“الآثار القانونية لمساهمة الدولة في الشركات: دراسة في معايير تعيين الاختصاص النظامي والقضائي في النظام السعودي” الباحثة : بيادر عبدالرحمن الحازمي الدكتورة : فاطمة قاسم حجار
State Owned Corporates: A Legal Study on the Standards to Determine Judicial Competence in the Kingdom of Saudi Arabia
“الآثار القانونية لمساهمة الدولة في الشركات: دراسة في معايير تعيين الاختصاص النظامي والقضائي في النظام السعودي”
State Owned Corporates: A Legal Study on the Standards to Determine Judicial Competence in the Kingdom of Saudi Arabia
الباحثة : بيادر عبدالرحمن الحازمي
حاصلة على ماجستير في القانون والممارسة المهنية من جامعة الملك عبدالعزيز
الدكتورة : فاطمة قاسم حجار
أستاذ مساعد في كلية الحقوق جامعة الملك عبدالعزيز
هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 60 الخاص بشهر أكتوبر/ نونبر 2025
رابط تسجيل الاصدار في DOI
https://doi.org/10.63585/EJTM3163
للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665
“الآثار القانونية لمساهمة الدولة في الشركات: دراسة في معايير تعيين الاختصاص النظامي والقضائي في النظام السعودي”
State Owned Corporates: A Legal Study on the Standards to Determine Judicial Competence in the Kingdom of Saudi Arabia
الباحثة : بيادر عبدالرحمن الحازمي
حاصلة على ماجستير في القانون والممارسة المهنية من جامعة الملك عبدالعزيز
الدكتورة : فاطمة قاسم حجار
أستاذ مساعد في كلية الحقوق جامعة الملك عبدالعزيز
تتناول هذه الدراسة مسألة الاختصاص القضائي والنظامي في الدعاوى المتعلقة بشركات الدولة، بما في ذلك الشركات التي تمت خصخصتها أو تلك التي تدير المرافق العامة في إطار عقود الشراكة مع القطاع الخاص. وانطلقت الدراسة من المنهج الوصفي التحليلي لفحص مساهمة الدولة في هذه الشركات ومدى انطباق خصائص المرافق العامة عليها، لتحديد تبعيتها إما للأنظمة الإدارية أو للأنظمة التجارية. وقد خلصت النتائج إلى أن شركات الدولة تخضع لنظام قانوني خاص يجمع بين رقابة الدولة على الأموال العامة واختصاص المحاكم التجارية بالفصل في منازعاتها ذات الطبيعة الاقتصادية، في حين تبقى المرافق العامة المخصخصة خاضعة لرقابة القضاء الإداري. وانتهت الدراسة إلى التوصية بضرورة إصدار دليل عملي يوضح معايير توزيع الاختصاص بين القضاء الإداري والعادي في دعاوى شركات الدولة، وذلك للتقليل من التباين القضائي الناجم عن غموض النصوص القانونية وتضارب الاجتهادات.
الكلمات المفتاحية: القضاء الإداري؛ شركات الدولة؛ خصخصة المرافق العامة؛ منازعات شركات الدولة؛ عقود الشراكة مع القطاع الخاص.
Abstract
This study addresses the issue of judicial and regulatory jurisdiction over disputes involving state-owned enterprises, including privatized companies and those managing public utilities under public-private partnership (PPP) contracts. Using a descriptive-analytical approach, it examines the state’s role in such enterprises and evaluates whether the characteristics of public utilities apply to them, in order to determine their subjection to either administrative or commercial law. The findings reveal that state-owned enterprises are subject to a special legal framework combining state oversight of public funds with the jurisdiction of commercial courts over economic disputes, while privatized public utilities remain under the control of administrative courts. The study recommends issuing a practical guide to clarify the criteria for allocating jurisdiction between administrative and ordinary courts in disputes involving state-owned enterprises, thereby reducing judicial inconsistencies arising from legal ambiguity and divergent case law.
Keywords: Administrative Judiciary; State-Owned Enterprises; Privatization of Public Utilities; Disputes of State Enterprises; Public-Private Partnership (PPP) Contracts.
شكلت مساهمة الدولة في العديد من الشركات في مختلف القطاعات لبساً لدى العديد للاعتقاد بأن هذه الشركات هي جهات عامة تتبع في الاختصاص بنظر منازعاتها للقضاء الإداري، وذلك نظراً لتملك الدولة لكامل حصصها أو جزء منها، خصوصاً إن كانت هذه الشركات المقدمة الوحيدة للخدمات في قطاعات حيوية كالمياه، والكهرباء، والمواصلات، وغيرها، ويغلب على عملها صفة المنفعة العامة لإشباع حاجات الأفراد. ومن أجل ذلك، تعرض أمام ديوان المـظالم العديد من الدعاوى المتعلقة بمنازعات الشركات التي تملكها الدولة والتي تساهم بها سواء كمساهم مهيمن أو عادي، بعض هذه الشركات قد يكون تم إنشاؤها من قبل الدولة أو قد تم تحويلها سابقاً من مرفق عام إلى شركة تملك الدولة جزء من حصصها، لكن يحكم بعدم الاختصاص في العديد من هذه الدعاوى لعدم اعتبار هذه الشركات جهات عامة رغم أن الدولة تملكها وتمولها فيكون اختصاص نظرها يعود للمحاكم التجارية، وفي أحوال أخرى تقبل بعض هذه الدعاوى لكون أن الرقابة على هذه الشركات تعود للمحاكم الإدارية. وتثور هنا مسألة تنازع الاختصاص بين المحاكم الإدارية والعامة بخصوص دعاوى شركات الدولة، وتتعقد المسألة أكثر في ضوء خصخصة العديد من المرافق ضمن عقود الشراكة التي تعقدها الدولة مع الشركات الخاصة لتسيير العديد من هذه المرافق التي كانت تديرها الدولة سابقا. ومن أجل ذلك، أنشأت الدولة شركات الخصخصة التي تشترك فيها مع مساهمين من القطاع الخاص لإدارة عمليات التحول في المرافق العامة، حيث تهدف الدولة من الخصخصة أن يتمثل دورها في الإشراف والرقابة على تسيير شركات الخصخصة للمرافق العامة، وهو تغيير للبنية المؤسسية في المملكة، مما يستلزم بحث هذه المسألة. وباعتبار كل ما سبق، فإن عملية التحول الحالية تخلق صعوبات قانونية في ظل عدم وجود تنظيم واضح يحدد الآثار القانونية لمساهمة الدولة في الشركات، خصوصاً من ناحية تحديد الاختصاص النظامي والقضائي، وهذا ما آمل أن أتوصل له في هذه الدراسة، سائلة المولى عز وجل أن يوفقني في مسعاي ه
مشكلة الدراسة:
يغلب على الظن أنه طالما امتلكت الدولة لكيان أو منشأة فإنها تعتبر جهة عامة يختص بنظر منازعاتها المحاكم الإدارية، حتى لو كانت تتمثل في شكل كيان خاص كالشركات. ورغم ذلك، يتم الحكم بعدم الاختصاص في العديد من دعاوى الشركات المملوكة للدولة والمعروضة أمام المحاكم الإدارية باعتبار أنها من اختصاص المحاكم التجارية بينما ينظر في بعضها الآخر. وبناء على ذلك هناك العديد من المشكلات التي تستهدف هذه الدراسة بحثها، ومن ذلك:
- كيف يحدد القضاء الإداري اختصاصه بنظر دعاوى الشركات التي تملكها الدولة؟
- إذا اختص القاضي الإداري بنظر منازعات هذه الشركات فما هو المستند القانوني والنظام الذي سيتم تطبيقه؟
- ماهي مسوغات أن ينظر القضاء الإداري لدعاوى الشركات التي تكون الدولة أحد مساهميها بجانب شركاء آخرين؟
- ما هو القضاء المختص بنظر الدعاوى المتعلقة بالمرافق العامة التي تمت خصخصتها ضمن عقود الشراكة مع القطاع الخاص؟ وما هو النظام الذي سيتم تطبيقه؟
تساؤلات الدراسة:
يكمن التساؤل الرئيسي في هذه الدراسة في: كيفية التوصل لمعايير يمكن الاستناد عليها لتحديد الاختصاص النظامي والاختصاص القضائي لدعاوى شركات الدولة؟ مما يثير التساؤلات الفرعية الآتية:
- ما هي المرافق العامة؟ وكيف تتم إدارتها؟
- ماهي الخصخصة؟ وكيف يتم خصخصة المرافق العامة في المملكة؟
- ماهي شركات الدولة؟ وما هو تنظيمها القانوني في المملكة؟
- ماهي اختصاصات ديوان المظالم المتعلقة بنظر دعاوى الشركات؟
- ما هو دور ديوان المظالم فيما يتعلق بالمرافق العامة التي تمت خصخصتها؟
- ما هو القضاء المختص بنظر دعاوى الشركات التي تملكها الدولة؟ وما هو النظام الذي يتم تطبيقه؟
أهمية الدراسة:
إن بحث منازعات شركات الدولة بهدف التوصل إلى معايير محددة يمكن الاستناد عليها في تحديد النظام والمحكمة المختصة في حال رفع الدعاوى المتعلقة هو أمر بالغ الأهمية، للأسباب الآتية:
١-قلة الأبحاث التي تتناول هذا الموضوع، حيث تركز أغلب الأبحاث على موضوع الخصخصة وآثارها أو على اختصاصات المحاكم الإدارية بشكل عام.
٢-تجنب العديد من الدراسات بحث مسألة تنازع الاختصاص بين القضاء الإداري والقضاء العادي بشأن دعاوى شركات الدولة.
٣-يساعد في التقليل من تنقاض الأحكام القضائية بناء على اختلاف الاجتهادات القضائية.
٤-توفير الوقت والموارد المالية على المتداعين والجهات القضائية والعاملين في المجال العدلي.
٥-الحاجة الماسة لبحث هذه المسألة في ضوء خصخصة العديد من المرافق العامة ضمن برنامج الخصخصة واتجاه المملكة لخصخصة المزيد من القطاعات ضمن رؤية 2030.
٦-تزايد إنشاء الدولة ومساهمتها في العديد من الشركات من مختلف القطاعات، منها المدرج في السوق المالية ومنها غير المدرج.
٧-تطوير العمل القضائي في التعامل مع هذا النوع من النزاعات والذي يسهم في ضمان حماية مصالح الدولة وشركاؤها والمستفيدين مما يعود بالنفع على أهداف تمكين القطاع الخاص ونجاح مشاريع الخصخصة وجذب الاستثمارات.
أهداف الدراسة:
١-يهدف البحث لبحث الآثار القانونية لمساهمة الدولة في الشركات.
٢- يهدف البحث لتحديد النظام القانوني المنطبق على نزاعات شركات الدولة والمرافق العامة التم خصخصتها.
٣- ويهدف البحث لتحديد الاختصاص القضائي في حال حصول نزاع متعلق بشركات تساهم بها الدولة.
منهج الدراسة:
المنهج المتبع في هذه الدراسة هو المنهج الوصفي التحليلي من خلال تعريف المرافق العامة وخصائصها وعرض مفهوم الخصخصة وأساليبها والتعرف على شركات الدولة وتنظيمها في المملكة، ثم تحليل النصوص النظامية والسوابق القضائية ذات الصلة. وللوصول لتحديد النظام والقضاء المختص بدعاوى الشركات التي تساهم بها الدولة بالإضافة لجهات التنظيم والرقابة، تم تحليل نصوص العديد من الأنظمة واللوائح منها: نظام ديوان المظالم، نظام الشركات السعودي، ديوان المراقبة العامة، ولائحة رقابة الديوان العام للمحاسبة.
خطة الدراسة:
الفصل الأول
التمييز بين المرافق العامة وشركات الدولة في ضوء نـظام التخصيص
المبحث الأول: المرافق العامة في النظام السعودي
المطلب الأول: التعريف بالمرافق العامة وأنواعها
المطلب الثاني: عناصر المرافق العامة
المطلب الثالث: طرق إدارة المرافق العامة
المبحث الثاني: خصخصة المرافق العامة في النظام السعودي
المطلب الأول: تعريف الخصخصة ومجالاتها
المطلب الثاني: أساليب خصخصة المرافق العامة
المطلب الثالث: التنظيم القانوني لخصخصة المرافق العامة في المملكة
المبحث الثالث: طبيعة شركات الدولة في النظام السعودي
المطلب الأول: مفهوم شركات الدولة
المطلب الثاني: الطبيعة القانونية لشركات الدولة في المملكة
الفصل الثاني
الاختصاص القضائي والنظامي لمنازعات شركات الدولة
المبحث الأول: طبيعة منازعات المرافق العامة الاقتصادية مقارنة بالمنازعات الإدارية
المطلب الأول: القواعد والمعايير التي تميز المنازعات الإدارية
المطلب الثاني: استثناء دعاوى المرافق الاقتصادية من المنازعات الإدارية
المبحث الثاني: تحديد الاختصاص بمنازعات شركات الدولة وعقود الخصخصة في النظام السعودي
المطلب الأول: الأنظمة والقضاء المختص بالمنازعات الناشئة عن عقود الخصخصة في المملكة
المطلب الثاني: الاختصاص النظامي والقضائي بمنازعات الشركات المملوكة للدولة
التمييز بين المرافق العامة وشركات الدولة في ضوء نـظام التخصيص
تمهيد وتقسيم
يتطلب تحديد الطبيعة القانونية لشركات الدولة التمييز بينها وبين المرافق العامة، كذلك بحث مفهوم خصخصة المرافق العامة، ومن ثم تقصي شركات الدولة وماهيتها. وعلى هذا سيتم تقسيم الفصل الأول كما يلي:
المبحث الأول: المرافق العامة في النظام السعودي
المبحث الثاني: خصخصة المرافق العامة في النظام السعودي
المبحث الثالث: مفهوم شركات الدولة في النظام السعودي
المرافق العامة في النظام السعودي
تمهيد وتقسيم
يتمثل نطاق الدراسة في بحث النظام القضائي السعودي لهذا يجب التأسيس على فكرة المرافق العامة في المملكة، وسيتم تقسيم المبحث الأول كما يلي:
المطلب الأول: التعريف بالمرافق العامة وأنواعها
المطلب الثاني: عناصر المرافق العامة
المطلب الثالث: طرق إدارة المرافق العامة
المطلب الأول: التعريف بالمرافق العامة وأنواعها
لا يمكن للسلطة الإدارية أن تمارس أنشطتها إلا من خلال وجود كيان أو حيز يضم هذا النشاط وتقوم الإدارة بتنظيمه وإدارته وفق نظام محدد، وهذا ما يدعى بالمرفق العام حيث من خلاله تستطيع الإدارة خدمة الأفراد. وتقوم هذه المرافق بمزاولة أنشطة متعددة يصعب حصرها وتتعدد بحسب احتياجات الأفراد مثل المستشفيات والجامعات والطرق التي تقدم خدمات العلاج والتعليم والنقل، وتخضع هذه المرافق لسلطة الإدارات في تنظيمها كوزارة الصحة والإدارة التعليمية ووزارة النقل.
أولاً: تعريف بالمرافق العامة
لا يوجد تعريف موحد لمصطلح المرفق العام لاختلاف الفقهاء في تعريفه فجزء من التعريفات تمحورت حول المعيار العضوي (الشكلي) أي المؤسسة التي تديرها الإدارة كالهيئات أو المنظمات والجامعات والمستشفيات التي تنشئها الدولة لتحقيق النفع العام، والجزء الآخر من التعريفات تمحورت حول المعيار الوظيفي (الموضوعي) أي النشاط أو العمل الذي تمارسه الإدارة لتحقيق المصالح العامة والذي يمارس داخل المرفق كنشاط التعليم وتقديم العلاج.[1] وبناء على هذين المعيارين، فالمرفق العام قد يكون نشاط المرفق ذاته كالتعليم والصحة أو قد تكون الإدارة التي تدير هذا النشاط كمجلس شؤون الجامعات أو وزارة التربية والتعليم أو الهيئات الصحية.
لكن يتفق العديد من فقهاء وشراح القانون في الجمع بين المعيارين العضوي والموضوعي في تعريف المرفق العام ومن ذلك ما عرف الدكتور سليمان الطماوي المرفق العام بأنه ” مشروع يعمل بإطرار وانتظام تحت إشراف رجال الحكومة بقصد أداء خدمة عامة للجمهور مع خضوعه لنظام قانوني معين”[2]، كذلك يمكن تعريفه بأنه ” مشروع يستهدف تحقيق النفع العام تقوم الدولة بإدارته وتشغيله وفقاً لقانون خاص له”[3]. وبهذا تخرج أنشطة المؤسسات الخاصة أو المشروعات التي ينشئها الأفراد بقصد تحقيق الربح من تعريف المرفق العام، فهي تخضع للقانون الخاص بعكس المرافق العامة التي تخضع للقانون الإداري العام.
ويتضح من خلال التعريفات السابقة أنه يجب أن بتوافر ركنين أساسيين لكي يكون المرفق عاماً، فأولاً يجب أن يكون الهدف من المشروع هو إشباع حاجات عامة للأفراد سواء المعنوية أو المادية، وثانياً أن يخضع هذا المشروع لسلطة الدولة أو الإدارة في إنشائه وتشغيله وإلغائه.[4] ويمكن أن يخضع المرفق العام لأعلى سلطة إدارية في الدولة أو لإحدى الإدارات المحلية أو الإقليمية كالمؤسسات العامة والبلديات وغيرها، كما لا يشترط أن تدير الإدارة للمرفق حتى يعتبر مرفقاَ عاماَ، فقد تعهد الإدارة للشركات الخاصة أو أحد الأفراد بإدارة المرفق لكن يجب أن يكون تحت رقابتها وإشرافها، حيث تضع الدولة قواعد تسيير كل مرفق وتتولى التنظيم والتوجيه في تسيير عمل هذه المرافق مثل تعيين الموظفين وبيان أنواع الأنشطة داخل هذه المرفق والأنظمة المتبعة داخل المرفق وتقوم بالرقابة على هذا المرفق من خلال الرقابة على الموظفين وعلى النشاط ذاته. ولا تخضع المرافق العام لقانون واحد وذلك لتنوع واختلاف أنشطتها لكن اتفق الفقه والقضاء على خضوع المرافق العامة في عملها لمجموعة مبادئ أساسية بغض النظر عن طبيعة نشاطها وهي: – مبدأ ديمومة سير المرافق العامة بانتظام وإطراد، مبدأ المساواة أمام المرافق العامة، مبدأ قابلية قواعد تنظيم المرافق العامة للتعديل والتغيير بأي وقت. [5]
ثانياً: أنواع المرفق العام
اختلف الفقهاء في أنواع المرافق العامة بحسب نواحي عدة، فمن ناحية المكان: هناك المرافق الوطنية التي تمتد في كافة الدولة كمرافق الدفاع والأمن، وهناك المرافق الإقليمية التي تمتد في جزء محدد من الإقليم. ويمكن تقسيم المرافق العامة من ناحية التزام الإدارة بإنشائها إلى: مرافق إجبارية يتوجب على الإدارة إنشائها وتوفيرها مثل القضاء والصحة، ومرافق اختيارية يعود للإدارة إنشائها إن رأت وجود حاجة عامة لها. كما أن هناك مرافق إنتاج تنتج الماء والكهرباء، وهناك مرافق خدمات توفر خدمات صحية أو تعليمية. [6]أما من ناحية طبيعة نشاط المرفق العام، فيمكن تقسيمه إلى:
١-المرافق العامة الإدارية
هي أقدم صور المرافق العامة حتى سمي بالمرافق العامة التقليدية، فهي لا تستهدف الربح، بل إشباع الحاجات العامة، وفيها لا يتمكن الأفراد من إنشائها أو إدارتها لارتباطها بالجانب السيادي للدولة أو لارتفاع تكلفتها المادية أو لعدم ترخيص الدولة بالقيام بها، مثل مرافق القضاء والأمن، والتعليم، والصحة، وغيرها. وتخضع هذه المرافق في تنظيمها للقانون الإداري ولها استخدام وسائل القانون العام.
٢- المرافق العامة الاقتصادية
ويمكن تسميتها بالمرافق العامة الصناعية والتجارية، حيث تمارس الدولة نشاط اقتصادي كنشاط الصناعة والزراعة والتجارة، ويكون نشاطها شبيها لما يزاوله الأفراد فيكون هدفه تحقيق منافع اقتصادية كمرافق تحلية المياه وصناعة الأسلحة والنقل بالطائرات أو القطارات وغير ذلك، ويلاحظ أن هدف الدولة الرئيسي هو تحقيق المنفعة العامة من هذه المرافق وليس تحقيق الربح الذي هو ناتج طبيعي لهذا النشاط الاقتصادي. وتتبع الدولة في إدارة هذه المرافق وسائل القانون الخاص حتى تحقق أهداف المرفق، حيث تتطلب المرافق الاقتصادية قدر عالي من المرونة لتحقيق غاياته. ولهذا تتحرر الإدارة من بعض قيود القانون العام مع احتفاظها بامتيازات السلطة العامة كنزعها ملكية العقارات للمنفعة العامة، وإصدار الأوامر الإدارية مع بقاء اختصاص القضاء الإداري بها، ولهذا تخضع المرافق الاقتصادية لكل من القانون العام والخاص.[7] ففي المملكة يخضع النقل الجوي للإدارة التجارية دون الإدارة الحكومية، طبقاَ للمادة العاشرة من نظام المؤسسة العامة للخطوط الجوية العربية السعودية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/٢٤) وتاريخ ١٨-٠٧-١٣٨٥هـ.. ويلاحظ أن العديد من الشركات التي تساهم بها الدولة ترتبط بالمرافق العامة الاقتصادية، فقد أنشأت الدولة وساهمت في العديد من الشركات الوطنية في مجالات المعادن والاتصالات والمياه والكهرباء والتي سيتم تناولها في المبحث الثالث بتفصيل أكثر.
٣- المرافق العامة المهنية
ويكون الهدف من هذه المرافق الإشراف على مهنة معينة لتنظيمها وتوجيه منسوبيها، ويكون تنظيم هذه المهنة من أصحاب المهنة ذاتها مثل نقابات المحامين والأطباء وجمعيات المحاسبين. وتخضع هذه المرافق في تنظيمها لرقابة القضاء الإداري لتبعيتها للقانون العام أما نشاطها المهني مثل العقود المهنية والأموال فهي تخضع للقانون الخاص، وبالتالي تخضع المرافق المهنية في نشاطها لمزيج من القانون العام والخاص مثل المرافق الاقتصادية. [8]
٤- المرافق العامة الاجتماعية
وتستهدف تقديم خدمات اجتماعية مثل مراكز الضمان الاجتماعي والإيواء والتقاعد، ويحكم هذه المرافق مزيج من القانون العام والخاص وتخضع بحسب الأحوال للقضاء الإداري أو القضاء العام.[9]
المطلب الثاني: عناصر المرافق العامة
قد سبق تعريف المرفق العام بأنه مشروع تنشئه الدولة بقصد تحقيق النفع العام ويخضع في إدارته لهيمنة السلطة العامة ويتبع قانون خاص، ويتضح من خلال التعريف عناصر المرفق العام التي يمكن الاستناد عليها لتمييز المرافق العامة وهي:
١- المرفق العام هو مشروع أو منظمة
إن المرفق العام هو عبارة عن مشروع أو منظمة، ويتكون هذا المشروع من رأس مال وعمل، فرأس المال يضم الأصول الثابتة أو المنقولة، والعمل يضم الأشخاص الذي يديرون هذا المشروع.[10] أي أنه يمكن القول إن المرفق العام في حقيقته جهاز من الوسائل القانونية والفنية والمادية كالمعدات، وكذلك يضم هذا الجهاز العناصر البشرية التي تتمثل في موظفين المرفق. وتهدف هذه الوسائل لتحقيق الغرض من المرفق العام والتي أنشئ لأجلها وهي ضمان تحقيق النفع العام بتقديم الخدمات بانتظام واطراد.
٢-استهداف النفع العام
وهو عنصر جوهري لوجود المرفق العام، لولاه لا يختلف المرفق عن المشروعات الخاصة. ويستهدف المرفق الوفاء بالاحتياجات العامة سواء المادية مثل إيصال الكهرباء وتوفير وسائل المواصلات أو إشباع الاحتياجات المعنوية مثل الضبط الإداري الذي يهدف إلى المحافظة على النظام العام. وكما سبق بيانه، لا يشترط مجانية المرفق العام فتحصيل المرفق لبعض الرسوم كالرسوم الدراسية أو رسوم التقاضي مقابل الانتفاع بالخدمة لا يعني انتفاء صفة العمومية عن المرفق. كذلك يجب على المرفق العام ألا يستهدف الربح بشكل رئيسي، ولا يتناقض هذا أن بعض المشروعات العامة الاقتصادية تحقق الأرباح كأثر لممارسة هذا النشاط لكون الهدف الرئيسي لممارسته هو النفع العام لا تحقيق الربح. ويستبعد من مفهوم المرافق العامة إدارة الدولة لأملاكها الخاصة واستغلالها من أجل زيادة مواردها المالية، كتأجيرها المباني الحكومية.[11]
٣- الخضوع لهيمنة السلطة العامة
لا يكفي لاعتبار المرفق عاما أن يحقق النفع العام، بل لابد أن يخضع في إدارته أو الإشراف عليه لإحدى السلطات الإدارية سواء المركزية أو اللامركزية، أي أن يكون للإدارة الكلمة النهائية وحدها في إنشاء المرفق أو تنظيمه أو تشغيله أو إلغائه، كما يعود للإدارة اعتبار أحد المشروعات مرفقا عاما. ويعتبر هذا العنصر من أهم عناصر المرفق العام لتمييزه عن المرافق الخاصة التي يديرها الأفراد أو الأشخاص الاعتبارية الخاصة كالشركات والمؤسسات. وبالرغم من ذلك، يمكن للإدارة أن تعهد بتسيير المرفق العام للشركات أو الهيئات الخاصة بمنحها الامتياز لمدة محددة مقابل تحصيل الرسوم من المنتفعين، لكن تظل سلطة الرقابة والإشراف تعود للإدارة.[12]
٤- خضوع المرفق لنظام قانوني خاص به
بينما يكتفي بعض الفقهاء بالعناصر الثلاث التي سبق عرضها لثبوت صفة المرفق العام، يرى البعض الآخر من الفقهاء بوجود عنصر رابع ليعد المشروع مرفقاً عاماً، وهو أن يخضع المرفق لقواعد قانونية خاصة به أي خارجة عن قواعد القانون الخاص، ويعني ذلك خضوعها لقانون استثنائي يلائم الطبيعة الخاصة للمرفق. ويرى اتجاه آخر أنه لتقوم صفة المرفق العام فيجب أن تتمتع الجهة التي يعهد إليها بإدارة المرفق بامتيازات السلطة العامة في القانون العام وتطبيق أحكام وقواعد القانون الإداري ووسائله كحق التنفيذ المباشر واستيفاء الرسوم لكونها تدير مرفقاً عاماً. وانتقد هذا الرأي مع استحداث المرافق الاقتصادية حيث يعتبر تمتع الجهة التي تديره بوسائل القانون العام يعتبر امتياز غير مألوف في القانون الخاص الذي يحكم بعض جوانب هذه المرافق، مما يجعل هذا الشرط مختلفاً فيه بين الفقهاء. ويرى الرأي الراجح في الفقه أن خضوع المرفق لنظام قانوني خاص به أو للقانون العام ليس عنصرا لازما ليعد مرفقاً عاماً، وإنما هو نتيجة لثبوت صفة المرفق العام عليه، خصوصا إن نظرنا للمرافق العامة التجارية والصناعية التي تثبت لها صفات المرفق العام لكن تخضع لكثير من قواعد القانون الخاص، حيث نظراً لطبيعة هذا المرافق الخاصة جعل المنظم لها نظام قانوني خاص مع حرية المنظم في تضمين امتيازات القانون العام ووسائله في إدارة المرفق الاقتصادي. [13]
وبناء على ما سبق، لا تنتفي جميع صفات أو مقومات المرفق العام عن المرافق التي تمت خصخصتها؛ فهي تظل جهات تستهدف تحقيق النفع العام وتتبع في مرجعيتها للدولة، أما التسيير والتنظيم للمرفق فيكون من خلال شركات الخصخصة بناء على عقود الشراكة مع القطاع الخاص، ومثال ذلك شركة الصحة القابضة التي تنظم سير التجمعات الصحية في المملكة مع إشراف ورقابة وزارة الصحة على عملها.[14] وهناك صور لشركات أخرى تساهم فيها الدولة ويعتبرها البعض مثالاً للمرافق العامة لاعتبارات سياسية، اجتماعية أو اقتصادية وسيتم بحث تنظيمها القانوني في المبحث الثالث من هذا الفصل.
المطلب الثالث: طرق إدارة المرافق العامة
تحدد الحكومة طريقة إدارة المرفق العام، وذلك تبعاً لنوع نشاط المرفق أو لاعتبارات سياسية، اجتماعية اقتصادية، فالمرافق العامة البالغة الأهمية كمرفق القضاء يتوجب أن تتولى الدولة إدارتها مباشرة دون إسناد لشركات خاصة مثلاً. أما في حال وجود أعباء اقتصادية على الدولة، فقد تلجأ لإسناد إدارة المرفق إلى الأفراد أو الشركات الخاصة لقدرتهم على توفير الموارد في تشغيل المرفق مقابل تحصيلهم للرسوم من المستفيدين من خدمات المرفق. وبهذا، تتنوع أساليب إدارة المرافق العامة إلى ثلاثة أساليب، نستعرضها بإيجاز فيما يلي:
أولاً: أسلوب الاستغلال المباشر للمرفق العام
ويسمى بأسلوب الإدارة المباشرة، وفيه تتولى السلطة الإدارية إدارة المرفق العام بنفسها دون أن تعهد لأشخاص القانون الخاص بذلك، مستخدمة امتيازات ووسائل القانون العام وباستخدام مواردها المالية وموظفيها وأدواتها. وعادة ما يستخدم أسلوب الاستغلال المباشر في إدارة المرافق الإدارية التقليدية التي لا يتصور أن تحظى بشخصية اعتبارية مستقلة عن الدولة ولا يتصور أن تدار من قبل أشخاص اعتبارية خاصة لارتباط المرفق بسيادة الدولة، كمرفق الأمن والدفاع والقضاء. فيترتب على ذلك خضوع هذه المرافق لسلطة الإدارة المركزية المتمثلة في الوزير المختص، واكتساب صفة العمومية لموظفي لمرفق الذين تنطبق عليهم أنظمة الخدمة المدنية، وتكون أموال المرفق أموالا عامة فتحظى بالحماية والرقابة وترصد ميزانيته من ميزانية الدولة وتخضع لقواعده. كما أن العقود التي يبرمها المرفق تعتبر عقود إدارية والقرارات التي تتخذ في إدارته تعتبر قرارات إدارية، كما ويختص القضاء الإداري بالمنازعات التي يكون المرفق طرفا فيها. [15]
مع ذلك، يواجه أسلوب الاستغلال المباشر الانتقاد بروتينية وتعقيد الإجراءات داخل المرفق وببطئها، كما أنها تفتقد التجدد والتطوير والابتكار على عكس المرافق الخاصة، مما يجعل هذا الأسلوب لا يناسب المرافق العامة التجارية أو الصناعية التي تحتاج لسرعة الإجراءات والتطوير المستمر.
ثانياً: أسلوب الإدارة بواسطة أشخاص اعتبارية مرفقية
إن اتباع أسلوب الإدارة المباشرة أو الاستغلال المباشر لكل المرافق العامة في الدولة يزيد الضغط والأعباء على الحكومة المركزية فيها، مما حدي لأسلوب مشابه للاستغلال المباشر لكن تكون فيه إدارة المرفق لشخص اعتباري مستقل عن الدولة تخفيفاً لعمل السلطة المركزية، ويسمى هذا الأسلوب بأسلوب المؤسسة العامة أو الإدارة بواسطة أشخاص مرفقية. وفيه يتولى شخص مرفقي له الشخصية القانونية المستقلة بإدارة مرفق، ويترتب على هذا الاستقلال[16]:
- أحقية المرفق بالتقاضي، وتقام الدعاوى المرفوعة على المرفق باسمه لا باسم الدولة.
- مسؤولية المرفق عن أعمال تابعية وذلك بالتعويض حال إلحاق الضرر بالغير.
- يبرم المرفق العقود باسمه ولحسابه.
- للمرفق الذمة المالية المستقلة من حيث الإيرادات والمصروفات، وله حق قبول التبرعات والهبات والوصايا.
وبناء على ما سبق، فإن المرفق يستقل في الجوانب الفنية والإدارية والمالية عن الدولة، ولكن تبقى التصرفات القانونية والقرارات التي يتخذها قرارات إدارية بحيث يستقل المرفق عن السلطة المركزية في اتخاذها لحد كبير، ولكن ليس بشكل كامل لبقاء الوصاية الإدارية للسلطة، وأيضا تقيد قرارات المرفق وتصرفاته بوجوب اتخاذها ضمن حدود الغرض من إنشاء المرفق.
كما أن العقود التي يبرمها المرفق هي عقود إدارية، يختص بمنازعاتها القضاء الإداري. وتعتبر أموال المرفق أموالا عامة، وموظفيه موظفين عموميين، ولكن على عكس أسلوب الإدارة المباشرة، يجوز أن يكون هناك نظام خاص لموظفين المرفق مثل منسوبي الخطوط الجوية السعودية الذين يتبعون للوائح المؤسسة العامة للخطوط الجوية العربية السعودية المتعلقة بالتوظيف وتحديد المراتب والأجور وغير ذلك.
وعلى أرض الواقع يتخذ الشخص الاعتبار المرفقي إحدى صورتين، إما صورة الهيئة العامة كالمرافق التي تقوم بإدارة نشاط إداري تقليدي مثل الهيئة العامة للاتصالات والهيئة العامة لسوق المال، وأما صورة المؤسسة العامة وهي التي تزاول نشاطاً صناعية أو تجارياً مثل المؤسسة العامة لصوامع الغلال والمؤسسة العامة للسكك الحديدية. [17]
ثالثاً: أسلوب عقد الامتياز
ويسمى هذا الأسلوب بعقد التزام المرافق العامة، وهو عقد إداري تعقده الإدارة مانحة الامتياز مع صاحب الامتياز الذي يكون أحد الأفراد أو شركة خاصة لتقوم بتشغيل وإدارة المرفق لمدة محددة وباستخدام أموالها وعمالها بمقابل تقاضيها رسوم معينة من المنتفعين من خدمات المرفق، وعادة يعتمد هذا الأسلوب في المرافق الاقتصادية مثل مرفق الاتصالات التي يتم فيها تحصيل رسوم متعددة، ولا يصلح هذا الأسلوب للمرافق العامة التقليدية التي تكون مجانية أو تحصل رسوم رمزية كمرفق الأمن والقضاء. ويترتب عن أسلوب عقد الامتياز الآثار التالية:
- خضوع عمال المرفق لنظام العمل، دون تمتعهم بصفة العمومية.
- لا تقوم الإدارة بتوفير الموارد المالية والمعدات والعمال للمرفق، ويلتزم صاحب الامتياز بذلك.
- يتحمل صاحب الامتياز المسؤولية الكاملة عن أعمال المرفق وعن موارده الخاصة وعماله.
- عادة ما تؤول هذه الأموال والأصول والمعدات للإدارة دون مقابل بعد نهاية مدة الامتياز.
يجدر الإشارة أنه حتى تبرم الإدارة عقد الامتياز يلزمها صدور قرار إداري من السلطة المختصة في الدولة، وعدم مخالفة الدستور أو القوانين التشريعية، وتبرز أهمية هذا الأمر في أن عقد الامتياز لا يقتصر على إدارة خدمات المرافق العامة، بل يمكن أن يكون موضوع العقد استخراج واستغلال الثروات الطبيعية للدولة. ولهذا حظر النظام الأساسي للحكم في المملكة منح امتياز أو استثمار أي من موارد الدولة إلا بموجب نظام وبموجب مرسوم ملكي[18]، ويتم ذلك بعد دراسة الامتياز من مجلس الوزراء[19].
رابعاً: أسلوب الاستغلال المختلط
ويقصد بأسلوب الاستغلال المختلط أو أسلوب الاستغلال المشترك، تعاون الإدارة مع الأفراد أو شركات القطاع الخاص سواء الوطني أو الأجنبي في تكوين شركة مساهمة تجارية لإدارة المرفق العام، وتخضع في ذلك لأحكام قانون الشركات. وتساهم الدولة في جزء من رأس مال الشركة عن طريق الاكتتاب في أسهمها أو تملك السندات، ويطرح الباقي للاكتتاب العام. [20]ويتميز أسلوب الاستغلال المشترك بتخلصه من تعقيدات وبطء أسلوب الإدارة المباشرة لذلك غالبا ما يعتمد هذا الأسلوب لإدارة المرافق الاقتصادية، لكن يقوم في الوقت ذاته برقابة الإدارة على أعمال المرفق لضمان المصلحة العامة خصوصا أن الدولة تساهم بالأموال العامة في رأس ماله. وعلى الرغم من خضوع هذه المرافق لأحكام القانون الخاص، إلا أن الدولة تملك سلطات أوسع في مجالس الإدارة والمجالس العمومية حتى ولو تملكت أقل من نصف رأس مال الشركة وهو ما يخالف أحكام القانون الخاص، حيث يحق للدولة تعيين ممثليها في الجمعية العمومية للمساهمين لرعاية مصلحتها الخاصة بتحقيق الشركة للربح ولرعاية المصلحة العامة في إشباع المرفق لحاجات المنتفعين منه. وتخضع هذه المرافق لقواعد القانون التجاري في مزاولتها لأنشطتها ويخضع موظفيها لنظام العمل ولا يعتبرون موظفين عموميين. لكن في بعض الحالات، قد تُمنح هذه الشركات المختلطة بعض من امتيازات القانون العام في حال وجود نص نظامي.[21] ومن هذه الشركات المختلطة في المملكة، والتي نوردها على سبيل المثال لا الحصر:
- شركة المياه الوطنية، وهي شركة مساهمة سعودية مملوكة بالكامل للدولة متمثلة في صندوق الاستثمارات العامة.[22]
- الشركة السعودية للكهرباء، شركة مساهمة سعودية مدرجة، يساهم صندوق الاستثمارات فيها بنسبة ٧٤٪.[23]
- الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، شركة مساهمة سعودية مملوكة بنسبة ٧٠٪ للدولة. [24]
- شركة الاتصالات السعودية STC)) وهي شركة مساهمة، يملك صندوق الاستثمارات ٦٤٪ من حصة الشركة. [25]
وبناء على ما سبق عرضه من الأساليب في إدارة المرافق، فتندرج شركات الدولة في أسلوب إدارتها لأسلوب الاستغلال المختلط. أما المرافق التي تتم خصخصتها ضمن عقود الشراكة فتخضع في أسلوب إداراتها لعقود الامتياز التي تتنوع بين عقود التشغيل وعقود البناء والتشغيل ونقل الملكية وغيرها من العقود، حيث يتولى القطاع الخاص تسيير وتشغيل المرفق مع بقاء ملكية الأصول للدولة، أما في حال الخصخصة عن طريق البيع المباشر للمرفق فتنتقل ملكية الأصول من الدولة للمشتري.
خصخصة المرافق العامة في النظام السعودي
سيتم تناول مفهوم خصخصة المرافق العامة في النظام السعودي وكيفية تنظيم المشرع لها والأساليب التي اتخذها، وسيتم تناول الموضوع في ثلاثة مطالب هي كالآتي:
المطلب الأول: تعريف الخصخصة ومجالاتها
المطلب الثاني: أساليب خصخصة المرافق العامة
المطلب الثالث: التنظيم القانوني لخصخصة المرافق العامة في المملكة
المطلب الأول: تعريف الخصخصة ومجالاتها
إن مصطلح الخصخصة المقابل لمصطلح “Privatization” في اللغة الإنجليزية، هو في أصله مصطلح أجنبي حديث نسبياً في مجال السياسات الاقتصادية، والذي يعنى بالتحول للقطاع الخاص، وقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة في السبعينيات في بريطانيا، حين طبقت رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر سياستها الاقتصادية بإشراك القطاع الخاص وإلغاء تأميم الصناعات، وذلك سعيا لتحويل الاقتصاد وتحرير السوق. وانتشرت الخصخصة بعد نجاحها في بريطانيا في العديد من الدول الرأس مالية في أوروبا وغيرها، حتى تبناها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي كسياسة إصلاحية للمشاكل الاقتصادية ووسيلة لزيادة التنمية في البلدان النامية.[26]
لكن يجدر بالذكر أن الخصخصة كفكرة قد وجدت قبل برنامج الخصخصة البريطاني، فقد دعا ابن خلدون في مقدمته لتقليص دور الدولة في الأنشطة الاقتصادية وحذر من خطورة تدخلها فيها، ورأى بتعزيز دور القطاع الخاص.[27] وكانت أول عملية خصخصة تعود للقرن السابع عشر في نيويورك، حين عهدت البلدية لشركة خاصة بأداء خدمة عامة في نظافة شوارع المدينة. أما برنامج الخصخصة البريطاني فيعد أول تطبيق للخصخصة كسياسة عامة للدولة بهدف إحداث تحول في اقتصادها. [28]
أولاً: مفهوم الخصخصة وأهدافها
تعددت المصطلحات التي تناولت موضوع الخصخصة، فأطلق عليها: “الخصخصة”، “التخصيص”، “التحول إلى القطاع الخاص”، “التمليك”، “نزع الملكية العامة” وغير ذلك. ولكن تستخدم هذه الدراسة مصطلح الخصخصة أو التخصيص لأنه الأكثر شيوعًا وتوافقًا مع ما جاءت به المعاجم اللغوية والأنظمة القانونية لا سيما النظام السعودي.[29]
وكما تعددت المصطلحات للخصخصة فقد تعددت تعاريفها، فالبعض يصف الخصخصة بنقل ملكية المؤسسات الحكومية من القطاع العام للخاص، والبعض الآخر يصفها بسياسات الإصلاح الاقتصادية التي تتبناها الدول لتحرير السوق وإلغاء التأميم، أو عملية انتقال من الاقتصاد المركزي للاقتصاد الحر. ومن ذلك نورد تعريف دونالستون للخصخصة بأنها أي تحويل للملكية أو الإدارة من القطاع العام إلى القطاع الخاص، بشرط أن تتحقق السيطرة الكاملة للقطاع الخاص، والتي لا تتحقق في الغالب إلا بالانتقال الفعلي لملكية الأغلبية إلى القطاع الخاص.[30]
وقد عرف البنك الدولي الخصخصة بأنها عملية تقوم بها الحكومات من أجل تقليص دورها في تملك أو إدارة المؤسسات العامة، بهدف إشراك أو إيجاد دور أكبر للأفراد والمشروعات الخاصة في تنمية الاقتصاد القومي.[31] كما وعرفها صندوق النقد الدولي بأنها زيادة مشاركة القطاع الخاص في إدارة وملكية الأنشطة والأصول التي تسيطر عليها الحكومات أو تمتلكها.[32] وقد عرف نظام التخصيص السعودي مصطلح التخصيص بأنه: “الشراكة بين القطاعين العام والخاص أو نقل ملكية الأصول”، وعرف الشراكة بين القطاعين العام والخاص بأنه: ” ترتيب تعاقدي مرتبط بالبنية التحتيّة أو الخدمة العامة، ينتج عنه علاقة بين الحكومة والطرف الخاص”.[33]
وتهدف الخصخصة لإصلاح وتطوير الاقتصاد من خلال تعزيز المنافسة وإشراك القطاع الخاص في عملية التنمية بتحفيزه على الاستثمار مع جذب الاستثمارات الأجنبية، مما يؤدي إلى زيادة تملك الأفراد وتوزيع الموارد في المجتمع وتحسين جودة الخدمات. وتفيد الخصخصة في تخفيض العجز في ميزانية الحكومات بإيجاد مصادر بديلة لتمويل مصروفاتها وبرامجها التنموية، كذلك في تفرغها لإدارة المرافق الأساسية والمرتبطة بسيادتها مثل مرافق الأمن الداخلي والقضاء والدفاع وغير ذلك.[34] فالخصخصة تقلص من دور الدولة في النشاط الاقتصادية، وتلغي بذلك المركزية والبيروقراطية، فيقوم القطاع الخاص بتقديم الخدمات التي كانت تقدمها الحكومة وذلك بالبيع الكلي أو الجزئي للمرافق والمؤسسات الحكومية للقطاع الخاص أو التعاقد معه لتشغيل هذه المرافق أو المشروعات العامة.
وقد كانت الخصخصة جزء من سياسة المملكة منذ التسعينيات لتخصيص العديد من القطاعات إلا أن ارتفاع أسعار النفط أدى للتراخي في المشروع في تلك الفترة، حتى عام ٢٠١٨م الذي تم الإعلان فيه عن برنامج التخصيص ضمن رؤية 2030 بهدف تحديد القطاعات والأصول الحكومية القابلة للتخصيص مع تعيين إطار الشراكة مع القطاع الخاص، ثم الإعلان عن برنامج التحويل الوطني 2020 التي يرمي لرفع الناتج المحلي وزيادة إجمالي العوائد الحكومية من بيع الأصول.[35] وتفيد خصخصة الأصول في جذب الاستثمارات الأجنبية مما يؤدي إلى دعم الاحتياطي العام والتقليل من عجز الموازنة العامة، كذلك مع اتساع أنشطة الاستثمارات الرابحة الخاصة نتيجة زيادة حجم الشركات فإن حصيلة الدولة تتعاظم من الضرائب مما يخفض الضغوط المالية.[36] ويسعى برنامج الخصخصة إلى تخفيف الأعباء عن الحكومة وتنويع مصادر الدخل لتقليل الاعتماد على الصناعة النفطية التي أصبحت مهددة بانخفاض أسعار الصادرات النفطية بسبب قلة الاعتماد عليه عالمياَ، وتتمثل إحدى الحلول ببيع شركات الدولة لجذب الاستثمارات الأجنبية كتحويل شركة أرامكو من شركة حكومية إلى شركة مساهمة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (١٨٠) بتاريخ ١/٤/١٤٣٩هـ، وتم الطرح الأولي لجزء من أسهم الشركة للتداول العام بلغت ١.٥٪ من إجمالي أسهمها في عام ٢٠١٩م.
ثانياً: مجالات الخصخصة
يستنبط من تعريفات الخصخصة أنه يمكن تخصيص مرافق الدولة إما عن طريق التملك سواء الكلي أو الجزئي أو عن طريق نقل إدارة وتشغيل المرفق للقطاع الخاص. لكن هناك مرافق لا يمكن بيعها ونقل تملكها لغير الدولة، فتظل مرافق عامة لا يمكن خصخصتها بأي طريقة سواء بنقل الإدارة أو بنقل الملكية حيث ترتبط بسيادة الدولة المقررة في دستورها، حتى سميت بالمرافق الدستورية السيادية ومن هذه المرافق إدارة الدولة لعلاقاتها الدولية، والقضاء، والأمن الداخلي كالشرطة، والدفاع.
وهناك مرافق أخرى دستورية غير سيادية يجوز خصخصتها لكونها مكفولة دستورياً لكن غير مرتبطة بسيادة الدولة، كمرافق الصحة والتعليم حيث تسمح الدولة بإنشاء القطاع الخاص للجامعات والمدارس والمستشفيات الخاصة. أما المرافق الاقتصادية كالكهرباء، والمياه، والنقل، والاتصالات، والموانئ، فيعود للدولة تقدير إشراك القطاع الخاص بها، فيكون لها احتكار بعض الأنشطة الاقتصادية كالاستئثار بإنتاج سلعة معينة لا تسمح للقطاع الخاص بإنتاجها أو احتكار تقديم خدمة ما لا تقدم من سواها.[37]
ويمكن تلخيص مجالات أو مستويات الخصخصة إلى ثلاث مستويات: [38]
١-الخصخصة الكاملة، أي البيع الكلي للمشاريع العامة لتتحول إلى ملكية القطاع الخاص.
٢-الخصخصة الجزئية، تعهد الدولة للقطاع الخاص الإدارة الكاملة أو الجزئية للمشاريع العامة في بيئة تنافسية وفق قواعد المشاريع الخاصة.
٣-فك ارتباط المشاريع العامة بالبيروقراطية الحكومية، وذلك عن طريق إلغاء الرقابة الحكومية وآلياته والاعتماد على آليات السوق.
المطلب الثاني: أساليب خصخصة المرافق العامة
توجد العديد من أساليب التخصيص المختلفة، وللدولة اختيار أحد هذه الأساليب أو المزج بينها بحسب دوافعها للخصخصة والنتائج التي تصبو إليها وطبيعة عمل مؤسساتها ونوع المشكلات التي تواجهها. ويمكن تقسيم أساليب التخصيص من حيث نتيجتها على المرافق العام إلى أسلوب يؤدي إلى نقل ملكية المؤسسات العامة، وأسلوب يؤدي إلى نقل إدارة المؤسسات العامة للقطاع الخاص.
أولاً: أساليب خصخصة الملكية:
وفيها تنقل ملكية المرفق أو المشروع العام بشكل كامل إلى الشخص الطبيعي أو الاعتباري، أو يمكن أن تنتقل الملكية بشكل جزئي بحيث يصبح القطاع الخاص أو الأفراد شركاء مع الدولة في ملكية الشركة العامة أو المشروع. ويوجد العديد من أساليب خصخصة الملكية، نوجز أهمها فيما يلي:
١-البيع المباشر
وهي الطريقة الأكثر استخداما دوليا، وفيه تبيع الحكومة الأصول أو الشركات العامة أو المؤسسات لمجموعة من المستثمرين، وتكون طريقة البيع إما في المزادات العلنية أو العطاءات أو بجذب الإدارة للعروض حيث تشترك جميع هذه الطرق بعدم وجود وسطاء بين الدولة والمشتري ولهذا سمي بالبيع المباشر. ويمكن للدولة أن تطرح المشروع لعموم المستثمرين أو استهداف بعضهم لامتلاكهم الخبرات الفنية والإدارية.[39]
٢- بيع الأسهم في الأسواق المالية
وفيها تطرح الحكومة أسهم الشركات التي تملكها للجمهور بنسبة معينة وتضع قيود على كمية الأسهم التي يمكن شراؤها لكل مستثمر، سواء طرح كلي لأسهم المشروع أو جزئي. في حال الطرح الكلي سيتحول المشروع من مشروع عام إلى خاص أما في حال الطرح الجزئي يتحول المشروع إلى مشروع مشترك مع القطاع الخاص. وعادة ما يتم استخدام هذا الأسلوب لبيع الشركات الكبيرة ولها وصع مالي جيد في السوق. وتتميز هذه الطريقة بدرجة عالية من الشفافية حيث يتم الترويج لعملية البيع كما يتم الكشف عن القوائم المالية للشركة تماشياً مع شروط البيع من خلال الأسواق المالية.[40]
٣-البيع للعاملين أو الإدارة
وتسمى بالخصخصة الداخلية، حيث تبيع الدولة نسبة معينة من الشركة العامة للإدارة وللعاملين فيها. وتتميز هذه الطريقة بزيادة نسبة الإنتاجية لدى الموظفين وضمان مصالحهم، وتجنب الدولة الدخول في مفاوضات مع المستثمرين، وتوسيع قاعدة الملكية. وغالبا ما تستخدم في الشركات الصغيرة التي تعتمد على عمل وإنتاجية العاملين في نجاحها ولا تحتاج للتطوير بتقنيات وتكنولوجيا معقدة من مستثمرين استراتيجيين. وتوجد تجارب سابقة تمكن العاملين شراء أسهم الشركة من خلال معاشاتهم التقاعدية وإعادة بيعها مرة أخرى للدولة، بحيث تكون ملزمة بشرائها في حال عدم تحقق عائد مناسب. ويمكن للدولة تحديد نسبة تباع للعاملين وصغار المستثمرين في الشركة وطرح بقية الأسهم لكبار المستثمرين.[41]
٤-نظام القسائم (الكوبونات)
يتضمن هذا الأسلوب توزيع عدد من القسائم أو الكوبونات على المواطنين بالتساوي، والتي تعطيهم الحق في استخدامها للحصول على أسهم المؤسسات العامة المراد خصخصتها مجاناً، أو بأسعار منخفضة. [42] وتقدم هذه الكوبونات مجاناً أو برسوم رمزية بتغطية التكاليف الإدارية. وتوفر هذه الطريقة السرعة في خصخصة شركات القطاع العام وزيادة تملك المواطنين.
٥- التصفية
وفيه تنهي الدولة أعمال المشروع أو المؤسسة العامة، مع تسوية حقوقها وديونها ثم تقسم صافي الأموال المتبقية مع الشركاء. ويمكن للحكومة بيع أصول المشروع في مزاد علني أو عطاءات، أو أن تستخدم هذه الأصول في إنشاء شركة جديدة والاشتراك مع القطاع الخاص. [43]
٦- تنظيم أو تحرير القطاع
أي السماح للقطاع الخاص بمزاولة النشاطات التي يحتكرها القطاع العام، وذلك بخروج الدولة من النشاط الاقتصادي بشكل كامل، وإتاحة الفرصة القطاع الخاص بتقديم الخدمات والمنتجات، حيث يؤدي ذلك إلى زيادة المنافسة وتحسين الخدمات وجودتها.[44]
ثانياً: أساليب خصخصة الإدارة
ويترتب على عملية نقل إدارة المرفق أو المشروع للقطاع الخاص أنه لا يتم فيها نقل ملكية الإدارة، وإنما يكون للفرد أو الشركة الإشراف والتشغيل للمشروع مع بقاء ملكية المرفق للدولة، بحيث تهدف خصخصة الإدارة إلى زيادة كفاءة المشروع أو المرفق وتحسين خدماته وأدائه. ورغم ذلك، لا يضمن أسلوب نقل الإدارة عدم تدخل الدولة في قرارات المشروع لبقاء الملكية بيدها.[45] ويتم إبرام العقود الإدارية التي تحدد مراحل وأسلوب التخصيص بحسب الشروط المتفق عليها بين المتعاقدين، ومن أمثلة هذه العقود:
١-عقود الإدارة
ويمكن تعريفها بأنها الاتفاق بين الحكومة مع أحد أشخاص القانون الخاص لإدارة أي أصول أو مؤسسات أو مشاريع حكومية مع بقاء ملكيتها للدولة وفق شروط ومدة محددة، مقابل أجر أو نسبة من عائدات المشروع أو أرباحه، ويتحمل المتعاقد الخاص نفقات المشروع وخسائره.[46]
٢- عقود تأجير
وفيها تقوم الحكومة بتأجير أصولها للغير كالشركات، لتقوم بتشغيلها وتحتفظ بإيراداتها خلال مدة محددة ووفق شروط متفق عليها، مقابل أن تحصل الدولة على مبلغ مقطوع. ومن هذه الأصول مثل المدارس والمستشفيات والجامعات أو حتى مواقع عربات البيع في الأماكن السياحية.[47]
٣- عقود الامتياز
وفيه تتعاقد الإدارة (مانحة الامتياز) مع شخص اعتباري أو طبيعي (صاحب الامتياز) لتمنحه وحده مستقلاً حق تقديم خدمة معينة على نفقته وذلك تبعاً لشروط محددة ولمدة معينة وتحت إشراف الإدارة، مقابل تقاسمه مع الإدارة إيرادات هذا المشروع ليغطي نفقاته ويحقق الأرباح، على أن تعود أصول المرفق أو المشروع للدولة بعد انتهاء العقد. ويتميز عقد الامتياز بمنح المستثمر أو المتعاقد مع الإدارة حقاً احتكاريا بتقديم الخدمات دون تعرضه لضغوط المنافسة. ولعقود الامتياز صورتين إما صورة استغلال الموارد الطبيعية في الدولة أو بصورة تشغيل وإدارة المرافق العامة.[48] وتستخدم عقود الامتياز في بناء مرافق عامة ضخمة في الدولة كالموانئ، والسدود، والجسور، والطرق. وينبغي عدم الخلط هنا بين عقد الامتياز الإداري وعقود الامتياز التجارية (الفرانشايز) التي تتعلق بالترخيص باستخدام حقوق الملكية الفكرية المملوكة لمانح الامتياز في أعماله التجارية نظير مقابل مالي.
ومن أهم أنواع عقود الامتياز عقد البناء والتشغيل ونقل الملكية B.O.T)) وفيه تتعاقد الإدارة مع شخص اعتباري أو طبيعي لبناء وتشغيل مرفق عام للمنتفعين على نفقته الخاصة وفق شروط محددة ولمدة معينة، بحيث يتحصل المتعاقد إيرادات المرفق طوال فترة العقد، على أن تعود ملكية المرفق للحكومة أو جهة الإدارة بعد انتهاء مدة العقد. وتتنوع عقود البناء والتشغيل ونقل الملكية، فيمكن أن يقتصر بعضها على البناء والتشغيل فقط مع نقل ملكية المرفق للدولة بعد الانتهاء من بنائه مباشرة أو بتملك القطاع الخاص للمرفق طوال فترة العقد ثم تحويل ملكيته للدولة بعد انقضاء مدة العقد.[49]
المطلب الثالث: التنظيم القانوني لخصخصة المرافق العامة في المملكة
إن تخصيص المرافق في المملكة هي أحد أهم الأهداف التي تعمل المملكة للوصول إليها ضمن رؤية المملكة 2030، والتي تسعى من خلالها لتحقيق العديد من النتائج عن طريق الخصخصة ومن ذلك تعزيز دور القطاع الخاص في التنمية وزيادة الناتج المحلي، وتحسين جودة الخدمات المقدمة، وإتاحة الوصول إلى الأصول الحكومية، وتعزيز الدولة للمنافسة، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية. وستساهم الخصخصة في تفرغ الحكومة وتركيزها على دورها التنظيمي والتشريعي. ولتحقيق ذلك أطلقت المملكة برنامج التخصيص الذي تم اعتماده من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية والذي يقوم بتوجيه مبادرات الخصخصة، وإرساء الأسس التشريعية والمؤسساتية. ويحكم التنظيم القانوني للخصخصة في المملكة نظام التخصيص ولائحته التنفيذية، وقواعد مـشاريع التخصيص التي يحددها مجلس الوزراء. ويحدد المركز الوطني للتخصيص أسلوب التخصيص المناسب للمشروع المستهدف،[50] ويقترح ويدرس القطاعات المناسب تخصيصها، ويشرف ويتابع عملية التخصيص ومدى تحقيقها للنتائج المرجوة واتباعاها للمتطلبات والقواعد اللازمة.[51]
وتتبع المملكة أسلوبين في خصخصة مرافقها العامة وهي أسلوب نقل ملكية الأصول وأسلوب عقد الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص. وتم تحديد هذه الأساليب وتعريفها في المادة الخامسة من اللائحة التنفيذية لنظام التخصيص الصادر بقرار مجلس إدارة المركز الوطني للتخصيص رقم (ق-٩/٢٠٢١) وتاريخ ٢٣/٤/١٤٤٣ه.
ومن الجدير بالذكر أنه في كلا الأسلوبين، يستلزم موافقة مجلس الوزراء في حال نقل ملكية أي من أصول الأجهزة الحكومية سواء ترتب ذلك عن إتباع أسلوب نقل الملكية في التخصيص أو من خلال أسلوب عقود الشراكة من القطاع الخاص، وتتطلب موافقة مجلس الوزراء أيا كانت قيمة مشروع التخصيص.[52]
أولا: أسلوب نقل ملكية الأصول
عرف نظام التخصيص في مادته الأولى أسلوب نقل ملكية الأصول بأنه ترتيب تعاقدي مرتبط بالبنية التحتيّة، أو الخدمات العامة، ينتج عنه نقل ملكية أي من الأصول من أي جهة حكومية إلى الطرف الخاص. ويتم نقل الملكية بإحدى الوسائل التي حددتها المادة ٥٧ من اللائحة التنفيذية لنظام التخصيص وهي:
١-البيع على مستثمرين استراتيجيين.
٢-البيع من خلال السوق المالية.
٣-البيع عن طريق المنافسة.
٤- أي أسلوب آخر من أساليب نقل ملكية الأصول بشرط موافقة الجهة المختصة.
ومن أمثلة أسلوب نقل الملكية، نقل ملكية نادي القادسية من وزارة الرياضة لشركة أرامكو، ونقل ملكية نادي الدرعية من شركة التخصيص إلى شركة الدرعية المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، وذلك ضمن مشروع الاستثمار والتخصيص في الأندية الرياضية.
ومن ذلك قرار مجلس الوزراء رقم ٦٥٢ لعام ١٤٤٣هـ الذي قرر بنقل ملكية الأصول المتعلقة بالمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة إلى شركة حلول المياه أو شركاتها التابعة وهي شركة مملوكة بالكامل للدولة ويشمل نقل الملكية نقل حصص المؤسسة في الشركات لشركة حلول المياه، مع استثناء أي ضرائب، حيث تُمنح شركة حلول المياه صلاحية تمثيل الحكومة في الشركات التي تمتلك فيها حصصًا، وتستطيع الاستحواذ على أصول الشركات الحكومية في قطاع المياه بعد الحصول على الموافقات اللازمة، مع استمرار مسؤولية المؤسسة عن الأصول غير المنقولة. ويتطلب نقل ملكية الأصول والمشاريع والعقود اتباع الإجراءات النظامية اللازمة، حيث تُشرف محافظ الاستثمارات العامة على العملية، مع إمكانية تمويل الأصول أو بيع جزء منها للقطاع الخاص. وتختص بتنظيم قطاع المياه والرقابة عليه هيئة تحلية المياه (المؤسسة العامة للمياه سابقاً).
ثانياً: أسلوب عقد الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص
وقد عرف نظام التخصيص هذا الأسلوب في مادته الأولى بأنه ترتيب تعاقدي مرتبط بالبنية التحتيّة أو الخدمة العامة، ينتج عنه علاقة بين الحكومة والطرف الخاص. وقد اشترط النظام في هذا العقد:
١-أن يكون الحد الأدنى لمدة عقد الشراكة هي خمس سنوات.
٢-أن يؤدي الطرف الخاص بموجب العقد عدة أعمال تشمل اثنين أو أكثر مما يأتي: تصميم الأصول، أو تشييدها، أو إدارتها، أو تشغيلها، أو صيانتها، أو تمويلها، سواءً أكانت الأصول مملوكة للحكومة أم للطرف الخاص أم لكليهما.
٣- توزيع المخاطر المحتملة للمشروع بين الحكومة والطرف الخاص، ومن ذلك مخاطر المشروع المالية والتشغيلية.
٤-ارتباط المقابل المالي الطرف الخاص بناء على مستوى أدائه والتزامه ببنود عقد الشراكة.
ويتم طرح مشاريع التخصيص بحسب طبيعة نشاطها من خلال المنافسة المحدودة أو بالتعاقد المباشر أو أي وسيلة مناسبة أخرى.[53] وللجهات التنفيذية التي لديها صلاحية إبرام عقود التخصيص أن تلزم صاحب العرض الأفضل بتأسيس شركة مشروع التخصيص بالشراكة مع هذه الجهة، حيث عرف النظام شركة مشروع الخصخصة بأنها شركة مؤسسة أو يتم تأسيسها لتتولى تنفيذ مشروع التخصيص، وتنفيذ مشروع التخصيص يتضمن الإجراءات المنظمة لعملية التعاقد أو المنافسة أو الترسية على مشروع التخصيص أو أي أسلوب آخر غير الطرح في السوق المالية. [54]وقد تمتلك الدولة لجزء من أسهم شركات مشاريع التخصيص بشكل مباشر أو عن طريق أحد شركاتها القابضة أو تكون شركة مشروع التخصيص مملوكة بالكامل لطرف خاص،[55] كما تؤسس هذه الشركات وفق نظام الشركات السعودي كتسجيلها واتخاذها أحد الأشكال النظامية المسموح بها.[56]
وغرض هذه الشركات هو تنفيذ مشروع الخصخصة والتمهيد لعملية التحول ونقل الأصول الحكومية لها قبل التعاقد أو المنافسة أو الترسية مع إحدى أشخاص القطاع الخاص. ويتم الاتفاق بين الأطراف على رأس مال الشركة وأحكامها وسائر الشركاء فيها. ويمكن للجهات الحكومية أو مؤسساتها العامة تملك حصة في شركات الخصخصة بعد موافقة الجهة المعنية. [57]ومن أمثلة شركات التخصيص شركة مطارات جدة وشركة مطارات الرياض وشركة مطارات أبها، التي أنشئت لخصخصة إدارات مطارات المملكة، ضمن برنامج التحول المؤسسي لمطارات المملكة العربية السعودية، بالإضافة لشركة الصحة القابضة.
وبإصدار المركز الوطني للتخصيص لضوابط طرح وإدراج مشاريع التخصيص في السوق المالية السعودية، فإنه من المتوقع أن تطرح بعض شركات مشاريع التخصيص لهذه المشاريع. كما أنه لا يتم اقتصار طرح هذه الفرص الاستثمارية على الشركات المملوكة للدولة، حيث يمكن الطرح في السوق المالية من خلال شركات مشاريع الخصخصة المملوكة بالكامل للطرف الخاص أو المملوكة جزئياً للدولة وذلك تعزيزاً للشفافية ومبدأ الإفصاح ولتمكين المواطنين من المساهمة بالاستثمار في الفرص المطروحة.
ومن الأمثلة على الخصخصة عن طريق أسلوب عقد الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص خصخصة القطاع الصحي وفقاً لقرار مجلس الوزراء رقم ٤٦٩ بتاريخ ١٩/٨/١٤٤٣هـ، القاضي بتأسيس شركة الصحة القابضة واعتماد النظام الأساسي للشركة، وهي شركة مساهمة سعودية مملوكة بالكامل للدولة، تم إنشاؤها بهدف تنظيم عملية التحول في القطاع الصحي، حيث ستمتلك الأصول المملوكة سابقاً لوزارة الصحة وستقدم الخدمات الصحية في المملكة. بينما سيتم التحول في الجانب التمويلي للخدمات الصحية عن طريق نقل ميزانية وزارة الصحة المتعلقة بتقديم الخدمات الصحية إلى مركز التأمين الصحي الوطني، الذي سيشتري الخدمات الصحية للمواطنين من شركة الصحة القابضة، وسيضع مركز التأمين الصحي آلية التأمين على المواطنين بعد موافقة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.[58] ويمثل حصة الدولة في شركة الصحة القابضة مسؤولين حكوميين من أعضاء اللجنة الإشرافية للخصخصة في القطاع الصحي، كما وقرر مجلس الوزراء نقل الموظفين والعاملين التابعين لوزارة الصحة إلى شركة الصحة القابضة أو أي من شركاتها التابعة، بينما تكون وزارة الصحة الجهة المنظمة والمشرفة على المؤسسات الصحية العامة والخاصة كالمستشفيات والمراكز الصحية، وكذلك ستشرف الوزارة على عقاراتها.
وستقدم الخدمات الصحية في المملكة عن طريق شركات التجمعات الصحية التي ستقوم شركة الصحة القابضة بتأسيسها، والتي من خلالها ستقدم شركة الصحة القابضة خدماتها للمستفيدين في مناطق المملكة المختلفة. لكن تعتبر شركة صحة القابضة شركة مشروع خصخصة تم تأسيسها بهدف نقل أصول وزارة الصحة لشركات التجمعات الصحية وحتى تنتقل جميع الأصول سيتم إنهاء خدماتها، وسيستمر تقديم الخدمات الصحية عن طريق شركات التجمعات الصحية مع إشراف ورقابة وزارة الصحة.[59]
وبذلك يمكن تلخيص نتائج التحول بعد خصخصة القطاع الصحي إلى تولي شركة الصحة القابضة تقديم الخدمات الطبية عن طريق شركات التجمعات الصحية، وسيكون مركز التأمين الطبي جهة تمويلية لهذه الخدمات، أما الرقابة على القطاع الصحي وتنظيمه لوزارة الصحة التي سيرفع وزيرها التقارير لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
طبيعة شركات الدولة في النظام السعودي
تكمن الإشكالية القانونية بالنسبة لشركات الدولة في طبيعة مركزها القانوني، وتحديد خضوعها للقانون الإداري أو الخاص، الذي يتماشى مع الغموض في تكييف طبيعة قرارتها وعقودها. وتنوعت الاجتهادات الفقهية في هذا الصدد، في ظل غياب نصوص قانونية صريحة توضح القانون الواجب التطبيق على المنازعات المتعلقة بشركات الدولة. ولهذا سيتناول هذا المبحث طبيعة شركات الدولة في النظام السعودي، وسيتم تقسيمه كالآتي:
المطلب الأول: مفهوم شركات الدولة
المطلب الثاني: الطبيعة القانونية لشركات الدولة في المملكة
المطلب الأول: مفهوم شركات الدولة
لمقتضيات التنمية والتحول الاقتصادي، شاركت الدولة في إنشاء الشركات العامة للإمداد بالخدمات في القطاعات الأساسية، كالكهرباء والصناعات والمعادن والنقل والمياه والصرف الصحي وغيرها، بحيث تهدف لتقوية هذه القطاعات، عن طريق العمل بقواعد القانون الخاص التي تجعل لها المرونة والسرعة في اتخاذها للقرارات. كما أن إنشاء الدولة للشركات العامة كانت طريقة لإدارة المرافق الاقتصادية، وكانت طريقة بديلة لأسلوب الإدارة المباشرة الذي انتقد بسبب تعقيداته وإجراءاته الروتينية وعدم صلاحيته لإدارة المرافق التي تحتاج السرعة في اتخاذ القرارات كالمرافق التجارية والاقتصادية.
وتتعدد مسميات شركات الدولة، منها شركات القطاع العام أو الشركات العامة أو الشركات ذات رأس المال العام. ويمكن تعريف شركات الدولة بأنها “المنظمة العامة المملوكة للدولة بالكامل والتي تدار بالأسلوب اللامركزي والتي تتمتع بالشخصية المعنوية وتمارس نشاطاً اقتصاديا سواء كان صناعيا أم زراعيا أم تجاريا أم ماليا وتخضع لمزيج من قواعد القانون العام والخاص”، وعرفت أيضاً بأنها:” مرفق عام اقتصادي تنشئه الدولة أو أحد أشخاصها العامة له شخصية معنوية مستقلة عن الدولة يتمتع من خلالها باستقلال مالي وإداري ويعمل وفق الخطة الاقتصادية التي تضعها الدولة”.[60] لكن تجدر الإشارة إلى اختلاف التشريعات في تحديد نسب تملك الدولة لرأس مال الشركة حتى تعتبر شركة عامة، كالمشرع الليبي الذي غير من تعريف الشركات العامة من تلك التي تملك الدولة كامل رأس مالها إلى التي تملك الدولة ٥١٪ من رأس مالها.[61]
ويمكن من خلال التعريف استنباط خصائص أو سمات الشركات العامة كالآتي:
١-ملكية الدولة
على عكس شركات القطاع الخاص التي تتصف بتملكها من قبل أفراد أو أشخاص اعتبارية خاصة، فإن الشركات العامة تتصف بتملك الدولة لها. وتشترط بعض الأنظمة نسب تملك معينة لاعتبار الشركة من شركات القطاع العام، ومن ذلك اشتراط النظام المصري تملك شخص عام أو أكثر لنسبة لا تقل عن ٥١٪ من أسهم الشركة، واشتراط القانون العراقي تملك الدولة للشركة بالكامل.
٢- الشخصية المعنوية
إن امتلاك المشاريع العامة للشخصية المعنوية هو عنصر أساسي لأي نظيم قانوني، وهي الخاصية التي عادة ما تكتسبها المشاريع التي تنشئها الدولة في الأنشطة الاقتصادية. وتمنح الشخصية المعنوية استقلالية الشركات العامة عن مالكها سواء كانت الدولة أو أحد أشخاصها العامة أو مجموعة المالكين لها، بحيث بدونها لا تستطيع الشركة العامة اكتساب الحقوق أو الالتزام بالواجبات. ويمكن تعريف الشخصية المعنوية بأنها “مجموعة من الأشخاص تستهدف غرض معين أو مجموعة من الأموال ترصد لتحقيق غرض معين”. ويترتب على اكتساب الشخصية المعنوية اكتساب الشركة العامة للآتي[62]:
١-االاسم، ويكون اسم الشركة العامة مشتقاً من غرضها، وعادة ما تحمل اسماً مختصراً باللغتين العربية والإنجليزية في المملكة.
٢-الجنسية حسب القواعد العامة.
٣-الموطن وهو الذي يوجد به مركز إدارة الشركة العامة.
٤-الأهلية للقيام بالتصرفات في حدود الغرض الذي أنشأت من أجله.
٥-الذمة المالية المستقلة عن الدولة فلا تدخل في ميزانيتها.
٦- الحق بالتقاضي وتمثيلها أمام القضاء.
٣- الاستقلال المالي والإداري
يعني الاستقلال المادي للشركة العامة استقلاليتها في قراراتها المالية عن الدولة بحيث يمكن لها إدارة أموالها واستغلالها والاستثمار دون الرجوع للحكومة، ورغم أن الدولة قد تنشئ أو تساهم في هذه الشركات باستخدام أموال عامة، إلا أن للشركات العامة ميزانيتها الخاصة المنفصلة عن ميزانية الدولة. أما الاستقلال الإداري فيعني استقلالية اتخاذ القرارات الخاصة بالشركة، بحيث يعود اتخاذها لمجلس إدارة الشركة، كما تتولى الشركة تقرير القوانين والسياسات الخاصة بها وكذلك لوائح عملها الداخلية.
المطلب الثاني: الطبيعة القانونية لشركات الدولة في المملكة
ذكرنا سابقاً أنه يترتب على اكتساب الشركة العامة للشخصية الاعتبارية استقلاليتها عن الدولة، ويترتب على هذا، استقلال الجانب المالي والإداري للشركة عن الدولة. وفيما يلي نستعرض بإيجاز مظاهر هذا الاستقلال خصوصاً فيما يتعلق بشركات الدولة في المملكة العربية السعودية.
فمن حيث طبيعة أموال شركات الدولة تستقل الشركة العامة عن الدولة في إدارة أموالها واتخاذ قرارات الاستثمار وكيفية استغلال مواردها. فتملك الشركة العامة حسابات خاصة بها غير مرتبطة بحسابات الدولة المالية وأشخاصها العامة، كذلك تنفصل ميزانيتها عن ميزانية الدولة.
لكن قد يكون هذا الاستقلال المالي لشركات الدولة إما استقلالاً ظاهراً أو استقلالاً فعلياً، فالشركات التي تمولها الحكومة بحيث تشكل غالبية ميزانيتها المالية من الأموال العامة للدولة تستقل ظاهرياَ عن السلطة المركزية للدولة أي في النطاق القانوني لا الفعلي. ويكون استقلال الشركة العامة فعلياً في حال استقلال ذمتها المالية بشكل تام، بحيث تكون مسؤولة عن التمويل وأداء حقوق الغير، وتغطية الخسائر في حال حدوثها بحيث تتبع الوسائل اللازمة لتجاوز الأزمات المالية ومن ذلك رفعها لأسعار الخدمات وإبرام عقود الإقراض وغير ذلك.[63] ولا يتعارض مع الاستقلال الفعلي تلقي الشركات العامة أو حتى الخاصة للدعم الحكومي في صورة مباشرة كالإعانات أو المساعدات، والتعويضات، والإعفاءات الضريبية، أو تلقي الدعم الحكومي في صوره غير المباشرة كتسهيل العمليات التجارية وخفض التكاليف وغيرها. ويهدف الدعم الحكومي للشركات لتعزيز الاقتصاد، وغالباً ما يعمل على تحفيز قطاعات أو صناعات محددة وحيوية.
ومن أمثلة الدعم الحكومي للشركات العامة، دعم حكومة المملكة للشركات غير الربحية العامة وكذلك الخاصة، فيتم إعفائها من الضرائب وعدم خضوعها لأحكام جباية الزكاة، وتحسم التبرعات من الوعاء الضريبي حيث تعتبر التبرعات والمنح من المصادر الرئيسية لتمويل الشركات الغير ربحية بشكل عام.[64]
وتختلف الآراء في حكم الفائض من ميزانية الشركات العامة، فيرى البعض أنه يعود الأمر إلى عقد تأسيسها الذي قد يقرر معاملة الفائض كالمؤسسات العامة فيعود لميزانية الدولة ولا يؤثر ذلك من استقلال الشركة المالي، ويختلف هذا مع رأي آخر الذي يرى أن ذلك يؤثر في الاستقلال المالي للشركة، استقلالية الشركة في اتخاذ قراراتها المالية ومن ذلك ترحيل فائضها لميزانية الشركة للسنة التالية ليستغل في تحسين الخدمات المقدمة، وهو ما يتفق الباحث معه.[65] فبالعودة للائحة التنفيذية من نظام الشركات السعودي أجاز النظام للشركة غير الربحية العامة باستغلال نسبة معينة من أرباحها للتوسع في أعمالها أو تنمية استثماراتها.[66]
أما عن طبيعة قرارات شركات الدولة، فهي مستقلة في اتخاذها عن الحكومة المركزية بحيث يعود اتخاذ القرارات الخاصة بجميع شؤونها لمجلس إدارتها أو مديرها العام، فتنظم الشركة العامة قوانينها الداخلية، سياساتها الخاصة، لوائح عملها الداخلية. وقد يقيد النظام بعض القرارات الخاصة بالشركة العامة كاشتراط موافقة وزارة التجارة على قرار تصفية الشركة الربحية العامة وهو مالا يشترط في حال تصفية الشركة غير الربحية الخاصة، وكذلك تقييد شكل الشركات غير الربحية العامة في شكل شركات مساهمة دون غيرها.
وتخضع الشركات العامة في المملكة لرقابة الديوان العام للمحاسبة، وهو الجهاز الأعلى للرقابة المالية على إيرادات الدولة ومصروفاتها والذي يراقب أموال الدولة وحسن استغلالها ومدى التزام المؤسسات العامة بالأنظمة المالية والإدارية.[67] وتشمل رقابة الديوان كل مؤسسة أو شركة تساهم الدولة في رأس مالها أو تضمن لها ربحاً معيناً، وعلى ذلك تخضع جميع الشركات التي تساهم بها الدولة لرقابتها دون اشتراط نسبة مساهمة معينة. ويعمل الديوان حالياً على إعداد نظام خاص لتنظيم هذه الرقابة بناء على تحديد العلاقة المالية لهذه الشركات بالدولة والذي سيصدر بناء على أمر ملكي، كما يجري العمل حالياً على تعديل لائحة رقابة ديوان المراقبة العامة على المؤسسات الخاصة والشركات التي تساهم الدولة في رأسمالها أو تضمن لها حدا أدني من الأرباح (لائحة رقابة الديوان العام للمحاسبة)، الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (٣٩٠) وتاريخ ١٨/٤/١٣٩٨هـ.
وباستقراء لائحة رقابة الديوان العام للمحاسبة بنسختها الحالية والتي يجري التعديل عليها، يمكن استنباط آلية عمل الرقابة الحالية على شركات الدولة. حيث يفرق الديوان في رقابته بين الشركات العامة بحسب نسب مساهمة الدولة في رؤوس أموالها، فإن تجاوزت نسبة المساهمة ٢٥٪ من رأس مال الشركة يعمل الديوان على فحص ومراجعة ميزانيتها وحساباتها المالية، وتٌلزم الشركة بتقديم المستندات المطلوبة للديوان حال طلبها. أما إن قلت نسبة مساهمة الدولة عن ٢٥٪ من رأس مال الشركة، فتكون الرقابة وفقاً لأحكام أنظمتها الأساسية أو أي أنظمة أخرى متعلقة كنظام الشركات السعودي، كما تُلزم الشركة سنوياً بموافاة الديوان بتقرير مديرها العام عن نشاطها ومركزها المالي قبل ثلاثين يوماً على الأقل من انعقاد الجمعية العامة العادية للمساهمين حتى يتمكن الديوان من تزويد ممثلي الدولة بملاحظاته بناء على حسابات الشركة وتقاريرها المالية.[68]
وفي نهاية المطلب، يمكن القول أن استقلال الشركات العامة عن الدولة ليس استقلالا تاما في جميع الحالات، حيث تراعي الحكومة مصالحها عن طريق تعيين ممثليها في مجالس إدارات هذه الشركات للتأثير على القرارات، كما أنه كلما زادت نسبة التملك للدولة ضعفت استقلالية هذه الشركات.
الاختصاص القضائي والنظامي لمنازعات شركات الدولة
تمهيد وتقسيم
يتناول هذا الجزء من البحث موضوع الاختصاص القضائي في حال نشأة منازعات متعلقة بشركات تملكها الدولة أو بالمرافق التي تمت خصخصتها، ومدى اختصاص القضاء الإداري أو العام بهذه المنازعات، خصوصاً أن هذه المرافق لا تنتفي عنها جميع صفات المرفق العام من حيث تبعيتها للدولة وغرض تحقيق النفع العام. وللتوصل لمسألة تحديد الاختصاص بهذه المنازعات سيتم تقسيم الفصل لمبحثين متتاليين كما يلي:
المبحث الأول: طبيعة منازعات المرافق العامة الاقتصادية مقارنة بالمنازعات الإدارية
المبحث الثاني: تحديد الاختصاص بمنازعات شركات الدولة وعقود الخصخصة في النظام السعودي
طبيعة منازعات المرافق العامة الاقتصادية مقارنة بالمنازعات الإدارية
تمهيد وتقسيم
يتطلب تصنيف طبيعة منازعات المرافق الاقتصادية ودخولها ضمن المنازعات الإدارية، أن يتم التقصي أولاً في ماهية المنازعات الإدارية حتى يتم التوصل لتعيين اختصاص القضاء الإداري بمنازعات شركات الدولة أو المرافق الاقتصادية. ومن أجل ذلك، سيتم بحث المعايير التي تحدد اختصاص المحاكم الإدارية بالمنازعات. وسيتم تقسيم المبحث الأول إلى مطلبين:
المطلب الأول: القواعد والمعايير التي تميز المنازعات الإدارية
المطلب الثاني: استثناء دعاوى المرافق الاقتصادية من المنازعات الإدارية
المطلب الأول: القواعد والمعايير التي تميز المنازعات الإدارية
اختلف المشرعين في تحديد قواعد لتوزيع الاختصاص بين القضاء العادي والإداري حيث لم يتم التوصل لمعيار موحد يمكن الاستناد عليه، ومن ذلك موقف المشرع الفرنسي الذي اتسم بالغموض رغم أن أغلب المعايير هي من وضع قضائه. وفي شأن توزيع الاختصاص في الأنظمة القضائية المختلفة، قد يتخذ المشرع موقفاً سلبياً بعدم تحديد أي قواعد تاركا هذه المهمة للفقه والقضاء، وقد يكتفي المشرع بتحديد اختصاص احدى الجهتين دون الأخرى، أي ان تكون الجهة الأولى ذات اختصاص محدود بينما تكون الثانية ذات الولاية العامة او الاختصاص الشامل.[69]ومن ذلك موقف المنظم السعودي الذي قرر المنازعات التي تختص بها المحاكم الإدارية، والتي كانت محددة على سبيل الحصر في النظام السابق حتى تحديث المنظم السعودي لنظام ديون المظالم الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/٧٨) بتاريخ ١٩/٩/١٤٢٨هـ، حيث أصبح الديوان هو صاحب الولاية العامة والاختصاص الأصيل بنظر جميع المنازعات الإدارية، وذلك بعد أن كان القضاء العام هو صاحب الولاية العامة فيما يخرج عن اختصاصات الديوان. ومستند ذلك المادة ١٣ من النظام التي عينت الدعاوى التي تختص بها المحاكم الإدارية، ومنها: دعاوى التعويض عن قرارات وأعمال الإدارة، دعاوى إلغاء القرارات الإدارية، الدعاوى التأديبية، الدعاوى المتعلقة بالعقود التي تكون جهة الإدارة طرفاً فيها وغيرها. وكانت أبرز التغييرات في الفقرة “و” من ذات المادة التي حددت اختصاص المحاكم الإدارية بنظر (المنازعات الإدارية الأخرى) أي سائر المنازعات الإدارية الأخرى التي لم تعينها المادة، مما يثير مسألة بحث الاختصاص بشأن تحديد معايير للمنازعات الإدارية. [70]
وللتوصل لتعيين المنازعات التي تختص بها المحاكم الإدارية والمتعلقة بأشخاص القانون العام أو الحالات الاستثنائية التي ينظر بها القضاء الإداري لمنازعات أشخاص القانون الخاص، فيستلزم ذلك أولاً بحث القواعد أو المعايير التي تميز المنازعات الإدارية عن غيرها، وتبعاً لذلك تحديد المحكمة المختصة والأنظمة المختصة، وهو ما سيتم تناوله في هذا المطلب. بحيث سيتم عرض أبرز المعايير القضائية المختلفة التي تم الاستناد عليها سابقاَ لتحديد اختصاص القضاء الإداري بالمنازعات، مع ذكر أبرز انتقاداتها ومميزاتها ثم عرض المعيار الراجح بينها، وذلك فيما يلي:
١-المعيار الشكلي:
وهي من أوائل المعايير التي تم العمل بها لتحديد الاختصاص القضائي، ويقصد بالمعيار الشكلي أن العبرة في تحديد الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية هي أن يكون أحد أطراف الدعوى هي الإدارة سواء كانت مدعية أم مدعى عليها ومثال ذلك الدولة، الولاية، البلدية، المؤسسة العمومية وذلك بغض النظر عن طبيعة النشاط. وهو معيار يتميز بسهولة تحديد المتقاضي العادي لمجال اختصاص القاضي الإداري. [71]
ويأخذ ديوان المظالم بالمعيار الشكلي حيث قضى في القرار رقم (٢٨ / ٨٦ ) في القضية رقم ٤٢٩/١/ق لسنة ١٤٠١هـ بأن:” من المعلوم أن ديوان المظالم بحسب مقتضى نظامه الأساسي ، وعلى ما اسـتقر عليـه قضاؤه واطرد، هو جهة القضاء الإداري المختصة بالنظر والفصل في كافة المنازعـات الإدارية، طالما لم يوجد نص خاص في نظام معين يسند ولاية القضاء في بعض من تلك المنازعات إلى جهة أخرى، والمنازعات الإدارية هي تلك التي تكون احـدى جهـات الإدارة طرفا فيها، ويدخل في ذلك بطبيعة الحال المنازعات المتعلقة بالطعن في القرارات الإدارية التي تصدرها جهات الإدارة المختلفة في تسييرها للمرافق العامة الـتي تقـوم عليها، على هذا المقتضى يتحدد اختصاص الديوان بنظر هذا النوع من المنازعات دون غيرها، من المنازعات التي لا يصدق عليها وصف المنازعة الإدارية، بالنظر إلى أطراف الخصومة فيها، أو موضوع القرار محل المنازعة”.[72]وعلى ذلك، يتحدد الاختصاص بناء على وجود جهة إدارية ضمن أطراف الدعوى، وفي حال كانت الجهة ليست إدارية، فيعتد بطبيعة المنازعة أي تعلقها بتسيير مرفق عام أو عمل أو قرار إداري، مالم يوجد نص نظامي يحدد جهة قضائية أخرى مختصة بالنزاعات الإدارية، وهو ما يطرح وجود استثناءات على اختصاص الديوان بجميع المنازعات الإدارية.
٢- معيار السلطة العامة:
بعد أن كان اختصاص القضاء الإداري متوسعاً في شموله لجميع النزاعات التي تكون الإدارة طرفاً فيه، أتى معيار السلطة العامة في القرن التاسع عشر، والذي فرق بين نوعين من الأعمال التي تقوم بها الإدارة: أعمال السلطة العامة وأعمال الإدارة العادية. وتتمثل أعمال السلطة العامة باعتبارها سلطة آمرة وتصدر هذه الأعمال بصورة أوامر ونواهي تصدرها الإدارة، وتتجلى مظاهر السلطة العامة في هذه الطائفة من الأعمال كإجراءات الضبط الإداري والأنظمة والقرارات الإدارية التي يختص بها القضاء الإداري. أما أعمال الإدارة العادية فهي الأعمال التي لا تصدر عن الإدارة بوصفها سلطة عامة ولا تصدر عن ارادتها المنفردة – وهي العقود – وهي شبيهة بالأعمال او التصرفات التي يقوم بها الافراد، ومن ثم فإنها تخضع لقواعد القانون الخاص ويختص بنظرها القضاء العادي. [73]
ويقضي هذا المعيار بقصر اختصاص القضاء الإداري على المنازعات المتعلقة بأعمال الإدارة كسلطة عامة، في حين يختص القضاء العام بالمنازعات الناجمة عن أعمال الإدارة العادية. وقد عدلت عدد من الأنظمة القضائية من الأخذ بهذا المعيار نظراً لصعوبة تطبيقه حيث يصعب التمييز بين النوعين من الأعمال الإدارية، حيث قد يتداخلان ويختلطان في عمل واحد، كما يؤدي الأخذ بمعيار السلطة العامة إلى تضييق اختصاص القضاء الإداري، لأن الحياة الإدارية تقتضي في كثير من الأحيان استخدام وسائل الإدارة العامة.[74]
٣- معيار المرفق العام:
ويقتضي هذا المعيار أن يختص القضاء الإداري في نظر المنازعات الناشئة عن أعمال الإدارة التي تحقق النفع العام، أي الأعمال المتعلقة بتسيير المرافق العامة كالعقود الإدارية، وسواء كانت هذه الأعمال ناتجة عن ممارسة أعمال الإدارة العادية أو أعمال السلطة العامة، وسواء تولت الإدارة تسيير وتنظيم المرفق أو تعهدت بذلك لإحدى الجهات، لكن يشترط احتفاظها بدور الإشراف والرقابة. لكن هناك استثناءات ترد على نظرية المرفق العام، حيث يختص القضاء العادي بالمنازعات الناشئة عن أعمال إدارة الدولة لأموالها الخاصة كتأجير المدارس، ويختص كذلك بالأعمال التي تمارسها الإدارة باستعمال قواعد القانون الخاص متخلية بذلك عن وسائل القانون العام.
وعلى الرغم من نجاح نظرية المرفق العام وتمسك بعض الأنظمة القضائية بها، فقد تراجعت لعدم مواكبتها التطورات في القانون الإداري مع زيادة مشاركة الدولة في العديد من الأنشطة التي كانت مقتصرة على الأفراد والشركات والتي تحكمها قواعد القانون الخاص، ومن نتائج هذا التطور التنوع الحاصل في المرافق العامة من المرافق الاقتصادية، والصناعية، والاجتماعية، والمهنية، كذلك لا تتوافق نظرية المرفق العام مع ظهور المرافق التي تدار من أشخاص القانون الخاص وتحقق النفع العام في ذات الوقت، حيث بتطبيقها ستخرج هذه المرافق من اختصاص القضاء الإداري ورقابته.
ونجم عن هذا التطور في المرافق العامة اعتبارين: الأول قانوني يتمثل في اخراج بعض المنازعات المتعلقة بالمرافق العامة التي تستعمل الإدارة لتسييرها وسائل القانون الخاص، والاعتبار الثاني عملي يتمثل في الزيادة الكبيرة في عدد القضايا المعروضة على القضاء الإداري نتيجة للأخذ بهذا المعيار مما اضطر مجلس الدولة الى ان يترك للقضاء العادي جانبا من المنازعات المتعلقة بالمرافق العامة. وبذلك أصبح تعلق النزاع بمرفق عام شرطا ضروريا لانعقاد الاختصاص لجهة القضاء الإداري، ولكنه لم يعد شرطا كافيا لترتيب هذه النتيجة. [75]
٤- المعيار المختلط (معيار المرفق العام والسلطة العامة):
بعد تعرض المعايير السابقة للانتقادات وخصوصا معيار المرفق العام، رغم أنه لازال يعتبر أساس تطبيق القانون الإداري ومعيار اختصاص للقضاء الإداري، لكنه لم يعد كافيا نظرا لتطور المرافق العامة وظهور المرافق الصناعية والاقتصادية، فكان لابد من تدعيمه بمعيار آخر، لذلك اقترح الفقه معيار مختلط يجمع بين معيار المرفق العام واستخدام وسائل السلطة العامة أو القانون العام. والجدير بالذكر أنه قد أعطى بعض الفقهاء الأولوية للمرفق العام يليها استخدام وسائل القانون العام، وعارض ذلك اتجاه آخر أولى فكرة السلطة العامة على فكرة المرفق العام. ويعتبر المعيار المختلط هو الرأي الراجح لدى الفقه الفرنسي والمصري وكذلك لدى القضاء الفرنسي.[76]
إذاً إن أساس القانون الإداري لا يرجع لمعيار واحد من المعايير السابقة، إنما يجب الجمع بين المعايرين المرفق العام والسلطة العامة، وعلى ذلك حتى يكون العمل إدارياً ويختص به القضاء الإداري، فيجب توفر ركنين وهما: تعلق العمل أو النشاط بالمرفق العام (معيار المرفق العام) وثانياً: أن تستعمل الإدارة في هذا النشاط امتيازات ووسائل القانون العام وهي وسائل غير مألوفة في القانون الخاص (معيار السلطة العامة).
وبناء على ما سبق، يمكن التوصل لتعريف خاص بالمنازعة الإدارية وهي تلك التي يكون أحد أطرافها مرفقاً عاماً استخدم في نشاطه امتيازات السلطة العامة.[77]ولكي يكون عمل الإدارة إدارياً بالمعنى الدقيق، وخاضعاً بهذه الصفة للقانون الإداري ولاختصاص القضاء الإداري يتعين أن تقوم الإدارة بعمل – قرارً كان أم عقداً أم عملاً إدارياً – في نطاق نشاط له طابع المرفق العام، وأن تستخدم امتيازات أو وسائل وسلطات استثنائية وغير مألوفة في القانون الخاص. [78]
المطلب الثاني: استثناء دعاوى المرافق الاقتصادية من المنازعات الإدارية
بناء على نظرية المرفق العام التي سبق عرضها، يتبين إن أساس القانون الإداري واختصاص القضاء الإداري، إنما يتعلق بكل نشاط تديره الدولة أو تهيمن على إدارته ويستهدف تحقيق المصلحة العامة. والمرفق العام بهذا المعنى هو النشاط الذي تتولاه الدولة أو الأشخاص العامة الأخرى مباشرة أو تعهد به إلى جهة أخرى تحت إشرافها ومراقبتها وتوجيهها وذلك لتحقيق المنفعة العامة. وعلى هذه النظرية ينعقد الاختصاص للقضاء الإداري في نظر دعاوى المؤسسات العامة، ما دامت تستهدف في أعمالها تحقيق النفع العام. لكن تطورت نظرية المرفق العام بظهور المرافق العامة الاقتصادية. فوضع الفقهاء الاستثناءات لنظرية المرفق العام، حيث يستثنى إدارة الدولة أو الأشخاص التابعة لها لأموالها الخاصة فلا تكون في نكون في هذه الحالة أمام مرفق عام، أما الاستثناء الأخر فيتعلق باستعمال قواعد القانون الخاص في إدارة نشاط اقتصادي من أنشطتها، وفي هذه الحالات تطبق قواعد القانون الخاص دون العام ويختص القضاء العام بنظر المنازعات الناشئة عنها. وتجدر الملاحظة إلى أنه قد يضع المشرع بعض الاستثناءات على بعض أنواع الدعاوى في توزيعه للاختصاص القضائي، وذلك بغض النظر عن طبيعة الدعوى، سواء نشئت عن نشاط مرفق عام أو عن قرار ذو طبيعة إدارية أو غير ذلك، ومنه ما نص عليه تعميم المجلس الأعلى للقضاء رقم (١٥٤٣٢) لعام ١٤٤٢هـ، بخصوص الدعاوى المرفوعة على الهيئة السعودية للملكية الفكرية والذي انتهى إلى خضوع جميع المنازعات الناشئة عن تطبيق أنظمة الملكية الفكرية للمحاكم التجارية، بما في ذلك النزاعات المتعلقة بالقرارات الإدارية.
تحديد الاختصاص بمنازعات شركات الدولة وعقود الخصخصة في النظام السعودي
تمهيد وتقسيم:
سيتناول هذ المبحث الاختصاص النظامي والقضائي بالمنازعات التي تكون شركات الدولة طرفاً فيها، كذلك الاختصاص بالمنازعات المتعلقة بعقود تخصيص المرافق العامة أو عقود الشراكة مع القطاع الخاص في النظام السعودي. ويعني الباحث بالاختصاص النظامي أي النظام المنطبق على هذه المنازعات والاختصاص القضائي هو المحكمة المختصة بنظر الدعاوى المتعلقة بهذه المنازعات. وسيتم تقسيم المبحث ضمن مطلبين:
المطلب الأول: الأنظمة والقضاء المختص بالمنازعات الناشئة عن عقود الخصخصة في المملكة
المطلب الثاني: الاختصاص النظامي والقضائي بمنازعات الشركات المملوكة للدولة
المطلب الأول: الأنظمة والقضاء المختص بالمنازعات الناشئة عن عقود الخصخصة في المملكة
تخضع عملية تخصيص المرافق العامة في المملكة وعقود الشراكة مع القطاع الخاص لنظام التخصيص والذي لم يعين المحكمة المختصة في حال نشوء النزاعات المتعلقة بهذه العقود، لكنه نص في الفقرة الأولى من المادة الرابعة والثلاثون “يخضع العقد وأي عقد تابع له لأحكام النظام ولأحكام الأنظمة الأخرى في المملكة -فيما لا يتعارض مع أحكام النظام- بما في ذلك ما يتعلق بفض المنازعات”. ويعني ذلك أن تحديد الاختصاص النظامي والقضائي بالنزاعات المتعلقة بعقود الشراكة مع القطاع الخاص يكون وفق ما جاءت به الأنظمة المختصة في المملكة وبناء على قواعد تحديد الاختصاص التي قررها المشرع، بشرط عدم مخالفة أحكام نظام التخصيص، وعدم النص على شرط التحكيم في العقد، والذي يكون تضمينه جوازي في عقود الشراكة مع القطاع الخاص لكن بعد موافقة الجهات المختصة. واشترط النظام في شرط التحكيم الوارد في عقود الشراكة مع القطاع الخاص أن يتضمن تحديد القانون الواجب التطبيق على النزاع.
وبناء على ذلك، يتبين أن الجهة المختصة بنظر الدعاوى الناشئة عن عقود الشراكة مع القطاع الخاص هي ديوان المظالم وذلك لعدة مبررات، المبرر الأول أن هذه العقود تتضمن نقل أصول المرفق العام الثابتة أو المنقولة للقطاع الخاص، حيث تعتبر من الأموال العامة التي يختص القضاء الإداري بالرقابة عليها. والمبرر الثاني أن عملية نقل الأصول من المرافق والمؤسسات العامة تستلزم إنشاء شركات مشاريع الخصخصة التي أوجب نظام التخصيص إنشائها على المتعاقد مع الدولة، وستنتقل لهذه الشركات ملكية أصول المؤسسات العامة والمرافق المستهدفة بالتخصيص، ونظراً للتداخل في طبيعة هذه المشاريع ما بين الطابع الاقتصادي والإداري، فإن الأجدر أن يعود النظر في منازعاتها للقضاء الإداري، التي كانت تجمع دوائره في وقت سابق بين اختصاص نظر الدعاوى التجارية والدعاوى الإدارية. أما المبرر الثالث فإنه تندرج تحت عقود الخصخصة عقود أخرى تتميز بقيمتها الضخمة وطول مدة العقود التي قد تصل إلى ثلاثين سنة،[79] كعقود الإنشاءات العامة والتشغيل والتصميم التي قد ترد على البنية التحتية، وهي مشابهة في طبيعتها للعقود التي تبرمها الدولة والتي تخضع لاختصاص القضاء الإداري والأنظمة الإدارية.
وقد قرر نظام التخصيص إنشاء لجنة تنفيذية يكون اختصاصها النظر في التظلمات ضد إجراءات طرح مشاريع التخصيص والترسية، وتكون قرارتها ملزمة للجهات التنفيذية، بحيث يتمثل دورها في الرقابة على تنفيذ أحكام نظام التخصيص فيما يتعلق بإجراءات طرح مشاريع الترسية، فيكون لها تصحيحها أو إلغائها في حال حدوث المخالفات. وتكون قرارات اللجنة التنفيذية قابلة للطعن أمام المحكمة المختصة التي لم يحددها النظام. لكن يمكن الاستنتاج أن المحاكم الإدارية ستكون المختصة بنظر الطعون المقدمة على قرارات اللجنة التنفيذية لاعتبار قراراتها ذات طبيعة إدارية، ويشابه عمل اللجنة عمل اللجان شبه القضائية التي يمكن الاعتراض على قراراتها أمام ديوان المظالم بموجب المادة (١٣) من نظام ديوان المظالم، ومن هذه اللجان اللجنة الخاصة بالمنازعات المتعلقة ببراءات الاختراع.
وقد يختلف تحديد الاختصاص النظامي أو القضائي بحسب طبيعة المنازعة الناشئة عن عقود الخصخصة، ومن ذلك استثناء المنازعات الناشئة بين الطرف الخاص والغير بخصوص مشاريع التخصيص من أحكام نظام التخصيص.[80] أما المنازعات المتعلقة بحقوق الموظفين في المرافق التي تمت خصخصتها ونقل ملكية أصولها لشركات مشاريع الخصخصة، فيرى الباحث أنه يمكن تعيين الاختصاص النظامي والقضائي للموظفين العموميين الذين ستخضع مرافقهم للخصخصة حيث ستلغي صفة العمومية ويتحول الاختصاص النظامي من نظام الخدمة المدنية إلى نظام العمل، ويتحول الاختصاص القضائي من ديوان المظالم إلى المحاكم العمالية. ويعني ذلك عدم اعتبار الموظف الذي يعمل في المرفق بعد خصخصته موظفاً عاماً، وقد عرف نظام الانضباط الوظيفي الموظف بأنه كل من يعمل لدى الدولة أو لدى أحد الأجهزة ذات الشخصية المعنوية العامة، وهو ما لا ينطبق على المرفق الذي يدار عن طريق شركات الخصخصة والتي يتبعها الموظفون المحولون من الأجهزة والمؤسسات العامة. ولكن يشترط لعملية التحول صدور قرار من مجلس الوزراء يتعلق بتحديد المرافق التي سيتم نقل أصولها ويحدد الموظفين والعاملين المشمولين بآلية التحول من القطاع العام إلى القطاع الخاص ويقرر قواعد هذا التحول، وفي ذلك صدرت القواعد والترتيبات الخاصة بكيفية معاملة الموظفين والعمال في القطاعات المستهدفة بالتحول والتخصيص وفق قرار مجلس الوزراء رقم ٦١٦ وبتاريخ ٢٠/١٠/١٤٤٢هـ، والتي تنظم تحول العديد من الموظفين من القطاع العام إلى الخاص في المرافق التي عينها مجلس الوزراء. ومن أمثلة المرافق العامة التي أصدر مجلس الوزراء قرارته بالموافقة على عملية تغيير وضع موظفيها الوظيفي، ضمن عملية التحول من القطاع العام إلى الخاص أو الاقتصار على التحول من نظام الخدمة المدنية إلى نظام العمل، ما يلي:
١-تحويل المركز الوطني للمناهج التابع لوزارة التعليم إلى مركز مستقل وهو المركز الوطني للمناهج، بمقتضى قرار مجلس الوزراء رقم ٦٣١ لعام ١٤٤٥هـ، وسيتم نقل موظفين المركز التابعين لوزارة التعليم إلى المركز الوطني للمناهج ومعاملتهم وفق القواعد والترتيبات الخاصة بكيفية معاملة الموظفين والعمال في القطاعات المستهدفة بالتخصيص.
٢-قرار مجلس الوزراء رقم ٧٢٢ لعام ١٤٤٢هـ والمتعلق بتعديل تنظيم هيئة الهلال الأحمر السعودي، حيث تم تعديل المادة السابعة عشرة ليخضع منسوبي الهيئة لأحكام نظام العمل ونظام التأمينات الاجتماعية.
٣-قرار مجلس الوزراء رقم ٦٦١ لعام ١٤٤٦ هـ، التحول والتخصيص الساري على موظفي مكتبة الملك عبد العزيز في المدينة المنورة والمستهدف نقلهم إلى مجمع الملك عبد العزيز للمكتبات الوقفية.
أما ما يتعلق بطبيعة المنازعات الناشئة عن نشاط المرافق بعد خصخصتها فلم يحدد المشرع السعودي الاختصاص النظامي والقضائي رغم أهمية الموضوع البالغة وقد يعود السبب لعدم اكتمال مشاريع خصخصة القطاعات والمرافق الحيوية كقطاع التعليم والصحة وغيرها من القطاعات.[81] ويمكن القول أنه قد يتم استحداث العديد من التغييرات في المرحلة القادمة للتنظيم القضائي الحالي من خلال استحداث لجان قضائية أو إصدار قرارات توضح توزيع الاختصاص بين الجهات القضائية، حيث ستتطلب بعض النزاعات التغيير في توزيع الاختصاصات في النظام القضائي الحالي والمبنية على البنية المؤسسية السابقة أي ما قبل خصخصة القطاعات العامة. ومن هذه المنازعات التي تتطلب تحديد اختصاصها، الدعاوى الناتجة عن خصخصة القطاع الصحي بتقديم الخدمات الطبية عن طريق شركات التجمع الصحي، حيث ستشتري الدولة من هذه الشركات التأمين لكل مواطن، مما يثير التساؤل عن المحكمة والنظام المختص حال نشوء دعاوى التأمين الطبية المقدمة للمواطنين. وحتى صدور آلية التأمين على المواطنين من مركز التأمين الصحي فإن المجال لا يخلو من التوقعات ولعل أكثرها احتمالاً إنشاء لجان التأمين الطبية التي تختص بدعاوى خدمات التأمين الطبي بعد اكتمال التحول في قطاع الصحة، أما مسألة الاختصاص بدعاوى الأخطاء الطبية فتبقى على الاختصاص الحالي والمنعقد لدوائر الأخطاء المهنية الصحية بالمحاكم العامة.
المطلب الثاني: الاختصاص النظامي والقضائي بمنازعات الشركات المملوكة للدولة
اختلفت الآراء الفقهية والقضائية بشأن الاختصاص القضائي لدعاوى شركات الدولة، حيث أسست الدولة وساهمت في العديد من الشركات التي تأخذ الشكل النظامي للشركات الخاصة وتحمل الصفة التجارية، فلها سجل تجاري وعقد تأسيس مثل شركات القطاع الخاص، كما وتتخذ شركات الدولة الأشكال النظامية للشركات التجارية والمنصوص عليها في نظام الشركات السعودي كشكل الشركات المساهمة والقابضة والشركات الغير ربحية وغيرها كشركة تطوير التعليم القابضة، وشركة السودة للتطوير المساهمة. وتساهم الدولة في رؤوس هذه الأموال بنسبة مختلفة، فقد تكون مساهم مهيمن يملك غالب رأس مال الشركة أو مساهم عادي يملك أقل من ٢٥٪ من رأس مال الشركة، وبجانب ذلك هناك الشركات التي تملكها الدولة بشكل كامل أي بنسبة ١٠٠٪، ومن شركات الدولة من تكون مدرجة في سوق المال السعودي وكذلك غير المدرجة.
وقد ذهبت آراء المختصين في تحديد الاختصاص القضائي بشأن نزاعات شركات الدولة إلى ثلاث اتجاهات فالاتجاه الأول ذهب إلى اختصاص المحاكم التجارية بنظر جميع الدعاوى التي تكون شركات الدولة طرفاً فيها بغض النظر عن موضوعها سواء كانت متعلقة بالعقود التجارية أو الخدمات المقدمة، وذلك باعتبار أن الدعوى مقامة ضد شخص معنوي يحمل الصفة التجارية. أما الاتجاه الثاني فقذ ذهب إلى الاعتبار بملكية الدولة للشركة كمرفق عام يقوم بتقديم خدمات للأفراد ويشبع حاجاتهم، وفي ذلك تكون مماثلة في طبيعتها للجهات العامة كالوزارات ومؤسسات الدولة وتأخذ صفاتها، مما يجعلها تخضع لولاية القضاء الإداري. أما الاتجاه الثالث فيجمع بين الاتجاهين السابقين بنظره لطبيعة النزاع القائم فإن كان مرتبطاً بأعمال الشركة الحكومية ذات الطبيعة التجارية كعقود المقاولات والتوريد والتشغيل فإن المختص بذلك القضاء التجاري في نظر الدعاوى المقدمة ضدها. وأما إن كان النزاع مرتبطاً بتقديم خدمات للمواطنين كتعلقه بفواتير استهلاك المياه المقدمة للمواطنين، فإن هذا النزاع يغلب عليه الطابع الإداري حسب الغرض الذي أنشأت من أجله الشركة وفقاً لنظامها الأساسي، مما يجعل نظر هذه المنازعات أمام القضاء الإداري.[82]
وقد ذهب القضاء في المملكة بعدم اختصاص القضاء الإداري بدعاوى الشركات المملوكة للدولة كونها ليست من المؤسسات العامة، ومن ذلك حكم المحكمة التجارية في القضية رقم ٤٤٧٠٥٢٩٠٣٣ لعام ١٤٤٤هـ، حيث تتلخص وقائع الدعوى في رفع المدعية دعوى ضد شركة المياه الوطنية مطالبة بالمبالغ المتبقية عن عقد التشغيل المبرم بين الطرفين. وفي مقابل ذلك، دفع ممثل شركة المياه الوطنية بعدم اختصاص المحكمة التجارية بسبب ملكية الدولة للشركة واعتبار أموالها من الأموال العامة التي تخضع لرقابة ديوان المحاسبة، كذلك فإن طبيعة عملها ترتبط بإدارة مرفق عام حيث تقدم خدمات توصيل المياه للمستفيدين، كما أن العقد المبرم هو عقد إداري يتثمل في عقد التشغيل والصيانة الخاضع لنظام المنافسات والمشتريات الحكومية، وعلى ذلك يختص ديوان المظالم في نظر الدعوى. وحكمت المحكمة على شركة المياه الوطنية برد المبالغ المتبقية للمدعية، وجاء في تسبيب الحكم:” ذلك لأن دفع المدعى عليها لا يتفق مع أحكام النظام وما استقر عليه القضاء، ذلك أن الديوان بهيئة قضائه الإداري إنما يختص بالنظر في المنازعات التي تكون الحكومة أو أحد مؤسساتها العامة طرفًا فيها، ومن المعلوم أن الشركات المملوكة للدولة لا تدخل ضمن المؤسسات العامة التي تصدر ميزانيتها مع ميزانية الدولة ومرتبطة بها، كمؤسسة سكة الحديد ومؤسسة الموانئ وغيرها الكثير، أما الشركات المملوكة للدولة بالكامل أو بعضها، كشركة أرامكو، وشركة سابك، فإنها لا تعد مؤسسات عامة، ولا ترتبط ميزانيتها بميزانية الدولة، ولا يعد موظفوها من موظفي الدولة، ولا يخضعون لنظام التقاعد، ولذلك فإن المحاكم الإدارية لا تنظر الدعاوى ضد تلك الشركات، كما لا تنظر في الدعاوى المقامة من موظفيها ضدها ما لم يوجد نص خاص، ومثلها شركة المياه الوطنية فهي شركة تجارية تخضع للقضاء التجاري ولا سيما وأنها قد أبرمت عقدًا تجاريًا تنطبق عليه المادة (١٦) من نظام المحاكم التجارية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/٩٣) وتاريخ ١٥/٨/١٤٤١هـ، وعليه فإن الدائرة تنتهي إلى الحكم الوراد بمنطوقه وبه تقضي.”
وكذلك قضى ديوان المظالم في حكمه رقم ٧٤١-١-١٤٣٤ بتاريخ ١٥/٢/١٤٣٦هـ والمؤيد من محكمة الاستئناف، بعدم اختصاص الديوان بالقضية المرفوعة من المدعي على شركة الكهرباء، وجاء في تسبيب الحكم” ولما كان المدعي قد أقام دعواه في مواجهة الشركة السعودية للكهرباء، ولما كان النظر في هذه الدعوى محكوماً بقواعد الاختصاص التي تمنع الدائرة من مباشرة موضوع النزاع القائم أمامها، لكون في مواجهة جهة غير إدارية، وحيث إن المحاكم الإدارية بديوان المظالم تستمد ولايتها من نظام ديوان المظالم الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/٧٨) وتاريخ ١٩/٩/١٤٢٨ه، والذي نص على أن ديوان المظالم هيئة قضاء إداري، وشركة الكهرباء ليست من جهات الإدارة، حيث نصت المادة الأولى من النظام الأساسي للشركة السعودية للكهرباء الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/١٦) وتاريخ ٦/٩/١٤٢٠ه على أن (تؤسس طبقاً لأحكام نظام الشركات الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/٦) وتاريخ ٢٢/٣/١٣٨٥ه وتعديلاته طبقاً لأحكام هذا النظام الأساسي، شركة مساهمة سعودية تسمى الشركة السعودية للكهرباء)، الأمر الذي تنتهي معه الدائرة إلى عدم اختصاص محاكم ديوان المظالم ولائياً بنظر هذه الدعوى.” وبناء على ذلك، لا تعتبر شركات الدولة في المملكة من المؤسسات العامة لكنها تعتبر من المرافق ذات الطبيعة الاقتصادية.
ومما يؤكد أن شركات الدولة تتبع في طبيعتها القانونية للمرافق العامة ذات النشاط الاقتصادي، رقابة ديوان المحاسبة، وكذلك التمييز بينها وبين الشركات الخاصة في بعض الأحكام. ومن ذلك استثناء المؤسسات العامة وشركات الدولة من قيد منع الممارسات الاحتكارية في نظام المنافسة والذي يسري على الشركات الأخرى. ويشترط لإعمال الاستثناء أن تكون هذه الشركات المملوكة للدولة والمؤسسات العامة مخولة وحدها بتقديم السلع أو الخدمات في مجال معين. ويهدف هذا الإعفاء إلى تحقيق النفع العام خصوصاً الشركات التي تقدم خدمات متعلقة بالأمن القومي كالكهرباء والماء والبترول، وقد تكون من مبررات هذا الإعفاء تحسين أداء الأسواق.[83]
كذلك اشتراط أخذ موافقة الجهات المختصة في حال إعمال شرط التحكيم في العقود التي تبرمها شركات الدولة مع المستثمر الأجنبي وأن يكون التحكيم داخل أحد مراكز التحكيم المتخصصة في المملكة كالمركز السعودي للتحكيم التجاري، وفقاً لتعميم وزارة العدل رقم ١٣/ت/٧٦٧٥ بتاريخ ٢٨/٥/١٤٤٠هـ.. وهذه الشروط لا تتقيد بها أشخاص القانون الخاص في حال رغبتها بتسوية النزاعات عن طريق التحكيم، فيعود لإرادتها المنفردة الاتفاق على التحكيم في عقودها ونزاعاتها دون أخذ موافقة الجهات العامة والاختيار بين أنواع التحكيم سواء المحلي أو الدولي، وكذلك لها اللجوء للتحكيم المؤسسي عن طريق مراكز التحكيم أو للتحكيم الحر باختيار المحكمين أو هيئة التحكيم.
ويرى الباحث بعد استعراض القرارات والتعاميم والسوابق القضائية المتعلقة بشركات الدولة، خضوع شركات الدولة في عملها لأحكام الأنظمة التجارية مالم يرد نص نظامي مقيد، حيث يسري عليها اشتراط شكل الشركة التجارية من وجود عقد التأسيس والسجل التجاري، خصوصاً في حال كانت من الشركات المدرجة في سوق المال أو التي تملك الدولة جزء من رأس أموالها بمعنى شراكة الدولة مع القطاع الخاص في ملكية الحصص. لكن قد يميز المشرع في معاملته بين شركات الدولة بحسب نسب تملك الدولة لها، ومن ذلك خضوع شركات الدولة لأحكام جباية الزكاة بشرط وجود سجل تجاري وإمكانية إسناد العمل للقطاع الخاص، لكن أعفيت من ذلك الشركات التي تملكها الدولة بالكامل، وذلك بمقتضى القرار الوزاري رقم ٥٧٧٣٢ لعام ١٤٤٣هـ. ويشترط لإعمال الإعفاء من جباية الزكاة على الشركات المملوكة للدولة بالكامل تحقق أي من الضوابط الآتية:
١-أن تكون ميزانية الشركة ممولة من خزينة الدولة
٢- طبيعة عمل الشركة تقديم الخدمات ودعم الجهات الحكومية الأخرى.
٣- أن يكون معظم عملائها من الجهات الحكومية.
٤- ألا يكون غرض الشركة تحقيق ربح تجاري.
٥- ألا تزيد مبيعاتها للقطاع الخاص عن ١٠٪ من إجمال المبيعات.
٦-أن تكون جميع استثمارات الشركة خارج المملكة.
وبذلك يمكن رؤية تفرقة المشرع بين الشركات التي تساهم بها الدولة بناء على طبيعة نشاطها وعملها وتمويلها، فلا تقدم الدولة التسهيلات للشركات التي تساهم بها إن كانت قادرة على التمويل الذاتي بحيث تكون أغلب إيراداتها من ممارسة أنشطتها التجارية ويكون هدف هذه الشركات تستهدف الربح. أما شركات الدولة التي لا تهدف للربح فليست قادرة على التمويل الذاتي، بل على التمويل الحكومي، فطبيعة نشاطها لا يغلبه الطابع التجاري فهدفها تقديم الدعم والخدمات للجهات الأخرى.
الحمدالله الذي تتم بنعمته الصالحات، تمت هذه الدراسة بغرض التوصل لمعايير يمكن الاستناد عليها في تعيين الأنظمة المختصة والاختصاص القضائي لمنازعات الشركات التي تملكها الدولة، وكذلك منازعات خصخصة المرافق العامة بما فيها شركات مشاريع الخصخصة. وذلك بناء على الأهمية البالغة لبحث هذا الموضوع والتي تنبع من حقيقة أن خصخصة القطاع العام وإشراك القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية من أهم أهداف رؤية السعودية 2030، وأن مواكبة النظام القضائي لهذه التغييرات التنظيمية سيساهم في نجاح عملية التحول وتحقيق هدف الرؤية بزيادة مساهمة القطاع الخاص، مما سيعود أثره الإيجابي على اقتصاد المملكة بحول الله وقوته. وفي الختام سأوجز أبرز نتائج الدراسة وتوصياتها، على أمل أن تكون هذه الدراسة قد نجحت في الوصول لأهدافها، وأن تترك بصمة إيجابية في مجال الأبحاث القانونية في المملكة الناهضة بالوطن.
أولاً/ النتائج:
١-أدى تدخل الدولة في الأنشطة الاقتصادية لظهور المرافق العامة الاقتصادية، ومن ذلك شركات الدولة، والتي تعتبر ذات طبيعة قانونية خاصة، حيث تجمع بين طبيعة النشاط الاقتصادي وإدارة الدولة ورقابتها.
٢-يتمثل خضوع المرافق العامة الاقتصادية لنظام قانوني خاص فهي تخضع للأنظمة والقضاء التجاري في أعمالها وعقودها وإدارتها، لكن في ذات الوقت تخضع لمراقبة ديوان المحاسبة نظراً لاستثمار الدولة في هذه الشركات بالأموال العامة.
٣-عدم اعتبار القضاء في المملكة لشركات الدولة من المؤسسات العامة، وخضوعها للقضاء العام المتمثل في المحاكم التجارية، حيث تأخذ شركات الدولة شكل الشركات التجارية ولها نظام تأسيس وسجل تجاري.
٤-يميز المنظم في بعض الأحكام بين شركات الدولة والشركات الخاصة، كإعفاء شركات الدولة التي تقدم خدمات قومية كالمياه والكهرباء من قيد منع الممارسات الاحتكارية، ذلك لتحقيق المصلحة العامة. كذلك إعفاء الشركات الممولة من قبل الدولة والتي لا تستهدف الربح من أحكام جباية الزكاة وفق الاشتراطات المعينة في القرارات المتعلقة.
٥-تتقيد شركات الدولة في بعض معاملاتها بالمقارنة مع الشركات الخاصة كاشتراط أخذ موافقة الجهات المختصة في إبرام اتفاقيات التحكيم أو إعمال شروط التحكيم في عقودها، كما وتتقيد في اختيارها لمركز تحكيم تجاري مرخص في المملكة.
٦-تهدف الدولة من خصخصة مؤسساتها ومرافقها العامة إلى التفرغ لدور الرقابة والإشراف بينما يعود تسيير وتنظيم المرفق إلى القطاع الخاص.
٧-تتم خصخصة المرافق في المملكة عن طريق أسلوب بيع الدولة لأصولها أو عن طريق إبرام عقود الشراكة مع القطاع الخاص.
٨-تلزم الدولة في خصخصتها بإنشاء شركات مشاريع الخصخصة والتي يتثمل دورها في عملية نقل الأصول إلى الشركة التي تملكها ثم بيع أو نقل هذه الأصول للشركاء في القطاع الخاص.
ثانياً/ التوصيات:
١-إصدار دليل يبين قواعد تحديد الاختصاص في دعاوى الشركات التي تملكها الدولة، وكذلك الدعاوى التي تكون مرافق الخصخصة طرفاً فيها.
٢-تحديث قواعد توزيع الاختصاص بين الجهات القضائية لتشمل حالات رقابة ديوان المظالم على عقود التخصيص وعلى أموال شركات الدولة العامة.
٣-نشر قائمة توضح جميع الشركات التي تساهم بها الدولة وتفصيل نسب التملك وشكل الشركة وأنشطتها وأعمالها وأهدافها، ليساهم في تسهيل تحديد الاختصاص النظامي والقضائي.
٤- استحداث اللجان القضائية المتخصصة في الدعاوى الناشئة عن خصخصة المرافق الحيوية كمرفق الصحة والتعليم، وذلك لانتقال تقديم الخدمات من الوزارات لشركات خاصة، مما يسرع من عملية الفصل في هذه الدعاوى ويحقق الرقابة على عمل وأداء هذه الشركات التي تنظم مرافق تحقق المصلحة والمنفعة العامة.
المؤلفات العامة/
١- جيهان عجيان، ممارسة الحد من حرية المنافسة التجارية بين المنشآت (دراسة تأصيلية تطبيقية في النظام السعودي)، ١٤٤٤هـ.
٢-د.سليمان الطماوي، الوجيز في القانون الإداري دراسة مقارنة، دار الفكر العربي، ١٩٩١م.
٣. – د.عمر الخولي، الوجيز في القانون الإداري السعودي، الطبعة الأولى، ٢٠١٢م.
٤- وسام صبار العاني، القضاء الإداري، مكتبة السنهوري، دار السنهوري القانونية والعلوم السياسية، ٢٠١٥م.
الرسائل العلمية/
١-الطاهر زكري، حماية المرافق العامة من جرائم الفساد، مذكرة لنيل شهادة الماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر بسكرة، ٢٠١٣-٢٠١٤م.
٢-عبد الرحمن حضيض المطيري، الرقابة القضائية على المرافق العامة المخصخصة: دراسة مقارنة تطبيقية في ضوء الفقه والنظام السعوي، رسالة دكتوراة، كلية الحقوق، جامعة الملك عبد العزيز، ٢٠١٩م.
٣-وردة تيهم. معايير تمييز المنازعات الإدارية، مشروع مذكرة مكملة لنيل شهادة الماجستير في الحقوق، قسم الحقوق، جامعة محمد خيضر- سكرة، ٢٠١٤م.
المجلات العلمية /
١- أحمد أغرير، معيار اختصاص المحاكم الإدارية، وتنازع الاختصاص في المملكة العربية السعودية، مجلة كلية الشريعة والقانون بتفهنا الأشراف، جامعة الأزهر، العدد ١٩، المجلد ٣، ٢٠١٧م.
٢- تمارا الحكيم، الخصخصة بين الاقتصاد الوضعي والاقتصاد الإسلامي: حالة السعودية، مجلة البحوث الاجتماعية والاقتصادية الأوراسية، مجلد ١١، العدد الأول، ٢٠٢٤م.
٣- حمود القحطاني، القضاء الإداري ودوره في تحقيق الرقابة القانونية على إدارة الشركات في النظامين السعودي والمصري”دراسة مقارنة”، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، العدد الاول، السنة الخامسة والستون، ٢٠٢٣م.
٤- د.خالد عبدالحفيظ محمد حمد، الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد الكلي في البنيان الاقتصادي، مجلة دراسات اقتصادية، المجلد ٢٢، العدد الأول، ٢٠٢٠م.
٥-رغد حسن، خصوصية الشركات العامة في العراق – دراسة مقارنة، مجلة العلوم القانونية، جامعة بغداد، مجلد ٣٦، العدد ٣، الجزء الثالث، ٢٠٢١م.
٦- رياض دهال، حسن الحاج، حول طرق الخصخصة، الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية، العدد ١٣، ١٩٩٨م.
٧- سليمان الفايزي، محمد مرسي، التنظيم القانوني لخصخصة الهيئات الصحية في النظام السعودي والمقارن، مجلة العلوم القانونية والسياسية، الجمعية العلمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية، المجلد ٤٠، العدد٣، ٢٠٢٤م.
٨- د. عبد الفتاح الشرقاوي، مدى اختصاص القاضي الإداري السعودي بمنازعات أشخاص القانون الخاص: دراسة مقارنة بالنظام المصري والفرنسي، مجلة كلية الشريعة والقانون بطنطا، جامعة الأزهر، العدد ٣٠، الجزء الثاني، ٢٠١٥م.
٩- هيام ناجي، الطبيعة القانونية لقرارات الشركات العامة، مجلة جامعة سرت العلمية- العلوم الانسانية، جامعة سرت – مركز البحوث والاستشارات، المجلد ٧، العدد ٢، ٢٠١٧م.
١٠- د.هيثم عبد الجواد، وسائل تسوية منازعات عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مجلة الشريعة والقانون، كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، العدد ٤٤، ٢٠٢٤م.
أوراق العمل البحثية/
١-د.محمد صالح اليحيى، مسائل في الاختصاص القضائي التجاري، ورقة عمل، ١٤٤٠هـ.
الأنظمة واللوائح/
١-النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي رقم أ/٩٠ بتاريخ ٢٧/٨/١٤١٢ه.
٢-نظام مجلس الوزراء الصادر بالأمر الملكي رقم أ/١٣ لتاريخ ٣/٣/١٤٤ه.
٣-نظام التخصيص الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/٦٣) وتاريخ ٥/٨/١٤٤٢هـ.
٤-تنظيم المركز الوطني للتخصيص الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم (٣٥٥) وتاريخ ٧/٦/١٤٣٨هـ.
٥-القواعد المنظمة للتخصيص الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (١١٤) وتاريخ ١٤ /٢/ ١٤٤٣هـ.
٦- الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/١٣٢) وتاريخ ١/١٢/١٤٤٣ه
٧-اللائحة التنفيذية الصادرة بناء على قرار وزير التجارة رقم (٢٨٤) وتاريخ ٢٣/٦/١٤٤ه.
٨-لائحة رقابة الديوان العام للمحاسبة الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (٣٩٠) وتاريخ ١٨/٤/١٣٩٨ه.
٩- ضوابط طرح وإدراج مشاريع التخصيص في السوق المالية، الصادرة من المركز الوطني للتخصيص بتاريخ ١١/٥/١٤٤٤هـ.
الأحكام القضائية/
١-مجموعة المبادئ الشرعية والنظامية التي قررتها هيئات ولجان ديوان المظالم.
مصادر إلكترونية/
١-موقع شركة الصحة القابضة https://www.health.sa/ar، ٢٨ ذو القعدة ١٤٤٦هـ.
٢- موقع الصندوق السعودي للاستثمار https://www.pif.gov.sa/ar/، ٢٨ ذو القعدة ١٤٤٦هـ.
٣- موقع الشركة السعودية للكهرباء https://www.se.com.sa/en، ٢٨ ذو القعدة ١٤٤٦هـ.
٤- موقع تداول السعودية https://www.saudiexchange.sa، ٢٨ ذو القعدة ١٤٤٦هـ.
٥- موقع شركة الاتصالات السعودية https://www.stc.com/، ٢٨ ذو القعدة ١٤٤٦هـ.
٦- موقع الديوان العام للمحاسبة، https://www.gca.gov.sa/Pages/homePage.aspx ٢٨ ذو القعدة ١٤٤٦هـ.
[1] د.سليمان الطماوي، الوجيز في القانون الإداري دراسة مقارنة، دار الفكر العربي، ١٩٩١م، ص٣٠٥.
[2] د.عمر الخولي، الوجيز في القانون الإداري السعودي، الطبعة الأولى، ٢٠١٢م، ص١٤١.
[3] د.عمر الخولي، مرجع سابق، ص١٤٢.
[4] الطاهر زكري، مرجع سابق، ص١٠.
[5] المرجع السابق، ص١٣.
[6] [6] د.عمر الخولي، مرجع سابق، ص١٤٤.
[7] الطاهر زكري، مرجع سابق، ص١٢.
[8] المرجع السابق، ص١٢.
[9] د.عمر الخولي، مرجع سابق، ص١٤١.
[10] عبد الرحمن حضيض المطيري، الرقابة القضائية على المرافق العامة المخصخصة: دراسة مقارنة تطبيقية في ضوء الفقه والنظام السعوي، رسالة دكتوراة، كلية الحقوق، جامعة الملك عبد العزيز، ٢٠١٩م، ص٤٦.
[11] د.عمر الخولي، مرجع سابق، ص١٤٢.
[12] عبد الرحمن المطيري، مرجع سابق، ص٤٩.
[13] تم تأسيس شركة الصحة القابضة في 2 من يونيو من عام 2022، بناء على قرار مجلس الوزراء رقم ٤٦٩ بتاريخ ١٩/٨/١٤٤٣هـ، وهي شركة وطنية مملوكة للدولة تتولى تقديم الرعاية الصحية الشاملة والمتكاملة من خلال التجمعات الصحية العشرين والتي تخدم جميع مناطق المملكة، وللمزيد من المعلومات عن الشركة يمكن زيارة موقعها الإلكتروني https://www.health.sa/ar.
[14] د.عمر الخولي، مرجع سابق، ص١٥٥.
[15] المرجع السابق، ص١٥٦.
[16] د.عمر الخولي، مرجع سابق، ص ١٥٦.
[17] المادة الخامسة عشرة والمادة السبعون من النظام الأساسي للحكم.
[18] المادة العشرون من نظام مجلس الوزراء.
[19] د.عمر الخولي، مرجع سابق، ص ١٥٧.
[20] د. عمر الخولي، مرجع سابق، ص ١٥٨.
[21] للاطلاع على ملف الشركة في موقع الصندوق السعودي للاستثمار https://www.pif.gov.sa/ar/
[22] موقع الشركة السعودية للكهرباء https://www.se.com.sa/en
[23] يمكن الاطلاع على ملف الشركة في موقع تداول السعودية https://www.saudiexchange.sa
[24] موقع شركة الاتصالات السعودية https://www.stc.com/
[25] تمارا الحكيم، الخصخصة بين الاقتصاد الوضعي والاقتصاد الإسلامي: حالة السعودية، مجلة البحوث الاجتماعية والاقتصادية الأوراسية، مجلد ١١، العدد الأول، ٢٠٢٤م، ص ٥٥.
[26] د.خالد عبدالحفيظ محمد حمد، الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد الكلي في البنيان الاقتصادي، مجلة دراسات اقتصادية، المجلد ٢٢، العدد الأول، ٢٠٢٠م، ص١٢٥.
[27] سليمان الفايزي، محمد مرسي، التنظيم القانوني لخصخصة الهيئات الصحية في النظام السعودي والمقارن، مجلة العلوم القانونية والسياسية، الجمعية العلمية للبحوث والدراسات الاسترتيجية، المجلد ٤٠، العدد٣، ٢٠٢٤م
[28] سارة العمري، أثر خصخصة مؤسسات القطاع العام في ظل برنامج التخصيص في المملكة العربية السعودية (دراسة تحليلية)، رسالة ماجستير، ٢٠٢٢م، ص١٠.
[29] سليمان الفايزي، محمد مرسي، مرجع سابق، ص ٣٣٠.
[30] سارة العمري، مرجع سابق، ص١٠.
[31] سليمان الفايزي، محمد مرسي، مرجع سابق، ص ٣٣١.
[32] المادة الأولى من نظام التخصيص الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/٦٣) وتاريخ ٥/٨/١٤٤٢هـ.
[33] سليمان الفايزي، محمد مرسي، مرجع سابق، ص ٣٣٤.
[34] تمارا الحكيم، مرجع سابق، ص ٦٦.
[35] المرجع السابق، ص٥٦.
[36] عبد الرحمن حضيض المطيري، مرجع سابق، ص ٦٧.
[37] سليمان الفايزي، محمد مرسي، مرجع سابق، ص٣٣١.
[38] رياض دهال، حسن الحاج، حول طرق الخصخصة، الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية، العدد ١٣، ١٩٩٨م، ص٨.
[39] سليمان الفايزي، محمد مرسي، مرجع سابق، ص٣٣٣.
[40] رياض دهال، حسن الحاج، مرجع سابق، ص١٣.
[41] عبد الرحمن المطيري، مرجع سابق، ص ٨٨.
[42] تمارا الحكيم، مرجع سابق، ص ٥٦.
[43] سليمان الفايزي، محمد مرسي، مرجع سابق، ص٣٣٣.
[44] عبد الرحمن حضيض المطيري، مرجع سابق، ص ٧١.
[45] تمارا الحكيم، مرجع سابق، ص ٥٧.
[46] د.عمر الخولي، مرجع سابق، ص٣٥٣.
[47] المرجع السابق، ص٣٥٤.
[48] عبد الرحمن المطيري، مرجع سابق، ص٧٥.
[49] تم تأسيس المركز الوطني للتخصيص بموجب قرار مجلس الوزراء رقم ٣٥٥ بتاريخ ٧/٦/١٤٣٨هـ، وينظم المركز عمليات تخصيص أصول وخدمات الجهات الحكومية المستهدفة بالتخصيص، وذلك من خلال العديد من المهام التي يقوم بها ومنها: اقتراح القطاعات القابلة للتخصيص ووضع برامج ولوائح التخصيص بجانب وضع الإطار التنظيمي للشراكة بين القطاع العام والخاص، الدعم الاستراتيجي بتقديم الاستشارات للقطاعات المستهدفة، والمشاركة في تدريب الكوادر في مجال التخصيص، متابعة ومراقبة تنفيذ وتقدم القطاعات المستهدفة بالتخصيص، وغير ذلك من المهام.
[50] المادة الرابعة من تنظيم المركز الوطني للتخصيص.
[51] المادة الثالثة من القواعد المنظمة للتخصيص الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (١١٤) وتاريخ ١٤ /٢/ ١٤٤٣هـ.
[52] سارة العمري، مرجع سابق، ص٢٥.
[53] المادة الأولى من ضوابط طرح وإدراج مشاريع التخصيص في السوق المالية، والصادرة من المركز الوطني للتخصيص بتاريخ ١١/٥/١٤٤٤هـ.
[54] المرجع السابق، الفقرة الخامسة من المادة التاسعة.
[55] المرجع السابق، المادة التاسعة عشر.
[56] المادة الرابعة عشر من نظام التخصيص.
[57] للاطلاع موقع الصحة القابضة https://www.health.sa/
[58] للاستزادة عن آلية خصخصة القطاع الصحي واختصاصات شركة الصحة القابضة، يمكن الاطلاع على قرار مجلس الوزراء رقم ٤٦٩ بتاريخ ١٩/٨/١٤٤٣هـ، الذي نظم آلية عمل الخصخصة.
[59] رغد حسن، خصوصية الشركات العامة في العراق – دراسة مقارنة، مجلة العلوم القانونية، جامعة بغداد، مجلد ٣٦، العدد ٣، الجزء الثالث، ٢٠٢١م، ص ٥٢٠.
[60] هيام ناجي، الطبيعة القانونية لقرارات الشركات العامة، مجلة جامعة سرت العلمية- العلوم الانسانية، جامعة سرت – مركز البحوث والاستشارات، المجلد ٧، العدد ٢، ٢٠١٧م، ص١٥٨.
[61] رغد حسن، مرجع سابق، ص ٥٢٦.
[62] رغد حسن، مرجع سابق، ص ٥٢٨.
[63] المادة (١٩٦) من نظام الشركات السعودي.
[64] رغد حسن، مرجع سابق، ص ٥٢٨.
[65] المادة (٧٢) من اللائحة التنفيذية لنظام الشركات السعودي.
[66] الديوان العام للمحاسبة هو جهاز حكومي يتمتع بالاستقلالية حيث يرتبط بشكل مباشر بالملك، هدفه الرئيسي الحفاظ على أموال الدولة سواء الثابتة أو المنقولة، وذلك من خلال الرقابة على جميع إيرادات الدولة ومصروفاتها، كذلك الرقابة على استعمال واستغلال الجهات الإدارية والأجهزة الحكومية لهذه الأموال ومدى التزامها بالأنظمة المالية والإدارية. تشمل رقابة الديوان الوزارات والإدارات الحكومية وفروعها، البلديات والمؤسسات العامة، وكل هيئة يصدر أمر من الملك بمراقبة حساباتها، كل مؤسسة مستقلة بميزانيتها ومدعومة بمال عام من الدولة سواء على سبيل الاستثمار أو الإعانة، وكذلك المؤسسات الخاصة والشركات التي تساهم بها الدولة. للاستزادة أنظر موقع الديوان العام للمحاسبة: https://gca.gov.sa/Pages/homePage.aspx
[67] المادة الثانية والخامسة من لائحة رقابة الديوان العام للمحاسبة.
[68] وسام صبار العاني، القضاء الإداري، مكتبة السنهوري، دار السنهوري القانونية والعلوم السياسية، ٢٠١٥م، ص١٦٠.
[69] أحمد أغرير، معيار اختصاص المحاكم الإدارية، وتنازع الاختصاص في المملكة العربية السعودية، مجلة كلية الشريعة والقانون بتفهنا الأشراف، جامعة الأزهر، العدد ١٩، المجلد ٣، ٢٠١٧م.ص٢٠١٦.
[70] وردة تيهم. معايير تمييز المنازعات الإدارية، مشروع مذكرة مكملة لنيل شهادة الماجستير في الحقوق، قسم الحقوق، جامعة محمد خيضر- سكرة، ٢٠١٤م، ص١١.
[71] مجموعة مبادئ الشرعية والنظامية التي قررتها هيئات ولجان ديوان المظالم، ص٢٣٢.
[72] وسام صبار العاني، مرجع سابق، ص١٦٧.
[73] أحمد أغرير، مرجع سابق، ص٨.
[74] وسام صبار العاني، مرجع سابق، ص١٦٣
[75] المرجع السابق، ص١٧٥.
[76] د. عبد الفتاح الشرقاوي، مدى اختصاص القاضي الإداري السعودي بمنازعات أشخاص القانون الخاص: دراسة مقارنة بالنظام المصري والفرنسي، مجلة كلية الشريعة والقانون بطنطا، جامعة الأزهر، العدد ٣٠، الجزء الثاني، ٢٠١٥م، ص٤١٥.
[77] المرجع السابق، ص٤٠٥.
[78] وقد اشترط نظام التخصيص في مادته العشرين على ألا تتجاوز المدة الإجمالية لعقود الشراكة مع القطاع الخاص ثلاثين سنة، وتشمل المدة الإجمالية للعقد المدة الأصلية عند التعاقد وكذلك المدة الأصلية مشمولة بمدة التجديد أو التمديد، ويجوز تجاوز هذه المدة بالتعاقد أو التمديد لأكثر من ثلاثين سنة لكن بشرط موافقة الجهة المختصة.
[79] الفقرة الثالثة من المادة الرابعة والثلاثون من نظام التخصيص.
[80] تم تحديد ثلاثة عشر قطاعاً مستهدفاً بالتخصيص في قرار مجلس الوزراء رقم (٥٥) بتاريخ ٢٠/١١/١٤٤٢هـ، والتي شملت قطاعات الصحة، البيئة والمياه والزراعة، البلديات، الإسكان، الطاقة، الصناعة والثروة المعدنية، النقل العام، الداخلية، الاتصالات، التعليم، الحج والعمرة، الموارد البشرية، النقل، الرياضة، الإعلام، المالية، وهيئة عقارات الدولة، ثم أضيف أربعة قطاعات جديدة وهي هيئة عقارات الدولة والموارد البشرية وقطاعات في الداخلية والمالية.
[81] د.محمد صالح اليحيى، مسائل في الاختصاص القضائي التجاري، ورقة عمل، ١٤٤٠هـ، ص٤.
[82]جيهان عجيان، ممارسة الحد من حرية المنافسة التجارية بين المنشآت (دراسة تأصيلية تطبيقية في النظام السعودي)، مكتبة القانون والاقتصاد، الطبعة الأولى، ١٤٤٤هـ، ص١٣٢.
[83] مداخلة مقدمة ضمن المؤتمر الدولي لكلية الحقوق بجامعة الشرقية-سلطنة عمان حول موضوع تشريع وقضاء مواكب لرؤية عمان 2040، المنعقد بتاريخ 13-14 ماي 2024.