تكريس المحكمة الرقمية في ضوء القانون 23.03 القاضي بتغيير وتتميم القانون 22.01 المتعلق بقانون المسطرة الجنائية – أيوب الحاتمي

تكريس المحكمة الرقمية في ضوء القانون 23.03 القاضي
بتغيير وتتميم القانون 22.01 المتعلق بقانون المسطرة الجنائية.
أيوب الحاتمي*
تمهيد:
أصبحت الرهانات والتحديات الكثيرة المطروحة على العدالة تفرض استكشاف كافة السبل التي تمكن من تجاوز أسباب البطء وضعف الفعالية، والانفتاح على جيل جديد من الخدمات الإدارية والقضائية والولوج الى العدالة، وتمكن من التحكم في الآجال وتسهم في الرفع من جودة الاجتهاد القضائي وتثبيت الأمن القضائي، ولاشك أن استعمال الرقمنة واستثمار التكنولوجيا الحديثة هما السبيل الأنجع لتحقيق هذه الغاية، فالمعايير الحديثة المعتمدة في تقييم نجاعة العدالة أصبحت ترتكز على مدى توظيف الأنظمة القضائية للتكنولوجيا الحديثة في الإجراءات والمساطر وتدبير الإدارة القضائية بعدما ثبت أنها تشكل عاملا أساسيا للرفع من نجاعة أداء المحاكم وتبسيط الإجراءات واختصار الزمن القضائي وتسهيل الولوج إلى المحاكم والوصول إلى الحق وتوفير المعلومة وإضفاء الشفافية على العمل القضائي[1].
وقد انخرطت وزارة العدل في مسار التحول الرقمي كنمط من أنماط الإدارة التي تعتمد على تكنولوجيا الاتصال والمعلومات حيث استهدفت من خلال ذلك الوصول إلى المحكمة الرقمية لتقديم خدمات قضائية فعالة، ولعل أهم تمظهر لها هو ذلك المتعلق باستعمال وسائل الاتصال عن بعد في إجراءات المحاكمات وتصريف القضايا أو ما يطلق عليه بالمحاكمة عن بعد، وبالنظر إلى أن استخدام هذه الوسائل يتصل بحقوق وحرية الأشخاص، وما يتطلبه ذلك من سرعة في البت، فإن أهميتها تزداد في الظروف غير المتوقعة كتلك التي عشناها في فترة الجائحة بسبب انتشار وباء كورونا وما ترتب عنه من تحديات جعلت من المحاكمة الحضورية تهديدا للصحة العامة، ويقصد بالمحاكمة عن بعد “استعمال الوسائل التقنية الحديثة لإجراء محاكمة قضائية بين أطراف لا يجمعهم حيز مكاني واحد، حيث تجرى المحاكمة من خلال تقنية الاتصال عن بعد، أي بمعنى محادثة مسموعة ومرئية بين الهيئة القضائية وأطراف الدعوى لضمان التواصل المباشر رغم التواجد في أماكن مختلفة ومتباعدة”[2].
إن مفهوم المحكمة الرقمية يعد من المفاهيم الحديثة والتقنية على الساحة القانونية، وقد كان أول طرح لها في توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة لسنة 2013 الذي جاء فيه وضع أسس محكمة رقمية منفتحة على محيطها وعلى المتقاضين، ولكن وللأسف وكمثل أي ورش تنموي يطرح فإنه يعرف إكراها لا على مستوى التنزيل ولا على مستوى التفعيل وهذا ما تم تسجيله على مستوى تعاقب المخططات الاستراتيجية للتنمية الرقمية ببلادنا، بدءا من الخطة الاستراتيجية للإدارة الإلكترونية- إدارتي- 2007/2003 وانتهاء بتوجهات التنمية الرقمية بالمغرب في أفق سنة 2025، حيث يستفاد من خلال فحص المقاربات العمومية الحاكمة لوضع هذه الخطط والبرامج، تسجيل أعطاب عديدة متعلقة ببلورة نصوصها أو تتبع تنفيذها أو تقييم حصيلتها، وهذا التعثر الذي عرفته الإستراتيجيات الوطنية من حيث التنزيل الفعلي قد أثر نوعا ما على استراتيجية الإدارة القضائية في تنزيل مشروع التحول الرقمي، إذ بالرجوع إلى ميثاق إصلاح منظومة العدالة والذي حدد أهدافا واضحة وأجالا لتنفيذها، فإنه على مستوى الهدف الفرعي الثالث المتمثل في إرساء مقومات المحكمة الرقمية من خلال آليات التنفيذ رقم 187،188،189،190، والتي حدد آجال تنفيذها في الفترة الممتدة بين سنتي 2013/2020[3]، إلا أن إكراهات الواقع العملي قد أثرت سلبا على الجدولة الزمنية مما أدى إلى تمديد آجال بلوغ المحكمة الرقمية وتم تعويض سنة 2020 بسنة 2021 وها نحن الآن على مشارف نهاية سنة 2025 لم يتحقق منها إلا النزر اليسير.
ولعل أبرز الإشكالات التي واجهت ورش المحكمة الرقمية هو محدودية بعض المقتضيات الإجرائية المعمول بها، إذ لم يكن قانون المسطرة الجنائية في صيغته الأصلية 22.01[4]يتضمن تنظيما كافيا لاستيعاب التحولات الرقمية، الأمر الذي انعكس على بطء تنزيل المحكمة الرقمية وضعف التجانس بين النصوص والتطبيق، وقد جاء القانون 03.23[5] الذي عدل وتمم القانون 22.01 ليعالج لنا هذا النقص من خلال إدراج مقتضيات واضحة تؤطر الاستعانة بالوسائط الرقمية، بما يؤكد جليا توجه المشرع نحو إرساء عدالة رقمية أكثر فعالية وجودة، تستجيب لمتطلبات المتقاضين والعاملين على حد سواء.
وانطلاقا من هذا يمكننا التساؤل على أي حد استطاع المشرع المغربي من خلال القانون 23.03 أن يؤسس فعليا للمحكمة الرقمية، متجاوزا محدودية القانون 22.01، ومحققا بذلك نقلة نوعية نحو عدالة رقمية ناجعة وفعالة؟
وهذه الإشكالية تتفرع عنها العديد من التساؤلات الفرعية، التي صغناها على الشكل التالي:
- ما المقصود بالمحكمة الرقمية؟ وما هو الأساس القانوني الذي تستند إليه فكرة الرقمنة داخل المنظومة القضائية ببلادنا؟
- كيف عالج القانونين 22.01 و03.23 مسألة الدليل الرقمي؟ وما مدى اعتراف المشرع بحجيته القانونية في الإثبات الجنائي؟
- إلى أي حد ساهم التبليغ الالكتروني في تبسيط المساطر وتحقيق النجاعة القضائية في ظل القانون الجديد؟
وفي سبيل الإجابة عن هذه الاشكالية المطروحة وما يتفرع عنها من أسئلة، سأتطرق لهذه الموضوع من خلال دراسة تشريعية مقارنة من خلال تقسيمه لمحورين أساسيين كالتالي:
المحور الأول: المحكمة الرقمية على مستوى القانون 22.01.
المحور الثاني: المحكمة الرقمية على مستوى القانون 03.23.
المحور الأول: المحكمة الرقمية على مستوى القانون 22.01
يعد القانون رقم 22.01 الحالي المتعلق بالمسطرة الجنائية نقطة الانطلاق الأولى نحو رقمنة العدالة ببلادنا، حيث أفرز المشرع من خلاله بوادر الانتقال التدريجي إلى المحكمة الرقمية خاصة في ظل الحاجة إلى تحديث وسائل التبليغ والإثبات والإجراءات القضائية بما يتلاءم والتحول التكنولوجي ومتطلبات الحكامة القضائية.
ورغم الطابع المحافظ الذي طبع هذا القانون في بدايته، فإنه أسس لمفاهيم حديثة جديدة تمهد لاعتماد التقنية في العمل القضائي، سواء في مجال الإثبات أو في الاستدعاء، مع محاولات محتشمة لتقنين وسائل الاتصال داخل المحاكم لإكراهات تصطدم بواقع قصور النص التشريعي تارة وتحديات الوسائل التقنية أو عدم ملاءمتها تارة أخرى، وفي هذا الاطار يمكننا رصد ملامح المحكمة الرقمية في ظل القانون الحالي من خلال ثلاث مستويات رئيسية:
أولا: من حيث الوقوف على مظاهر التأسيس للمحكمة الرقمية.
ثانيا: من حيث تنظيم وسائل الاثبات الالكترونية وحجيتها القانونية.
ثالثا: من حيث الاستدعاءات والإجراءات ذات الطابع الرقمي ومدى انسجامها مع ضمانات المحاكمة العادلة.
أولا: مظاهر التأسيس للمحكمة الرقمية في القانون الحالي للمسطرة الجنائية
صدر القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية خلال الألفية الثانية كجزء من الإصلاحات الكبرى التي عرفها المغرب في مجال العدالة الجنائية، وكان الهدف منه تحديث الإجراءات وضمان حقوق الأفراد وفق المعايير الدستورية والدولية غير أن هذا القانون ورغم أهميته في تلك المرحلة والتعديلات التي عرفها أبرزها تلك المقررة بالظهير الشريف المتعلقة بالإجراءات الانتقالية لسنة 1974، لم يتضمن تصورا صريحا للمحكمة الرقمية، إذ ظل وفيا للنموذج الكلاسيكي للمحاكمة الحضورية.
فالنص القانوني يعد التحدي الأكبر لرقمنة العمل القضائي في مجال التقاضي عن بعد وبالتالي فالقانون 22.01 لم ينص عن إمكانية عقد الجلسات أو الاستماع إلى الأطراف أو الخبراء عن بعد بل جعل الحضور الشخصي هو الأصل في جميع مراحل الدعوى العمومية وبالرجوع للمادة 311 من قانون المسطرة الجنائية نجدها تنص على أنه “يحضر المتهمون شخصيا، مالم تعفهم المحكمة من الحضور”، وكذلك المادة 318 في فقرتها الأولى “يأمر الرئيس بإحضار المتهم”، والمادة 345 والتي تنص على ضرورة حضور الخبراء للجلسة من أجل عرض نتائج العمليات التقنية التي قاموا بها.
وعليه يعتبر أن مبدأ الحضورية لا يمكن معه إعمال المحاكمة عن بعد بالنسبة للمتهمين ولا الخبراء ولا حتى الاستماع للشهود (المادة 345)[6]، وبالتالي لا يوجد إطار قانوني يلزم الأطراف من اللجوء لهذه الطريقة من التقاضي، إلا أن هناك قوانين رائجة تقتصر على الجانب الموضوعي فقط من قبيل القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية[7] والقانون 08.09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي[8]، والذين اعتمدهم المغرب كاستراتيجية وطنية للأمن الرقمي وحماية الأنظمة المعلوماتية وذلك من أجل بناء منظومة متكاملة توازن بين تحقيق هدف المغرب الرقمي وتوسيع نطاق المعلومات الإلكترونية وبين تحقيق الأمن المعلوماتي، وبرجوعنا لقانون المسطرة الجنائية نجد أنه هناك مقتضى يتيم وهي الحالة التي تقتضي فيها حماية الشهود والتي يمكن فيه الاستماع للشاهد عن بعد (المادة 347.1)[9].
ثانيا: وسائل الإثبات الإلكترونية وإكراهات القبول القضائي
على مستوى الإثبات فالمشرع نص في المادة 286 على حرية الإثبات حيث “يمكن إثبات الجرائم بأية وسائل من وسائل الإثبات، ماعدا في الأحوال التي يقضي القانون فيها بخلاف ذلك”.
وبالتالي لا يقتصر الإثبات على وسيلة واحدة، بل يشمل مجموعة متنوعة من الأدلة مثل الاعتراف، شهادة الشهود، المعاينة، الخبرة، والقرائن، حسب ما تراه المحكمة مناسبا والتي قد تودي بها إلى كشف الحقيقة، ويجد هذا المقتضى مكانا للتطبيق في الجرائم المستحدثة كالجرائم المعلوماتية خاصة وفي غياب تقنين خاص يؤطر عملية استخلاص الدليل الرقمي وكيفية إثباته، على اعتبار أن الجرائم الإلكترونية هي من نوع خاص تستعمل فيه الوسائل التقنية الحديثة من أجل ارتكابها مما يصعب معه احتواءها نظرا لخطورتها وسهولة محور آثارها واندثاره.
وتبقى حرية الإثبات الأساس التي على ضوءها يعلل القاضي الجنائي حكمه سواء في الأخذ بوسائل الإثبات، فليس هناك شك في أن وصول القاضي الجنائي إلى حكم يعبر عن الحقيقة في الواقعة المطروحة عليه بالأمر الهين، لأن الجريمة واقعة تنتمي إلى الماضي، وليس في وسع القاضي أن يطلعنا بنفسه ويتعرف على حقيقتها[10].
وقياسا على هذا فيتحتم على القاضي أن يتحرى جميع الوسائل من أجل إثبات هذه الجرائم والبحث عن مرتكبيها وكذا يمكن له الاستعانة بذوي الخبرة في هذا المجال حتى لا يتم فقط الدليل والعبث بمخرجاته.
وارتباطا بما سبق فقد أخذ المشرع بمبدأ حرية الإثبات حيث أمد القاضي الجنائي بحرية واسعة في الإثبات وجعله حرا في قبول الأدلة من عدمها، فقبول الأدلة يعتبر الخطوة الإجرائية التي يمارسها القاضي اتجاه الأدلة المقدمة في الدعوى قبل تقديرها لكن هذا الأمر فيما يتعلق بالدليل الجنائي المادي، أما بالنسبة للدليل الجنائي الرقمي فهو مختلف كليا عن الدليل المادي لأنه يكون في وسط افتراضي ولذلك فمجرد الحصول على الدليل الرقمي وتقديمه للقضاء لا يكفي لاعتماده كدليل للإدانة إذ الطبيعة الفنية للدليل الرقمي تمكن من العبث بمضمونه على نحو يحرف الحقيقة دون أن يكون في قدرة غير المتخصص إدراك هذا العبث كما سبق ذكر ذلك، مما يمكن معه القول أن الشكل في الدليل الرقمي لا يتعلق بمضمونه كدليل وإنما بعامل مستقل ولكنها تؤثر في مصداقيته ولا شك أن الخبرة تلعب دورا مهما في التثبت من صلاحية الدليل الرقمي من عدمه، في حالة بقاء الشكوك التي تؤثر على عقيدة القاضي بخصوص سلامة الدليل الرقمي الذي سبق خضوعه لاختبارات فنية بعد تقديمه أمام القاضي الجنائي في هذا الاثبات، بحيث يظل متمتعا بسلطة تقديرية في تقديم هذه الادلة بحسبان أنها قد لا تكون مؤكدة على سبيل القطع وقد تكون مجرد أمارات أو دلالات أو قد يحوطها الشك وهنا تظهر أهمية هذه السلطة التقديرية التي يجب أن يطل القاضي متمتعا بها لأنه من خلالها يستطيع إظهار مواطن الضعف في هذه القرائن ويستطيع كذلك تفسير الشك لصالح المتهم[11].
ثالثا: التبليغ الالكتروني في ظل تباين الاعتراف القضائي
من حيث التبليغ فالمشرع المغربي في المادة 308 من قانون المسطرة الجنائية والتي تحيل للفصول 37 و38 و39 من قانون المسطرة المدنية[12]، قدد حدد كيفية وشروط تبليغ الاستدعاءات إذ ينص الفصل 37 من قانون المسطرة المدنية على أنه “يوجه الاستدعاء بواسطة أعوان كتابة الضبط أو أحد الأعوان القضائيين أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل أو بالطريقة الادارية.
إذا كان المرسل إليه يقيم خارج المغرب يوجه الاستدعاء بواسطة السلم الاداري على الطريقة الديبلوماسية أو بواسطة البريد المضمون عدا اذا كانت مقتضيات الاتفاقيات الدولية تقتضي غير ذلك”.
وكذلك ينص الفصل 38 من قانون المسطرة المدنية على أنه: “يسلم الاستدعاء والوثائق الى الشخص نفسه أوفي موطنه أو في محل عمله أو في أي مكان آخر يوجد فيه، ويجوز أن يتم التسليم في الموطن المختار…”
وبمطالعتنا لهذه النصوص يتضح لنا أن المشرع المغربي ظل متشبثا بالنموذج الكلاسيكي للتبليغ حيث يتم هذا الأخير حصرا عن طريق كتابة الضبط أو الأعوان القضائيين أو بواسطة البريد المضمون مع الاشعار بالتوصل أو بالطريقة الإدارية، غير أن هذا التوجه يبدو متجاوزا في ظل التطور الرقمي الراهن إذ أصبحت التكنولوجيا تقرب المسافات وتلغي الحدود وجعلت من العالم قرية صغيرة، وبالتالي فإن الاقتصار عن الوسائل التقليدية يعتبر قصورا تشريعيا لاسيما وأنه أصبح من الممكن الاستفادة من الوسائل الإلكترونية الحديثة للاعتراف بالتبليغ عبر البريد الالكتروني أو التطبيقات الأخرى مثل “الواتساب”، بل والاعتداد بالرسائل المتبادلة عبرها كوسيلة من وسائل الإثبات، انسجاما مع توجه المشرع نحو تكريس المحكمة الرقمية.
ويلاحظ في هذا الصدد أن الفصل 38 من قانون المسطرة المدنية ينص على ضرورة تسليم الاستدعاء للشخص نفسه أو في موطنه أو في محل عمله أو في الموطن المختار وهو ما يعكس استمرار ارتباط المشرع بفكرة التسليم المادي كشرط جوهري لصحة التبليغ، إلا أن الواقع العملي يظهر أن الأفراد اليوم ينشطون بشكل أكبر عبر الفضاء الرقمي حيث أضحت مواقع التواصل الاجتماعي جزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية، بل يمكن القول أن الحضور الافتراضي في كثير من الأحيان يفوق الحضور الواقعي، وبالتالي يتوجب على المشرع الاستثمار في هذه الوسائل الحديثة لما لها من مزايا عديدة ولما تحققه من سرعة وفعالية في تصريف القضايا.
والقضاء المغربي اليوم يعرف نوعا من التباين في تقدير بعض أو الأخذ بهذه الوسائل المرتبطة بالوسائل الرقمية ولاسيما تلك المتعلقة بالتبليغات في حالة المرض أو العجز والتي يفقد معه الشخص القدرة عن الذهاب للعمل، وارتباطا بهذا فقد ألغت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء مؤخرا حكما ابتدائيا كان قد قضى بتعويض أجيرة عن الطرف التعسفي وذلك بعدما اعتبرت أن إشعارها لمشغلتها بمرضها عبر تطبيق الواتساب مرفقا بشهادة طبية مرسلة عبر نفس التطبيق لا يكفي لإثبات واقعة التبليغ.
وفي المقابل فقد سبق لقضاء النقض أن أخذ برسائل الواتساب كوسيلة إثبات قانونية لإبلاغ المشغل بحالات الغياب الناتجة عن المرض وهو ما يكشف عن وجود تباين واضح بين قضاء الموضوع وقضاء النقض في التعاطي مع هذه الوسائل.
إن هذا التضارب في الأحكام والقرارات في غياب نص تشريعي صريح يقر بالتبليغ عبر التطبيقات الرقمية قد يؤثر سلبا على ثقة المواطنين في العدالة كما يخلق جوا من عدم التناغم والشفافية في تطبيق القاعدة القانونية، الأمر الذي يستدعي تدخلا تشريعيا حاسما لتوحيد المقتضيات وضمان استقرار الاجتهاد القضائي.
المحور الثاني: المحكمة الرقمية على مستوى القانون 23.03
جاء القانون رقم 23.03 الذي عدل وتمم القانون 22.01 ليستجيب للتحولات الرقمية المتسارعة التي يشهدها العالم، وليواكب في الوقت نفسه التوجه الاستراتيجي للمغرب نحو تحديث الادارة القضائية وتجويد الخدمات الادارية، وقد تضمن هذا القانون مستجدات هامة كرست البعد الرقمي بشكل صريح، مما يجعل الحديث عن المحكمة الرقمية أمرا واقعا أكثر من مجرد توجه إصلاحي.
فالمشرع من خلال هذا القانون، أقر مجموعة من المستجدات التقنية والتنظيمية التي تهدف إلى جعل المحكمة الرقمية مؤسسيا وقانونيا راسخا، سواء من خلال اعتماد التقاضي عن بعد أو الاعتراف بالمحررات الالكترونية والتوقيع الالكتروني أو تفعيل الأداء الالكتروني وتسجيل الجلسات، ومن أجل الإحاطة بجوانب هذا التحول يمكن تناول هذا المحور عبر ثلاث فقرات رئيسية على النحو التالي:
أولا: واقع المحكمة الرقمية في ظل القانون 23.03
ثانيا: حجية الدليل الرقمي وصلاحيته في الاثبات
ثالثا: التبليغ الالكتروني كآلية لتبسيط المساطر القضائية
أولا: واقع المحكمة الرقمية في ظل القانون 23.03
من خلال استقراءنا لأهم المستجدات التي أتى بها هذا القانون، يتضح لنا أنه كرس لمفهوم المحكمة الرقمية وأولاها أهمية قصوى، ليس فقط في الحالات الاستثنائية كالتي شهدها المغرب خلال فترة الجائحة، وإنما أيضا في الحالات العادية التي تحول فيها الظروف دون انعقاد المحاكمة الحضورية.
وفي هذا السياق أدرج المشرع القسم السادس من الكتاب الخامس والمعنون ب”استعمال تقنيات الاتصال عن بعد”، الممتد من المواد 595.11 إلى 595.17، حيث نص صراحة على إمكانية إجراء التقاضي عن بعد بما في ذلك مباشرة إجراءات البحث والتحقيق والمحاكمة عن بعد، شريطة موافقة المعني بالأمر الصريحة مع سريان نفس القواعد المنظمة لحضوره الشخصي وترتيب نفس الأثار القانونية عليها.
كما خول المشرع للنيابة العامة وقاضي التحقيق وهيئات الحكم إمكانية اللجوء إلى الاستماع أو الاستنطاق أو المواجهة عبر تقنية الاتصال عن بعد، سواء مع المتهم أو الشهود أو باقي الأطراف، على أن يتم ذلك من مكان مهيأ ومجهز بالوسائل التقنية اللازمة وبكيفية تضمن سرية البحث وتكفل حق الدفاع، وهو ما يشكل ضمانة قانونية وتقنية في الآن نفسه.
أما بخصوص الإنابة القضائية المنصوص عليها في الفصول من 189 الى 193 من قانون المسطرة الجنائية، فقد كانت الممارسة التقليدية تقتضي توجيه قاضي التحقيق لإنابة قضائية إلى الجهة القضائية المختصة بالمحكمة التي يوجد في دائرتها الشخص المراد الاستماع إليه إذ لا تطرح هذه المسطرة إشكالا حينما تتم الإنابة داخل نفوذ قاضي التحقيق، غير أن الأمر يختلف عندما يتعلق الأمر بإنابة خارج هذا النطاق، إذ تخضع آنذاك لشكليات دقيقة من بينها ضرورة الإشارة إلى نوع الجريمة موضوع المتابعة، والمهام المحددة التي يكلف بها القاضي أو ضابط الشرطة القضائية أو قاضي التحقيق المنتدب، مع منع ضابط الشرطة القضائية المنتدب استجواب المتهم ومواجهته مع الغير أو الاستماع الى الطرف المدني إلا بطلب منهم.
غير أن هذا التعقيد الإجرائي أصبح متجاوزا في ظل هذا القانون والذي أتاح لقاضي التحقيق إمكانية الاستماع الى أي شخص، ولو كان خارج دائرة نفوذ المحكمة، عبر تقنية الاتصال عن بعد[13]، في خطوة تروم تجاوز القيود الجغرافية، وتسريع وتيرة التحقيق، وترشيد الوقت والجهد في سبيل ضمان نجاعة العدالة وجودة المسطرة.
وفي السياق ذاته، أقر المشرع إمكانية اللجوء إلى الإنابات القضائية الدولية الإلكترونية إذ يمكن للمحاكم المغربية أن تـأذن لمحكمة أجنبية الاستماع إلى أي شخص يتواجد داخل التراب الوطني عبر تقنيات الاتصال عن بعد، وتوثيق تلك العمليات سمعيا وبصريا وتحرير محضر في النازلة[14]، مما يعزز التعاون القضائي الدولي ويكرس مبدأ المعاملة بالمثل في تنفيذ الإجراءات الجنائية العابرة للحدود.
كما أجاز المادة 595.16 من قانون المسطرة الجنائية في صيغته الجديدة[15]، للقضاة المغاربة مباشرة إجراءات التحقيق أو الاستماع أو المواجهة مع أشخاص متواجدين خارج التراب الوطني عبر نفس التقنية وذلك وفقا للإتفاقيات الدولية والقوانين الداخلية للدول المعنية، مما يعكس انفتاح العدالة المغربية على الفضاء القضائي الدولي واستعدادها لمواكبة معايير العدالة الحديثة.
ومن أجل تكريس مبادئ المحاكمة العادلة وضمان الشفافية في تصريف الإجراءات نصت المادة 66.3 من القانون المذكور[16] على إمكانية تضمين تسجيل سمعي بصري للمشتبه فيه الموضوع تحت الحراسة النظرية في الجنايات والجنح المعاقب بخمس سنوات حبسا أو أكثر سواء أثناء تلاوة تصريحاته المضمنة في المحضر أو لحظة توقيعه أو رفضه، وكذا عند تقديمه أمام أنظار النيابة العامة أو المحكمة المختصة كلما اقتضت الضرورة ذلك، كما أجازت المادة 80 في الفقرة الرابعة منه في الحالة التي تقتضي فيها الضرورة تمديد مدة الحراسة النظرية، أن يتم الإستماع الى المشتبه فيه عبر تقنيات الاتصال عن بعد، الأمر الذي يعكس رغبة واضحة في رقمنة الإجراءات القضائية مع الحفاظ على الضمانات الأساسية للمشتبه فيهم.
وفي إطار التيسير على المتقاضين ومحاميهم فقد نصت المادة 185 على إمكانية دفع الكفالة إلكترونيا أو عبر التطبيقات البنكية من طرف محامي المتهم وهو ما يعكس وعيا تشريعيا بضرورة مواكبة الوسائل الحديثة في الأداء المالي بالمحاكم.
كما أتاح القانون للمحكمة إمكانية تسجيل كل ماراج في الجلسة وفق النظام التقني المعتمد، وتفريغ هذه التسجيلات في محاضر إلكترونية قانونية تذيل بالتوقيع الالكتروني لكل من الرئيس وكاتب الضبط، مع منح الاطراف إمكانية الحصول على نسخة إلكترونية منها، ضمانا للشفافية والتوثيق الكامل للمسطرة[17].
إن هذه المستجدات مجتمعة تمثل نقلة نوعية في النظام الإجرائي المغربي، إذ لم يعد التقاضي مرهونا بالحضور المادي داخل قاعة المحكمة، بل أصبح الفضاء الرقمي مكونا رئيسيا في تحقيق العدالة، بما يضمن السرعة والشفافية وضمان حقوق الأفراد وتكريس مبادئ المحاكمة العادلة وعدم هدر الزمن القضائي.
ثانيا: حجية الدليل الرقمي وصلاحيته في الإثبات
إن التوجه نحو الرقمنة يتجلى في تناغم القانون 03.23 مع مقتضيات القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، الذي ساوى في الحجية بين المحررات الورقية ونظيرتها المحملة على دعامة إلكترونية[18]، وفي هذا الإطار نصت المادة 24 من قانون المسطرة الجنائية في صيغته الجديدة على أن المحضر هو كل وثيقة تحرر على دعامة ورقية أو إلكترونية من لدن ضابط الشرطة القضائية أو تحت إشرافه، كما أقر بالتوقيع الالكتروني كشرط لازم للمحاضر المحررة إلكترونيا لضمان صحتها وحجيتها القانونية، وتعزيزا لهذه الحجية فقد نصت المادة 57 على صلاحية ضباط الشرطة القضائية في رفع الآثار الرقمية وحجز التسجيلات السمعية والبصرية من مكان ارتكاب الجريمة -والذي يكون موقعا افتراضيا بالتأكيد- مع إمكانية الاستعانة بذوي الخبرة في هذا المجال نظرا لخصوصية الدليل الرقمي وحساسيته التقنية، كما خول لهم المشرع كذلك صلاحية إجراء أي تفتيش رقمي مفيد للأجهزة المعلوماتية وحجز ما يمكن أن تستخرج منه من بيانات أو أدلة قد تفيد في إظهار الحقيقة وفق ضوابط دقيقة تضمن سلامة الإجراء ومصداقيته.
وارتباطا بذلك فإن المشرع المغربي قام بإضافة باب جديد في القانون 03.23 وهو الباب الخامس مكرر من القسم الثالث من الكتاب الأول والمعنون ب”التقاط وتثبيت وتسجيل الأصوات والصور والمعطيات الالكترونية وتحديد المواقع”، الممتد من المواد 116.1 الى المادة 116.6 فقد تم بموجبه وضع الإطار القانوني الدقيق لاستعمال الوسائل التقنية الحديثة في مجال البحث التحري، إذ خول هذا الباب الصلاحية لضباط الشرطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة أو قاضي التحقيق إمكانية اللجوء إلى التقاط أو تسجيل الأصوات والصور والمعطيات الالكترونية أو تحديد المواقع الجغرافية للأشخاص والممتلكات، متى تعلق الأمر بجرائم خطيرة تستدعي ذلك وبناء على إذن قضائي مسبب يحدد مدة الإجراء ونطاقه والغاية منه.
ويستشف من هذه المقتضيات أن المشرع سعى إلى شرعنة الوسائل التقنية الحديثة باعتبارها أدوات ضرورية لاستخلاص الدليل الرقمي للإدانة، مع الحرص على إضفاء الحجية القانونية عليه من خلال إخضاعه لرقابة قضائية صارمة تضمن التوازن بين متطلبات الأمن القانوني من جهة، واحترام الحق في الخصوصية المنصوص عليها في القانون 09.08 من جهة أخرى.
وهكذا فإن التناغم بين النصين يتجسد في أن القانون الجنائي الاجرائي يفعل الوسائل التقنية في نطاق محدد ومقنن خدمة للعدالة، في حين يضع قانون حماية المعطيات الشخصية الحدود والضوابط التي تحول دون تحول تلك الوسائل إلى أدوات للمساس غير المشروع بالحياة الخاصة.
ثالثا: التبليغ الالكتروني كآلية لتبسيط المساطر القضائية
يعتبر التبليغ إحدى الآليات القانونية المهمة على مستوى التقاضي، لما لها من دور كبير في تسريع العدالة أو بطئها، فهي الروح النابض لقياس سرعة العدالة، وقد جار تعريفه على أنه إيصال أمر واقعة معينة إلى الشخص المبلغ إليه بواسطة استدعاء يهدف ضمان حضوره للدفاع عن حقوقه في مواجهة الخصم، فالواقع العملي قد أفرز لنا معيقات عدة تخص التبليغ العادي إذ يعتبر العائق الأكبر وراء البطء في البت في القضايا وكذا تنفيذها والذي من شأنه أن يؤثر على مردودية وجودة العمل القضائي، لذا كان لزاما على المشرع أن يتدخل لإقرار طرق جديدة وحديثة للتبليغ[19] وهو ما تأتى من خلال مقتضيات القانون 23.03 المتعلق بالمسطرة الجنائية ومسودة مشروع قانون المسطرة المدنية، ومن خلال قراءتنا لمجموعة من المواد المضمنة في قانون المسطرة الجنائية في صيغته الجديدة، نجد أن المشرع قد وضع اللبنة الأولى لتقنين التبليغ الإلكتروني وتنظيمه.
فقد وردت في عدد من النصوص عبارة: “أية وسيلة اتصال أو تقنية تترك أثرا كتابيا”، وهي صياغة ذات دلالة قانونية عميقة تفصح عن إرادة المشرع في منح الحجية القانونية لوسائل الاتصال الإلكترونية الحديثة، بما في ذلك البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الرقمية، باعتبارها وسائل قادرة على تحقيق مقاصد التبليغ بفعالية أكبر وبكلفة وجهد أقل.
إن هذا التوجه يعكس وعيا تشريعيا متقدما بأهمية الرقمنة كمدخل لتبسيط الإجراءات وتسريع وتيرة البت في القضايا، انسجاما مع ما نص عليه ميثاق إصلاح منظومة العدالة من ضرورة تحديث الإطار القانوني ليتلاءم مع متطلبات العدالة الرقمية، وفي هذا الإطار قد نصت المادة 117 من قانون المسطرة الجنائية في صيغته الجديدة الفقرة الثانية منه على أنه “يمكن استدعاء الشهود بواسطة الأعوان القضائيين أو برسالة مضمونة أو بالطريقة الإدارية أو بأي وسيلة اتصال أو تقنية تترك أثرا كتابيا، كما يمكنهم الحضور بمحض إرادتهم”.
وتؤكد هذه الصياغة بوضوح اعتراف المشرع بإمكانية استعمال وسائل الاتصال الحديثة في عملية الاستدعاء مادام يمكن التحقق من وجود أثر كتابي يثبت حصوله.
كما أن المشرع أحسن صنعا حيث نص على إمكانية الاستماع إلى رئيس الحكومة وأعضاءه وممثلي الدول الأجنبية عبر تقنيات الاتصال عن بعد، وهو مقتضى يهدف الى تجاوز الإكراهات العملية والاجرائية التي كانت تعيق الاستماع إلى هذه الشخصيات، سواء بسبب المماطلة في الحضور تارة أو تشعب الشكليات المسطرية والتي كانت تشكلا عائقا أمام تصريف القضايا تارة أخرى.
فالمشرع نص في المادة 326 من قانون المسطرة الجنائية الحالي على أنه: “لا يمكن استدعاء أعضاء الحكومة وكتاب الدولة ونواب كتاب الدولة بصفة شهود إلا بإذن من المجلس الوزاري بناء على تقرير يقدمه وزير العدل”
كما تنص المادة 327 من نفس القانون على أنه: “تطلب الشهادة من ممثلي الدول الأجنبية بواسطة الوزارة المكلفة بالشؤون الخارجية”
وغني عن البيان أن هذه الإجراءات الشكلية المعقدة تثقل كاهل المسطرة، بل قد تعيقها تماما ولا سيما في الحالات التي تكون فيها شهادة هذه الشخصيات حاسمة في مسار القضية، أما اليوم في عصر الرقمنة التي ألغت الحدود وقربت المسافات فيمكن القول أن الأمر أضحى متجاوزا، إذ يمكن للمحكمة بمقتضى المادة 133 من قانون المسطرة الجنائية في صيغته الجديدة[20] الاستماع الى هؤلاء عن تقنيات الاتصال عن بعد دون الحاجة الى التنقل الى المحكمة ربحا للوقت والجهد، مما يشكل تحولا نوعيا في بنية العدالة الرقمية.
أما في ما يخص مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية وبمطالعتنا لمجموعة من النصوص يتبين أن المشرع المغربي لم يقتصر على تقنين التبليغ الالكتروني في قانون المسطرة الجنائية فحسب، بل عمد أيضا إلى ترسيخ هذا المفهوم ضمن مشروع قانون المسطرة المدنية 02.23 تأكيدا لإرادته في تعميم الرقمنة على مختلف مجالات العدالة، إذ بالرجوع إلى المادة 77 من مشروع القانون يتضح أن المشرع المغربي قد أقر بالتبليغ الإلكتروني كآلية اساسية لتصريف القضايا إلى جانب إمكانية إيداع مقال الدعوى بطريقة إلكترونية من قبل المدعي أو محاميه أو وكيله (المادة 76)[21]، فيما اشترطت المادة 77 مجموعة من البيانات الواجب تضمينها في مقال الدعوى ومن جملتها الاسم الشخصي والعائلي للمحامي ورقمه الوطني والهيئة التي ينتمي إليها وعنوان بريده الإلكتروني، وهو ما يعكس بوضوح إرادة المشرع الحقيقية في جعل البريد الإلكتروني وسيلة رسمية للتبليغ، لما يتيحه من توفير في الوقت والجهد وضمان بيئة امنة وسريعة لإنجاز الإجراءات تحقيقا للغاية المتوخاة من نظام التبليغ، ويأتي التأكيد الصريح لهذا التوجه في الفقرة الأخيرة من المادة 353 من المشروع التي نصت على أن:
“يعتبر كل إجراء بلغ للمحامي في حسابه الالكتروني المعد لهذه الغاية أو على عنوان بريده الالكتروني تبليغا صحيحا”
إن هذا التنصيص يعد خطوة متقدمة نحو الإعتراف القانوني بوسائل التبليغ الإلكترونية، ويكرس مبدأ تبسيط المساطر وتسريع الإجراءات القضائية، في انسجام تام مع الرؤية التشريعية الرامية إلى تحديث العدالة وتطوير المحكمة الرقمية بما يتلاءم ومتطلبات العصر الرقمي.
خاتمة:
يتبين من خلال استعراض النصوص المنظمة للمحكمة الرقمية أن القانون 22.01 رغم أهميته في تأطير المسطرة الجنائية ظل قاصرا عن استيعاب التحولات التكنولوجيا الحديثة إذ لم يشر إلا بشكل محتشم ومحدود إلى بعض المقتضيات ذات الصلة بالرقمنة مما جعل تنزيل مشروع المحكمة الرقمية يصطدم بعوائق تشريعية وإجرائية.
أما القانون 03.23 الذي عدل وتمم القانون 22.01 فقد جاء في ظرفية دقيقة اتسمت بتسارع التحولات الرقمية وتنامي الحاجة إلى تحديث العدالة، فاستطاع أن يستجيب لمتطلبات العصر وما أفرزه من تطورات في مجال الرقمنة والذكاء الاصطناعي، من خلال إدراج مقتضيات مهمة أسست فعلا لنموذج المحكمة الرقمية كما تم تصورها في ميثاق إصلاح منظومة العدالة ويعكس هذا التوجه بوضوح إرادة المشرع المغربي في تكريس المحكمة الرقمية كخيار استراتيجي يروم تحقيق النجاعة القضائية وضمان ولوج أيسر وأسرع للعدالة.
وبذلك يمكن القول إن التطور التشريعي من القانون 22.01 إلى القانون 23.03 يمثل انتقالا نوعيا في مسار تحديث العدالة المغربية، من مرحلة التجريب المحدود إلى مرحلة التأسيس الممنهج للمحكمة الرقمية، مع ما يصاحب ذلك من رهانات تتعلق بفعالية النصوص على مستوى التطبيق وجودة الخدمات المقدمة للمرتفقين.
إن الرهان على إنجاح هذا الورش الطموح يقتضي تعبئة شاملة لمختلف الآليات والموارد، وتضافر جهود كل الفاعلين في منظومة العدالة إضافة إلى توفير البيئة التقنية الآمنة والموارد البشرية المتخصصة في مجالي نظم المعلومات والأمن السيبراني، اعتبارا لما تطرحه المعطيات الرقمية من تحديات تمس خصوصية الأفراد ومعطياتهم الشخصية.
وفي ضوء ما سبق يمكن اقتراح التوصيات التالية:
أولا: توفير البنية التحتية الرقمية من تجهيزات تقنية (حواسيب، كاميرات، وشبكات إنترنت قوية).
ثانيا: تعبئة الموارد البشرية المتخصصة في نظم المعلومات والأمن السيبراني، للوقاية من أي هجمات سيبرانية تستهدف المعطيات الشخصية.
ثالثا: إخضاع العاملين في قطاع العدالة لتكوين مستمر ومتخصص حول كيفية التعامل مع الوسائل التقنية الحديثة.
رابعا: تعزيز الوعي والتعاون والتنسيق بين مختلف مكونات العدالة لإنجاح ورش التحول الرقمي بما ينسجم ومتطلبات الحكامة القانونية والقضائية.
لائحة المراجع:
- الحسن قاسمي، الرقمنة والذكاء الاصطناعي في التدبير الإداري-الإدارة القضائية أنموذجا-، رسالة لنيل شهادة الماستر، جامعة مولاي إسماعيل، 2024_2023.
- أيوب الحاتمي، الجريمة المعلوماتية في ظل الثورة الرقمية-جرائم التشهير نموذجا- رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، تطوان، 2023_2024.
- محمد الزويري، الاثبات في الجرائم الالكترونية، مجلة القانون والأعمال الدولية، مقال منشور على: https://url-shortener.me/85K4
- محمد بديدة، التبليغ على ضوء المسطرة المدنية وإشكالاته العملية، مقال منشور على موقع maroclaw.com.
- توصيات الهيئة العليا للحوار الوطني حول ميثاق إصلاح منظومة العدالة، يوليوز 2013.
- ظهير شريف رقم 1.02.255 صادر في 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر 2002) بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية.
- ظهير شريف رقم 1.25.55 صادر في 19 من صفر 1447 (13 أغسطس 2025) بتنفيذ القانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية.
- ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية.
- ظهير شريف رقم 1.07.129 صادر في 19 من ذي القعدة 1428 (30 نوفمبر 2007) بتنفيذ القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية.
- ظهير شريف رقم 1.09.15 صادر في 22 من صفر 1430 (18 فبراير 2009) بتنفيذ القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي.
- * أيوب الحاتمي: خريج الماستر المتخصص في قانون الرقمنة والمعاملات الإلكترونية، مهتم بالإطار القانوني للتحول الرقمي، وحماية المعطيات الشخصية، والعدالة الرقمية، وكذا بالإشكالات القانونية المرتبطة بالتجارة الإلكترونية والعقود الرقمية، مع اهتمام خاص بالحكامة الجيدة والاستراتيجية الوطنية للمغرب الرقمي.
– مقتطف من كلمة الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمناسبة المشاركة في المؤتمر الدولي حول “التحول الرقمي لمنظومة العدالة: رافعة لعدالة ناجعة وشمولية”، طنجة، الخميس 08 فبراير 2024، https://url-shortener.me/85H4 ↑
- – الحسن قاسمي، الرقمنة والذكاء الاصطناعي في التدبير الإداري -الإدارة القضائية أنموذج- رسالة لنيل شهادة الماستر، جامعة مولاي إسماعيل، مكناس، 2013/2014، ص: 75 و76. ↑
- – توصيات الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، يوليوز 2013، ص 95 و96. ↑
- – ظهير شريف رقم 1.02.255 صادر في 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر 2002) بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية. ↑
- _ظهير شريف رقم 1.25.55 صادر في 19 من صفر 1447 (13 أغسطس 2025) بتنفيذ القانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية. ↑
- – تنص المادة 345 من قانون المسطرة الجنائية على أنه “يؤدي الخبراء المحلفون اليمين التالية أمام المحكمة:
“أقسم بالله العظيم أن أقدم مساعدتي للعدالة وفق ما يقتضيه الشرف والضمير”
يستمع إلى الخبراء بالجلسة ويعرضون نتائج العمليات التقنية التي قاموا بها، ويمكنهم أثناء الاستماع إليهم أن يطلعوا على تقريرهم وعلى ملحقاته.
يمكن للرئيس إما تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة أو من الأطراف أو محاميهم، أن يطرح على الخبراء كل الأسئلة التي تدخل في نطاق المهمة المعهود بها إليهم، أو يأذن لهم بطرحها مباشرة.
يحضر الخبراء المناقشات بعد الاستماع إليهم ما لم يعفهم الرئيس من ذلك، وما لم تعفهم الرئيس من ذلك، ومالم تعترض النيابة العامة أو الأطراف. ↑
- – ظهير شريف رقم 1.07.129 صادر في 19 من ذي القعدة 1428 (30 نوفمبر 2007) بتنفيذ القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية. ↑
- – ظهير شريف رقم 1.09.15 صادر في 22 من صفر 1430 (18 فبراير 2009) بتنفيذ القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي. ↑
- – تنص المادة 347-1 “إذا كان هناك أسباب جدية تؤكدها دلائل جدية تؤكدها دلائل على أن حضور الشاهد للإدلاء بشهادته أو مواجهته مع المتهم، من شأنها أن تعرض حياته أو سلامته الجسدية أو مصالحه الأساسية أو حياة أفراد أسرته أو أقاربه أو سلامتهم الجسدية للخطر أو مصالحهم الأساسية، جاز للمحكمة بناء على ملتمس النيابة العامة أن تأذن بتلقي شهادته بعد إخفاء هويته بشكل يحول دون التعرف عليه، كما يمكنها الإذن باستعمال الوسائل التقنية التي تستعمل في تغيير الصوت من أجل عدم التعرف على صوته، أو الاستماع إليه عن طريق تقنية الاتصال عن بعد”. ↑
- – أيوب الحاتمي، الجريمة المعلوماتية في ظل الثورة الرقمية- جرائم التشهير نموذجا-، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية، جامعة عبد المالك السعدي، تطوان، 2023/2024، ص: 77. ↑
- – محمد الزويري، الاثبات في الجرائم الالكترونية، مجلة القانون والأعمال الدولية، مقال منشور على: https://url-shortener.me/85K4 ↑
- – ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية. ↑
- – تنص المادة 595.13 على أنه “يمكن للنيابة العامة أو قاضي التحقيق أو المحكمة وفق الضوابط المحددة في المادة 595.11 أعلاه، إذا تعلق الأمر بشخص يتواجد خارج دائرة نفوذها، توجيه إنابة قضائية إلى الجهة القضائية المختصة بالمحكمة التي يتواجد بها المعني بالأمر قصد الاستماع إليه أو استنطاقه أو إجراء مواجهة معه عبر تقنيات الاتصال عن بعد، يبين فيها هوية الشخص أو الأشخاص موضوع هذا الإجراء وتحدد فيها المهمة المطلوبة وتاريخ وساعة إنجازه…” ↑
- _تنص المادة 595.14 على أنه: “يمكن في إطار تنفيذ إنابة قضائية دولية، الإذن لمحكمة أجنبية، وفق الكيفيات المنصوص عليها في المادة 715 من هذا القانون، بالاستماع إلى شخص أو أكثر، إذا كان موجودا بالمغرب ووافق صراحة على قبول هذا الطلب…”. ↑
- – تنص المادة 595.16 على أنه: “يمكن للقضاة المغاربة أن يباشروا الاستماع إلى الأشخاص الموجودين خارج المغرب أو استنطاقهم أو مواجهتهم مع الغير أو تلقي تصريحاتهم عن طريق تقنيات الاتصال عن بعد وفق مقتضيات المادة 714 من هذا القانون، مع مراعاة الاتفاقيات الدولية والقوانين الداخلية للدول التي يتطلب القيام بالإجراء بإقليمها.” ↑
- – تنص المادة 66.3 على أنه:”ينجز في الجنايات والجنح المعاقب عليها قانونا بخمس سنوات فأكثر تسجيل سمعي بصري للمشتبه فيه الموضوع تحت الحراسة النظرية أثناء قراءة تصريحاته المضمنة في المحضر ولحظة توقيعه أو إبصامه عليه أو رفضه.
تحدد بنص تنظيمي كيفيات إجراء التسجيل السمعي البصري.
يمكن للمحكمة كلما اقتضى الأمر المطالبة بمحتوى التسجيل الذي يحتفظ به طبقا لأحكام المادة 113 من هذا القانون.” ↑
- _تنص المادة 304 على أنه: “…يمكن وفق النظام التقني المعتمد، تسجيل ما راج بكل جلسة.
وتفرغ في هذه الحالة، التسجيلات في محاضر قانونية تكون لها نفس حجية المحاضر الجلسات المحررة يدويا
يمكن أن تذيل بالتوقيع الالكتروني أو الرقمي لكل من الرئيس وكاتب الضبط، ويمكن للأطراف الحصول على نسخة من المحاضر المذكورة ورقيا أو على دعامة إلكترونية.” ↑
- – ينص الفصل 417-1 على أنه “تتمتع الوثيقة المحررة على دعامة إلكترونية بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على الورق.
تقبل الوثيقة المحررة بشكل إلكتروني للإثبات، شأنها في ذلك شأن الوثيقة المحررة على الورق، شريطة أن يكون بالإمكان التعرف، بصفة قانونية، على الشخص الذي صدرت عنه وأن تكون معدة ومحفوظة وفق شروط من شأنها ضمان تماميتها” ↑
- – محمد بديدة، التبليغ على ضوء المسطرة المدنية وإشكالاته العملية، مقال منشور على موقع maroclaw.com ↑
- -تنص المادة 133 على أنه: “تطبق أثناء التحقيق الإعدادي مقتضيات المادتين 326 و327 من هذا القانون فيما يتعلق بشهادة رئيس الحكومة وباقي أعضاء الحكومة وممثلي الدول الأجنبية، ومقتضيات المواد من 347.1 إلى 347.6 من هذا القانون والمتعلقة بالاستماع إلى الشهود عن طريق تقنية الاتصال عن بعد…” ↑
- -تنص المادة 76 من مشروع القانون 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية الفقرة الاولى منها على أنه: “تقدم الدعوى أمام محاكم الدرجة الأولى، مالم ينص القانون على خلاف ذلك، بمقال يودع بكتابة ضبط المحكمة، مباشرة أو بطريقة إلكترونية ويكون مؤرخا وموقعا من قبل المدعي أو محاميه أو وكيل المدعي.” ↑





