المستجد القانوني في التبليغ: توضيح المغالطات والشائعات حول البطاقة الوطنية يوسف بنشهيبة

المستجد القانوني في التبليغ: توضيح المغالطات والشائعات حول البطاقة الوطنية
يوسف بنشهيبة باحث في العلوم الجنائية والامنية
انطلاقًا من دورنا في المجتمع كباحثين في القانون، نجد أنفسنا في العديد من الأحيان مطالبين بكل مسؤولية وأمانة بتوضيح مجموعة من المغالطات القانونية التي تنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يمتد مداها نحو المجتمع.
في الوقت الذي تسعى فيه الدولة إلى تحقيق النجاعة القضائية، وخلق نظام قضائي أكثر سرعة في البتّ في القضايا، تستغل العديد من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ضعف الفهم القانوني لدى بعض المواطنين وينشرون الشائعات والمعلومات المغلوطة حول هذا الموضوع، من قبيل : “اللي ساكن فشي مسكن وتحول منو ومابدلش العنوان القديم بالجديد في بطاقة وطنية غادي يتعاقب بالسجن!”
سياق الخبر الزائف…
أعلن السيد وزير العدل عبد اللطيف وهبي في جلسة الأسئلة الشفهية، عن مستجد
في قانون المسطرة الجنائية، سيدخل حيز التنفيذ يوم 8 دجنبر المقبل، متضمنًا إصلاحًا جوهريًا في إجراءات التبليغ والتنفيذ القضائي، تصريح الوزير الذي كان صريحا، استغلته العديد من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وبعض من رواده، لنشر خبر زائف مفاده أن ” كل شخص غير محل سكناه ولم يغير العنوان المتضمن في بطاقة التعريف الوطنية سوف يُزج به في السجن”، وهذه الخبر زائف لا أساس له من الصحة، وهذا ما سنوضحه في الأسطر المقبلة.
الوزير تحدث عن مستجد جديد في قانون المسطرة الجنائية يتعلق بالتغيرات التي ستطال المنظومة القضائية، وتحديدًا الشق المتعلق بالتبليغات، حيث إنه في بعض الأحيان يُبلغ الأشخاص ممن لهم دعوى جنحية أو مدنية من طرف النيابة العامة على العنوان المتضمن في البطاقة الوطنية للتعريف، إلا أنه يتبين أثناء عملية التبليغ أن الشخص لم يعد يقطن في عنوان السكن الخاص به دون أن يكون قد حدث البطاقة الوطنية للتعريف. في هذه الحالة، تصدر المحكمة حكمًا غيابيًا، ويحق للشخص تقديم اعتراض (التعرض). ( ما كان معمول به سابقا ).
المستجد في هذه الحالة اعتبر التبليغ صحيحًا في العنوان المدلى به في البطاقة الوطنية للتعريف، رغم أن الشخص المبلغ لم يعد يقطن في عنوان سكناه، وبالتالي لن يصبح بإمكان هذا الشخص التعرض عن الحكم، بل سيُعتبر الحكم بمثابة حضوري نتيجة التبليغ الصحيح للاستدعاء، وبذلك يتحمل الشخص المسؤولية القانونية الكاملة عن عدم التحديث (الإهمال).
هذا المستجد القانوني الذي سيطال قانون المسطرة الجنائية يجب أن يواكبه في الوقت حملات توعية وطنية عبر وسائل الإعلام المختلفة، ليكون المواطنون على علم بهذا المستجد التشريعي.
في غياب هذه الحملات، سيُطبق المستجد بالشكل الذي وضع من أجله، إذ لا يعذر أحد بجهله القانون.
هذا المستجد القانوني جاء للقطع مع العديد من الممارسات الصادرة من بعض المتقاضين (سوء التقاضي)، الذين يتعمدون التحايل والتلاعب عبر تغيير العنوان والتهرب من التبليغ أو الحكم بحجة تغيير عنوان السكنى.
ويهدف هذا المستجد إلى ربط البطاقة الوطنية بكل الإجراءات القضائية والإدارية، وتبسيط التبليغات، وتقليل الأعباء الشكلية، والحد من الأحكام الغيابية غير المبررة والتنفيذ الفوري للعقوبة.
ويؤكد المستجد أن العنوان المسجل في البطاقة الوطنية للتعريف هو العنوان الوحيد والمرجع الرسمي المعترف به قانونيًا في عمليات التبليغ، ويأتي أيضًا للحد من “الفوضى الإدارية وطول القضايا”.
خلاصة: وعلى عكس الأخبار الزائفة المتداولة، التي تضمنت مغالطات كثيرة، منها أن من غير محل سكناه ولم يقم بتحيين هذا التغيير في البطاقة الوطنية سوف يُزج به في السجن، فإن المستجد القانوني الذي سيدخل حيز التنفيذ يوم 8 دجنبر لا يقوم على هذا الأساس. هذا المستجد، الذي يهم قانون المسطرة الجنائية (إجراءات التبليغ)، يعتبر أن الأشخاص الذين لهم دعوى جنحية أو مدنية وقاموا بتغيير عنوان محل سكناهم دون تحيين العنوان في البطاقة الوطنية للتعريف، يُعد التبليغ صحيحًا في عنوان سكناهم القديم، بخلاف ما كان معمولًا به في قانون المسطرة الجنائية الحالي.
وبالتالي، فإن المستجد القانوني يتحدث عن ضرورة تحيين العنوان فقط لضمان التبليغ القانوني السليم، وليس لإيقاع العقاب العشوائي.
إن الأخبار المزيفة والشائعات تخلق نوعًا من الخوف والاضطراب داخل المجتمع، وتشوش ثقة المواطنين وتشككهم بمؤسسات الدولة، حيث يصبح المواطن ضحية سلسلة من عمليات التضليل.
وتظل مسؤولية المواطن قائمة، فهو الذي يجب عليه التحري عن المعلومة من القنوات الرسمية، إذ أن الإيمان بالأخبار الزائفة يعطل ملكة التحليل والسؤال والشك التي أنعم الله بها عليه.
في الوقت نفسه، تظل مسؤولية الدولة قائمة من خلال التواصل مع المجتمع عبر قنواتها الرسمية وتوضيح التصريحات والقرارات والمستجدات التي يطالها التحريف وسوء الفهم. فالأخبار الزائفة تزيد من التشكيك في ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة وتفاقم الشرخ بين الدولة والمواطنين.
وفي نفس الصدد، تظل مسؤولية وسائل الإعلام قائمة أيضًا، من خلال الإعلام الجاد والصحافة المهنية، التي تساهم في تفسير القرارات والمستجدات بلغة بسيطة وواضحة مرتبطة بالحياة القضائية والاجتماعية للمواطنين. كما أن إتاحة المجال للباحثين للإدلاء بهذه التصحيحات يساعد على محاربة الأخبار الزائفة وتثبيت المعلومة الصحيحة.
عندما لا يجد المواطن أو مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي تفاصيل المستجدات القانونية أو قرارات إدارية معينة، تصبح مواقع التواصل الاجتماعي الخيار الوحيد للبحث عن الخبر، كما أن البعض من هؤلاء لا يكلف نفسه عناء البحث عن الخبر اليقين، مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر للمعلومة والذي غالبًا ما يفتقر للمصداقية. صفحات مجهولة كثيرة تضرب الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وتبني شهرتها على التضليل وجذب التفاعلات والمشاهدين بهدف تحقيق الربح المادي والتأثير الاجتماعي.



