رهانات التقاضي الرقمي المدني بالمغرب بين الواقع والمأمول – الدكتورة : فاطمة الزهراء الفضلي سلسلة الأبحاث الجامعية والأكاديمية الاصدار 63 دجنبر 2025
رهانات التقاضي الرقمي المدني بالمغرب بين الواقع والمأمول - الدكتورة : فاطمة الزهراء الفضلي سلسلة الأبحاث الجامعية والأكاديمية الاصدار 63 دجنبر 2025
رهانات التقاضي الرقمي المدني بالمغرب بين الواقع والمأمول – الدكتورة : فاطمة الزهراء الفضلي سلسلة الأبحاث الجامعية والأكاديمية الاصدار 63 دجنبر 2025
| الاميل الرسمي للمجلة | للتواصل عبر الواتساب |
| mforki22@gmail.com | 00212687407665 |
| للاطلاع على هيئة التحرير | للاطلاع على شروط النشر | للاطلاع على كل اصدارات المجلة |
| اضغط هنا | اضغط هنا | اضغط هنا |
رابط تسجيل الاصدار في DOI

https://doi.org/10.63585/FKZU5380
للاطلاع و التحميل

مقدمة:
في خضم الثورة المعلوماتية، أصبحت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تشكل الجهاز العصبي للمجتمعات الحديثة، لما توفره من سهولة انتقال المعلومة وسرعتها، الأمر الذي أدى إلى ظهور وسائل جديدة لم تكن موجودة من قبل؛ هذه الوسائل هي التي جعلت العالم مرتبطا ببعضه البعض في الوقت ذاته، كما أنها سمحت للأفراد بالتواصل عن بعد رغم اختلاف أماكنهم دون الحاجة إلى انتقال بعضهم إلى بعض. حيث تعددت مصادر المعلومات وتطورت عبر التاريخ من المصادر البدائية {الحجر، الجلود، الخشب …}، إلى المصادر الورقية المطبوعة {الأشرطة، الأفلام، المصغرات الفيلمية كالميكروفيلم …}، وصولا إلى الوسائل الإلكترونية والأنترنت.
ففي عالم اليوم، تعتبر الوسائل الإلكترونية والأنترنت أدوات حيوية، حيث ساهمت في تغيير طريقة تفاعل الأفراد مع المعلومات والخدمات في مختلف المجالات. إذ باتت هذه الوسائل تساعد في تسهيل الوصول إلى المعرفة وتعزيز التواصل الفعال، مما يسهم في تحسين الكفاءة وزيادة الإنتاجية. بل حتى في المنظومة القضائية، تلعب الوسائل الإلكترونية دورًا بارزًا في تسريع الإجراءات القضائية والقانونية وتبسيطها.
وعموما، في التقاضي الرقمي المدني، تتيح الوسائل الإلكترونية للمحامين والمتقاضين تقديم الدعاوى والمستندات القانونية عبر الأنترنت، مما يقلل من الحاجة إلى الحضور الشخصي في المحاكم. ويسهم في تخفيف الأعباء على النظام القضائي، بالإضافة إلى تعزيز وصول المواطنين إلى العدالة ــ خاصة لأولئك الذين يواجهون صعوبات في التنقل ــ؛ بفضل التقنيات الحديثة، يمكن إجراء جلسات المحاكمة إلكترونيا عن طريق المنصات الإلكترونية، مما يوفر الوقت والموارد. وبعبارة أخرى تلعب الوسائل الإلكترونية والأنترنت دورا حيويا في تعزيز كفاءة النظام القضائي من خلال تسهيل التواصل وتسريع الإجراءات القانونية. فاعتماد التقنيات الرقمية يتيح للمغرب مواكبة التحولات العالمية، وتحقيق عدالة أكثر فعالية ومرونة، مما يرفع من جودة الخدمات القضائية ويخدم مصالح المتقاضين بشكل أفضل.
وهنا، تجدر الإشارة إلى أنه نتيجة للتطور التكنولوجي، بدأت الأنظمة القضائية تستفيد من تقنيات أكثر تقدما مثل قواعد البيانات الإلكترونية ونظم إدارة الدعاوى، التي ساعدت على تنظيم المعلومات القضائية وتبسيط الوصول إليها، وذلك بدخول تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى ساحة التقاضي الرقمي المدني. حيث أصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على تقديم دعم قانوني أكثر دقة من خلال تحليل كميات ضخمة من البيانات القضائية، وتقديم توصيات قانونية مبنية على السوابق القضائية. وفي الواقع يمكن لهذه الأنظمة مساعدة القضاة في اتخاذ قرارات أكثر استنارة، وتوجيه المحامين نحو الحلول الأنسب للقضايا عن طريق العدالة التنبؤية، كما أن الذكاء الاصطناعي يساعد في الأتمتة الجزئية لبعض العمليات الروتينية مثل تصنيف القضايا وإعداد المستندات القانونية، مما يوفر وقتا وجهدا كبيرين.
ومع ذلك، ان استخدام الذكاء الاصطناعي في التقاضي الرقمي المدني يثير تساؤلات حول حماية الخصوصية وضمان العدالة، حيث يجب أن تظل القرارات النهائية بيد القضاة لا الآلات. وإنما بشكل عام، يمثل تطور استخدام التكنولوجيا، من الوسائل الإلكترونية الحديثة إلى استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، نقلة نوعية في تحسين كفاءة العدالة وتسهيل الوصول إليها، مما يقضي على البيروقراطية ويقرب الإدارة القضائية من المتقاضين.
علاوة على ذلك، مع اعتماد التقنيات الرقمية في العمليات القضائية، برزت إشكالات جديدة تتعلق بتحديد الجهة القضائية المختصة للنظر في المنازعات المدنية التي يتم تقديمها عبر الوسائل الإلكترونية. حيث يرتكز الاختصاص القضائي في النظام التقليدي على مكان إقامة الأطراف أو موقع النزاع، إلا أن التقاضي الرقمي المدني يتجاوز هذه الحدود الجغرافية، مما يثير تساؤلات عن كيفية تحديد الاختصاص القضائي في بيئة رقمية غير مادية. فرفع الدعوى إلكترونيا، تقديم المستندات إلكترونيا، والجلسات الافتراضية كلها عوامل تدفع إلى إعادة النظر في معايير الاختصاص التقليدية. وعليه، يأتي هذا الموضوع في إطار ضرورة التكيف مع التحول الرقمي وتحديث القواعد القانونية لتتماشى مع المتطلبات الجديدة. فالاختصاص القضائي في المنازعات الرقمية يستلزم وضع معايير جديدة تأخذ في الاعتبار طبيعة المنازعات الإلكترونية وحدودها التي تتجاوز نطاق الدولة، مما يفرض تعاونا دوليا ومرونة تشريعية لضمان عدالة فعالة وسريعة في هذا المجال.
وبهذا الصدد، دعا جلالة الملك نصره الله سنة 2012 إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة في إدارة المحاكم وعلاقتها مع المتقاضين والمهنيين، كما حث على وضع ترسانة قانونية ملاءمة لذلك. الأمر الذي أدى إلى تبني مفهوم الإدارة القضائية الإلكترونية من خلال قانون التنظيم القضائي رقم 38.15، حيث جاء في المادة 22 منه ما يلي: ” تعتمد المحاكم الإدارة الإلكترونية للإجراءات والمساطر القضائية التي تتخذها وزارة العدل”.
كما عملت وزارة العدل على تبني مشروع التحديث والرقمنة وتعميم استعمال التكنولوجيا الحديثة في تدبير وتصريف الإجراءات، والتدبير الإلكتروني للإجراءات والمساطر القضائية بمختلف محاكم المملكة، والتزمت ببناء مقومات المحكمة الرقمية؛ بالإضافة إلى إعداد المخطط التوجيهي للتحول الرقمي للعدالة في المغرب سنة 2020، الذي تم اعتباره تخطيطا استراتيجيا ووثيقة مرجعية، وكذلك أداة للقيادة وملائمة سيرورة التحول الرقمي لمنظومة العدالة على مدى 5 سنوات، من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية التالية:
منظومة عدالة ميسرة، فعالة، شفافة ومنفتحة: وذلك من خلال خلق منظومة عدالة رقمية احترافية تجمع بين السلاسة في الولوج إلى العدالة والبساطة في تصريف إجراءاتها، عن طريق خلق بيئة عدلية معلوماتية تكون فيها الإجراءات والمساطر المتعلقة بالعدالة متاحة وفي متناول كل الأطراف ومفهومة بما يكفي لضمان حقوقهم على قدم المساواة مع خصومهم أو مع الأغيار، دون المساس بالمعطيات ذات الطابع الشخصي.
مرفق قضائي يحمي حقوق المتقاضين ويضع المرتفقين في صلب مهمته: من خلال تغطية شاملة للتراب الوطني عبر إمكانية التواصل مع المرفق القضائي من كل مكان.
محكمة ذكية تجعل الذكاء الاصطناعي في خدمة الأمن القضائي: تساعد التكنولوجيا الحديثة من تكريس الأمن القانوني والقضائي من خلال توفير قاعدة بيانات سهلة الاستغلال للاجتهادات القضائية ومختلف النصوص التشريعية. وأيضا تمكن التكنولوجيات الحديثة من تسريع العملية القضائية خاصة بالنسبة للملفات المماثلة مع إمكانية الحرص على إفراد الملفات التي تعرف خصوصيات معينة.
وقد شمل هذا المخطط أربعة مجالات للتحول الرقمي للعدالة وهي: تسهيل الولوج للعدالة، تبسيط الإجراءات والمساطر، نشر المعلومة القانونية والقضائية، والتقاضي الرقمي. إذ يعتبر هذا الأخير ــ التقاضي الرقمي ــ المحور الأساس الذي تتعلق به جل جوانب التحول الرقمي للعدالة، خاصة ما تعلق منه بإعداد البنية التحتية القانونية الضرورية لعقد الجلسات الإلكترونية، ولاسيما المحضر الإلكتروني مع التوسع في مفهومه ليشمل التسجيلات بالصوت والصورة فضلا عما يحرره كاتب الضبط إلكترونيا، والتوقيع الإلكتروني الذي يضفي الحجية على الوثائق المحملة على دعائم إلكترونية، وكل مقومات التقاضي التي لا تختلف عن نظيرتها التقليدية إلا اختلافا شكليا.
في الواقع، عملت وزارة العدل المغربية بالإضافة إلى ما سبق، بوضع وإعداد مجموعة من النصوص التشريعية المتعلقة بتحديث منظومة العدالة (القانون رقم53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، القانون رقم43.20 المتعلق بخدمات الثقة بشأن المعلومات الإلكترونية، القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات). وهناك نصوص تشريعية أخرى لازالت عبارة عن مشاريع قوانين منها مشروع قانون متعلق باستعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية، كأحد أهم القوانين المؤسسة للتقاضي الرقمي، بالإضافة إلى مشروع القانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية المواد 623 إلى 639.
وفي ذات السياق، نص ميثاق إصلاح العدالة في يوليوز 2013، الصادر عن الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة على إنماء القدرات المؤسساتية لمنظومة العدالة وتحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها. إذ دعا إلى إرساء مقومات المحكمة الرقمية وفق الآتي:
وضع المخطط المديري لإرساء مقومات المحكمة الرقمية، بما يضمن تقوية البنية التحية التكنولوجية للإدارة القضائية، وتوفير الأنظمة المعلوماتية الأمنة، والبرامج المتعلقة بإدارة القضايا والمساطر، مع تأهيل الموارد البشرية، وتحديد آجال التنفيذ.
تعديل المقتضيات القانونية، لاسيما الإجرائية منها، بما يمكن من استعمال التكنولوجيا الحديثة في تصريف القضايا أمام المحاكم، ونزع التجسيد المادي عن الإجراءات والمساطر القضائية.
اعتماد التوقيع الإلكتروني على صعيد التعامل بين مختلف مكونات الإدارة القضائية.
اعتماد الأداء الإلكتروني لاستيفاء الرسوم والمصاريف القضائية والغرامات.
وإجمالا، قد سعت وزارة العدل المغربية إلى إرساء مقومات المحكمة الرقمية التي نص عليها ميثاق إصلاح منظومة العدالة، وأحرزت تقدمًا لا بأس به في هذا المجال، لاسيما من خلال برنامج محكمتي لتعزيز أداء المحاكم في خدمة المواطنين، وتدبير الزمن القضائي وقياس الأداء. وقد تم ذلك عبر إعداد مخطط تحسين جودة المحاكم (PAPJ) بهدف تحسين آليات تسيير وتنظيم المحاكم وتعزيز آليات التواصل، وتوحيد وتبسيط المساطر. كما تم تطوير الأنظمة المعلوماتية عبر تحيين أنظمة المعالجة الآلية لتدبير القضايا وتطوير تطبيقات إلكترونية لتدبير المحاكم.
أما فيما يخص الارتقاء بالرأسمال البشري، لم تعد الكفاءة المهنية في المنظومة القضائية تقاس بمؤشرات كمية فقط، بل أصبحت ترتكز على مؤشرات نفسية وسلوكية هذا من جهة، ومن جهة أخرى ترتكز على مهارات رقمية وذلك وفق الآتي:
o المؤشرات النفسية والسلوكية: على السادة القضاة ومساعديهم التحلي بصفات دقيقة تمكنهم من التأثير في الإدارة القضائية، مما يعكس الحضور الهام لهذه الفئة من الرأسمال البشري داخل الإدارة العمومية في سيرورة الإصلاح واستكمال الأوراش بالإضافة إلى توضيح رؤى العمل. وذلك يكون عن طريق التوفر على المهارات الأساسية المرتبطة بالذكاء العاطفي (مثل الثقة بالنفس والتحكم بها، الرغبة في الإنجاز، القدرة على التحمل).
o المهارات الرقمية: يتوجب على السادة القضاة ومساعديهم أن تكون لهم القدرة على استخدام الأدوات والتقنيات الرقمية بكفاءة وفعالية لأداء المهام المختلفة، سواء في الحياة اليومية أو العملية، وتشمل هذه المهارات القدرة على التعامل مع الأجهزة الإلكترونية (مثل الحواسيب والهواتف الذكية)، والبرمجيات (مثل معالجة النصوص والجداول الإلكترونية)، والأنترنت (مثل البحث، التواصل عبر البريد الإلكتروني، استخدام وسائل التواصل الاجتماعي)؛ ففي المنظومة القضائية أصبحت هذه المهارات ضرورية بشكل متزايد لضمان الكفاءة في العمليات القانونية والإدارية في ظل التوجه نحو التحول الرقمي، حيث تشمل ما يلي:
• التعامل مع الأنظمة الإلكترونية الخاصة بإدارة القضايا.
• استخدام برامج معالجة النصوص لإعداد المستندات القانونية.
• فهم الأمان الرقمي لحماية المعلومات القانونية الحساسة.
• التقاضي الرقمي عبر تقنيات الفيديو والاتصال الإلكتروني عبر المنصات الإلكترونية الخاصة بالمحاكم.
وفي هذا الإطار، تعمل وزارة العدل على توفير تكوين مستمر لفائدة موظفيها، خاصة في المجال الرقمي، باعتبار التكوين المستمر نشاط رئيسي في المنظومة القضائية وليس نشاطا ثانويا أو كماليا، فهو أولوية وخيار استراتيجي لا يمكن تجاوزه. ومن أبرز الأساليب المعتمدة في التكوين المستمر ما يلي:
o أسلوب المحاضرة: هو الأكثر الطرق شيوعا لإيصال المحتوى العلمي النظري وتعميم الاستفادة على أكبر قدر ممكن من المستفيدين، وعادة ما يكون التكوين من خلال هذا الأسلوب في المعهد العالي للقضاء، من طرف متخصصين في المجال الرقمي سواء كانوا رجال قانون أو خبراء متخصصين في المجال الرقمي. حيث أجريت بتاريخ 28 يونيو 2014 بمقر مركز التكوين بملحقة وزارة العدل بتكنوبوليس محاضرة لفائدة بعض السادة القضاة العاملين بالدائرة القضائية بالرباط والقنيطرة، تحت عنوان ” تقنية النسخ الصوتي للمساعدة على تحرير الأحكام”.
o أسلوب الندوات والمناقشات: يعتبر هذا الأسلوب تدريبا ذهنيا للأفراد، ويسود فيه نقل المعارف والخبرات وتبادل التجارب والتفاعل والإحساس بالمسؤولية، مما ينمي مهارة الفرد ويمنحه الثقة والقدرة على اكتساب المزيد من المعارف وتطويرها. ومن بين أهم الندوات في هذا الإطار الندوة الوطنية الأولى للتحديث في موضوع ” الإدارة القضائية والتحول الرقمي” المنظمة يومي 21-22 دجنبر 2018 بالمعهد العالي للقضاء، من طرف المكتب المركزي بشراكة مع مديرية الدراسات والتعاون والتحديث بوزارة العدل.
o أسلوب نمذجة السلوك: يعتمد هذا الأسلوب على نظرية التعلم بالملاحظة والتقليد، ويتم التكوين في هذا الأسلوب بعرض صورة نموذجية على المتكونين لأداء وتنفيذ عملية معينة يقوم بها المتكونين في الواقع، مع توضيح الخطوات المتتابعة لها بصورة منطقية، فيلعب من خلالها المتكون دور الفرد النموذجي في العملية ويلقن المتكونين كمدرب في هذا التكوين؛ وبهذا الصدد انعقدت بتاريخ 28 نونبر 2023 ورشة تفاعلية بعنوان “التكنولوجيات الرقمية، تصميم وتطوير خدمات العدالة المتمركزة حول الأفراد”، وذلك في إطار مشروع العدالة الرقمية.
وعموما، يجب إخضاع هذا التكوين لعملية التقييم من أجل ضمان فاعلية وفعالية التكوين المستمر، باعتبار التقييم هو العملية الدقيقة التي تمكن من معرفة مكامن القوة والضعف، والنجاح والخطر التي اعترت عملية التكوين ككل وبرامج التكوين على الخصوص؛ فسلوك هذه المرحلة، يعتبر مناعة لإعداد واعتماد برامج تكوينية أخرى في المستقبل. ويعزز من مواكبة الكفاءات في الإدارة القضائية، خاصة فيما يتعلق بالمهارات الرقمية كاستعمال تكنولوجيا المعلومات لتقريب الإدارة القضائية من المواطنين وتسهيل ولوجهم إليها عن طريق الأنترنت.
وهنا، تجدر الإشارة إلى أن التقاضي الرقمي يشير إلى استخدام التكنولوجيا في إجراءات التقاضي التقليدية، بينما المحكمة الرقمية هي الفضاء الواسع من الخدمات التي يعد التقاضي الرقمي إحداها، أي أنه جزء منها، وبعبارة أخرى التقاضي الرقمي يشير إلى استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في عملية التقاضي (تقديم الوثائق إلكترونيا، حضور الجلسات عن بعد، التواصل مع الأطراف إلكترونيا…)؛ بينما المحكمة الرقمية تعتبر بيئة إلكترونية متكاملة تستخدم أنظمة متقدمة لإدارة القضايا. وبالتالي فكل ما يخص الأرضية التشريعية والترسانة القانونية المتعلقة بالمحكمة الرقمية ينطبق على التقاضي الرقمي.
وإنما بالرغم من اعتبار المحكمة الرقمية كأصل محكمة يتم إنشاؤها وإدارتها بالكامل باستخدام التكنولوجيا، فإن مصطلح المحكمة الرقمية يصطلح في المغرب على المحكمة العادية ــ لها فضاء عمراني ــ التي تحتوي على نظام معلوماتي ومنصة إلكترونية لتدبير المساطر والإجراءات القضائية، والتي تقدم خدمات إلكترونية؛ أي أنها محكمة لها حيز جغرافي ولكنها في نفس الوقت تعتمد على التكنولوجيا لتسهيل بعض الإجراءات القضائية. إذ أنه ليس شرطا أن تتم عملية التقاضي بشكل مكامل رقميا. وعموما تشمل المحكمة الرقمية جميع آليات التقاضي المدني والجنائي في جميع مراحله، كما تتوسع صلاحيتها كإدارة قضائية إلكترونية لتقديم العديد من الخدمات القضائية الإلكترونية المرتبطة بالمساطر والإجراءات والمعلومات القانونية والقضائية، واستقبال الطلبات الإلكترونية، والبت فيها، وتقديم الوثائق والشهادات الإلكترونية كالسجل العدلي والسجل التجاري إلى غير ذلك. وإنما نحن سنقتصر في هذه الدراسة على التقاضي الرقمي المدني، والذي يهدف إلى استخدام الأدوات والتقنيات الرقمية في عملية التقاضي في القضايا المدنية، بدءًا من تقديم الدعاوى وصولاً إلى إصدار الأحكام وتنفيذها، وذلك دون الحاجة إلى الدعامات الورقية.
أهمية الموضوع:
يمثل التقاضي الرقمي المدني نقطة تحول كبيرة في النظام القضائي، حيث يهدف إلى خلق التوازن بين الابتكار التكنولوجي وتحقيق العدالة الشاملة والمتكافئة. فهذا الموضوع لا يقتصر على تحسين الإجراءات القانونية فحسب، بل يمتد ليؤثر على المجتمع بأسره، مما يسهل الوصول إلى العدالة ويعزز الثقة في النظام القضائي وفي المعاملات الإلكترونية. وعليه سنبين أهمية الموضوع بتفصيل وفق الآتي:
الأهمية الاجتماعية:
أصبح التطور التكنولوجي مؤشرا معتمدا في علم الاجتماع لتصنيف تطور المجتمعات بحسب استعمالها لوسائل الاتصال الحديثة، وبالتالي فتوظيف التكنولوجيا في التقاضي الرقمي المدني سيمكن المتقاضين من اللجوء إلى القضاء بشكل ميسر لا تثقله أعباء مالية أو تحول دونه عوائق إجرائية. بالإضافة إلى أنه سيحقق سرعة حصول صاحب الحق على حقه بغض النظر عن موقعه الجغرافي؛ وهذا يعني أن الأشخاص القاطنين في المناطق النائية أو الريفية يمكنهم تقديم دعاوى ومتابعة قضاياهم دون الحاجة إلى التنقل إلى المحاكم. مما سيؤدي إلى شيوع الاطمئنان لدى أفراد المجتمع، حيث ستعود الحقوق بسرعة لأصحابها، وستعزز ثقة المواطنين في القضاء.
وعموما، يسهل التقاضي الرقمي المدني على الأفراد تقديم دعواهم في أي وقت ومن أي مكان، مما يجعل عملية التقاضي أكثر مرونة. كما يشجع الأفراد على التفاعل مع التكنولوجيا، وتطوير مهاراتهم الرقمية. مما يعزز اندماجهم في المجتمع الرقمي الحديث، ويسهم في تقليص الفجوة الرقمية بين الأجيال والفئات الاجتماعية، من خلال تعليم الأفراد أهمية استخدام الوسائل التكنولوجية في حياتهم اليومية.
الأهمية الاقتصادية:
اعتماد التقاضي الرقمي المدني له أهمية اقتصادية كبيرة، تنعكس على جوانب متعددة من النظام القضائي والاقتصاد الوطني، خاصة وأن وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة أطلقت استراتيجية وطنية جديدة “المغرب الرقمي 2030″، والتي تهدف إلى تعزيز تموقع المغرب كمركز إقليمي للتكنولوجيا، بالإضافة إلى جعل المملكة المغربية بلدًا منتجًا للحلول الرقمية، وخلق فرص شغل عبر جذب الاستثمارات. وذلك من خلال تمكين المواطنات والمواطنين المغاربة من الاستفادة من الخدمات الرقمية على قدم المساواة، مع ترسيخ الممارسات الجيدة ومواكبة الإدارات العمومية في ورش التحول الرقمي.
وعموما، يمكن للتقاضي الرقمي المدني أن يؤثر إيجابا في تنمية عجلة الاقتصاد الوطني وفق الآتي:
• تقليل النفقات المرتبطة بالإجراءات التقليدية، مثل الطباعة، وتخزين الملفات الورقية، وتكاليف النقل، والموارد البشرية اللازمة لإدارة هذه العمليات.
• إنجاز القضايا بسرعة يعزز مناخ الأعمال والاستثمار، حيث يبحث المستثمرون عن بيئة قانونية سريعة وفعالة، توفر حلولا قانونية في وقت وجيز.
• خلق بيئة قضائية رقمية فعالة وشفافة، مما يعزز ثقة المستثمرين في القضاء المغربي ويشجع الاستثمار الأجنبي المباشر، بل وقد يجعل المغرب أكثر وجهة جاذبية للاستثمارات على المستويين الإفريقي والدولي.
• توجيه الموارد البشرية والتقنية نحو أهداف أكثر إنتاجية بدلا من تضييع الوقت والجهد في التعاملات التقليدية البيروقراطية.
• ظهور فرص عمل جديدة مرتبطة بالتكنولوجيا القانونية، مثل تطوير البرمجيات القضائية، صيانة الأنظمة الرقمية، ودعم الخدمات الإلكترونية.
الأهمية السياسية:
أصبح تطور الخدمات العمومية بشكل عام، رهين بمدى توفر الإدارات العمومية لدولة ما على الآليات الحديثة لتحسين الخدمات العمومية، والتقرب من المرتفقين بشكل أكبر في حفاظ تام على مبدأ استمرار المرفق العام في تقديم خدماته، وتعد الإدارة الإلكترونية ــ كمنظومة وليس آلية ــ أحد أسس التحديث الكفيلة بدعم مبادئ الفعالية والشفافية وحسن تدبير المرفق العمومي على وجه عصري أكثر مرونة.
وبهذا الصدد، تتجلى الإرادة السامية للمملكة المغربية في مسايرة التطور العلمي عن طريق إدماج الرقمنة في كافة مناحي الحياة، بما في ذلك النهوض بقطاع العدالة وتقريب الإدارة القضائية من المتقاضين، ويتمثل ذلك في مجموعة من التوجيهات الملكية للتحول الرقمي للعدالة، ومن بينهما ما يلي:
“اعتماد التكنولوجيا الحديثة للارتقاء بالعمل الإداري والتوجه نحو تعميم الإدارة الرقمية، وتوفير الخدمات عن بعد، والولوج المشترك للمعلومات من طرف مختلف القطاعات”. مقتطف من الرسالة الملكية السامية الموجهة للمشاركين بمناسبة الملتقى الوطني للوظيفة العمومية بالصخيرات، بتاريخ 27 فبراير 2018.
“ندعو لاستثمار ما توفره الوسائل التكنولوجية الحديثة من إمكانيات لنشر المعلومة القانونية والقضائية، وتبني خيار تعزيز وتعميم لامادية الإجراءات والمساطر القانونية والقضائية، والتقاضي عن بعد، باعتبارها وسائل فعالة تسهم في تحقيق السرعة والنجاعة، {…}، مع الحرص على تقعيدها قانونيا، وانخراط كل مكونات منظومة العدالة في ورش التحول الرقمي”. مقتطف من الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين بمناسبة المؤتمر الدولي للعدالة بمراكش سنة 2019.
الأهمية القانونية:
يساهم التقاضي الرقمي المدني في تحديث القوانين والإجراءات القضائية لتتناسب مع العصر الرقمي، مما يعزز من مرونة النظام القانوني، وقدرته على التعامل مع التكنولوجيا. بل وأيضا يتيح لجميع المواطنين الوصول إلى العدالة بيسر، مما يعزز مبدأ تكافئ الفرص بين المواطنين دون النظر إلى مكانتهم الاجتماعية أو إمكانياتهم المادية.
وفي الواقع، يشمل التقاضي الرقمي المدني الاعتراف بالأدلة الإلكترونية مثل الرسائل النصية، البريد الإلكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعي. مما يتطلب تحديث أو تطويع قوانين الإثبات والاعتراف بهذه الأدلة في المحاكم المغربية، خاصة وأنه في ظل تزايد الاعتماد على التكنولوجيا، تنشأ قضايا جديدة في البيئة الرقمية كالاعتداء على الحقوق الرقمية، وفي هذه الحالة يوفر التقاضي الرقمي المدني إطارًا قانونيًا حديثًا يتلاءم مع طبيعة نوع القضايا في هذا المجال.
وإجمالا، فالتقاضي الرقمي المدني يسهم في تنظيم العقود الإلكترونية والمعاملات التي تتم عبر الأنترنت، وذلك من خلال وضع أطر قانونية للتعامل مع النزاعات الناجمة عن التعاقدات الإلكترونية في مجال التجارة الإلكترونية والخدمات الرقمية. فبفضل التقنيات الرقمية، يمكن تسريع تنفيذ الأحكام القضائية وتبسيط آليات الطعون أو الاستئناف إلكترونيا، وذلك يضمن سرعة الفصل في القضايا وتحقيق العدالة بشكل أسرع، مما يقلل من التأخيرات التي قد تنجم عن الإجراءات التقليدية.
إشكالية الموضوع:
تقتضي عصرنة المنظومة القضائية، معالجة جوانب هيكلية وتنظيمية فيها، ولبلوغ هذا الهدف تضمن ميثاق إصلاح منظومة العدالة مجموعة من التوصيات تروم إقامة إدارة قضائية إلكترونية مؤهلة وقائمة على اللاتمركز الإداري والمالي، وإرساء مقومات التقاضي الرقمي المدني، وتحديث الخدمات القضائية والرفع من مستوى البنية التحتية للمحاكم، مع الانفتاح على المحيط الخارجي وتعزيز التواصل مع المواطن وكل الفعاليات المهتمة بشؤون العدالة. وعلى هذا الأساس، وفي ظل التطورات المتسارعة في مجال التكنولوجيا والتحول الرقمي، بدت الحاجة إلى تطبيق التقاضي الرقمي المدني لما يحققه من مزايا واضحة، مع مراعاة التحديات التقنية والقانونية التي تعتري المنظومة القضائية.
ووفقًا لذلك، تنبثق إشكالية قانونية محورية لهذا الموضوع، والتي يمكن صياغتها على الشكل التالي:
مدى فعالية تطبيق الرقمنة في إجراءات التقاضي المدني؟
ويتفرع عن هذه الإشكالية المحورية، مجموعة من التساؤلات الفرعية التالية:
ما المقصود بالتقاضي الرقمي المدني؟ وما هي التحديات التي تواجه تطبيقه بالمغرب؟
هل سيبقى القضاء متجسدا بفضاء عمراني أم سنصير في فضاء رقمي؟
هل سيتم الاعتماد في عمل المحاكم على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل متكامل منذ لحظة التسجيل الأولي للدعوى إلى صدور الحكم فيها؟
هل القوانين والتشريعات الحالية كفيلة لمواكبة مستجدات التقاضي الرقمي المدني لتحقيق العدالة؟
هل آليات التقاضي الرقمي المدني تحقق فعلاً النجاعة القضائية والتحديث أم مجرد وسيلة لترشيد الزمن القضائي وتحقيق المردودية ولو بالكم على حساب الكيف؟
هل الفجوة الرقمية تؤثر على وصول جميع المواطنين إلى العدالة الرقمية بالتساوي؟
كيف يمكن للقضاة والمحامين التأقلم مع استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في التقاضي المدني؟
هل يؤثر غياب التفاعل الشخصي في التقاضي الرقمي المدني على فهم القضاة للقضايا أو على التواصل بين الأفراد والمحامين؟
ما هي المعايير الجديدة التي يجب اعتمادها لتحديد المحكمة المختصة بالنظر في المنازعات الرقمية؟ وهل يجب تعديل القوانين الحالية أم استحداث قوانين خاصة بالتقاضي الرقمي المدني؟
ما دور التعاون الدولي في حل إشكالية الاختصاص القضائي للمنازعات الرقمية العابرة للحدود، وكيف يمكن تنسيق الأنظمة القضائية بين الدول المختلفة؟
دوافع اختيار الموضوع:
يرجع اختياري لموضوع “رهانات التقاضي الرقمي المدني بين الواقع والمأمول” إلى دوافع موضوعية وأخرى ذاتية، كما يلي:
الدوافع الموضوعية: يشهد العالم تقدمًا كبيرًا في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مما يتطلب من الأنظمة القضائية التكيف مع هذه المتغيرات؛ ذلك يفرض ضرورة أن يواكب النظام القضائي المغربي التحولات الرقمية العالمية. وفي الواقع، فإن اعتماد التقاضي الرقمي المدني يتماشى مع الممارسات العالمية ومعايير حقوق الإنسان، مما يعزز مكانة المغرب، ويساعد في مواجهة التحديات المعاصرة؛ فقد أدى اعتماد التقاضي الرقمي في المغرب خلال جائحة كوفيد 19 إلى تحويل طريقة تقديم الخدمات القانونية، مما ساهم في استمرارية النظام القضائي وتوفير العدالة في أوقات الأزمات. حيث تعكس هذه التجربة الحاجة الملحة للتحول الرقمي في الأنظمة القانونية وتفتح آفاقًا جديدة لتحسين الإجراءات القضائية في المستقبل.
الدوافع الذاتية: اخترت هذا الموضوع بناءً على رغبة شخصية في ترجمة شغفي العلمي للبحث في مواضيع مستجدة تساهم في إثراء المكتبة القانونية. وأيضا بسبب شح الدراسات والكتابات في مجال التقاضي الرقمي المدني بالمغرب، وإن وجدت بعض الأبحاث والمراجع، فإنها غالبًا ما تكون عامة أو متخصصة في أحد جوانبه فقط. بالإضافة إلى ذلك، أسعى لتقديم مساهمة في الأبحاث القانونية المعاصرة. وذلك منذ ولوجي في سلك الماستر تخصص “المعاملات الإلكترونية”، حيث سبق واشتغلت على موضوع “أحكام التقاضي عن بعد” في رسالة الماستر، مما عزز اهتمامي بهذا المجال.
أهداف البحث:
تحليل واقع التقاضي الرقمي المدني بالمغرب، بما في ذلك تقييم الأنظمة والإجراءات الحالية المستخدمة في المحاكم، وفهم مدى فعالية هذه الأنظمة في تلبية احتياجات المتقاضين.
مقارنة التجربة المغربية مع تجارب دول أخرى في مجال التقاضي الرقمي المدني لفهم أفضل للممارسات والتطبيقات التي يمكن أن تعزز فعالية النظام المغربي.
استشراف الرهانات المستقبلية للتقاضي الرقمي المدني، وتحديد الاتجاهات المحتملة في التطورات التكنولوجية وتأثيرها على النظام القضائي.
دراسة الفرص التي يوفرها التقاضي الرقمي المدني لتحسين الوصول إلى العدالة وكفاءة النظام القضائي، بالإضافة إلى التحديات التي قد تواجه الرقمنة في المنظومة القضائية، مثل حماية البيانات وحقوق المتقاضين.
وضع توصيات عملية لتحسين تقنيات وإجراءات التقاضي الرقمي المدني، مع الأخذ في الاعتبار التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال.
المناهج المعتمدة:
لمحاولة ملامسة كافة جوانب هذا الموضوع، اعتمدنا على مجموعة من مناهج العلوم الاجتماعية التي تظهر أهميتها في تشخيص محاور الموضوع، تشخيصًا دقيقًا، وذلك وفق الآتي:
المنهج الوصفي: يعتبر المنهج الوصفي أحد الأساليب العلمية المستخدمة في البحث القانوني، ويهدف إلى وصف الظاهرة المدروسة بدقة وتفصيل؛ وقد استخدمنا المنهج الوصفي في هذا الموضوع، لتقديم صورة واضحة وشاملة حول التقاضي الرقمي المدني، وكيفية تطبيقه وتأثيراته على التقاضي التقليدي، وذلك وفق الآتي:
• وصف الإطار القانوني للتقاضي الرقمي المدني: عرض القوانين والتشريعات التي تنظم التقاضي الرقمي المدني بالقانون المغربي والقانون المقارن، حيث تم بيان النصوص القانونية المتعلقة بالتحول الرقمي في المحاكم. بالإضافة إلى بيان دور هذه التشريعات في تسهيل عملية التقاضي الرقمي المدني.
• وصف الإجراءات القضائية الرقمية: عرض الخطوات المتبعة في التقاضي الرقمي المدني بدءًا من تقديم الدعوى إلى إصدار الحكم، مع التركيز على الاختلافات الرئيسية بين الإجراءات التقليدية والإلكترونية.
• وصف التحديات والآفاق: تناولنا التحديات التي تواجه التقاضي الرقمي المدني، مثل ضعف البنية التحتية الرقمية في بعض المناطق، والأمية المعلوماتية. بالإضافة إلى بيان مدى استيعاب القواعد العامة للتقاضي الرقمي المدني على مستوى القانون الإجرائي. كما تناولنا حسنات التقاضي الرقمي المدني كتحسين الكفاءة القضائية، تقليل الوقت والتكاليف، وتوسيع نطاق الوصول إلى العدالة.
المنهج البنيوي ـــ الوظيفي: يعتبر المنهج البنيوي ـــ الوظيفي، إطار تحليلي يستخدم لدراسة القانون من خلال التركيز على البنية الداخلية للنظام القانوني نفسه، إذ يسعى هذا المنهج إلى فهم القواعد القانونية والمؤسسات كأجزاء مترابطة داخل نظام قانوني متكامل.
وفي موضوعنا، يفيد تحليل نظام التقاضي الرقمي المدني من خلال التركيز على بنيته الداخلية، مثل القواعد القانونية، الإجراءات، والتقنيات التي تشكل جوهر التقاضي الرقمي المدني. حيث يسعى هذا التحليل إلى فهم كيفية ترابط هذه العناصر لتحقيق العدالة والفعالية داخل المنظومة القضائية الرقمية، وذلك وفق الآتي:
• دراسة كيفية تأثير التكنولوجيا على بنية التقاضي الرقمي المدني، مثل الأنظمة الرقمية المستخدمة في تقديم الدعوى، إدارة الجلسات إلكترونيا، تنفيذ الأحكام الإلكترونية، وتأمين المعلومات؛ مع فهم كيفية توظيف التكنولوجيا داخل المنظومة القضائية، ومعرفة دورها كجزء لا يتجزأ من البنية الكلية.
• النظر إلى كل عنصر من عناصر التقاضي الرقمي المدني (القوانين، الإجراءات، الوسائل التكنولوجية الحديثة)، باعتبارها مكونات مترابطة تؤثر على بعضها البعض؛ حيث أنه من خلال هذه التفاعلات، يمكن فهم كيف تساهم هذه العناصر مجتمعة في تحقيق الفعالية والكفاءة في التقاضي الرقمي المدني، وكيف يتفاعل التقاضي الرقمي مع الإجراءات التقليدية؟ وهل يوجد تكامل أو تباين بينهما؟
• تحليل النصوص القانونية التي تنظم التقاضي الرقمي المدني، مثل القوانين المنظمة للمعاملات الإلكترونية، والمتعلقة بكل من التوقيع الإلكتروني، الأدلة الرقمية، وكيفية قبول البيانات الإلكترونية في المحاكم؛ وذلك لبيان كيفية تفاعل هذه القوانين مع بعضها البعض ومدى انسجامها مع عملية التقاضي؛ بالإضافة إلى بيان كيفية ترابط هذه القوانين مع القواعد العامة، لفهم كيفية تعديل النصوص القانونية الحالية لتتكيف مع التقاضي الرقمي، وتحديد ما إذا كان هناك ثغرات أو تعارضات بين القواعد العامة والقوانين الخاصة.
• تحليل المؤسسات القضائية التي تدير وتنفذ الإجراءات الرقمية مثل المحاكم الرقمية والمنصات الإلكترونية، مع تحديد كيفية عملها.
• تقييم مدى قدرة التقاضي الرقمي المدني على التعامل مع التحديات القانونية الداخلية مثل الطعون والاستئناف عن طريق النظام المعلوماتي.
دراسة مقارنة: هي نوع من الدراسات تعتمد على مقارنة مواضيع معينة للوصول إلى استنتاجات محددة، باعتبارها جزء من المنهج المقارن. واعتماد الدراسة المقارنة في موضوعنا يعني إجراء مقارنة بين أنظمة التقاضي الرقمي المدني بالمغرب وببعض الدول الأخرى المتقدمة (كفرنسا، الولايات المتحدة الأمريكية، الإمارات العربية المتحدة)، أو النامية (كمصر، العراق، الأردن). وذلك بهدف استنتاج أفضل للممارسات القضائية، وتحديد نقاط القوة والضعف في كل نظام. حيث أنه من خلال هذه المقارنة، يمكن تقديم توصيات لتحسين النظام القائم وتبني ممارسات ناجحة في أنظمة أخرى لتطبيقها أو تعديلها في السياق المغربي. ويمكن أن تتضمن التوصيات تعديلات قانونية، تطوير البنية التحتية الرقمية، أو تطبيق تقنيات جديدة لتعزيز كفاءة النظام القضائي.
خطة البحث:
تقتضي منا دراسة موضوع “رهانات التقاضي الرقمي المدني بين الواقع والمأمول”، انطلاقًا من الإشكالية الرئيسية والتساؤلات الفرعية المنبثقة عنها، واعتمادًا على المناهج المتبعة، معالجة هذا الموضوع والإحاطة بجوانبه وفق بابين، حيث ارتئينا تقسيم الموضوع وفق الآتي:
الباب الأول: واقع التقاضي الرقمي المدني.
الفصل الأول: آليات التقاضي الرقمي المدني واستراتيجية تفعيله على سائر المحاكم المغربية.
الفصل الثاني: الاختصاص القضائي في المنازعات المدنية ذات الطابع الرقمي.
الباب الثاني: تأثير الرقمنة على إجراءات التقاضي المدني.
الفصل الأول: إمكانية الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل متكامل في إجراءات رفع الدعوى في التقاضي المدني.
الفصل الثاني: انعكاس تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على إجراءات الفصل في الدعوى في التقاضي الرقمي المدني وعلاقتها بالذكاء الاصطناعي.



