الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية:السياق والمضمون – ابراهيم المصلوحي
الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية:السياق والمضمون
*ابراهيم المصلوحي،باحث في القانون العام.
دعا الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش سنة2025إلى إطلاق جديد من برامج التنمية الترابية،حيث جاء فيه مايلي”ولهذه الغاية،وجهنا الحكومة لاعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية،يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية،وتكريس الجهوية المتقدمة ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية.
وينبغي أن تقوم هذه البرامج على توحيد مختلف جهود الفاعلين حول أولويات واضحة ومشاريع ذات تأثير ملموس…”
ومن هذا المنطلق،فبرامج التنمية هي مجموعة من المبادرات والخطط التي توضع بغية تحقيق التنمية،حيث تتضمن مجموعة من الأنشطة والمشاريع التي تهدف إلى تحسين الواقع المعيش على المستوى الاجتماعي،الاقتصادي،
البيئي… .
وبالتالي ،فإن إشكالية اعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية،فهي تتقاطع والبرامج المعتمدة في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والنموذج التنموي.
فالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية(INDH)التي تم اعتمادها سنة2005بهدف تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للفئات الهشة وتقليص الفوارق الاجتماعية،فهي ترتكزعلى عدة محاور تتجلى في تحسين الدخل والاندماج الاقتصادي،تعزيز التعليم الأولي،دعم الفئات الهشة،تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية.
أما فيما يخص المحاور الاستراتيجية للتحول التي أقترحها التقرير العام للجنة الخاصة بالنموذج التنموي سنة2021تتمثل في أربع محاوروهي كالتالي:
-اقتصاد منتج ومتنوع قادر على خلق قيمة ومناصب شغل ذات جودة؛
*رأسمال بشري معزز وأكثر استعدادا للمستقبل؛
*فرص لإدماج الجميع وتوطيد الرابط الاجتماعي؛
مجالات ترابية قادرة على التكيف وكفضاءات لترسيخ أسس التنمية؛
وتأسيسا على ذلك،فالدعوة إلى اعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية،لا يجب عزله عن بعد السياقات المرتبطة بالواقع الاقتصادي والاجتماعي ببلادنا،فمع بداية سنة2025يبلغ معدل البطالة الوطني12.8في المائة ،فهذا الرقم يخفي وراءه فجوات أعمق ،حيث يصل إلى37في المائة بين الشباب و20في المائة لدى النساء.
كما أن بلادنا،عرفت مجموعة من الاحتجاجات في مجموعة من المناطق المغربية والتي جاءت في شكل تعبيرا جماعيا ضد اختلالات العدالة المجالية والإقصاء التنموي.
وعليه،فإن الهدف المتوخى من اعتماد الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية حسب الخطاب الملكي السالف الذكر يتجلى في:
*دعم التشغيل عبر تثمين المؤهلات الاقتصادية والجهوية وتوفير مناخ ملائم للمبادرة والاستثمار المحلي؛
*تقوية الخدمات الاجتماعية الأساسية،خاصة في مجالي التربية والتعليم والرعاية الصحية،بما يصون كرامة المواطن ويكرس العدالة المجالية؛
*اعتماد تدبير استباقي ومستدام للموارد المائية،في ظل تزايد حدة الإجهاد المائي وتغير المناخ؛
*إطلاق مشاريع التأهيل الترابي المندمج في انسجام مع المشاريع الوطنية الكبرى التي تعرفها البلاد؛
وفي هذا السياق،أصدر وزير الداخلية دورية تحت رقمCAB/1300إلى الولاة والعمال حول جيل جديد من برامج التنمية المجالية المندمجة،باعتبارها مكملة لما جاء في الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش 2025.
وبالتالي،فإن إشراف وزارة الداخلية على الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية،يبقى مرتبط بأسباب تتمظهر في كونها الجهة التابعة لها المصالح اللاممركزة وتجاوز استغلال هذه البرامج لأغراض سياسية كما جاء في الدورية المذكورة.
وترتيبا على ذلك،فإن إشكالية الفوارق الاجتماعية والمجالية تطرح أسئلة مرتبطة بعدالة الإنفاق العام وإعادة توزيع الموارد،فبالرجوع إلى بعض التقارير الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط،نجد استحواذ ثلات جهات فقط تتمظهر في الدارالبيضاء سطات ،الرباط-سلا-القنيطرةوطنجة-تطوان الحسيمة على 58.5في المائة من الناتج الداخلي الخام الوطني،حيث ساهمت جهة الدارالبيضاء-سطات وحدها ب32.3في المائة بفضل ديناميتها التجارية والصناعية والخدماتية،في المقابل لم تتجاوز مساهمة جهات مثل درعة-تافيلالت والأقاليم الجنوبية سوى7.6في المائة وهو مايعكس بجلاء اتساع الفجوة التنموية.
فبالعودة إلى المذكرة التوجيهية لإعداد مشروع قانون المالية لسنة2026،نجد هذا الأخير يرتكز على أربع أولويات،ومن بينها نجد التأهيل الشامل للمجالات الترابية وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية وفق مقاربة للتنمية المجالية المندمجة.
وفي المحصلة ،فإنه من أجل إرساء تنمية عادلة في بعدها الترابي،يجب أن تحدد الأولويات في اثنى عشر(12)من الجهات،حيث أن هناك جهة تكون فيها الأولوية للبنية التحتية وأخرى للتشغيل وأخرى لفك العزلة والمرافق الاجتماعية كالمراكز الصحية والمدارس.
كما أنه،لايجب النظر لبرامج التنمية الترابية من زاوية واحدة تتجلى في التفعيل الظرفي لها لما أفرزه السياق من نقائص مرتبطة بالتفاوتات الاجتماعية والمجالية،وإنما الاشتغال على هذا الرهان يتطلب رؤية واضحة لجميع الفاعلين والمتدخلين فيها وفق مناهج عمل مستمرة باعتبارها لها علاقة بجميع الحقوق الأساسيةكماينص عليها دستور2011 التي تمس الواقع المعيش للمواطنات والمواطنين.