في الواجهةمقالات قانونية

نقلة مسطرية مستحدثة ـ قراءة في أبرز مستجدات قانون المسطرة الجنائية رقم  03.23  – الرايف يوسف

الاسم العائلي: الرايف

الاسم الشخصي: يوسف

الصفة: طالب باحث بسلك الماستر بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق ـ جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء ـ تخصص القانون المدني والأعمال

Family name: Raif

First name: Youssef

Position: Master’s student at the Faculty of Legal, Economic, and Social Sciences, Ain Chock, Hassan II University, Casablanca, specializing in Civil Law and Business

Academic qualifications: Bachelor’s degree in basic studies, specializing in legal sciences, from the Faculty of Legal, Economic, and Social Sciences, Ain Chock, Hassan II University, Casablanca, for the 2024/2025 academic year

نقلة مسطرية مستحدثة ـ قراءة في أبرز مستجدات قانون المسطرة الجنائيةرقم  03.23 

ملخص المقال باللغة العربية:

لا شك أن الجانب الزجري يحظى بأهمية كبرى داخل المنظومة القانونية ببلادنا ليس فقط في شق وجود تلك المقتضيات التي يؤمل منها تحقيق الردع بشقيه بل في وجود تلك المقتضيات التي تحسن تفعيل تلك البنود ذات الطابع الموضوعي، أمر يجسد في شق قانوني مسطري يبرز كافة المقتضيات التي تتبع لدى كافة الجهات المتدخلة في المتابعة الزجرية، فجاء القانون 03.23 ليكرس ما أتت به الترسانة القانونية التي سبقته إلا أنه جاء بأمور مستحدثة نوعا ما، ولربما قد تكون إيجابية لأن الجزم اليقيني غير متاح حاليا.

الكلمات المفتاحية: القانون 03.23 ـ القانون المسطري ـ المتابعة الزجرية

Article Summary in English:

There is no doubt that the punitive aspect is of great importance within our country’s legal system, not only in terms of the provisions that are hoped to achieve deterrence in both its aspects, but also in terms of the provisions that enhance the implementation of these substantive provisions. This is embodied in a procedural legal aspect that highlights all the provisions followed by all parties involved in punitive prosecution. Law 03.23 thus consolidates the legal arsenal that preceded it, but it also introduces somewhat new provisions, which may be positive, given that absolute certainty is currently unavailable.

Keywords: Law 03.23 – Procedural Law – Penal Prosecution

نقلة مسطرية مستحدثة ـ قراءة في أبرز مستجدات القانون 03.23

لا يكفي وجود قواعد قانونية موضوعية من أجل تكريس الحق لمن يكون الأولى به بل من المستلزم وجود قواعد مسطرية تفعل هاته القواعد القانونية ذات الشق الموضوعي على أرض الواقع، ولما كانت الترسانة القانونية المغربية تتخبط قواعده المسطرية في قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية، فإن دراستنا المحكمة اليوم ستقف عند القاعدة المسطرية الثانية وفق أبرز تعديل جرى لها والذي من شأنه أن يواكب المستجدات الحاصلة، لكن قبل الخوض في صلب هذا الموضوع والتفصيل فيه وفق الشكل المطلوب لا بد أن يستأنف الذكر بشأن القوانين المسطرية ذات الصبغة العقابية التي شهدها المغرب فهنالك شقين إثنين، ينبري فيها الأول على ما وجد في فترة الاستعمار والتي ابتدأ فيها الذكر ب ظهير 12 غشت 1913 القاضي بتطبيق قانون تحقيق الجنايات الفرنسي أمام المحاكم الفرنسية بالمغرب المؤسسة بظهير 12 غشت 1913 مرورا بالظهير الخليفي الصادر في فاتح يوليوز 1914 القاضي بتطبيق قانون الإجراءات الجنائية الإسباني على المحاكم الإسبانية المحدثة في شمال المغرب، بالإضافة إلى ظهير 4 غشت 1918 المنشئ للمحاكم المخزنية والتي عهد بواسطتها إلى القواد والباشوات بالنظر في المسائل الزجرية بالنسبة للمغاربة في غير ما يرجع لاختصاص المحاكم الفرنسية أو القاضي الشرعي، وقد تميز هذا الظهير بقلة نصوصه وبدمجه للمسطرتين الجنائية والمدنية المتبعتين أمام هذه المحاكم، لتأتي بعد ذلك ثلاث ظهائر الأول صدر في 15 ماي 1925 والذي شمل قانون المسطرة الجنائية الواجب التطبيق في منطقة طنجة الدولية، والثاني الذي صدر في 8 أبريل 1934 والذي أوجد مسطرة خاصة بالمرافعات لدى المحاكم المؤسسة بظهير 16 ماي 1930، وأخيرا ظهير 24 أكتوبر 1953 المشتمل على قانون المسطرة الجنائية المعتمد أمام المحاكم المخزنية[1]، أمام كل هذا التشعب والتعدد في النصوص المسطرية الجنائية، أمر جعل المغرب يعمد بعد الاستقلال إلى نشر قانون المسطرة الجنائية بتاريخ 10 فبراير 1959 نص شد به رحال طويلا إلى أن ظهر للوجود القانوني القانون 22.01، الذي جاء بعديد المقتضيات كقرينة البراءة هي الأصل وتكريس ضمانات المحاكمة العادلة وغيرها الكثير، إلا أنه بعد أزيد من عقدين على وجوده فقد أضحى محط تعديل لتجنب مكامن خلل ظهرت جراء اللاملائمة الحاصلة مع عالم اليوم، فخرج بذلك القانون 03.23 لحيز الوجود الذي جاء بعديد المقتضيات منها ما يدور في كفة الإيجاب ومنها من يتأرجح في كفة سلبية أو على الأقل مبهمة يكتنفها الغموض، فمن من هاته المقتضيات نال التوفيق وكان منبعا مستنيرا لكافة المتدخلين في مسار الإجراءات المسطرية الجنائية ومن كان عكس ذلك.

وللإجابة عن هكذا إشكال يقترح التصميم التالي:

المطلب الأول: المستجد في الشق الأول من القانون 03.23

المطلب الثاني: المستجد في الشق الثاني من القانون 03.23

المطلب الأول: المستجد في الشق الأول من القانون 03.23

عديدة هي المقتضيات التي أتى بها القانون 03.23، ولنا في هذا الشق الأول الحديث عن المادة 3 التي أثارت جدلا حقوقيا وقانونيا كبيرا على أن يتم في ذات الشق الحديث عن المستجدات المتعلقة بمرحلة البحث التمهيدي.

الفقرة الأولى: المتابعة في جرائم المال العام على ضوء القانون 03.23

أثارت المادة 3 من قانون المسطرة الجنائية الجديد لغطا كبيرا وفتحت باب النقاش على مصراعيه، نقاش كان ركيزته الانتقاد من قبل جمعيات حماية المال العام، فهم يعتبرونها بمثابة رادع لإمكانية النيابة العامة في ملاحقة جرائم الفساد المالي من خلال اشتراط ورود الملفات من جهات إدارية باستثناء حالة التلبس بينما اعتبرها أخرون أنها تهدف إلى تنظيم معالجة هذه القضايا ضمن إطار قانوني منظم ودقيق[2].

ولعل أن الانتقاد البارز الذي وجه لهذه المادة هو أنها مخالفة للمادة 13 من الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد التي يتم الترويج على أنها تشدد على وجوب تمكين الأفراد والجمعيات من الإبلاغ عن الفساد لدى القضاء، ولعل هذه الانتقاضات برزت أيضا بدعاء أن تلك المكنة الإيجابية المتعلقة بحالة التلبس لا يمكن تصورها[3] والحال أن هذا الأمر مضحوض على جوانبه لأن مكنة كهذه قائما تأسيسا على الحالات التي تنشأ فيها واقعة التلبس.

ولعل رب قائل إن مقتضى المادة 3 هو بمثابة قيد على جمعيات المال العام وأنه يشكل نقطة سلبية لهم هو في حد ذاته ليس على صواب بشكل تام، لأن تخويل المكنة للنيابة العامة بناء على قيد صارم فيه من الإيجابيات ولا يشكل أرضية خصبة للسلبيات، فلا هي تمس بالاستقلال المرجو والمنادى به دستوريا[4]، بل تعزز من طبيعة الدور الذي تقوم به تلك الهيئات الشيء الذي سيضاعف من مردودية العمل المنصب أساسا على المال العام بل ويشجعها على أن تقف رادعا له قبل تحقق الفعل الجرمي المتعلق بهذا النوع من المال.

لكن برغم من ذلك هنالك بعض المخاوف التي تأتي جراء اعتبار هذا المقتضى لأول مرة سيقوم بهاته الشاكلة على أمل ألا يتم استغلاله في غير مساره المتوخى منه.

الفقرة الثانية: المستجدات المتعلقة بجمع الأدلة على ضوء القانون 03.23

بادئ ذي بدء وبما أن البحث التمهيدي هو أول إجراء يباشر ومن لدن الشرطة القضائية فقد تم التنصيص على مقتضى مهم حيث أضيفت فقرة أخرى للمادة 17 فبعد أن كان النص قاصرا على جعل هاته الأخيرة تحت سلطة الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف ومراقبة الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف[5] فقط، فقد أضح جهاز الشرطة القضائية بصراحة النص الجديد يعمل تحت سلطة النيابة العامة وقضاة التحقيق كل فيما يخصه، أمر مهم وفيه صراحة من الإيجابيات الكثيرة واستقلالية مهمة على مستوى من يتبع ضباط الشرطة القضائية في الأوامر التي تصدر من لدن النيابة العامة وقاضي التحقيق مكرسا بذلك سلطة هذا الأخير عليهم، من جانبه تم تخويل الصفة الضبطية للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض والمحامين العامين التابعين له بالإضافة إلى ذوي الصفة المحددين أنفا في ظل الصياغة السابقة للمادة وفق القانون 22.01، مع إضافة هاته الصفة كذلك لخلفاء القواد بمختلف درجاتهم ومهامهم، ولكي يباشروا مهامهم فقد تم تحديدها وهي لا تخرج عن المألوف سلفا، غير أن هنالك بعض الأمور المضافة والتي هي بمحاسن مهمة، فقد تم إلزامهم بموجب المادة 21 عندما يتعلق الأمر بوشايات مجهولة المصدر أن يحصلوا على إذن من النيابة العامة المختصة قبل أن يباشروا الأبحاث بشأنها، على أن تتولى النيابة العامة في شخص وكيل الملك أو الوكيل العام لملك التأكد من جديتها قبل منح الإذن المذكور، وفي إطار الاختصاص المكاني لهم تم تعديل الفقرة الرابعة من المادة 19 من القانون الحالي حيث أضحى بإمكان ضابط شرطة قضائي مختص مكانيا في حالة الضرورة أو الاستعجال أو مخافة اندثار الأدلة باتخاذ إجراءات من أعمال البحث التي يتعين على ضابط الشرطة القضائي المكلف القيام بها وذلك بعد إشعار الجهة القضائية المكلفة بالبحث والنيابة العامة المختصة التي يجرى البحث بدائرتها، أمر في حقيقته عبارة عن ميزة فعالة تمكن من تجنب البطئ والتأخير حيث قد يفر المجرم أو يتمكن من إزالة الأدلة المتعلقة بالفعل الجرمي.

وفي إطار المواكبة الرقمية لعالم اليوم أضحى المحضر الذي ينجزه ضابط الشرطة القضائية لا يقتصر مفهوم في دعامة ورقية بل تمت المزاوجة بينها وبين نظيرتها الإلكترونية، وهو أمر فيه من الإيجابيات الشيء العديد حيث سيمكن من الانتقال من نمط ورقي إلى أخر الكتروني ويجنب التأخير في إنجاز ضباط الشرطة القضائية لمهامهم مع إمكانية أن يكون مذيلا بالتوقيع الإلكتروني أو الرقمي لمحرره أو الشخص المستمع إليه، كما أنه أضحى بإمكان وكيل الملك أو الوكيل العام للملك عندما يرغبون في الاستماع للمشتبه فيه لأجل تمديد الحراسة النظرية ألا يستمعوا له حضوريا بل فقط بواسطة تقنية الاتصال على أن هاته الأخيرة لا يأمر به إلى في حالات محددة حصرا بموجب المادة 66 ـ[6]1 ، ولما كان وكيل الملك يمارس سلطته على ضباط الشرطة القضائية فإنه قد تم منحه في علاقته مع المشتبه فيه إمكانية وضعه تحت المراقبة القضائية وفق المادة 161 من ذات القانون، أمر مهم وفيه من الضمانات الحمائية الشيء الكثير، إلا أنه لئن كانت له عديد السلط فإنها ليست منتشرة، وفي خضم المناداة الفقهية التي برزت منذ سنوات خلت نجد أن مشرع قانون 03.23 قد أخرجها حيز الوجود القانوني والحديث هنا عن ألية التجنيح القضائي فبعد أن كانت آلية أفرزتها الممارسة القضائية بالمحاكم لمواجهة تعقيد المساطر وعقلنة الزمن القضائي وتحقيق حسن سير العدالة، وذلك في غياب نص قانوني حالي يؤطرها بعد أن كان لحدود صدور ظهير الإجراءات الانتقالية لسنة [7]1974 ، والتي تقضي بنزول جهات التجنيح القضائي بالوقائع المعتبرة جناية في الأصل، إلى وصف الجنحة، وبالتالي معاملتها معاملة الجنحة وإحالتها على المحكمة الابتدائية بدل محكمة الاستئناف. ورغم ما ينطوي عليه التجنيح من خرق لمبدأ الشرعية الجنائية، إلا أن له دورا مهما في تحقيق حسن سير العدالة الجنائية[8] حيث أضحى بإمكان الوكيل العام للملك متابعة مرتكب فعل جرمي متمثل في جناية أمام وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية على أساس أنها جنحة وذلك بعد توافر الشروط التالية:

أن يتعلق الأمر بجناية: كما هو معلوم فإن الجرائم على ثلاث أنواع فإما أن تكون مخالفة أو جنحة أو جناية والتي تكون كذلك بدلالة الفصل 111 من مجموعة القانون الجنائي الذي يحيل على الفصل 16 من نفس القانون[9]

أن يكون الضرر الناجم عنها محدودا: بمعنى ألا يتوقع تفاقم الضرر في المستقبل

أن تكون قيمة الحق المعتدى عليها بسيطة: وهو شرط يأتي بصيغة التخيير فإما أن يتوفر هو أو يتوفر الذي قبله ولا مانع يمنع من أن يتاحا كلاهما

وسيرا على نهج المحضر المحرر بطريقة إلكترونية فقد أصبح متاحا القيام بتفتيش رقمي بالأجهزة المعلوماتية والأدوات الذكية في تماشي تام ومطلق مع العالم الرقمي والجرائم الممكن حدوثها من خلاله.

وفي إطار تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة وتكريسا لمبدأ ” المتهم بريء حتى تثبت إدانته بمقرر قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به ” نجد أنه قد تم التنصيص على أن الاعتراف المدون بمحضر الشرطة القضائية بالفعل الجرمي ولو وقع لا يعتد به عندما تكون هنالك أثار عنف واضحة على المشتبه فيه ويكون طلبه بإجراء فحوصات طبية عليه قد قوبل بالرفض.

المطلب الثاني: المستجدات المتعلقة بالشق الثاني من القانون 03.23

من المعلوم أن قانون المسطرة الجنائية ينظم الإجراءات المسطرية المتعلقة بالمتابعة القانونية من بدايتها إلى غاية صدور حكم بات فيها مع بعض المقتضيات الأخرى الواجبة الضبط في الشق الجنائي كحال السياسة الجنائية وغيرها، ولنا في هذا المطلب الحديث عن مختلف ما ورد من مستجدات في هذا الشق.

الفقرة الأولى: المستحدث في مرحلة التحقيق الإعدادي

تكريسا لضمانات المحاكمة العادلة وسيرا على النهج المتعارف عليه والمكرس دوليا ولأن قرينة البراءة هي الأصل نجد المادة 84 من القانون 03.23 قد كرست هذا الأمر ومنعت قاضي التحقيق في الحالة التي يفتتح فيها التحقيق ضد مجهول أن يستمع لأي شخص إلى بصفت شاهدا، على إن كانت هنالك أدلة تفيد في اعتبار ذلك شاهد متهما فإنه لا يمكن الاستماع إليه بهذه الصفة أو اتخاذ أي إجراء في حقه إلا بعد تقديم الملف للنيابة العامة للإدلاء بملتمساتها، هو مقتضى مهم وحمائي بدرجة أولى لكافة أطراف عملية التحقيق المنجز، هذا من جهة أولى ومن جهة ثانية ولما كانت مكنة تنصيب المشتكي طرفا مدنيا أمام قاضي التحقيق سواء في ظل القانون 22.01 أو القانون 03.23 قائمة، فإن المستجد هو أن القانون الأخير وضع في المادة 92 المعلومات التي يجب أن تحتويها الشكاية المقدمة للسيد قاضي التحقيق[10]، وحقيقة الأمر ومن وجهة نظر شخصية يلاحظ أن هنالك بعض البيانات التي سيكون فيها نوع من الصعوبة والاستعصاء للمشتكي في إيرادها ولعل الأبسط في ذلك هو الاسم العائلي والشخصي للمتهم فكيف يعقل أن يعلم بها المشتكي خصوصا في الحالة التي لا تربط أي علاقة عائلية بين المشتكي والمتهم ؟

ولأن مؤازرة الدفاع مهمة خلال هاته المرحلة من مراحل المتابعة الزجرية نجد أن المشرع أدخل تعديلا مهما في المادة 139 في الجزئية المتعلقة بالمدة الواجب احترامها لاستدعاء الدفاع للحضور ولوضع الملف رهن إشارته، حيث أضحت المدة اللازمة لوضع الملف رهن إشارته غير محدد المهم أن تجرى قبل استنطاق أو استماع، مع تحديد المدة اللازمة لإعلامه بالحضور في 10 أيام.

من جهة ثانية ولما كان الأمر بالوضع تحت المراقبة القضائية والوضع تحت الاعتقال الاحتياطي من أبرز الأوامر التي من الممكن لقاضي التحقيق إصدارها بل وأخطرها، فإن مشرع قانون 03.23 عدل في مددهما، فبالنسبة للمراقبة القضائية أضحت مدتها تختلف وتتوزع بين الجناية والجنحة، فهي في الجنايات لمدة شهرين قابلة للتجديد ثلاث مرات وفي الجنح لمدة شهر قابل للتجديد مرتين، على أنه هنالك استثناء بموجبه تتطابق المدة مع القانون السالف الوجود وذلك عندما يتعلق الأمر بجنايات الفصل 108 من القانون نفسه ” 03.23 “، هذا الإجراء الذي ينبني على أحد التدابير الواردة في المادة 161 والتي أضيف إليها الوضع تحت المراقبة الإلكترونية في إطار انفتاح السياسة العقابية على أبرز متغيرات عالم اليوم، أما بالنسبة للاعتقال الاحتياطي فإنه قد تم التنصيص على نفس المدة في القانون السالف الوجود وهي شهر على أنه تم تعديل مدة تمديده حيث أضحت مرة واحدة عوض مرتين، ونفس التغيير مس الجنايات بأن أضحت قابلة للتمديد فقط مرتين عوض خمس مرات، التي أصبح وجودها محصورا في جرائم أمن الدولة والإرهاب فقط.

الفقرة الثانية: الشق المستقل بالسياسة الجنائية وفق القانون 03.23

برز مصطلح السياسة الجنائية لأول مرة في ظل قانون المسطرة الجنائية الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2003، ولم يتم من خلالها وضع تعريف لهذا المقتضى بل تم الاكتفاء بكون وزير العدل هو من يشرف عليها ويبلغها للوكلاء العامين للملك لدى محكمة الاستئناف الذين يشرفون على تطبيقها[11]، كثيرة هي المقالات والأراء القانونية التي تنصب على هذا الموضوع فبها يقال على أنها مجموعة من الأليات المؤسسية والقانونية الموضوعية منها والإجرائية المحددة وفق توجهات السلطة المعنية لمعالجة الظاهرة الإجرامية[12].

مقتضى كهذا كان من اللازم الاستفاضة في تنظيمه من الناحية القانونية عاجلا وبشكل لازم، وهو ما انبرى له مشرع القانون 03.23 في إطار الفرع الخامس المعنون ب ” السياسة الجنائية ” تحديدا المواد من 51 ـ1، حيث استهل هذا التنظيم بتقديم تعريف لها خروجا عن المألوف في تقديم التعريفات من قبل الفقه والقضاء، حيث جاء في تعريف على أنها ” يقصد بالسياسة الجنائية ذلك الجزء من السياسات العمومية التي تشمل قواعد وتدابير تتخذها الدولة في مجال مكافحة الجريمة والوقاية منها … “، هذا التعريف يمكن من خلاله استنباط عديد المقتضيات المهمة من قبيل:

  • السياسة الجنائية جزء لا يتجزأ من مختلف السياسات المهمة في البلاد في شتى المجالات اقتصادية، اجتماعية، صحية وغيرها
  • السياسة الجنائية عبارة عن أسس وبرامج شاملة وعامة غرضها واحد وأوحد ألا وهو الحد من الجريمة والوقاية منها

كما تم في خضم هذا التأطير القانوني عدم الإغفال عن استحضار مبدأ الاستقلالية الذي يطبع السلطة القضائية مع كل من السلطة التنفيذية والتشريعية والذي يجد سنده ومرجعيته في القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وقانون التنظيم القضائي والذي مبناه أن تمارس كل منهم الاختصاصات المرسومة له في الحدود المقررة على ضوء الإطار القانوني المنظم لمهامهم[13]، وذلك من خلال إشراف الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ـ رئيس النيابة العامة لمهمة الإشراف عليها[14]عوض ما كان عليه الأمر في المادة 51 من القانون 22.01 التي كانت تنيطها كما أسلف الذكر أنفا لوزير العدل[15].

تأطير قانوني وإن كان متأخرا إلا أنه محمود خصوصا وأنه جاء في ظل مواكب ومتوافق مع باقي النصوص القانونية التي عدلت من الشيء الكثير.

خاتمة:

لأهمية القوانين المسطرية تبرز معها أهمية تعديلها لجعلها مواكبة للمستجدات القانونية والواقعية، إلا أنه لإن كان المنتظر هو إحالة هذا النص على المحكمة الدستورية لتبث حول مدى مطابقته للدستور كما حصل مع مشروع القانون 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية، وليزال اللغط الحاصل خصوصا على مستوى المادة 3، فإن الأمل أضحى الأن على الممارسة الواقعية له التي يؤمل منها أن تكون وفق المبتغى الذي على أساسه عدل النص القديم.

لائحة المراجع:

الكتب:

عبد الواحد العلمي، شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجزء الأول، الطبعة التاسعة 1442/2021 مطبعة النجاح الجديدة

عبد الواحد العلمي، شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجزء الثاني، الطبعة التاسعة 2024، مطبعة النجاح الجديدة

كريم لحرش، الشرح العملي لدستور المملكة المغربية لسنة 2011، الطبعة الرابعة 2024، مكتبة الرشاد سطات، مطابع النجاح الجديدة

المقالات القانونية:

حسان بيشا، آلية التجنيح كممارسة قضائية لحسن سير العدالة الجنائية، مقال منشور على مجلة ابن خلدون لدراسات القانونية والاقتصادية والاجتماعية، المجلد الأول العدد 5 سنة الإصدار 2023

محمد عبد النباوي، السياسة الجنائية بالمغرب، مقال منشور على مجلة محاكمة، العدد الرابع عشر، السنة الثانية عشر، فبراير/ أبريل 2018

المواقع الإلكترونية:

https://www.hespress.com

https://www.pmp.ma/wp-content/uploads

  1. عبد الواحد العلمي، شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجزء الأول، الطبعة التاسعة 1442/2021 مطبعة النجاح الجديدة، ص: 71
  2. مقال منشور على موقع هسبريس، اضطلع عليه بتاريخ 13.09.2025 على الساعة 16:04، رابط الاضطلاع https://www.hespress.com
  3. نفس المرجع
  4. ينص الفصل 107 من دستور المملكة المغربية على ما يلي: السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية.الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية.
  5. تنص المادة 17 من قانون المسطرة الجنائية 22.01 على ما يلي: توضع الشرطة القضائية في دائرة نفوذ كل محكمة استئناف تحت سلطة الوكيل العام للملك ومراقبة الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف المشار إليها في الفرع الخامس من هذا الباب.
  6. بموجب هاته المادة فقد حددت هاته الحالات في:الحفاظ على الأدلة والحيلولة دون تغيير معالم الجريمة

    القيام بالأبحاث والتحريات التي تستلزم حضور أو مشاركة المشتبه فيه

    وضع المشتبه رهن إشارة العدالة والحيلولة دون فراره

    الحيلولة دون ممارسة أي ضغط على الشهود أو ضحايا أو أسرهم أو أقاربهم

    منع المشتبه فيه من التواطؤ مع الأشخاص المساهمين أو المشاركين في الجريمة

    وضع حد للاضطراب الذي أحدثه الفعل بسبب خطورته أو ظروف ارتكابه أو الوسيلة التي استعملت في ارتكابه، أو أهمية الضرر الناتج عنه، أو بالنظر لخطورة المشتبه فيه

  7. عبد الواحد العلمي، شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجزء الثاني، الطبعة التاسعة 2024، مطبعة النجاح الجديدة، ص: 258
  8. حسان بيشا، آلية التجنيح كممارسة قضائية لحسن سير العدالة الجنائية، مقال منشور على مجلة ابن خلدون لدراسات القانونية والاقتصادية والاجتماعية، المجلد الأول العدد 5 سنة الإصدار 2023
  9. ينص الفصل 16 على ما يلي: العقوبات الجنائية الأصلية هي:الإعدام

    السجن المؤبد

    السجن المؤقت من 5 إلى 30 سنة

    التجريد من الحقوق الوطنية

    الإقامة الإجبارية

    ينص الفصل 111 من ذات المجموعة على ما يلي:

    ……….

    الجريمة التي تدخل عقوبتها ضمن العقوبات المنصوص عليها في الفصل 16 تعد جناية

  10. تنص الفقرة الثانية من المادة 92 من القانون 03.23 على ما يلي: تتضمن الشكاية تحت طائلة عدم القبول الاسم العائلي والشخصي للمشتكي ومهنته وعنوانه ورقم بطاقة هويته، ووقائع القضية وتاريخ ومكان ارتكاب الفعل، والاسم العائلي والشخصي للمتهم، ومهنته وعنوانه عند الاقتضاء، والتكييف القانوني للوقائع …..
  11. محمد عبد النباوي، السياسة الجنائية بالمغرب، مقال منشور على مجلة محاكمة، العدد الرابع عشر، السنة الثانية عشر، فبراير/ أبريل 2018، ص: 11
  12. السياسة الجنائية في مكافحة جرائم الفساد، دون ذكر اسم الكاتب، مقال منشور على موقع https://www.pmp.ma/wp-content/uploads اضطلع عليه يوم 14.09.2025 على الساعة 14:58
  13. كريم لحرش، الشرح العملي لدستور المملكة المغربية لسنة 2011، الطبعة الرابعة 2024، مكتبة الرشاد سطات، مطابع النجاح الجديدة، ص: 212
  14. الحديث هنا عن السياسة الجنائية
  15. لا يخفى الذكر أن هنالك عديد المستجدات القانونية الأخرى كتقنية الاختراق التي من الممكن أن تباشر من قبل النيابة العامة ومسطرة التحقق من الهوية التي تضمن عديد المحاسن سواء للشرطة القضائية أو من قبل الشخص الذي تباشر عليه عملية التحقق من الهوية والعديد العديد الذي لا تسعفنا فيه هاته الورقة البحثية للاستفاضة فيه بل وحتى المرور عليه مرو الكرام، لكن ما يثير الاستغراب ولربما يمس بالخصوصيات القائمة لكل فرد في المجتمع هو مقتضيات المادة 116 ـ 1 التي تنص على ” يمكن للوكيل العام للملك أو لقاضي التحقيق منح الإذن لضباط الشرطة القضائية بموجب مقرر كتابي معلل بوضع الوسائل التقنية اللازمة لتحديد مواقع المشتبه فيهم ورصد تحركاتهم أو بالتقاط وتثبيت وبث وتسجيل العبارات المتفوه بما من قبل شخص أو عدة أشخاص في أماكن أو وسائل نقل خاصة أو عمومية أو بالتقاط صور لشخص أو عدة أشخاص في مكان خاص أو عام أو أخذ نسخ منها أو حجزها أو استعمال أدوات تقنية بهدف الولوج لجميع الأماكن ودون علم أو موافقة المعنيين بذلك إلى المعطيات الإلكترونية أو البيانات المخزنة أو المطلع عليها بواسطة الاتصالات الالكترونية بمعرف شبكي الاتصال أو غيرها من الشبكات المماثلة وتسجيلها وحفظها وإرسالها بالشكل الذي كانت محفوظة عليه بالنظام المعلوماتي أو بالشكل الذي كانت تظهر عليه بشاشة مستخدم المعالجة الألية للمعطيات أو بالشكل الذي أدخلت فيه عبر القن أو بالشكل الذي تم استبدالها أو إرسالها به بواسطة الجهاز المستخدم.تكون الإجراءات المشار إليها في المادة السابقة باطلة إذا تمت خرقا لمقتضيات هذه المادة.

    مادة مثيرة للجدل خصوصا وأنه هنالك شبه إجماع على أنها تمس بمقتضيات خصوصية لا يمكن أن تنتهك إلا بمبرر معلل والحال أنه غير قائم؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى