في الواجهةمقالات قانونية

النظام القانوني للنقود الالكترونية – الباحثة : سمية فركال

الباحثة : سمية فركال

النظام القانوني للنقود الالكترونية

The Legal Framework of Electronic Money

الباحثة : سمية فركال

طالبة باحثة بسلك الدكتوراة كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية

جامعة مولاي إسماعيل -مكناس مختبر العلوم القانونية و القضائية

هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 60 الخاص بشهر أكتوبر/ نونبر 2025
رابط تسجيل الاصدار في DOI


https://doi.org/10.63585/EJTM3163

للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665

 

النظام القانوني للنقود الالكترونية

The Legal Framework of Electronic Money

الباحثة : سمية فركال

طالبة باحثة بسلك الدكتوراة كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية

جامعة مولاي إسماعيل -مكناس مختبر العلوم القانونية و القضائية

ملخص البحث :

تعتبر النقود الالكترونية من بين اهم الابتكارات التي افرزها التقدم التكنولوجي و من اهم الأنظمة الحديثة للدفع الالكتروني، اذ انها تقوم على انتقال المعلومات بين اطراف التبادل ، فالمعلومات عن النقود أصبحت اهم من النقود ذاتها أي ان النقود الالكترونية هي رمز يمثل القيمة و ليست القيمة ذاتها. فقد اثارت بمختلف صورها عددا من السائل القانونية و التنظيمية التي يتعين الاهتمام بها تزامنا مع التطور الذي تعرفه مختلف المعاملات التي تتم بطريقة الكترونية خاصة التجارة الالكترونية ، و في المقابل اثرت على تطور الجريمة و ظهور أفعال مستحدثة الامر الذي يتطلب إيجاد نظام قانوني خاص بها ، لذا تسعى الدراسة الى توضيح الطبيعة القانونية الخاصة بتلك النقود ، و التي لطالما اثارت جدلا فقهيا كبيرا ، مع الترق لضوابط الحماية القانونية سواء الموضوعية منها او الإجرائية و التي يتعين اخذها بعين الاعتبار عند وضع تشريع قانوني يخص النقود الالكترونية .

الكلمات الرئيسية: الحماية الإجرائية ، الحماية القانونية ، الطبيعة القانونية ، النقود الالكترونية ، وسائل الدفع الالكترونية .

Research Abstract:

Electronic money is considered one of the most important innovations resulting from technological advancement and one of the most modern electronic payment systems. It is based on the transfer of information between the parties involved in the exchange. In this context, information about money has become more valuable than the money itself, as electronic money represents a symbol of value rather than the value itself.

In its various forms, electronic money has raised several legal and regulatory questions that must be addressed alongside the evolution of electronic transactions, especially e-commerce. At the same time, it has influenced the development of cybercrime and the emergence of new types of criminal acts, which requires the establishment of a specific legal framework.

This study therefore aims to clarify the legal nature of electronic money, which has long been the subject of intense doctrinal debate. It also seeks to examine the legal protection mechanisms—both substantive and procedural—that must be taken into account when drafting legislation specific to electronic money.

Keywords: Procedural protection, legal protection, legal nature, electronic money, electronic payment methods.

مقدمة :

شهد العالم في النصف الثاني من القرن العشرين وبداية القرن الموالي نموا هائلا في مجال صناعة تكنولوجيا المعلومات وتطورت الاتصالات بشكل سريع للغاية، الشيء الذي أصبحت معه شبكة الإنترنيت [1]أكثر التقنيات أهمية في عصر المعلومات، وهي وليدة التزاوج بين نظم الحوسبة و نظم الاتصالات[2]، لتتمخض عن ذلك ثورة تكنولوجية[3]، جعلت من الانترنت ليس مجرد أداة تقنية ذات تأثير محدود، وإنما نظام معلوماتي انعكس على مختلف أشكال المعرفة الإنسانية، فالنجاح الاقتصادي والتقدم الاجتماعي الذي نعيشه اليوم، وتغيير نمط حياتنا، هو نتيجة ظهور أساليب تقنية ساهم الانترنت في انتشارها بين مختلف مكونات المجتمع .

و كان لظهور شبكة الانترنت نتائج أهمها القيام بنقل مجال التجارة من المجال الحقيقي الى مجال افتراضي ، و بالتالي أصبحت شبكة الانترنت مسرحا للعمليات التجارية بدلا من ارض الواقع ، و مما ادى لظهور ما يسمى بالتجارة الالكترونية[4] ، التي أصبحت تعتمد في تسوية معاملاتها على النقود الالكترونية ELECTRONIC MONEY [5]، زد على ذلك ان الحركة المصرفية شهدت أيضا تطوراً كبيراً وكان من أحد شواهد هذا التطور السماح لعملاء المصارف بإجراء عمليات الشراء والبيع من خلال شبكة الاتصالات Internet ، وذلك باستخدام وسائل الدفع الإلكترونية التي تتيحها هذه البنوك ولم يقف التطور عند هذا الحد، وإنما ظهر على الساحة البنكية أيضاً ما يعرف بالنقود الإلكترونية أو النقود الرقمية.[6]

يمكن تعريف النقود الالكترونية انها عبارة عن بطاقات الكترونية تحتوي على مخزون نقدي تصلح كوسيلة للدفع، وأداة للإبراء، ووسيط للتبادل، تكون في حيازة المستهلك لتسوية المعاملات التي تتم بينه و بين التاجر بكيفية فورية دون تدخل أي وسيط خارجي لإتمام عملية الدفع ، سواء تم ذلك في العالم المادي او عبر شبكة الانترنت ، ولما كانت النقود الإلكترونية تصلح لأن تقوم بغالبية الوظائف التي تقوم بها النقود القانونية (أي تلك التي يصدرها البنك المركزي)، فقد أضحى من المتوقع أن تحل هذه النقود الحديثة محل النقود القانونية على المدى الطويل. [7]

في الواقع ، ان انتشار النقود الالكترونية في مختلف الميادين سيولد آثاراً هامة من الناحية القانونية والاقتصادية والمالية، فمن المتوقع أن تفرز النقود الإلكترونية مجموعة من المخاطر الأمنية والقانونية والتي ينبغي على المسؤولين الاستعداد لها مثل مخاطر التزييف والتزوير والاحتيال بالإضافة إلى أن النقود الإلكترونية سوف تخلق مناخاً خصباً لبعض الجرائم الخطيرة مثل جرائم غسيل الأموال والغش. من ناحية أخرى فإن من المتعارف عليه أن البنك المركزي هو الذي يعهد إليه في غالبية الدول بمسألة إصدار النقود، علاوة على دوره الرئيس في رسم السياسة النقدية للدولة. ومن شأن قيام جهات أخرى غير البنك المركزي بعملية خلق النقود الإلكترونية – وهو ما يجري في الواقع الآن – أن يؤثر على قدرة البنك المركزي في الحفاظ على الاستقرار النقدي من خلال إشراف دوره في السيطرة على حجم السيولة النقدية وسرعة دوران النقود.

