في الواجهةمقالات قانونية

نحو تنظيم واقعة التسجيل الصوتي كدليل إثبات في الدعاوي المدنية دراسة مقارنة الدكتورة لبنى أسامة علي قعدان

نحو تنظيم واقعة التسجيل الصوتي كدليل إثبات في الدعاوي المدنية دراسة مقارنة

Towards regulating the incident of sound recording as evidence in civil lawsuits (Comparative study)

الدكتورة لبنى أسامة علي قعدان

محاضر غير متفرغ باحثة قانونية/ نقابة المحامين الأردنيين المملكة الأردنية الهاشمية

هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 59 الخاص بشهر غشت / شتنبر 2025

رابط تسجيل الاصدار في DOI

https://doi.org/10.63585/KWIZ8576

للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665

نحو تنظيم واقعة التسجيل الصوتي كدليل إثبات في الدعاوي المدنية دراسة مقارنة

Towards regulating the incident of sound recording as evidence in civil lawsuits (Comparative study)

الدكتورة لبنى أسامة علي قعدان

محاضر غير متفرغ باحثة قانونية/ نقابة المحامين الأردنيين المملكة الأردنية الهاشمية

الملخص

يتعبر الاثبات من الدراسات البحثية التي تعرضت لها مجمل التشريعات والاتجاهات الفقهية في نطاق القانون، ونظراً لارتباط الإثبات في موضوع الحق الأمر الذي أدى إلى إعلاء موضوع الإثبات في مجال العلوم القانونية مما كان له الأثر في اختيار أحد الوسائل المستحدثة المسماة بالتسجيلات الصوتية التي جاءت نتاجاً لتطور وسائل الاتصال الرقمية بحيث تسهل هذه الوسيلة إثبات الحقوق في ظروف قد لا تتوافر لها الوسائل الأخرى، و التي انتشرت بسبب تطور وسائل الاتصال الذي يؤدي إلى حفظ الوقائع والحوادث التي تصدر عن الأشخاص، ومع ذلك هناك الكثير من الدول رفضت الأخذ به لأنه يتعارض مع الحريات الشخصية، ولكن هذا المنع ليس مطلقاً إنما أجيز في بعض التشريعات لهذه الدول ومنع في تشريعات أخرى إلا بقرار من المحكمة أو موافقة أطراف النزاع.

ويتناول هذا البحث مشروعية اعتماد التسجيلات الصوتية كوسيلة إثبات في الدعاوى المدنية، في ظل غياب نص صريح ينظمها ضمن قانون البينات الأردني، وبما لا يتعارض مع ما قرره الدستور الأردني من صون للحرية الشخصية وحرمة المراسلات والاتصالات بموجب المادة (18) منه. حيث اعتمدت الباحثة المنهج المقارن لتحليل موقف التشريعات التي أجازت التسجيل الصوتي كدليل، كالقانونين السوداني والهندي، مقابل تشريعات تحفظت عليه حمايةً للخصوصية. وتخلص الدراسة إلى أن القضاء الأردني قد أخذ بالتسجيل الصوتي ضمن سلطته التقديرية، خصوصًا في المعاملات التجارية، رغم غياب تنظيم تشريعي صريح. وتوصي الباحثة بتعديل المادة (2) من قانون البينات الأردني لجهة إدراج التسجيل الصوتي كوسيلة إثبات، مع وضع ضوابط توازن بين مقتضيات الإثبات وحماية الحياة الخاصة، التزامًا بأحكام الدستور وضمانات المحاكمة العادلة.

Abstract

Evidence is one of the core legal subjects addressed by various legislations and jurisprudential approaches, given its intrinsic link to the establishment of rights. With the advancement of digital communication technologies, audio recordings have emerged as a modern evidentiary tool capable of preserving facts and events in situations where traditional means may not be available. Despite their growing prevalence, many jurisdictions have rejected the use of such recordings due to concerns over personal freedoms. However, this rejection is not absolute, as some legal systems permit their use under judicial authorization or with the consent of the parties involved.

This research examines the legal admissibility of audio recordings as evidence in civil proceedings, in the absence of explicit regulation under the Jordanian Evidence Law, and in light of constitutional guarantees of personal freedom and the privacy of communications under Article (18) of the Jordanian Constitution. Relying on a comparative methodology, the study analyzes jurisdictions that recognize audio recordings as admissible evidence, such as Sudan and India, contrasted with others that restrict their use. The study concludes that Jordanian courts have, in practice, admitted such recordings under judicial discretion, particularly in commercial cases. It recommends amending Article (2) of the Jordanian Evidence Law to formally include audio recordings as a means of proof, subject to safeguards that ensure a balance between evidentiary integrity and the protection of private life, in accordance with constitutional principles and fair trial guarantees.

المقدمة

أصبحت التسجيلات الصوتية أدوات حفظ وتوثيق على درجة من الأهمية في ضوء التطورات الرقمية المتسارعة، استناداً لآلية عملها في التقاط وتسجيل المحادثات الرسمية وغير الرسمية، وبالرغم من ازدياد انتشارها إلا أن موثوقيتها وقبولها كدليل اثبات يواجه معوقات واشكاليات من حيث الاعتراف بها وتنظيمها من قبل المشرع المدني.

وتكتسب هذه الدراسة أهميتها من خلال ما توصل إليه أدوات التسجيل الصوتي باعتبارها من وسائل الإثبات الحاسمة للتحقق من صحة الادعاءات أو الاعتراض عليها، من خلال تحديد الزمان والمكان ومحتوى المحادثات بشكل لا لبس فيها بين الخصوم، بالإضافة إلى سهولة التقاط هذه التسجيلات وتخزينها واسترجاعها مما يعزز مكانتها كبينة قانونية ووسيلة إثبات بعد ثبوت صحتها وموثوقيتها أمام المحاكم المختصة.

ويهدف البحث إلى بيان ماهية التسجيلات الصوتية ومدى إمكانية اعتبارها كبنية أساسية في الدعوى، والأثر القانوني المترتب عليها بالرغم من خلو التشريع الأردني من اعتبارها بينة وفقاً للمادة (2) من قانون البينات الأردني واقتراح أن تصبح أحد وسائل الاثبات اقتداء بالقوانين المقارنة.

ولدى توافر العديد من مشكلات الدراسة التي شكلت أساسا لاختيار البحث بهذا الموضوع والتي من أهمها: تطور وسائل التسجيل ذاتها وقدرتها على حفظ البيانات وعدم العبث بها، ومن جانب آخر احجام المشرعين عن اعتمادها كبينة والأخذ بنتائجها.

ولإستكمال البحث اتبعت الباحثة المنهج الوصفي والمنهج المقارن في وصف وتحليل النصوص القانونية ذات العلاقة، وما يتعلق بمدى اعتبار التسجيل الصوتي كبنية في الدعوى، للوصول إلى إمكانية توصية المشرع بالأخذ بهذه الوسيلة لما لها من دور في كشف الحقائف الموصلة لعدالة التقاضي.

ولبحث موضوع الدراسة ارتاينا تقسيمه الى مبحثين: الأول، ماهية التسجيل الصوتي.والمبحث الثاني: الإطار القانوني والتحديات لاستخدام التسجيل الصوتي.

المبحث الأول

ماهية التسجيل الصوتي

تعتبر التسجيلات الصوتية من أهم أدلة الإثبات مقارنة بالأدلة الأخرى مثل المستندات الكتابية أو شهادة الشهود، حيث تُمكّن التسجيلات الصوتية من التقاط المحادثات والإحداث بدقة وموثوقية أكبر من الذاكرة البشرية، بالإضافة إلى توفيرها سجلاً موضوعياً للأحداث لاستخدامها كقرينة في الدعوى، وعليه لا بد من بيان مفهوم التسجيل الصوتي وطبيعته القانونية من خلال المطلبين التاليين:

المطلب الأول: مفهوم التسجيل الصوتي في الإثبات.

المطلب الثاني: طبيعة التسجيل الصوتي كوسيلة إثبات.

المطلب الأول

مفهوم التسجيل الصوتي في الإثبات

مع ظهور التقنيات الحديثة ووسائل الاتصالات ظهرت العديد من صور التعاملات التي أصبحت حالة واقعية تتطلب تدخل المشرع وتنظيم أحكامها بصورة تتوافق مع حماية المصالح العامة والفردية، فالتسجيلات الصوتي إحدى هذه الصور التي انتشرت مع انتشار التقنيات الحديثة مثل الأجهزة الخلوية التي أصبحت بمتناول الجميع وسهلت عملية إجراء تسجيل المكالمات أو تسجيل المحادثات بين الأفراد. وللوقوف على مفهوم التسجيل الصوتي فإنه سيتم تعريفه كأداة للإثبات والوسائل المستخدمة في التسجيل.

الفرع الأول

تعريف التسجيل الصوتي

يعرف التسجيل الصوتي بأنه: “التسجيل الذي يتم إجراؤه على أي قرص أو شريط أو أي جهاز آخر يتم تسجيل الأصوات عليه بحيث يمكن إعادة إنتاجه”، ويعرف أيضاً بأنه: “أي تسجيل يتم بواسطة جهاز أو نظام إلكتروني قادر على تسجيل الصوت ويتضمن ذلك التسجيلات التي يتم إجراؤها بواسطة كاميرا الفيديو أو مسجل الكاسيت أو شريط الصوت الرقمي أو الهاتف المحمول أو أي جهاز آخر يمكن استخدامه لتسجيل محادثة أو كلمات منطوقة ثم تخزينها أو بأي تنسيق آخر يمكن الوصول إليه (USB) أو (CD)([1]).

فالتسجيل الصوتي هو التسجيل الذي يتم إجراؤه وحفظه بأي جهاز سواء كان تقليدي أو رقمي والغاية منه تكون لحفظ واقعة أو حدث صادرة من شخص معين عن طريق تسجيل ما يصدر عنه من حديث صوتي متعلق بالموضوع المراد إثباته لاحقاً سواء كان أمام القضاء أو غيره.

الفرع الثاني

طرق التسجيل الصوتي

يتم إجراء التسجيل الصوتي بعدة طرق فمن خلال تعريفه فإنه يتم بأحد الطرق التالية:

أولاً: الطرق التقليدية.

وهو ما يعرف بتقنيات التسجيل التناظرية مثل مسجلات الأشرطة والكاسيت، وهذه الطريقة كانت شائعة في الماضي، حيث تلتقط الأجهزة الموجات الصوتية على أشرطة مغناطيسية ثم يتم تحويل الموجات الصوتية إلى إشارات كهربائية وطباعتها مغناطيسياً على الشريط([2])، فقد كانت هذه التسجيلات متوفرة بشكل واسع وسهلة الاستخدام إلا أن عيوبها كانت تعرضها للتلف مع مرور الوقت ومحدودية دقة الصوت وتداخل الضوضاء مع تسجيل الصوت، ثم ظهرت مسجلات الأقراص الصغيرة، التي تستخدم مسجلات الأقراص الصغيرة قرصاً مغناطيسياً ضوئياً لتخزين البيانات الصوتية الرقمية، حيث يتم تسجيل الصوت وقراءته بالليزر على قرص ضوئي صغير([3]).

ثانياً: التسجيل بالطرق الحديثة:

ظهر التسجيل الصوتي بالطرق الحديثة مع ظهور التقنيات الحديثة الذكية، حيث تتم عملية التسجيل بواسطة برامج الكترونية كما في الهواتف النقالة([4])، حيث أحدثت السجلات الرقمية ثورة في التسجيل الصوتي حيث يتم التقاط الإشارات الصوتية وتحويلها إلى بيانات رقمية، وتمتاز هذه التسجيلات بالدقة والوضوح ومنها:

  • الهواتف الذكية والتطبيقات الذكية فيها، حيث يتم التسجيل بسهولة عن طريق الميكروفونات المدمجة بالجهاز ويتم حفظها فيه مما يسهل عملية الوصول إليها ومشاركتها مع الاحتفاظ بها بجودة عالية ودقة([5]).
  • أو التسجيل الصوتي من قبل الشركات مقدمة الخدمة([6]).

المطلب الثاني

طبيعة التسجيل الصوتي والاعتبارات القانونية في الإثبات

تختلف طبيعة التسجيل الصوتي في الإثبات وفقاً للتشريعات ومدى اعتباره كوسيلة إثبات أم لا حيث تأخذ بعض التشريعات بالتسجيل الصوتي كدليل إثبات في الدعوى باعتباره دليلاً قوياً يممكن استخدامه لإثبات الحقائق كما في قانون الإثبات السوداني رقم 31 لسنة 1994 الذي نص في المادة (43): “1) المستندات العادية هي الأوراق المثبت بها واقعة وموقعة بإمضاء الشخص الذي يحتج بها أو بختمة أو بصمة إصبعه، 2) تعتبر البيانات المسجلة بطريقة الصوت أو الصورة مستندات عادية”.

كما أخذت دولة الهند بالتسجيل الصوتي عندما دخل قانون تكنولوجيا المعلومات لعام 2000 حيز التنفيذ حيث جاءت المادة (2/ر) من نفس القانون بأن “التسجيل الإلكتروني” أو التسجيل أو البيانات التي تم إنشاؤها أو الصورة أو الصوت المخزن أو المستلم أو المرسل في شكل إلكتروني أو ميكروفيلم أو….” وعدلت المادة (92) من قانون تكنولوجيا المعلومات في تعريف الدليل الواردة في المادة (3) من قانون الإثبات الهندي لتصبح “الدليل يعني ويتضمن الإفادات…. والوثائق بما فيها السجلات الإلكترونية المقدمة للمحكمة وتسمى هذه الوثائق الأدلة الوثائقية وأن المعلومات المخزنة على الأجهزة المغناطيسية أو الإلكترونية تعامل كأنها أدلة مستندية وفقاً للمقصود بالمادة (3) من قانون الإثبات([7]): كما أخذت مقاطعة كيبك الكندية بالتسجيل الصوتي كمستند إلكتروني وفق ما جاء بالمادة (2874) من القانون المدني، حيث يجوز إثبات البيان الذي تم تسجيله على شريط ممغنط أو بواسطة تقنية تسجيل أخرى موثوقة بشرط وجود دليل منفصل يثبت صحته، ومع ذلك يكون التسجيل الصوتي مستنداً إلكترونياً بالمعنى المقصود به في قانون تكنولوجيا المعلومات([8]).

واستناداً إلى الدول التي أخذت بالتسجيل الصوتي في تشريعها مثل الهند والسودان وكيبيك الكندية فإنه يعتبر دليلاً كاملاً يتم قبوله كدليل إثبات للواقعة محل النزاع، فإن طبيعته وفق هذه التشريعات يأخذ حكم وحجية الدليل الكتابي في الإثبات ولا يمكن اعتباره دليلاً ناقصاً أو عدم الأخذ به.

وخلافاً لذلك، فإن بعض التشريعات قبل التشريع الأردني والأمريكي والتشريعات العربية لم تأخذ بالتسجيل الصوتي كوسيلة إثبات بالرغم من اعترافها بالتقنيات الحديثة والمستخرجات منها على حجيتها كمستند عادي([9])، فالتشريعات التي لم تأخذ به في الإثبات المدني باعتباره وسيلة فإنها تكون أخرجته من وسائل الإثبات وأفقدته حجيته القانونية أمام القضاء.

أما في المحكمة المتحدة فإنه يسمح بالتسجيلات الصوتية في المحكمة كدليل ضمن ضوابط معينة وأهم ضابط هو أن يكون التسجيل الصوتي ذا صلة مباشرة ومنتجاً بالدعوى مع ضمان الخصوصية والطريقة التي يتم بها التسجيل حيث يخضع لسلطة القاضي التقديرية في تقييم مقبولية التسجيل الصوتي بعد التثبت من صحته والظروف المرتبة لإثباتها في الدعوى([10]).

وعليه، فإن الدول التي أخذت بالتسجيل الصوتي كدليل إثبات في الدعوى المدنية إما أن يكون على إطلاقه كما في الهند والسودان ومقاطعة كيبيك أو أن يكون مقيدًا كما في المملكة المتحدة، فسواء كان مطلقاً أو مقيدًا باعتباره دليل فإنه يأتي بالأهمية في إثبات الحق المدعى به بكافة طرق الإثبات ومنها التسجيل الصوتي الذي يعتبر دليل ذات أهمية كغيره من أدلة الإثبات ويأخذ حجيته كالمستند الكتابي والسندات العادية.

وكانت مبررات الدول التي لم تعتبره من وسائل الإثبات باعتباره انتهاك لخصوصية الأفراد وحريتهم المصونة كما جاء النص عليها في الدستور الأردني في المادة (7) على أن: “الحرية الشخصية مصونة” والمادة (18) على أن: “تعتبر جميع المراسلات البريدية والمخاطبات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال سرية لا تخضع للمراقبة أو الاطلاع أو التوقيف أو المصادرة إلا بأمر قضائي وفق أحكام القانون”([11])، بمعنى أن حصول الجهة المدعية على أية مراسلات أو مخاطبات هاتفية للاستعانة بها كدليل إثبات غير مقبول نهائياً واستثناء من ذلك يمكن الحصول على تلك المخاطبات الهاتفية بناء ًعلى طلب يقدم لدى القضاء المختص لاستصدار قرار قضائي يتضمن الحصول على تلك المخاطبات في حدود موضوع الدعوى وإلا أصبحت الإجراءات مخالفة لأحكام الدستور تحت بطلان الدليل وعدم الإرتكان إليه والأخذ بنتائجه وهذا الاختلاف بين التشريعات أوجد الخلاف بين الفقه في تحديد طبيعتها، واستندًا إلى ما سبق فإن وما اتجهت إليه الدول في تشريع قانون الإثبات فإن طبيعته تختلف باختلاف اعتباره وسيلة إثبات أم لا.

ففي حالة الأخذ به كوسيلة إثبات فإن القانون المعني يكون قد حسم طبيعتها كغيرها من وسائل الإثبات، أما الدول التي لم تأخذ به كوسيلة إثبات فإن طبيعته تنقسم إلى نوعين:

النوع الأول: عدم الأخذ به بأي شكل من الأشكال في إثبات الوقائع في الدعوى المنظورة أمام القضاء، فالمشرع يكون قد حسم النزاع لجهة عدم الاعتراف به كدليل إثبات لانتهاك الخصوصية والحرية الفردية واستبعاده في حال تقديم التسجيل الصوتي كدليل في الدعوى.

النوع الثاني: وهو عدم الأخذ بالتسجيل الصوتي كدليل إثبات إلا أنه يتم الاستعانة به إذا كان هناك دليل آخر يدعمه وفق شروط وضوابط قانونية ويترك أمر الأخذ به لسلطة القاضي التقديرية عند وزن البينة، وهذا ما أخذ به المشرع الأردني استناداً لنص المادة (18) من الدستور الأردني عندما قيد المراسلات والمخاطبات الهاتفية للاطلاع عليها بأمر قضائي أو وفق أحكام القانون، فالمشرع الأردني قيد أمر التسجيل الصوتي لاعتباره دليل إثبات بإذن قضائي أو بإذن صاحبها وهذا ما أخذت به بعض المحاكم الأردنية ومنها ما جاء بقرار لمحكمة بداية الزرقاء بصفتها الاستئنافية بأنه([12]): …”كما أن المكالمات والرسائل الصوتية هي الإثبات الوحيد لإثبات إقالة العقد وأن الخبرة الفنية المطلوبة ضرورية لغايات تفريغ محتوى المكالمات الهاتفية والرسائل الصوتية، كما أن الاجتهاد القضائي مستقر على أن القرص المدمج يعتبر بينة قانونية وأن محكمة الدرجة الأولى أخطأت بقرارها.

وإن عدم أخذ محكمة الدرجة الأولى بينات المدعى عليهما المتمثلة بعدة أقراص مدمجة (CD) ولقطات الشاشة والصور الملتقطة للموقع والبينة الخطية تحت يد الغير المتمثلة بمشروحات شركة زين للاتصالات والخبرة الفنية لإفراغ محتوى تلك الأقراص المدمجة غير ذات جدوى قانونية في ضوء الإقرارات الصادرة عن المدعى عليهما والتناقض الواضح في الجواب…”.

كما في حكم آخر لمحكمة التمييز الأردنية جاء فيه: “… وفي ذلك نجد أن المميز (المدعى) كان قد يقدم ضمن بيناته بينات خطية تمثلت في (CD) يتضمن تسجيلاً صوتياً قام بإرساله المدعى عليه لشخص يدعى … يفيد بإقرار وانشغال ذمة المدعى عليه بمبلغ (3000) دينار وبتصريح عمل للمدعى عليه قام المدعي بدفع تكاليفه وتذكرة طيران للمدعى عليه، قام المدعي بدفع ثمنها بالإضافة إلى البينة الشخصية، وحيث إن المحكمة الاستئنافية لم تناقش كامل البينة والمتمثلة بالمتسلسلات (3، 5، 4) من ضمن قائمة البينات ولم تقم باستخدام صلاحياتها المحاكمات المدنية ووصولاً إلى الحقيقة بالاستماع لأقوال الشاهد الخبير الذي قام بتفريغ القرص المدمج حول نسبة ما تضمنه للمدعى عليه وفيما إذا كان بصوته أم لا وفي ضوء ذلك إعادة وزن ومناقشة كافة بينات الإثبات وترتيب الأثر القانوني مما يجعل من القرار المطعون فيه مشوباً بالقصور في التعليل والتسبب ومخالفاً لمتطلبات القانون في إصدار الأحكام مما يتعين نقضه”([13]).

وفي حكم آخر جاء فيه: “… ونجد أن بحث محكمة الاستئناف لدفوع المميز جاء قاصراً حيث لم تدلل على البينة التي توصلت من خلالها إلى وجود التعامل التجاري بين المميز والمميز ضده مع الإشارة إلى أن المميز ضده مقربان المديونية المطالب بها بهذه الدعوى تمثل أتعابه كوسيط بحل الخلافات بين المميز والمدعو جاسم الراشد، كما لم تتطرق المحكمة للقرائن المستمدة من تفريغ المكالمات المبرز بالدعوى الجزائية ولم تناقش أبرزها على صحة الالتزام بالسند موضوع الدعوى وخلافاً لما ورد بقرار النقض السابق كما أغفلت المحكمة طلب المميز في ضوء عدم قبول بيناته استخدام صلاحياتها القانونية المقررة بالمادة (158) من قانون أصول المحاكمات المدنية…”([14]).

فمن خلال مراجعة وقراءة قرارات المحاكم فإن الباحثة ترى أن المحاكم الأردنية سواء كان بصفتها الاستئنافية أو التمييز قد أشارت إلى التسجيل الصوتي وتفريغه سواء كان من قبل الغير كما في الدعوى الاستئنافية المشار إليها، باعتبارها الإثبات الوحيد لإثبات إقالة العقد وأن الخبرة ضرورية لتفريغ محتوى المكالمات الهاتفية بالاستناد إلى أن الاجتهاد القضائي مستقر على أن القرص المدمج يعتبر بنية قانونية، فقراء المحكمة جاء باعتبار التسجيل الصوتي يعتبر بينة قانونية وعلى المحكمة الأخذ به، إلا أنه ومن خلال البحث إلى وجود سند قانوني يدعم ذلك أو إلى ما استقر إليه الاجتهاد القضائي لم تجد الباحثة ما يستند إليه.

أما في الحكم الثاني الصادر عن محكمة التمييز الأردنية فإنه ابتداءً جاء في نطاق الأعمال التجارية فهي بحكم القانون يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات وبالرغم من ذلك هل التسجيل الصوتي وتفريغه يعود للسلطة التقديرية للمحكمة وما يدعمه من بينات أخرى، فالتسجيل الصوتي اعتبرته دليل ناقص يتم دعمه بالبينات الأخرى.

أما ما جاء في الحكم الثالث لمحكمة التمييز الأردنية في موضوع التعاملات التجارية فقد اعتبرت التسجيل الصوتي المستخرج من تفريغ المكالمات المبرز في الدعوى الجزائية ( التي كانت منظورة أمام القضاء الإماراتي) قرائن، فهي تكون قد استندت في حكمها إلى التسجيل الصوتي في القضية الجزائية كقرينة يمكن الرجوع إليها كما أشارت في حكمها إلى إقرار المميز ضده بالمديونية والمثبتة لدى إدارة التوثيق بوزارة العدل بدولة الكويت للتحقق في مضمونها وبحث أثرها على صحة المطالبة، فالقرار استند إلى اعتبر محكمة الاستئناف قاصرة عند بحث البينة لعدم الأخذ بالتسجيل الصوتي والمستمد من الدعوى الجزائية باعتبارها قرينة في الدعوى.

فمن خلال ما سبق، وبالرغم من عدم تنظيم التسجيل الصوتي واعتباره كوسيلة إثبات إلا أنه يترك أمره للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع عند وزن البينة استنادًا للمادة (100 و185/ب) أصول محاكمات مدنية، فالمشرع في معرض سكوته وعدم النص الصريح على اعتباره وسيلة إثبات إلا أنه في التطبيق القضائي يعتبر دليل وخاصة في المعاملات التجارية التي لا تخضع للإثبات كما في الإثبات المدني، وعليه ومنعاً لتضارب الأحكام فإن الباحثة توصي المشرع الأخذ بالتسجيل الصوتي كوسيلة إثبات مع انتشار وسائل التكنولوجيا الحديثة وسهولة التحري عن صحة البيانات واستخراجها والتحقق من صحتها وموثوقيتها دون الاعتداء وانتهاك الحرية الشخصية بل اقتصارها على المعاملات المدنية والتجارية.

ومن هنا نتساءل، هل يعتبر التسجيل الصوتي المقدم في الدعوى هو إقرار من المقر؟

وبالرجوع إلى قانون البينات الأردني([15]) جاءت المادة (45) بالنص على الإقرار القضائي أمام القضاء، فالإقرار حجة قاصرة على المقر وحجة قاطعة فهو حجة على ثبوت الواقعة المدعاة فهو ليس بحاجة إلى إثبات فيقضي قاضي الموضوع بالدعوى استنادًا على الإقرار دون أن تكون له سلطة تقديرية بذلك (حجة قاطعة)([16])، على خلاف الإقرار غير القضائي الذي يكون خارج دور القضاء يخضع للإثبات وفقاً للقواعد العامة([17])، وإضافة المادة (52) من قانون البينات على أن: “الإقرار في غير مجلس الحكم لا يقبل إثباته بشهادة الشهود ما لم تسقبه قرائن قوية تدل على وقوعه”، وعليه فإن التسجيل الصوتي بعد التحقق من صحته وموثوقيته فإنه إذا تم اعتباره كبينة في الدعوى فإنه يخضع لحكم الإقرار القضائي في الإثبات ووجود بينة تدعمه غير الشهادة، وبالتالي فإن التسجيل الصوتي لا يأخذ به كحجة قوية على المقرر وقاطعة ويتطلب إثباته وبالتالي إذا صحت دعواه وفق القواعد العامة.

المبحث الثاني

الإطار القانوني والتحديات لاستخدام التسجيل الصوتي

يحكم الأخذ بالتسجيل الصوتي كأداة إثبات عدة جوانب في اعتباره وسيلة قانونية مشروعية لإثبات الواقعة أمام القضاء، مما يخلق بعض التحديات القانونية عند إضفاء المشروعية عليه وما يكتنفها من صعوبات مادية وأخلاقية للأخذ به كدليل إثبات وعليه سيتم البحث فيهما من خلال المطلبين الآتيين:

المطلب الأول: الإطار القانوني للتسجيل الصوتي كأداة إثبات.

المطلب الثاني: التحديات القانونية للتسجيل الصوتي.

المطلب الأول

الإطار القانوني للتسجيل الصوتي كأداة إثبات

مع التقدم العلمي والتكنولوجي وانتشار الوسائل الإلكترونية أصبح من السهل الحصول على التسجيل الصوتي بين الأفراد إلا أنه يحكمه عدة ضوابط لاعتباره دليل إثبات وهنا ما سيتم بحثه في الفرعين التاليين:

الفرع الأول: الضوابط القانونية والأخلاقية للتسجيل الصوتي.

الفرع الثاني: التشريعات الوطنية والدولية للاعتراف بالتسجيل الصوتي كأداة إثبات.

الفرع الأول

الضوابط القانونية والأخلاقية للتسجيل الصوتي

قد تعتبر التسجيلات الصوتية للمكالمات من أهم أدلة الإثبات المدني لسهولة الحصول عليه بوجود التكنولوجيا وانتشارها بين الأفراد، سواء كان لإثبات حق مدعى به أو اعتباره وسيلة للتعاقد بين التجار بحكم أن التعاملات التجارية يجوز إثباتها بكافة وسائل الإثبات.

فمن خلال البحث في التشريعات المقارنة وما سارت عليه تجد الباحثة اختلاف موقف التشريعات من التسجيل الصوتي من حيث اعتباره وسيلة إثبات، إلا أن الاتجاه الحديث في بعض التشريعات كما في المملكة المتحدة والسودان وغيرها من الدول وما اتجهت إليه بعض المحاكم كما في محكمة النقض الفرنسية من اعتباره وسيلة إثبات ضمن ضوابط قانونية وأخلاقية يجب مراعاتها زمن أهم الضوابط الواجب مراعاتها:

أولاً: الضوابط القانونية، لتحقق الضوابط القانونية في مجال الأخذ بالتسجيل الصوتي دليل إثبات فإن ذلك يوجب توافر شرطين:

  1. مبدأ نزاهة الإثبات، يعتبر هذا المبدأ أحد أهم الاعتبارات والضوابط لقبول التسجيل الصوتي كدليل إثبات بضمان سلامته من أي تلاعب والحفاظ عليه (تسجيل حقيقي) وتتمثل المصداقية بصحة التسجيل من التحقق من صحته فمن خلال التطور الرقمي تعتبر التقنيات الحديثة بمثابة حارس له من خلال دعمه الرقمي، تعتبر التقنيات الحديثة بمثابة حارس له من خلال دعمه بالطابع الزمني وتخزينه وحفظه في السجل الإلكتروني([18]).
  2. ارتباط التسجيل الصوتي بموضوع الدعوى، يشترط بالتسجيل الصوتي أن يكون ذا صلة بالدعوى وأن يكون ذا قيمة ثبوتية (الملاءمة)، حيث يعتبر من أكثر أدلة الإثبات موثوقية في المحكمة من خلال إمكانية تسجيل المحادثات والأحداث بدقة أكبر من الذاكرة البشرية بالإضافة إلى توفير سجل موضوعي للأحداث التي يمكن استخدامها لتأكيد شهادة الشهود ([19]).

ثانياً: الضوابط الأخلاقية لقبول التسجيل الصوتي كأداة إثبات، تعتبر التسجيلات الصوتية أداة ذات حدين، حيث يمكن أن تكون وسيلة إثبات مهمة في الدعوى المنظورة أمام القضاء أو أن تكون وسيلة ضغط واستغلال للطرف الآخر عند نشر التسجيل فيما يتعلق بالأمور الخاصة أو السرية، فإنه يحكمه أخلاقيات التعامل معه واستخدامه ضمن أضيق نطاق ممكن دون الإضرار بالطرف الآخر، وهذا ما استدعى بعض الدول أن تتجه إلى اشتراط موافقة أحد الطرفين أو موافقة الطرفين معاً على إجراء التسجيل الصوتي كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية.

كما يحكم هذا التسجيل لبعض المخاطر منها مشاركته للأمور الخاصة عن غير قصد لتفاصيل الحياة الخاصة والسجلات المالية التي ليس لها علاقة بالدعوى ولكنها تأتي ضمن التسجيل ([20]).

فالاعتبارات الأخلاقية تجمع بين جمع الأدلة واحترام الخصوصية والتي تعتبر عائقاً في التعدي على الحرية الشخصية التي كفلتها كافة التشريعات، إلا أن الضرورة تحكم اعتباره دليل إثبات بشرط أن تقدر الضرورة بقدرها([21]) في الأخذ بها وإعمالها في أضيق الحدود (الضرورات تتيح المحظورات)([22]).

ثالثاً: الحصول على الموافقة القضائية المسبقة، يقصد به الحصول على موافقة من المحكمة المنظور أمامها الدعوى ويصدر ذلك بموجب قرار قضائي موجهة إلى الجهات المعنية للحصول على تسجيلات صوتية كشركات الاتصالات أو يسمح بموجبه لأحد طرفي الدعوى إجراء التسجيل الصوتي بقصد استخدامه كدليل إثبات.

الفرع الثاني

التشريعات الوطنية والدولية للاعتراف بالتسجيل كأداة إثبات مدني

تختلف التشريعات الدولية بموقفها من الاعتراف بالتسجيل كأداة إثبات وجاء هذا الاختلاف نتيجة احترام الخصوصية الفردية لأفراد المجتمع وحماية حقوقهم وحياتهم الخاصة من أي تعدي وانتهاك، إلا أنه بالمقابل ظهر التسجيل الصوتي كوسيلة مشروعة في بعض الدول بذريعة حماية المصلحة العامة وأمن الدولة، وعليه سيتم استعراض موقف بعض التشريعات الدولية من التسجيل وصولاً إلى التشريع الأردني وموقفه من التسجيل الصوتي في الإثبات المدني:

أولاً: الولايات المتحدة الأمريكية

قامت كل ولاية في الولايات المتحدة بسن قوانينها الخاصة بالتسجيل الصوتي بناءً على القوانين الفيدرالية والدستور، ويختلف تشريع كل ولاية عن الأخرى فيما يتعلق بالتسجيل في حين أن قانون الولايات المتحدة الفيدرالي و35 ولاية يتطلب بشكل عام موافقة طرف واحد فقط لتسجيل المكالمة الهاتفية والشخصية (إذا كان طرفًا في المحادثة) وخلافاً لذلك يتطلب موافقة مشارك واحد على الأقل قبل التسجيل. في حين باقي الولايات تتطلب موافقة جميع الأطراف مثل ولايات كونيتكت، ماساتشوستس، فيرمونت، فلوريدا، متشيغان، كاليفورنيا)([23]).

ثانياً: دولة الفلبين:

بموجب القانون الجمهوري رقم (4200) قانون التنصت على المكالمات الهاتفية، فإنه من غير القانوني تسجيل أي اتصال خاص دون موافقة الأطراف المعنية، حيث يحظر هذا القانون صراحة استخدام وحيازة وإعادة إرسال أي اتصالات شفهية أو سلكية أو إلكترونية دون الحصول على إذن من جميع الأطراف، فلا يمكن قبوله كدليل إثبات في المحكمة([24]).

ثالثاً: المملكة المتحدة([25])

يعد تسجيل المكالمات الهاتفية الشخصية أمراً قانونياً بموجب القانون العام لحماية البيانات، حيث يتمتع الأفراد بحرية تسجيل مكالماتهم للاستخدام الشخصي دون خرق القانون، ولكن ضمن قيود واعتبارات:

  1. السلطات العامة وتطبيق القانون، حيث تتمتع بعض السلطات العامة في المملكة المتحدة بسلطة اعتراض المحادثات وتسجيلها دون موافقة صريحة في ظروف محددة وتشمل حماية الأمن القومي ومنع الجريمة وحماية السلامة العامة.
  2. الأغراض الصحفية والتحقيقية، يكون للصحفيين والأفراد المشاركين في العمل الاستقصائي مبررات قانونية محددة لتسجيل المحادثات دون موافقة في حالات محدودة، مثل وجود نشاط إجرامي أو قد يكون تحقيقاً للمصلحة العامة في تسجيله ونشره.
  3. الأغراض التشخيصية، يعد قانونياً بموجب قانون المملكة المتحدة التسجيل بموافقة الأفراد المشاركين في المحادثة بشكل صريح، كما يمكن للشركات تسجيل المكالمات لأغراض محددة مثل توثيق المعاملات، وضمان الامتثال ومعالجة المخاوف الأمنية.

رابعاً: فرنسا:

أصدر المشرع الفرنسي قانوناً نظم فيه مراقبة الاتصالات في 10 يوليو 1991 يتعلق بتنظيم وتسجيل المكالمات والاتصالات بوسائلها المختلفة، حيث جاءت المادة (1) منه على سرية المراسلات الهاتفية وأعطت الفقرة الثانية من نفس المادة استثناءات للسلطة العامة بالمراقبة والتسجيل للمكالمات في حدود معينة بموافقة قاضي التحقيق المختص بإصدار أمر المراقبة خلال مدة لا تزيد عن أربعة أشهر([26])، إلا أن هذا التنظيم جاء للأمور الأمنية والجنائية.

خامساً: مصر:

اعتبر المشرع المصري التسجيل الصوتي يخضع لسرية المحادثات الهاتفية بموجب الحماية الخاصة ولا يجوز تسجيل المكالمات أو اعتباره دليلاً يعتد به أمام المحاكم إلا إذا سبقه إذن قضائي في بعض الحالات، وأفرد المشرع المصري عقوبة على مسجل المكالمات دون إذن أصحابها “بالحبس لمدة لا تزيد على سنة على كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن سواء استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون”([27]).

وبالرغم من موقف المشرع المصري من التسجيل الصوتي وسرية المحادثات، إلا أنه ظهر في الساحة المصرية خاصية التسجيل الصوتي لشركة أوبر في جميع مدن مصر حيث يتمكن الركاب والسائقين من تسجيل ما يدور خلال رحلة القيادة صوتياً ضمن التطبيق، ليتم استخدامه والرجوع إليه لاحقاً في حال الإبلاغ عن أي حادث والتعامل معه.

سادساً: المشرع الأردني:

لم يورد المشرع الأردني في نطاق الدعوى الحقوقية أو ينظم التسجيل الصوتي للمكالمات في قانون البينات الأردني رقم(30) لسنة 1952 المعمول به وهذا يتفق مع ما أورده المشرع الدستوري في الأردن حينما أكد على حماية الحرية الشخصية للأفراد وصونها واعتبار جميع المراسلات البريدية والمخاطبات الهاتفية محمية وسرية([28]).

المطلب الثاني

التحديات القانونية للتسجيل الصوتي كأداة إثبات

يتمثل التسجيل الصوتي كأداة إثبات حديثة من أكبر التحديات القانونية التي تتطلب تدخل المشرع الأردني في تنظيمه واعتباره أحد وسائل الإثبات جنباً إلى جنب وسائل الإثبات الواردة في المادة (2) من قانون الإثبات الأردني.

وهذا يتطلب إضفاء المشروعية القانونية عليه من خلال تنظيم أحكامه سواء في قانون البينات أو في قانون المعاملات الإلكترونية الذي أعطى للمحررات الإلكترونية والمستخرجات منها حجية السند العادي([29])، فالمشرع الأردني أقر بالمحررات الإلكترونية (الكتابة الإلكترونية) في الإثبات وساوى بينها وبين الكتابة التقليدية، فالكتابة الإلكترونية ترتب أثرها القانونية وفق أحكام القانون([30])، وعليه وأسوةً بالمحررات الإلكترونية فإن على المشرع الأردني تنظيم التسجيل الصوتي في المكالمات الهاتفية واعتبارها دليل إثبات كغيرها من وسائل الإثبات لأهميتها في إثبات الحق المتنازع فيه.

ومن التحديات القانونية التي يمكن أن تظهر بشأن التلاعب الرقمي بالمحتوى، إلا أنه ومن خلال التطور التكنولوجي أصبح من الممكن إظهار صحة التسجيل الصوتي للشخص المنسوب إليه، من خلال تقنيات الطب الشرعي الرقمي بفحص التسجيلات الصوتية بحثاً عن علامات التلاعب من خلال فحص الصوت من قبل الخبراء والتحقق من جودة الصوت وصحته وحفظه من أي تلف أو تغيير وتحليل البيانات الوصفية وشهادة الشهود التي تؤكد صحة الأصوات المسجلة([31]).

الخاتمة

تعد التسجيلات الصوتية كضرورة ووسيلة إثبات مهمة كغيرها من وسائل الإثبات، ومع ذلك فإن استخدامها لا يخلو من التحديات والاعتبارات القانونية والفنية عند طرحها كدليل، حيث توفر قيمة إثباتية مهمة في المحكمة وتساعد على ضمان إجراء قانوني عادل ومنصف وعليه فقد توصلت الباحثة إلى النتائج والتوصيات الآتية:

النتائج:

  1. لم ينظم المشرع الأردني التسجيل الصوتي ولم يأخذ به كوسيلة إثبات مدني.
  2. اختلفت التشريعات المقارنة بموقفها من اعتبار التسجيل الصوتي كأداة إثبات منها ما قيده بموافقة الطرفين أو موافقة الطرف الآخر ومنها لم يتطرق إلى اعتباره وسيلة إثبات.
  3. توفر التسجيلات الصوتية أدلة ذات قيمة في إثبات الدعوى بعد التحقق من صحتها وموثوقيتها وسلامتها من التلاعب.
  4. مع التقدم العلمي أصبح التسجيل الصوتي ذات أهمية في المعاملات المدنية والتجارية وإثباتها.
  5. يخضع التسجيل الصوتي في التشريعات المقارنة لسلطة القاضي التقديرية في قبوله عند وزن البينة.

التوصيات:

  1. توصي الباحثة المشرع الأردني بوضع أحكام ناظمة للتسجيل الصوتي كأداة إثبات مدني في ظل التطور التكنولوجي وسهولة استخدامه في إثبات الحق المدعى به.
  2. توصي الباحثة المشرع الأردني بإضافة التسجيل الصوتي في المادة (2) من قانون البينات الأردني واعتباره وسيلة إثبات لتصبح المادة بإضافة التسجيل الصوتي بعد الشهادة على النحو الآتي: المادة (2): تقسم البينات إلى: 1) الأدلة الكتابية. 2) الشهادة. 3) التسجيل الصوتي. 4) القرائن. 5) الإقرار. 6) اليمين. 7) المعاينة والخبرة.
  3. إضافة التسجيل الصوتي الرقمي إلى قانون المعاملات الإلكترونية في المادة (2).
  4. توصي الباحثة المشرع الأردني بعد إقرار التسجيل الصوتي كأداة إثبات تنظمه بحيث يتم وضع ضوابط وقيود عند اللجوء إليه بشرط موافقة أحد طرفي المحادثة مع الالتزام بالسرية عند تقديمه كبينة في الدعوى المدنية.
  5. أن يخضع التسجيل الصوتي وأهميته باعتباره دليل إثبات لسلطة القاضي التقديرية في مدى إنتاجيته في الدعوى والأثر المترتب عليه عند وزن البينة بالرغم من موقف المشرع الفرنسي إلا أن توجه القضاء الفرنسي يعتبر سابقة في أحكامه حيث تراجع عما صدر حكم به في أحكامه السابقة حيث حكمت محكمة النقض الفرنسية في قرار حديث صادرة بجميع الغرف بتاريخ (22/12) لسنة 2023 بأن سمحت محكمة النقض بقبول تسجيل صوتي تم الحصول عليه خلسة دون علم الخصم (بينة الاستغفال) كدليل إثبات أمام القضاء المدني ولكن بشروط وضوابط هي:
  6. أن يكون الدليل لإثبات وإعمال المتقاضي من اقتضاء حقه.
  7. أن لا يمس الدليل المستخدم بحقوق الخصم الأساسية.
  8. أن يكون الدليل هو الوسيلة الوحيدة لإثبات حقه([32]).

ويعتبر هذا التوجه من أهم التطورات التي أخذ بها القضاء الفرنسي في الإثبات بعيداً عن القيود التقليدية لحماية الحقوق مما يشكل السعي لتطوير التشريعات ومواكبة التطور التكنولوجي مع حفظ الحقوق بين أطراف النزاع.

قائمة المصادر والمراجع

المراجع العربية:

ابن نجيم، زين الدين بن إبراهيم بن محمد، الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، الجزء الأول، ص 277.

الحسيني، عمار عباس، (2009)، مدى مشروعية التسجيل الصوتي بالهواتف النقالة كدليل في الإثبات الجنائي، آل البيت، العدد 2، ص 187.

عنيزة، منيرة، (2023)، “التسجيل الصوتي كدليل إثبات”، مجلة طيبة للدراسات العلمية والأكاديمية، جامعة سطيف، 2، الجزائر، المجلد 6، العدد 1، ص 1603.

  1. المنصور، أنيس، (2011)، شرح أحكام قانون البينات الأردني، ط1، إثراء للنشر والتوزيع، ص 344-355.

المراجع الأجنبية:

Jaiswal, Saurabh, (2023), “The Evidential value of Audio files and it’s Acceptability in court international Journal of Research Publications, Vol. 4, No. 6 PP 1008, June 2023. www.ijrpr.com. Visited at 30/3/2024.

المواقع الإلكترونية:

Available at https://www.synopsys.com/automotive/what-is-autonomous-ean-html, “what is an Auto nous car? –How self- Driving cars work”. Seissine Ghazi, (2024), California, United states.

Can a Voice Recording be used in court UK, https://menahkiliving.com>can-a-voice-recording-be-uk-legal-guidence/#:≈:text.

CCQ-1991- Civil code of Quebec. https://www.legisquebec.gouv.qc.ea>..

Law Insider, Dictionary, https://www.lawisider.com. Visited at 30/3/2024.

London Center of legal consolation, “حجية التسجيلات الصوتية بين مبدأ نزاهة الإثبات وعدم جواز صنع الدليل” www.lononlegals.net. 6/4/2024.

Mammoth Security Inc, 2023, “Fedral Law and Audio Monitoring”, https://mammothsecurity.com/blog/audio-recording.

Mheshwari, Vidhan, “Tape Recorded Conversation admissibility, Nature and Value”. www.legalservice-india.com visited at 2/4/2024.

Respicio and Co, 2024, “Admissibility of Unauthorized Audio Recordings In philippine courts”, https://www.respici.ph. Visited at 4/4/2024.

Sheriff-Mens Wear, “Voice Recording as Evidence in Court”, 2023. https://sheriff.co.in/voice-recording-as-evidance-in-court-legal-implications-explained/#:~:text=in%20many%20.

Sighthound Redactor, 2023, “Are Audio Recording Admissible in Court?”, https://www.redactor.com/blog/audio-recordings-admissibilty-in-count. Visited at: 17/4/2024.

Uber Blog، تسجيل الصوت، على الموقع الإلكتروني. https://www.uber.com/ar-EG/audio-recording-egypt-ar-v2/ visited on 5/4/2024.

Wavelet Business, 2023, “is it legal to record conversation in UK?”, https://www.wavetelbusineses.co.uk/latest-news/is-it-legal-to-recordco-convesation-in-the-uk/, visited on 5/4/2024.

مجلة الأحكام العدلية لسنة 1876، منشورات عدالة.

الأنظمة والقوانين:

الدستور الأردني لسنة 1952، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 1093 تاريخ 8/1/1952.

قانون البينات الأردني رقم (30) لسنة 1952 وتعديلاته، والمنشور بالجريدة الرسمية، ص (14604، عدد (5474) سنة 1/8/2017.

قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937.

القانون المدني الأردني رقم (43) لسنة 1976، المنشور بالجريدة الرسمية، ص (2) عدد 2645، تاريخ 1/8/1976.

قانون المعاملات الإلكترونية لسنة (2015).

القانون النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية.

قرارات محكمة التمييز:

بداية استئناف، محكمة الزرقاء، قرار رقم 4349/2023، تاريخ 31/12/2023، قسطاس.

تمييز، حقوق، قرار رقم 1344/2022، 26/6/2022، قسطاس.

تمييز، حقوق، قرار رقم 4307/2022، تاريخ 9/11/2022، قسطاس.

محكمة النقض الفرنسية رقم (648/2020)، تاريخ 22/12/2023.

  1. () Law Insider, Dictionary, https://www.lawisider.com. Visited at 30/3/2024.
  2. () Jaiswal, Saurabh, (2023), “The Evidential value of Audio files and it’s Acceptability in courty international Journal of Research Publications, Vol. 4, No. 6 PP 1008, June 2023. P.1005, www.ijrpr.com. Visited at 30/3/2024.
  3. () Ibid, p 1005.
  4. () الحسيني، عمار عباس، (2009)، مدى مشروعية التسجيل الصوتي بالهواتف النقالة كدليل في الإثبات الجنائي، آل البيت، العدد 2، ص 187.
  5. () Op, cit, Jaiswal, Saurabh, p 1006.
  6. () عنيزة، منيرة، (2023)، “التسجيل الصوتي كدليل إثبات”، مجلة طيبة للدراسات العلمية والأكاديمية، جامعة سطيف، 2، الجزائر، المجلد 6، العدد 1، ص 1603.
  7. () Maheshwari, Vidhan, “Tape Recorded Conversation admissibility, Nature and Value”. www.legalservice-india.com visited at 2/4/2024.
  8. () Available at https://www.synopsys.com/automotive/what-is-autonomous-ean-html, “what is an Auto nous car? –How self- Driving cars work”. Seissine Ghazi, (2024), California, United states.
  9. () CCQ-1991- Civil code of Quebec. https://www.legisquebec.gouv.qc.ea>..
  10. () Can a Voice Recording be used in court UK, https://menahkiliving.com>can-a-voice-recording-be-uk-legal-guidence/#:≈:text.
  11. () المادتان (7، 18) من الدستور الأردني لسنة 1952، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 1093 تاريخ 8/1/1952.
  12. () بداية استئناف، محكمة الزرقاء، قرار رقم 4349/2023، تاريخ 31/12/2023، قسطاس.
  13. () تمييز، حقوق، قرار رقم 4307/2022، تاريخ 9/11/2022، قسطاس.
  14. () تمييز، حقوق، قرار رقم 1344/2022، 26/6/2022، قسطاس.
  15. () قانون البينات الأردني رقم (30) لسنة 1952 وتعديلاته، والمنشور بالجريدة الرسمية، ص (14604، عدد (5474) سنة 1/8/2017.
  16. () المنصور، أنيس، (2011)، شرح أحكام قانون البينات الأردني، ط1، إثراء للنشر والتوزيع، ص 344-355.
  17. () قانون البينات الأردني رقم (30) لسنة 1952 وتعديلاته، والمنشور بالجريدة الرسمية، ص (14604، عدد (5474) سنة 1/8/2017.
  18. () Sighthound Redactor, 2023, “Are Audio Recording Admissible in Court?”, https://www.redactor.com/blog/audio-recordings-admissibilty-in-count. Visited at: 17/4/2024.
  19. () Jaiswal, Saurabh, “The Evidential Value of Audio Fails and its Acceptability in court” op, cit, p1006.
  20. () Sighthound Redactor, op, cit.
  21. () ابن نجيم، زين الدين بن إبراهيم بن محمد، الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، الجزء الأول، ص 277.

    – المادة (22) من مجلة الأحكام العدلية لسنة 1876، منشورات عدالة.

  22. () المادة (222) من القانون المدني الأردني رقم (43) لسنة 1976، المنشور بالجريدة الرسمية، ص (2) عدد 2645، تاريخ 1/8/1976.
  23. () Mammoth Security Inc, 2023, “Fedral Law and Audio Monitoring”, https://mammothsecurity.com/blog/audio-recording.
  24. () Respicio and Co, 2024, “Admissibility of Unauthorized Audio Recordings In philippine courts”, https://www.respici.ph. Visited at 4/4/2024.
  25. () Wavelet Business, 2023, “is it legal to record conversation in UK?”, https://www.wavetelbusineses.co.uk/latest-news/is-it-legal-to-recordco-convesation-in-the-uk/, visited on 5/4/2024.
  26. () عنيزة، منيرة، (2023)، “التسجيل الصوتي كدليل إثبات”، مرجع سابق، ص 1612-1613.
  27. () المادة (309) مكرر من قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937.
  28. () Uber Blog، تسجيل الصوت، على الموقع الإلكتروني. https://www.uber.com/ar-EG/audio-recording-egypt-ar-v2/ visited on 5/4/2024.
  29. () المادة (13) من قانون البينات الأردني رقم (30) لسنة 1952 وتعديلاته.

    – المادة (2) من قانون المعاملات الإلكترونية لسنة (2015).

  30. () المادة (7) من قانون المعاملات الإلكترونية لسنة (2015).

    – المادة (5) من القانون النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية.

  31. () Sheriff-Mens Wear, “Voice Recording as Evidence in Court”, 2023.

    https://sheriff.co.in/voice-recording-as-evidance-in-court-legal-implications-explained/#:~:text=in%20many%20.

  32. () London Center of legal consolation, “حجية التسجيلات الصوتية بين مبدأ نزاهة الإثبات وعدم جواز صنع الدليل” www.lononlegals.net. 6/4/2024.

    – محكمة النقض الفرنسية رقم (648/2020)، تاريخ 22/12/2023.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى