في الواجهةمقالات قانونية

“خطاب العرش 2025 والرسائل القوية” د. البشير الحداد الكبير

“خطاب العرش 2025 والرسائل القوية”

البشير الحداد الكبير، دكتور في القانون العام.

عمل المشرع الدستوري المغربي على منح آلية مهمة تعتمد عليها المؤسسة الملكية في توجيه السياسة العامة للدولة والسياسات العمومية بمعنى آلية تمكنها من رسم خارطة الطريق، ألا وهي آلية توجيه الخطاب الملكي، حيث أن هذه الأخيرة تؤكد بالملموس أننا أمام ملكية متكلمة، ملكية تنفيذية، ملكية القول والعمل، ملكية البرامج والمخططات الإستراتيجية.

لقد تم الإنتقال بعيد العرش في العهد الجديد من ذلك الطابع الإحتفالي والديني، إلى صورة جديدة تجعل منه مناسبة لتجديد العقد الإجتماعي بين الدولة والمواطن، حيث أنه في عيد العرش، تقوم المؤسسة الملكية بتحيين الأجندات ووضع برامج ومشاريع جديدة، فالخطاب الملكي السامي يحتل مرتبة الريادة في الزمن السياسي المغربي وخطاب المؤسسة الملكية يحتل مكانة السمو فوق جميع المؤسسات الدستورية، باعتبار أن جلالة الملك أسماه الله وأعز أمره هو رئيس الدولة بموجب الفصل 42 من دستور 2011.

إن ما يميز الخطاب الملكي في العهد الجديد أنه ذو إقتصاد زماني ولغوي لكنه يحمل دلالات قوية، مما يعني أن المؤسسة الملكية تعطي إشارة قوية بأنها مؤسسة العمل الجاد والفعالية والنجاعة.

وتأسيسا على ما سبق ذكره، سنعمل على تحليل خطاب العرش لهذه السنة وفق محورين:

*”المحور الأول: الاعتزاز بالمكتسبات الداخلية المحققة”

لقد أصبح المغرب تحت القيادة الرشيدة والمتبصرة لجلالة الملك حفظه الله ورعاه قوة صاعدة، حقق العديد من المنجزات الإقتصادية والإجتماعية، فعلى الصعيد الإقتصادي، حافظ المغرب على نسبة نمو مهمة ومنتظمة لاسيما بعد جائحة كورونا وفي ظل الأزمات الدولية، كما تم بناء نموذج تنموي ذو اقتصاد قوي وتنافسي من خلال تحقيق السيادة الصناعية، إذ ارتفعت نسبة الصادرات منذ سنة 2014 إلى اليوم، كما تم تنويع مصادر التصنيع، والانفتاح على الصناعات الجديدة، كصناعة السيارات، الطيران، الطاقات المتجددة، والصناعات الغذائية مع الإعتماد على مخطط المغرب الأزرق الذي أعطى لنا نموذج سياحي مغربي رائد قادر على تحقيق الإشعاع القاري والدولي، بالإضافة إلى تحسين البنيات التحتية عبر إحداث طرق السيارة، المطارات، الموانئ، وقطار فائق السرعة مع إطلاق الخط فائق السرعة LGV.

وفي نفس السياق، بفضل الاستقرار السياسي، والمناخ المحفز على الإستثمار لاسيما ميثاق الإستثمار الجديد(القانون الإطار 03.22)، تمكن المغرب من تنويع شركاءه، بإعتباره شريكا موثوقا به، الشيئ الذي أدى إلى رفع نسبة الإستثمارات الأجنبية المباشرة وإبرام اتفاقيات التبادل الحر مما انعكس إيجابا على سوق الشغل ومعدل النمو، دون أن ننسى السيادة المائية ومواجهة الجفاف عبر سياسة ملكية حكيمة ورشيدة تم وضع لبناتها الأساسية في جلسات العمل التي ترأسها جلالة الملك والتي تُوجت بوضع البرنامج الوطني 2020-2027، بالإضافة إلى الخطب الملكية لاسيما خطاب افتتاح البرلمان 2022 الذي رسم أيضا خارطة طريق واضحة المعالم لتحقيق الأمن المائي.

لم يقتصر جلالة الملك نصره الله وأيده على النموذج الإقتصادي، بل تحدث أيضا عن التنمية الإجتماعية، فقد تم تسجيل تراجع مستوى الفقر متعدد الأبعاد على الصعيد الوطني طيلة عقد من الزمن من 2014 إلى غاية 2024، كما تجاوز المغرب سنة 2025 عتبة مؤشر التنمية البشرية، كل هذا بفضل المشاريع التي أطلقها جلالته في العهد الجديد من قبيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ورش تعميم الإجتماعية…إلخ، لكن جلالة الملك في مستهل الخطاب تأسف بأن هناك مناطق لازالت تعاني من الفقر والهشاشة لاسيما بالعالم القروي وبأن جلالته لا يريد مغربا يسير بسرعتين.

ومن أجل بلوغ العدالة الإجتماعية والمجالية تم توجيه الحكومة بإعداد برامج التنمية الترابية، تأخذ بعين الاعتبار المعطيات المتعلقة بعملية الإحصاء العام لسنة 2024، وتراعي الخصوصيات المحلية، لهذا السبب اعتمد المغرب منذ سنة 2011 على ورش الجهوية المتقدمة والتي جاءت تتويجا لعمل اللجنة الإستشارية التي عينها جلالته سنة 2010، فالجهوية المتقدمة تعتبر الحجر الأساس في أي عملية تنموية، إلا أن نجاحها رهين باللاتمركز الإداري، وهذا ما أكد عليه

جلالة الملك حفظه الله ورعاه في خطاب المسيرة الخضراء سنة 2008.

إن البرامج سيتم إعدادها في إطار المقاربة التشاركية عبر إشراك مختلف الفاعلين، مع توحيد الرؤى، وسيتم التركيز على دعم التشغيل والصحة والتربية والتعليم، مع تدبير إستباقي يضمن الإستدامة المائية، وإطلاق برامج ترابية تكون منسجمة ومتجانسة مع البرامج الوطنية وهذا الدور تقوم به سياسة اللاتمركز الإداري التي تضمن لنا التنسيق حسب منطوق الفصل 145 من الدستور الجديد وكذا المرسوم 2.17.618 بمثابة الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

كما تحدث جلالة الملك على إنجاح الإنتخابات التشريعية للسنة المقبلة عبر الإستعداد الجيد لها.

*”المحور الثاني: مواصلة سياسة اليد الممدودة والانتصارات الدبلوماسية المتتالية”

أكد جلالة الملك حفظه الله ورعاه على مواصلة سياسة اليد الممدودة تجاه الجزائر، وهذا إن دل على شيئ فإنما يدل على سمو أخلاق الملوك العلويون الكرام، وقد سبق لجلالته أن أكد منذ أربع سنوات في خطاب العرش سنة 2021 بأن المغرب لن يكون مصدر شر للجزائر، بل أكثر من ذلك أن جلالة الملك في خطاب المسيرة الخضراء سنة 2018 دعا الجزائر إلى فتح قنوات للتواصل سياسيا قصد إيجاد حل نهائي.

إن الرؤية الملكية السديدة ترى بأن الإتحاد المغاربي لن يتحقق إلا في ظل تصالح الأشقاء المغرب والجزائر، لما لهما من دور كبير في إحياء معاهدة مراكش المحدثة لإتحاد المغرب العربي سنة 1989.

وفي نهاية الخطاب نوه جلالة الملك حفظه الله ورعاه بالإنتصارات المحققة في ملف الصحراء المغربية(المملكة المتحدة والبرتغال نموذجين) عبر الدعم المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007، فالدبلوماسية الملكية تريد إيجاد حل نهائي وفعلي لهذا النزاع المفتعل.

وفي الختام، يمكن القول، أنه طيلة 26 سنة استطاع المغرب تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك أن يحقق انتصارات جعلت منه قوة صاعدة، فالمؤسسة الملكية لا تملك عصا سحرية، لكنها تملك الإرادة الحقيقية والطموح لخدمة المصالح العليا للمغرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى