
تطبيقات المصادرة في التشريع الجنائي المغربي
ياسين رشاد، باحث في العدالة الجنائية والعلوم الجنائية ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – جامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس
تقديم:
إن توسيع نطاق تطبيق المصادرة يجد مبرره في أهميتها إذ تهدف إلى الوقاية من الجرائم المستقبلية عبر حرمان المحكوم عليه من الأدوات والأشياء التي ساعدت على إرتكاب الجريمة وكذلك من العائدات التي تم الحصول عليها نتيجة لها، فمصادرة هذه الممتلكات تساهم في تقليص الدوافع المرتبطة بإرتكاب الجريمة مما يفسر مدى ضرورة توسيع نطاق تطبيق المصادرة في السياقات القانونية المختلفة، فحين نجد العديد من تطبيقات المصادرة في القانون الجنائي وبعض النصوص الخاصة.
وأدرج المشرع المغربي في الكتاب الثالث من مجموعة القانون الجنائي المعنون ب:”في الجرائم المختلفة وعقوباتها” والذي يتضمن الفصول من 163 إلى 612، العديد من الجرائم التي تشملها المصادرة حيث تم تصنيف المصادرة في بعض الحالات كعقوبة إضافية، وفي حالات أخرى كإجراء وقائي.
ولتحليل نطاق تطبيق المصادرة في القانون الجنائي المغربي سنركز على تطبيقاتها في بعض الجرائم المحددة ضمن هذه المجموعة، وذلك نظرًا للتنوع الواسع لتطبيقات المصادرة وللأهمية الكبيرة للجرائم التي يتم الحكم بالمصادرة بشأنها نظرًا لخطورتها البالغة وخطورة مرتكبيها.
وبناءً على ذلك سنقوم أولاً بدراسة الجرائم التي تمس بأمن الدولة الداخلي والخارجي (الفقرة الأولى)، ثم ننتقل إلى مناقشة المصادرة في جرائم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: المصادرة في الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي والخارجي
تشير جرائم أمن الدولة[1] إلى الأفعال التي تمس كيان الدولة كشخص اعتباري، مما يؤدي إلى تهديد سلامتها السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الأمنية سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
وقد خصص المشرع المغربي لهذه الجرائم عقوبات أصلية وأخرى إضافية، حيث تعتبر المصادرة واحدة من العقوبات الإضافية التي تطبق على هذه الجرائم
ولتحليل المصادرة في هذه الجرائم سنقوم بدراسة المصادرة في الجرائم التي تمس أمن الدولة الداخلي (أولاً)، ثم نستعرض المصادرة في الجرائم التي تهدد سلامة الدولة الخارجية (ثانياً).
أولا: بالنسبة للجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي
نظم المشرع المغربي الجرائم التي تمس سلامة الدولة الداخلية ضمن الفرع الثالث من الباب الأول من الكتاب الثالث من مجموعة القانون الجنائي تحت عنوان “في الجنايات والجنح ضد سلامة الدولة الداخلية“، ويهدف هذا التنظيم التشريعي إلى حماية كيان الدولة من الأفعال التي قد تهدد استقرارها وأمنها وقد خصص المشرع لهذه الجرائم الفصول من 201 إلى 207.
وتتعدد صور الجرائم التي تمس سلامة الدولة الداخلية حيث تشمل مجموعة من الأفعال التي قد تؤدي إلى زعزعة إستقرار الدولة أو تهديد وحدتها، من بين هذه الجرائم التحريض على الفتنة والذي يهدف إلى إثارة النعرات بين أفراد المجتمع، والتآمر ضد الدولة، الذي يشمل أي محاولة للتخطيط لفعل يهدف إلى الإطاحة بالنظام القائم، بالإضافة إلى التجسس لصالح قوى أجنبية حيث يقوم الأفراد بجمع معلومات حساسة تهدد الأمن القومي لصالح دول أخرى.
حيث عاقب المشرع على هذه الجرائم بعقوبات مشددة[2] تتناسب مع خطورتها، وتشمل هذه العقوبات السجن لفترات طويلة والتي يمكن أن تصل إلى عقوبات أشد في حالات معينة مثل التآمر كما تتضمن العقوبات الإضافية التي تشمل المصادرة، وهي العقوبة التي تثير إهتمامنا في هذا الإطار.
ينص الفصل 207 من مجموعة القانون الجنائي على وجوب الحكم بمصادرة النقود أو الأشياء التي سلمت للمجرم في الحالات المشار إليها في الفصل السابق، هذه النقطة تمثل أحد الجوانب المهمة في القانون الجنائي المغربي، حيث أن المشرع جعل المصادرة في هذه الجرائم وجوبية، مما يعد استثناء من قاعدة جوازية المصادرة كعقوبة إضافية المنصوص عليها في الفصل 43.
ووفقاً للفصل 206، فإن الشخص الذي يتلقى بشكل مباشر أو غير مباشر هبات أو هدايا أو قروضًا أو أي فوائد أخرى من شخص أو جماعة أجنبية، يجب أن تكون هذه الهبات مخصصة كليًا أو جزئيًا لتمويل نشاط أو دعاية تمس بوحدة المملكة المغربية أو سيادتها في هذه الحالة يتعين الحكم بمصادرة النقود أو الأشياء التي تم تسليمها له كما هو منصوص عليه في الفصل 207، وتؤكد هذه النقاط على أهمية المصادرة كأداة قانونية تهدف إلى ردع الأفعال التي تضر بسلامة الدولة الداخلية وتعزيز أمنها واستقرارها.
ثانيا: بالنسبة للجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي
تتناول الفصول من 181 إلى 200 من القانون الجنائي المغربي الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي حيث تهدف هذه التشريعات إلى صيانة إستقلال المغرب ووحدته الترابية وتأمين سلامة أجهزته ووسائل دفاعه ضد أي اعتداء خارجي[3]، ويعكس هذا الإطار القانوني حرص المشرع الجنائي على حماية الدولة من الأفعال التي قد تهدد أمنها وإستقرارها، ويتناول المشرع جريمة الخيانة في الفصلين 181 و182،[4] بينما يخصص الفصل 185 لجريمة التجسس[5].
أما باقي الجرائم المتعلقة بأمن الدولة الخارجي فقد تم تعدادها في الفصول من 188 إلى 195، حيث أطلق عليها “الجرائم الماسة بسلامة الدولة الخارجية“، يتضح من هذه النصوص أن المشرع المغربي أقر صورًا متعددة من الجرائم مع فرض جزاءات مشددة تشمل عقوبات أصلية وأخرى إضافية ومن ضمنها المصادرة.
ينص الفصل 199 من القانون الجنائي على أنه يجب الحكم حتمًا بمصادرة موضوع الجناية أو الجنحة وكذلك الأشياء والأدوات التي إستخدمت في إرتكابها دون الحاجة للبحث عن ملكيتها، كما يوضح أنه إذا كان للمجرم مكافأة أو ما يعادل قيمتها ولم يتم ضبطها فإنها تعتبر ملكًا لخزينة الدولة، وفي حالة إرتكاب فعل المس بسلامة الدولة الخارجية خلال الحرب يمكن الحكم بمصادرة جزء من أموال المحكوم عليه على ألا يتجاوز النصف.
وتظهر هذه النصوص أن المشرع المغربي كان متشددًا في تنظيم مقتضيات المصادرة في الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي وهذه التشدد يعود إلى خطورة هذه الجرائم على كيان الدولة ووحدتها الترابية إذ أنه جعل الحكم بالمصادرة وجوبيًا في هذا النوع من الجرائم يعكس الوعي بأهمية حماية الدولة من أي تهديدات.
ومع ذلك يعاب على المشرع عدم إحترام حقوق الغير حسن النية، حيث أقر المصادرة دون النظر إلى ملكية الأشياء المصادرة مما يمس حق الملكية الذي يعتبر من الحقوق الأساسية المكفولة دستوريًا[6]، وبالتالي رغم أهمية المصادرة كإجراء وقائي فإن عدم مراعاة حقوق الأفراد يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية على مستوى العدالة الاجتماعية وحماية الملكية الخاصة.
وتتمثل الملاحظة الأولى التي يمكن إبرازها في أن المشرع قد أوجب الحكم بالمصادرة في الجرائم التي تمس بأمن الدولة الخارجي سواء تعلق الأمر بجناية أو جنحة وفقاً لما نص عليه الفصل 199 من القانون الجنائي بينما أتاح المشرع في الفصل 43 من نفس القانون الحكم بالمصادرة في حالة الجنايات فقط.
من جهة أخرى يظهر أن المشرع لم يأخذ بنظام الجوازية التي تميز المصادرة كعقوبة إضافية والتي أقرها الفصل 43، حيث نص على أن “القاضي يجوز له أن يحكم بالمصادرة عندما يتعلق الأمر بجريمة تعد جناية”، بينما في الفصل 199، إستخدم تعبير “يحكم حتماً بالمصادرة“، مما يعني وجوب الحكم بها دون أن يكون للمحكمة السلطة التقديرية للإختيار بين الحكم بالمصادرة من عدمه.
ومن الملاحظات الأخرى المتعلقة بالفصل 199 أنه لم يراع حقوق الأشخاص ذوي النية الحسنة، ففي حين نص الفصل 43 على إمكانية الحكم بالمصادرة لفائدة الدولة مع مراعاة حقوق الغير، فإن الفصل 199 يتطلب مصادرة الأشياء والأدوات التي إستخدمت في إرتكاب الجريمة دون النظر إلى ما إذا كانت ملكاً للمحكوم عليه أو لا.
أخيراً يحدد الفصل 199 في فقرتِه الأخيرة الحد الأقصى للمصادرة بحيث لا تتجاوز نصف أموال المحكوم عليه وهو ما يخالف الفصل 42 الذي لم يحدد نسبة معينة يجب عدم تجاوزها في مصادرة جزء من أموال المحكوم عليه.
الفقرة الثانية: المصادرة في جريمتي تمويل الإرهاب وغسيل الأموال
سلطت التوصية رقم 38 لمجموعة العمل المالية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (الكافي) [7]، الضوء على أهمية تمكين الدول من إتخاذ إجراءات سريعة لمصادرة الممتلكات المغسولة أو المتحصلات الناتجة عن هذه الجرائم بما في ذلك غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تشير التوصية إلى ضرورة أن تكون لدى الدول صلاحيات فعالة للاستجابة لطلبات الدول الأجنبية المتعلقة بتحديد أو تجميد أو حجز هذه الممتلكات بما يتماشى مع مبادئ القانون الداخلي.
وتدعو إتفاقية الأمم المتحدة لقمع تمويل الإرهاب (1999) [8]، كل دولة طرف إلى إتخاذ تدابير مناسبة لمصادرة الأموال المستخدمة في إرتكاب الجرائم وكذلك العائدات الناتجة عنها كما تشجع الإتفاقية الدول على النظر في إبرام إتفاقات لتقاسم الأموال المتأتية من المصادرة، بالإضافة إلى إنشاء آليات لتخصيص هذه الأموال لتعويض ضحايا الجرائم[9].
من جهة أخرى تلزم إتفاقية فيينا لمكافحة الإتجار غير المشروع في المخدرات (1988)[10] كل طرف بإتخاذ التدابير اللازمة لمصادرة متحصلات الجرائم تحدد الإتفاقية الإجراءات التي يجب أن يتبعها المطلوب منه المصادرة مثل إستصدار أمر المصادرة أو إتخاذ تدابير تحفظية على الأموال حتى يتم مصادرتها[11].
وتوضح هذه الإتفاقيات جليا أن المصادرة في جرائم تمويل الإرهاب وغسل الأموال تعتبر إجراءً واجب التنفيذ مما يعكس أهمية التعاون الدولي في هذه المجالات كما تقدم حلولاً للتعامل مع الحالات التي يتم فيها إختلاط الأموال المتحصلة من الجرائم بأموال ذات مصدر مشروع حيث تخضع الأموال الجديدة للمصادرة بينما تصادر الأموال المختلطة في حدود تعادل قيمة المتحصلات غير المشروعة[12].
وتؤكد هذه النصوص على ضرورة تفعيل التعاون الدولي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتبرز أهمية المصادرة كأداة فعالة للحد من هذه الجرائم وحماية الأمن المالي للدول.
وهو ما يستوجب دراسة المصادرة في كل جريمة على حدى حتى يتسنى لنا معرفة الأحكام الخاصة بكل واحدة.
أولا: المصادرة في جريمة غسل الأموال
تعتبر جريمة غسل الأموال جنحة وفقًا لمقتضيات الفصل 574-3 من القانون الجنائي المغربي، حيث ينص هذا الفصل على أنه دون الإخلال بالعقوبات الأشد يعاقب على غسل الأموال الأشخاص الطبيعيين بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات، بالإضافة إلى غرامة تتراوح بين 20,000 و100,000 درهم، أما بالنسبة للأشخاص المعنوية فتكون العقوبة عبارة عن غرامة من 500,000 إلى 3,000,000 درهم، دون الإخلال بالعقوبات التي يمكن إصدارها على المسيرين أو المستخدمين المتورطين في الجرائم[13].
وتتحول جريمة غسل الأموال إلى جناية إذا إرتكبت بشكل إعتيادي أو بإستخدام التسهيلات التي يوفرها مزاولة نشاط مهني، وذلك وفقًا للفصل 4-574 وفي هذه الحالة تزداد عقوبات الحبس والغرامة إلى الضعف مما يعكس خطورة الفعل وضرورة ردع الجناة.
وفي حالة جناية غسل الأموال يمكن مصادرة الأدوات والأشياء التي إستعملت أو كانت ستستعمل في إرتكاب الجريمة وكذلك المنح والفوائد التي حصل عليها مرتكب الجريمة أو كانت معدة لمكافأته وذلك وفقًا للفصل 43 من القانون الجنائي المغربي.
أما في حالة جنحة غسل الأموال فإن مصادرة الأدوات والأشياء المذكورة تتطلب وجود نص قانوني خاص وذلك وفقًا للفصل 44 من القانون الجنائي، وهذا يشير إلى أهمية تحديد الإطار القانوني المناسب لضمان تنفيذ المصادرة بشكل قانوني وفعال مما يعكس إلتزام المشرع بمحاربة غسل الأموال وتعزيز الأمن المالي.
وحيث قبل صدور قانون مكافحة غسل الأموال كان المجلس الأعلى (المعروف حالياً بمحكمة النقض) قد أصدر قراراً في 22 يناير 2003 أكد فيه أنه لا يمكن مصادرة الإستثمارات التي تمت بواسطة الأموال الناتجة عن ترويج المخدرات بسبب غياب النص القانوني الذي يجيز ذلك حيث جاء في القرار:
“… إضافة إلى ما ذكرته المحكمة حول ضرورة مصادرة الاستثمارات التي تم تنفيذها باستخدام الأموال الناتجة عن ترويج المخدرات في إطار تبييض الأموال، فإن هذا لا يستند إلى نص قانوني في الوقت الحالي، ومن المعروف أن العقوبة لا تكون إلا بنص قانوني. وكان يتوجب على المحكمة إبراز جميع العمليات المتعلقة بترويج المخدرات التي ثبت تورط الطاعن فيها، وتحديد المبالغ التي حصل عليها من هذه العمليات، وتخصيص المصادرة لهذه المبالغ فقط، وحيث أنها لم تقم بذلك، فإن القرار المطعون فيه فيما يخص مصادرة جميع ممتلكات الطاعن العقارية والمنقولة والسائلة، باستثناء مسكنه، لفائدة الدولة قد خالف مقتضيات الفصل 11 من الظهير المؤرخ في 21 مايو 1974، وبالتالي كان فاقداً للأساس القانوني مما يعرضه للنقض في هذا الجانب”.[14]
لكن بعد صدور قانون مكافحة غسل الأموال أضاف المشرع المغربي الفصل 5-574 إلى القانون الجنائي مما جعل الحكم بالمصادرة الكلية للأشياء والأدوات والممتلكات المستخدمة أو التي كان من المقرر إستخدامها في إرتكاب الجريمة وكذلك العائدات المتحصلة منها أو قيمتها المعادلة، وجوبياً في جميع الأحوال عند إدانة الشخص بجريمة غسل الأموال سواء كانت الجريمة جنحة أو جناية.[15]
وبذلك أصبح التشريع المغربي متوافقاً مع التوصية رقم 38 لمجموعة العمل المالي لمكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال وكذلك مع المادة الخامسة من إتفاقية فيينا بشأن مكافحة الإتجار غير المشروع في المخدرات أو المؤثرات العقلية[16].
وقد أيد القضاء المغربي هذا التوجه حيث أكد على المصادرة الكلية للممتلكات المحجوزة أو المعقولة أو المجمدة في العديد من الأحكام، مثل الحكم الصادر عن المحكمة الإبتدائية بالرباط في 17 يناير 2019 في الملف عدد 2018/2416/1324، الذي نص على: “وحيث تطبيقا لمقتضيات الفصل 5/574 من القانون الجنائي، يجب الحكم بمصادرة العائدات العقارية والمنقولة الناتجة عن جريمة غسل الأموال، كما هو موثق في محضر الضابطة القضائية رقم 2211 بتاريخ 26 ديسمبر 2010″.[17]
كما أيدت بعض الأحكام الأخرى مصادرة الأرباح المتحصلة من الأموال غير المشروعة، مثل الحكم الصادر في 10 يناير 2018[18]، وتجدر الإشارة إلى أن الحكم القاضي بالمصادرة يؤدي إلى إنتقال ملكية الأموال المصادرة إلى الدولة بشكل تلقائي دون الحاجة إلى إجراءات تنفيذ، بالإضافة إلى أن هذه الآثار لا تسقط بالتقادم.[19]
ثانياً: المصادرة في جريمة تمويل الإرهاب
تعد جريمة تمويل الإرهاب جناية بموجب الفصل 4-218 من القانون الجنائي المغربي[20]، وبالتالي يمكن للقاضي أن يحكم، وفقاً للقواعد العامة للمصادرة، بالمصادرة لفائدة الدولة للأدوات والأشياء التي تم إستخدامها أو التي كان من المقرر إستخدامها في إرتكاب الجريمة وكذلك العائدات التي تحققت منها فضلا عن المنح أو المكافآت التي حصل عليها مرتكب الجريمة أو كانت معدة له.[21]
وتعد المصادرة في جريمة تمويل الإرهاب جوازية حيث أن القاضي يتمتع بسلطة تقديرية في إتخاذ القرار بشأن المصادرة أو عدمها، [22]إلا أن هذا لا يتوافق مع بعض الإتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب ونشرها في الجريدة الرسمية خاصة المادة 8 من الإتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب لعام 1999،[23] التي تلزم الدول الأطراف بإتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمصادرة الأموال التي إستخدمت في الجرائم الإرهابية أو التي كانت مرصودة لها، بالإضافة إلى التوصية رقم 38 لمجموعة العمل المالي لمكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال.
وفي سياق ملائمة التشريع المغربي مع هذه الإتفاقيات الدولية، قام المشرع المغربي بتعديل القانون الجنائي بموجب القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب وجعل الحكم بالمصادرة وجوبياً في حالة الحكم بالإدانة من أجل جريمة إرهابية وفقاً للفصل 44-1[24]. وبذلك أصبح الحكم بالمصادرة إلزامياً في جريمة تمويل الإرهاب بالنسبة للأموال التي تم إستخدامها أو التي كان من المقرر إستخدامها في إرتكاب الجريمة وكذلك العائدات المتحصلة منها وذلك بموجب الفصل 4-218 الذي أضيف إلى القانون الجنائي بمقتضى المادة الثالثة من القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب[25].
وللتوضيح أضاف القانون رقم 10-13 الفصل 4-218-2 لتفسير مفهومي “العائدات” و”الممتلكات“، حيث اعتبر أن “العائدات” تشمل جميع الممتلكات المتحصلة بشكل مباشر أو غير مباشر من إرتكاب الجرائم المنصوص عليها في الفصول المعنية بينما “الممتلكات” تعني أي نوع من الأموال أو الأصول سواء كانت مادية أو غير مادية، منقولة أو عقارية، سواء كانت مملوكة لشخص واحد أو مشتركة بالإضافة إلى العقود أو الوثائق القانونية التي تثبت ملكية هذه الممتلكات أو الحقوق المرتبطة بها، بما في ذلك الوثائق الإلكترونية أو الرقمية.[26]
كما نص القسم الرابع من القانون الجنائي على أحكام خاصة بالمصادرة في مجال تمويل الإرهاب وخاصة فيما يتعلق بتنفيذ قرارات المصادرة الصادرة عن السلطات القضائية الأجنبية حيث يتطلب تنفيذ القرار في هذا المجال ترخيصاً من الوكيل العام للملك إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية ويشترط أن يتوفر الشرطان المنصوص عليهما في المادة 595-7 من القانون الجنائي، وهما:
1. أن يكون القرار القضائي الأجنبي نهائيا وقابلا للتنفيذ وفقاً لقانون الدولة الطالبة.
2. أن تكون الممتلكات التي يراد تجميدها أو حجزها أو مصادرتها قابلة للتجميد أو الحجز أو المصادرة بموجب التشريع المغربي.
- عبد الواحد العامي، شرح القانون الجنائي المغربي-القسم الخاص، مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء، الطبعة الخامسة،2013، ص: 15. ↑
- لعل من بين العقوبات المنصوص عليها في الجرائم ضد سلامة الدولة الداخلية هي الإعدام كما نصت على ذلك كل من الفصول 201 و202 و203 من القانون الجنائي. ↑
- عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي-القسم الخاص، موجع سابق، ص:64. ↑
- ينص الفصل 181 من م. ق.ج على ما يلي: يؤاخذ بجناية الخيانة، ويعاقب بالإعدام كل مغربي ارتكب، في وقت السلم أو في وقت الحرب أحد الأفعال الاتية:
1 حمل السلاح ضد المغرب؛
2) باشر اتصالات مع سلطة أجنبية بقصد حملها على القيام بعدوان ضد المغرب أو زودها بالوسائل اللازمة لذلك، إما بتسهيل دخول القواة الأجنبية إلى لمغرب، واما بزعزعة إخلاص القوات البرية أو البحرية أو الجوية واما بأية وسيلة أخرى.
3) سلم إلى سلطة أجنبية أو إلى عملائها إما قوات مغربية وا ما أراضي أو مدنا أو حصونا أو منشآت أو مراكز أو مخازن أو مستودعات حربية أو عتادا أو ذخائر أو سفنا حربية أو منشآت أو آلات للملاحة الجوية، مملوكة للدولة المغربية.
4) سلم إلى سلطة أجنبية أو إلى عملائها، بأي شكل كان وبأية وسيلة كانت سرا من أسرار الدفاع الوطني أو تمكن بأية وسيلة كانت من الحصول على سر من هذا النوع، بقصد تسليمه إلى سلطة أجنبية أو إلى عملائها.
5) أتلف أو أفسد عمدا سفنا أو آلات للملاحة الجوية أو أدوات أو مؤنا أو بنايات أو تجهيزات قابلة لأن تستعمل في الدفاع الوطني، أو أحدث عمدا في هذه الأشياء تغييرا من شأنه أن يمنعها من العمل أو يسبب حادثة، سواء كان ذلك قبل تمام صنعها أو بعده.
وينص الفصل 182 من نفس القانون على ما يلي: ” يؤاخذ بجناية الخيانة، ويعاقب بالإعدام، كل مغربي ارتكب، في وقت الحرب، أحد الأفعال الآتية:
1) حرض العسكريين أو جنود البحرية على الانضمام إلى خدمة سلطة أجنبية أو سهل لهم وسائل ذلك أو قام بعملية التجنيد لحساب سلطة هي في حالة حرب مع المغرب.
2) باشر اتصالات مع سلطة أجنبية أو مع عملائها، وذلك بقصد مساعدتها في خططها ضد المغرب.
3) ساهم عمدا في مشروع الإضعاف معنوية الجيش أو الأمة، الغرض منه الإضرار بالدفاع الوطني.
ويعد العسكريون وجنود البحرية من الأجانب العاملين في خدمة المغرب ممائلين للمغاربة فيما يتعلق بتطبيق هذا الفصل والفصل 181. ↑
- ينص الفصل 185 من قانون الجنائي، على أنه:”يعد مرتكبا لجناية التجسس ويعاقب بالإعدام كل أجنبي ارتكب أحد الأفعال المبينة في الفصل 181 فقرة 2و 3 و4 و5 والفصل 182. ↑
- ينص الفصل 35 من الدستور المغربي لسنة 2011 في فقرته الأولى على ما يلي: يضمن القانون حق الملكية. ↑
- مجموعة العمل المالية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتسمى ب (الكافي)؛ اختصارا لاسمها:
GAFI : Le Groupe d’action financière : باللغة الفرنسية –
FATF : The Financial Action Task Force : أما باللغة الإنجليزية
وتعتبر ((الكافي)) هيئة حكومية دولية تتواجد أمانتها في مقر منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الأوروبية بباريس، وقد تأسست من قبل مجموعة الدول الصناعية السبع الكبار، أما عدد أعضائها الحاليين فوصل إلى 31 دولة؛ وهي -باختصار – جهازا دولي يضع التوصيات والمعايير العالمية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح؛ وضعت سنة
1991 أربعين توصية لمكافحة غسل الأموال، ثم تسعا لمكافحة تمويل الإرهاب سنة 2001 ؛ ليتم دمجها خلال فبراير 2012 في أربعين فقط.
راجع موقعها الإلكتروني:(www.fatf.gafi.org). ↑
- هي اتفاقية صدرت بناء على القرار عدد 108/53 بتاريخ 1998/12/08 الذي عهدت به الأمم المتحدة إلى اللجنة المختص المنشأة بالقرار عدد 201/01 بوضع مشروع اتفاقية دولية لقمع تمويل الإهاب لكون الصكوك الدولية لا تعالج ذلك؛ فبدأت اللجنة أعمالها في مارس 1999 فقامت بدراسة مشروع اتفاقية تقدمت به فرنسا، ليكتمل عمل اللجنة بوضع مشروع اتفاقية نهاية سنة 1999؛ ويعتمد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار عدد 109/54 بتاريخ 1999 /12/9 بناء على تقرير اللجنة السادسة.
للاطلاع على نص القرار وتقرير اللجنة بموقع الأمم المتحدة ووثائقها الرسمية يراجع:
DOC. UN. (A/reS/54/109)
DOC. UN. (A/ 54/615) ↑
- نشير إلى أن المغرب صادق عليها بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.02.131 صادر في 7 شوال 12) 1423 ديسمبر 2002)، ونشرت بالجريدة الرسمية رقم 5104 الصادرة يوم الخميس 1 ماي 2003.
– المادة 8 من اتفاقية الأمم المتحدة لقمع تمويل الإرهاب. ↑
- في دجنبر من سنة 1984 التمست الجمعية العامة للأمم المتحدة من المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يطلب من لجنة المخدرات إعداد مشروع اتفاقية، فتم في المؤتمر العام للأمم المتحدة المنعقد بين 19 و20 دجنبر من سنة 1988 توقيع اتفاقية انيينا المتعلقة بمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات أو المؤثرات العقلية، ودخلت حيز التنفيذ في 13 نوفمبر 1990.
ويعتبر المغرب من بين الدول الموقعة على هذه الاتفاقية؛ إذ صادق عليها بمقتضى الظهير الشريف عدد 1.92.283 بتاريخ
29 يناير 2002 الصادر في 15 من ذي القعدة 29) 1422 يناير 2002) بنشر الاتفاقية المذكورة بالجريدة الرسمية عدد 4999 الصادرة بتاريخ 15 صفر 29) 1423 أبريل 2002). ↑
- المادة الخامسة من الاتفاقية. ↑
- الفقرة السادسة من المادة الخامسة اتفاقية فيينا. ↑
- تم تغيير وتتميم الفصل 3-574 من مجموعة القانون الجنائي بموجب المادة الثالثة من القانون رقم 13.10 السالف الإشارة إليه. ↑
- ينص الفصل 44 على: ((في حالة الحكم بالمؤاخذة عن أفعال تعد جنحا أو مخالفات لا يجوز الحكم بالمصادرة المشار إليها في الفصل السابق إلا في الأحوال التي يوجد فيها نص قانوني صريح.) ↑
- قرار عدد 9 /201 صادر في الملف الجنحي عدد 96/23593. ↑
- تم تغيير وتتميم الفصل 5-574 من مجموعة القانون الجنائي بموجب المادة الثالثة من القانون رقم 13.10 سالف الذكر. ↑
- سبق وأشرنا عند دراستنا لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية الموقعة فيينا في 20 ديسمبر 198 أن المغرب صادق عليها بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.92.283 صادر في 15 من ذي القعدة 1422 (29 يناير 2002) بنشرها في في الجريدة الرسمية رقم 4999 الصادرة يوم الاثنين 29 أبريل 2002. ↑
- حكم عدد 88 صادر في الملف الجنحي عدد 2018 /2416/1324 (غير منشور). ↑
- حكم عدد 61 صادر في الملف الجنحي عدد 2018/2416/1323 (غير منشور). ↑
- ينص الفصل 218-4من ق ج م على:
اعتبر تمويل الإرهاب فعلا إرهابيا.
تكون الأفعال التالية تمويلا للإرهاب، ولو ارتكبت خارج المغرب، وبصرف النظر عما إذا كانت الأموال قد استعملت فعلا أو لم تستعمل:
القيام عمدا وبأي وسيلة كانت، مباشرة أو غير مباشرة، بتوفير أو تقديم أو جمع أو تدبير أموال أو ممتلكات، ولو كانت مشروعة، بنية استخدامها أو مع العلم أنها ستستخدم كليا أو جزئيا:
• لارتكاب فعل إرهابي أو أفعال إرهابية سواء وقع الفعل الإرهابي أو لم يقع؛
• أو بواسطة شخص إرهابي؛
• أو بواسطة جماعة أو عصابة أو منظمة إرهابية ؛
– تقديم مساعدة أو مشورة لهذا الغرض؛
– محاولة ارتكاب الأفعال المذكورة.
يعاقب على الجرائم المنصوص عليها في هذا الفصل:
فيما يخص الأشخاص الطبيعيين، بالسجن من 5 سنوات إلى 20 سنة وبغرامة من 500.000 إلى 2.000.000 درهم؛ فيما يخص الأشخاص المعنوية، بغرامة من 1.000.000 إلى 5.000.000 درهم دون الإخلال بالعقوبات التي يمكن إصدارها على مسيريها أو المستخدمين العاملين بها المتورطين في الجرائم.
ترفع عقوبة السجن إلى عشر سنوات وإلى ثلاثين سنة، كما ترفع الغرامة إلى الضعف:
– عندما ترتكب الجرائم باستعمال التسهيلات التي توفرها مزاولة نشاط مهني؟
– عندما ترتكب الجرائم في إطار عصابة منظمة؛
– في حالة العود. ↑
- الفصل 43 من مجموعة القانون الجنائي. ↑
- راجع عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي-القسم العام، مرجع سابق، ص: 418 ↑
- سبق وأشرنا أن المغرب صادق عليها بمقتضى ظهير شريف رقم 1.02.131 صادر في 7 شوال 12 1423 ديسمبر 2002.
القاضي بنشرها بالجريدة الرسمية رقم 5104 الصادرة يوم الخميس 1 ماي 2003. ↑
- تم اضافة هذا الفصل بمقتضى المادة الثالثة من الباب الأول من القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب، السالف الإشارة إليه. ↑
- تم اضافة هذا الفصل إلى الباب الأول المكرر من الجزء الأول من الكتاب الثالث من مجموعة القانون الجنائي بمقتضى المادة الثانية من القانون رقم 13.10 المتعلق بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، السالف الاشارة إليه. ↑
- تم تغيير وتتميم الفصل 2-4-218 أعلاه بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم 145.12، السالف الإشارة إليه. ↑