علاوة على ما سبق، فإن خلق النقود الإلكترونية يمكن أن يؤثر في السياسة المالية للدولة من خلال تأثيرها على حجم الإيرادات الضريبية المتوقعة، ففي ظل غياب نظام قانوني دقيق ومحكم، فإنه سيكون من الصعب على السلطات المالية المتخصصة أن تراقب الصفقات وكذلك الدخول التي يتم دفعها من خلال النقود الإلكترونية، ومن ثم فإن من شأن ذلك أن يفتح الباب أمام جرائم التهرب الضريبي ، وكذلك أمام تعميق ظاهرة الاقتصاد السري Underground Economy .

و منه يمكننا القول ان هناك اختلافا في المخاطر التي يمكن ان تتعرض لها النقود الالكترونية ، منها ما هو مرتبط بالاعتداء على الذمة المالية من سرقة و نصب و خيانة الأمانة ، و منها ما هو فني متعلق بعدم دقة نظام الدفع و عدم مواكبته للتطورات الفنية ، و مخاطر ذات طبيعة قانونية ناتجة عن سوء استخدام نظام النقد الالكتروني، و امام هذا التعدد و الاختلاف في المخاطر التي تتعرض لها النقود الالكترونية يتضح لنا جليا ان القانون الجنائي غير كافي – في حالته الراهنة- ، كونه لا يساير التطور الذي تعرفه تقنية المعلومات ، و ان اغلب نصوص التجريم التقليدية قد وضعت في ظل تفكير يقتصر ادراكه على كل ما هو ملموس و مادي ،مما يتعذر معه تطبيقها لحماية القيم غير المادية المتولدة عن المعلوماتية .[8]

ان الموضوع الذي بين أيدينا يكتسي أهمية بالغة سواء من الناحية العملية و كذا من الناحية النظرية ، فمن الناحية العملية تعتبر النقود الالكترونية احدى اهم الوسائل الحديثة لتامين نظام وسائل المدفوعات سواء من حيث ضمان الدفع او مكافحة الاحتيال و التزوير و السرقة و النصب و الاحتيال ، و من الناحية النظرية تعتبر النقود الالكترونية السبيل نحو تقليل التكاليف المرتبطة باستخدام النقود التقليدية كما نجد ان معظم المواضيع سواء المتعلقة بالتجارة الالكترونية او المعاملات البنكية الالكترونية او وسائل الدفع و السداد لا تخلو من الإشارة الى موضوع النقود الالكترونية كما ان اغلب البحوث حذرت من تداعيات التعامل بالنقود الالكترونية جراء نقص القوانين المنظمة لها .

انطلاقا مما تقدم ، تظهر لنا إشكالية موضوعنا من خلال التساؤل التالي :

  • الى أي حد حظيت وسائل الدفع الالكترونية و بالضبط النقود الالكترونية ، بنظام قانوني فعال على نحو يكفل تحقيق الحماية القانونية اللازمة و الامن المعلوماتي المتعلق بها ؟

للإجابة عن الإشكالية التي بين أيدينا ارتأينا تقسيم موضوعنا الى قسمين رئيسيين على الشكل التالي :

المبحث الأول : الاطار القانوني للنقود الالكترونية

المطلب الأول : ماهية النقود الالكترونية

المطلب الثاني :الطبيعة القانونية للنقود الالكترونية

المبحث الثاني : الحماية القانونية للنقود الالكترونية :

المطلب الأول : الحماية الموضوعية للنقود الالكترونية .

المطلب الثاني : الحماية الإجرائية للنقود الالكترونية .

المبحث الأول : الاطار القانوني للنقود الالكترونية :

تعتبر النقود الالكترونية من احدث وسائل الدفع الالكترونية التي تتم من خلال شبكة الانترنت ، اذ تقوم بنفس الدور الذي تقوم به النقود الورقية القانونية” تلك التي يصدرها البنك المركزي”.

و نظرا لحداثة هذا النوع من النقود و مدى استعماله في مختلف المعاملات التي تتم بطريقة الكترونية ، فقد احتدم الخلاف بين فقهاء القانون و الاقتصاد حول التعريف بهذا النظام الحديث ، و ما اذا كان واقعا ام من ضرب الخيال ، و اذا كان الجواب هو انه عبارة عن نظام حقيقي ، فهل تمثل شكلا جديدا من اشكال النقود تختلف في مضمونها عن النقود الورقية ام انها مجرد وسيلة من وسائل استخدام و تداول النقود؟

لذلك تحتم دراسة النقود الالكترونية التعرض لماهيتها ” الفقرة الأولى ” ، و طبيعتها القانونية ” الفقرة الثانية”.

المطلب الأول : ماهية النقود الالكترونية:

ان مصطلح النقود الالكترونية يعد حديث النشأة على الساحة المالية و المصرفية ، فمع ظهور التجارة الالكترونية و انتشارها أصبحت وسائل الدفع و السداد حجر الزاوية لنجاح و تطور هذا النوع من التجارة .

لقد عرفتها المفوضية الأوروبية ” بأنها قيمة نقدية مخزونة بطريقة الكترونية على وسيلة إلكترونية كبطاقة أو ذاكرة كمبيوتر ، ومقبولة كوسيلة للدفع بواسطة متعهدين غير المؤسسة التي أصدرتها ، ويتم وضعها في متناول المستخدمين لاستعمالها كبديل عن العملات النقدية والورقية، وذلك بهدف إحداث تحويلات الكترونية المدفوعات ذات قيمة محددة.”[9]

ولقد توسع البعض في مفهوم النقود الإلكترونية، فعرفها ” بأنه نقود يتم نقلها إلكترونياً “.[10]

و يفضل بعض الفقهاء عند تعريفه للنقود الالكترونية اظهار اكثر من عنصر من عناصرها ، هذا بالإضافة للتفرقة بين الناحية الفنية والقانونية لتلك النقود، فنجده أولا: يعرفها بأنها ” نقود في صورة الكترونية تستخدم في سداد اثمان السلع و الخدمات ، بعد تخزينها مسبقا على أداة الكترونية مثل الحاسب الشخصي او الكارت الذكي” ، ثم نجده ثانيا : يركز على الناحية الفنية لتلك النقود حيث عرفها انها :” عبارة عن نبضات (Bits) إلكترونية يرسلها الكمبيوتر المثبت على كارت المستهلك إلى الكمبيوتر المثبت على كارت التاجر أو المصدر ، هذه النبضات هي في حقيقتها بيانات وأوامر تنتقل عن طريق الحوار السري الذي يجري بين الكمبيوترات الصغيرة المثبتة على الكارت” ، وثالثا : يتم التركيز على الناحية القانونية حيث عرفها بانها: ” عبارة عن أرقام تتداول الكترونيا، ويمثل كل رقم قيمة مالية في حد ذاته ، و تستخدم هذه القيم للوفاء بأثمان السلع و الخدمات التي يبتاعها المستهلك بدلاً من النقود الحقيقية، ولهذه النقود قوة إبراء بحيث يستطيع المدين سداد ديونه بها، ولكنها قوة إبراء اتفاقية لا قانونية، فهي مستمدة من رضا المستهلك، وقبول التاجر لها كوسيلة وفاء “.[11]

من خلال ما تقدم يمكننا القول بأن النقود الإلكترونية هي : ” قيمة نقدية، متطورة، يفرضها الواقع التقني، ومخزنة على وسيلة الكترونية، وسابقة الدفع، وغير مرتبطة بحساب نقدي، وتستعمل كوسيط في التبادل، ولها قوة إبراء في الوفاء، وتحظى بقبول واسع من غير من قام بإصدارها “.[12]

و يمكننا ان نحدد عناصر النقود الالكترونية من خلال هذا التعريف و المتمثلة في :

  • قيمة نقدية : كونها تشمل وحدات نقدية ذات قيمة مالية يحوزها المستهلك ، و يقبلها التاجر مقابل ما يقوم بتقديمه من سلع و خدمات ، و يتم اصدار هاته النقود في شكل إشارات ، او نبضات [13]، او ارقام الكترونية يحمل كل رقم منها قيمة في ذاته ، و تمثل هذه الإشارات قوة شرائية حقيقية يمكن تحويلها الى اكبر عدد من المستفيدين المحتملين .[14]
  • مخزنة على وسيلة الكترونية و التي تعد من الخصائص المهمة للنقود الالكترونية ، اذ يتم شحن القيمة النقدية بطريقة الكترونية على بطاقة بلاستيكية او على القرص الصلب للكمبيوتر الشخصي للمستهلك .[15]
  • غير مرتبطة بحساب بنكي و هو ما يميزها عن وسائل الدفع الالكترونية الأخرى ، كون هاته الأخيرة تتسم بكونها عبارة عن بطاقات الكترونية ذات ارتباط بحسابات بنكية للعملاء حاملي تلك البطاقات ، و استخدام العميل لهاته البطاقات لا يغير من طبيعة النقود المستعملة فتبقى عبارة عن نقود تقليدية ، اما الدفع بالنقود الالكترونية ليس له أي ارتباط بحساب بنكي [16]، اذ انها عبارة عن قيمة نقدية يتم تخزينها و تداولها بذاتها و يمكن نقل وحدات النقد الالكترونية بين المتعاملين بها في أي وقت دون الحاجة لتدخل اي وسيط .
  • تحظى بقبول واسع من غير من قام بإصدارها : أي يجب ان تتمتع النقود الالكترونية بقبول و انتشار من قبل الاشخاص و المؤسسات باعتبارها صالحة للوفاء [17]، و الا يقتصر استعمالها على فئات معينة او لمدة محددة من الزمن او في نطاق إقليمي محدد .
  • وسيلة للدفع لتحقيق أغراض مختلفة : بان تكون صالحة للوفاء بالالتزامات المختلفة للعميل .

من خلال ما سبق يتضح لنا النقود الالكترونية تتميز بمجموعة من الخصائص و التي يمكن تقسيمها الى طائفتين :

  • الخصائص المتعلقة بالنواحي الفنية و المتجلية في كون النقود الالكترونية قيمة نقدية مخزنة الكترونيا [18]و بالتالي فان العميل يستطيع استعمالها من اجل سداد ثمن السلع و الخدمات [19]و بالتالي فهي مستقلة عن أي حساب مصرفي ، كما ان النقود الالكترونية غير متجانسة و قابلة للانقسام حيث تمكن المستهلك من تحويلها لقيم صغيرة بطرقة ملائمة لمجموعة من المشتريات المحدودة القيمة و بالتالي أداء المبلغ المطلوب دون زيادة او نقصان ، كما ان تلك النقود الالكترونية ليست متعلقة باية شبكة دولية اذا فهي تتسم بالاستقلالية [20]أي انها تحول الكترونيا الى عملة دولة المتلقي مما يجعلها العملة المناسبة للمعاملات الالكترونية ، كل هذا يجعل النقود الالكترونية مرنة جدا ، اذ يمكن ملاءمتها بسرعة و سهولة مع كافة التطورات المستقبلية في تقنية الاتصالات و المعلومات .
  • الخصائص المتعلقة بالكفاءة و الملاءمة و المتجلية في سهولة الاستخدام بمعنى انها تعتمد اليات بسيطة تحتاج فقط قدر بسيط من الكفاءة لتتناسب و كفاءة العملاء باختلاف ثقافتهم و امكانياتهم ، كما ان النقود الالكترونية تتيح فرص التعامل بالعديد من العملات مع إمكانية التحويل بين هذه العملات بصورة لحظية و بأية قيمة [21] ، كما ان صفقات النقود الالكترونية تتسم بالكفاءة و باقل تكلفة ، و بالتالي تشجع التجارة من خلال ما تقدمه من أسعار اقل بالنسبة للمستهلكين ، كما ان النقود الالكترونية تتميز بسهولة التحويل و النقل دون الحاجة للاتصال بالمصدر لاستبدالها بالنقود السائلة مما يجعلها الملائمة لمختلف المعاملات الالكترونية خاصة ما يتعلق بالتجارة

الالكترونية [22].

المطلب الثاني :الطبيعة القانونية للنقود الالكترونية

ان لتحديد طبيعة النقود الالكترونية القانونية أهمية كبيرة من الناحية العملية ، كون هذا التحديد هو الذي سيحدد النظام القانوني و النقدي الذي سيحكم هاته النقود .كما ان أي تنظيم قانوني لتلك النقود الالكترونية يتعين عليه تحديد طبيعة الجهة التي تتولى إصدارها ، و وضع مجموعة من الضوابط لحماية العميل لتفادي المخاطر الممكنة الوقوع عند اصدار او تداول تلك النقود .

و بالتالي فان السؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي الطبيعة القانونية لتلك النقود ؟

للإجابة على هذا التساؤل نجد مجموعة من الاتجاهات الفقهية التي تتحدث عن الطبيعة القانونية للنقود الالكترونية اذ يرى البعض انها ليست نقودا و انما مجرد وسيلة للدفع و من تم تشبه التحويلات الالكترونية ولا تخضع للرقابة من قبل البنوك المركزية [23]. لكن يبق الاتجاه الغالب هو الاتجاه الذي يرى ان النقود الالكترونية يمكنها القيام بالوظائف الأساسية للنقود التقليدية و بالتالي فهي صورة من صور النقود التقليدية ، اما الاتجاه الثالث هو الذي يرى ان النقود الالكترونية هي شكل جديد من اشكال النقود .

  • النقود الالكترونية ليست نقودا حقيقية : اذ ان جانبا كبيرا من الفقهاء يعتبر النقود الالكترونية ليست سوى نقود افتراضية Virtual money ، اذ انها تتشابه لوسائل السداد عن طريق التحويل الالكتروني او الكروت

البنكية .[24] و إزاء هذا النفي فان كلا منهم يسلك طريقا مختلفا للدفاع عن وجهة نظره .

فمن جهة نجد عدم قبول النقود الالكترونية في الوقت الحالي من قبل بعض الفقهاء كون ان انتشارها سيقابل بالكثير من العقبات ، و ان العميل العادي قد لا يكون على استعداد لاستيعاب هذا النوع من النقود .[25]

و هناك من يرى من الفقهاء ان النقود الالكترونية ليست نقودا حقيقية و انما هي الية لتداول النقود فقط ، فكما كان الشيك من قبل عبارة عن الية لتداول النقود المصرفية ، كان نتيجة للتطور التكنولوجي الحاصل و ظهور شبكة الانترنت ظهور الية حديثة محل الشيك كآلية لتداول النقود .[26]

و يذهب راي ثالث من الفقه الى ان النقود الالكترونية وسيط في التبادل و ليست أداة دفع[27] ، كونها لا تصدر عن البنك المركزي ، و تستخدم لإتمام عمليات المبادلات عبر الانترنت ، أي انها لا تصلح كوسيلة للابراء اذ يتطلب الامر اجراء عملية أخرى متمثلة في الدفع النهائي لابراء ذمة العميل .[28]

  • النقود شكل من اشكال النقود التقليدية : اذ حاول كل واحد من الفقهاء أصحاب هذا الراي ، تشبيه النقود الالكترونية بأحد النظم الموجودة على ارض الواقع طبقا لوجهة نظر كل واحد منهم .

فمنهم من يرى ان النقود الالكترونية هي صورة غير مادية للنقود الورقية كون ان اصدار النقود الالكترونية يتم عبر تحويل شكل النقود من الصيغة الورقية الى الصيغة الالكترونية [29]و بالتالي إحلال شكل من النقود بشكل اخر مسايرة للتطور التكنولوجي الحاصل .

و منهم من يرى ان النقود الالكترونية صورة للنقود القيدية [30] أي صورة من صور النقود البنكية مخزنة على وسيط الكتروني ، مستندين على ما ورد بتقرير البنك المركزي الأوربي من أوجه التشابه بين الودائع تحت الطلب ، و القيم المحملة على البطاقات المدفوعة مسبقا ، اذ يقوم العميل بايداع جزء من ممتلكاته لدى مؤسسة الإصدار ، مما يدفع بالنقود الالكترونية للدخول في اغلب الحالات في منافسة مع النقود المصرفية .[31]

  • النقود الالكترونية نوع جديد من أنواع النقود: [32] اذ ان انصار هذا الراي يعارضون أصحاب الراي الثاني ، و بالتالي فهم يعتبرون النقود الالكترونية نوع جديد يضاف للنقود الموجودة بالفعل ، و لا تعتمد على المعدن و الورق ، و انما تعتمد على المعلومات و الانترنت ، و بالتالي فان النقود الالكترونية تصلح لاداء وظائف النقود كما انها تلائم المعاملات التي تتم بطريقة الكترونية .

كل هذا يدفعنا للحديث عن مدى اعتبار النقود الالكترونية نقودا قانونية ، من خلال استنادها على دعامتين أساسيتين و هما :

  • الصلاحية القانونية للوفاء بالدين ، اذ تنشا هاته الصلاحية من خلال اعتراف القانون بهذه النقود كاداة للدفع .
  • التزام الافراد كافة بقبولها في الوفاء ، لان لها قوة ابراء غير محدودة من الناحية القانونية ، اذ ان الافراد اصبحوا ملزمين بقوة القانون بقبول هاته النقود في تسوية مختلف معاملاتهم .

و بالتالي فاذا كانت تلك النقود لم تحظ بتنظيم قانوني الى يومنا هذا ، و عدم وجود أي نص قانوني يلزم الافراد قبولها في الوفاء بالدين ، فان حيازتها و التعامل بها يقوم على توافق إرادة الأطراف على قبولها في الوفاء ، و بالتالي وجب اظهار هذا التوافق و القبول الصريح من خلال عقد الانضمام لحيازة النقود الالكترونية.[33]

المبحث الثاني : الحماية القانونية للنقود الالكترونية:

إن استخدام وسائل الدفع الإلكترونية بصفة عامة ، و النقود الالكترونية على وجه الخصوص ، كوسيلة وفاء مستخدمة ذات تقنية تكنولوجية عالية بل وفائقة التطور، أدى إلى الانتشار الواسع والسريع لإقبال الجمهور المتعامل بها في تسوية معاملاتهم المالية، نظرا لما توفره من سهولة في إنجاز هذه المعاملات، وكذا من حماية في مواجهة خطر حمل النقود المادية.

غير أن تزايد حجم التعامل بهذه الوسائل، سواء في المعاملات المالية أو المادية أو غير المادية، عبر شبكة الأنترنت قد صاحبه استخدام هذه الوسائل الإلكترونية استخداما تعسفيا وغير مشروع وبطرق احتيالية، بهدف الحصول على أموال دون وجه حق من قبل ضعاف النفوس وصائدي الثروات والأموال ومحترفي التزوير والتقليد.

الأمر الذي أدى إلى خلق مشاكل قانونية بوجه عام تتعلق بأساليب حديثة في ارتكاب جرائم مستحدثة أمام مفاهيم جديدة، خاصة وأنها ترتبط تمام الارتباط بالحاسب الآلي الذي يدير حساب العملاء لدى البنوك المصدرة عن طريق الغش المعلوماتي، ذلك وعلى الرغم من تفوق التقنية في حماية نفسها بنفسها، إلا أن الأمر يتطلب فكرا قانونيا يدرك ويستوعب الآثار المترتبة عن الاستخدام غير المشروع لوسائل الدفع الإلكترونية، ويكون كافيا بأن يحميها من هذه الممارسات التي تتسم بالخطورة على كل من الحملة والبنوك بصفة خاصة وعلى الاقتصاد المحلي والدولي بصفة عامة.[34]

لهذا كان لزاما توفير حماية قانونية للنقود الالكترونية من الاستخدام التعسفي وغير المشروع، وذلك من خلال القواعد التقليدية الموجودة في كل من القانون المدني والقانون الجنائي وغيرها من القوانين التي من خلالها يمكن التوصل إلى حل المشاكل القانونية.[35]

لذلك سيتم التطرق لنقطتين أساسيتين اولاهما الحماية الموضوعية للنقود الالكترونية في فقرة أولى على ان نتطرق فيما بعد للحماية الإجرائية لهذا النوع من النقود في فقرة ثانية .

 

المطلب الأول : الحماية الموضوعية للنقود الالكترونية

تبتدأ حياة النقود الالكترونية بالإصدار من طرف المؤسسات المصرح لها بذلك ، مرورا بالاستخدام من قبل العملاء و التجار ، وصولا الى عودتها للمؤسسة المصدرة . خلال هذه المرحلة تتعرض النقود الالكترونية لاساءة الاستخدام ، سواء من حائزها او من قبل الغير ، و الأصل هو ضرورة وجود تنظيم تشريعي أي قانون منظم لعملية اصدار تلك النقود و تداولها و استخدامها في الوفاء و تحديد المسؤولية الناشئة في حالة سوء استعمال تلك النقود ، بيد انه في حالة غياب مثل هذا التشريع يبق فقط العقد المبرم بين مصدر تلك النقود و الحائز لها و بعض الآراء الفقهية و الاحكام القضائية لتنظيم تلك المسؤولية. مما يدفعنا للتساؤل بخصوص كيفية توفير حماية للنقود الالكترونية .

اجابة عن هذا التساؤل يمكن الحديث عن الحماية الجنائية و الحماية المدنية.

  1. الحماية الجنائية :

تشكل النقود الالكترونية ظاهرة حديثة في عالم المدفوعات ، الا انه و رغم المنافع التي جلبتها للبشرية الا انها في نفس الوقت فتحت امام الأشرار من البشر نوافذ قد تسبب اضرارا امنية غير محدودة .[36]

لذلك كان من الضروري الوقوف على مدى كفاية النصوص التجريمية التقليدية القائمة لمواجهة ما تتعرض له النقود الالكترونية من مخاطر ، و ضرورة وجود نصوص جنائية مستحدثة تلائم الطبيعة الغير المادية للنقود الالكترونية ، و الطابع التقني الخاص لأساليب ارتكاب الجريمة في بيئة المعالجة الالية للبيانات ، وصولا الى تقدير مدى فاعلية الحماية التي يبسطها قانون العقوبات على تداول النقود الالكترونية بوجه خاص.

و من المشاكل المهمة التي تثير التساؤل حول الحماية الجنائية للنقود الالكترونية ، تتعلق بالبحث عن توافر حماية في ضوء النصوص الخاصة بجرائم الاعتداء على الأموال ، فهل نصوص القانون الجنائي المغربي وخاصة النصوص المتعلقة بالسرقة و النصب و خيانة الأمانة تكفي لمواجهة هذه الجرائم الحديثة ام لا ؟ اذ ان مشكلة عدم كفاية النصوص القائمة لمواجهة الجرائم الجديدة تثار في ظل النظم القانونية التي تعتنق مبدا التفسير الضيق للقانون ، و تتسم تشريعاتها بالوضوح و التحديد ، فاذا اخذنا على سبيل المثال جريمة السرقة و التي تثير اكثر من غيرها من الجرائم السابقة مشاكل اكثر فضلا على ان الحلول بشأنها تعتبر القاعدة العامة بالنسبة لتلك الجرائم سنجد ما يلي :

اذ عرفت المادة 505 من القانون الجنائي المغربي السرقة فقالت: «من اختلس عمدا مالا مملوكا للغير يعد سارقا ويعاقب…» من خلال هذا التعريف نستنتج أن السرقة تلتقي وتتشابه مع جريمتي النصب وخيانة الأمانة من حيث وقوعها على المال المنقول.[37]

من خلال ما سبق يمكن طرح التساؤل التالي : هل يمكن اعتبار النقود الالكترونية محلا في جريمة السرقة ؟

فبما ان النقود الالكترونية ما هي الا بيانات و معلومات عن النقود التقليدية معالجة بطريقة الكترونية ، فيجب معاملتها على انها مال ، اذ ان الفقه الحديث يعترف للمعلومات بصفة المال ، تأسيسا على قيمتها الاقتصادية [38]، لان القانون الذي يرفض اسباغ صفة المال على شيء ذي قيمة اقتصادية فهو قانون منفصل عن الواقع ، و بما ان النقود الالكترونية هي معلومات عن النقود التقليدية المادية معالجة بطريقة الكترونية ، و لها قيمة اقتصادية ،فانه يجب معاملتها على انها مال ، و بالتالي يمكن ان تكون محلا لجريمة السرقة .

كما يرى جانب اخر من الفقه ان محل السرقة هو المنقول المادي وحده ، لذلك لا يصلح محلا للاعتداء في جريمة السرقة كل ما لا يتمثل في صورة كيان مادي ، و بالتالي لا تصلح النقود الالكترونية ان تكون مخلا لجريمة السرقة .[39]

الا انه و حسما للشك في تفسير و القيام بتطبيق النص القانوني التقليدي المتعلق بالسرقة على النقد الالكترونية فانه وجب على المشرع المغربي التحرك لسد العجز التشريعي من خلال وضع نص صريح يجرم سرقة النقود الالكترونية حماية لهذا النوع الجديد من النقود و فرض عقوبات في حالة الاعتداء عليها ، مع ضرورة تحديد هاته الجرائم على سبيل الحصر اعمالا لمبدا الشرعية الجنائية ، اذ انه لا جريمة و لا عقوبة الا بنص قانوني.

  1. الحماية المدنية :

بما ان القانون يحكم سلوك الافراد بالمجتمع عبر تنظيمه للروابط و العلاقات فيما بينهم ، و بيان مختلف حقوقهم و واجباتهم المتبادلة فيما بينهم من جهة ، و في مواجهة الجماعة التي يعيشون بها من جهة أخرى . فالحق و ما يقابله من التزام و ما يترتب على الاخلال به من مسؤولية يعد مناطا للنظام القانوني.

و بمجال التعامل بالنقود الالكترونية ، لا يوجد أي قانون خاص بالمعاملات الالكترونية حتى يعمل على التحديد الدقيق للتجريم في حالة الاعتداء على تلك النقود، و بما ان الامر لا يزال قائما على أساس القواعد العامة للمسؤولية التي يثير تطبيقها الكثير من الجدل مي مجال النقود الالكترونية.

و قد وضع المشرع الحماية المدنية الى جانب الحماية الجنائية للنقود الالكترونية باعتبارها هي الأخرى نوع من أنواع الحماية التي لا تقل أهمية عن الأخرى ، و ذلك بهدف التعويض عن الضرر الذي قد ينتج ، و عن الاعتداء الواقع على النقود الالكترونية او الاعتداء الذي يمكن ان يقع على الغير بواسطة استعمال هذه النقود ، فالمتضرر لا تهمه العقوبات الجنائية التي يمكن ايقاعها على الجاني بقدر ما يعنيه الحصول على التعويض عن الضرر الذي لحقه مما يظهر لنا أهمية الحماية المدنية .

و في مجال النقود الالكترونية تتخذ الحماية المدنية احدى الصورتين :

  • حماية تعاقدية ، قائمة على الاخلال بعدم تنفيذ العقد ، اذ ان العقد شريعة المتعاقدين ، و بالتالي اذا اتفق الطرفان على مختلف بنود العقد كان العقد صحيح و تنصرف اثاره الى المتعاقدين ، و بالتالي تنتقل التزاماته الى طرفي العقد[40] ، حسب الفصل 230 من ق ل ع فقد نص على أن “الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون”.
  • الحماية خارج نطاق العقد بواسطة قواعد المسؤولية التقصيرية ، حسب الفصل 77 من ق ل ع و الذي ينص على ما يلي : ” كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار ومن غير أن يسمح به القانون فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، التزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر “، او قواعد الاثراء بلا سبب [41] خاصة ان قواعد العدالة تأبى ان يثرى شخص على حساب الاخر دون سبب مشروع ، او الحماية عن طريق حماية السر التجاري .

و مما لا شك فيه ان المسؤوليتين العقدية و الغير العقدية تقومان على نفس المبدا و هو جزاء الاخلال بالتزام سابق. اذ انه في الحالة الأولى الالتزام قائم على العقد المبرم بين الطرفين و بالتالي على المسؤولية العقدية ، و هو التزام قانوني .

لذلك فان القضاء يبحث أولا عما اذا كان يوجد عقد بين الأطراف ، فاذا وجد اعمل نصوصه ، الا ما كان منها منافيا لقواعد النظام العام ، فاذا تبين له وجود نص بهذا الشأن التجا الى قواعد المسؤولية التقصيرية ، او القواعد التي يطالب بها المتنازعان ، و بالتالي لا يمكن للقضاء ان يترك دعوى المسؤولية العقدية و يختار المسؤولية التقصيرية .فالالتزام بين طرفي العقد يكون مثار المسؤولية العقدية خاصة عندما يتعلق الامر بمجموعة من العقود .

و في حالة عدم إمكانية المسؤولية العقدية التقصيرية، يمكن تطبيق قواعد الاثراء بلا سبب أي ان مالك النقود الالكترونية يستطيع ان يعتبر الاثراء غير مشروع ،و يكون له الحق في ان يقتضي ممن استعمل نقوده دون وجه حق و بغير موافقته ، تعويضا نظيرا لافتقاره جراء هذا الاستعمال ، كما يشمل التعويض أيضا ما فات المضرور من كسب نتيجة هذا الاستعمال ، ما يعني ان النقود الالكترونية تحتاج الى مجال حماية أوسع نظرا لسهولة المخاطر التي يمكن ان تعترضها ، و بالتالي من الضروري البحث في كافة القواعد لدفع الضرر و الاعتداء عن النقود الالكترونية ، و بالتالي يتطلب الامر وضع نظام تشريعي دقيق ملائم للطبيعة اللامادية للنقود الالكترونية ، يوفر حماية جنائية و مدنية و كذلك حماية اجرئية مواكبة للتطور السريع الذي تعرفه النقود الالكترونية .

المطلب الثاني :الحماية الاجرائية للنقود الالكترونية

يقوم قانون المسطرة الجنائية المغربي على مدى توافر شرط التجريم من اجل انزال العقاب الملائم ، فهو المحرك الفعال للعقوبات حتى ينتقل من دائرة التجريم الى دائرة التطبيق العملي ، و من تم تظهر أهمية قانون المسطرة الجنائية من حيث انه ينقل العقوبات من حال السكون الى حالة الحركة و التطبيق . فمهما بالغ المشرع في الحماية الموضوعية للمصالح الاجتماعية ، فان نجاحه في المحافظة على هاته المصالح يبقى رهينا بمدى التنظيم الاجرائي الذي يضمن تحقيق الهدف من العقاب .

اذ بات من الواضح ، في مجال المسطرة الجنائية ، انه يلزم للقائمين على تداول و استعمال النقود الالكترونية ، وضع قواعد قانونية تنظم استعمالها و تمكن جميع الأشخاص و المؤسسات من الحصول عليها و سهولة استخدامها ، و على الدولة و المنظمات المعنية ” البنك المركزي على وجه الخصوص” ان تحل و تراقب تدفق هذا النوع من النقود ، و ان لها الحق في الكشف عن الجرائم التي يمكن ان تصيب النقود الالكترونية ، خاصة ان اغلب الجرائم المرتكبة هي جرائم ذات طبيعة عالمية يتم ارتكابه عبر شبكة الانترنت. مما يؤدي الى اصطدام الأجهزة الجنائية المكلفة بضبط هذا النوع من الجرائم الالكترونية و جمع ادلة الاثبات ، بمختلف الصعوبات خاصة عندما يتعلق الامر بمعلومات و بيانات[42] ذات صلة بالنقود الالكترونية و التي تم تخزينها في الخارج عبر شبكة الانترنت ، و بالتالي يصعب في غالبية الأحيان على الأنظمة القانونية ان تقوم بتحديد الى أي مدى تكفي القوانين التقليدية للنظر في الإجراءات الجنائية لضبط هاته المعلومات بحثا عن الأدلة و تحقيقها ، من اجل القيام بتحقيقات ناجحة في مجال النقود الالكترونية و طرق تقديمها امام القضاء ، وتقديرها بما يساهم في توفير عقيدة صحيحة لدى القاضي.[43]

و بالتالي فان استخدام النقود الالكترونية يتم في بيئة يصعب التحكم فيها و السيطرة عليها ، و من ثم فان الجرائم المتعلقة بالنقود الالكترونية تحولت لظاهرة عالمية يستحيل اكتشافها و التحقق منها و الحكم عليها و اثباتها ، اذ ان اغلب هذه الجرائم تتسم بالمكر و الحيلة و الاحتيال من خلال استعمال تقنيات معلوماتية حديثة و عالية الكفاءة ، ما يسهل طمس معالمها و محو اثارها قبل اكتشافها . و حتى ان وقع اكتشافها فيصعب ملاحقتها و ضبطها و اثباتها، كون الأدلة التقليدية لا تلائم هذه النوعية من الجرائم في الغالب . كما ان أجهزة العدالة تصطدم بتكنيك اجرامي عالي الكفاءة مستخدم من قبل الجناة لاخفاء معالم جرائمهم ،و طمس ما يمكن ان يكون دليلا على ارتكابها ، كما ان اغلب الإجراءات التقليدية من معاينة و تفتيش و ضبط و خبرة… لا تكفي لأغراض الاستدلال و التحقيق و المحاكمة في مجال جرائم النقود الالكترونية . الامر الذي يستدعي ابتداع أساليب إجرائية [44]حديثة مسايرة للتطور التكنولوجي لتفي بأغراض الاثبات بما لا يتعارض مع القواعد العامة للاثبات المقررة في التشريعات الحديثة ، و بالتالي تحقيق التوازن بين مقتضيات كشف الحقيقة و ضمان الحقوق و الحريات الفردية ، و حماية المعاملات التي تتم باستعمال النقود الالكترونية .

و باعتبار الاثبات يدخل في اطار الحماية الإجرائية ، فان اثبات جرائم النقود الالكترونية عبر شبكة الانترنت يصعب اكتشافها ، كون مرتكبي تلك الأفعال يتسمون بالذكاء ، كما ان الأدلة التقليدية غير ملائمة لأثبات تلك الجرائم ، و بالتالي يلزم البحث عن ادلة حديثة ناتجة عن استخدام وسائل تقنية حديثة في الدفع الالكتروني .

و اذا كانت الأدلة ليست سوى ووسائل للتوصل للحقيقية ، و يمكن من حيث المبدا اقامتها امام القضاء و تأسيس اقتناع القاضي عليها ما دامت مشروعة ، الا ان قبول ما يكون منها ناشئا من أنظمة الحاسبات تصادفه في مختلف النظم الإجرائية صعوبات قانونية و عملية عدة .مما ينعكس على مشكلة الاثبات بواسطة الدليل الرقمي المستمد من الحاسب الالي.

خاتمة

يشكل استعمال النقود الالكترونية تطورا واضحا في وسائل الدفع اذ يستطيع المستهلك من خلالها سداد قيمة مدفوعاته ، كما تعتبر النقود الالكترونية الوسيلة الوحيدة التي نشأت خصيصا لتسوية معاملات التجارة الالكترونية عبر الانترنت ، ويمكن القول بان النقود الالكترونية تعتبر شكل جديد من اشكال وسائل الدفع بدأ ينمو ويتطور سريعاً بحيث يتوقع انه سيؤدي الى اختفاء كامل لاستخدام النقود العادية في الوفاء في المستقبل القريب ويصبح بديلا عنها ، بحيث يصبح المجتمع مجتمعاً بلا نقود عادية .

الا انه من خلال بحثنا وجدنا ان النصوص النظرية التقليدية غير كافية لتوفير الحماية القانونية اللازمة لهذه النقود ، كذلك ضعف ان لم نقل غياب كل ما له علاقة بالحماية الاجرائية لها ، و لكن كما هو شان كل اكتشاف جديد، أدى استخدام النقود الالكترونية لظهور مجموعة من المشاكل القانونية التي دعت الفقه و القضاء في بعض الدول للبحث عما اذا كانت القوانين الحالية كافية لمواجهة الاعتداءات على تلك النقود ، ام انه يتعين على المشرع التدخل لمواجهة تلك الأفعال بنصوص زاجرة.

التوصيات :

  • حث المشرع المغربي على ضرورة ادخال وسائل الدفع الالكترونية للمغرب خاصة فيما يتعلق بالنقود الالكترونية .
  • يجب على السلطات الالية قصر اصدار النقود الالكترونية على البنك المركزي او مؤسسات الائتمان ، اذ ان اصدار النقود الالكترونية من قبل البنك المركزي سيقلص من حجم الخسائر المالية ، و سيمكن من السماح بالتحكم في السياسة النقدية ، و بالتالي تقليص مختلف المخاطر و الجرائم .
  • على المشرع المغربي اصدار قانون ينظم التعامل بالنقود الالكترونية لان عدم التنظيم سيوقف مختلف المعاملات القائمة على هذا النوع من النقود من بينها التجارة الالكترونية ، و بالتالي لا بد من اصلاح تشريعي مساير للتطور التكنولوجي و ما تتطلبه التجارة الالكترونية ، و التطلع نحو إيجاد حلول تشريعية تقر صراحة إمكانية التعامل بالنقود الالكترونية .

لائحة المراجع

الكتب باللغة العربية :

  • جميل عبد الباقي صغير ، الجوانب الإجرائية للجرائم المتعلقة بالانترنت ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، 2001.
  • سعيد يحيى ، الطبيعة القانونية للتحويل المصرفي ، القاهرة ، منشاة المعارف الجديدة، 1987 .
  • سليمان احمد فضل ، المواجهة التشريعية و الأمنية للجرائم الناشئة عن استخدام شبكة المعلومات الدولية( الانترنت)، القاهرة ،دار النهضة العربية ، 2013.
  • شريف محمد غنام ، محفظة النقود الإلكترونية، القاهرة ،دار النهضة العربية، 2003 .
  • طارق عبد العال ، التجارة الالكترونية، مفاهيم و تجارب ، تحديات ، اسكندرية ، الدار الجامعية ، 2003 .
  • محمد إبراهيم محمود الشافعي : الاثار النقدية و الاقتصادية و المالية للنقود الالكترونية ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 2003.
  • محمد حامد دويدار ، الاقتصاد النقدي ، القاهرة ، دار الجامعة الجديدة ، 2006 .
  • محمد طارق عبد الرؤوف الخن، جريمة الاحتيال عبر الإنترنيت، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية ، 2011 .
  • مصطفى كافي ، النقود و البنوك الالكترونية في ظل التقنيات الحديثة ، دار رسلان ، 2012

المقالات :

  • احمد جمال الدين موسى : الاثار النقدية و المالية للنقود الالكترونية ،مجلة البحوث القانونية و الاقتصادية، كلية الحقوق ، جامعة المنصورة ، العدد 29 ، ابريل 2001 .
  • احمد يوسف الشحات ، النقود و البنوك الالكترونية في الاقتصادات النامية ، مجلة روح القوانين ، كلية الحقوق جامعة طنطا ، العدد 41 ، ابريل 2007 .
  • نبيلة رسلان ، المسؤولية في مجال المعلومات والشبكات ، مجلة روح القوانين ، كلية الحقوق ، جامعة طنطا ، العدد 18 ، أغسطس 1999.

الرسائل باللغة العربية :

  • حوالف عبد الصمد ، النظام القانوني لوسائل الدفع الالكترونية ، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراة ، جامعة ابو بكر بلقايد ، تلمسان ، كلية الحقوق و العلوم السياسية ، 2014-2015
  • السيد علي غزالة ، النظام القانوني للنقود الالكترونية ، رسالة لنيل درجة الدكتوراة في الحقوق ، كلية الحقوق الدراسات العليا قسم القانون التجاري ، جامعة طنطا ،2018

الكتب باللغة الاجنبية :

  • Ulrich Sieber ( 1986), international handbook on computer crime : computer – Related economic crime and the infringements of privacy , New York , 1st edition , Wiley and Sons .
  • Lanskoy(S.) ( January 2000), Legal nature of electronic money, Banque de France Bulletin , No.73 .
  • Renaudin Pascal (1999),  Le porte monnaie electronique , these , Paris 1 , 1999
  • Reynolds Griffith(2001) , is virtual cash a reality ? , the journal of business and Economic perspectives , vol XXVII , No. 2 , Fall & WINTER .
  • Raymond Gassin (1986) , le droit pénal de l’informatique , D .
  • The Consumer Advisory Board of the Federal Reserve Board of the USA, (1996),Federal Reserve Board Consumer Advisory Council Meeting, nov.

المواقع الالكترونية :

  1. محمد طارق عبد الرؤوف الخن، جريمة الاحتيال عبر الإنترنيت، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية ، 2011 ، ص 11
  2. الثورة المعلوماتية أو ما اصطلح على تسميتها بالثورة التكنولوجية، فكلمة معلوماتية informatice هي اختصار مزجي لكلمة معلومة information و كلمة الى أو آلية automatique و تعني المعالجة الآلية ، وبتالي فالمعلوماتية هي علم المعالجة العقلية للمعلومات باستخدام آلات تعمل ذاتيا.
  3. السيد علي غزالة ، النظام القانوني للنقود الالكترونية ، رسالة لنيل درجة الدكتوراة في الحقوق ، كلية الحقوق الدراسات العليا قسم القانون التجاري ، جامعة طنطا ،2018 ، ص 1.
  4. م.س ، ص 2.
  5. مصطفى كافي ، النقود و البنوك الالكترونية في ظل التقنيات الحديثة ، دار رسلان ، 2012 ، ص 9 .
  6. م س ، ص : 9
  7. السيد علي غزالة ، النظام القانوني للنقود الالكترونية ، م س ، ص 3.
  8. مصطفى كافي ، م.س ، ص 18

  9. The Consumer Advisory Board of the Federal Reserve Board of the USA, (1996). “Federal Reserve Board Consumer Advisory Council Meeting”, nov. 2. P.5
  10. شريف محمد غنام ، محفظة النقود الإلكترونية، القاهرة ، دار النهضة العربية، 2003، ص 33، 34.
  11. السيد علي غزالة ، م س ، ص 14
  12. السيد علي غزالة ، م س ، ص 15
  13. شريف محمد غنام : محفظة النقود الالكترونية ، م س ، ص 34 .
  14. مصطفى كافي ، م س ، ص 20
  15. شريف محمد غنام ، محفظة النقود الالكترونية ، م س ، ص 8
  16. احمد جمال الدين موسى : الاثار النقدية و المالية للنقود الالكترونية ،مجلة البحوث القانونية و الاقتصادية، كلية الحقوق ، جامعة المنصورة ، العدد 29 ، ابريل 2001 ، ص 43
  17. حيث يرى البعض انها” قيمة نقدية ، مخزنة على وسيلة تقنية ، و تستخدم على نطاق واسع لتسوية التعهدات ، من غير الجهة التي أصدرتها ، و لا ترتبط بحسابات مصرفية ، و لكن بوصفها أداة سابقة للدفع بالنسبة لحاملها”

    European central bank, report on electronic money , august 1998 .

    www.ecb.int/pub/pdf/at

    اطلع عليه بتاريخ 04/08/2024 على الساعة 22H33

  18. محمد إبراهيم محمود الشافعي ، الاثار النقدية و الاقتصادية و المالية للنقود الالكترونية ، القاهرة، دار النهضة العربية ، 2003 ، ص 14
  19. طارق عبد العال ، التجارة الالكترونية، مفاهيم و تجارب ، تحديات ، اسكندرية، الدار الجامعية ، 2003 ، ص 108  .
  20. احمد يوسف الشحات ، النقود و البنوك الالكترونية في الاقتصادات النامية ، كلية الحقوق جامعة طنطا ، ابريل 2007 ، العدد 41 ، ص 371 .
  21. السيد علي غزالة ، م س ، ص 29
  22. حوالف عبد الصمد ، النظام القانوني لوسائل الدفع الالكترونية ، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراة ، جامعةابو بكر بلقايد ، تلمسان ، كلية الحقوق و العلوم السياسية ، 2014-2015 ، ص 163
  23. Renaudin (P.) : Le porte monnaie electronique , these , Paris 1 , 1999 , P 116 .
  24. Reynolds Griffith , is virtual cash a reality ? , the journal of business and Economic perspectives , vol XXVII , No.2 , fall & winter , 2001 , P 12 .
  25. محمد حامد دويدار ، الاقتصاد النقدي ، دار الجامعة الجديدة ، 2006 ، ص 308 .
  26. احمد جمال الدين موسى ، م س ، ص 39
  27. السيد علي غزالة ، م س ، ص 50
  28. احمد جمال الدين موسى ، م س ، ص 38
  29. سعيد يحيى ، الطبيعة القانونية للتحويل المصرفي ، منشاة المعارف الجديدة 1987 ، ص 1
  30. “…… The 1994 Report indicated the similinities, in economic terms, between sight deposits with the banking system, on the one hand, and value loaded on prepaid cards, on the other. Indeed, in both cases, the customer entrusts part of his / her belongings to an institution. Therefore, in many cases, electronic money comes into competition with traditional bank money a situation which raises concern for the level playing – field. In the case of sight deposits, the available fund can be mobilized through various payment instruments, such as chequs, transfer orders, etc. in the cases of electronic money …… ”

    European, central Bank, Report on Electronic Money, August, 1998.

  31. شريف محمد غنام ، م س ، ص 39
  32. Lanskoy(S.) : Legal nature of electronic money, Banque de France Bulletin , No.73 , January , 2000 , P . 36.
  33. حوالف عبد الصمد ، النظام القانوني لوسائل الدفع الالكترونية ، م س ، ص 505
  34. المرجع نفسه .
  35. John Wiley : international handbook on computer crime . computer – Related economic crime and the infringements of privacy , 1996 , p 37-38 .
  36. https://mrlatalib.com/%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D9%82%D8%A9-%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B5%D9%88%D9%81%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A

    اطلع عليه بتاريخ 06/08/2024 على الساعة 21H35

  37. Raymond Gassin : le droit pénal de l’informatique , D . 1986 , p36
  38. السيد على غزالة ، م س ، ص 231
  39. نبيلة رسلان ، المسؤولية في مجال المعلومات والشبكات ، مجلة روح القوانين ، كلية الحقوق ، جامعة طنطا ، العدد 18 ، أغسطس 1999 ، ص 180
  40. السيد علي غزالة ، م س ، ص 290
  41. سليمان احمد فضل ، المواجهة التشريعية و الأمنية للجرائم الناشئة عن استخدام شبكة المعلومات الدولية( الانترنت)، دار النهضة العربية ، القاهرة 2013 ، ص 345
  42. السيد علي غزالة ، م س ، ص 298
  43. جميل عبد الباقي صغير ، الجوانب الإجرائية للجرائم المتعلقة بالانترنت ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 2001، ص 73
  44. Gauchet, Marcel, La Révolution des droits de l’homme, Paris, Gallimard, 2017.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى