في الواجهةمقالات قانونية

مسؤولية الإدارة بالتعويض عن القرارات الإدارية غير المشروعة الدكتوة صباح موسى عبد الرحمن المومني

مسؤولية الإدارة بالتعويض عن القرارات الإدارية غير المشروعة

الدكتوة صباح موسى عبد الرحمن المومني

أستاذ مشارك في القانون العام جامعة البلقاء التطبيقية – الأردن

هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 59 الخاص بشهر غشت / شتنبر 2025

رابط تسجيل الاصدار في DOI

https://doi.org/10.63585/KWIZ8576

للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665

 

مسؤولية الإدارة بالتعويض عن القرارات الإدارية غير المشروعة

الدكتوة صباح موسى عبد الرحمن المومني

أستاذ مشارك في القانون العام جامعة البلقاء التطبيقية – الأردن

الملخص

تناولت هذه الدراسة الموسومة ب” مسؤولية الإدارة بالتعويض عن القرار الإداري غير المشروع ”

ماهية المسؤولية الإدارية ومفهومها وأساسها وأركانها الثلاث ؛الخطأ والضرر وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر .

وهدفت هذه الدراسة إلى تحليل دعوى التعويض عن المسؤولية الإدارية ، حيث تطرقت إلى بيان خصائص دعوى التعويض و شروطها وأجه الإختلاف بينها وبين دعوى الإلغاء ، والتطورالتاريخي للإختصاص القضائي لدعوى التعويض الإداري ، حيث بينت الدراسة أهمية التحول الكبير الذي جاء به قانون محكمة العدل العليا رقم (12) لسنة 1992 ومن بعده قانون القضاء الإداري رقم (27) لسنة 2014 الذي منح للمحكمة الإدارية صلاحية نظر دعوى التعويض إلى جانب دعوى الإلغاء .

واخيراً ناقشت الدراسة السلطة التقديرية للقاضي الإداري في تحدد التعويض وفقاً لأسس تقوم على التناسب بين قيمة التعويض والضررالذي لحق بالمضرور.

وقد اتبعت الدراسة المنهج الوصفي التحليلي ، من خلال استقراء النصوص التشريعية وتحليلها .

الكلمات المفتاحية : المسؤولية الإدارية ،التعويض الإداري ، الخطأ المرفقي ،الخطأ الشخصي ،المحكمة الإدارية .

Administration’s Responsibility for Compensation for Administrative Illegitimate Decisions

Dr Sabah Mousa Abd Alarhman Al Momani

Associate Prof. in Public Law

Al Balqa’ Applied University, Jordan

ORCID: https://orcid.org/0009-0RC007-8849-8470

Abstract

This Study titled “Administration’s Responsibility for Compensation for Administrative Illegitimate Decisions” deals with the definition, concept, basis and three pillars of the administrative responsibility – error, damage and causal relationship between error and damage.

The purpose of this Study is to analyze the lawsuit for a compensation for administrative responsibility. It discusses the characteristics of a compensation lawsuit together with its conditions and differences from a cancelation lawsuit. It also takes on the historical development of jurisdiction over administrative compensation, showing the importance of the significant transformation made by the Supreme Court of Justice Law No. 12 of 1992 followed by the Administrative Judiciary Law No. 27 of 2014 that gave the Administrative Court the jurisdiction to hear the compensation lawsuits in addition to cancelation lawsuits.

Finally, the Study discusses the administrative judges’ judicial discretion to determine such a compensation based on the suitability of the compensation amount for the damages caused to the affected person.

The Study uses the analytical descriptive method by reading and analyzing legal provisions.

Keywords: administrative responsibility, administrative compensation, personal error, administrative court.

المقدمة

تقوم فلسفة الدولة القانونية الحديثة على مبدأ جوهري وأساسي ، وهو سيادة القانون وخضوع جميع سلطات الدولة بما فيها الإدارة لأحكامه. وتُعدّ المسؤولية الإدارية حجر الزاوية في بناء هذه الدولة، فهي الضمانة الحقيقية التي تكفل عدم انحراف الإدارة عن جادة المشروعية أثناء

ممارستها لسلطاتها وامتيازاتها الواسعة. فالقرار الإداري، بوصفه الأداة القانونية الأكثر شيوعاً لعمل الإدارة، قد يكون في بعض الأحيان سيفاً ذا حدين؛ فبينما يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، قد يكون معيباً في أحد أركانه، فيلحق بالأفراد أضراراً مادية ومعنوية بليغة.

ولم تكن حماية حقوق الأفراد لتكتمل بمجرد تقرير حقهم في المطالبة بإلغاء القرار الإداري غير المشروع، فقضاء الإلغاء، رغم أهميته، يقتصر أثره على المستقبل بإزالة القرار من النظام القانوني، لكنه لا يعالج أثار الماضي ولا يجبر الضرر الذي وقع بالفعل. من هنا، تبرز أهمية قضاء التعويض “القضاء الكامل”، الذي يمثل الدرع الواقي لجبر الأضرار وإعادة التوازن المختل بين الإدارة والفرد.

تعد نظرية المسؤولية الإدارية حجر الزاوية الذي يرتكز عليه التعويض عن أعمال الإدارة، رغم إن موضوع مسؤولة الدولة لم يكن مطروح سابقاً انطلاقاً من كون الدولة صاحبة سيادة فلا تسأل عن أخطائها ،إلا أن الفقه والقضاء الإداريين قد تراجعا عن ذلك واقراء مسؤولية الدولة اتجاه أعمالها غير المشروعة .

وترجع نشأة نظرية المسؤولية الإدارية بالأساس إلى اجتهادات القضاء الفرنسي ، فبعد أن كانت الدولة حرة مطلقة في تصرفاتها ،أصبحت مقيدة ومسؤولة إذا ما الحقت الضرر بالأفراد. وقد تدرج القضاء الفرنسي في تقرير المسؤولية على الأفراد حيث كان يشترط الخطأ الجسيم لتقرير مسؤولية الإدارة، ثم عاد وأقر بمسؤولية الإدارة عن أعمالها بناء على الخطأ دون النظر إلى طبيعة ومدى جسامة هذا الخطأ .

وقد أخذ النظام القانوني الأردني بنظرية المسؤولية الإدارية ،حيث أقر بمسؤولية الإدارة عن أعمالها، إذا ما توافرت أركان المسؤولية الثلاث المتمثلة بالخطأ والضرروالعلاقة السببية.

مشكلة الدراسة

قد تحيد الإدارة عند تعاملها مع الأفراد عن مبدأ المشروعية مما يلحق بهم أضرارمادية أو معنوية فتقوم مسؤولية إدارية على عاتقها تلزمها بالتعويض .

وقد تلحق الإدارة بالأفراد ضرراً رغم عدم خطأها استناداً إلى فكرة المخاطر مما يوجب تعويضهم لجبر الضرر.

فجاءت هذه الدراسة لتحديد الأحكام القانونية للمسؤولية الإدارية وأركانها، ومدى كفاية التشريعات الإدارية في تنظيم المسؤولية الإدارية و التعويض.

أما عن أهداف الدراسة

فإنها تتمثل في تحديد أركان المسؤولية الإدارية وموقف القضاء الأردني منها، والتركيز على معيار التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي وأثره على دعوى التعويض. وبيان التطور التاريخي للمسؤولية الإدارية في الأردن .

وبحث الأساس الفلسفي والقانوني لمسؤولية الإدارة ، ومناقشة مدى تبني القضاء الأردني لنظرية المخاطر إلى جانب نظرية الخطأ.

توضيح العلاقة الإجرائية الدقيقة بين دعوى الإلغاء ودعوى التعويض، والأثار المترتبة على اختلاف مواعيدهما.

تحليل وتقييم السلطة التقديرية للقاضي الإداري في تقدير التعويض، مع التركيز على آليات تقدير الأضرار غير الملموسة كالضرر المعنوي وتفويت الفرصة، والوقوف على النصوص القانونية والاجتهادات القضائية المتعلقة بالمسؤولية الإدارية.

أهمية الدراسة

توضح هذه الدراسة ماهية المسؤولية الإدارية وأركانها، و الأسس الموضوعية والإجرائية لدعوى التعويض، كما و تسليط الضوء على مكامن القوة والضعف في النظام الحالي، واقتراح توصيات تهدف إلى تعزيز مبدأ المشروعية وحماية حقوق المواطنين، وتشجيع الإدارة على ترشيد قراراتها لتجنب الوقوع في الخطأ الموجب للمسؤولية.

الدراسات السابقة

– كتاب المسؤولية الإدارية في القانون الأردني للدكتورعثمان الشوابكة ، حيث يعد هذا الكتاب مرجعاً أساسياً لدراسة التعويض الإداري حيث تناول بالتفصيل أسس وأركان المسؤولية الإدارية.

– رسالة دكتوراة بعنوان دعوى التعويض عن أعمال الإدارة الضارة في القانون الأردني والمقارن، قدمت هذه الدراسة رؤية مقارنة قيمة، لكن تركيزها على المقارنة قد يكون قلّل من عمق التحليل المخصص للنظام الأردني وتطبيقاته القضائية الخاصة، لا سيما في المسائل الدقيقة التي يتناولها هذا البحث.

منهجية الدراسة

يعتمد البحث على المنهج الوصفي التحليلي، وذلك من خلال استقراء النصوص الدستورية والتشريعية ذات الصلة .

و تحليل النصوص وتفسيرها وفقاً لآراء كبار الفقهاء في القانون العام، والتحليل النقدي للاجتهادات القضائية الصادرة عن المحاكم الإدارية في الأردن .، والمتمثلة بالمحكمة الإدارية العليا، وبمحكمة العدل العليا سابقاً ، بهدف استخلاص المبادئ الحاكمة وتقييمها.

تساؤلات البحث

تأتي الدراسة للإجابة على العديد من التساؤلات منها :

ما هو مفهوم دعوى التعويض ومن هي الجهة المختصة بالنظر في الطلبات المقدمة من المتضررين بخصوص المطالبة بالتعويض؟ ماهي أركان المسؤولية الإدارية؟ وكيفية تحقيقها ضمن الإطار القانوني الحالي لضمان العدالة الإدارية ؟ ما هي الضوابط التي تحكم السلطة التقديرية للقاضي الإداري في تقدير التعويض عن الضررالمادي و المعنوي ؟

خطة البحث

تعتمد هذه الخطة على منهجية منطقيه ، حيث تنتقل من الإطار الموضوعي إلى الإطار الإجرائي. وبناء على ذلك ستكون خطة هذه الداراسة كما يلي:

المبحث الأول : ماهية المسؤولية الإدارية

المطلب الأول : مفهوم المسؤولية الادارية

المطلب الثاني : أركان المسؤولية الادارية

المبحث الثاني : التعويض عن المسؤولية الإدارية

المطلب الأول : ماهية دعوى التعويض الإداري

المطلب الثاني :التطور التاريخي للإختصاص القضائي لدعوى التعويض الإداري في التشريعات الأردنية وسلطة القاضي في تقدير التعويض

وختمنا بخاتمة تتضمن نتائج وتوصيات .

المبحث الأول

ماهية المسؤولية الإدارية

تتمتع الدولة وأجهزتها بصلاحيات وامتيازات واسعة لضمان القيام بواجباتها وتسير المرافق العامة . إلا أن الإدارة وأثناء قيامها بواجباتها قد تلحق ضرراً مادياً أو معنوياً بالأفراد بصرف النظر عما إذا كان هذا الضرر قد جاء نتيجة عمل إداري مشروع أو غير مشروع ، أو نتيجة إبرام العقود الإدارية كذلك دون النظر إلى أن أساس المسؤولية قد نجم عن خطأ أو دون خطأ، مما يترتب عليه قيام مسؤوليتها اتجاه الأفراد الذين يطالبون بالتعويض عن هذا الضرر[1].

وتعد نظرية المسؤولية الإدارية نظرية حديثة من خلق وصنع مجلس الدولة الفرنسي فهو الذي ابتدعها وأرسى مبادئها ، غير مستندة الى قواعد مقننة ثابتة بل هي متغيرة ومتطورة لتلبية حاجات المرافق العامة والأفراد على حد سواء، وجاءت خروجاً على القاعدة السائدة قديماً هي عدم مسؤولية الدولة عن أعمالها كونها سلطة عامة ذات سيادة وبالتالي لا تسأل عن تصرفاتها ، حتى لو الحقت الضرر بالأفراد[2]. ولتحديد ماهية المسؤولية الإدارية لابد بيان مفهوم المسؤولية ، ثم بيان أركانها في مطلبين متتالين.

المطلب الأول : مفهوم المسؤولية الإدارية

تطور مصطلح المسؤولية الإدارية وتوسع منذ مطلع القرن التاسع عشر بجهود مجلس الدولة الفرنسي الذي ابتدع هذه النظرية وأرسى قواعدها.

وتعرف المسؤولية الإدارية بانها وسيلة قانونية تتكون أساسا من تدخل ارادي ينقل بمقتضاه عبء الضرر الذي وقع على شخص مباشرة ، بفعل قوانين الطبيعة او البيولوجبا أو القوانين الاجتماعية، إلى شخص آخر ينظر إليه على أنه هو الشخص الذي يجب أن يتحمل هذا العبء[3].

عرفها بعض الفقه بأنها “الالتزام النهائي بتعويض كافة الأضرار الناتجة عن عمل الإدارة أو تلك التي تقرر الدولة بأنها مسؤولة عنها”[4].

وتتميز المسؤولية الإدارية بمجموعة من الخصائص تتمثل بما يلي :

أولاً: تعد المسؤولية الإدارية مسؤولية قانونية تقام على السلطات العامة التي تمارس العمل الإداري حيث تتحمل الدولة عبء التعويض عما يلحق بالأفراد من اضرار .

ثانيا : تعد المسؤولية الإدارية مسؤولية غيرمباشرة ، أي أن الإدارة لا تتحمل المسؤولية عن الأضرار التي تسبب بها موظفوها بشكل شخصي، حيث تنسب المسؤولية إلى المرفق الذي يتبع له الموظف ، فترفع الدعوى على الجهة الإدارية التي يعمل بها الموظف وتتولى في التعويض عن أخطاء الموظفين المرتبطة بالمرفق العام مما يضمن حماية حقوق الأفراد دون الحاجة إلى مقاضاة الموظف بشكل مباشر[5].

المطلب الثاني : أركان المسؤولية الإدارية

تقوم المسؤولية الإدارية القائمة على الخطأ على مجموعة من الأركان لا بد من توافرها ليصار إلى إعمال حق المتضرر في التعويض وهي ركن الخطأ وركن الضرر وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر.

وهذا ما استقر عليه القضاء الإداري في كل من فرنسا ومصر والأردن ، ومن أحكام محكمة العدل العليا الأردنية السابقة في ذلك قولها ” إن مناط مسؤولية الإدارة عن القرارات الإدارية التي تصدرها في تسييرها للمرافق العامة تقوم على توافر أركان ثلاث : هو قيام الخطأ من جانبها ، وأن يلحق صاحب الشأن ضرر نتيجة هذا الخطأ ، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر ، فإذا انتفى أحد هذه الأركان فلا مسؤولية ولا تعويض …”.

وبناء عليه سنقسم هذا المطلب إلى ثلاثة فروع يخصص الأول لركن الخطأ أما الضرر فسنوضحه في الفرع الثاني وتناقش في الثالث العلاقة السببية بين الخطأ والضرر.

الفرع الأول : الخطأ

يعد الخطأ حجر الزاوية لمسؤولية الإدارة عن قراراتها الإدارية غير المشروعة ، وقد يكون الخطأ شخصيا وقد يكون مرفقيا (مصلحيا).

وقد لجأ القضاء والفقه الفرنسي إلى نظرية الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي كحيلة قانونية يصلون من خلالها إلى الزام الدولة الزاما نهائيا بالتعويض[6]. وقد سار على خطاهم كلا من القضاء الإداري المصري والأردني.

ويقصد بالخطأ الشخصي ذلك الخطأ الذي ينسب إلى الموظف بصفته الشخصية فيكون مسؤولا بصورة فردية عما يحدث من أضرار وذلك بدفع تعويض من ماله الخاص[7].

أما الخطأ المرفقي أو المصلحي فيقصد به “الخطأ الذي ينسب إلى المرفق ذاته حتى لو ارتكبه من الناحية الفعلية موظف، ويتحمل المرفق المسؤولية عن هذا الخطأ وما ينتج عنه من اضرار”[8].

وقد أقر القضاء الإداري والعادي الأردني بوجود خطأين قد يرتكبهما الموظف العامل في المرفق العام ، خطأ شخصي يسأل عنه الموظف مسؤولية شخصية ويتحمل وحده التعويض عنه من ماله الخاص، وخطأ مرفقي تسأل عنه الإدارة ويدفع التعويض عنه من الأموال العامة.

فقد قضت محكمة العدل العليا في أحد أحكامها بأنه : “يجوز مخاصمة أي شخص بصفته الشخصية وبالإضافة لوظيفته في حالة الإدعاء بالتعويض عن ضرر مادي أو أدبي ناشئ عن خطأ غير وظيفي ارتكبه رجل الإدارة …”[9].

وقد اعتنق القضاء الأردني معيار جسامة الخطأ لتحديد المسؤولية الإدارية ، ونجد ذلك واضحا في القرارات الصادرة عنه فقد قضت محكمة العدل العليا بأنه : ” استعمال المحافظ صلاحياته المخولة إليه بموجب قانون منع الجرائم دون أن تقوم بالمستدعي أي من الحالات المنصوص عليها في ذلك القانون يشكل خطأ جسيماً لأنه صدر بشكل مخالف للقانون، ويكون من حق المستدعي الحصول على تعويض لجبر ما لحق به من ضرر مادي ومعنوي”[10].

ويرى جانب من الفقه الإداري الأردني بأن القضاء الإداري الأردني قد تبنى وبشكل واضح معيار الخطأ الجسيم أساساً للتقرير التعويض عن القرارات الملغاة لعيب موضوعي وليس للتفرقة ما بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي[11].

وقد استقر قضاء محكمة العدل العليا السابقة – على أن الخطأ المرفقي المصلحي يتكون من ثلاثة صور وهي[12]:

  • عدم قيام الإدارة بواجبها الملقى على عاتقها قانونا.
  • تأخر الإدارة في القيام بواجبها.
  • قيام الإدارة بواجبها بشكل سيء.

وعليه فإن الإدارة تتحمل مسؤولية أخطاء موظفيها في حالة كانت ناشئة عن العمل الإداري أو بسببه، ولا تتحمل الإدارة المسؤولية عما يتم ارتكابه من افعال خارجة عن إطار هذه الأعمال، کإرتكاب الموظف الجريمة أثناء تأديته لعمله.

الفرع الثاني: الضرر

حتى تقوم مسؤولية الإدارة بالتعويض لابد أن يلحق بالطاعن ضررا ماديا أو معنويا ناتج عن خطأ الإدارة، وفقاً للقاعدة العامة التي تنص على انه لا مسؤولية بدون خطأ ولكي تتحمل الإدارة التعويض لابد من ضرر لحق بالطاعن حيث لا يتصور أن تتحمل الإدارة التعويض عن فعل لا يرتب ضرراً ، وقد أكد القضاء الإداري على ذلك فقد قضت محكمة العدل العليا بأنه “أن قوام مسؤولية الإدارة بالتعويض عن القرارات الإدارية التي تصدرها في تسييرها للمرافق العامة هو وقوع الخطأ والضرر والعلاقة السببية بين الخطأ والضرر ، فإذا لم يقم الدليل على وقوع الضرر المادي المطالب بالتعويض عنه جراء إغلاق محل الالعاب الإلكترونية العائد للمستدعية ، فلا محل للحكم بالتعويض[13].

وقد كانت نظرية الخطأ هي الأساس الذي يقوم عليه التعويض الا أن النظريات الحديثة بدأت تأسس المسؤولية الإدارية على الضرر حيث بات من الوارد أن تتحمل الادارة مسؤولية أعمالها حتى دون وجود الخطأ ، استناداً للنظريات الحديثة في تأسيس المسؤولية الإدارية كنظرية المخاطر ومبدأ المساواة أمام الاعباء المالية[14]. وتعد نظرية المخاطر نظرية إستثنائية تهدف لتحقيق العدالة في أسمى صورها.

وتعد هذه المسؤولية مسؤولية إستثنائية وموضوعية، لا يشترط فيها وقوع خطأ من جانب الإدارة القيامها، بل يكفي وقوع الضرر الناتج عن نشاطها المشروع تبنى هذه النظرية على اعتبارات عليا من العدالة والتضامن الإجتماعي، وتقوم على فكرة أن من أنشأ الخطر أو تسبب في ضرر إستثنائي لتحقيق منفعة عامة، عليه تحمل تبعاته ويقدم تعويضاً للغير[15].

وتعد المسؤولية الإدارية على أساس الضرر تطوراً هاما في مجال القانون الإداري أخذ بها القضاء الفرنسي وطقها في إحتساب التعويض عن الضرر.

وبالرغم أن المشرع الأردني لم ينظم هذه المسؤولية بشكل صريح لكن الإطار القانوني الحالي يفتح المجال للمطالبة بالتعويض على أساس الضرر حتى لو لم يكن هناك خطأ، ومن الأمثلة على ذلك كأن تترك البلدية طريقاً عاماً به حفر خطيرة دون صيانة، مما يؤدي لوقوع حادث.

وعليه فإن الضرر الذي يرتب مسؤولية الإدارة هو الضرر بنوعيه المادي والمعنوي ، إلا أن الضرر وأي كان مادي او معنوي لا بد من توافر شروط فيه وهي أن ويكون محققاً ومؤكداً مباشراً، شخصياً، ويمس مصلحة يحميها القانون ، قابلاً للتقدير بالنقود.

الفرع الثالث : علاقة السببية

من القواعد المقررة لقيام المسؤولية الإدارية أنه لا يكفي توافر الخطأ والضرر، بل لابد من أن يكون الضرر ناجماً عن ذلك الخطأ ، أي لابد من علاقة سببية تربط بين الخطأ والضرر.

ويقع على عاتق المتضرر إثبات وجود هذه العلاقة[16] ولصعوبة تحديد نطاق ومضمون هذه العلاقة السببية فقد اختلف الفقه في تحديد هذه العلاقة ومضمونها وظهر نتيجه لذلك نظريات مختلفة أبرزها نظرية تعادل الاسباب ، ونظرية السبب المنتج .

وتقوم نظرية تعادل الأسباب على فرضاً معيناً مفاده وجود عدة من الأسباب متعادلة في قوتها أدت الى وقوع الضرر، أي أن كل سبب من هذه الاسباب قد ساهم في احداث الضرر[17]، ويكون لكل سبب ذات التأثير والقوة . وقد انتقدت هذه النظرية لصعوبة تحديد تأثير كل سبب ، ولصعوبة الجزم بتعادل قوة تأثير كل سبب .

أما نظرية السبب المنتج أو الفعال، أي أنه لا يكفي أن يكون الخطأ سابقاً على الضرر، بل يجب أن يكون هو السبب الفعّال والمباشر الذي أدى إليه منطقياً.

فتقوم هذه النظرية على التمييز بين نوعين من الأسباب ؛ الأسباب المنتجة والأسباب العارضة ، وبناء على هذه التفرقه فإن السبب المنتج هو الذي يعتد به أما السبب العارض فأنه لا يؤدي الى إحداث الضرر ولا يعتد به .

وقد أخذ القضاء الأردني بنظرية السبب المنتج في العديد من الأحكام ، ومن ذلك ما قضت به محكمة العدل العليا سابقاً بأنه وعند تعدد الأسباب المؤدية للنتيجة الضارة فإن كل سبب يكون مسؤولاً بنسبة نصيبه من هذه النتيجة … وحيث أن طبيعة السببية واحدة بحيث يكون الحادث الاخير هو المسبب للحالة المرضية والآلام الزائدة التي وقعت بعد 5/2/1995 مما يجعل المؤسسة ملزمة بدفع نفقات علاجه عن الفترة اللاحقة لتاريخ 5/2/1995 …”

المبحث الثاني

التعويض عن المسؤولية الإدارية

إن اختصاص المحاكم الإدارية في الأردن بنظر دعوى التعويض إلى جانب دعوى الإلغاء التي منحها اياها كلاً من قانون القضاء الإداري رقم 27 لسنة 2014 وقانون محكمة العدل العليا ر قم 12 لسنة 1992 (الملغي ) تفرض على الباحث تحليلها عبر مستويين متكاملين الأول إجرائي والثاني موضوعي .

فالجانب الإجرائي يمثل الهيكل التنظيمي للدعوى؛ فهو يحدد مفهوم دعوى التعويض وأهميتها وشروط قبولها، ومواعيد رفعها، والمسارات التي يمكن للمتضرر أن يسلكها للمطالبة بحقه.

أما الجانب الموضوعي، فيمثل قلب العملية القضائية، حيث ينتقل القاضي من فحص شكل الدعوى إلى فحص جوهرها، وفي هذا السياق، تبرز سلطته التقديرية في تحديد أركان المسؤولية، ومن ثم تقدير قيمة الضرر المستحق للجبر. وهي سلطة محورية تهدف إلى تحقيق التوازن الدقيق بين جبر ضرر الفرد وحماية المال العام.

وانطلاقاً من هذا ، سيتم تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين نناقش في الأول ماهية دعوى التعويض (مفهومها،خصائصه وشروطها)، ونوضح في المطلب الثاني التطور التاريخي للإختصاص القضائي لدعوى التعويض الإداري وفقاً للتشريعات الأرنية وسلطتها في تقدير التعويض .

المطلب الأول :ماهية دعوى التعويض

تقوم الإدارة وفي سبيل ممارستها لنشاطاتها بأعمال قانونية وأخرى مادية ، وقد ينجم عنها ضرر مادي أومعنوي يلحق بالأفراد مما يعطيهم الحق بالمطالبة بالتعويض، وقد بينا في المبحث الأول من هذه الدراسة أن الحاق الضرربالأفراد من قبل الإدارة يرتب مسؤولية إدارية على عاتقها مما يعطي الأفراد الحق في المطالبة بالتعويض من خلال دعوى ترفع أمام القضاء .

فما المقصود بدعوى التعويض ؟ وما هي شروط قبولها وما هي خصائصها ؟ هذا ما سنوضحه في هذا المطلب من خلال تقسيمه إلى فرعين نوضح في الأول مفهوم دعوى التعويض وخصائصها ونبين في الثاني الشروط الواجب توافرها للحكم بالتعويض .

الفرع الأول : مفهوم دعوى التعويض وخصائصها

تعرف دعوى التعويض بأنها “دعوى شخصية يتقدم بها المتضرر الى القضاء طالبا الحكم بتضمين الإدارة ما نتج عنها من أضرار نتيجة ممارستها لتصرفاتها”.

وتعرف بأنها ” الدعوى التي يرفعها أحد الاشخاص الى القضاء للمطالبة بتضمين ما أصابه من ضرر نتيجة تصرف الإدارة “[18].

تتمتاز دعوى التعويض بخصائص تميزها عن دعوى الالغاء ، ويمكننا اجمال هذه الخصائص بما يلي :

أولا ً: من حيث طبيعة كل منهما :حيث أن دعوى الإلغاء دعوى موضوعية تهدف الى حماية مبدأ المشروعية ، في حين نجد بأن دعوى التعويض شخصية تهدف الى حماية الحق الشخصي.[19]

وفي ذلك فقد قضت المحكمة الادارية بأنه “استقرالفقه والقضاء الاداري على أن دعوى الإلغاء ذات طبيعة موضوعية غير شخصية كأصل عام ، فهي دعوى مشروعية موضوعها الفصل في مدى موافقة القرار الإداري المطعون فيه لمجموعة القواعد القانونية …”[20]

ثانياً : من حيث هدف كل منهما :تهدف دعوى الإلغاء إلى حماية مبدأ المشروعية وبالنتيجة إلغاء القرار الإدار ي غير المشروع المطعون فيه ، في حين تهدف دعوى التعويض إلى إلزام الإدارة بتعويض المضرور عن الأضرار المادية والمعنوية التي أصابته جراء تصرف الإدارة غير المشروع.

ثالثاً : من حيث محل كل منهما: يكون محل دعوى الالغاء دائما قراراًادارياً نهائي ، أما دعوى التعويض فقد يكون محلها قراراً إدارياً او عقداً إداريا اوعملاً مادياً صادراً عن الإدارة فسبب ضرراً لطالب التعويض .

رابعاً : من حيث ميعاد كل منهما :تخضع دعوى الالغاء الى ميعاد قصير نسبياً لضمان استقرار المراكز القانونية ، وقد حدد هذا الميعاد بموجب المادة( 8/أ ) من قانون القضاء الإداري بستين يوما ً بشكل عام تبدأ من تاريخ العلم بالقرار الإداري وبإنتهاء هذه المدة يتحصن القرار ضد الطعن بالإلغاء .

أما ميعاد دعوى التعويض فلا تخضع لهذه المدة وإنما تخضع للمواعيد العادية المقررة في الدعاوى المدنية أي أن المدة تمتد مادام الحق الذي تستند إليه قائماً ،أي أن تحصين القرارالإداري ضد دعوى الإلغاء لا يحصنه ضد دعوى التعويض .[21]

وهذا ما اكدته محكمة العدل العليا حيث قضت بأن “طلبات التعويض عن القرارات والإجراءات المنصوص عليها في المادة 9/أ من قانون محكمة العدل العليا رقم 12لسنة 1992 لا تخضع لمدة الطعن بالقرار الإداري ، وعليه يكون الدفع بأن الدعوى مقامة بعد انقضاء المدة مستوجب للرد “[22]

كما أكدت على ذلك المحكمة الإدارية العليا حيث قضت بأنه :”إن دعوى التعويض الأصلية التي تقام استناداً لأحكام المادة (5/ب) من قانون القضاء الإداري هي دعوى مستقلة ومختلفة عن دعوى الإلغاء من حيث طبيعتها وشروط قبولها ومواعيد رفعها والطلبات فيها وأساسها القانوني …مما يترتب عليه عدم انطباق مدة الطعن بالإلغاء على دعوى التعويض الأصلية “.[23]

خامساً من حيث حجية كل منهما : يكتسب الحكم الصادر في دعوى الإلغاء حجية مطلقة قبل الكافة، في حين ان حجية دعوى التعويض نسبية تقتصر على أطراف الدعوى ولا تتعداها الى الغير حتى ولو صاحب مصلحة .

الفرع الثاني : شروط دعوى التعويض

في دعوى التعويض لا بد من توافر العديد من الشروط لقبولها وإلا ردت الدعوى ،ويمكننا إجمال هذه الشروط بثلاث مجموعات من الشروط ، الأولى تتعلق بالقرارالمطعون فيه والثانية تتعلق بالشخص رافع الدعوى ، والثالثة تتعلق بشرط الميعاد .

أما الشروط التي تتعلق بالقرار الإداري فهي أن يصدر القرا ر من جهة ادارية عامة و أن تكون سلطة وطنية لا أجنبية ، وأن يكون القرار مستمداً من القوانين والأنظمة ، وأن يكون القرار نهائياً يحدث أثرا ً . فقد قضت محكمة العدل العليا بأحد أحكامها أنه: ” يشترط لقبول الدعوى أمام محكمة العدل العليا أن يوجه الطعن ضد قرار إداري ، فإن لم يكن الطعن موجهأً ضد قرار إداري ،فأن محكمة العدل العليا لا تكون مختصة بنظر الدعوى.[24]

ويشترط في الطاعن (المستدعي ) العديد من الشروط منها أهلية التقاضي والصفة وهي المقدرة على المثول أمام القضاء ، والمصلحة اي أن يكون للطاعن فائدة مرجوه من رفع الدعوى ويشترط في المصلحة أن تكون شخصية ومباشرة ، وأن تكون مادية أو معنوية و أن تكون محققة أومحتملة وأن تكون مشروعة .

أما بالنسبة للشرط المتعلق بالميعاد فإنه يعد شرطا جوهرا لقبول دعوى التعويض حيث أن فوات الميعاد يؤدي الى تقادم الدعوى وبالتالي رد الدعوى شكلا لفوات الميعاد.

ويقسم التقادم المتعلق بدعوى التعويض الذي يطبق على المنازعات الادارية إلى تقادم طويل وهوالأصل العام يتحقق بمضي خمسة عشر عاماً . وتقادم قصير يعد إستثناء على الأصل العام .[25]

وقد أكدت محكمة العدل العليا على ذلك حيث قضت “إن مسؤولية الادارة عن القرارات الإدارية المخالفة للقانون لا تنسب إلى الفعل الضار المنصوص عليه في المادة (272) من القانون المدني التي اعتبرت مدة التقادم ثلا ث سنوات بالنسبة لدعوى الضمان الناشئة عن الفعل الضار …أنما تنتسب إلى المصدر الخامس من مصادر الالتزام وهو القانون باعتبار أن هذه القرارات هي تصرفات قانونية فلا تسقط مسآءلة الإدارة عنها عن طريق التعويض إلا بالتقادم العادي ، واستناداً إلى ذلك فلا تسقط دعوى التعويض عن الأضرار التي ترتبها القرارات الإدارية غير المشروعة إلا بمضي خمس عشرة سنة “.[26]

المطلب الثاني :التطور التاريخي للإختصاص القضائي لدعوى التعويض الإداري

مرّالاختصاص القضائي في الأردن بشأن نظر دعاوى التعويض الإداري بمراحل مختلفة ، حيث تميزت كل مرحلة بميزات مختلفة عن الأخرى ، ولفهم هذا الاختلاف سنقسم هذه المراحل الى مرحلتين رئيسيتن نبين في الأولى المرحلة التي لم يكن القضاء الإداري فيها مختصاً بنظر دعاوى التعويض ،ونناقش في الثانية المرحلة التي منح القضاء الإداري صلاحية نظر دعاوى التعويض.

الفرع الأول : التطور التاريخي للإختصاص القضائي لدعوى التعويض

شهد الاختصاص بنظر دعوى التعويض في الأردن تطور كبيرا ،حيث كان هذا الاختصاص منوطاً بالقضاء العادي فقط ،ثم شهد النظام القانوني الأردني في هذا المضمار تحولاً جذرياً بصدور قانون محكمة العدل العليا رقم 12 لسنة 1992 الذي أعطى للمحكمة الإدارية صلاحية نظر دعوى التعويض الى جانب دعوى الالغاء .

وعليه سنقسم هذا الفرع إلى مرحلتين ، نبين في الأولى الاختصاص القضائي لدعوى التعويض ما قبل صدور قانون محكمة العدل العليا رقم 12 لسنة 1992 ، ونبين في الثانية الاختصاص القضائي لدعوى التعويض ما بعد صدور قانون محكمة العدل العليا رقم 12 لسنة 1992 .

اولاً : مرحلة ما قبل صد ور قانون محكمة العدل العليا رقم (12) لسنة 1992

صدر الدستورالأردني لعام 1952 ونص في المادة (100) على أنه “تعين أنواع المحاكم ودرجاتها وأقسامها واختصاصاتها وكيفية إدارتها بقانون خاص على أن ينص هذا القانون على إنشاء محكمة عدل عليا”.

وسنداً لهذا النص صدر قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم (26) لسنة 1952 وبموجبه أعطي لمحكمة التمييز صلاحية نظر الدعاوى الإدارية بصفتها عدل عليا وكان إختصاصها مقصور على إلغاء القرارات المعيبة دون أي صلاحية بنظر دعاوى التعويض.

ثم صدر قانون محكمة العدل العليا المؤقت رقم (11) لسنة 1989 محققاً بذلك استقلالاً عن القضاء العادي ، إلا أنه أبقى اختصاص المحكمة مقصوراً على إلغاء القرارات المعيبة دون النظر في دعاوى التعويض .

وبذا فإن الاختصاص بنظر منازعات التعويض الإداري عن الأضرار التي تلحق بالأفراد من قبل الإدارة قبل صدور قانون محكمة العدل العليا المؤقت سابق الذكر وبعده كان معقوداً للقضاء العادي ،حيث كان اختصاص محمكة العدل العليا مقصوراً على رقابة المشروعية للتأكد من خلوالقرار من العيوب وتنتهي مهمتها هنا ، حيث كانت يدها مغلولة عن الحكم بالتعويض ، مما يعني أن المتضرر من القرار الإداري عليه عبور مساريين منفصلين الأول رفع دعوى الإلغاء أمام محكمة العدل العليا لإلغاء القرار المعيب والثاني اللجوء إلى القضاء العادي للمطالبة بالتعويض .

ثانياً : مرحلة ما بعد صدور قانون محكمة العدل العليا رقم (12) لسنة 1992

صدر قانون محكمة العدل العليا رقم (12) لسنة 1992 الذي حل محل القانون السابق، محدثاً نقلة نوعية تميزت بمنح محكمة العدل العليا ولأول مرة صلاحية النظر في منازعات التعوض عن القرارات الإدارية النهائية التي تلحق ضرراً بالأفراد .

فقد نصت المادة (9/ب) منه على أنه ” تختص المحكمة في طلبات التعويض عن القرارات والإجراءات المنصوص عليها في الفقرة (أ) السابقة من هذه المادة سواء رفعت إليها بصفة أصلية أو تبعية ”

من خلال هذا النص نجد بأن تطوراً كبيرا ًطال الاختصاص بنظر منازعات التعويض الإداري حيث منحت محكمة العدل العليا صلاحية النظر في منازعات التعويض سواء رفعت بصفة أصلية أو تبعية لدعوى الإلغاء .

وبذا فقد فتح هذا النص أمام المتقاضي أفاقاً مرنة للحصول على التعويض حيث يملك الخيار في المطالبة

بالتعو يض أمام محكمة العدل العليا بصفة مستقلة أو تبعاً لدعوى الإلغاء.

ثم جاء قانون القضاء الإداري رقم (27) لسنة 2014 وبموجبه حلت المحكمة الإدارية محل محكمة العدل العليا بنظر دعاوى الإلغاء ومنازعات التعويض الإداري حيث نصت المادة (5/ب) منه على أنه ” تختص المحكمة الإدارية بالنظر في طلبات التعويض عن الأضرار اللاحقة نتيجة القرارات والإجرات المنصوص عليها في الفقرة (أ) من هذه المادة إذا رفعت إليها تبعاً لدعوى الإلغاء ”

من خلال هذا النص نجد أن المشرع الإداري قد قيد المتضرر للمطالبة بالتعويض بأن يرفع هذه الدعوى تبعاً لدعوى الإلغاء.

وبإمعان النظر بنص المادة 5/ب المذكورة أعلاه نجد أنها توحي بأن المحكمة الإدارية اصبحت صاحبة الولاية دون غيرها بنظر دعاوى التعويض الإداري عن الأضرار التي تلحق بالأفراد .[27]

الإ أن محكمة التمييز كانت وفي حكم لها في ظل قانون محكمة العدل العليا رقم (12) لسنة 1992 ترى خلاف ذلك ، حيث ترى أن الإختصاص أصبح مشتركاً لجهتي القضاء العادي والإداري فقد قضت بأنه “حيث أن المحاكم العادية كانت في الأصل صاحبة الاختصاص الوحيد بقضاء التعويض إلى أن صدر قانون محكمة العدل العليا وعمل به، والذي نصت المادة 9/ب منه على اختصاص محكمة العدل العليا بنظر طلبات التعويض عن الأضرارالتي يسببها القرار الإداري مما يعني أن الاختصاص بنظر دعاوى التعويض عن الأضرار الناشئة عن القرارات الإدارية أصبح مشتركاً بين جهتي القضاء العادي والإداري ، وأن للمدعي الخيار بين أن يلجأ إلى إحدى الجهتين ، بحيث إذا لجأ إلى إحداها أصبحت هي المختصة وامتنع عليه اللجوء إلى الجهة الأخرى…”.[28]

الفرع الثاني :سلطة القاضي في تقدير التعويض عن الضرر

يقدر التعويض في المنازعات الإدارية وفقاً لذات القواعد والأسس التي يخضع لها التعويض في المنازعات المدنية ، فقد قضت محكمة التمييز في أحد احكامها بأنه “…عند تقدير التعويض عن الضرر الذي ينشأ عن الخطأ الإداري يتعين الاسترشاد بالقواعد المدنية الخاصة بالتقدير مع مراعاة ما تقتضيه الروابط الإدارية من أوضاع …” .[29]

ويرد العديد من القواعد والأسس التي يتعين على القاضي الإداري الالتزام بها عند تقدره للتعويض ،

حيث يجب أن يكون التعويض شاملاً للضرر المادي والمعنوي ،كما أنه يجب على القاضي عند تقديره للتعويض أن يتقيد بطلبات المضرور، فلا يتجاوز قيمة التعويض ما طلبه المضرور.

وعلى القاضي أن يراعي التناسب بين قيمة التعويض والضررالي لحق بالمضرور، مع مراعاة أن يكون تقدير التعويض بيوم صدور الحكم لا بيوم وقوع الضرر.

وقد بينت المادة (266) من القانون المدني الأردني قاعدة هامه لتقدير التعويض فقد نصت على أنه “يقدر الضمان في جميع الأحوال بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب بشرط أن يكون ذلك نتيجحة طبيعية للفعل الضار ”

يعدّ هذا النص القاعدة العامة التي يسترشد بها القاضي عند تقدير للتعويض الإداري، واستناداً لهذا النص فإن مقدار التعويض يحدد وفقاً للخسارة التي لحقت بالمضرور وتشتمل هذه على كل ما تحمله المتضرر من تكاليف وما فاته من قيمة ،بالاضافة إلى وما فاته من كسب أي ما فاته من ربح مؤكد أو الراجح أنه سيتحقق لولا وقوع الخطأ من الإدارة .

أما عن الرسوم التي يجب أن يدفعها طالب التعويض تقدر وفقاً لأحكام قانون أصول المحاكمات المدنية ،

حيث نصت المادة 38/ج من قانون القضاء الإداري على أنه ” تستوفى عن المطالبة بالتعويض الرسوم المقررة في نظام رسوم المحاكم ويتم تقدير قيمة الدعوى في هذه الحالة وفقاً لأحكام قانون أصول المحاكمات المدنية “.

الخاتمة

تعتبر دعوى التعويض عن أعمال الإدارة الضارة ، حجر الزاوية في صرح الدولة القانونية ، وهي الترجمة العملية لمبدأ “خضوع الإدارة للقانون”ومسآءلتها عن أفعالها . فهي تمثل الإنتقال من مفهوم الدولة صاحبة السيادة غير القابلة للمسآءلة إلى مفهوم الدولة المسؤولة الملزمة بجبر الأضرار التي تلحقها بالأفراد .

بناءاً على ما تم بحثه وتحليله في هذه الدراسة حول ماهية مسؤولية الإدارة عن أعمالها و ماهية التعويض عن الضرر الناتج عن هذه الأعمال في ضوء القضاء الإداري الأردني ، توصلت الدراسة إلى العديد من النتائج والتوصيات يمكننا ايجازها بما يلي :

النتائج

– يعد قانون محكمة العدل العليا رقم (12) لسنة 1992 نقطة تحول محورية ، حيث سمح برفع دعوى التعويض أمام المحكمة الإدارية – محكمة العدل العليا في ذلك الوقت – بدعوى أصلية أو تبعية .

– جاء قانون القضاء الإداري رقم (27) لسنة 2014 ،وبموجبه حلت المحاكم الإدارية محكمة العدل العليا ، وسمح برفع دعوى التعويض أمامها إذا رفعت تبعاً لدعوى الإلغاء .

– اعتد القضاء الإدا ري الأردني في البدايات بالخطأ الجسيم لقبول تقرير المسؤولية الإدارية .

– إن منح القضاء الإداري صلاحية نظر دعاوى التعويض لا يعني حرمان القضاء العادي من هذا الإختصاص ، أي أن الإختصاص أصبح مشتركاً لجهتي القضاء العادي والإدار ي .

– اتجه القضاء الإداري الأردني في بداياته نحو عدم مسآءلة ألإدارة العامة .

– لا يزال أساس المسؤولية الإدارية قائماً على نظرية الخطأ مع وجود تردد قضائي في تبني نظرية المسؤولية دون خطأ إي المسؤولية على أساس المخاطر .

– هناك عدم استقرار في المعايير القضائية للتفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي .

– تؤدي السلطة التقديرية الواسعة للقاضي الإداري إلى تباين ملحوظ في في تقدير التعويضات خاصة في مجال الضرر المعنوي والكسب الفائت .

التوصيات

– توصي الدراسة بضرورة تطوير أحكام المسؤولية الإدارية للمحافظة على حقوق الأفراد من الهدر والضياع .

– توصي الدراسة بالنص صراحة على الحالات التي تقوم بها مسؤولية الإدارة دون خطأ لعدم تباين الاجتهادات القضائية .

– وضع قواعد استرشادية لتقدير التعويض عن الضرر المعنوي لتوحيد الاجتهاد القضائي .

– التوسع وعدم التردد بإقرار المسؤولية على أساس المخاطر حفاظاً على حقوق الأفراد ومنعاً لاهدارها .

– وضع معايير استرشادية للتفرقة بين الخطأ الشخصي و الخطأ المر فقي .

قائمة المراجع

– أبو العثم ،فهد،2005،القضاء الإداري بين النظرية والتطبيق ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، الأردن .

-أبو رأس ، محمد الشافعي ، القضاء الاداري ، ، مكتبة النصر ، الزقازيق ، مصر .

– أبو الهوى ، نداء ،2010، مسؤولية الإدار ة بالتعويض عن القرارات الإدارية غير المشروعة ،رسالة ماجستير ،جامعة الشرق الأوسط.

– جبال ، محمد ، 2018، دعوى التعويض عن أضرارالأعمال المادية للإدارة، رسالة ماجستير ،جامعة محمد بوضياف ،المسيلة ،الجزائر .

– خليل ، محسن ، 1992،قضاء الإلغاء والتعويض ، مطبعة التوني ، الإسكندرية .

– الحلو ،راغب ،1999،الدعاوى الإدارية ، منشأة المعارف ، الإسكندرية .

– ساري ،جورجي شفيق ،2002، مسؤولية الدولة عن أعمال سلطتها – قضاء التعويض – ط6، دار النهضة العربية .

– الشرقاوي ، سعاد ،1972، المسؤولية الإدارية ،ط2 ، دار المعارف ، مصر.

– الشطناوي ،علي خطار ،2008،مسؤولية الإدارة العامة عن أعمالها الضارة ، ط1، عمان ،دار وائل للنشر .

– الطبخ ،شريف ،2006،التعويض الإداري في ضوء الفقه والقضاء وأحكام المحكمة الإدارية ،دار الفكر الجامعي ، القاهرة .

– الطراونة ،أماني ،2025، دعوى التعويض عن المسؤولية الإدارية (دراسة تحليلية في القانون الأردني )،مجلة روح القانون ،العدد 110، الجزء الثاني .

– الطماوي ، سليمان ،1979 ،مبادي القانون الإداري ،دار الفكرالعربي.

– العطار ،فؤاد ،1976 ،القضاء الإداري ، دار النهضة العربية ، القاهرة .

– علاء الدين ، مانع ،2020،مسؤولية الإدارة عن أعمالها غيرالتعاقدية ، رسالة ماجستير ،

جامعة زيان عاشور ،الجزائر .

– القبيلات ،حمدي ، 2022، الوسيط في القضاء الإداري ، دار الثقافة للنشروالتوزيع ، عمان ، الأردن .

-. قرناش ، جمال ،2016، طبيعة التعويض في المسؤولية الإدارية ، مجلة الدراسات القانونية المقارنة ، المجلد الثاني ، العدد الأول الجزائر .

– النداوي ، آدم و حافظ ،هشام ،2014،تاريخ القانون ،مكتبة السنهوري ،عُمان.

القوانين والمجلات الدورية

– الدستور الأردني لسنة 1952

– القانون المدني الأردني رقم 43 لسنة 1976

– قانون القضاء الإداري رقم 27 لسنة 2014

– قانون محكمة العدل العليا المؤقت رقم 11 لسنة 1989

– قانون محكمة العدل العليا رقم 12 لسنة 1992

– قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني الحالي

– قانون تشكيل المحاكم النظامية الأردني- مجلة نقابة المحامين الأردنيين

المواقع الالكترونية

– منشورات مركز عدالة

– منشورات قسطاس

-منشورات قرارك

  1. قرناش، جمال، 2016، طبيعة التعويض في المسؤولية الإدارية، مجلة الدراسات القانونية المقارنة، المجلد الثاني، العدد الأول، الجزائر، ص227.
  2. العطار، فؤاد، 1976، القضاء الإداري، دار النهضة العربية، القاهرة، ص697.
  3. الشرقاوي، سعاد، 1972، المسؤولية الإدارية، ط2، دار المعارف، مصر، ص99.
  4. النداوي، آدم وحافظ، هشام، 2014، تاريخ القانون، مكتبة السنهوري، عُمان، ص8.
  5. الطماوي، سليمان، 1979، مبادئ القانون الإداري، دار الفكر العربي.
  6. أبو راس، محمد الشافعي، القضاء الإداري، مكتبة النصر، الزقازيق، مصر، ص326.
  7. خليل، محسن، 1992، قضاء الإلغاء والتعويض، مطبعة التوني، الإسكندرية، ص262.
  8. ساري، جورجي شفيق، 2002، مسؤولية الدولة عن اعمال سلطتها – قضاء التعويض -ط6، دار النهضة العربية، ص196.
  9. عدل عليا، قرار رقم 101/1993، تاريخ 29/6/1993، منشورات موقع عدالة.
  10. عدل عليا، قرار رقم 91/1995، تاريخ 22/10/1995 منشورات موقع عدالة.
  11. الشطناوي، علي خطار، 2008، مسؤولية الإدارة العامة عن اعمالها الضارة، ط1، عمان، دار وائل للنشر، ص177.
  12. عدل عليا، قرار رقم 158/2009، تاريخ 26/4/2010، منشورات موقع قرارك.
  13. الطراونة، أماني، 2025، دعوى التعويض عن المسؤولية الإدارية (دراسة تحليلية في القانون الأردني)، مجلة روح القانون، العدد110، الجزء الثاني.
  14. عدل عليا، قرار رقم 30/1997، فصل 1/1/1997، مجلة نقابة المحامين الأردنيين، لسنة 1997، العدد الأول.
  15. الطماوي، 1984، ص291.
  16. علاء الدين، مانع، 2020، مسؤولية الإدارة عن أعمالها غير التعاقدية، رسالة ماجستير، جامعة زيان عاشور، الجزائر.
  17. جبال، محمد، 2018، دعوى التعويض عن أضرار الأعمال المادية للإدارة، رسالة ماجستير، جامعة محمد بوضياف، المسيلة، الجزائر.
  18. الطبخ ،شريف ،2006،التعويض الإداري في ضوء الفقه والقضاء وأحكام المحكمة الإدارية ،دار الفكر الجامعي ، القاهرة ، ص5.
  19. القبيلات ،حمدي ، 2022، الوسيط في القضاء الإداري ، دار الثقافة للنشروالتوزيع ، عمان ، الأردن ، ص210
  20. محكمة ادارية ،قرار رقم 155/2014 ، تاريخ 15/2/2015 ، قسطاس .
  21. القبيلات ،حمدي ،مرجع سابق ،ص 212.
  22. عدل عليا ، قرار رقم 140/1994 ، مجلة نقابة المحامين لسنة 1995 ، العدد 4، ص619.
  23. – إدارية عليا ، قراررقم ،98/2018 ،تاريخ 15/5/2018 ، قسطاس .
  24. أبو الهوى ، نداء ،2010، مسؤولية الإدار ة بالتعويض عن القرارات الإدارية غير المشروعة ،رسالة ماجستير ،جامعة الشرق الأوسط. ص 58
  25. عدل عليا ،قرار رقم 366/1994 ، مجلة نقابة المحامين الأردنيين ،العدد8،7 ،ص1827.
  26. القبيلات ،مرجع سابق ،ص218.
  27. عدل عليا ،قرار رقم 3422/2002 فصل 3/2/2003، مجلة نقابة المحامين ، العدد 7، ص 1612
  28. تمييز حقوق رقم ،246/1977 ، تاريخ 14/8/1977 ، منشورات مركز عدالة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى