في الواجهةمقالات قانونية

نظام الدعم الاجتماعي المباشر بالمغرب بين فعالية الاستهداف وتحديات التنزيل – الباحث : البشير حامل

نظام الدعم الاجتماعي المباشر بالمغرب بين فعالية الاستهداف وتحديات التنزيل

The direct social support system in Morocco : between targeting effectiveness and implementation challenges

الباحث : البشير حامل

طالب باحث بسلك الدكتوراه كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة شعيب الدكالي الجديدة

هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 59 الخاص بشهر غشت / شتنبر 2025

رابط تسجيل الاصدار في DOI

https://doi.org/10.63585/KWIZ8576

للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665

 

نظام الدعم الاجتماعي المباشر بالمغرب بين فعالية الاستهداف وتحديات التنزيل

The direct social support system in Morocco : between targeting effectiveness and implementation challenges

الباحث : البشير حامل

طالب باحث بسلك الدكتوراه كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة شعيب الدكالي الجديدة

ملخص:

يعد نظام الدعم الاجتماعي المباشر بالمغرب أحد أبرز الإصلاحات الاجتماعية الرامية إلى ترسيخ الدولة الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية. وقد جاء هذا النظام في سياق تعميم الحماية الاجتماعية، من خلال توجيه الدعم المالي المباشر إلى الفئات الهشة والمعوزة، في إطار مقاربة تقوم على الاستهداف العادل والشفاف. ويعتمد هذا النظام على السجل الاجتماعي الموحد كآلية لضبط الفئات المستحقة للدعم بناء على معايير دقيقة. ورغم الأثر الإيجابي المنتظر لهذا الإصلاح في تقليص الفقر والهشاشة، إلا أن تنزيله يواجه تحديات مؤسساتية، وضمان التنسيق بين المتدخلين ورفع وعي المواطن بحقوقه. كما تبرز إكراهات تتعلق بتحديث قاعدة المعطيات وضمان الحياد والشفافية في توزيع الدعم. لذلك، فإن نجاح هذا الورش رهين بفعالية الاستهداف، وجودة التنزيل، وتقييم الأثر الاجتماعي على المدى المتوسط والبعيد.

الكلمات المفاتيح: الدعم الاجتماعي المباشر، فعالية الاستهداف، حماية الاجتماعية

Abstract:

The direct social support system in Morocco is one of the most prominent social reforms aimed at consolidating the social state and achieving social justice. This system came within the context of generalizing social protection by directing direct financial support to vulnerable and needy groups, within the framework of an approach based on fair and transparent targeting. This system relies on the unified social registry as a mechanism for identifying groups eligible for support based on precise criteria. Despite the expected positive impact of this reform in reducing poverty and vulnerability, its implementation faces institutional and logistical challenges, such as qualifying the digital infrastructure, ensuring coordination between stakeholders, and raising citizens’ awareness of their rights. There are also constraints related to updating the database and ensuring neutrality and transparency in support distribution. Therefore, the success of this workshop depends on the effectiveness of targeting, the quality of implementation, and the evaluation of the social impact in the medium and long term.

Keywords: direct social support, targeting effectiveness, social protection

مقدمة:

أصبحت الحماية الاجتماعية اليوم حقاً من حقوق الإنسان الأساسية، بعدما كانت تعتبر لزمن طويل من حيث المفهوم والممارسة، في المغرب وفي غيره من بقاع العالم، عملاً ذا بعد إنساني وشكلا من أشكال العمل الخيري والبر والإحسان. وقد تكرس هذا الحق بموجب اتفاقيات الأمم المتحدة ومنظمة العمل الدولية ومنظمة الصحة العالمية، كما دعمته العديد من المبادرات المهمة العابرة للحدود الوطنية، كان آخرها في سنة 2015 م من خلال اعتماد أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، كما أنها تعتبر الركيزة الأساسية التي يقوم عليها العقد الاجتماعي وروابط الأخذ والعطاء والتضامن التي لا يمكن من دونها للمجتمعات، أيا كان مستوى تنميتها، أن تضمن تماسكها وازدهارها، وأن تصون كرامة موطنيها[1].

وتعتبر الحماية الاجتماعية ورشا ملكيا طموحا أعطى الملك انطلاقته سنة 2020 م وحدد معالمه ومرتكزاته وخطة وآجال تنزيله. ولأجل تفعيل هذا الورش، تمت بلورة الرؤية الملكية ضمن إطار مرجعي رسمه القانون الإطار تحت رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية سنة 2021 م الذي حدد الجدولة الزمنية لتنزيل أهم الأهداف وهي: توسيع التغطية الصحية الإجبارية، بحلول نهاية سنة 2022، وتعميم التعويضات العائلية، خلال سنتي 2023 و2024، وتوسيع قاعدة الانخراط في أنظمة التقاعد، مع تعميم التعويض عن فقدان الشغل، بحلول نهاية سنة 2025.

وخلال الجلسة العمومية المشتركة حول الدعم الاجتماعي المباشر المنعقدة بالبرلمان في 23 أكتوبر 2023م، أفصح رئيس الحكومة عن المجهود المالي الذي تبذله الدولة في هذا المجال حيث أوضح أن تنزيل ورشي التأمين الإجباري عن المرض والدعم الاجتماعي المباشر يتطلبان منها ميزانية قدرها 40 مليار درهم بحلول سنة 2026م[2].

وفيما يتعلق بتعميم التعويضات العائلية، أصدر الملك تعليماته، في خطابه الموجه للبرلمان يوم 13 أكتوبر 2023م، للشروع في نهاية هذه السنة، في تفعيل برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، وتبعا لذلك، أوضح رئيس الحكومة معالم هذا البرنامج، المزمع تفعيله ابتداء من 30 دجنبر 2023م، مشيرا إلى أن الحكومة قامت بإعداد الإطار العملي والميزانياتي للبرنامج، كما تم تحديد كيفيات وشروط تنزيله. ومن المنتظر أن يشمل هذا الدعم ما يقارب 60% من الأسر غير المشمولة بأنظمة الضمان الاجتماعي، والمستوفية لشروط الاستحقاق بعد تسجيلها في السجل الاجتماعي الموحد.[3]

كما يعتبر نظام الدعم الاجتماعي من أهم مرتكزات ومعالم منظومة الحماية الاجتماعية بالمغرب يهدف إلى تقديم المساعدات مالية مباشرة للأسر التي تعاني من أوضاع اجتماعية أو اقتصادية هشة ، بهدف تحسين مستوى عيشها وتعزيز قدرتها على تلبية حاجياتها الأساسية، هذه المساعدات المالية قد تكون منتظمة أو ظرفية تمنح إلى الفئات المستحقة وفق معايير محددة تأخذ بعين الاعتبار مستوى الدخل والحالة الاجتماعية للأسر المستفيدة، حيث تم إصدار قانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية الذي حدد الفئات التي ستستفيد من التعويضات العائلية وحددها في حوالى سبعة ملايين طفل في سن التمدرس، كما حدد له أجلا من أجل تفعيل المقتضيات القانونية لقانون الإطار، وذلك خلال سنتي 2023و2024 م.

ويعد نظام الدعم الاجتماعي المباشر للأسر المغربية أحد أبرز الإصلاحات الاجتماعية الهادفة إلى تعزيز الحماية الاجتماعية وتقليص الفوارق الاجتماعية. ويندرج هذا النظام ضمن التوجه العام نحو “الدولة الاجتماعية”، وهو جزء من السياسات العمومية الرامية إلى تحسين مستوى عيش الفئات الهشة وضمان العدالة الاجتماعية.

ويهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على هذا النظام المتعلق بالدعم الاجتماعي المباشر مساره وتطوره عبر مراحل من الدعم الاجتماعي غير المباشر إلى الدعم الاجتماعي المباشر وأهم مكوناته الأساسية، بالإضافة إلى تحديات وإكراهات تنزيله على أرض الواقع واستدامته.

الأهمية:

يعتبر نظام الدعم الاجتماعي أحد الركائز الأساسية للسياسات العمومية الاجتماعية في المغرب، حيث يساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين ظروف المعيشية للأسر التي توجد في وضعية هشاشة ويمكن تحديد أهميته من خلال الحد من الفقر والتفاوتات الاجتماعية وذلك عبر التقليل من الفجوات الاجتماعية وحماية الأسر المتضررة خاصة الأرامل و الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة ، بالإضافة إلى تعزيز القدرة الشرائية وتحسين المستوى المعيشي للأسر وذلك من خلال إمكانية تأمين احتياجاتها الأساسية من مأكل ومشرب وسكن وتعليم، والحد من المخاطر الاجتماعية المرتبطة بالفقر مثل البطالة في العالم القروي والهجرة نحو المدينة والانحراف، ويندرج كذلك نظام الدعم الاجتماعي المباشر ضمن رؤية المغرب الاقتصادية والاجتماعية التي تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة في أفق 2030،ومن بين أهم أهدافه استهداف الأسر الفقيرة بدقة بناءً على معايير موضوعية؛ و تعزيز القدرة الشرائية للفئات الهشة؛ وتحسين آليات الحماية الاجتماعية وتقليل الفوارق الاقتصادية.

الإشكالية:

تبنى المغرب خلال العقدين الأخيرين مجموعة من المبادرات الهدف منها هو تأهيل الأوضاع الاجتماعية من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والبرامج المهتمة بالأسرة والطفل من قبيل صندوق التكافل الاجتماعي وصندوق دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي، وإطلاق ورش الحماية الاجتماعية. ولبلوغ أفضل النتائج تم تبني فلسفة جديدة للتدخل في المجال الاجتماعي عبر مناهج تدبيرية حديثة، واستهداف أفضل للفئات الاجتماعية، والقطع مع المناهج التدبير التقليدية، أهمها نظام الدعم الاجتماعي المباشر هذا الأخير يمثل تحولا مهما في السياسات العمومية الاجتماعية، إلا أن نجاحه يظل مرهونًا بمدى قدرته على تحقيق العدالة الاجتماعية والوصول إلى الفئات الأكثر هشاشة بكفاءة. فهل يحقق هذا النظام استهدافًا عادلاً للفئات المستحقة؟ وما هي التحديات التي تواجهه في تحقيق أثر اجتماعي فعال ومستدام؟

هذه الإشكالية الرئيسة تتفرع عنها مجموعة من الأسئلة الفرعية التالية:

ماهي أهم التحولات التي عرفها نظام الدعم الاجتماعي المباشر؟ وماهي مكونات الدعم الاجتماعي المباشر؟ وإلى أي مدى تضمن آليات السجل الاجتماعي الموحد تحديد الأسر الأكثر احتياجًا بدقة؟

وهل سيساهم الدعم المباشر في تحسين الظروف المعيشية للأسر المستفيدة، أم أنه مجرد حل مؤقت؟

وما هي العوائق التي تواجه تنزيل هذا النظام، سواء من حيث التمويل الإداري، أو القبول المجتمعي؟

وكيف يمكن تحسين نظام الدعم ليكون أكثر كفاءة واستدامة ضمن إطار الدولة الاجتماعية؟

وعليه، سنعمل من خلال هذا المقال التطرق إلى مسار وتطور نظام الدعم الاجتماعي بالمغرب من زاويتين الأولى من خلال نظام الدعم الاجتماعي غير المباشر الذي يهم جميع الفئات الاجتماعية، إلى نظام الدعم الاجتماعي المباشر الذي يستهدف فئات اجتماعية خاصة، ومن زاوية أخرى سيتطرق الباحث إلى التحديات التي يواجهها نظام الدعم الاجتماعي المباشر بالمغرب.

المحور الأول: الدعم الاجتماعي بالمغرب: السياق والمكونات

يأتي النظام الدعم الاجتماعي المباشر للأسر المغربية في إطار تعميم الحماية الاجتماعية، وهو نظام يعتمد على تقديم مساعدات مالية مباشرة للأسر الفقيرة والهشة، بدلا من نظام الدعم غير المباشر الذي كان يستفيد منه الجميع المواطنين في ظل المؤسسات ذات طبيعة اجتماعية مثل صندوق المقاصة الذي كان يخصص موارد مالية مهمة لدعم المواد الأساسية مثل الدقيق والسكر والغاز، ومع تزايد الضغوط المالية نتيجة الأزمات الاقتصادية خاصة أزمة 2008م، وحرب أوكرانيا، وتوجيه الدعم نحو فئات اجتماعية غير المستحقة ، وقررت الدولة إصلاح هذا النظام والتحول نحو تقديم الدعم المباشر للأسر المستحقة، حيث مر

الدعم الاجتماعي بالمغرب مجموعة من المراحل نتيجة مجموعة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفها المغرب قبل الوصول إلى النموذج الحالي، وجاء نظام الدعم الاجتماعي المباشر كجزء من استراتيجية أشمل لتعزيز الحماية الاجتماعية، إذن ما هو مسار وتطور نظام الدعم الاجتماعي؟ وماهي أهم مكوناته الأساسية؟

أولا: مسار وتطور الدعم الاجتماعي المباشر

تطورت نظم وبرامج الحماية الاجتماعية عبر مجموعة من المراحل والانتقال من نظام المساعدات الاجتماعية الغير المباشرة مثل دعم المواد الأساسية، إلى نظام الدعم الاجتماعي المباشر للأسر المتواجدة في وضعية هشاشة أو فقيرة.

1-مرحلة الدعم الاجتماعي غير المباشر

بعد حصول المغرب على الاستقلال عمل المشرع المغربي على تطوير مجموعة من المؤسسات ذات طبيعة اجتماعية أهمها صندوق المقاصة حيث ثم إحداثه إلى جانب كل من التعاون الوطني والإنعاش الوطني والتي تهدف إلى النهوض بالأدوار الاجتماعية المحضة، وتتمثل الأهداف الأولية التي أنشئ صندوق المقاصة[4]، من أجلها والمرتبطة أساسا بالظروف التي تحكمت في مأسسته، في ضمان التموين الأساسي للسوق الوطنية بالمواد الأساسية مثل الدقيق و السكر وغاز البوتان، ويستفيد منه مجموع السكان من هذا الدعم لكونه لا تستفيد منه فئة الفقراء لوحدهم، وهو ما كان يستهلك جزءًا كبيرًا من الميزانية دون تحقيق استهداف للفئات الهشة، حيث كان إلى حدود سنة1973 م يعتمد على موارده الذاتية والمتمثلة في الاقتطاعات التي يقوم بها، وبعض الذعائر الإدارية. وأمام عدم كفاية هذه الموارد لتلبية وتغطية الدعم الموزع من طرف الصندوق؛ أصبحت الميزانية العامة للدولة تتدخل وبمستويات جد مرتفعة في السنوات الأخيرة في دعم هذا الصندوق؛ مما جعله يصطدم بعدة متغيرات منها على الخصوص: وجود غلاف مالي غير متحكم فيه؛ وتصاعد التبعية الاقتصادية للأسواق العالمية بالنسبة للمواد المدعمة، مثلا:

أكثر من 90% من الطاقة؛ أكثر من60% من السكر؛ أكثر من 53% من القمح الطري،

بالإضافة إلى تعدد المتدخلين؛ واختلاف في توجيه الدعم إلى الفئات المعوزة (الأقاليم)؛ وتعدد وتقادم النصوص القانونية[5]. وفي هذا الإطار شرع المغرب منذ 2012 م في عملية إصلاح شمولية وتدريجية لنظام المقاصة. من أجل خلق نجاعة أفضل على مستوى الإنفاق العمومي في مجال الدعم، وتوفير مداخيل إضافية لتمويل مختلف السياسات العمومية الاجتماعية؛ الأمر الذي مكن من إعادة هيكلة الدعم الاجتماعي عبر الانتقال من دعم عمومي مبني على الأسعار وموجه لجميع الفئات الاجتماعية إلى دعم مركز وموجه للفئات الاجتماعية الهشة مثل “راميد” و”تيسير” والدعم الموجه للأرامل وغيرها[6].

وفي غياب عدالة في الاستفادة من الدعم الذي يقدمه صندوق المقاصة وخاصة عجزه عن تحقيق الأهداف المنوطة به فإن “البحث حول مستوى الاستهلاك لدى الأسر، يوضح في هذا الشأن، بأن 20% من الأسر الأكثر غنى تستحوذ على أكثر من 40 % من دعم المواد الغذائية، مقابل أكثر من 10% بالنسبة ل 20% الأكثر هشاشة”. أما من ناحية مدى الاستفادة من الموارد المالية فإن “مساهمات دعم المواد الاستهلاكية التي مثلت (السكر، الدقيق …) نسبة 0.75% من الناتج الداخلي الإجمالي، والمحولة جزافيا إلى عموم الساكنة، كان بإمكانها القضاء تماما على الفقر النسبي لو أن مبالغها حولت مباشرة إلى الفئات الفقيرة فحسب[7]. مما جعل المغرب يفكر في البحث عن استراتيجية ناجعة من أجل حماية الفئات الاجتماعية الفقيرة والهشة، وقد اتجه التفكير نحو اعتماد التدخل الهادف بدل التدخل الشامل، حيث سيتم توجيه الدعم للفئات المحتاجة إلى المساعدة الاجتماعية. وقد عملت الحكومة المنبثقة عن الانتخابات التشريعية لسنة 2007م[8]، على تجريب نمط التدخل الهادف في مجال النهوض بتمدرس الأطفال، فلأول مرة في تاريخ المغرب سيتم منح دعم مالي مباشر للأسر المعوزة من أجل تشجيع أبنائها على التمدرس عبر إعطاء الانطلاقة ” لبرنامج تيسير“، سنة 2008 م لدعم الأسر التي تقطن بالجماعات القروية بغية مكافحة الهدر المدرسي، علما أنه يستفيد من التحويلات المالية للبرنامج متمدرسي السلك الابتدائي والإعدادي شريطة مواكبتهم على متابعة الدروس وعدم تجاوز مدة الغياب أكثر من 4 مرات في الشهر. كما تستفيد من البرنامج حاليا جميع الجماعات التي يشملها برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والتي يتجاوز معدل الفقر فيها 30 في المائة وكذا ارتفاع معدل الهدر المدرسي بها 8 في المائة[9] كما تم خلال سنة 2014 م وضع برنامج تقديم الدعم المباشر للنساء في وضعية هشة الحاضنات لأطفالهن اليتامى، وذلك بتخصيص مبلغ 350 درهم لكل طفل يتيم لا يتجاوز عمره 21 سنة شريطة متابعته الدراسة أو التكوين المهني[10]، وقد مكنت هذه البرامج على اختلاف أشكالها، من التقليص من نسبة الفقر والهشاشة والهدر المدرسي ومن ولوج فئة واسعة من المواطنات والمواطنين إلى الخدمات الأساسية.

وتوجد برامج أخرى تقوم على منح مساعدات عينية أو تعزيز الخدمات الأساسية، من قبيل المبادرة الملكية “مليون محفظة” سنة 2010م، التي ترمي إلى التخفيف من أعباء الأسر في تحمل مصاريف الدراسة، وتستهدف تلاميذ المستوى الابتدائي والإعدادي المتحدرين من أوساط معوزة، بالإضافة إلى اتفاقية الشراكة التي جرى توقيعها سنة 2015 م بين الدولة والتعاون الوطني من أجل تحسين ظروف تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة.

وقد نجم عن ربط الاستفادة من مختلف هذه البرامج بجملة من الشروط، زيادة على جعلها مقتصرة على بعض المناطق دون غيرها، استثناء عدد مهم من الأطفال في وضعية هشاشة من أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية[11]. وفيما يتعلق بالنهوض بالأسرة وحماية الفئات، سيساهم تفعيل القانون المنظم لصندوق التكافل العائلي[12] الذي نصت عليه المدونة الأسرة لسنة 2003 م في توسيع قاعدة الحماية الاجتماعية، وتفعيلا لمقتضيات المادة 16 من قانون المالية لسنة 2010 م التي نصت على إحداث حساب خصوصي يحمل اسم صندوق التكافل العائلي. يستفيد من المخصصات المالية للصندوق، إذا تأخر تنفيذ المقرر القضائي المحدد للنفقة، أو تعذر لعسر المحكوم عليه أو لغيابه أو لعدم العثور عليه، وبعد ثبوت حال عوز الأم، الأم المعوزة المطلقة ومستحقو النفقة من الأطفال بعد انحلال ميثاق الزوجية[13]، كما حددت المادة 2 من نفس القانون الفئات المستفيدة من الصندوق:

  • مستحقو النفقة من الأولاد بعد انحلال ميثاق الزوجية وثبوت عوز الأم؛
  • مستحقو النفقة من الأولاد خلال قيام العلاقة الزوجية بعد ثبوت عوز الأم؛
  • مستحقو النفقة من الأولاد بعد وفاة الأم؛
  • مستحقو النفقة من الأطفال المكفولين؛
  • الزوجة المعوزة المستحقة للنفقة.

ويعتبر إحداث هذا الصندوق خطوة هامة في مجال النهوض بالأسرة وخاصة فيما يتعلق بمشاكل النفقة. ومن المفروض أن تتوفر مداخيل كافية لهذا الصندوق بالنظر للأهمية التي سيلعبها الحفاظ على استقرار الأسرة وضمان نفقة الأبناء بما يمكنهم من الاستجابة لحاجياتهم من السكن والغذاء والتربية، وبالتالي تجنيبهم في كل مظاهر التشرد والتسول والانحراف والاستغلال[14].

كما عرفت أنظمة المساعدة الاجتماعية بدورها توسعا لدائرة الخدمات التي تقدمها في إطار توفير الحماية الاجتماعية لبعض الفئات الفقيرة والهشة. وقد سجل تطور هام في هذا المجال منذ تأسيس مؤسسة محمد الخامس للتضامن، كما شكلت المبادرة التنمية البشرية التي تم إطلاقها سنة 2005 م دافعا للنهوض بالحماية الاجتماعية للعديد من الفئات، فبرنامج محاربة الهشاشة، الذي يدخل ضمن أهم محاور المبادرة الوطنية للتنمية البشرية[15]، أهم هذه المحاور محاربة الهشاشة والتهميش حددت في ثمان فئات عامة بالنسبة للساكنة المصنفة في وضعية هشاشة.

2-مرحلة إصلاح الدعم واعتماد الاستهداف الاجتماعي الرقمي

شكلت عملية الاستهداف إشكالية حقيقية في تدبير برامج الدعم الاجتماعي التي أطلقتها الدولة، ففي ظل غياب مرجع دقيق يقدم المعلومات الثانية عن الأفراد والأسر، ظلت الاستفادة من هذه البرامج مطبوعة بالفوضى والعشوائية، وهو ما أفقد في الكثير من الأحيان المعنى والغاية الحقيقيين من إطلاق هذه البرامج.

وارتفعت الأصوات المطالبة بضبط عملية الاستهداف في السنوات الأخيرة خاصة مع الارتفاع الملفت لنفقات صندوق المقاصة التي وصلت إلى مستويات قياسية فرضت على الحكومة رصد اعتمادات إضافية لدعم بعض المواد الأساسية، وذلك بفعل استفادة جميع مستهلكي هذه المواد من الدعم المقدم من ميزانية الدولة دون تمييز.

وكانت المناظرة الوطنية الأولى حول الحماية الاجتماعية يومي 12 و13 نونبر 2018 بالصخيرات قد دعت إلى الانفتاح على التجارب الدولية في صياغة. مناهج استهداف الطبقات الفقيرة والهشة من البرامج الاجتماعية، وقد شرعت الحكومة عمليا في صياغة نموذج مغربي للاستهداف كما أكد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في كلمته أمام المشاركين في هذه المناظرة، وقد ظهرت الحاجة أكثر إلى منظومة

للاستهداف، وقاعدة بيانات الاجتماعية دقيقة حول الأفراد والأسر خلال الأزمة الصحية الناتجة عن جائحة كورونا التي بدأت في المغرب في مارس 2020م، حيث وجدت الحكومة صعوبات كبيرة في تحديد الفئات التي سيوجه لها الدعم الحكومي بفعل التوقف عن العمل سب الحجر الصحي المفروض[16].

بدأت الدولة في التخلي عن دعم المواد الأساسية وتعويضه بالدعم المباشر، وذلك بوضع منظومة وطنية لتسجيل الأسر والأفراد الراغبين في الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي، وإحداث سجل اجتماعي موحد وسجل وطني للسكان يتم في إطاره تسجيل ومعالجة كل المعطيات ذات الطابع الشخصي بالنسبة للمغاربة أو الأجانب المقيمين فوق التراب الوطني بطريقة إلكترونية، حيث سيتم تجميع تلك المعطيات وحفظها وتحيينها، وتغييرها عند الاقتضاء[17].، والتركيز على رقمنة الاستهداف عبر السجل الاجتماعي الموحد، يعد هذا الأخير بمثابة مبادرة اجتماعية تهم الفئات الهشة داخل المجتمع المغربي، فهو عبارة عن سجل رقمي لتسجيل الفقراء من أجل الاستفادة من مختلف البرامج الاجتماعية التي تعود إلى الحكومة أو الإدارات و المؤسسات الرسمية المختلفة، عن طريق منح رقم محدد لكل مواطن ومواطنة وهو رقم إلكتروني يكون بمثابة بطاقة تعريف بالشخص الذي يحمله لدى أجهزة الدولة، ولا يمكن تكرار نفس الرقم من شخص لآخر ويسمى هذا الرقم “بالمعرف الرقمي” ، كما يمنح هذا الأخير إمكانية التأكد من المعطيات الخاصة بكل فرد معني بهذا السجل[18].

كما يضم هذا السجل معلومات خاصة عن الأشخاص المسجلين به من قبيل الاسم العائلي والشخصي، وتاريخ ومكان ولادته، وجنسه وعنوان سكنه وجنسيته ورقمه أو المعرف المدني والاجتماعي الرقمي، وصورة بيو مترية لوجه الشخص، والنقط المميزة لبصمات الأصابع بالنسبة لحاملي بطاقة التعريف الوطنية الإلكترونية، وصورة لقزحية العينين للأشخاص البالغين 5 سنوات على الأقل، ورقم الهاتف وعنوان البريد الإلكتروني عند توفرهما[19]، وبعد تجاوز مرحلة الرقم الإلكتروني لكل مستفيد يتم استخراج السجل الاجتماعي الموحد، وهو الذي يتم من خلاله تسجيل الأسر قصد الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي التي تشرف عليها الإدارات العمومية، بناء على طلب يقدمه الشخص المصرح باسم الأسرة، ووفق حيثيات معينة يجب أن يشملها هذا الملف.

كما تضمن القانون المتعلق بالسجل الاجتماعي الموحد مجموعة من العقوبات التي يمكن أن تطال كل الأسر أو الأشخاص الذين يدلون بمعلومات زائفة حول وضعيتهم الاجتماعية عند التسجيل في السجل الاجتماعي الموحد من أجل الاستفادة، وتتمثل هذه العقوبات بتغريمهم مبالغ مالية كبيرة بين ألفين وخمسة آلاف درهم، مع إلزامهم بإعادة ما حصلوه من دعم مادي دون وجه حق[20].

وتمر هذه المقتضيات القانونية عبر أربعة مراحل أساسية أولها إعطاء رقم إلكتروني أو ما يسمى بالمعرف الرقمي لكل فرد أو أسرة مستفيدة من هذا البرنامج، بعدها تأتي مرحلة إنشاء سجل وطني موحد يضم كافة المعلومات والتفاصيل الخاصة بالمستفيدين منه، تم يتم ضمان خصوصية المعطيات والمعلومات المتضمنة داخل ملف كل مستفيد عن طريق التقيد بأحكام القانون المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات الطابع الشخصي فيا يخص معالجة هذه المعطيات واستغلالها في مختلف تطبيقات المنظومة الوطنية لتسجيل الأسر والأفراد، وكمرحلة رابعة يتم إحداث “الوكالة الوطنية للسجلات”، وهي المكلفة بمراجعة المعلومات الموجودة في السجل والتأكد من صحتها والحفاظ على خصوصيتها، وتقوم بإنجاز كل دراسة تقييمية حول مختلف برامج الدعم الاجتماعي المقدم من قبل الإدارات العمومية والجماعات الترابية والهيئات العمومية[21].

وقد أصبح هذا السجل هو نقطة الانطلاق؛ لكل برامج الدعم الاجتماعي ولذلك تم اعتماد معايير دقيقة لاختيار الأشخاص المستفيدين من خلاله كأن يكون كل فرد منتم إلى أسرة الراغبة في الاستفادة من الدعم الاجتماعي قد سبق له التقيد في السجل الوطني للسكان، كمرحلة تسبق تسجيله في السجل الاجتماعي الموحد، كما المعطيات التي يدلي بها هؤلاء الأفراد أو الأسر المستفيدة يجب أن تكون حقيقية وغير مفبركة كما أن هذا الدعم ليس فقط حكرا على المغاربة فقط بل حتى الأجانب المقيمين بالتراب الوطني[22].

بالإضافة إلى خلق انسجام بين مختلف المتدخلين والعمل على استكمال منظومة مندمجة للتتبع والتقييم المستمر. وكذا إقامة سجل اجتماعي موحد كفيل بملاءمة آليات وطرق الاستهداف من أجل ضمان العدالة في الاستفادة من هذه البرامج للمستحقين. قامت الحكومة بوضع آلية استهداف ناجعة لتحسين فعالية برامج الحماية الاجتماعية، وتحسين الاستفادة من الموارد والإمكانات المتاحة لهذا المشروع، لتحقيق ما يلي:

إحداث السجل الوطني للسكان الذي يغطي جميع المواطنين المغاربة من جميع الأعمار. وكذلك الأجانب الموجودين في وضعية نظامية مع رقم تعريف خاص بكل فرد. وسيستند تطوير هذا السجل الوطني على السجلات الإدارية المتوفرة حاليا، ولاسيما سجل الحالة المدنية وسجل البطاقة الوطنية البيو مترية والسجل الخاص بالأجانب المقيمين بالمغرب. وإحداث سجل اجتماعي موحد يتضمن معلومات عن الحالة الاجتماعية والاقتصادية للأفراد والأسر، وهو ما سيمكن من تحديد الفئات الأكثر هشاشة المستوفية للشروط المطلوبة لاستحقاق الإعانات الاجتماعية. كما أن هذا السجل سيساعد الحكومة على وضع برامج متناسقة ومتكاملة للدعم الاجتماعي تستجيب لاحتياجات الفئات المستهدفة، إضافة إلى تمكينها من تجويد حكامة هذه البرامج والتقليص من أخطاء الإقصاء والإدماج، والحد من ممارسات الغش والاحتيال وخلق الشروط المثلى لتقليص آجال التنفيذ، وستتولى إدارة السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد، لضمان الاستخدام الأمثل للمعلومات المتضمنة فيهما، وكالة وطنية للسجلات[23].

ومن خلال ما سبق يمكن اعتبار المقتضيات القانونية التي تم إصدارها للتنزيل أحد مرتكزات الحماية الاجتماعية بالمغرب والمتعلق بالدعم الاجتماعي المباشر تحولا جوهريا في السياسة الاجتماعية المغربية، حيث أصبح الدعم يستهدف الأسر المستحقة بناءً على معايير موضوعية بدلا من الاستفادة الجماعية غير العادلة، وتحول من الدعم الاجتماعي غير المباشر الى دعم اجتماعي مباشر يهم الأسر الفقيرة والهشة. إذن ماهي الفئات الاجتماعية التي ستستفيد من الدعم؟ وماهي شروط الاستفادة منه؟ وماهي طبيعة هذه المنح؟

ثانيا: مكونات الدعم الاجتماعي المباشر

يهدف نظام الدعم الاجتماعي المباشر في المغرب إلى تقديم مساعدات مالية مباشرة للأسر المحتاجة، وفقا لمقتضيات القانون رقم 58.23 المتعلق بهذا النظام فيما يلي توضيح للفئات المستفيدة وطبيعة الإعانات المتقدمة، وشروط الاستفادة.

1-الفئات المستفيدة وطبيعة الإعانات المقدمة

يستهدف نظام الدعم الاجتماعي المباشر بشكل أساسي الأسر الفقيرة والمعوزة التي يقل دخلها عن عتبة محددة في هذا القانون؛ الأرامل والأسر التي تعيلها نساء بدون دخل قار؛ الأشخاص في وضعية إعاقة الفئات التي تستفيد سابقًا من برامج اجتماعية مثل “راميد” والمساعدات الغذائية؛

– إعانات للحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة، تقوم على تقديم دعم مباشر للأسر التي لها أولاد بمن فيهم المتكفل بهم؛

-إعانة جزافية تقدم للأسر لدعم قدرتها الشرائية والحد من الهشاشة والحماية من المخاطر المرتبطة بالشيخوخة؛

– إعانة خاصة تقوم على تقديم دعم للأطفال اليتامى والأطفال المهملين نزلاء مؤسسات الرعاية الاجتماعية[24]. في حين أن المشرع المغربي اشترط استفادة الأطفال اليتامى والأطفال المهملين نزلاء المؤسسات الرعاية الاجتماعية المرخص لها طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، ومن إعانة خاصة تحدد مبلغها وشروط الاستفادة منها وكيفيات منحها بنص تنظيمي، كما تودع هذه المبالغ المستحقة للطفل في حساب يتم فتحه باسمه ولا يحق، على الرغم من جميع الأحكام المخالفة، التصرف فيها إلا بعد بلوغ الطفل سن الرشد القانونية، كما لا يجوز لرب الأسرة الاستفادة من المنحة الشهرية والدعم التكميلي عن الطفل اليتيم أو المهمل نزيل مؤسسة الرعاية الاجتماعية[25]، وتتولى تدبير نظام الدعم الاجتماعي هيئة تحدث لهذا الغرض.

ثانيا: طبيعة الإعانات المتعلقة بالحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة

حدد قانون الإطار مجموعة من المحاور[26] لتعميم الحماية الاجتماعية أهمها: تعميم التعويضات العائلية من خلال تمكين الأسر التي لا تستفيد من هذه التعويضات وفق النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل من الاستفادة من: تعويضات للحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة، لا سيما منها الهدر المدرسي بالنسبة للأسر التي لديها أطفال دون سن: 21 سنة.

حيث تشتمل إعانات الحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة حسب المادة 2 من قانون المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر على:

أ) منحة شهرية تمنح للأسرة عن كل ولد دون سن الواحدة والعشرين (21) في حدود ستة (6) أولاد، ويحدد مبلغها حسب سن الولد ومتابعة الدراسة وتستمر الأسرة إلى حدود السن المذكورة في الاستفادة من هذه المنحة عن الطفل المتكفل به.

ويمنح أيضا للأسرة، بصرف النظر عن عدد الأولاد، دعم تكميلي عن كل ولد في وضعية إعاقة، وعن كل ولد يتيم من جهة الأب في حدود ثلاثة (3) أولاد.

تحدد بنص تنظيمي درجة الإعاقة التي تخول الاستفادة من الدعم التكميلي.

ب) منحة الولادة تمنح عن الولادتين الأولى والثانية.

2 -شروط استفادة الاسرة من اعانات الحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة[27]

أ -الإقامة والتسجيل:

أن يكون الأولاد دون سن الواحد والعشرين(21) بالنسبة للمنحة الشهرية والدعم التكميلي المشار إليه في البند أ من المادة 2 أعلاه. ويستثني من هذا الشرط. الولد في وضعية إعاقة عندما تكون الأم حاضنة أرملة؛

أن يكون رب الأسرة وأفرادها المعنيون بالإعانات مقيمين في المغرب قصد التسجيل في السجل الاجتماعي الموحد.

ب -عتبة الاستحقاق

أن تستجيب الأسرة لعتبة الاستحقاق المحددة من خلال التنقيط المحصل عليه في السجل الاجتماعي الموحد، والتي حددت في المادة الأولى من المرسوم[28] المتعلق بتحديد عتبة الاستفادة من نظام الدعم الاجتماعي المباشر في 9,74001

شروط إضافية للإعانة الجزافية:

عدم توفر الأسرة على أولاد، أو أن يتجاوز عمرهم إن وجدوا إحدى وعشرين سنة (21) سنة.

ملاحظات هامة:

لا يجوز لرب الأسرة الجمع بين الاستفادة من إعانات الحماية من المخاطر المرتبطة طفولة والإعانة الجزافية، ولا يمكن الجمع بين الإعانات لنظام الدعم الاجتماعي المباشر والمخصصات المالية لصندوق التكافل العائلي[29].

لا تستفيد الأسرة من الإعانات الممنوحة عن الطفل إذا كان طالبا أو متدربًا يستفيد من منحة دراسية، إلا إذا كان المبلغ الإجمالي السنوي لهذه المنحة أقل من المبلغ الإجمالي لتعويضات الحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة،[30]

ومن شروط الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر؛ لابد من التسجيل في السجل الاجتماعي الموحد الذي يعتمد على معايير اقتصادية واجتماعية دقيقة؛ والتوفر على رقم تعريف اجتماعي يثبت الأهلية الاستفادة؛ الالتزام بتحديث البيانات لضمان استمرار الاهلية.

أما بالنسبة لعناصر ومكونات الدعم الاجتماعي، فقد تم وضع كل برنامج على حدة في لحظة زمنية معينة وفي ظروف خاصة لفائدة فئات محددة من الساكنة ووفق إطار قانوني وقواعد تسيير مختلفة، وكنتيجة لذلك أصبحت برامج الدعم الاجتماعي تتميز بدرجة عالية من التشتت مع تعدد المتدخلين وتنوع الإجراءات وضعف التنسيق، ومحدودية التغطية. الشيء الذي ينتج عنه التداخل والتكرار في بعض البرامج الموجهة لبعض الفئات الاجتماعية، وفي نفس الوقت إقصاء أو قصور في تغطية فئات أخرى.

وهو نفس التوجه الذي أكده البنك الإفريقي للتنمية في تقريره الصادر سنة 2016م. والذي أكد على أن منظومة الحماية الاجتماعي تعاني من التشتت، في ظل وجود ما يناهز 140 برنامجا مختلفا و50 متدخلا، مما أدى إلى ضعف التنسيق بين الفاعلين في مجال حماية الاجتماعية وضعف الشفافية فيما يتعلق باختصاصاتهم، وغياب نظام للاستهداف موحد مما نتج عنه تداخلات في تغطية الحماية الاجتماعية[31]،

ويعد نظام الدعم الاجتماعي المباشر بالمغرب محطة مفصلية في مسار تعزيز الحماية الاجتماعية، حيث يجمع بين الاستهداف الدقيق والرقمنة لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه. ورغم التطور الذي شهده هذا النظام من حيث المعايير وآليات التنفيذ، لا تزال هناك تحديات عملية تستوجب المعالجة لضمان فعاليته واستدامته.

لكن إلى أي مدى تمكن هذا النظام من تجاوز إشكالات الاستهداف وضمان العدالة الاجتماعية في التوزيع؟ وما هي التحديات الكبرى التي تواجه تنزيله على أرض الواقع؟ وكيف يمكن التغلب على العقبات الإدارية التقنية، والمالية التي قد تحد من أثره؟ هذا ما سيتم التطرق إليه في المحور التالي.

المحور الثاني: التحديات التي تواجهها عملية تنزيل نظام الدعم الاجتماعي المباشر

رغم أهمية النظام الدعم الاجتماعي المباشر للأسر المغربية إلا أنه يواجه مجموعة من التحديات تعرقل تحقيق أهدافه بالكامل والمرتبطة بالاستهداف والتمويل والأثر الاجتماعي. إذن ماهي أهم التحديات التي تواجه نظام الدعم الاجتماعي المباشر؟

أولا: تحديات الدعم الاجتماعي المباشر

أ. تحديات تقنية وإدارية

إن تطوير نظم الحماية الاجتماعية في المغرب بشكل عام ونظام الدعم الاجتماعي المباشر بشكل خاص لا يقتصر على مجرد تعزيز الموارد المالية وتطوير البنية التحتية؛ بل تتعداها إلى تجويد أساليب الحكامة والإدارة. وهذا التجويد يعد حجر الزاوية لضمان توزيع الموارد بشكل عادل وفعّال؛ الأمر الذي يمثل تحدياً محورياً في سبيل تعزيز فعالية وشمولية هذه النظم. وفي هذا السياق، يتطلب الإصلاح الإداري تقديم حلول متقدمة للتحديات المتنوعة التي تواجه نظم الحماية الاجتماعية. وهنا سيتم استكشاف الجوانب الأساسية للإصلاحات الإدارية المطلوبة في إطار الحماية الاجتماعية بالمغرب، مع التأكيد على أهمية تحقيق التوازن بين الكفاءة والعدالة في تقديم الخدمات الاجتماعية، بما يضمن تحقيق الأهداف المنشودة من هذه النظم، كما يواجه إصلاح حكامة منظومة الحماية الاجتماعية مجموعة من التحديات أهمها تعدد الجهات المتدخلة في هدا القطاع، وهذا التشتت في الأدوار والمسؤوليات يعقد مسار الإصلاح، ويحول دون تحقيق الكفاءة والفعالية المرجوة عبر هدر الموارد والجهود. واستجابة لهذا التحدي، حيث أصدر رئيس الحكومة المغربية المنشور رقم 6/2018 بتاريخ 30 مارس 2018م[32]، الذي يهدف إلى تأسيس قواعد حكامة فعالة تضمن قيادة ودعم جهود إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية. وهذا المنشور يعتبر خطوة مهمة نحو تحقيق الإصلاح المنشود، على الرغم من أنه لا يزال غير كاف لحل لكل التحديات المرتبطة بتعدد الجهات المتدخلة.

وفي هذا الإطار تم إحداث لجن وزارية، ولجن تقنية بين وزارية، وأربع لجن موضوعاتية دائمة أهمها:

  • ‏ لجنة حكامة والتقائية برامج الحماية الاجتماعية، تحت مسؤولية الوزارة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة؛
  • لجنة التغطية الصحية الأساسية، تحت مسؤولية وزارة الصحة؛
  • لجنة مقاربة الاستهداف، تحت مسؤولية وزارة الداخلية؛
  • لجنة المساعدة الاجتماعية، تحت مسؤولية وزارة الأسرة والتضامن والتنمية الاجتماعية.

فيما تتألف اللجنة الموضوعاتية الدائمة للمساعدة الاجتماعية من القطاعات الآتية وأهمها:

  • رئاسة الحكومة؛
  • وزارة الاقتصاد والمالية؛
  • وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، التي تشرف على إنجاز ما يلي: دعم الأرامل، برامج صندوق دعم التماسك الاجتماعي الموجهة للأشخاص في وضعية إعاقة إصلاح منظومة مؤسسات الرعاية الاجتماعية برامج دعم المشاريع الاجتماعية للقرب بشراكة مع المجتمع المدني وورش هيكلة وتنظيم مهن العمل الاجتماعي؛
  • وزارة الداخلية، تتدخل في مجال المساعدة الاجتماعية من خلال الإشراف على برامج المرحلة الثالثة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، خاصة برنامج مواكبة الأشخاص في وضعية هشة برنامج تحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب وبرنامج الدعم الموجه للتنمية البشرية للأجيال الصاعدة.
  • وزارة الصحة، التي تشرف على برنامج المساعدة الطبية “راميد”؛
  • وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي “القطاعات الأربع

من خلال الإشراف على برنامج “تيسير”، برنامج مليون محفظة، الداخليات والمطاعم

المدرسية والنقل ومنح التعليم العالي والتكوين المهني؛

  • وزارة العدل من خلال إشرافها على صندوق التكافل العائلي؛
  • وزارة الشغل والإدماج المهني[33].

إن تقليص عدد المتدخلين في مجال الحماية الاجتماعية سيعزز الكفاءة والفعالية والحد من عدم التنسيق بين مختلف الفاعلين.

أما على المستوى التقني تعتبر الرقمنة كوسيلة استراتيجية أساسية لتحسين الكفاءة والفعالية، وذلك خاصة فيما يتعلق بتسجيل الأسر المستهدفة من الدعم الاجتماعي المباشر، وتقديم طلباتهم واستلام المدفوعات، وتقديم الشكاوى من طرف غير المستفيدين. وتهدف الرقمنة كذلك إلى تسهيل الوصول إلى الخدمات للمستفيدين وتقليل تكاليف تقديم الخدمات.

كما يتيح السجل الاجتماعي الموحد إمكانية تقييم والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للأسر، وباعتماده كذلك على نظام النقاط لتحديد الأسر الأكثر احتياجا وفق درجة هشاشتها يضمن الشفافية ويقلل من التلاعب في الاستفادة من الدعم، كما أن الحاجة إلى تطوير قاعدة بيانات دقيقة لضمان استهداف الأسر المستحقة بدقة يؤدي إلى تحسين كفاءة النظام الرقمي وتحيين الأخطاء في التسجيل والتقييم.

كما تبرز التحديات الإدارية والتقنية كعوامل حاسمة في مدى نجاح نظام الدعم الاجتماعي المباشر بالمغرب. فبين تعقيد التنسيق المؤسساتي وضعف الموارد البشرية المتخصصة والفجوة الرقمية، تبقى فعالية هذا النظام رهينة بمدى قدرة الدولة على تطوير بنياتها الإدارية وتعزيز الرقمنة بشكل يضمن الشمولية والشفافية. كما أن التغلب على هذه العقبات يتطلب رؤية استراتيجية تدمج بين تحديث المنظومة القانونية وتأهيل الموارد البشرية، وتوفير البنية التحتية الرقمية الكفيلة بتيسير الولوج العادل إلى الدعم الاجتماعي المباشر.

لكن، إلى أي مدى تؤثر هذه التحديات على تحقيق الأهداف الاجتماعية المرجوة؟ وهل يمكن تجاوزها عبر إصلاحات مؤسساتية وهيكلية؟ هذه الأسئلة وغيرها ستقودنا إلى المحور الموالي، المتعلق بالتمويل واستدامة الموارد.

ب تحديات الاستدامة المالية

لإنجاح أي مشروع مجتمعي فإنه يحتاج إلى مصادر التمويل ومن هذا المنطلق سيتم توفير الموارد المالية تخصص من ميزانية الدولة والعائدات الضريبية، بحيث تمثل التحديات المالية أحد العوامل الأساسية التي قد تؤثر على استدامة وفعالية نظام الدعم الاجتماعي المباشر بالمغرب. فمع تزايد أعداد المستفيدين، وارتفاع تكاليف تمويل البرامج الاجتماعية، تبرز الحاجة إلى تبني استراتيجيات مالية مبتكرة، سواء عبر تنويع مصادر التمويل، أو تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، أو تحسين الحكامة المالية لضمان توجيه الموارد بكفاءة وشفافية. كما أن ربط الدعم بآليات النمو الاقتصادي يمكن أن يساهم في تخفيف العبء المالي على الدولة، وجعل النظام أكثر استدامة على المدى البعيد.

غير أنه لضمان نجاح واستمرارية أية سياسات أو برامج عمومية فهي تحتاج الآليات التمويل لتجسيد مضامينها على أرض الواقع والتطبيق الفعلي لها، لذلك فقد عمل المشر المغربي على النص ضمن القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية على آليتين للتمويل: الآلية الأولى قائمة على الاشتراك بالنسبة للأشخاص القادرين على المساهمة في تمويل هذه الحماية الاجتماعية وآلية ثانية قائمة على التضامن لفائدة الأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك.

وسيتم توفير الموارد المالية للآلية التضامن من المخصصات المالية من ميزانية الدولة، والعائدات الضريبية المخصصة لتمويل الحماية الاجتماعية، والموارد المتأنية من إصلاح نظام المقاصة، والهبات والوصايا. وذلك وفق ما جاء في المادة 11 من قانون 09.21.

أما بالنسبة للألية القائمة على التضامن لفائدة الأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك، حيث نصت المادة 13 من القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية على أن الآلية القائمة على التضامن تخول حق الاستفادة من خدمات الحماية الاجتماعية المتعلقة بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض ومن التعويضات المخصصة للحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة أو من التعويضات الجزافية، حيث ترتكز هذه الآلية على الأداء المسبق للاشتراكات من طرف الدولة لفائدة الأشخاص المعنيين، وذلك من خلال الموارد التالية:

المخصصات المالية من ميزانية الدولة؛ العائدات الضريبية المخصصة لتمويل الحماية الاجتماعية؛ الموارد المتأتية من إصلاح المقاصة؛ الهبات والوصايا؛

جميع الموارد الأخرى التي يمكن أن ترصد بموجب نصوص تشريعية خاصة[34].

ومع تزايد عدد المستفيدين من نظام الدعم الاجتماعي المباشر، ستحتاج الدولة إلى حلول مبتكرة لتمويل هذا النظام، مثل إصلاح النظام الضريبي لضمان عدالة التمويل، بحيث تصل التكلفة السنوية لتعميم الاستفادة من أنظمة الحماية الاجتماعية إلى51 مليار درهم. مقسمة على الشكل بين 28 مليار درهم تتأتى من آلية الاشتراك بالنسبة للأشخاص الذين تتوفر لديهم القدرة على المساهمة، و23 مليار درهم سيتم تحصيلها في إطار تضامني بالنسبة للأشخاص الذين لا تتوفر لديهم هذه القدرة[35]، وهو ما يعني أن حوالي 45% من الوعاء المالي لورش تعميم الحماية الاجتماعية سيتأتى من مصادر تضامنية.

رغم أن المغرب نجح بشكل كبير في توفير الإطارات الدستورية والتشريعية والمؤسساتية والتنظيمية لتدبير نظام الدعم الاجتماعي المباشر بالمغرب، لابد من الإبداع والاجتهاد لإيجاد حلول لتحدي التمويل المرتبط بتنزيل مشروع الحماية الاجتماعية بصفة عامة ونظام الدعم الاجتماعي المباشر بصفة خاصة، عبر توسيع قاعدة المساهمين والمستفيدين.

لكن كيف يمكن للحكومة تحقيق التوازن بين توفير الدعم المباشر وضمان استقرار المالية العامة؟ وما هي الآليات الكفيلة بضمان تمويل مستدام لهذا النظام دون المساس بالتوازنات الاقتصادية الكبرى؟ وهل يمكن اعتماد مقاربات جديدة في تدبير الموارد المالية المخصصة للحماية الاجتماعية؟

هذه الأسئلة تفتح النقاش حول آفاق تطوير نظام الدعم الاجتماعي المباشر في المغرب.

ج التحديات الاجتماعية

يمثل البعد الاجتماعي أحد الركائز الأساسية في نجاح نظام الدعم الاجتماعي المباشر، إلا أن عدة تحديات قد تعيق تحقيق أهدافه المنشودة. فإلى جانب إشكالات العدالة في التوزيع، يواجه النظام تحديات تتعلق بمدى قبول المجتمع لهذا النموذج من الدعم، وتأثيره على ثقافة العمل والاستقلالية الاقتصادية. كما أن تحقيق التكامل بين الدعم المباشر وباقي البرامج الاجتماعية يظل ضرورة لضمان عدم تحول النظام إلى أداة محدودة الأثر، بل إلى رافعة لتمكين الأسر المستفيدة وتحقيق الإدماج الاجتماعي والاقتصادي.

ومن أهم التحديات الاجتماعية التأثير على سوق الشغل بحيث قد يؤثر الدعم المباشر على الحافزية للعمل لدى بعض الفئات، لذا يجب ضرورة تغيير العقليات بخصوص المساعدات الاجتماعية لضمان توظيفها في تحسين ظروف العيش وليس فقط كمصدر دخل إضافي؛ ثم الاستهداف العادل إذ أنه رغم اعتماد السجل الاجتماعي الموحد، قد تواجه بعض الأسر المستحقة صعوبات في التسجيل أو التقييم، مما قد يؤدي إلى إقصاء بعض الفئات الهشة؛ إضافة إلى التأثير على ثقافة العمل، فقد يؤدي الاعتماد المستمر على الدعم إلى تقليل الحافز لدى بعض الفئات للبحث عن عمل أو تحسين وضعهم الاقتصادي؛ ثم التفاوتات المجالية حيث نجد بعض المناطق القروية قد تعاني من ضعف الولوج إلى الخدمات الرقمية أو البنكية، مما يعيق استفادة الأسر من الدعم؛ بالإضافة إلى التماسك الاجتماعي فقد يخلق النظام شعورًا بعدم العدالة بين المستفيدين وغير المستفيدين خاصة إذا لم تكن معايير الاستحقاق واضحة للجميع.

لكن كيف يمكن تعزيز وعي المجتمع بأهمية هذا النظام دون تكريس ثقافة الاتكالية؟ وما هي سبل ضمان تفاعل إيجابي بين الدعم المباشر وبرامج التمكين الاقتصادي؟ وهل يمكن توظيف آليات الإدماج الاجتماعي لجعل الدعم خطوة نحو الاستقلالية المالية بدل الاعتماد الدائم على المساعدات؟ هذه التساؤلات تدفعنا إلى التفكير في مستقبل نظام الدعم الاجتماعي المباشر وآفاق تطويره

ح_ تحديات الحكامة والتدبير

ترتكز الحكامة الاجتماعية أساسا على استعمال طريقة علمية يحدد المتطلبات الاجتماعية كأهداف يسعى المجتمع لإشباعها، وكذلك طريقة مواجهة تلك الحاجات من خلال التخطيط العلمي، وتستهدف مساهمة الجميع في وضع السياسات الاجتماعية، فالحكامة الاجتماعية تتقني استقراء الحاجات الاجتماعية للقاعدة الكبيرة من السكان وليست نتيجة لعمليات اجتهادية عشوائية أو تصدر في مواقف انفعالية، فعلى العكس من ذلك يجب أن تكون مصالح أغلبية أفراد المجتمع مستجيبة لآمالهم، ومعبرة عن تطلعاتهم.

لضمان استمرارية الدعم الاجتماعي المباشر الموجه للفئات الاجتماعية الفقيرة يجب تحديث معايير الاستهداف، وذلك عبر تقييم المستمر لمستوى نجاح الذي حققه هذا البرنامج، والوقوف على العراقيل التي واجهها، ومن تم إمكانية تقويم الاختلالات المسجلة.

هذا تقييم سواء من قبل البرلمان أو من قبل المجلس الأعلى للحاسبات، أو حتى من خلال المؤسسات والأجهزة الأخرى التي تمارس الرقابة، يشكل عاملا أساسيا لتحقيق النجاعة والفعالية في تنزيل السياسات العمومية الاجتماعية، وتتعاظم هذه الأهمية بالنظر إلى حجم البرامج الاجتماعية التي أطلقتها الدولة خلال العقدين الأخيرين، حيث لا يمكن أن يتم رسم الأهداف البرنامج معين وتصرف عليه أموال طائلة دون القيام بعملية التقييم للتحقق من النتائج البرنامج المذكور وقياس مدى نجاعته والأثر الاجتماعي على الفئات المستهدفة، وتنفيذا لمضامين المادة 15 من قانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية “تسهر السلطات العمومية على اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لوضع إطار الحكامة يمكن من ضمان التقائية مختلف أنظمة الحماية الاجتماعية، لاسيما من خلال اعتماد هيئة موحدة للتدبير هذه الأنظمة[36]، كما تنص المادة 16 من نفس القانون على ما يلي: من أجل ضمان تكامل وتناسق الإجراءات المتخذة لإصلاح الحماية الاجتماعية تعمل الحكومة على إحداث آلية للقيادة تسهر بصفة خاصة على تتبع تنفيذ هذا الإصلاح وتنسيق تدخلات مختلف الأطراف المعنية[37]“.

ومن المعلوم أن نظام الحماية الاجتماعية يتسم بالتشتت لذلك ينبغي تكثيف الجهود من أجل رسم رؤية شاملة وموحدة تتضمن أولويات وأهداف واضحة وتوزيع للأدوار والمسؤوليات بين المتدخلين بالشكل الذي يساهم في إنجاح الورش الملكي الكبير.

بالإضافة إلى خلق انسجام بين مختلف المتدخلين والعمل على استكمال منظومة مندمجة للتتبع والتقييم المستمر. وكذا إقامة سجل اجتماعي موحد كفيل بملاءمة آليات وطرق الاستهداف من أجل ضمان العدالة في الاستفادة من هذه البرامج للمستحقين. قامت الحكومة بوضع آلية استهداف ناجعة لتحسين فعالية برامج الحماية الاجتماعية، وتحسين الاستفادة من الموارد والإمكانات المتاحة[38].

ولمواجهة هذه التحديات التي تواجه تنزيل نظام للدعم الاجتماعي المباشر يتعين وضع مجموعة من البرامج ملائمة للمساعدة الاجتماعية وتنفيذها بما يتماشى مع مبادئ احترام حقوق الإنسان، في إطار منطق الإدماج في الحياة الاجتماعية والعمل على ترسيخ تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين في العيش الكريم.

الخاتمة:

يمثل نظام الدعم الاجتماعي المباشر للأسر المغربية خطوة مهمة نحو تعزيز الحماية الاجتماعية، لكنه يظل بحاجة إلى تطوير مستمر لضمان فعاليته حيث تبقى المسألة الأساسية هي كيفية تحقيق التوازن بين الدعم المباشر وتحفيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك لضمان تحقيق “الدولة الاجتماعية” المنشودة، لكن نجاحه يتطلب تحسين آليات الاستهداف، وضمان استدامة التمويل، وربطه بسياسات اجتماعية من أجل ضمان مستوى عيش أفضل لجميع الفئات التي توجد في وضعية هشاشة، وكذا محاربة الفوارق الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية.

ومن خلال ما سبق نساهم ببعض المقترحات أهمها:

  • الرفع من قيمة التعويضات التي تتناسب مع ارتفع أسعار المواد الغذائية؛
  • تخفيض معدل العتبة من أجل استفادة أغلبية الأسر المعوزة؛
  • تبسيط المساطر بالنسبة للأسر المتواجدة بالعالم القروي؛
  • تفعيل صندوق التضامن بين الجهات والذي جاء به البرنامج الحكومي الحالي؛
  • تقديم مساعدات عينية ومادية للأسر المتكفلة بمسن أو أكثر؛
  • عدم الجمع بين النظم الدعم الاجتماعي والتامين الإجباري عن المرض في العتبة؛
  • تعزيز دقة السجل الاجتماعي الموحد عبر تحديث البيانات بشكل دوري وإدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الفئات المستحقة؛
  • ضمان شفافية أكبر في معايير الاستحقاق لتفادي أي اختلالات أو تلاعب في الاستفادة؛
  • وضع آليات رقابة فعّالة لتتبع توزيع الدعم وضمان وصوله للمستحقين الحقيقيين؛
  • إشراك هيئات المجتمع المدني “المؤسسات البحثية في تقييم أداء النظام بشكل دوري”؛
  • تنويع مصادر تمويل البرنامج عبر فرض ضرائب تصاعدية على الشركات الكبرى أو تخصيص جزء من موارد صندوق المقاصة الملغاة؛
  • ضبط ميزانية البرنامج بما يضمن تحقيق الأثر الاجتماعي المطلوب دون الإضرار بالتوازنات المالية العامة؛
  • إجراء دراسات دورية لقياس تأثير الدعم على تحسين ظروف العيش ومحاربة الفقر.

المراجع:

تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي” الحماية الاجتماعية في المغرب واقع الحال، الحصيلة وسبل التعزيز أنظمة الضمان والمساعدة الاجتماعية، إحالة ذاتية سنة2017.

  • تقرير المجلس الأعلى للحسابات “المحاور الرئيسية للتقرير السنوي برسم 2022/2023”.
  • جمال الكواكبي” تعميم الحماية الاجتماعية للفئات الهشة مدخل لتعزيز الدولة الاجتماعية”، مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية، العدد 40، دجنبر، سنة 2022.

رشيد بن بيه ” أنظمة الحماية الاجتماعية بالمغرب التحديات والآفاق” افريقيا الشرق الدار البيضاء”، سنة2013.

  • مرسوم رقم 214791 صادر في 11 من صفر 1436 (4) ديسمبر (2014) بتحديد شروط ومعايير الاستفادة من الدعم المباشر للنساء الأرامل في وضعية هشة الحاضنات لأطفالهن اليتامى، الجريدة الرسمية عدد: 6310 الصادرة بتاريخ 25 صفر 1436 (15) ديسمبر 2014).
  • ظهير شريف رقم 1.10.191 صادر في 7 محرم ديسمبر (2010) بتنفيذ القانون رقم 41.10 المتعلق بتحديد شروط ومساطر الاستفادة من صندوق التكافل العائلي.

سعيد جفري وآخرون، تقديم محمد الرهج” المبادرة الوطنية للتنمية البشرية السياق العام، الأسس والآليات”، مطبعة أوماكراف الدار البيضاء، الطبعة الثانية، سنة2006 م

فؤاد اشن ” السياسات العمومية والتحديات الاجتماعية بالمغرب” دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى، 2022.

فتيحة الطالبي” المشاريع السياسية الكبرى في المغرب، بين المحدودية ومحاولات الإقلاع السياسي والاقتصادي والاجتماعي” منشورات دار الأمان، الرباط، سنة 2023،

قانون رقم 72.18 المتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي وبإحداث الوكالة الوطنية للسجلات.

  • عاجل ياسر “تحديات تحديث الإدارة الجهوية في تدبير السياسات العمومية الترابية بالمغرب “، ضمن الجهوية المتقدمة واللاتمركز الإداري: قراءة متقاطعة، منشورات المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية، عدد الخاص رقم 15، مطبعة الأمنية الرباط، الطبعة الأولى 2019.

المناظرة الوطنية الأولى للحماية الاجتماعية. تحت شعار جميعا من أجل منظومة مندمجة ومستدامة للحماية الاجتماعية، المجرات بقصر المؤتمر الدولي محمد السادس بالصغيرات يومي 12 و13 نونبر

قانون رقم 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر

مرسوم رقم 2.23.1068 صادر في 17 من جمادى الأولى 1445(فاتح ديسمبر 2023) بتحديد عتبة الاستفادة من نظام الدعم الاجتماعي المباشر.

  • قانون الإطار 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية

رشيد قاعدة” ورش الحماية الاجتماعية بالمغرب بين متطلبات التنزيل واكراهات التفعيل” مؤلف جماعي ضمن ” السيدة الصحية والحماية الاجتماعية بإفريقيا في زمن الازمات، تقديم محمد كريم، ناشر مختبر الأبحاث القانونية والسياسية بجامعة الحسن الأول بسطات، الطبعة الأولى 2023،

  • منشور رئيس الحكومة، رقم 2018/ 6 بتاريخ 30 مارس 2018.المتعلق بإصلاح منظومة الحماية الاجتماعية بالمغرب وإرساء قواعد لقيادتها وحاكمتها.
  • طارق مرزاق ” نظم الحماية الاجتماعية دور الدكاء الاصطناعي في تعزيز فعالية الاستهداف” أطروحة دكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية، جامعة الحسن الأول كلية العلوم القانونية والسياسية، موسم الدراسي 2023/2024.
  • تقرير لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، مشروع القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية الدورة الاستثنائية برسم السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة 2021.

توفيق دحو” إكراهات تعميم الحماية الاجتماعية” بين التدبير والتمويل، مؤلف جماعي، تقديم محمد كريم، مرجع سابق

  1. تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي” الحماية الاجتماعية في المغرب واقع الحال، الحصيلة وسبل التعزيز أنظمة الضمان والمساعدة الاجتماعية، إحالة ذاتية سنة2017، ص 8.
  2. تقرير المجلس الأعلى للحسابات “المحاور الرئيسية للتقرير السنوي برسم 2022/2023” ص23
  3. المجلس الأعلى للحسابات ” المحاور الرئيسية للتقرير السنوي برسم سنة2022_2023″ ص 24.
  4. صندوق المقاصة، حسب ظهير 25فبراير 1941، مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، ويخضع الوصاية الوزير الأول، وتؤطره المقتضيات القانونية للظهير الشريف 1.59.271 الصادر بتاريخ 14 فبراير 1960 المتعلق بالمراقبة المالية للمؤسسات العمومية.
  5. رشيد بن بيه ” أنظمة الحماية الاجتماعية بالمغرب التحديات والافاق” افريقيا الشرق الدار البيضاء، سنة2013، ص 127/128.
  6. جمال الكواكبي” تعميم الحماية الاجتماعية للفئات الهشة مدخل لتعزيز الدولة الاجتماعية”، مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية، العدد 40، دجنبر، سنة 2022/ص 140/141.
  7. رشيد بن بيه، مرجع سابق، ص 147.
  8. يتعلق الامر بالحكومة التي تراسها عباس الفاسي خلال سنوات 2007/2011
  9. الحماية الاجتماعية في المغرب واقع الحال الحصيلة وسبل تعزيز أنظمة الضمان الاجتماعي والمساعدة الاجتماعية، سنة 2018، ص51.
  10. مرسوم رقم 214791 صادر في 11 من صفر 1436 (4) ديسمبر (2014) بتحديد شروط ومعايير الاستفادة من الدعم المباشر للنساء الأرامل في وضعية هشة الحاضنات لأطفالهن اليتامى الجريدة الرسمية عدد 6310 الصادرة بتاريخ 25 صفر 1436 (15) ديسمبر 2014).
  11. تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي” الحماية الاجتماعية، واقع الحال، حصيلة وسبل تعزيز أنظمة الضمان والمساعدة الاجتماعية، مرجع سابق، ص 17
  12. ظهير شريف رقم 1.10.191 صادر في 7 محرم ديسمبر (2010) بتنفيذ القانون رقم 41.10 المتعلق بتحديد شروط ومساطر الاستفادة من صندوق التكافل العائلي.
  13. سعيد بن بيه، مرجع سابق، ص159/160.
  14. رشيد بن بيه، مرجع سابق، ص 159.
  15. سعيد جفري واخرون، تقديم محمد الرهج” المبادرة الوطنية للتنمية البشرية السياق العام، الأسس، والاليات”، مطبعة اوماكراف الدار البيضاء، الطبعة الثانية، سنة2006، ص57.
  16. فؤاد اشن ” السياسات العمومية والتحديات الاجتماعية بالمغرب” دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى، 2022، ص118/119.
  17. انظر المادة 2و3و4 من قانون رقم 72.18 المتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي وبإحداث الوكالة الوطنية للسجلات.
  18. فتيحة الطالبي” المشاريع السياسية الكبرى في المغرب، بين المحدودية ومحاولات الإقلاع السياسي والاقتصادي والاجتماعي” منشورات دار الأمان، الرباط، سنة 2023، ص168
  19. أنظر المادة 6 من قانون رقم72.18 المتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برنامج الدعم الاجتماعي وبإحداث الوكالة الوطنية للسجلات.
  20. أنظر المادة 18 من نفس القانون 72.18.
  21. عاجل ياسر “تحديات تحديث الإدارة الجهوية في تدبير السياسات العمومية الترابية بالمغرب “، ضمن الجهوية المتقدمة واللاتمركز الإداري: قراءة متقاطعة، منشورات المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية، عدد الخاص رقم 15، مطبعة الأمنية الرباط، الطبعة الأولى 2019. ص 25 إلى 27.
  22. فتيحة الطالبي، مرجع سابق، ص170/171.
  23. المناظرة الوطنية الأولى للحماية الاجتماعية. تحت شعار جميعا من أجل منظومة مندمجة ومستدامة للحماية الاجتماعية، المجرات بقصر المؤتمر الدولي محمد السادس بالصغيرات يومي 12 و13 نونبر 2018.
  24. انظر المادة الأولى من قانون رقم 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر
  25. أنظر المادة 16 من قانون رقم 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر
  26. أنظر المادة 4 من قانون الإطار 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية
  27. انظر المادة 3 من قانون رقم 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر
  28. أنظر المادة الأولى من مرسوم رقم 2.23.1068 صادر في 17 من جمادى الأولى 1445(فاتح ديسمبر 2023) بتحديد عتبة الاستفادة من نظام الدعم الاجتماعي المباشر.
  29. أنظر المادة 5 من قانون رقم 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر
  30. أنظر المادة 6 من نفس القانون
  31. رشيد قاعدة” ورش الحماية الاجتماعية بالمغرب بين متطلبات التنزيل واكراهات التفعيل” مؤلف جماعي ضمن ” السيدة الصحية والحماية الاجتماعية بإفريقيا في زمن الازمات، تقديم محمد كريم، ناشر مختبر الأبحاث القانونية والسياسية بجامعة الحسن الأول بسطات، الطبعة الأولى 2023، ص 177.
  32. منشور رئيس الحكومة، رقم 2018/ 6 بتاريخ 30 مارس 2018.المتعلق بإصلاح منظومة الحماية الاجتماعية بالمغرب وإرساء قواعد لقيادتها وحكامتها.
  33. طارق مرزاق ” نظم الحماية الاجتماعية دور الدكاء الاصطناعي في تعزيز فعالية الاستهداف” أطروحة دكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية، جامعة الحسن الأول كلية العلوم القانونية والسياسية، موسم الدراسي 2023/2024، ص342/343.
  34. انظر المادة 2 من قانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية الصادر بالجريدة الرسمية عدد6975 بتاريخ 05 ابريل 2021.
  35. تقرير لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، مشروع القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية الدورة الاستثنائية برسم السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة 2021 ص17.
  36. انظر المادة 15 من قانون الإطار المتعلق بالحماية لاجتماعية
  37. انظر المادة 16 من نفس القانون
  38. توفيق دحو ” إكراهات تعميم الحماية الاجتماعية” بين التدبير والتمويل، مؤلف جماعي، تقديم محمد كريم، مرجع سابق، ص377.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى