التحديات القانونية لحماية الملكية الفكرية في عصر الذكاء الاصطناعي – الدكتور : محمد إدريسي حسني

التحديات القانونية لحماية الملكية الفكرية في عصر الذكاء الاصطناعي
Legal Challenges of Intellectual Property Protection in the Age of Artificial Intelligence
الدكتور : محمد إدريسي حسني
-دكتور في القانون الخاص جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء -كلية الحقوق المحمدية
Mohammed Idrissi Hassani
Docteur en Droit Privé
Université Hassan II Casablanca – Faculté des Sciences Juridiques, Économiques et Sociales de Mohammedia
ملخص الدراسة :
تناقش هذه الدراسة التحديات القانونية المرتبطة بحماية الملكية الفكرية في عصر الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على التأثيرات التي تطرأ على الأنظمة القانونية نتيجة لهذه التكنولوجيا المتقدمة. تهدف الدراسة إلى تحليل كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على حقوق الملكية الفكرية مثل حقوق المؤلف وبراءات الاختراع، ومناقشة التحديات المرتبطة بتطبيق القوانين الحالية على الأعمال المنتجة باستخدام هذه التقنيات.
تشمل الدراسة تعريف الملكية الفكرية والذكاء الاصطناعي، والعلاقة بينهما، بالإضافة إلى استعراض الإشكاليات القانونية المتعلقة بتحديد صاحب الحق في الأعمال التي يُنتجها الذكاء الاصطناعي. كما تُعنى بمسؤولية الانتهاك الذي قد يحدث حقوق الملكية الفكرية في هذا السياق.
تتناول الدراسة أيضًا بعض الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية برن وتريبس، ودور منظمة الويبو في صياغة إطار قانوني عالمي لمواجهة هذه القضايا. وفي الختام، تقدم الدراسة توصيات بتطوير تشريعات جديدة لضمان حماية حقوق المبدعين في ظل التحولات التكنولوجية.
الكلمات المفتاحية: الذكاء الاصطناعي، الملكية الفكرية، المسؤولية القانونية، الابتكار التكنولوجي، التشريعات الرقمية.
Summary :
This study addresses the legal challenges related to intellectual property protection in the age of artificial intelligence, focusing on the impact of this advanced technology on legal systems. The study aims to analyze how artificial intelligence affects intellectual property rights such as copyright and patents, and discuss the challenges associated with applying current laws to works produced using these technologies.
The study includes definitions of intellectual property and artificial intelligence, their relationship, as well as an exploration of the legal issues related to identifying the rights holder for works generated by AI. It also addresses the responsibility for violations of intellectual property rights in this context.
The study also examines international agreements such as the Berne Convention and TRIPS, and the role of WIPO in formulating a global legal framework to address these issues. Finally, the study provides recommendations for developing new legislation to ensure the protection of creators’ rights in light of technological transformations.
Keywords : Artificial Intelligence, Intellectual Property, Legal Responsibility, Technological Innovation, Digital Legislation.
مقدمة :
يعتبر الذكاء الاصطناعي (AI) من أبرز التطورات التكنولوجية التي غيرت طريقة عمل العديد من القطاعات، بما في ذلك صناعة الابتكار والإبداع. إلا أن هذا التطور السريع أثار العديد من القضايا القانونية المتعلقة بحماية الملكية الفكرية، حيث أن الأنظمة القانونية التقليدية التي كانت تنظم حقوق المؤلف، وبراءات الاختراع، والعلامات التجارية، قد تواجه صعوبة في التكيف مع الأعمال التي يُنتجها الذكاء الاصطناعي.
تهدف حقوق الملكية الفكرية إلى حماية الإبداعات والابتكارات الإنسانية، إلا أن هذه الحقوق أصبحت تواجه تحديات غير مسبوقة بسبب ظهور الذكاء الاصطناعي ، و ُ ّيعرف الذكاء الاصطناعي بأنه قدرة الأجهزة و الآلات على القيام بأعمال تحتاج إلى ذكاء إذا قام بها الإنسان the ability of machines to do things that people would say require intelligence ، الا أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تتيح للأنظمة الذكية أن تحل محل البشر في العديد من المجالات، بدءًا من تحليل البيانات وصولًا إلى تأليف الأعمال الإبداعية.
ومع تطور هذه التقنيات، أصبح من الضروري وضع نوع من الحماية القانونية وفقًا لما تكرسه حقوق الملكية الفكرية. وتشمل الملكية الفكرية مجموعة من الحقوق القانونية التي تُمنح للمبدعين لحماية منتجات إبداعهم في مجالات متنوعة مثل الأدب والفنون والاختراعات والتصميمات. تهدف هذه الحقوق إلى ضمان حصول المبدعين على تعويضات عادلة وحماية أعمالهم من التعدي أو التقليد. تشمل حقوق الملكية الفكرية حقوق المؤلف، وبراءات الاختراع، والعلامات التجارية، والحقوق المجاورة، مما يعزز من تشجيع الابتكار والإبداع.
كما أدى ظهور الذكاء الاصطناعي إلى إثارة مجموعة من التساؤلات حول كيفية تطبيق قوانين الملكية الفكرية على الأعمال التي يُنتجها هذا الذكاء. ففي ظل الفراغ التشريعي القائم، تواجه القوانين التقليدية صعوبة في مواكبة هذه التطورات. فالقوانين الحالية غالبًا ما تشترط أن يكون المؤلف شخصًا طبيعيًا لكي يتمتع بحقوق المؤلف، مما يخلق صعوبة في تحديد صاحب الحق في العمل الذي يتم إنتاجه بواسطة الذكاء الاصطناعي. فهل يجب أن يكون صاحب الحق هو المبرمج الذي صمم الخوارزميات التي يعتمد عليها النظام؟ أم أن النظام نفسه، باعتباره الكيان الذي أنشأ العمل، يجب أن يُعترف به كمالك للحقوق؟ أم ربما يكون مالك النظام أو المؤسسة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي هو من يمتلك الحقوق القانونية؟ هذه الأسئلة تفتح المجال لتحديات قانونية كبيرة تتطلب تعديلات وتشريعات جديدة لتحديد المسؤوليات وتوفير الحماية المناسبة للأعمال الناتجة عن الذكاء الاصطناعي.
على هذا الأساس، كرست عدد من القوانين والاتفاقيات الدولية مبدأ حماية حقوق الملكية الفكرية في ظل ظهور الذكاء الاصطناعي، رغم أن معظمها لا تتطرق بشكل دقيق إلى التعامل مع الإبداعات التي يتم إنشاؤها بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي. و تتضمن هذه القوانين والاتفاقيات :” اتفاقية برن لحماية الأعمال الأدبية والفنية ، اتفاقية تريبس (TRIPS) ” ، إضافتا الي التوجهات التي تعمل عليها منظمة (WIPO) ، الى جانب ذلك يبقى الفرغ التشريعي في القوانين المغربية من أبرز التحديات التي تتطلب من المشرعين والمهنيين في مجال الملكية الفكرية إعادة النظر في القوانين الحالية وتكييفها مع التقنيات الحديثة، لضمان حماية الحقوق الفكرية وتعزيز الابتكار في عصر الذكاء الاصطناعي.
و علي فإن حماية حقوق الملكية الفكرية تواجه تحديات في ظل التطور السريع للتكنولوجيا على الصعيد الدولي، هذه التحديات التي تجعل من الصعب فرض الحماية اللازمة لهذه الحقوق بناء على القوانين المسطرة لحماية هذه الحقوق، لذا فالإشكالية الممكن طرحها هي :
إلى أي مدى يمكن لقوانين الملكية الفكرية الحالية أن تتكيف مع التحديات التي يفرضها الذكاء الإصطناعي في مجالات الإبداع والإبتكار، وضمان حماية لحقوق المبدعين في ظل تطور هذه التكنولوجيا ؟
كما يتفرع عن هذا الدراسة مجموعة من التساؤلات من خلال :
كيف يمكن تطبيق قوانين الملكية الفكرية الحالية على الأعمال التي يُنتجها الذكاء الاصطناعي؟
ما هي التحديات القانونية المرتبطة بالمسؤولية القانونية عند حدوث انتهاك لحقوق الملكية الفكرية الناتجة عن الذكاء الاصطناعي؟
كيف يمكن حماية حقوق الملكية الفكرية في سياق الذكاء الاصطناعي دون إعاقة الابتكار؟
لإجابة على الإشكالية والتساؤلات المطروحة، ارتأينا دراسة هذا الموضوع وفق منهجية بحثية علمية دقيقة. تعتمد الدراسة على عدة مناهج بحثية منها:
المنهج التحليلي المقارن من خلال تحليل التشريعات المتعلقة بالملكية الفكرية في ظل الذكاء الاصطناعي إضافتا، الى ، المنهج النقدي من خلال نقد التشريعات الحالية وتقييم مدى فعاليتها في حماية الملكية الفكرية، ثم العمل على وصف الواقع القانوني للملكية الفكرية في عصر الذكاء الاصطناعي و استنباط حلول قانونية تتماشى مع التطورات التكنولوجية، بما في ذلك اقتراح تعديلات تشريعية لمواكبة التغيرات.
من خلال هذه المنهجية، تسعى الدراسة إلى تقديم رؤية قانونية متكاملة حول كيفية تعديل القوانين الحالية لضمان حماية الملكية الفكرية في ظل تطور الذكاء الاصطناعي و ذلك من خلال تحديد الأعمال التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي في ظل حقوق الملكية الفكرية (المبحث الأول ) ثم ، العمل على بيان تأثير الذكاء الاصطناعي على حقوق الملكية الفكرية (المطلب الثاني ).
المطلب الأول : مآل تحديد الأعمال التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي في ظل حقوق الملكية الفكرية
مع تقدم الذكاء الاصطناعي ، ، أصبحت الأنظمة الذكية قادرة على إنشاء أعمال إبداعية في مجالات متعددة، ما يطرح تساؤلات قانونية حول حقوق الملكية الفكرية للأعمال المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي. تكمن التحديات الرئيسية في تحديد من يمتلك هذه الحقوق: هل هي للمطورين الذين أنشأوا النظام، أم للنظام ذاته باعتباره منتجًا للإبداع؟ هذا التحدي يتطلب تحديث التشريعات الحالية لتشمل الإبداعات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، وضمان التوازن بين حماية الإبداع البشري وتطور التكنولوجيا.
الفقرة الأولى : مدى اعتبار أنظمة الذكاء الإصطناعي مصنفا و اخترعا في القانون المغربي
يعتبر التشريع المغربي في مجال حقوق المؤلف، مثل معظم التشريعات الدولية، على أن مفهوم المؤلف والمصنف ينتمي إلى زاوية تقليدية لا تعترف بما ينشأ عن الذكاء الاصطناعي. ففيما يتعلق بتعريف المؤلف، تنص المادة الأولى من القانون رقم 02.00 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة على أن “المؤلف هو الشخص الطبيعي الذي أبدع المصنف”. من خلال هذه المادة، يتضح أن المؤلف، بحسب القانون، هو بالضرورة شخص طبيعي (إنسان)، وبالتالي لا يمكن تصور إنتاج مصنفات إبداعية من قبل شخص اعتباري أو آلة أو برنامج، باستثناء حالات المصنفات الجماعية.
أما بخصوص تعريف المصنف، فقد نصت المادة الثالثة من نفس التشريع على أن “هذا القانون يسري على المصنفات الأدبية والفنية، التي هي إبداعات فكرية أصيلة في مجالات الأدب والفن…”. ولذلك، تشترط المادة الثالثة لحماية المصنف أن يكون أصيلاً في مجالي الأدب والفن. وتعني الأصالة، وفقًا للمدرسة اللاتينية، أن يعكس المصنف شخصية المؤلف، بحيث يصبح المصنف امتدادًا لهذه الشخصية. وبناء على ذلك، فإن المصنف لا يمكن أن يكون إلا من صنع هذا المؤلف. وتتبنى معظم التشريعات، بما في ذلك التشريع المغربي والفرنسي والمصري، هذه النظرة الشخصية لمفهوم الأصالة.
وفيما يخص الاختراعات والمصنفات الحديثة التي يجب حمايتها بمقتضى قانون الملكية الفكرية، يجب أن تتوافر فيها الشروط التي ينص عليها القانون لتتمتع بالحماية القانونية. ولحماية أي اختراع أو مصنف، يجب أن يكون مصنفًا. ولتعتبر المصنفات محمية، ينبغي أن تتوفر فيها شرطان أساسيان: الأول هو شرط الابتكار، والثاني هو شرط الجدة. هذان الشرطان ضروريان لتوفير الحماية القانونية للمصنف. فمن خلال الابتكار، يجب أن يتسم المصنف بفكرة مبتكرة تعكس نوعًا من الإبداع وخلق جديد، بحيث يكون تكوينه فريدًا من نوعه. كما يجب أن يكون المصنف حديثًا ولم يسبق لأحد طرحه، مما يضمن تميزه عن الأعمال الأخرى
أولا – شرط الإبتكار .
رغم أن الابتكار هو شرط أساسي لحماية الاختراعات والمصنفات، إلا أن تطبيق هذا المفهوم في الواقع يمكن أن يثير بعض التحديات. على سبيل المثال، قد يكون من الصعب تحديد مدى “جدة” و”ابتكار” بعض المصنفات أو الاختراعات في بعض المجالات. قد تزداد هذه التحديات عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي، الذي يمكن أن يُنتج أعمالًا قد يُصعب تصنيفها على أنها مبتكرة من شخص طبيعي.
1- الابتكار في قانون حقوق المؤلف : في إطار قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة المغربي (القانون رقم 02.00)، يُعتبر الابتكار أحد العوامل التي تُميز المصنفات المحمية. في هذا السياق، يشير الابتكار إلى الإبداع الذي يتسم بالجدة والتفرد في معالجة الأفكار. وفقًا للمادة 3 من قانون حقوق المؤلف، يشترط أن يكون المصنف “إبداعًا فكريًا أصيلاً” ليحظى بالحماية القانونية.
وبناءً على ذلك، فإن الابتكار في هذا المجال لا يتطلب أن يكون هناك اختراع مادي أو اختراع تقني، بل يكفي أن يكون المصنف فكرة جديدة ومبتكرة في مجال الأدب أو الفن أو أي مجال آخر يشمله القانون. وبذلك، يعتبر المصنف الذي يعكس رؤية فنية أو فكرية جديدة، حتى وإن كان في إطار الأدب أو الفنون التشكيلية، مبتكرًا طالما أنه لم يُسبق إليه.
2- الابتكار في قانون البراءات (الاختراعات) : أما في سياق قانون البراءات المغربي (القانون رقم 17.97 المتعلق بحماية الملكية الصناعية)، فإن الابتكار يُعد شرطًا أساسيًا للحصول على البراءة. يشترط أن يكون الاختراع مبتكرًا لكي يُحصل على الحماية القانونية. وفقًا للمادة 22 من قانون 17.97 ، يُعرّف الاختراع بأنه “حل جديد لمشكلة تقنية”، وهذا يقتضي أن يكون الاختراع جديدًا في مجاله، وأن يقدم شيئًا غير موجود مسبقًا في الفن المعروف.
بالتالي، يشترط في الابتكار الذي يؤدي إلى اختراع أن يكون جديدًا، غير متوقع، وقادرًا على حل مشكلة معينة بطريقة مبدعة وغير تقليدية. كما يجب أن يكون هذا الاختراع قابلًا للتطبيق الصناعي.
3- الابتكار في مجال التصميمات والنماذج الصناعية : كذلك، في مجال تصميم النماذج الصناعية، ينص القانون المغربي على أن يكون التصميم أو النموذج الجديد مبتكرًا كي يحظى بالحماية القانونية. وفقًا للقانون 17.97 ، يشترط أن يكون التصميم أو النموذج “جديدًا ومبتكرًا” حتى يُعترف به ويُحصل على حقوق الحماية القانونية وهو ا يفهم من خلال المادة 108 من نفس القانون .
4- الابتكار في المجال الأدبي والفني : في مجال المصنفات الأدبية والفنية، يشير الابتكار إلى تميز العمل عن الأعمال السابقة في نفس المجال. يمكن أن يكون الابتكار في طريقة التعبير، أو في الأسلوب الفني، أو في فكرة العمل ذاته. على سبيل المثال، قد يتم الاعتراف بمصنف أدبي أو فني كعمل مبتكر إذا قدم معالجة جديدة لموضوع معين أو استخدم أسلوبًا مبتكرًا في الكتابة أو الرسم وهو ما نصت ليه الماد 3 من قانون المتعلق بحقوق المؤلف .
ثانيا – شرط الجدية .
يعد شرط الجدة من الشروط الأساسية التي يجب أن تتوافر في المصنفات أو الاختراعات حتى تتمتع بالحماية القانونية في إطار قانون الملكية الفكرية المغربي. ويشمل هذا الشرط أنواعًا متعددة من الحماية القانونية مثل حقوق المؤلف، البراءات، التصاميم والنماذج الصناعية، وغيرها. سنتناول في هذا الموضوع كيف يتم تفسير وتطبيق شرط الجدة في قانون الملكية الفكرية المغربي.
و رجوعا لقانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة المغربي (القانون رقم 02.00)، يُشترط أن يكون المصنف “أصيلاً”، أي مبتكرًا وجديدًا، لكي يحصل على الحماية القانونية. لكن مفهوم الجدة في هذا السياق ليس مطابقًا لمفهوم الجدة في القانون المدني أو في قانون البراءات، حيث لا يشترط أن يكون المصنف “حلًا جديدًا” لمشكلة معينة.
كما أن مجال حماية البراءات، يُعد شرط الجدة من أهم المتطلبات للحصول على براءة اختراع. وفقًا للقانون المغربي رقم 17.97 المتعلق بحماية الملكية الصناعية، يشترط أن يكون الاختراع “جديدًا” ليتم منحه البراءة. وطبقًا للمادة 5 من هذا القانون، يعتبر الاختراع جديدًا إذا لم يكن قد تم نشره أو استعماله من قبل في أي مكان في العالم قبل تاريخ تقديم طلب البراءة.
بمعنى آخر، يجب أن يقدم الاختراع حلاً تقنيًا جديدًا لمشكلة معينة لم يتم الإعلان عنه أو استخدامه سابقًا من قبل أي شخص أو جهة. يشمل ذلك الأدوات أو العمليات أو الأجهزة التي تُقدم حلولًا مبتكرة لمشاكل صناعية أو تقنية. كما يشترط أن يكون هذا الاختراع مفيدًا وقابلًا للتطبيق الصناعي.
قد تظهر بعض التحديات في تطبيق شرط الجدة في بعض المجالات. على سبيل المثال، قد يصعب تحديد ما إذا كانت فكرة معينة “جديدة” في مجالات مثل الفن الأدبي أو السينمائي، حيث قد تكون هنالك أفكار مشابهة بالفعل لكن بتعبير مختلف. كذلك، في مجال التكنولوجيا الحديثة، مثل البرمجيات والذكاء الاصطناعي، قد يكون من الصعب تحديد ما إذا كان الاختراع أو التصميم يحتوي على درجة كافية من الجدة للتمتع بالحماية القانونية.
و بالتالي فالمفاهيم السابقة التي أدرجنها سلفا تجعل من الصعب تقبل فكرة اعتبار الذكاء الاصطناعي مؤلفا من جهة و الإبداعات التي تفرزها برمجيات الذكاء الاصطناعي مصنفا قابلا للحماية من جهة أخرى، لأن الذكاء الاصطناعي ليس شخص ذاتي وإبداعاته تفتقر لشرط الأصالة بمفهومه الشخصي، لكن هل يمكن في ظل المعطيات السابقة رفع كل هذه التصورات التقليدية و اعتماد معايير جديدة تساعد برمجيات الذكاء الاصطناعي التوليدي على الاستفادة من مقتضيات حقوق المؤلف ، و هو ما سيتم التفصيل فيه فيما يلي .
الفقرة الثانية : آثار منح أنظمة الذكاء الاصطناعي لشخصية القانونية على حقوق الملكية الفكرية .
إن منح الذكاء الاصطناعي الشخصية القانونية أثار جدلاً كبيرًا في الأوساط الفقهية والتشريعية بين مؤيد ومعارض. يعود هذا الجدل إلى الخصائص التي يتمتع بها الذكاء الاصطناعي ، مما دفع البعض إلى المطالبة بتعديل التنظيم القانوني لمنح أنظمة الذكاء الاصطناعي الشخصية القانونية، كما هو الحال مع الأشخاص الاعتبارية. ومع ذلك، ليس من السهل منح هذه الأنظمة الشخصية القانونية نظرًا للصعوبات المتعلقة بالاعتراف بحقوقها وتحملها الالتزامات، وكذلك مسؤوليتها عن الأضرار التي قد تنجم عنها. وعليه، يمكننا أن نلاحظ وجود اتجاهين رئيسيين في هذا الشأن: الاتجاه المؤيد لمنح الذكاء الاصطناعي الشخصية القانونية، والاتجاه الرافض لذلك. سنعرض هذين الاتجاهين بالتفصيل على النحو التالي:
أولًا-الاتجاه المؤيد لمنح أنظمة الذكاء الاصطناعي الشخصية القانونية .
ظهرت العديد من الدعوات التي تؤيد منح الشخصية القانونية للذكاء الاصطناعي بشكل صريح أو ضمني، مما يسمح له باكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات. يفترض هذا الاتجاه أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تتمتع بصفات مشابهة للبشر من حيث التعلم الذاتي، والقدرة على حل المشكلات، واتخاذ القرارات بشكل مستقل دون الرجوع إلى المستخدم، مما يجعلها متميزة عن غيرها من الآلات والأشياء، وبالتالي، مؤهلة لتحمل الالتزامات والتمتع بالحقوق.
استند مؤيدو هذا الاتجاه إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقارن بالأشخاص الاعتباريين مثل الشركات والجمعيات، حيث تتمتع هذه الكيانات بالشخصية القانونية ولكنها لا تمارس الحقوق بشكل مباشر، بل من خلال ممثلين قانونيين. إذا كان الأمر كذلك بالنسبة للأشخاص الاعتباريين، يمكن القياس على الذكاء الاصطناعي ككيان يمكن تمثيله قانونيًا بواسطة ممثل له، خاصة مع تزايد قدرة الأنظمة الذكية على اتخاذ قرارات مستقلة.
كذلك، يرى مؤيدو هذا الاتجاه أنه من الضروري منح الذكاء الاصطناعي الشخصية القانونية لضمان وجود شخص يتحمل المسؤولية عن الأضرار التي قد تسببها هذه الأنظمة. وأوضح البرلمان الأوروبي في قرار صدر في 16 فبراير 2017 دعوته إلى الاعتراف بالشخصية القانونية للروبوتات، خاصة تلك التي تتمتع بقدرة على اتخاذ قرارات مستقلة والتفاعل مع الآخرين بشكل مستقل. كما اعتبروا أن الاعتراف بالذكاء الاصطناعي كـ “مخترع” قد يعزز من حقوق الملكية الفكرية للأعمال التي يبدعها.
ثانيًا- الاتجاه الرافض لمنح أنظمة الذكاء الاصطناعي الشخصية القانونية .
يرى بعض الفقهاء أنه من الصعب منح الذكاء الاصطناعي الشخصية القانونية، مستندين إلى عدة أسباب، أهمها:
1-النظام القانوني السائد: لا يعترف القانون المدني في معظم الدول إلا بنوعين من الشخصية القانونية: الشخصية القانونية الطبيعية، التي تمنح للبشر فقط عند ولادتهم، والشخصية القانونية الاعتبارية، التي تمنح للكيانات مثل الشركات والدولة. لذا، لا يمكن تصنيف أنظمة الذكاء الاصطناعي ضمن هذين النوعين من الشخصيات القانونية.
2-افتقار الذكاء الاصطناعي للإرادة والاستقلالية: ما زال يصعب إثبات استقلالية أنظمة الذكاء الاصطناعي، حيث تظل هذه الأنظمة تعتمد على البيانات المدخلة من قبل البشر. من هنا، يعتبر هؤلاء أن المسؤولية القانونية عن تصرفات الذكاء الاصطناعي يجب أن تبقى تقع على عاتق البشر الذين يستخدمونه، سواء كان ذلك المطور أو المستخدم.
3-عدم الحاجة إلى منح شخصية قانونية مستقلة: يصعب تصور ضرورة منح الذكاء الاصطناعي شخصية قانونية مستقلة. يمكن مقارنة الأمر بمسؤولية حراسة الحيوان، حيث لا يتطلب القانون منح الحيوان شخصية قانونية مستقلة لتحميل مالكه المسؤولية عن أفعاله. كذلك، فإن منحه الشخصية القانونية يتطلب منح العديد من الحقوق، مثل الأهلية والذمة المالية، وهو أمر يصعب تقبله بالنسبة لأنظمة الذكاء الاصطناعي.
4-صعوبة الفصل بين المسؤوليات: يصعب تحديد ما إذا كان الخطأ الذي يحدث نتيجة تصرفات الذكاء الاصطناعي ناتجًا عن خطأ في النظام نفسه أم عن تدخل الإنسان. في هذه الحالة، سيكون من الصعب تحديد المسؤولية القانونية وتحديد من يتحمل تبعات الأضرار التي قد تنتج عن استخدام هذه الأنظمة.
بناءً على هذه الأسباب، يرفض هؤلاء الفقهاء الاعتراف بأنظمة الذكاء الاصطناعي كشخصيات قانونية، ويعتبرون أن المسؤولية يجب أن تظل محصورة في البشر الذين يتحكمون في هذه الأنظمة.
المطلب الثاني : تأثير الذكاء الاصطناعي على حقوق الملكية الفكرية .
أدى التقدم السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى ظهور تحديات قانونية كبيرة في مجال الملكية الفكرية. فبفضل قدراته على إنشاء أعمال إبداعية واختراعات، أصبح من الصعب تحديد المالك الحقيقي لهذه الأعمال، خاصة عندما يكون الذكاء الاصطناعي هو المنتج الرئيسي. هذا يثير قضايا متعلقة بحماية حقوق المؤلف، براءات الاختراع، والعلامات التجارية. في هذا المبحث، سنناقش تأثير الذكاء الاصطناعي على هذه الحقوق والتحديات القانونية التي يواجهها النظام القانوني في مواكبة هذه التطورات و ذلك من خلال :
الفقرة الأولى : صعوبة تحديد ملكية الاختراعات و الابتكارات التي ينتجها الذكاء الاصطناعي.
إن التطورات الملحوظة في قدرات الذكاء الاصطناعي على إنتاج اختراعات وابتكارات في مجالات متعددة، من بينها الأعمال الفنية والعلمية والتكنولوجية. إلا أن هذه الظاهرة تثير إشكاليات قانونية معقدة تتعلق بتحديد ملكية هذه الإبداعات وحمايتها بموجب حقوق الملكية الفكرية. ففي ظل غياب إطار قانوني واضح يعترف للذكاء الاصطناعي بالشخصية القانونية اللازمة لمنحه حقوق المؤلف أو المخترع، يواجه المشرع تحديًا كبيرًا في تحديد الطرف المسؤول عن ملكية هذه الاختراعات والابتكارات. هل ينبغي اعتبار الشخص الذي صمم النظام الذكي أو الشخص الذي استخدمه كمصدر لهذه الإبداعات هو صاحب الحق؟ أم أن الذكاء الاصطناعي نفسه يجب أن يُمنح حقوقًا قانونية تتيح له احتفاظه بالملكية وحمايتها؟ هذا التساؤل يفتح بابًا واسعًا للجدل القانوني والفلسفي، خاصةً مع تزايد دور الذكاء الاصطناعي في مجالات الإنتاج والتصميم، مما يستدعي إعادة النظر في المفاهيم التقليدية للملكية الفكرية في هذا السياق و هو ما يمكن دراسته من خلال ما يلي :
أولا : تحديد مليكة المخترع الذكي.
فيما يتعلق ملكية الاختراع عند استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي للتوصل إلى اختراعات جديدة، تثار العديد من الأسئلة: من هو المخترع؟ ومن هو صاحب أو مالك الاختراع؟ وهل هناك فرق بين هذين المفهومين؟ وهل يختلف الأمر إذا كان المخترع أو مالك الاختراع شخصًا طبيعيًا أو شخصًا اعتباريًا؟ وما هو الوضع إذا كان الاختراع قد تم التوصل إليه باستخدام تقنيات متطورة مثل الذكاء الاصطناعي؟ هل سيؤثر ذلك في تطبيق القواعد العامة المتعلقة بالاختراع؟
وفقًا للقانون المغربي رقم 17.97 المتعلق بحماية حقوق الملكية الصناعية يتم تحديد “حق البراءة” للمخترع أو لمن انتقلت إليه حقوقه. وبناءً على ذلك، يُعتبر المخترع هو الشخص أو مجموعة الأشخاص الذين تقدموا بطلب البراءة بعد أن توصلوا إلى اختراع جديد. وبالتالي، يحق للمخترع أن يكون صاحب البراءة ويحصل على كافة الحقوق الأدبية والمالية الناشئة عن منح البراءة.
كما أن المادة 18 الفقرة- أ – من القانون رقم 17.97 تنص على أنه في حالة ما إذا كان الشخص المخترع أجيرا أو مكلفًا من طرف جهة معينة بالكشف عن اختراع معين، فإن حقوق البراءة تكون لصاحب العمل أو الجهة المكلفة. ومع ذلك، يبقى المخترع هو من يُنسب إليه الاختراع، وله الحق في الحصول على أجر عادل أو تعويض عن اختراعه، وذلك وفقًا لما ينص عليه العقد أو الاتفاق المبرم بين الطرفين.
ولكن إذا تم التوصل إلى الاختراع عن طريق “الذكاء الاصطناعي” أو باستخدام تقنيات حديثة قابلة للتطور الذاتي، تثار عدة تساؤلات جديدة حول من يمكن اعتباره “المخترع”. في حالة استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد اختراع جديد بشكل مستقل، فهل يمكن اعتبار “الذكاء الاصطناعي” هو المخترع؟ أم يُمكن أن يُنسب الاختراع إلى الشخص أو الكيان الذي قام بتطوير النظام أو البرمجيات التي تعتمد عليها هذه التقنيات؟
بمراجعة “القانون المغربي” في هذا السياق، لا يُسمح حاليًا أن يكون المخترع شخصًا غير “طبيعي”، حيث يتطلب القانون أن يكون المخترع شخصًا طبيعيًا يُظهر “جهدًا بشريًا” واضحًا في توصل الاختراع. ولذا، من غير الممكن حاليًا تسجيل اختراع تم التوصل إليه بشكل حصري باستخدام الذكاء الاصطناعي أو أن يكون الذكاء الاصطناعي هو المخترع.
ومع ذلك، يمكن أن يكون “المالك “الفعلي للاختراع هو الشخص أو الكيان الذي قام بتطوير النظام أو البرمجيات التي ساعدت الذكاء الاصطناعي في الوصول إلى الاختراع، سواء كان شركة أو مؤسسة أو شخصًا اعتباريًا. لذلك، من الممكن أن تكون الحقوق المالية للأشخاص الذين طوروا الأنظمة والبرمجيات التي أسهمت في الاختراع.
وتتطلب هذه الإشكاليات مراجعة النصوص القانونية لمواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي. قد يكون من الضروري تحديث القوانين لتمكين الأشخاص أو الكيانات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في إنشاء اختراعات من تحديد حقوق الملكية الفكرية بشكل أكثر وضوحًا، بحيث يتم تحديد المسؤوليات والحقوق المالية المتعلقة بتلك الاختراعات بوضوح.
ثانيا : تحديد ملكية المبدع الذكي .
رجوعا الى الاكتشافات التي ظهرت في الآونة لأخير ة ، شهدنا زيادة غير مسبوقة في عدد المصنفات التي أبدعها الذكاء الاصطناعي، وهو أمر لا يمكن تجاهله أو إنكاره. هذا التطور أثار العديد من التساؤلات والجدل حول كيفية توفير الحماية القانونية لهذه الأعمال الإبداعية. ومن هذا المنطلق، نجد أن هذا الموضوع قد لقي اهتمامًا عالميًا، حيث كانت المملكة المتحدة أول دولة تعتمد نظامًا قانونيًا لحماية المصنفات التي ابتكرها الذكاء الاصطناعي منذ عام 1988، استنادًا إلى قواعد قانون حقوق المؤلف.
بناءً على ذلك، فقد تجاوزت تطبيقات الذكاء الاصطناعي الدور التقليدي للإنسان في تأليف الأعمال التي تندرج ضمن حقوق المؤلف، حيث قامت شركة “Alva” الأوروبية، المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، باستخدام الأنظمة الذكية في تأليف مقطوعات موسيقية مبتكرة. على سبيل المثال، أنجز الذكاء الاصطناعي ألبومًا موسيقيًا أصيلاً في عام 2016 تحت عنوان “جينسيس”.
وتتسع هذه الظاهرة لتشمل كافة الأعمال التي أبدع فيها الذكاء الاصطناعي مثل الصور، والرسم التقني، وقواعد البيانات، والتصميمات الافتراضية، وغيرها من المصنفات. وعند التدقيق في هذه الأعمال، نلاحظ أنها تتماشى مع فئة الأعمال المحمية بموجب قانون حقوق المؤلف. لذا، يطرح التساؤل حول ما إذا كانت هذه الأعمال تُنسب إلى الأنظمة الذكية نفسها، وهل يُمكن اعتبارها ملكًا لها؟ ويستدعي هذا التساؤل ضرورة منح الذكاء الاصطناعي **الشخصية القانونية** التي تمكنه من امتلاك هذه الحقوق وحمايتها.
وفقًا للقانون المغربي رقم 02.00 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، “لا يجوز نسبة الأعمال الإبداعية إلى شخص لم يبتكرها” بشكل مباشر، كما أن الذكاء الاصطناعي لا يتمتع بالشخصية القانونية التي تجعله مؤهلاً للحصول على هذه الحقوق. لذلك، لا يمكن منح حماية قانونية للأعمال التي تم إنشاؤها عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي إلا في حال كان هناك تدخل بشري مباشر.
كما أن وجهة نظر الفقه القانوني تشير إلى أن مفهوم التأليف قد تطور مع مرور الزمن ليشمل التأليف المشترك والأعمال التجارية. إلا أن الإطار القانوني الحالي لا يستطيع استيعاب “المؤلفين غير البشر”، مما يثير التساؤل حول ضرورة توسيع قوانين حقوق المؤلف لتشمل الذكاء الاصطناعي كمبدع. ومع مرور الوقت، قد تصبح حقوق المؤلف جزءًا من المكانة القانونية للذكاء الاصطناعي، باعتبار أن هذه الحقوق ليست حقوقًا تخلقها القوانين، بل هي حقوق موجودة مسبقًا يجب الاعتراف بها وحمايتها.
إضافة إلى ذلك، يثير الجدل مسألة مدى تدخل الإنسان في الأعمال التي أنشأها الذكاء الاصطناعي. فالإنسان هو من يوفر للذكاء الاصطناعي الخوارزميات والبيانات التي تسمح له بالإبداع، مما يجعل الدور البشري غير مباشر. ومع أن هذه الإبداعات قد تظهر على أنها مستقلة من الناحية الفنية، فإن الفصل بين استقلالية الذكاء الاصطناعي ومدى تدخل الإنسان يبقى أمرًا معقدًا وصعب الفصل.
وفي السياق ذاته، يشير مكتب حقوق النشر في الولايات المتحدة إلى أن الحماية القانونية لحقوق المؤلف تقتصر على الأعمال التي أنشأها الإنسان، ولا تشمل الأعمال التي تنتجها الآلات أو العمليات الميكانيكية التي تتم دون أي تدخل إبداعي بشري. وهذا يشكل عائقًا كبيرًا أمام منح حماية قانونية للإبداعات التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي.
وفي الواقع، يصعب على الذكاء الاصطناعي إقامة علاقة مع العمل الإبداعي كما يفعل البشر، نظرًا لأنه يفتقر إلى العواطف والنية التي تعتبر جزءًا من العملية الإبداعية. فبينما يستطيع الإنسان التعبير عن اختياراته الإبداعية، يظل الذكاء الاصطناعي فاقدًا للإدراك والوعي اللازمين لذلك.
وعلى الرغم من أن الإنسان قد لا يبذل دائمًا جهدًا واعيًا للإبداع، إلا أنه في معظم الأحيان يكون قادرًا على شرح عمليته الإبداعية واختياراته. في المقابل، لا يمكن للآلات إدراك عملياتها الإبداعية لأنها تفتقر إلى النية والرغبة.
لذلك، يبدو أن الحل يكمن في منح الذكاء الاصطناعي “الشخصية القانونية”، الأمر الذي يمنحه الحق في امتلاك حقوق المؤلف وحمايتها. وهذا سيسمح للمشغلين أو مالكي الأنظمة الذكية بالاستفادة من الحوافز والمكافآت التي تنجم عن حماية حقوق الملكية الفكرية، لكن هذا يعتمد على مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على الإبداع المستقل، مما سيؤثر حتمًا على السياسات التشريعية المتعلقة بالحقوق الملكية الفكرية.
الفقرة الثانية : المسؤولية القانونية عن الأفعال الناتجة عن الذكاء الاصطناعي في مجال الملكية الفكرية
في ظل استخدام الذكاء الاصطناعي، قد يكون من الصعب تحديد المسؤولية المباشرة. فهل تكون المسؤولية على المطور الذي أنشأ النظام؟ أم على المستخدم الذي استعمل النظام؟ أم أن المسؤولية يجب أن تتحملها الشركة المالكة للنظام؟ في هذه الحالة، يصبح من الضروري تحديث القوانين لتحديد من يتحمل المسؤولية في حال حدوث انتهاك.
بحيث تتزايد إشكالية المسؤولية القانونية عن الأفعال الناتجة عن الذكاء الاصطناعي في مجال الملكية الفكرية، خاصة مع التطور السريع للتقنيات الذكية التي أصبحت قادرة على إنشاء أعمال إبداعية واختراعات دون تدخل بشري مباشر. ويطرح هذا الوضع العديد من الأسئلة القانونية التي تحتاج إلى إجابة، خصوصًا فيما يتعلق بتحديد المسؤول عن الأفعال الناتجة عن الذكاء الاصطناعي والتي قد تشكل انتهاكًا لحقوق الملكية الفكرية.
في ظل غياب تشريع محدد ينظم هذه المسائل، يمكن النظر إلى المسؤولية القانونية عن الأفعال التي يرتكبها الذكاء الاصطناعي من خلال عدة زوايا:
أولا : المسؤولية القانونية وفقًا لقانون حقوق المؤلف في المغرب (القانون 2.00).
فيما يخص حقوق المؤلف، فإن قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة (القانون رقم 2.00) في المغرب يحدد أن الأعمال الأدبية والفنية محمية إذا كانت من إبداع بشري. وفي حال كانت الأعمال تُنتج باستخدام الذكاء الاصطناعي، فإن القانون المغربي لا يعترف بالذكاء الاصطناعي كـ “مؤلف” مستقل. وبالتالي، فإن المسؤولية القانونية تقع على الشخص أو الكيان الذي قام بتطوير أو تشغيل الأنظمة الذكية التي أدت إلى إنشاء المصنفات.
إذا تم إنشاء عمل باستخدام الذكاء الاصطناعي، فإن المسؤولية تظل محكومة بنظام حقوق المؤلف، حيث لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مالكًا للحقوق المعنوية أو الاقتصادية للعمل المبدع، وإنما يظل الشخص الذي أدخل الذكاء الاصطناعي إلى العمل هو المسؤول عن حماية حقوق المؤلف، ما لم يثبت أن التدخل البشري كان غير مؤثر أو أن النظام كان مستقلًا تمامًا في إبداعاته.
ثانيا : المسؤولية عن انتهاك براءات الاختراع.
بالنسبة للبراءات، تنص قوانين الملكية الصناعية المغربية على أنه يجب أن يكون هناك “مخترع” بشري للحصول على براءة اختراع. وإذا تم استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير اختراع معين، فإن قانون البراءات المغربي يعترف بالحق في براءة الاختراع فقط إذا كان هناك شخص طبيعي كـ “مخترع” قام بتقديم الطلب.
المسؤولية القانونية في هذه الحالة تقع على عاتق الشخص الذي قام بتطوير النظام الذكي أو الذي قام بتقديم الطلب للحصول على البراءة. ومع ذلك، في حال وجود انتهاك لبراءة اختراع، فإن المسؤولية تظل على الشخص الذي يقوم باستخدام أو تطوير التكنولوجيا بشكل غير قانوني، حتى لو تم ذلك من خلال نظام ذكاء اصطناعي.
و على هذا الأساس يمكن القول إذا ارتكب الذكاء الاصطناعي أفعالًا تؤدي إلى أضرار، مثل تقليد أعمال محمية بحقوق الملكية الفكرية أو انتهاك براءات الاختراع، فإن المسؤولية قد تتوزع بين عدة أطراف:
المطورون والمبرمجون: في حال كان الذكاء الاصطناعي يعتمد على خوارزميات تم تصميمها من قبل أشخاص طبيعيين، فإن المسؤولية المدنية قد تقع على عاتقهم، خاصة إذا كان استخدام الذكاء الاصطناعي في انتهاك للحقوق الفكرية يحدث نتيجة للإهمال أو عدم اتباع القوانين واللوائح المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية.
المستخدمون: في حالة استخدام الذكاء الاصطناعي في نطاق الأعمال التجارية أو الإنتاجية بشكل غير قانوني، يمكن تحميل المسؤولية للمستخدم النهائي الذي يستغل النظام الذكي في انتهاك حقوق الملكية الفكرية.
الشركات المالكة: في حالة تبني الشركات لأنظمة الذكاء الاصطناعي في مشاريعها أو منتجاتها، يمكن أن تكون مسؤولة عن الأضرار الناتجة عن استخدامها لتقنيات الذكاء الاصطناعي التي تنتهك حقوق الملكية الفكرية، خاصة إذا كان النظام تم تطويره داخليًا أو كان يعكس اختراقات لبراءات الاختراع أو حقوق المؤلف.
خاتمة :
ختما لهذه الدراسة إن الثورة التكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من العديد من المجالات الاقتصادية والاجتماعية، مما يطرح تحديات قانونية هامة على مستوى حماية حقوق الملكية الفكرية. وتتمثل أبرز هذه التحديات في تحديد كيفية حماية الابتكارات والأعمال التي يتم إنشاؤها بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الابتكارات التكنولوجية، البرمجيات، التصاميم، والأعمال الإبداعية الأخرى.
على الرغم من التطور السريع الذي تشهده تقنيات الذكاء الاصطناعي، فإن الأنظمة القانونية الحالية، لم تكن مهيأة تماماً للتعامل مع هذه التحديات. ففي إطار القانون المغربي، تُعنى الحماية القانونية للأعمال الابتكارية بحقوق الملكية الفكرية بموجب قانون الملكية الصناعية (القانون رقم 17.97) وقانون حقوق المؤلف (القانون رقم 2.00). ومع ذلك، فإن هذه القوانين لم تتطرق بشكل صريح إلى حماية الأعمال التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، بل يتم تطبيقها في الغالب على الابتكارات التي تتم بواسطة البشر فقط.
كما أن مسألة تحديد المسؤولية القانونية عن الأفعال الناتجة عن الذكاء الاصطناعي تظل إحدى القضايا المعقدة. فهل يتحمل المبرمج أو المستخدم المسؤولية عن الأعمال الإبداعية التي تولدها أنظمة الذكاء الاصطناعي؟ أم يجب أن تتطور القوانين لتشمل الذكاء الاصطناعي ككيان قانوني مستقل، كما هو الحال مع الشركات والمؤسسات؟ في الوقت الراهن، يظل التعامل مع هذه المسائل غامضًا، ويحتاج إلى تطوير التشريعات لتواكب التقدم التكنولوجي.
وعلى الرغم من هذه التحديات، هناك حاجة ماسة لإحداث تغييرات تشريعية لتوفير الحماية اللازمة للابتكارات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، وضمان التوازن بين حماية حقوق الملكية الفكرية وتشجيع الابتكار. فالقوانين المغربية بحاجة إلى تعديل أو إضافة نصوص صريحة تعترف بالذكاء الاصطناعي كعنصر مشارك في الإبداع، وتحدد معايير واضحة فيما يتعلق بحماية حقوق المبدعين والمخترعين في ظل هذه التقنية الجديدة.
وفي هذا الإطار، يجب على المغرب تعزيز تشريعاته وتطوير آليات واضحة لحساب حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، وتوفير التدريب والموارد القانونية اللازمة لتمكين المتخصصين من التعامل مع هذه القضايا الحديثة. وهذا ما تضمنه “المؤتمر العربي الثالث للملكية الفكرية” الذي عقد تحت شعار “الملكية الفكرية وتحديات الذكاء الاصطناعي” في المغرب تاريخ 01-11-2024 بالدار البيضاء . وقد سلط المؤتمر الضوء على ضرورة تطوير أطر قانونية مرنة تواكب التطور السريع في مجالات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن أهمية التعاون العربي والدولي في تبادل الخبرات وتنظيم السياسات القانونية التي تضمن حماية الحقوق الفكرية في ظل هذه الثورة التكنولوجية.
و يمكن استخلاص النتائج هذه الدراسة من خلال ما يلي :
– غياب إطار قانوني شامل للذكاء الاصطناعي: رغم أن المغرب قد طور تشريعات خاصة بحقوق الملكية الفكرية، مثل قانون حق المؤلف والحقوق المجاورة (قانون 2.00) وقانون الملكية الصناعية، إلا أنه لا يزال يواجه تحديًا في توفير إطار قانوني متكامل يحدد بوضوح حقوق الذكاء الاصطناعي كإنتاج فكري مستقل. كما أن هناك نقصًا في تحديد الملكية القانونية للمنتجات التي تنتجها الأنظمة الذكية. – الحاجة إلى إطار قانوني للمسؤولية: في حال حدوث انتهاك لحقوق الملكية الفكرية من قبل أنظمة الذكاء الاصطناعي .
– يجب على المغرب تعزيز التعاون الدولي، خاصة مع الدول التي سبقت في تطبيق قوانين الذكاء الاصطناعي وحقوق الملكية الفكرية المتعلقة به، لضمان مواكبة التطور التكنولوجي ومواءمة التشريعات مع المعايير الدولية.
وفي ضوء ما سبق، يمكن أن نقترح بما يلي:
-إصدار قوانين خاصة بالذكاء الاصطناعي: يجب وضع قوانين محددة لضبط استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، مع مراعاة استشارة المتخصصين لتجنب التناقضات بين النصوص القانونية والواقع العملي.
-تحديد ضوابط مهنية لصناعة الذكاء الاصطناعي: يجب وضع ضوابط قانونية وصناعية لاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، خاصة في المجالات التي لا تمنحه الحماية بموجب حقوق الملكية الفكرية.
-تأهيل القضاة والمحامين في مجال الذكاء الاصطناعي: من الضروري تدريب القضاة والمحامين المتخصصين في قضايا الذكاء الاصطناعي للفصل في القضايا التي تشمل هذا المجال.
-التوعية والتعليم: ينبغي إقامة دورات تدريبية وحملات توعية في الجامعات والكليات لتعريف الطلاب والمهنيين بتطبيقات الذكاء الاصطناعي وآثارها الإيجابية والسلبية.
-تحديث مستمر للقوانين: يجب تحديث القوانين المتعلقة بالملكية الفكرية بانتظام لمواكبة التطورات التكنولوجية السريعة في عصر الذكاء الاصطناعي.
بناءً على هذه المقترحات ، نؤكد على أهمية تطوير الإطار القانوني المتعلق بالملكية الفكرية بما يتلاءم مع التحديات الجديدة التي يطرحها الذكاء الاصطناعي، وبالتالي ضمان حماية حقوق المبدعين والمخترعين في هذا العصر التكنولوجي المتقدم.




