتع نيوزيلندا بأحد أقوى القوانين لمكافحة الفساد، وقد حصلت على تصنيف عالي في مؤشرات الفساد.

وسنغافورة من الدول التي تميزت بتطبيق الحوكمة الرشيدة على مستوى عالي من الكفاءة، حيث التكنولوجيا والشفافية، وتستخدم سنغافورة التقنيات الحديثة لتطوير الحوكمة الرقمية وزيادة الشفافية، والقوانين الصارمة، تطبق قوانين صارمة لمكافحة الفساد مع وجود هيئات رقابية قوية.

وتعتبر سويسرا نموذجا ناجحا في مجال الحوكمة، وذلك بسبب الحوكمة المحلية، وتتمتع سويسرا بنظام حكم فدرالي قوي يتيح للمواطنين مستوى عال من المشاركة، واستقلالية القضاء، وهناك التزام قوي باستقلالية القضاء وحمايته من أي تدخلات سياسية، والنزاهة، وتمثل سويسرا نموذجًا في تقليص الفساد من خلال برامج تعليمية، ومراجعات مستمرة للممارسات الحكومية.

والسويد واحدة من الدول التي تتمتع بنظام حوكمة قوي جدا، حيث حقوق الإنسان، وتشدد السويد على حقوق الإنسان والمساواة في تطبيق القوانين، ومكافحة الفساد، وتتمتع السويد بنظام رقابي يتمتع بالكفاءة، ويعتمد على تطبيق القوانين لمكافحة الفساد بفاعلية.

وفنلندا تتمتع بنظام حوكمة يتميز بالشفافية والمساءلة، حيث التعليم والوعي، ويتم تدريب المواطنين والمسؤولين الحكوميين على الممارسات الجيدة للحوكمة، والرقابة المستقلة، وهناك هيئات مستقلة تعمل على مراقبة الأداء الحكومي وتحليل القضايا المتعلقة بالفساد.

وتعتبر هولندا من الدول الرائدة في مجال الشفافية وحقوق الإنسان، حيث الحوكمة الرقمية، وتستخدم هولندا تقنيات حديثة في تحسين الحوكمة الإلكترونية، مما يسهم في زيادة الشفافية، والمؤسسات الرقابية، وهولندا تتمتع بمؤسسات رقابية تعمل بكفاءة على حماية الأموال العامة وضمان استخدامها في المشاريع الصحيحة.

ومن عوامل مشتركة بين هذه الدول، مؤسسات قوية ومستقلة، وجود هيئات رقابية مستقلة، مثل ديوان المحاسبة، وهيئات مكافحة الفساد، وقوانين صارمة، وتشريعات تضمن العدالة والمساواة وتحد من الفساد، ولشفافية والمشاركة المجتمعية، والتركيز على توفير المعلومات للمواطنين وإشراكهم في صنع القرارات، واستخدام التكنولوجيا، وتوظيف التقنيات الحديثة لضمان إدارة حكومية أفضل وأكثر كفاءة، هذه الدول تعتبر من أفضل النماذج في تطبيق الحوكمة الرشيدة، حيث أنها لا تقتصر على تطوير الأنظمة القانونية فحسب، بل تسعى بشكل مستمر إلى تحسين بيئة الأعمال، وتعزيز الشفافية، وضمان المساءلة على جميع المستويات. [50]

تظهر التجارب الدولية في الدنمارك، نيوزيلندا، سنغافورة، سويسرا، السويد، فنلندا، وهولندا أن الحوكمة الرشيدة ترتكز على مجموعة من العناصر المتكاملة، أهمها قوة المؤسسات الرقابية واستقلال القضاء، هذه الدول لم تكتفِ بوضع تشريعات متقدمة لمكافحة الفساد، بل دعمتها بتطبيق صارم يضمن الفاعلية، من أبرز السمات المشتركة بينها الشفافية المطلقة في الميزانيات والمشاريع العامة، وإشراك المواطنين في صناعة القرار من خلال آليات ديمقراطية حديثة، كما أن اعتماد التكنولوجيا عزز من كفاءة الإدارة الحكومية وساهم في ترسيخ الثقة بين المواطن والحكومة، اللافت أن هذه الدول ربطت بين الحوكمة والتنمية المستدامة عبر بيئة أعمال مشجعة وجاذبة للاستثمار، وهو ما يثبت العلاقة الوثيقة بين الإصلاح المؤسسي والنمو الاقتصادي،
من الناحية النقدية، يمكن القول إن نجاح هذه النماذج مرهون بالسياق الثقافي والسياسي لكل دولة، إذ أن نقل التجربة كما هي قد لا يحقق النتائج المرجوة في دول أخرى تختلف في بنيتها القانونية أو السياسية ومع ذلك، يبقى من الواضح أن الأساس الحقيقي لممارسات الحوكمة الناجحة هو المساءلة الفعلية وتكريس مبدأ سيادة القانون. [51]

المطلب الثاني: إسهام الحوكمة في ترسيخ آليات مكافحة الفساد

يعد الفساد الإداري والمالي من أبرز العوائق التي تعترض مسار التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية في العديد من دول العالم، إذ يؤدي إلى تآكل الثقة في المؤسسات الحكومية، ويضعف من شرعيتها أمام المواطنين، الأمر الذي ينعكس سلبا على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، كما يساهم الفساد في تكريس الفوارق الاجتماعية من خلال تركيز الثروة والسلطة بيد فئات محدودة، على حساب العدالة في توزيع الموارد، علاوة على ذلك، يحد الفساد من كفاءة المؤسسات العامة ويضعف قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية، وهو ما يشكل عائقا أمام بناء مجتمع متماسك ومن ثم، فإن تعزيز مبادئ الحوكمة الرشيدة بما في ذلك الشفافية، والمساءلة، والمشاركة المجتمعية يمثل عاملا جوهريا لمكافحة الفساد وضمان التنمية المستدامة في مختلف السياقات الوطنية.

إحدى أبرز صور الفساد الإداري تتجسد في تعيين الأفراد في المناصب بناء على العلاقات الشخصية أو الانتماءات السياسية، بدلا من اختيارهم بناء على الكفاءة والخبرة، هذا يؤدي إلى تعيين أشخاص غير مؤهلين في مناصب حيوية، مما يعرقل سير العمل داخل المؤسسات ويضعف من أدائها، على سبيل المثال لا الحصر، قد يتم تعيين شخص غير مؤهل لإدارة مشروع حكومي كبير فقط بسبب علاقاته الشخصية أو السياسية، مما قد يؤدي إلى فشل المشروع وتبديد الموارد، أما إهدار المال العام فيتجسد في اتخاذ قرارات غير مدروسة أو تنفيذ مشاريع غير ضرورية أو غير فعالة تستهلك موارد الدولة دون تحقيق فائدة حقيقية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، قد يتم تخصيص ميزانيات ضخمة لمشاريع وهمية أو استثمارات لا تسهم في تحسين الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي، مما يؤدي إلى تبديد الأموال العامة دون مردود حقيقي.

يعد تأخير الإجراءات الحكومية صورة بارزة من صور الفساد الإداري، حيث يتم اللجوء إلى المماطلة أو تسويف المعاملات بشكل متعمد، بما يدفع الأفراد أو الشركات إلى تقديم رشاوي أو منح امتيازات غير قانونية من أجل تسريع سير أعمالهم، ويتجلى ذلك في تعطيل إصدار التراخيص أو تأخير الموافقات على المشاريع، وهو ما يؤدي إلى إضعاف ثقة المواطنين بالمؤسسات العامة، ويكشف عن تقاعس في أداء الأجهزة الحكومية في تقديم خدماتها على نحو شفاف وعادل.

إن مثل هذه الممارسات لا تقف عند حد الإضرار بالمصلحة الفردية فحسب، بل تمتد آثارها إلى إعاقة التنمية الاقتصادية، وزيادة كلفة الاستثمار، وتكريس الفوارق الاجتماعية، فضلا عن إضعاف القدرة التنافسية للدولة في بيئة الأعمال العالمية ومن هنا، يصبح تعزيز الحوكمة الرشيدة بما تتضمنه من مبادئ الشفافية والمساءلة والمساواة أمام القانون أداة أساسية للحد من الفساد الإداري والمالي، ووسيلة فعالة لضمان كفاءة المؤسسات العامة، وتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية.

الفساد الإداري يتطلب تبني آليات قوية وفعالة لمكافحته، ومن هنا تبرز أهمية الحوكمة الرشيدة في توفير هذه الآليات، إذ من خلال تعزيز النزاهة والشفافية والمساءلة، يمكن الحد من فرص الفساد في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص على حد سواء، وتتمثل الحوكمة الرشيدة في تطبيق ممارسات شفافة عند اتخاذ القرارات، بحيث تشمل نشر المعلومات المتعلقة بالعقود الحكومية، والمناقصات، وميزانيات المشاريع، عندما يتاح للجمهور الاطلاع على كيفية صرف الأموال العامة، يصبح من الصعب إخفاء أو تبرير أي ممارسات فاسدة، مما يعزز من الثقة في مؤسسات الدولة ويقلل من فرص الفساد.

وجود مؤسسات مستقلة ومتخصصة في المراقبة، مثل أجهزة التفتيش والمراجعة المالية، يساهم بشكل كبير في ضمان محاسبة المسؤولين عن اتخاذ قرارات فاسدة أو منح امتيازات غير قانونية، هذه المؤسسات تعمل على التدقيق في أعمال الحكومة وتحليل الإجراءات والقرارات المتخذة لضمان التزامها بالمعايير القانونية والأخلاقية، من جانب آخر، تلعب منظمات المجتمع المدني دورا هاما في تعزيز المساءلة من خلال متابعة الأنشطة الحكومية والقطاع الخاص بشكل مستمر، فبفضل الرقابة الشعبية والتقارير المستقلة، يمكن الضغط على المسؤولين لإصلاح السياسات وتحسين الأداء المؤسسي.

وتسهم المؤسسات الرقابية مثل ديوان المحاسبة وهيئات مكافحة الفساد في تعزيز آليات الحوكمة الرشيدة من خلال مراقبة سير العمل الحكومي، وتعمل هذه الهيئات على ضمان النزاهة والشفافية في الصفقات العامة، والكشف عن أوجه الفساد في وقت مبكر، عند اكتشاف أي تجاوزات أو فساد، تكون هذه المؤسسات قادرة على فتح التحقيقات ومحاسبة المسؤولين المتورطين، مما يساهم في ردع الفساد وتعزيز ثقافة النزاهة والشفافية، لتقليص الفساد الإداري والمالي، يعد تطبيق الحوكمة الرشيدة والاعتماد على آليات رقابية فعالة من الأمور الأساسية من خلال النزاهة والشفافية والمساءلة، وضمان وجود مؤسسات رقابية قوية ومستقلة، يمكن تعزيز نزاهة المؤسسات الحكومية وتحقيق تنمية مستدامة وعادلة.

ورغم الجهود المبذولة على المستوى الوطني والإقليمي لتعزيز الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، إلا أن ثمة تحديات جوهرية لا تزال تعيق تحقيق الفعالية المرجوة، ومن أبرز هذه التحديات ضعف التنسيق بين الهيئات الرقابية، إذ يؤدي غياب التنسيق المؤسسي الفعال بين الأجهزة المعنية بمكافحة الفساد إلى تشتت الجهود وتكرار المهام، مما يضعف القدرة على الوصول إلى نتائج ملموسة، كما يضاف إلى ذلك البعد الثقافي والاجتماعي، حيث تستمر بعض الممارسات السلبية مثل المحسوبية، أو التساهل مع تقديم الرشاوى، في تكريس أنماط سلوكية تعرقل مسيرة الإصلاح المؤسسي، ويؤدي هذا الواقع إلى خلق بيئة يجد فيها الفساد متنفسا يصعب السيطرة عليه، مما يزيد من تعقيد مهمة القضاء عليه ومن ثم، فإن مواجهة هذه التحديات تقتضي تبني استراتيجيات شمولية تتضمن إصلاحا تشريعيا ومؤسسيا متكاملا، إلى جانب نشر ثقافة النزاهة وتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الشفافية والمساءلة.

رغم وجود تشريعات قوية تهدف إلى مكافحة الفساد، إلا أن ضعف تنفيذ القوانين أو وجود فجوات قانونية قد يؤدي إلى استمرار بعض أشكال الفساد يشمل ذلك وجود ثغرات قانونية أو ضعف في تطبيق القوانين بشكل شامل وفعال، وللتغلب على ذلك، من الضروري تحسين التعليم والتوعية العامة حول تأثير الفساد على التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية يمكن تحقيق ذلك من خلال برامج توعية تسلط الضوء على الأضرار التي يسببها الفساد، مما يسهم في تحفيز المجتمع على التفاعل بشكل إيجابي مع جهود مكافحة الفساد.

تعزيز التنسيق بين الهيئات الرقابية، من المهم تعزيز التعاون بين جميع الهيئات الرقابية على المستويين الوطني والإقليمي، والتأكد من عدم وجود تضارب في الأدوار والمهام، هذا يعزز من فعالية الجهود الرامية إلى محاربة الفساد ويسهم في التنسيق بين المؤسسات لتحقيق الأهداف المرجوة، وتعزيز القوانين وفرض عقوبات رادعة، يعد تحديث وتطوير القوانين لمكافحة الفساد أمرا ضروريا، فضلا عن فرض عقوبات صارمة على المخالفين، العقوبات الرادعة تسهم في تقليص فرص الفساد وتعزز من ثقافة النزاهة في المجتمع، لاعتماد على التقنيات الحديثة، يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي الاستفادة من التقنيات الحديثة مثل أنظمة الدفع الإلكترونية لتعزيز الشفافية في المعاملات الحكومية، هذه التقنيات تساعد في تقليل فرص الفساد عبر ضمان سجلات مالية واضحة وسهولة تتبع المعاملات.

يظل الفساد الإداري والمالي تهديدا خطيرا للتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية في العديد من الدول، ولمواجهة هذا التحدي، تبرز الحاجة الماسة إلى تعزيز الحوكمة الرشيدة من خلال ترسيخ مبادئ النزاهة والشفافية والمساءلة في مختلف القطاعات، كما يعد تطوير المؤسسات الرقابية وتعزيز استقلاليتها خطوة أساسية لضمان فعاليتها في مكافحة الفساد والحد من ممارساته، ومن خلال تبني حلول مبتكرة، مثل الحوكمة الرقمية واستخدام التقنيات الحديثة في متابعة الأداء الإداري والمالي، إلى جانب تعزيز التعاون بين مختلف الأطراف المعنية، يمكن تقليص مساحات الفساد وبناء بيئة مؤسساتية أكثر فاعلية. إن هذه الجهود تسهم في تعزيز النمو الاقتصادي والاجتماعي، وترسيخ أسس الاستدامة والعدالة داخل المجتمعات.

يعد الفساد المالي من أخطر التحديات التي تواجه الاقتصادات المعاصرة، إذ لا يقتصر أثره على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يمتد ليهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي للدول، فالممارسات الفاسدة تفضي إلى تآكل الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وتؤدي إلى عرقلة سير الأعمال، مما يضعف مناخ الاستثمار ويحد من قدرة الدول على تحقيق التنمية المستدامة، ويمكن تصنيف أبرز صور الفساد المالي على النحو الآتي:

الرشوة: تمثل الرشوة الشكل الأكثر شيوعا للفساد المالي، حيث تدفع مقابل تسهيل الإجراءات الحكومية أو للحصول على امتيازات غير قانونية، هذا السلوك يضرب مبدأ تكافؤ الفرص ويفضي إلى توزيع غير عادل للموارد على سبيل المثال، قد يحصل متعهد أقل كفاءة على عقد حكومي بفضل دفع رشوة، متجاوزا شركات أخرى أكثر كفاءة أو تقدم عروضا مالية أفضل، مما يضعف العدالة الاقتصادية ويؤدي إلى إهدار الموارد العامة.

اختلاس الأموال العامة: يعد من أخطر صور الفساد، إذ يتمثل في سرقة الأموال المخصصة للمشاريع والخدمات العامة أو التلاعب في الميزانيات الحكومية على سبيل المثال، قد يحول مسؤول جزءا من مخصصات مشروع تعليمي أو صحي إلى حساباته الشخصية، مما يؤدي إلى عجز الحكومة عن تقديم خدمات أساسية مثل التعليم أو الرعاية الصحية، وهنا لا يقتصر الضرر على الخسارة المالية المباشرة، بل يتعداها إلى الإضرار بالثقة العامة وإضعاف قدرة الدولة على تلبية حاجات المجتمع.

التلاعب بالعقود: يتمثل في تغيير شروط العقود أو عقد صفقات مشبوهة تفضي إلى تحقيق مكاسب غير مشروعة، قد يشمل ذلك تعديل الشروط بعد توقيع العقد، أو إعداد عقود وهمية مقابل عمولات، مثال ذلك أن يتفق مسؤول مع شركات معينة على رفع الأسعار بشكل مبالغ فيه، أو تقليل جودة التنفيذ، وهو ما يؤدي إلى إهدار المال العام وحرمان الدولة من الحصول على أفضل السلع والخدمات بأقل تكلفة ممكنة.

إن خطورة هذه الممارسات تكمن في أنها لا تحدث أضرارا مالية فقط، بل تعيق بناء مؤسسات قوية قائمة على الشفافية والمساءلة، كما أن استمرارها يولد ثقافة اجتماعية متسامحة مع الفساد، مما يرسخ حلقة مفرغة يصعب كسرها ومن هنا، فإن مواجهة الفساد المالي تستوجب مقاربة شاملة تجمع بين تشديد العقوبات القانونية، وتعزيز استقلالية الأجهزة الرقابية، وترسيخ قيم النزاهة والشفافية في الثقافة المؤسسية والمجتمعية على حد سواء.

عندما ينظر إلى الحكومة أو المؤسسات العامة على أنها فاسدة، تتراجع ثقة المواطنين فيها، مما يؤدي إلى ضعف فعالية الإدارة العامة، ويعزز من حالة الإحباط الاجتماعي، ويعيق التطور المؤسسي، كما يؤدي الفساد إلى تخصيص غير فعال للموارد، حيث تذهب الأموال إلى مشاريع أو شركات غير مناسبة، بدلا من استخدامها في المجالات التي تحتاجها الدولة بشدة، مما يفاقم الفجوة بين الاحتياجات والموارد، الفساد يعطل المنافسة العادلة بين الشركات، ويحرمه المشاريع الجديرة من الفرص، مما يقيد النشاط الاقتصادي ويقلل من قدرة الاقتصاد على النمو المستدام وتحقيق الرخاء للجميع، كما يعزز الفجوة الاجتماعية والاقتصادية، حيث يستفيد قلة من الفساد بينما يعيش غالبية المواطنين في فقر أو تهميش، مما يزيد من عدم المساواة في المجتمع.

لذلك، يجب على الحكومات تبني سياسات النزاهة والشفافية، تشمل نشر تفاصيل العقود الحكومية وميزانيات المشاريع، بحيث تكون جميع القرارات المتعلقة بالإنفاق العام خاضعة للمراجعة الدقيقة، ومن الضروري تقوية دور هيئات الرقابة المالية وتوفير أطر قانونية لمحاسبة الفاسدين على كافة المستويات، إضافة إلى وجود آليات رصد فعالة لمكافحة الفساد.

يمكن الاستفادة من التقنيات الحديثة مثل أنظمة الدفع الإلكتروني في تعزيز النزاهة والشفافية بالمعاملات المالية، لما توفره من تقليص فرص التدخل البشري وتقليل احتمالات الفساد، الأمر الذي يساهم في بناء ثقة أكبر لدى المواطنين في المؤسسات، كما أن فرض عقوبات رادعة وصارمة على الفاسدين يشكل وسيلة فعالة للحد من الرشوة واختلاس الأموال العامة، شريطة أن تكون هذه العقوبات شاملة وتجمع بين المساءلة القانونية والمحاسبة المؤسسية لضمان عدم الإفلات من العقاب، إلى جانب ذلك، تبرز أهمية التوعية المجتمعية المستمرة حول مخاطر الفساد وانعكاساته السلبية على التنمية والعدالة الاجتماعية، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال برامج تثقيفية وإعلامية متنوعة ترسخ ثقافة النزاهة داخل المجتمع، كما أن تشجيع المواطنين على التبليغ عن الممارسات الفاسدة عبر قنوات آمنة وسرية يساهم في الكشف المبكر عن الانتهاكات، ويدعم بناء منظومة مؤسساتية قائمة على الشفافية والرقابة الفعالة.

والفساد المالي يشكل عقبة كبيرة أمام التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، ويؤثر بشكل مباشر على تحسين الظروف المعيشية للمواطنين من خلال تنفيذ إجراءات حوكمة قوية، وتعزيز النزاهة والشفافية، وتفعيل آليات الرقابة المستقلة، يمكن الحد من الفساد المالي، وبالتالي تعزيز الاستقرار الاجتماعي والنمو الاقتصادي، مما يعود بالفائدة على المجتمع ككل.

تعد الحوكمة الفعالة أحد العوامل الأساسية في مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص على حد سواء، وتكتسب الحوكمة أهمية خاصة بالنظر إلى التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تواجهها العديد من الدول، فضلا عن سعيها نحو تحسين بيئة الأعمال وضمان استدامة النمو الاقتصادي والاجتماعي، وتشير الحوكمة إلى مجموعة من القواعد والأنظمة التي تحدد كيفية اتخاذ القرارات وتنفيذها داخل المؤسسات العامة والخاصة، مع تركيزها على مبادئ أساسية مثل الشفافية، والمساءلة، والنزاهة، والمشاركة المجتمعية، وتهدف هذه المنظومة إلى تحسين إدارة الموارد، وتعزيز فعالية المؤسسات، وضمان حماية حقوق الأفراد والمجتمع، لا سيما في إطار الجهود الرامية إلى مكافحة الفساد، كما تلعب الحوكمة دورا محوريا في ضمان محاسبة المسؤولين وتطبيق القوانين والأنظمة بشكل عادل وشفاف، بما يسهم في بناء بيئة مؤسسية قائمة على الثقة المتبادلة بين الدولة والمجتمع، ويعزز من قدرة المؤسسات على تحقيق أهدافها بكفاءة واستدامة.

في دول مجلس التعاون الخليجي، تعتبر الحوكمة جزءا من الاستراتيجيات التنموية التي تهدف إلى تطوير البنية التحتية والاقتصاد مع تحسين جودة الحياة للمواطنين، ومع تقدم هذه الدول في تنفيذ إصلاحات اقتصادية ومالية، ارتفعت الحاجة لتطوير أنظمة حوكمة صارمة تعزز النزاهة والشفافية وتحد من فرص الفساد، وأبرز المجالات التي تشهد تطبيق الحوكمة في هذه الدول تشمل، النزاهة والشفافية في التعاملات الحكومية، وبدأ العديد من دول الخليج بتطوير نظم إلكترونية لتسهيل الوصول إلى المعلومات الحكومية من خلال منصات حكومية إلكترونية ومراجعات مفتوحة للميزانيات العامة، مما يحد من فرص التلاعب والتضليل، والتشريعات والمراقبة المالية، وتضع الحكومات في دول مجلس التعاون الخليجي قوانين صارمة لمكافحة الفساد وتوفير رقابة مالية فعالة عبر هيئات مستقلة مثل “ديوان المحاسبة” في الكويت أو “دائرة الرقابة المالية” في الإمارات.

كما يتم إصدار تشريعات خاصة بالشفافية مثل قوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتكنولوجيا في تعزيز الحوكمة، وتساهم تقنيات في تعزيز النزاهة والشفافية، على سبيل المثال لا الحصر، تستخدم بعض الدول الخليجية أنظمة الدفع الإلكتروني وحلول تكنولوجيا المعلومات لتقليل التعاملات النقدية المباشرة، وبالتالي تقليص فرص الفساد في المعاملات المالية.

تتجلى أدوار الحوكمة في مكافحة الفساد على مستويات متعددة، من أبرزها تعزيز النزاهة والشفافية، حيث تعد من الركائز الجوهرية للحوكمة الفعالة من خلال إتاحة البيانات والمعلومات المتعلقة بالعقود الحكومية والمشروعات العامة أمام المجتمع، الأمر الذي يسهم في الحد من الممارسات غير المشروعة ويقلص فرص إبرام الاتفاقيات غير القانونية أو المشبوهة.

وفي العديد من دول مجلس التعاون، تم إقرار قوانين تتيح للمواطنين الاطلاع على الميزانيات العامة والمشاريع الحكومية، مما يزيد من ضغط المجتمع المدني على الجهات الحكومية لضمان نزاهة وشفافية التعاملات، وتتضمن المساءلة تحميل المسؤولين والمواطنين على حد سواء المسؤولية عن أفعالهم من خلال إنشاء آليات للمراجعة والتحقيق، وتفعيل دور هيئات مكافحة الفساد، ويمكن محاسبة المسؤولين المتورطين في قضايا فساد.

إضافة إلى ذلك، يتم تعزيز نظام المحاكم المستقلة لضمان محاكمة عادلة للمتهمين، وتشجع دول مجلس التعاون الخليجي على تعزيز مشاركة المواطنين في مراقبة الأداء الحكومي، وذلك من خلال فتح قنوات تواصل مع الحكومات مثل منصات الشكاوى أو برامج التوعية لمكافحة الفساد، وتسهم هذه المشاركة في تحسين فعالية إجراءات مكافحة الفساد، وتساهم الحوكمة الإلكترونية في تقليص الفساد عن طريق أتمتة الإجراءات الحكومية وتقليل التفاعل الشخصي بين الموظفين والمواطنين، مما يقلل من فرص الرشوة أو التلاعب، وفي بعض الدول الخليجية، تم تطبيق نظم دفع إلكترونية لزيادة النزاهة والشفافية وتقليل الاحتيال في المعاملات المالية.

على الرغم من الجهود الكبيرة المبذولة في ترسيخ مبادئ الحوكمة، فإن عملية التطبيق لا تخلو من تحديات جوهرية، فبرغم وجود هيئات رقابية مستقلة، إلا أن بعضها قد يعاني من نقص الموارد البشرية أو المالية، الأمر الذي يحد من قدرتها على ممارسة مهامها بكفاءة واستقلالية، كما أن الفساد قد يتجذر أحيانا في أنماط العمل المؤسسي لبعض الأجهزة الحكومية، مما يجعل مواجهته أكثر تعقيدا ويعيق فعالية الإصلاحات، وإلى جانب ذلك، ورغم تعدد المبادرات الهادفة إلى رفع وعي المواطنين بخطورة الفساد، فإن الفجوة في الثقافة المجتمعية تجاه قيم النزاهة والشفافية لا تزال قائمة، مما يستدعي تكثيف برامج التوعية وتعزيز الشراكة المجتمعية في مكافحة الفساد.

من أجل تعزيز الحوكمة وتحقيق نجاح أكبر في مكافحة الفساد، تبرز الحاجة إلى تحسين استقلالية الهيئات الرقابية وضمان توافر الموارد اللازمة لتمكينها من أداء مهامها بكفاءة وشفافية، إضافةً إلى توظيف التقنيات الحديثة مثل التطبيقات والأنظمة الإلكترونية لتسهيل الإجراءات الحكومية والحد من فرص التلاعب، مع ضرورة ترسيخ استقلال النظام القضائي ليكون قادرا على محاكمة الفاسدين بسرعة وعدالة، إلى جانب تعزيز التعاون وتبادل أفضل الممارسات والخبرات بين الدول بما يساهم في رفع كفاءة آليات المكافحة، كما يعد الاستثمار في الحوكمة الفعالة خطوة أساسية لتقليص الفساد من خلال استراتيجيات شاملة تقوم على النزاهة والشفافية والمساءلة وتوظيف التكنولوجيا الحديثة بما يحقق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. [52]

التوصيات

اعتماد آليات متقدمة لتعزيز الشفافية في المعاملات الحكومية، مع إلزام المؤسسات بإصدار تقارير دورية تضمن المساءلة أمام المواطنين، ودعم استقلالية الأجهزة الرقابية مثل ديوان المحاسبة في متابعة قضايا الفساد المالي والإداري.

تحديث القوانين بما يتماشى مع المعايير الدولية، مع تفعيل العقوبات الرادعة ضد الفساد، وضمان استقلالية القضاء في النظر بقضايا الفساد بعيدا عن التدخلات، واستخدام الأنظمة الإلكترونية في الإجراءات الحكومية لتقليل الفساد وتحقيق الشفافية.

نشر ثقافة النزاهة عبر برامج توعوية إعلامية وتعليمية، وتمكين المجتمع من المشاركة في مراقبة الأداء الحكومي من خلال آليات قانونية، إلى جانب توفير قنوات آمنة للإبلاغ عن الفساد مع حماية المبلغين، وتحسين آليات التعاقد والمناقصات لضمان النزاهة والعدالة.

تعزيز التنسيق المؤسسي من خلال إنشاء مجالس أو لجان متخصصة بالحوكمة، لتوجيه السياسات العامة وتبادل الخبرات وتطوير آليات العمل، بما يضمن تكامل الجهود في مواجهة الفساد وتعزيز الممارسات السليمة.

إنشاء أكاديميات ومراكز تدريب متخصصة في تدريس مناهج الحوكمة، مع تحديث هذه المناهج بشكل دوري لمواكبة التطورات الدولية، بما يسهم في رفع الوعي وتطبيق أفضل الممارسات داخل المؤسسات العامة والخاصة.

الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في الحوكمة، ونقل الممارسات الناجحة بما يساهم في تحسين الأداء المؤسسي وتطوير آليات مكافحة الفساد وفق أحدث الأساليب.

تطوير استراتيجيات شاملة لرفع كفاءة الأفراد في الأجهزة الإدارية، مع التركيز على جميع القطاعات دون استثناء، بما يضمن تحسين جودة الخدمات العامة وتحقيق التميز المؤسسي.

وضع آليات دقيقة لمراقبة جودة تنفيذ المهام، مع توفير فرص التدريب المستمر للأفراد في مختلف القطاعات، الأمر الذي يسهم في تنمية قدراتهم ويدعم تحقيق أهداف المؤسسات بدرجة أعلى من الكفاءة والفاعلية.

الاستفادة من خبرات القطاع الخاص في تطبيق معايير الحوكمة، ومنح المؤسسات المدنية المؤهلة دورا في تقديم تقييمات مستقلة لأداء الأجهزة الإدارية، بما يسهم في تجاوز أنماط الإدارة التقليدية وتبني حلول مبتكرة.

الاعتماد على الكفاءات الفنية والتكنوقراط في وضع السياسات وتنفيذها، خاصة في القطاعات المتخصصة مثل المالية، والتعليم، والإعلام، والثقافة، بما يضمن تقديم حلول عملية مبتكرة تحقق الأهداف الوطنية.

الإسراع في تبني متطلبات الحوكمة الرشيدة لمواجهة التحديات في القطاعات الحيوية مثل الصحة، والتعليم، والإعلام، والبنية التحتية، والبحث العلمي، بما يعزز قدرة الدولة على تصحيح المسارات وتحقيق التنمية المستدامة.

إنشاء مراكز بحثية وأكاديميات متخصصة لدراسة مناهج الحوكمة، وإجراء أبحاث مستمرة حول مكافحة الفساد وتحسين الأداء الإداري، بما يضمن تزويد السوق بكفاءات مؤهلة قادرة على قيادة المؤسسات وفق مبادئ الحوكمة الحديثة.

تتضح من خلال التوصيات أن تحقيق تقدم ملموس في مجال الحوكمة ومكافحة الفساد يتطلب جملة من الإجراءات المترابطة التي تعزز بعضها بعضا؛ إذ يعد ضمان استقلالية الأجهزة الرقابية والقضائية وتزويدها وتوفير الإمكانات الضرورية يعد ركيزة أساسية لترسيخ منظومة فاعلة للشفافية والمساءلة، ويتكامل ذلك مع تحديث التشريعات وتفعيل العقوبات الرادعة لضمان فعالية التنفيذ بما يتفق مع المعايير الدولية، كما أن نشر ثقافة النزاهة عبر وسائل التعليم والإعلام وتوسيع نطاق برامج التوعية المجتمعية يمثل عاملا حاسما في تكوين وعي جماعي رافض للفساد، إلى جانب وضع ترتيبات عملية لحماية المبلغين وضمان مشاركتهم البناءة في مبادرات الإصلاح ومكافحة الفساد.

وفي المستوى المؤسسي، يبرز دور تحسين التنسيق بين الجهات الحكومية وتطوير معاهد وأكاديميات متخصصة لتدريس تطوير مناهج الحوكمة وتدريب الكفاءات بما يدعم تنمية القدرات المؤسسية ويكفل ديمومتها، فضلا عن الحاجة إلى الإفادة من التجارب الدولية الناجحة وتكييفها مع السياقات المحلية، فضلا عن إشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني في عمليات الرقابة والمساءلة وإيجاد حلول مبتكرة للحد من الممارسات الفاسدة، كما أن الاستثمار في الموارد البشرية من خلال رفع كفاءة الموظفين وتبني سياسات قائمة على الكفاءات (التكنوقراط) يعد مدخلا أساسيا لتحسين الأداء الحكومي، خاصة في القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة والبنية التحتية، ويمثل تأسيس هيئات علمية وبحثية متخصصة في دراسة قضايا الحوكمة وإعداد الكوادر المؤهلة خطوة محورية تضمن استمرارية الإصلاح، وتدعم بناء منظومة إدارية وقانونية قائمة على النزاهة والشفافية والمساءلة، بما يرسخ الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ويعزز مسارات التنمية المستدامة.[53]

الخاتمة

إن تفعيل قواعد الحوكمة لا يعد مجرد خيار إداري تقني، بل يمثل أداة بنيوية قادرة على إعادة تشكيل العلاقة بين الجهاز الإداري والمجتمع، فعندما تتوافر البيئة المؤسسية التي تشجع على تطبيق مبادئ الحوكمة، يظهر أثرها المباشر في كشف مواطن الخلل والفساد داخل البنى الإدارية، إذ أن النماذج التقليدية التي تدار بها المؤسسات، القائمة على تركيز سلطة القرار بيد قلة من الأفراد، بما يفسح المجال أمام ممارسات المحسوبية والمحاباة، ويؤدي إلى نشوء شبكات مغلقة من الفساد تسعى إلى التأثير على مراكز صنع القرار لضمان استمرارية نفوذها.

هذه البيئة تعيد إنتاج المسؤول الفاسد القادر على توظيف موقعه لتحقيق مصالحه الخاصة، فيتولد تضارب واضح بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة، وينعكس ذلك سلبا على نوعية الخدمات المقدمة للمجتمع، حيث تتحول الموارد العامة إلى وسيلة لتحقيق منافع شخصية بدلا من توجيهها لخدمة المواطنين وتحقيق الغاية المرجوة منها.

وتزداد خطورة المشهد عندما يتردد الموظفون داخل هذه الأجهزة في التبليغ عن شبهات الفساد لاعتقادهم بأن بلاغاتهم قد لا تجد الصدى المطلوب في ظل النفوذ القائم لبعض الأطراف، الأمر الذي يحول الإبلاغ إلى مجرد إجراء شكلي محدود الأثر، ويُبقي الأوضاع على حالها ما دام النمط الإداري التقليدي هو السائد.

لكن مع إدماج مبادئ الحوكمة، تتفكك تدريجيا هذه البنى الراسخة للفساد، فالحوكمة الرشيدة ترفض تركيز القرار الإداري في قمة الهرم، وتستبدل ذلك بأسلوب الإدارة الأفقية الذي يفتح المجال لمشاركة جميع الأطراف في صياغة القرار وتحميلهم مسؤولية نتائجه، وهو تحول جوهري يضع حدا لهيمنة القرار الفردي، ويؤسس لثقافة إدارية قائمة على المشاركة والرقابة المتبادلة.

إلى جانب ذلك، فإن عملية التقييم المؤسسي لم تعد إجراء شكليا، بل أصبحت أداة فاعلة لكشف العيوب في الاستراتيجيات والبرامج، إذ يتيح التقييم تحديد قدرة المؤسسة على تحقيق الأهداف المرسومة، وتقييم مستوى نجاحها أو إخفاقها في تنفيذ مهامها، بما يوضح بشكل جلي درجة فعالية السياسات الإدارية المطبق.

الأهمية الكبرى تكمن في أن الحوكمة حين توزع المسؤوليات وتفرض الشفافية في عملية اتخاذ القرار، تجعل من الصعب على أي دائرة إدارية التلاعب بمخرجات التنفيذ أو التهرب من المساءلة، حيث يدرك كل طرف أن أدائه موضع تقييم من قبل الأطراف الأخرى، الأمر الذي يعزز النزاهة ويكرس مبدأ الشفافية، ويسهم في ترسيخ الثقة بأن عملية اتخاذ القرار وتنفيذه تستند إلى اعتبارات موضوعية بعيدة عن المصالح الضيقة.

وفي السياق الأوسع، فإن التحديات الراهنة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، تفرض البحث عن مصادر قوة قادرة على تعزيز صمود الدولة أمام الأزمات، وينظر هنا إلى الإدارة العامة بوصفها ركيزة أساسية للاستقرار والتنمية، إذ أن امتلاك جهاز إداري كفء يمثل ضمانة لاستمرارية الأداء المؤسسي ومواجهة الضغوط الخارجية والداخلية.

يعد وجود نظم إدارية قادرة على استثمار الموارد المتاحة بكفاءة عالية من أبرز الدلالات على قوة الدولة، وهو ما يمثل المقياس الحقيقي لفاعلية الاقتصاد، وتتحقق هذه القدرة من خلال إدارة واعية للموارد البشرية والعناصر الاقتصادية، بما يجعل تبني الأساليب الحديثة في الإدارة أمرا حتميا.

وفي هذا الإطار، تبرز الحوكمة كأداة استراتيجية قادرة على تحويل الإمكانيات المتاحة إلى فرص حقيقية للتنمية المستدامة، فهي ليست مجرد آلية تنظيمية، بل منظومة قيمية تضمن الاستخدام الرشيد للموارد، وتعزز القدرة التنافسية للدولة، وتدفع نحو بناء مؤسسات أكثر نزاهة وفعالية.[54]

المراجع

أولا: المصادر العربية

كتب:

  1. إبراهيم، عبد السلام وكريم، فاضل عباس. (2008). حوكمة الشركات ضرورة استراتيجية لمنظمات الألفية الجديدة: دراسة تحليلية في عدد منظمات صناعة خدمات التأمين العامة. مجلة الغري للعلوم الاقتصادية والإدارية 2 (10).
  2. أنتوني، غدنز. (2005). علم الاجتماع، تقديم وترجمة فايز الصياغ، الطبعة الرابعة. لبنان: المنظمة العربية للترجمة، الحمراء، بيروت.
  3. أبو النصر، مدحت. (2015). الحوكمة الرشيدة، فن إدارة المؤسسات عالية الجودة. مصر: المجموعة العربية للتدريب والنشر. الطبعة الأولي.
  4. حسن، صلاح. (2010). البنوك والمصارف ومنظمات الأعمال، معايير حوكمة المؤسسات المالية. القاهرة: دار الحديث.
  5. حماد، طارق عبدالعال. (2005). حوكمة الشركات (المفاهيم- المبادئ- التجارب) تطبيقات الحوكمة في المصارف. الإسكندرية: الدار الجامعية.
  6. شمس الدين، باسم. (2016). القيادة الاستراتيجية وحوكمة الشركات. القاهرة: دار الكتاب الحديث.
  7. فوزي، سميحة. (2003). حوكمة الشركات في مصر مقارنة بالأسواق الناشئة الأخرى، حوكمة الشركات في القرن الحادي والعشرين، واشنطن: مركز المشروعات الدولية الخاصة، غرفة التجارة الأمريكية.
  8. عبدالمحسن، توفيق. (2019). أخلاقيات الأعمال، دور الحوكمة في مواجهة الفساد. القاهرة: مكتبة مدبولي.
  9. عبدالشافي، رحمة. (2017). الحوكمة في الأجهزة الحكومية والأمنية النظرية والتطبيق. برعاية الأمنية.
  10. قوي، بوحنية. (2017). حوكمة التنمية المستدامة، في النظرية والتطبيق دراسة لبعض النماذج والمؤشرات. الجزائر: دار الحديث.
  11. بن عيسي، داود. (2020). الحوكمة وتطبيقها على التدقيق والرقابة الشرعية. دار البشائر الإسلامية. الطبعة الأولي بيروت: لبنان.
  12. صالح، تهاني. (2020). الحق في الحصول على المعلومات الوسائل والقيود والعقبات وجرائم إساءة استعمال الحق وضمانات حمايته. المركز القومي للإصدارات القانونية. الطبعة الأولي القاهرة: مصر.
  13. توق، محي الدين شعبان. (2014). الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد منظور اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. دار الشروق للنشر والتوزيع، الإصدار الأول رام الله: فلسطين.
  14. أبو سليم، أحمد محمود. (2009). مكافحة الفساد: دراسة مقارنة. عمان، دار الفكر للنشر والتوزيع: الأردن.
  15. أوراق عمل المؤتمر السنوي الخامس عشر: الأجندة التنموية لما بعد 2015 في الدول العربية. الحوكمة والتنمية في الوطن العربي. المنظمة العربية للتنمية الإدارية جامعة الدول العربية. القاهرة- ديسمبر 2016.
  16. تعارض المصالح في الدولة والمجتمع. المنظمة العربية لمكافحة الفساد. ومناقشات الندوة التي أقامتها المنظمة العربية لمكافحة الفساد في بيروت، لبنان يومي 9 و10 سبتمبر 2015.
  17. الفساد وإعاقة التغيير والتطور في العالم العربي. المنظمة العربية لمكافحة الفساد. بحوث ومناقشات الندوة التي أقامتها المنظمة العربية لمكافحة الفساد في بيروت، لبنان يومي 9 و10 أيار/ مايو 2014.
  18. الدليل الوطني للحوكمة المؤسسية بالجهاز الإداري، الإصدار الأول، 2021.
  19. الإطار الوطني لحوكمة الجهاز الإداري الحكومي بدول الكويت، الإصدار الأول، 2021.
  20. الحوكمة الرشيدة وبناء النزاهة في قطاع الدفاع والقطاعات الأمنية ذات الصلة، بناء النزاهة في الناتو كمادة متخصصة للتعليم والتدريب.
  21. دليل الحوكمة الرشيدة لجمعية العون المباشر، ديسمبر 2020.
  22. أساسيات الحوكمة: مصطلحات ومفاهيم، سلسلة النشرات التثقيفية لمركز أبو ظبي للحوكمة.
  23. ايمان بيبرس، حوكمة الجمعيات الاهلية لتحقيق التنمية البشرية، مقال منشور في جريدة الاهرام بتاريخ 9 نوفمبر 2004.
  24. الحوكمة وتطبيقاتها على التدقيق والرقابة الشرعية، شركة دار البشائر الإسلامية، لبنان، الطبعة الأولي، ص 49. داود سلمان بن عيسى: (2020)
  25. حوكمة الإدارة التعليمية في الدول الأعضاء بمكتب التربية العربي لدول الخليج، المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج- الكويت، 2022.
  26. الأحمد، بهاء أحمد سليم (2014) الشفافية الإدارية في تحقيق التنمية الإدارية. المجلة العربية للإدارة المحلية والتنمية.
  27. الجدعان، سعد. (2023) اقتصاديات الثقافة لدول مجلس التعاون الخليجي ودورها في مكافحة الفساد. مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية- جامعة الكويت.

ثانيا: المصادر الأجنبية

  1. Bellavance, Guy, Myrtille Valex et Michel Ratte (2004), Le Gout des autres. Une analyse des repertoires Culturels de nouvelles elites omnivores, sociologie et societies, Vol, 36, n 1, printemps, p. 27-57.
  2. Council of Europe, promotion de la bonne gouvernance et de lute contre la corruption (SNAC Maroc), Document teachnique, du maroc, p 41.
  3. Eurydice, La gouvernance de lense ignement superieur en europ: politiques, structures, financement et personnel a cademi que, le reseau d information sur l education en Europe, 2008.
  4. Erturk, Ismail, et collab. La gouvernance d entreprise au service de la valeur actionnariale ou de I enrichissement des dirigeants, A Coutrario, Vol. 2, no 4, 2004, P. 84.
  5. Edward Gibbon, The History of the Decline and Fall of the Roman Empire Volume 1, cover of art Mike keeling 2013.
  6. Hannigan, John (2007), A New Neo- Bohemian Rhapsody; cultural Vibrancy and Controlled Ede as Urban Development Tools in the New creative economy, dans Timothy A. Gibson et Mark D. Lowes (dir), Urban communication; production, Text, context, Lanham, MD Rowman and Little field, P. 61-81.
  7. Jean- paul pollin, a proos De quelques ov vra ges sur la gouvernance des entreprises, revue economique- Vol. 55.N z, Mars 2004, p 333- 346.
  8. Jean Nizet, La sociologie de Anthony Giddens, Editions La Decouverte, Paris, 2007, p 51.
  9. J-M, Toulouse, Evolution des modes de gouvernance , Institut sur la gouvernance d organisations privees et publiques, rapport de recherche sur la gouvenance des institutions universitaires, OCDE 2007.
  10. Letwin, O. (1988), privatizing the world: A study of international privatization in Theory and practice London, Cassell, p 163.
  11. MICHASKI, Wolf gang et Callab., La Gouvernance au xxle Siecle, O CDE, 2002, p. 23.
  12. Magaly Brodeur, pierre Delorme, Pour une gouvernanace locale responsible, Association international des maires trancophones Aout 2011, p 8-11.
  13. Plateforme RSE, La gouvernance d entreprise mise en oeuvre et nouveraux enjeux, journee d etude du vendredi 16 novembre 2018, France strateaie, juin 2019, p 16.
  14. Romer, P.m. (1986). Increasing Returns and Long- Run Growth, Journal of political economy, Vol. 94, no 5, p. 1002-1038.
  15. Reinhart, C.M., and Rogoff, K.S. (2009), This Time is Different: Eight Centuries of Financial Folly. Princeton, New Jersey; Princeton university press, p 87.
  16. Vinokur Annie (2017), La gouvernance des universities par la qualile, Recherche et pratiques pedagogiques en langues de specialite. Vol. 36 N l.
  17. world bank: development in practice governance the world banks experience, 1994, p 15.
  18. Jill Solomon and Aris Solomon, Corporate Governance and Accountability, England, p 246.

ثالثا: المواقع إلكترونية

1- Anti-Corruption Module 2 Key Issues: What is good Governance? (unodc.org)

2- 210304-BI-Refrence-Curriculum-Arabic.pdf (nato.int)

3- الحوكمة الرشيدة في المؤسسة سبيل للتنمية وتطوير الأداء (aman-palestine.org)

4- دليل-الحوكمة-الرشيدة.pdf (direct-aid.org)

5- Booklet_13.pdf (cma.org.sa)

6- خامساً: تكامل الأسواق المالية بدول المجلس (gcc-sg.org)

7- المركز الإحصائي الخليجي – اللجــان الدائمة (gccstat.org)

8- المستودع الرقمي المؤسسي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية (nauss.edu.sa)

9- حوكمة الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي (al-sharq.com)

10- THE CONCEPT OF CORPORATE GOVERNANCE (redalyc.org)

11- (PDF) CORPORATE GOVERNANCE NOTES (researchgate.net)

12- Principles for enhancing corporate governance – final document (bis.org)

13- Guiding-Principles-of-Corporate-Governance.pdf (theiia.org)

14- Microsoft Word – Part 5.2 – Netherlands _Goodijk_ – NEW.doc (virtusinterpress.org)

15- The Impact of Corporate Governance and Financial Leverage on the Value of American Firms (liberty.edu)

  1. Christensen, T., & Lægreid, P. (2017). Coordination and administrative reform in the public sector: Comparative perspectives. International Review of Administrative Sciences, 83(4), 659–673. Mintzberg, H. (2015). Managing the myths of health care: Bridging the separations between care, cure, control, and community. Berrett-Koehler Publishers.: Rainey, H. G. (2014). Understanding and managing public organizations (5th ed.). Jossey-Bass.
  2. حكومة الإمارات العربية المتحدة، رؤية الإمارات 2071، الموقع الرسمي للحكومة، 2017.: مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، رؤية المملكة العربية السعودية 2030، الرياض، 2016.: الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، رؤية الكويت 2035 – كويت جديدة، الكويت، 2018.: الأمانة العامة للتخطيط التنموي، رؤية قطر الوطنية 2030، الدوحة، 2008.: وزارة الاقتصاد، رؤية عمان 2040، مسقط، 2020.: مجلس التنمية الاقتصادية البحريني، رؤية البحرين الاقتصادية 2030، المنامة، 2008.
  3. World Bank. (2020). Governance and the Law: Policy Frameworks for Effective Institutions. Washington, DC: World Bank.: OECD. (2021). Public Governance: Policy Framework for Sound Public Administration. Paris: OECD Publishing.: United Nations Development Programmed (UNDP). (2019). Governance for Sustainable Development: Integrating Governance in the 2030 Agenda. New York: UNDP.
  4. ايمان بيبرس، حوكمة الجمعيات الاهلية لتحقيق التنمية البشرية، مقال منشور في جريدة الاهرام بتاريخ 9 نوفمبر 2004.
  5. Tricker, B. (2019). Corporate governance: Principles, policies, and practices (4th ed.). Oxford University Press.: Solomon, J. (2020). Corporate governance and accountability (5th ed.). Wiley.: Aguilera, R. V., & Cuervo-Cazurra, A. (2009). Codes of good governance. Corporate Governance: An International Review, 17(3), 376–387.
  6. world bank: development in practice governance the world banks experience, 1994, p 15.
  7. Jill Solomon and Aris Solomon, Corporate Governance and Accountability, England, p 246.

  8. الحوكمة وتطبيقاتها على التدقيق والرقابة الشرعية، شركة دار البشائر الإسلامية، لبنان، الطبعة الأولي، ص 49. داود سلمان بن عيسى: (2020)
  9. – Magaly Brodeur, pierre Delorme, Pour une gouvernanace locale responsible, Association international des maires trancophones Aout 2011, p 8-11.
  10. Rosenbloom, D. H., Kravchuk, R. S., & Clerkin, R. M. (2022). Public administration: Understanding management, politics, and law in the public sector (10th ed.). McGraw-Hill Education.: Raadschelders, J. C. N., & Lee, K.-H. (2019). Public administration: The interdisciplinary study of government. Oxford University Press.: Denhardt, R. B., Denhardt, J. V., & Blanc, T. A. (2018). Public administration: An action orientation (8th ed.). Cengage Learning.
  11. United Nations Office on Drugs and Crime (UNODC). (2019). The United Nations Convention against Corruption: Implementation review. United Nations: Transparency International. (2020). Global corruption report: Accountability and transparency in the public sector. Transparency International. : Rose-Ackerman, S., & Palifka, B. J. (2016). Corruption and government: Causes, consequences, and reform (2nd ed.). Cambridge University Press.
  12. – أنتوني، غدنز. (2005). علم الاجتماع، تقديم وترجمة فايز الصياغ، الطبعة الرابعة. لبنان: المنظمة العربية للترجمة، الحمراء، بيروت، ص 640.
  13. United Nations. (2015). Transforming our world: The 2030 agenda for sustainable development. United Nations.: Sachs, J. D. (2015). The age of sustainable development. Columbia University Press.: Grindle, M. S. (2017). Good governance, Rethinking the concept for sustainable development. Governance, 30(1), 17–24.
  14. Bovens, M., Schillemans, T., & Goodin, R. E. (2014). Public accountability. In M. Bovens, R. E. Goodin, & T. Schillemans (Eds.), The Oxford handbook of public accountability (pp. 1–27). Oxford University Press.: Fukuyama, F. (2013). What is governance? Governance, 26(3), 347–368. : OECD. (2016). Open government: The global context and the way forward. OECD Publishing.
  15. -Edward Gibbon, The History of the Decline and Fall of the Roman Empire Volume 1, cover of art Mike keeling 2013.
  16. Nobes, C., & Parker, R. (2020). Comparative international accounting (14th ed.). Pearson Education.: Napier, C. J. (2019). Accounting and the law: The role of legal institutions in accounting regulation. Accounting, Organizations and Society, 76, 50–67.: Mattessich, R. (2018). Two hundred years of accounting research: An international survey of personalities, ideas, and publications (from the beginnings until the 1970s). Routledge.
  17. OECD (2017). Preventing Corruption in Public Procurement. OECD Publishing, Paris.: Transparency International (2020). Corruption Perceptions Index 2019. Transparency International, Berlin.: World Bank (2019). Governance and the Law. World Development Report. Washington, DC: World Bank.
  18. Pieth, M. (2022). Global Corruption: Its Regulation under International Conventions, US, UK, and EU Law. Oxford University Press.: Obermaier, F., & Obermayer, B. (2020). The Panama Papers: Breaking the Story of How the Rich and Powerful Hide Their Money. Oneworld Publications.: Sharman, J. C. (2023). The Despot’s Guide to Wealth Management: On the International Campaign against Grand Corruption. Cornell University Press.
  19. Al-Hassan, A., Khamis, M., Oulidi, N., & Prasad, A. (2010). The GCC banking sector: Topography and analysis. IMF Working Paper, International Monetary Fund.: OECD. (2021). The digital transformation of public administration: Reshaping governance for the future. OECD Publishing.: World Bank. (2020). Governance and the law: Enhancing transparency and accountability in the Middle East and North Africa. World Bank Group. https://documents.worldbank.org
  20. – Romer, P.m. (1986). Increasing Returns and Long- Run Growth, Journal of political economy, Vol. 94, no 5, p. 1002-1038.
  21. World Bank (2021). Governance and the Law: Institutions, Governance, and Growth. Washington, DC: World Bank.: OECD (2020). State-Owned Enterprises and Public Governance: A Policy Maker’s Guide to Privatization. Paris: OECD Publishing.: North, Douglass C., Wallis, John J., & Weingast, Barry R. (2019). Violence and Social Orders: A Conceptual Framework for Interpreting Recorded Human History. Cambridge: Cambridge University Press.
  22. -Jean Nizet, La sociologie de Anthony Giddens, Editions La Decouverte, Paris, 2007, p 51.
  23. Denhardt, R. B., Denhardt, J. V., & Blanc, T. A. (2018). Public administration: An action orientation (8th ed.). Cengage Learning.: Ansell, C., & Torfing, J. (2021). Public governance as co-creation: A strategy for revitalizing the public sector and rebuilding trust in government. Cambridge University Press.: Mintzberg, H. (2017). Managing the myths of health care: Bridging the separations between care, cure, control, and community. Berrett-Koehler Publishers.
  24. Healy, P. M., & Palepu, K. G. (2003). The Fall of Enron. Journal of Economic Perspectives, 17(2), 3–26.: Finkelstein, S. (2005). When Bad Things Happen to Good Companies: Strategy Failure and Corporate Collapse. Journal of Business Strategy, 26(2), 19–28.: Vuori, N., & Huy, Q. (2016). Distributed Attention and Shared Emotions in the Innovation Process: How Nokia Lost the Smartphone Battle. Administrative Science Quarterly, 61(1), 9–51.
  25. Healy, P. M., & Palepu, K. G. (2003). The fall of Enron. Journal of Economic Perspectives, 17(2), 3–26. : Vuori, N., & Huy, Q. N. (2016). Distributed attention and shared emotions in the innovation process: How Nokia lost the smartphone battle. Administrative Science Quarterly, 61(1), 9–51.: Clarke, T. (2020). International corporate governance: A comparative approach. Routledge.
  26. MICHASKI, Wolf gang et Callab., La Gouvernance au xxle Siecle, O CDE, 2002, p. 23.
  27. OECD, Principles of Corporate Governance, OECD Publishing, Paris, 2015.: Cadbury, A., Report of the Committee on the Financial Aspects of Corporate Governance, London: Gee Publishing, 1992.
  28. World Bank, Governance and Anti-Corruption Strategy, Washington D.C., 2007.: Shleifer, A. & Vishny, R., A Survey of Corporate Governance, Journal of Finance, Vol. 52, No. 2, 199
  29. Shleifer, A. & Vishny, R., A Survey of Corporate Governance, Journal of Finance, Vol. 52, No. 2, 1997.: La Porta, R., Lopez-de-Silanes, F., Shleifer, A. & Vishny, R., Law and Finance, Journal of Political Economy, Vol. 106, No. 6, 1998.: Aguilera, R. & Jackson, G., Comparative and International Corporate Governance, Academy of Management Annals, Vol. 4, No. 1, 2010.
  30. Kaufmann, D., Kraay, A., & Mastruzzi, M. (2011). The worldwide governance indicators: Methodology and analytical issues. Hague Journal on the Rule of Law, 3(2), 220–246.: Transparency International. (2020). Corruption perceptions index 2020: Transparency and accountability in public institutions. Transparency International.: Rothstein, B., & Varraich, A. (2017). Making sense of corruption. Cambridge University Press.
  31. OECD. (2016). Preventing corruption in public procurement. OECD Publishing.: Thai, K. V. (2017). International public procurement: Concepts and practices. Journal of Public Procurement, 17(3), 336–369.: World Bank. (2020). Enhancing government effectiveness and transparency: The fight against corruption. World Bank Group. https://documents.worldbank.org
  32. -Bellavance, Guy, Myrtille Valex et Michel Ratte (2004) , Le Gout des autres. Une analyse des repertoires Culturels de nouvelles elites omnivores, sociologie et societies, Vol, 36, n 1, printemps, p. 27-57.
  33. -Hannigan, John (2007) , A New Neo- Bohemian Rhapsody; cultural Vibrancy and Controlled Ede as Urban Development Tools in the New creative economy, dans Timothy A. Gibson et Mark D. Lowes (dir), Urban communication; production, Text, context, Lanham, MD Rowman and Little field, P. 61-81.
  34. Hertog, S. (2010). Defying the resource curse: Explaining successful state-owned enterprises in rentier states. World Politics, 62(2), 261–301.: Woertz, E. (2019). Energy reform and economic diversification in the Gulf states. The Oxford Institute for Energy Studies.: World Bank. (2021). Gulf economic update: Transforming economies for sustainable development. World Bank Group.
  35. -Erturk, Ismail, et collab. La gouvernance d entreprise au service de la valeur actionnariale ou de I enrichissement des dirigeants, A Coutrario, Vol. 2, no 4, 2004, P. 84.
  36. – Letwin, O. (1988) , privatizing the world: A study of international privatization in Theory and practice London, Cassell, p 163.
  37. – J-M, Toulouse, Evolution des modes de gouvernance , Institut sur la gouvernance d organisations privees et publiques, rapport de recherche sur la gouvenance des institutions universitaires, OCDE 2007.
  38. -Reinhart, C.M., and Rogoff, K.S. (2009) , This Time is Different: Eight Centuries of Financial Folly. Princeton, New Jersey; Princeton university press, p 87.
  39. – Jean- paul pollin, a proos De quelques ov vra ges sur la gouvernance des entreprises, revue economique- Vol. 55.N z, Mars 2004, p 333- 346.
  40. Ansell, C., & Torfing, J. (2021). Public governance as co-creation: A strategy for revitalizing the public sector and rebuilding trust in government. Cambridge University Press.: Tricker, B. (2019). Corporate governance: Principles, policies, and practices (4th ed.). Oxford University Press.: Denhardt, R. B., Denhardt, J. V., & Blanc, T. A. (2018). Public administration: An action orientation (8th ed.). Cengage Learning.
  41. Tricker, B. (2019). Corporate governance: Principles, policies, and practices (4th ed.). Oxford University Press.: Solomon, J. (2020). Corporate governance and accountability (5th ed.). Wiley.: Aguilera, R. V., & Crespi-Cladera, R. (2016). Global corporate governance: On the relevance of firms, investors, stakeholders, and capital markets. Cambridge University Press.
  42. – Eurydice, La gouvernance de lense ignement superieur en europ: politiques, structures, financement et personnel a cademi que, le reseau d information sur l education en Europe, 2008.
  43. Bevir, M., & Rhodes, R. A. W. (2021). Governance and collective responsibility: Rethinking institutions in times of risk. Oxford University Press.: Renn, O., & Schweizer, P. J. (2020). Risk governance: Coping with uncertainty in a complex world (2nd ed.). Routledge.: Frandsen, S., Kuhn, T., & Lundholt, M. W. (2023). Organizational risk communication: Building collective awareness and resilience. Palgrave Macmillan.
  44. – Council of Europe, promotion de la bonne gouvernance et de lute contre la corruption (SNAC Maroc), Document teachnique, du maroc, p 228.
  45. Bevir, M., & Rhodes, R. A. W. (2021). Governance and collective responsibility: Rethinking institutions in times of risk. Oxford University Press.: Renn, O., & Schweizer, P. J. (2020). Risk governance: Coping with uncertainty in a complex world (2nd ed.). Routledge.: Frandsen, S., Kuhn, T., & Lundholt, M. W. (2023). Organizational risk communication: Building collective awareness and resilience. Palgrave Macmillan.
  46. -Plateforme RSE, La gouvernance d entreprise mise en oeuvre et nouveraux enjeux, journee d etude du vendredi 16 novembre 2018, France strateaie, juin 2019, p 16.
  47. Vinokur Annie (2017), La gouvernance des universities par la qualile, Recherche et pratiques pedagogiques en langues de specialite. Vol. 36 N l.
  48. Bevir, M., & Rhodes, R. A. W. (2021). Governance and collective responsibility: Rethinking institutions in times of risk. Oxford University Press.: Renn, O., & Schweizer, P. J. (2020). Risk governance: Coping with uncertainty in a complex world (2nd ed.). Routledge.: Frandsen, S., Kuhn, T., & Lundholt, M. W. (2023). Organizational risk communication: Building collective awareness and resilience. Palgrave Macmillan.: OECD. (2015). OECD principles of corporate governance. OECD Publishing.
  49. Transparency International, Corruption Perceptions Index 2023, Berlin: Transparency International, 2023.: OECD, OECD Principles of Corporate Governance, Paris: OECD Publishing, 2015.: World Bank, Worldwide Governance Indicators (WGI): 1996–2022, Washington DC: World Bank, 2023.: United Nations Development Programme (UNDP), Governance for Sustainable Development: Integrating Governance in the Post-2015 Development Framework, New York: UNDP, 2014.: Rothstein, Bo & Holmberg, Sören, Good Government: The Relevance of Political Science, Edward Elgar Publishing, 2012.: Kaufmann, Daniel, Kraay, Aart & Mastruzzi, Massimo, The Worldwide Governance Indicators: Methodology and Analytical Issues, World Bank Policy Research Working Paper No. 5430, 2010.: Fukuyama, Francis, Governance and World Order, Foreign Affairs Journal, 2013.: Hood, Christopher, Accountability and Good Governance in Modern Democracies, Oxford University Press, 2011.
  50. Transparency International, Corruption Perceptions Index 2023, Berlin: TI, 2023.: World Bank, Worldwide Governance Indicators (WGI), Washington DC: World Bank, 2022.: OECD, Principles of Corporate Governance, Paris: OECD Publishing, 2021.: Fukuyama, F., Governance and Political Order, Foreign Affairs, 2013.
  51. OECD, Principles of Corporate Governance, OECD Publishing, Paris, 2015.: Transparency International, Corruption Perceptions Index 2023, Berlin, 2023.: World Bank, Governance and Anti-Corruption Strategy, Washington D.C., 2020.: United Nations Office on Drugs and Crime (UNODC), United Nations Convention against Corruption (UNCAC), Vienna, 2004. International Monetary Fund (IMF), Good Governance: The IMF’s Role, Washington D.C., 2017.: Alon, I., Corporate Governance in Emerging Markets, Springer, 2020.
  52. Transparency International, Global Corruption Report 2023: Governance and Accountability, Berlin: Transparency International, 2023.: OECD, Public Integrity Handbook, Paris: OECD Publishing, 2022.: United Nations Office on Drugs and Crime (UNODC), United Nations Convention against Corruption: Implementation Review Guide, Vienna: United Nations, 2021.
  53. OECD, Principles of Corporate Governance, OECD Publishing, Paris, 2015.: Transparency International, Global Corruption Report: Governance and Accountability, Routledge, London, 2020.: World Bank, Governance and Anti-Corruption Strategies, Washington D.C., 2019.: Rose-Ackerman, S. & Palifka, B., Corruption and Government: Causes, Consequences, and Reform, Cambridge University Press, 2016.: United Nations Office on Drugs and Crime (UNODC), United Nations Convention Against Corruption: Implementation Guide and Evaluation Framework, UNODC, Vienna, 2018.
  54. الطاهر زكري، حماية المرافق العامة من جرائم الفساد، مذكرة لنيل شهادة الماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر بسكرة، ٢٠١٣-٢٠١٤م، ص٥.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى