القانون الاداريفي الواجهةمقالات قانونية

الصلاحية الذاتية والموضوعية للأمانة العامة للحكومة المغربية في صناعة التشريع – الباحث : الحسين مفتاح

الصلاحية الذاتية والموضوعية للأمانة العامة للحكومة المغربية في صناعة التشريع

The personal and subject-matter powers of the Moroccan General Secretariat of the Government in law-making.

الباحث : الحسين مفتاح

طالب باحث بسلك الدكتوراه القانون العام والعلوم السياسية

كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية مراكش.

هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 60 الخاص بشهر أكتوبر/ نونبر 2025
رابط تسجيل الاصدار في DOI


https://doi.org/10.63585/EJTM3163

للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665

 

الصلاحية الذاتية والموضوعية للأمانة العامة للحكومة المغربية في صناعة التشريع

The personal and subject-matter powers of the Moroccan General Secretariat of the Government in law-making.

الباحث : الحسين مفتاح

طالب باحث بسلك الدكتوراه القانون العام والعلوم السياسية

كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية مراكش.

ملخص:

إن مجال صناعة التشريع عموما، يظل مجالا مترامي الأطراف بحثا ودراسة، فانطلاقا من الواقع المعيش واليومي، لا يكاد يخلو اليوم دون المرور على نص تشريعي أو تنظيمي أو قرار، أو أي شكل آخر من أشكال الحوامل المادية للقواعد القانونية، حيث أصبحت الحياة اليومية مع التقدم التكنولوجي الحاصل، تعج بالوثائق ذات الصبغة القانونية، وخاصة مع تزايد الاهتمام بالشأن العام، وتداخل العلاقات بين مجال السياسة والروتين التقليدي للمواطن. إضافة إلى الطلب الواسع على الموارد القانونية من طرف الباحثين في الحقل الأكاديمي، حيث تكون المادة القانونية مكونا أساسا على موائد البحث العلمي، والانتاجات الأكاديمية المرتبطة بهذا المجال.

وكلها أسباب تجعلنا نتساءل عن طرق صناعة التشريع، وعن أجهزة صياغته وتدوينه بالشكل الذي نتلقاه في أشكال متنوعة، وانطلاقا من ذلك تذهب هذه الدراسة، إلى تناول إشكالية دور الأمانة العامة للحكومة المغربية في صناعة التشريع، انطلاقا من صلاحيتها الذاتية، والتي تجسدها أجهزتها وأشخاصها وهياكل اشتغالها في مجال صناعة التشريع، ثم من صلاحيتها الموضوعية، المستمدة من القوانين المنظمة لها، والتي تمنحها اختصاصات موضوعية متميزة، تجعلها القلب النابض لعمل مؤسسات السلطة في الدولة، انطلاقا من الصلاحيات التي تباشرها في مجال صناعة التشريع.

الكلمات المفتاحية : الأمانة العامة للحكومة ، الصلاحيات ، صناعة التشريع ، التشريع ، التنظيم.

Abstract:

In general, the field of legislation-making remains a vast domain of research and study. In lived, everyday reality, scarcely a day now passes without encountering a legislative or regulatory text, a decision, or some other form of the formal instruments that embody legal norms. With ongoing technological advances, daily life has become saturated with documents of a legal nature, especially amid growing interest in public affairs and the interweaving of relations between the political sphere and the citizen’s everyday routine. Added to this is the broad demand for legal resources from researchers in the academic field, where legal material constitutes a core component of scholarly research and of the academic output associated with this area.

All of this prompts us to question the methods by which legislation is made and the bodies that draft and codify it in the various forms in which it reaches us. Accordingly, this study examines the question of the role of Morocco’s General Secretariat of the Government in legislation-making—first, from the perspective of its inherent powers, embodied in its organs, personnel, and operational structures in the field of legislation-making; and second, from the perspective of its substantive powers, derived from the laws that regulate it, which grant it distinctive substantive competences that render it the beating heart of the work of the state’s institutions of authority by virtue of the powers it exercises in the legislative domain.

Keywords:General Secretariat of the Government, powers, law-making, legislation, regulation.

مقدمة:

إن كل النصوص القانونية والمراجع والأشكال والقواعد التي تنظّم حياتنا اليومية، والتي لا يُعذر أحد بجهلها، هي إنتاجات يتم إعدادها بطريقة قد لا تبدو ظاهريًا في غاية الوضوح، حتى بالنسبة لنشطاء مجال القانون والمهتمين بدراسته.

فالبحث عن مصدر كل أشكال الوثائق القانونية غالبًا ما يقود إلى الإحالات الدستورية، التي تعتبر التشريع اختصاصًا للبرلمان، والتنظيم اختصاصًا للحكومة، وهو ما يحدّ من إمكانية التعمق في البحث عن المصدر الحقيقي للتشريعات والتنظيمات التي تؤطر سلوكنا وحياتنا اليومية.

وبالنظر إلى كثرة المهام التي يضطلع بها البرلمان والحكومة، واعتبارًا للكم الكبير من الصلاحيات التي تمارسها المؤسستان في إطار ما تنص عليه الفصول الدستورية، فإن المنطق يدعو للتفكير في كيفية تمكن البرلمان والحكومة، بصفتهما صاحبي الاختصاص التشريعي، من احتواء هذا الزخم من المواضيع وتأطيرها بنصوص قانونية محكمة ، توضّح ما ينبغي القيام به وتوجه سلوك الأفراد.

إن هذا الأساس يفتح العديد من زوايا التفكير العميق، لتحليل فلسفة صياغة وتصميم التشريعات في المغرب، في ظل الضغط الزمني وكثرة الإجراءات اللازمة لاستكمال عمليات الإنتاج التشريعي، قبل إحالتها إلى مسطرة التنفيذ وقبل نشره في الجريدة الرسمية. حيث تقوم الأمانة العامة للحكومة بمجموعة من العمليات والفحوصات والتدقيقات قبل خروج القواعد القانونية في شكلها النهائي.

ويستدعي تعميق التحليل في هذا المجال ضرورة الوقوف عند مقاصد عدد من الاصطلاحات الأساسية الواردة في الدراسة، على النحو التالي:

  • الصلاحية الذاتية: يقصد بها الجسم أو البنية التي تشكل أساس الأمانة العامة للحكومة، انطلاقًا من نشأتها الأولى ومرورًا بمختلف التطورات التي لحقتها حتى استقرارها على شكلها الحالي، ويشمل هذا مختلف الفاعلين المؤثرين في وظيفتها.
  • الصلاحية الموضوعية: يقصد بها مختلف المواضيع والمجالات التي تضطلع الأمانة العامة للحكومة بتأطيرها بالقواعد القانونية، في علاقتها مع الذوات المذكورة سابقًا، حيث أنه بتناغم هذين البابين تكتمل وظيفة الأمانة العامة للحكومة الشمولية.
  • الأمانة العامة للحكومة: كما يظهر من تسميتها، تحيل على جهاز بصلاحيات الأمانة والتأمين، فهي الأمين الذي تُخزَّن لديه جميع أعمال البرلمان والحكومة، ثم تُعد جهاز أمان للسلطتين التشريعية والتنفيذية بما لها من سلطة تنظيمية، إذ تتولى تأمين صياغة النصوص التشريعية والتنظيمية. ويمكن تعريف الأمانة العامة للحكومة بكونها جهازا إداريا حكوميا محوريا ومؤسسة إدارية مركزية تابعة للسلطة التنفيذية، تضطلع بمهام صياغة ودراسة وتتبع النصوص التشريعية والتنظيمية، وضبط مسارها القانوني منذ مرحلة الإعداد إلى مرحلة النشر في الجريدة الرسمية. وقد أُنشئت بموجب الظهير الصادر في 25 ربيع الثاني 1375 (10 ديسمبر 1955) تحت مسمى “الكتابة العامة للحكومة”، وتم تحديد اختصاصاتها بموجب المرسوم رقم 2.24.705 الصادر في 28 ربيع الأول 1446 (02 أكتوبر 2024)، الذي حدّد جوانب مهمة من اختصاصات الأمانة العامة للحكومة، ومن بينها دراسة مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية والقيام بالترتيبات اللازمة لها تمهيدًا لعرضها على مسطرة المصادقة.[1]
  • التشريع: من الناحية القانونية، يقصد بالتشريع مجموعة القواعد القانونية العامة والملزمة، التي تصدرها السلطة المختصة في الدولة وفق ما يحدده الدستور، بغرض تنظيم السلوكيات وضبط العلاقة بين الفرد والمؤسسات مع الحفاظ على مقاصد المصلحة العامة. أما التشريع في سياق هذه الدراسة فيعني عملية إنتاج هذه القواعد ضمن إطار منهجي يشمل دراسة وفحص الدوافع، وتدبير مراحل الصياغة الخاصة بالنصوص، وإحالتها إلى مسطرة المصادقة قبل دخولها حيز التنفيذ.

مشكلة الدراسة:
تكمن إشكالية الدراسة في تعميق البحث في جوهر إسهام الأمانة العامة للحكومة المغربية في صناعة التشريع، انطلاقًا من تفكيك صلاحيتيها الذاتية والموضوعية، من خلال السؤال الأساسي التالي: ما هي الصلاحيات الذاتية والموضوعية للأمانة العامة للحكومة المغربية في صناعة التشريع؟

منهجية الدراسة:
تعتمد الدراسة على المنهجين البنيوي والوظيفي، حيث يتم تفكيك البنية الأساسية للأمانة العامة للحكومة لفهم العلاقة بين عناصرها الداخلية وتنظيمها وفحص درجات تأثيرها، كما سيتم الاعتماد على المنهج الوصفي التحليلي لبلوغ غاية توضيح أهم التأثيرات المباشرة للأمانة العامة للحكومة المغربية في مجال صناعة التشريع.

أهمية الدراسة:
تسعى الدراسة إلى تفكيك جوهر الموضوع باستحضار جوانب الصلاحيتين الذاتية والموضوعية للأمانة العامة للحكومة المغربية في صناعة التشريع، لما لذلك من أهمية كبرى في تقديم إضافة نوعية للبحث العلمي، من خلال تحيين المادة البحثية بما يواكب المستجدات، وخاصة أن الموضوع يتسم بندرة المراجع المتناولة له، إضافة إلى تثمين الأداء العملي الوظيفي لمؤسسة الأمانة العامة للحكومة المغربية، كبنية تضطلع بمهام تصميم وصياغة القواعد القانونية بمختلف أشكالها.

أهداف الدراسة:
تهدف الدراسة إلى:

  1. بيان مختلف التطورات التي لحقت بنية الأمانة العامة للحكومة المغربية.
  2. تحديد أهم الصلاحيات الموضوعية المخوَّلة لها ولأجهزتها.
  3. الوقوف عند الهدف الاستراتيجي الكبير للدراسة، وهو اكتمال صورة تأثير الأمانة العامة للحكومة المغربية في صناعة التشريع.

ولتحليل عناصر الإجابة عن إشكالية الدراسة، سيتم تناول موضوع الصلاحية الذاتية للأمانة العامة للحكومة في صناعة التشريع (المحور الأول)، تليه الصلاحية الموضوعية للأمانة العامة للحكومة في صناعة التشريع (المحور الثاني).

  • المحور الأول: الصلاحية الذاتية للأمانة العامة للحكومة في صناعة التشريع.

إن الأمانة العامة للحكومة المغربية ، لم تكن حديثة العهد في النظام السياسي المغربي، حيث أن نشاط هذه المؤسسة يعود إلى حقبة الارهاصات الأولى لاستقلال البلاد ، وهي فكرة تم استدخالها من النظام السياسي الفرنسي في عهد الحماية، لتضطلع بصلاحيات مساعدة حكومة الملك في تنفيذ مهامها.

ولقد ظهرت الأمانة العامة للحكومة لأول مرة في النظام القانوني المغربي مع فترة الحماية، بعد تنصيب الكاتب العام للحماية ، الذي كان مكلفا بتجميع شؤون الدولة المدنية والإدارية، ومراقبا للإدارة المدنية للحماية [2]. واستمر العمل بهذا النمط إلى الفترة ما قبل الاستقلال بسنة واحدة تقريبا، حيث صدر الظهير الشريف المؤرخ في 10 دجنبر 1955 ، وقد صدر هذا الظهير دون تضمينه برقم القوة الترتيبي، ووقعه الكومسير المقيم العام أندري لوي ديبوا [3] ، والذي عين فيه الملك الحسن الثاني الكاتب العام لحكومته، ومنه انتقلت الكتابة العامة من سلطة الحماية إلى أجهزتنا الوطنية، حيث أصبح الكاتب العام للحكومة مغربيا، يعين بظهير وخاضعا في عمله لرئيس الحكومة. [4]

وبعد الاستقلال وعقب فترة حالة الاستثناء أصدر الملك الحسن الثاني المرسوم الملكي رقم 856.66، والذي ارتقى بالأمين العام للحكومة إلى رتبة وزير، هذا الأخير الذي أصبح يضطلع بصلاحية أوسع من ذي قبل، حيث أصبح الأمين العام للحكومة يشتغل وفق ما رسمه ظهير 1955 والمرسوم الملكي ، إلى غاية 2010 ، حيث صدر مرسوم جديد حدد بوضوح أجهزة وهياكل وصلاحيات واختصاصات الأمانة العامة للحكومة. [5]

وقد حدد هذا الظهير الهيكلة الأولى للأمانة العامة للحكومة ، والتي كانت تضم إلى حدود سنة 2015، ما مجموعه 11 هيكلا في شكل 10 مديريات ولجنة واحدة موزعة على التوالي وفقا للبيان التالي: [6]

  • الكتابة العامة .
  • المفتشية العامة للمصالح الإدارية.
  • المديرية العامة للتشريع والدراسات القانونية، وتعتبر المحور الحيوي للأمانة العامة للحكومة والعضو النشيط فيها، وتشمل ثلاث مديريات تشتغل أسفل منها وهي:
  • مديرية التشريع والتنظيم.
  • مديرية الدراسات والأبحاث.
  • مديرية الترجمة والتوثيق والتدوين.
  • مديرية المطبعة الرسمية.
  • مديرية الجمعيات.
  • مديرية المهن المنظمة والهيئات المهنية.
  • مديرية الشؤون الإدارية والمالية.
  • لجنة الصفقات / اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية.

واستمر الحال على هذا النمط الهيكلي إلى غاية سنة 2015، حيث تم تغيير لجنة الصفقات بصدور المرسوم 2.14.867 بتاريخ 21 شتنبر 2015، في الجريدة الرسمية رقم 6399. والذي غير تسمية اللجنة إلى اسم ” اللجنة الوطنية للطلبات العمومية ” .[7]

وانطلاقا من الهيكلة التي تم نشرها في حصيلتي الأمانة العامة للحكومة برسم سنتي 2014 و2015 ، يتضح أن هيكلتها أدخلت عليها تعديلات جديدة، همت إضافة مجموعة من الهياكل الأخرى، والتي أصبحت تتضمنها الهيكلة الحالية للأمانة العامة للحكومة في بوابتها الرسمية، حيث أضافت إلى الهياكل السابقة ، 11 شعبة قانونية متخصصة مصممة على النحو التالي:[8]

  • شعبة قطاعات المؤسسات العامة والجماعات الترابية والاستثمار والصحة.
  • شعبة قطاعات العدل وحقوق الإنسان.
  • شعبة القطاعات الإنتاجية والبنيات التحتية والبيئة والماء.
  • شعبة القطاعات الاقتصادية والمالية.
  • شعبة النصوص العقارية والمدنية والتجارية.
  • شعبة الوظيفة العمومية والشغل والقطاعات الاجتماعية.
  • شعبة قطاعات التعليم والثقافة والأوقاف والشؤون الإسلامية.
  • شعبة قطاعات الفلاحة والصيد البحري.
  • شعبة قطاعات التأمينات وسوق الرساميل.
  • شعبة قطاعات المساطر العقارية.
  • شعبة مساطر النشر والتتبع.

وهذه الشعب تضم أطقما متخصصة في هذه المواضيع، وتباشر مختلف الصلاحيات وإدارة مختلف العمليات الخاصة بالدراسة والتتبع والصياغة، كما سنراها كتخصصات دقيقة في المحور الثاني.

ليتواصل العمل بهذه الهيكلة إلى غاية سنة 2024، بعد صدر المرسوم 2.24.705 بتاريخ 2 أكتوبر 2024 [9]، حيث تم دمج وتغيير مجموعة من المديريات الواردة في مرسوم 2010 ، لتصبح على الشكل التالي :

  • الكتابة العامة، تم الاحتفاظ بها كما وردت في مرسوم 2010.
  • المفتشية العامة، تم تغيير اسمها في مرسوم 2024، حيث كان في المرسوم السابق تسمى المفتشية العامة للمصالح الإدارية.
  • المديرية العامة للتشريع والاستشارات والدراسات القانونية، والتي كانت في المرسوم السابق تسمى؛ المديرية العامة للتشريع والدراسات القانونية. والتي تضم مجموعة من المديريات المختلفة كليا على الهيكلة التي يؤطرها مرسوم 2010، حيث أصبحت هذه المديرية تشمل الهياكل الجديدة التالية:
  • مديرية تشريعات الحكامة والحقوق والحريات والتشريعات الخاصة،
  • مديرية التشريعات الاقتصادية والمالية والاستثمار وتكنولوجيات المعلومات والاتصالات؛
  • مديرية التشريعات المتعلقة بالشؤون الاجتماعية والتعليم والتكوين والثقافة والرياضة؛
  • مديرية تشريعات البنيات الأساسية والقطاعات الإنتاجية والتنمية المستدامة؛
  • مديرية جودة القانون وتقنيات التشريع والترجمة.
  • مديرية المطبعة الرسمية؛
  • مديرية الجمعيات والمهن المنظمة والهيئات المهنية؛
  • مديرية الشؤون الإدارية والمالية؛
  • مديرية الرقمة وأنظمة المعلومات؛
  • مركز تطوير الكفاءات واليقظة القانونية والتعاون.

ومن بين أهم المحركات التي تدور عليها دواليب نشاط الأمانة العامة للحكومة، إلى جانب الهياكل المؤسساتية نجد المحركات البشرية، التي تلعب أدوار كبيرة في تنفيذ الاختصاصات الكثير للأمانة العامة للحكومة، وهنا لابد من الإشارة إلى أن هذه الأخيرة؛ كانت تعاني في السابق من ندرة الموارد البشرية ذات التكوين العالي في مجال القانون، وهي إشكالية يفاقمها استقطاب القطاع الخاص للأطر من هذا الصنف بشكل كبير.[10]

إلا أن الأمانة العامة للحكومة ذهبت في اختيار الانفتاح على الطاقات الأكثر تكوينا في مجالات القانون، من خلال فتح مباريات التوظيف في مديرياتها، أمام حاملي شواهد الدكتوراه والماستر، في إطار هيئة المستشارين القانونيين للإدارات لدى الأمانة العامة للحكومة، بعد صدور المرسوم 2.97.1039، الصادر بتاريخ 26 يناير 1998، بإحداث هيئة المستشارين القانونيين للإدارات لدى الأمانة العامة للحكومة، والذي تم تغييره بالمرسوم 2.09.678 الصادر بتاريخ 26 مارس 2010.

وبالرجوع إلى المرسومين نجد أن المرسوم 2.97.1039، كان قد فتح فرص التباري على مناصب المستشارين القانونيين أمام حاملي دبلوم الدراسات العليا في الحقوق، أو شهادة الدكتوراه أو ما يعادلها، إلا أن المرسوم 2.09.678 عدل هذه المادة من المرسوم السابق، وفتح فرص التباري أمام حملة الدكتوراه في الحقوق ودبلوم الدراسات العليا والماستر والماستر المتخصص، والمتوفرين على خمس سنوات على الأقل من الخدمة الفعلية في إطار سلم الأجور رقم 11.[11]

ومنح نفس الامكانية للتوظيف، في درجة مستشار قانوني لدى الأمانة العامة من الدرجة الأولى، أمام الأساتذة الباحثين في الحقوق والموظفين المنتمين على الأقل لإطار مرتب في سلم الأجور رقم 11، شرط توفرهم على 12 سنة من الخدمة في هذا الإطار[12]. أو عن طريق الاختيار بعد التقيد في جدور الترقية من صنف المستشارين القانونيين من الدرجة الثانية، شرط توفرهم على خمس سنوات من الأقدمية.[13]

ويتيح المرسوم ولوج الدرجة الاستثنائية للمستشارين القانونيين من الدرجة الأولى، المثبتون لتوفرهم على خمس سنوات على الأقل وسلوكهم في العمل.[14]

ونظرا لتركيز الأمانة العامة للحكومة في هذا الموضوع، على اختيار أجود الكفاءات الموجودة وطنيا للانضمام إلى أطقمها، فإنها تمنع على المرشحين الذين لم يتم انتقائهم مرتين من التباري، التقدم مرة أخرى للتباري، وهو نفس المنع الذي يواجهه المستشارون القانونيون لدى الأمانة العامة للحكومة المشطب عليهم من الهيئة.[15]

وبتحليل تأثير هذا الزخم من الهياكل والموارد البشرية على صناعة التشريع، يتضح أن العنصر البشري يشتغل داخل منظومة محكمة التنسيق، ويقوم من داخل هياكل الأمانة العامة للحكومة، بمهام كثيرة، تعتبر جوهر صناعة التشريع بكل تجلياته كما سنرى خلال المحور المقبل.

  • المحور الثاني : الصلاحية الموضوعية للأمانة العامة للحكومة في صناعة التشريع.

إن الأمانة العامة للحكومة وفي إطار صلاحيتها الموضوعية، تقوم بمجموعة من الأدوار الهامة جدا في مجال صناعة التشريع،[16] فإلى جانب مؤازرتها للحكومة وتقديم المشورة لها في علاقتها مع باقي السلط والمؤسسات الدستورية، تقوم الأمانة العامة كذلك بوظائف مهمة في مجال تتبع إنتاج النصوص القانونية، حيث تتأكد الأمانة العامة للحكومة بشكل قبلي من وجود الحاجة للتشريع، تفاديا للازدواج التشريعي، أي تفادي أن يكون للموضوع الواحد أكثر من نص قانوني ينظمه [17]، وخاصة مع تداخل القطاعات وتعدد وظائف الدولة، مما يجعل فرضيات وجود نصوص قانونية متقاطعة ممكنا، وهذا ما يجعل وجود الأمانة العامة للحكومة مهما لتنظيم هذه التقاطعات والتقابلات . [18]

كما تقوم الأمانة العامة للحكومة بالمواكبة والمصاحبة للأعمال التحضيرية، المتعلقة بصياغة مختلف أشكال الوثائق القانونية وتجهيزها بالقوة الكفيلة بجعلها تلبي الحاجة التي أنتجت من أجلها، وتفحص الأمانة العامة خلال هذه المرحلة؛ استجابة النصوص المنتجة للشروط الشكلية والموضوعية التي أنتجت من أجلها، بحيث تتأكد من وضوح المصطلحات، وتوفر زمن الحاضر، وعدم وجود مختصرات أو هوامش، واحترام تقسيم النص إلى فقرات، وتسلسل ترقيم المواد، وغيرها من التدقيقات، التي تقوم بها الأمانة العامة للحكومة خلال عملية تحضير النصوص التشريعية والتنظيمية، كما تقوم بعد تمام الموافقة على النص بمراجعته للتأكد من عدم وجود أخطاء مسربة إليه، وخاصة أن النصوص التشريعية يتم نقلها إلى غرف البرلمان للتصويت عليها، وهو ما يجعلها عرضة لتغير بعض المضامين، حيث تتدخل الأمانة العامة لفحص النصوص التي تحيلها إليها الحكومة أو البرلمان بعد الموافقة عليها، لتتأكد من سلامتها من وجود أية أخطاء محتملة، او وجود مواد مخالفة للدستور.

بعد هذه المراحل الثلاث تقوم الأمانة العامة للحكومة بتجهيز ظهير الأمر بالتنفيذ، الذي يعرض على الملك ليضع عليه طابعه الشريف، كما أن الأمانة العامة للحكومة في هذا الباب، تضطلع كذلك بصلاحية صياغة جميع الظهائر التي يصدرها الملك، وهذا الاختصاص منوط بالكاتب العام للأمانة العامة للحكومة، والذي يسهر على إعداد الظهائر الشريفة قبل عرضها على الملك.[19]

إن العودة لاختصاصات وصلاحيات الأمانة العامة للحكومة المغربية في مجال صناعة التشريع، يؤدي مباشرة إلى المرسوم 2.09.677، المنظم للأمانة العامة للحكومة. والصادر بتاريخ 09 ماي 2010. والذي دقق جيدا في مختلف اختصاص مصالحها ومديرياتها. والتي تؤدي عددا كبيرا من الوظائف والاختصاصات، التي تتحمل المديرية العامة للدراسات والتشريع الحيز الأكبر منها، كما جاء في المادة الرابعة من المرسوم المذكور

كم تحيل إلى المرسوم 2.24.705 لسنة 2024، والذي حين وأدخل تحديثات على اختصاصات وتنظيم أجهزة الأمانة العامة للحكومة، ويمكن تفصيل هذه الصلاحيات في تركيب شامل على النحو التالي:

يمكن تقسيم اختصاصات وصلاحيات الأمانة العامة للحكومة المغربية إلى مرحلتين ، أولا مرحلة ما قبل المرسوم 2.24.705 لسنة 2024 ، ثم ثانيا ؛ مرحلة ما بعد صدور المرسوم 2.24.705 لسنة 2024 .

واستنادا لما جاء في المرسوم 2.09.677 المنظم للأمانة العامة للحكومة. والصادر بتاريخ 09 ماي 2010 ، والمحدد لاختصاصات وتنظيم الأمانة العامة للحكومة، والتي تعكس بجلاء واضح تأثيرها المباشر على عملية صناعة التشريع ، يمكن إجمال مختلف عمليات تأثير أجهزة وهياكل الأمانة العامة للحكومة المغربية فيهذه الدينامية بناء على التصنيف التالي:

– التنسيق:

تقوم المديرية العامة للدراسات والتشريع، بالجهد الأكبر على الاطلاق في مسلسل انتاج النصوص التشريعية والتنظيمية، إذ تختص بتنسيق جميع الأعمال المتعلقة بإعداد وصياغة مشاريع النصوص التنظيمية والتشريعية، وتنفيذ كل السياسات الحكومية في مجال تدوين النصوص التشريعية والتنظيمية وتحيينها. وإعداد مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية التي لا تدخل ضمن اختصاص قطاع وزاري معين.

– فحص التطابق مع الدستور.

تتولى المديرية دراسة جميع النصوص التشريعية والتنظيمية وفحص مدى تطابقها مع الدستور، وعدم مخالفتها للنصوص التشريعية والتنظيمية القائمة.

– الإفتاء.

تقدم المديرية العامة للدراسات والتشريع مجموعة من الفتاوي تحت الطلب، سواء من رئيس الحكومة أو السلطات الحكومية، وسائر الإدارات العمومية إلى الأمين العام للحكومة.

– البحث والدراسة.

وتقوم المديرية كذلك بعملية الدراسة والأبحاث القانونية، المرتبطة بمختلف مجالات القانون، وهذا الدور منوط بالشعب القانونية المتخصصة التي تم تناولها في المحور الأول.

– الاستشارة.

وتتولى الأمانة العامة للحكومة تقديم المشورة، بخصوص النصوص القانونية واتفاقيات القروض والاتفاقيات الخاصة بضمان القروض، بناء على طلب من الحكومة، وبتنسيق مع جميع القطاعات. ومنه تكون مهمة الاستشارة التي تقدمها الأمانة العامة للحكومة، أساسا لتأمين حسن سير العمل الحكومي، حيث تواكب كل مشروع نص منذ ميلاده الأول إلى غاية ادراجه بالجريدة الرسمية، مما يجعلها المستشار القانوني للحكومة.[20]

– الصياغة المادية.

تقوم المديرية العامة لدراسات والتشريع، بعمليات الصياغة المادية للنصوص التشريعية والتنظيمية، وكل وثائق الانضمام أو المصادقة إلى الاتفاقيات الدولية التي تبرمها المملكة، كما تقوم بصياغة المذكرات القانونية، المتعلقة بالطعون الدستورية التي تقدمها الحكومة، بخصوص عدم دستورية بعض المشاريع أو مقترحات القوانين التي يوافق عليها البرلمان، وإعداد مذكرات جواب الحكومة، المتعلقة بالطعون الدستورية التي يقدمها أعضاء البرلمان.

– الترجمة:

تقوم المديرية أيضا بترجمة النصوص التشريعية والتنظيمية ترجمة رسمية، وجعلها متاحة بلغات غير العربية لعموم المعنيين بها والمتعاملين بها.

وبالرغم من هذا الزخم الكبير من الاختصاصات، التي تقوم بها مديرية الدراسات والتشريع، إلا أن هناك مجموعة من الاختصاصات الكثيرة، والتي تتولاها المديريات الأخرى التي تعمل داخل الهيكل التنظيمي للأمانة العامة للحكومة ومنها:

– تتبع عمل الجمعيات.

تتولى مديرية الجمعيات مهام متعددة في مجال الجمعيات، وأولها اختصاصها بالسهر على تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية التي تؤطر الحق في تأسيس الجمعيات، والتنسيق مع المجالات الوزارية المعنية بهذا المجال، كما تقوم بمنح رخص الإحسان العمومي، لفائدة الجمعيات، وتلقي طلبات الاعتراف بالمنفعة العامة، وتلقي التصريحات التي تقوم بها الجمعيات لدى الأمين العام للحكومة، بشأن المساعدات المالية والعينية التي تحصل عليها من جهات أجنبية. ووضع منظومة إعلامية وطنية خاصة بالجمعيات بتنسيق مع القطاعات الوزارية المعنية.[21]

– تتبع عمل الهيئات المهنية.

وتتولى مديرية المهن المنظمة والهيئات المهنية، مهمة تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية التي تضبط مزاولة المهن المنظمة التي تدخل في مجال اختصاص الأمانة العامة للحكومة، وتنظيم هذه الهيئات. والسهر على تطبيق النصوص الخاصة بها، ومنح أذون مزاولة المهن المنظمة التي تدخل في مجال الأمانة العامة للحكومة، وهي نفس المديرية التي تمنح الاذن بفتح المؤسسات الصحية ومؤسسات المنتوجات الصيدلية.[22]

– تتبع مجال الطلبيات العمومية.

تقوم لجنة الصفقات [23] والتي تم تغير اسمها إلى لجنة الطلبيات العمومية، بموجب المرسوم 2.14.867، الصادر بتاريخ 21 شتنبر 2015، بكل الوظائف المرتبطة بمجال الطلبيات العمومية، من استشارة ومساعدة ودراسة وفحص في كل ما يرتبط بالمسائل التي تعرض عليها. ولها كذلك صلاحية إبداء الرأي وإعداده، في شأن كل مشاريع النصوص التنظيمية أو التشريعية المرتبطة بمجال الطلبيات العمومية.[24]

– الطبع والنشر.

أما بعد انتهاء جميع شكليات ومساطر الصياغة، وانتهاء جميع إجراءات النشر، يأتي دور مديرية المطبعة الرسمية، والتي تقوم بمهمة طبع الجريدة الرسمية للمملكة، ونشر التشريعات المنتجة على البوابة الرقمية للأمانة العامة للحكومة. وتنفيذ جميع أعمال الطبع لحساب الإدارات العمومية.[25]

أما بعد صدور المرسوم 2.24.705 سنة 2024، فقد تم تغيير أسماء مجموعة من هياكل الأمانة العامة للحكومة المغربية ، وأضيفت اختصاصات جديدة لم تكن مذكورة في المرسوم السابق الصادر سنة 2010 ، إلا أن التأثير العامل للأمانة العامة للحكومة من حيث جوهره ، لم يتغير حيث حافظت على مختلف صلاحياتها واختصاصاتها المؤثرة على صناعة التشريع، من خلال ممارسة صلاحيات دراسة مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المحالة إليها ، والقيام بالترتيبات اللازمة بالنسبة لهذه النصوص ، والسهر على تنسيق مكونات المنظومة القانونية الوطنية وتيسير الولوج إلى المعلومات القانونية وتحسين مقروئيتها ، ومباشرة مختلف العمليات الخاصة بإعداد مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بتأسيس الجمعيات .[26]

وقد جاءت المادة 05 من المرسوم 2.24.705 لسنة 2024، موضحة لأساس تدخل المديرية العامة للتشريع والاستشارات والدراسات القانونية ، من خلال ما أناطه المرسوم بها من صلاحية اعداد مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية بما فيها التي لا تدخل ضمن اختصاص أي قطاع وزاري معين، وفحص مدى مطابقتها للدستور، ودراسة المقترحات بشأن التعديلات المقدمة بخصوص القوانين المعروضة على مجلسي البرلمان وإبداء الرأي فيها، كما تقوم المديرية بتتبع مختلف عمليات تحيين النصوص التشريعية والتنظيمية.[27]

ومن بين المستجدات التي أحدثها المرسوم 2.24.705 ، تخصيص كل مديرية من مديريات الأمانة العامة للحكومة في هيكلتها الجديدة بإعداد وتدبير نوع محدد من النصوص التشريعية والتنظيمية حسب تخصص كل مديرية، حيث نجد مثلا : أن مديرية تشريعات الحكامة والحقوق والحريات والتشريعات الخاصة، هي التي تسهر على دراسة وتتبع كل النصوص القانونية المتعلقة بمجالات الداخلية والعدل والحقوق والحريات والوظيفة العمومية وإصلاح الإدارة، مع ورود اصطلاح التشريعات الخاصة ضمن سلة صلاحيات المديرية.[28]

وإلى جانب هذه المديرية يمكن ملاحظة أن المرسوم الجديد ؛ خص مديرية التشريعات الاقتصادية والمالية والاستثمار وتكنولوجيات المعلومات والاتصالات، بدراسة مشاريع النصوص القانونية المتعلقة بموارد الدولة وتكاليفها ، ومراقبة الأسعار والمنافسة والتأمينات، وسوق الرساميل والائتمان، والاستثمار في مجال تكنولوجيات المعلومة والاتصالات.[29]

ونفس الشيء بالنسبة لمديرية تشريعات البنيات الأساسية والقطاعات الإنتاجية والتنمية المستدامة، إذ خص المرسوم هذه المديرية بدراسة وتتبع كل النصوص القانونية ذات الصلة بقطاعات التجهيز والماء والنقل، والتعمير وإعداد التراب والفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات والصناعة والتجارة والصناعة والسياحة والطاقة والتنمية المستدامة.[30]

وأضاف المرسوم الجديد مجالات أخرى تواكب جوانب التطور الوظيفي لمؤسسات الدولة، بحيث رفع المرسوم مستوى تأهب الأمانة العامة للحكومة، بتنصيصه على مسألة اليقظة القانونية والتعاون، هذه المهمة التي يتولاها مركز في حكم مديرية ، يسهر على تقديم خدمات اليقظة القانونية وتتبع المستجدات القانونية على الصعيدين الوطني والدولي [31] ، إلى جانب تفصيل المرسوم لمسألة الرقمنة، حيث أحدث مديرية الرقمنة وأنظمة المعلومات ، والتي تتولى إعداد برامج التحول الرقمي وأنظمة المعلومات ، والتدبير الرقمي للأرشيف والرصيد الوثائقي للأمانة العامة للحكومة.[32]

من خلال تفاصيل المرسوم الجديد وبمقارنته مع مرسوم تنظيم الأمانة العامة للحكومة لسنة 2010، يمكن ملاحظة ان اختصاصات الأمانة العامة للحكومة في مرسوم 2024، يختلف عن توزيعها في مرسوم سنة 2010، ذلك أن المرسوم 2.24.705 الصادر سنة 2024، قد حدد لكل مديرية المجالات التي تضطلع بصلاحيات دراسة وإعداد نصوصها القانونية، بشكل فاصل ومرتب، بحيث لا يمكن لمديرية مباشرة إعداد نصوص قانونية تدخل ضمن نطاق مديرية معينة.

أما في المرسوم السابق الصادر سنة 2010، فيمكن ملاحظة أن الاختصاصات كانت مرتبة في شكل صلاحيات كبرى تتولاها المديريات من قبيل ( التنسيق – فحص التطابق مع الدستور – الإفتاء – البحث والدراسة – الاستشارة – الترجمة …. )، وهي اختصاصات كانت مركزة بيد مديرية التشريع، إلى جانب المديريات الاخرى التابعة للأمانة العامة للحكومة، والتي تضطلع بهذه الاختصاصات المشكلة لقوالب صياغة التشريعات.

وبناء على هذا التحليل يمكن ملاحظة أن التشريع كعملية كبرى تنتج من خلالها النصوص القانونية، مهمة كبرى منوطة بالأمانة العامة للحكومة، كبنية تتولى مجموعة من الصلاحيات الموضوعية المتسمة بالتشعب والتقابل ، والتي تؤدي كلها إلى هدف واحد، وهو صناعة التشريع ، حيث تسخر وتنظم الذوات والهياكل المشكلة لبنية الأمانة العامة للحكومة، ويتم توزيعها في غرف متخصصة ومحددة الصلاحيات، ويتم تجهيزها بكل مقومات انتاج النصوص القانونية على اختلافها، و إلى جانب تزويدها بكل تقنيات وآليات تتبع تطبيقها وتحيينها لملاءمة مضامينها مع المستجدات التي قد تحصل بعد انطلاق تنفيذها.

خاتمة:

انطلاقًا من المحورين السابقين، يمكن التأكيد على أن التشريع، كعملية أساسية لإنتاج النصوص القانونية المنظمة لقواعد السلوك في النظام السياسي، يمثل جوهر عمل الأمانة العامة للحكومة. فهي تقوم بصياغة النصوص التشريعية والتنظيمية ودراستها ومتابعتها وتحيينها، من خلال هياكلها وأطقمها البشرية التي تم تناولها في باب الصلاحية الذاتية. وهذه الأطقم والهياكل المؤسساتية تضطلع بتنظيم مواضيع وتخصصات قطاعية كبرى مرتبطة بأنشطة البرلمان والحكومة على حد سواء.

وعطفًا على التحليل السابق، يمكن القول إن الصلاحية الذاتية للأمانة العامة للحكومة تكمن في قوة هيكلها وتنوع مصالحها، وهو ما يجعلها قادرة على أداء وتنفيذ صلاحياتها الموضوعية بكفاءة وإتقان، كجهاز متكامل المقومات وفاعل أساسي في ضبط إيقاعات وتحولات المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية. هذه المتطلبات التي تستدعي يقظة مؤسساتية كبيرة، تتحمل فيها الأمانة العامة للحكومة مسؤوليات جسيمة، باعتبارها الجهاز المشرف على إحكام التقنيات الشكلية والجوهرية للإنتاج القانوني، وضابطًا مسؤولًا عن تحقق أهداف القواعد القانونية المنتجة في مخاطبتها لمواضيعها وأشخاصها، تأسيسًا على حرصها على ضرورة اندماج التشريع والتنظيم المنتج ضمن النظام القانوني المؤطر لسلوك المجتمع.

واستنادًا إلى الطرح المفصل أعلاه، يمكن اقتراح مجموعة من التوصيات ذات الصلة بموضوع الدراسة، والتي تم استخلاصها في ضوء النتائج المتوصل إليها:

  • دسترة مؤسسة الأمانة العامة للحكومة:
  • ضرورة التنصيص على مؤسسة الأمانة العامة للحكومة في الوثيقة الدستورية، بإحداث فصل أو فصول خاصة بها، اعتبارًا للدور الهام الذي تضطلع به، ليس فقط على مستوى صياغة التشريعات، وإنما أيضًا في مجال تنسيق أعمال الحكومة. فمؤسسة بهذا الحجم لا ينبغي أن تظل خارج الاهتمام الدستوري.
  • تقوية الهياكل الداخلية للأمانة العامة:
  • يتعين العمل على تعزيز مقومات الاشتغال الوظيفي لمديريات الأمانة العامة، مع إدماج آليات التطور الرقمي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، للحد من الثغرات القانونية المحتملة في النصوص المنتجة وتحسين دقة الصياغة.
  • تعميق البحث المسبق قبل التشريع:
  • ضرورة إجراء دراسات معمقة قبل مباشرة عمليات التشريع لتفادي تكرار التحينات المتوالية للنصوص، لما قد تسببه من ترهل وتفكك لبنية القواعد القانونية.
  • إحداث مديرية خاصة بالمشاركة والشفافية:
  • استحداث مديرية تعنى بتعزيز الشفافية والمشاركة المجتمعية، تعرض من خلالها مشاريع النصوص القانونية على أنظار الخبراء والمجتمع المدني كمرحلة من مراحل صياغة التشريع، بهدف جمع الملاحظات وتعزيز الحوار والمساءلة.
  • تنظيم الرصيد الرقمي للنصوص القانونية:
  • إنشاء قواعد بيانات رقمية منظمة للأمانة العامة للحكومة، وتجاوز الطريقة الحالية التي تُقدم بها النصوص في حوامل مادية مشتركة. من الأفضل نشر الرصيد الرقمي بشكل منفصل (الظهائر على حدة، القوانين على حدة، المراسيم بأنواعها على حدة، ثم القرارات على حدة)، بحيث يسهل هذا التقسيم عملية الولوج إلى النصوص والاطلاع على مضامينها. كما يتيح هذا التنظيم للباحثين إمكانية معالجة الإنتاج التشريعي إحصائيًا بدقة واحترافية. ويمكن الاستئناس في هذا الصدد بالتجربة المعتمدة في الجريدة الرسمية لجمهورية الأرجنتين.
  • تبسيط التفاصيل الشكلية في النصوص القانونية:
  • تفادي الحشو والتكرار في تفاصيل التواريخ وأرقام الترتيب داخل الوثائق القانونية، إذ غالبًا ما تتضمن النصوص (الظهائر، القوانين، المراسيم) تواريخ إصدار متعددة (تاريخ التوقيع بالأمانة العامة، تاريخ الأمر بالتنفيذ، تاريخ النشر بالجريدة الرسمية)، مما قد يؤدي إلى إرباك في إدراجها ضمن المواد البحثية. يمكن اعتماد نمط موحد شبيه بالنموذج الأمريكي، الذي يكتفي بتاريخ واحد يكون هو تاريخ الإصدار، وهو ذاته تاريخ التوقيع والنشر في السجل العامالمحافظة على توزيع اختصاصات الأمانة العامة للحكومة على النحو الذي حدده مرسوم 2024، مع توسيع عدد المديريات إلى اختصاصات أخرى، ومقابلتها بأجهزة رقابية تضمن شفافية ونزاهة العمليات التشريعية التي تقوم بها الأمانة العامة للحكومة.
  • المراجع المعتمدة:
  • إبراهيم رشيدي، دور الأمانة العامة للحكومة في تنسيق العمل الحكومي بالمغرب، مجلة المعرفة، العدد 17، يوليوز 2024
  • محمد الطويل، الأمانة العامة للحكومة بالمغرب: التباس الهوية وتضخم البنية والوظائف، مجلة دفاتر برلمانية، المجلد 2، العدد 1، أبريل 2023.
  • محمد بوعزيز، القانون البرلماني المغربي: مسطرة التشريع، دراسة نظرية وتطبيقية، دار القلم، الرباط، 2006.
  • المرسوم رقم 2.24.705، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 7345 بتاريخ 21 أكتوبر 2024.
  • الظهير الشريف، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 2260 بتاريخ 17 فبراير 1956.
  • المرسوم رقم 2.14.867، الصادر بتاريخ 21 شتنبر 2015، والمتعلق باللجنة الوطنية للطلبيات العمومية، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6399.
  • المرسوم رقم 2.09.678، الصادر بتاريخ 26 مارس 2010، بتغيير وتتميم المرسوم رقم 2.97.1039 الصادر بتاريخ 26 يناير 1998 بإحداث هيئة المستشارين القانونيين للإدارات لدى الأمانة العامة للحكومة، الجريدة الرسمية عدد 5840.
  • المرسوم رقم 2.09.677، المنظم للأمانة العامة للحكومة، الصادر بتاريخ 09 ماي 2010، الجريدة الرسمية عدد 5869.
  • المرسوم رقم 2.97.1039، الصادر بتاريخ 26 يناير 1998، بإحداث هيئة المستشارين القانونيين للإدارات لدى الأمانة العامة للحكومة، الجريدة الرسمية عدد 4558.
  • البوابة الرسمية للأمانة العامة للحكومة: sgg.gov.ma.
  1. انظر الظهير المذكور المنشور في الجريدة الرسمية عدد 2260 بتاريخ 17 فبراير 1956 – انظر المرسوم المذكور المنشور في الجريدة الرسمية عدد 7345 بتاريخ 21 أكتوبر 2024.
  2. محمد الطويل ، الأمانة العامة للحكومة بالمغرب ، التباس الهوية وتضخم البنية والوظائف. مجلة دفاتر برلمانية المجلد 2، العدد 1، أبريل 2023. الصفحة 09.
  3. الظهير الشريف المنشور في الجريدة الرسمية عدد 2260 ، بتاريخ 17 فبراير 1956، يمكنكم الوصول للظهير الشريف عن طريق الرابط التالي.

    http://www.sgg.gov.ma/BO/bo_ar/1956/BO_2260_ar.PDF

  4. محمد بوعزيز، القانون البرلماني المغربي، مسطرة التشريع، دراسة نظرية وتطبيقية، دار القلم الرباط، 2006. الصفحة 49.
  5. المرسوم 2.09.677 المنظم للأمانة العامة للحكومة. والصادر بتاريخ 09 ماي 2010. الجريدة الرسمية 5869.
  6. المادة 06 من المرسوم 2.09.677 المنظم للأمانة العامة للحكومة. والصادر بتاريخ 09 ماي 2010. الجريدة الرسمية 5869.
  7. المادة 01 من المرسوم 2.14.867 الصادر بتاريخ 21 شتنبر 2015، في الجريدة الرسمية رقم 6399
  8. يمكنكم الوصول للهيكلة من خلال الرابط التالي : الأمانة العامة للحكومة (sgg.gov.ma)
  9. أنظر الجريدة الرسمية عدد 7345 الصادرة بتاريخ 21 أكتوبر 2024.
  10. محمد بوعزيز، القانون البرلماني المغربي، مسطرة التشريع، دراسة نظرية وتطبيقية، دار القلم الرباط، 2006. الصفحة 52.
  11. المادة 07 من المرسوم 2.09.678 الصادر بتاريخ 26 مارس 2010. بتغيير وتتميم المرسوم 2.97.1039، الصادر بتاريخ 26 يناير 1998 بإحداث هيئة للمستشارين القانونيين للإدارة لدى الأمانة العامة للحكومة. الجريدة الرسمية 5840.
  12. المادة 11 من المرسوم 2.09.678 الصادر بتاريخ 26 مارس 2010. الجريدة الرسمية 5840.
  13. المادة 07, من المرسوم 2.97.1039، الصادر بتاريخ 26 يناير 1998، بإحداث هيئة المستشارين القانونيين للإدارات لدى ألأمانة العامة للحكومة, الجريدة الرسمية 4558.
  14. المادة 12 من المرسوم 2.09.678 الصادر بتاريخ 26 مارس 2010. الجريدة الرسمية 5840.
  15. المادة 08 من المرسوم 2.09.678 الصادر بتاريخ 26 مارس 2010. الجريدة الرسمية 5840.
  16. محمد الطويل ، المرجع السابق ، الصفحة 14.
  17. لذلك نجد أن هناك نصوص قانونية تلغي وتعدل وتتمم نصوص قانونية سابقة الصدور، بحيث يتم الغاء قواعد سابقة وتبطيل مفعولها، مقابل سواد القواعد الجديدة، التي يتم إصدارها. حيث لا يمكن أن تجد نصين قانونين ينظمان نفس الموضوع بنفس الطريقة.
  18. محمد بوعزيز، القانون البرلماني المغربي، مسطرة التشريع، دراسة نظرية وتطبيقية، دار القلم الرباط، 2006. بداية من الصفحة 56.
  19. المادة 02 من المرسوم 2.09.677 المنظم للأمانة العامة للحكومة. والصادر بتاريخ 09 ماي 2010. الجريدة الرسمية 5869.
  20. إبراهيم رشيدي ، دور الأمانة العامة للحكومة في تنسيق العمل الحكومي بالمغرب، مجلة المعرفة ، العدد 17، يوليوز 2024، الصفحة 286.
  21. المادة 06 من المرسوم 2.09.677 المنظم للأمانة العامة للحكومة. والصادر بتاريخ 09 ماي 2010. الجريدة الرسمية 5869.
  22. المادة 07 من المرسوم 2.09.677 المنظم للأمانة العامة للحكومة. والصادر بتاريخ 09 ماي 2010. الجريدة الرسمية 5869.
  23. المادة 10 من المرسوم 2.09.677 المنظم للأمانة العامة للحكومة. والصادر بتاريخ 09 ماي 2010. الجريدة الرسمية 5869.
  24. انظر المادتين 3 و4 من المرسوم 2.14.867 الصادر بتاريخ 21 شتنبر 2015، والمتعلق بالجنة الوطنية للطلبيات العمومية، صادر في الجريدة الرسمية رقم: 6399.
  25. المادة 05 من المرسوم 2.09.677 المنظم للأمانة العامة للحكومة. والصادر بتاريخ 09 ماي 2010. الجريدة الرسمية 5869.
  26. انظر المادة 01 من المرسوم 2.24.705 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 7345 بتاريخ 21 أكتوبر 2024.
  27. انظر المادة 05 من المرسوم 2.24.705 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 7345 بتاريخ 21 أكتوبر 2024.
  28. انظر المادة 06 من المرسوم 2.24.705 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 7345 بتاريخ 21 أكتوبر 2024.
  29. انظر المادة 07 من المرسوم 2.24.705 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 7345 بتاريخ 21 أكتوبر 2024.
  30. انظر المادة 09 من المرسوم 2.24.705 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 7345 بتاريخ 21 أكتوبر 2024.
  31. انظر المادة 15 من المرسوم 2.24.705 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 7345 بتاريخ 21 أكتوبر 2024.
  32. انظر المادة 14 من المرسوم 2.24.705 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 7345 بتاريخ 21 أكتوبر 2024.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى