شرعنة تدخل القانون الجنائي في مجال الأعمال – الباحثة : إبتسام الشرقاوي
"Legitimization of Criminal Law Intervention in the Business Sector"
شرعنة تدخل القانون الجنائي في مجال الأعمال
“Legitimization of Criminal Law Intervention in the Business Sector”
الباحثة : إبتسام الشرقاوي
طالبة باحثة بسلك الدكتوراه بمختبر قانون الاعمال كلية
العلوم القانوينة والسياسية – جامعة الحسن الأول سطات
هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 60 الخاص بشهر أكتوبر/ نونبر 2025
رابط تسجيل الاصدار في DOI
https://doi.org/10.63585/EJTM3163
للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665
شرعنة تدخل القانون الجنائي في مجال الأعمال
“Legitimization of Criminal Law Intervention in the Business Sector”
الباحثة : إبتسام الشرقاوي
طالبة باحثة بسلك الدكتوراه بمختبر قانون الاعمال كلية
العلوم القانوينة والسياسية – جامعة الحسن الأول سطات
ملخص:
نظرًا للتغيرات الاجتماعية المتسارعة التي صاحبت التحولات الجذرية في النظامين الاقتصادي والمالي، وما نتج عنها من تبدلات في البنية الأسرية وأنماط العيش، فقد شهدت الساحة الإجرامية بروز أنماط جديدة من الجرائم ذات طابع معقد وأكثر خطورة. وقد تضاعف هذا التوجه مع الطفرة التكنولوجية الهائلة التي عرفتها البشرية، حيث أصبح الفاعلون الإجراميون يوظفون وسائل تكنولوجية متقدمة لارتكاب أفعالهم الإجرامية بطريقة ممنهجة، احترافية، ومنظمة، مما يجعلها تختلف جذريًا عن الجرائم التقليدية من حيث الأسلوب والتنظيم والأثر.
وفي ظل هذا التطور النوعي للظاهرة الإجرامية، لم يعد من الممكن الاكتفاء بالأدوات التقليدية التي يقدمها القانون الجنائي لمواجهتها، بل أصبح من الضروري إعادة النظر في مدى قدرة هذا القانون على التفاعل مع هذه التحديات، خاصة فيما يتعلق بالجرائم الاقتصادية والمالية التي تقع في إطار مناخ الأعمال.
Abstract:
The evolution of economic, social, and technological systems has contributed to the rise of increasingly complex business crimes that differ significantly from traditional offenses. These developments necessitate adaptations in penal law to effectively address such crimes. This raises important questions about the extent to which penal law principles interact with and influence the Business Climate Law.
Keywords : Penal Law, Business Crimes, Economic Crimes, Financial Crimes, Economic Openness, Technological Development.
مقدمة:
عرف العالم خلال العقود الأخيرة تحولات بنيوية عميقة تعلقة بمختلف جوانب الحياة، سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو التكنولوجي، مما أدى إلى بروز أنماط جديدة من السلوك الإجرامي تتسم بالتعقيد والدقة والاحترافية. فقد أفرز تطور النظام الاقتصادي والمالي، إلى جانب التحول في النسيج الاجتماعي والبيتي، بيئة مواتية لظهور جرائم حديثة ومعقدة، تمارس في الغالب في إطار منظم واحترافي، وتستعين بأدوات تكنولوجية متطورة، مما يجعل من الصعب مقارنتها بالجرائم التقليدية من حيث الوسائل والآثار.
جدير بالإشارة إلى أن المتأمل في جميع التشريعات الجنائية على إختلاف سياستها الإقتصادية والمالية تقر تدخل القانون الجنائي في مناخ الأعمال، ومنهم التشريع المغربي الذي أقر في مختلف النصوص التشريعية التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بمناخ الأعمال عدة أحكام جنائية وإجرائية تتفق مع المضمون الجديد السلطة الدولة في العقاب من جهة. ومن جهة أخرى بتطبيق إجراءات فعالة مسيرة مختصرة لضمان حرية اقتصادية غير حرية المبادلات وحرية المنافسة وتحرير العملة وتشجيع السوق المالية.
كما يعتبر مناخ الأعمال الركيزة الأساسية لحياة الأفراد والمجتمعات، بحيث أصبح في عالم اليوم يحتل مرتبة الصدارة في اهتمامات الدول متجاوزا الاعتبارات السياسية التي كانت في زمن قريب محور هذه الاهتمامات.
إن هذه الجرائم، التي تتخذ في أحيان كثيرة طابعًا اقتصاديا وماليًا، أصبحت تشكل تهديدًا حقيقيًا لمناخ الأعمال والاستثمار، بالنظر إلى ما تخلفه من اختلالات في السوق وتزعزع لثقة المستثمرين، بالإضافة إلى الإضرار بالمصالح العامة والخاصة على حد سواء. وهو ما يضع النظام القانوني، وعلى رأسه القانون الجنائي، أمام تحديات جديدة تستوجب منه التأقلم والتحديث.
وفي هذا السياق، أضحى من الضروري التساؤل حول مدى تفاعل وتكامل قواعد القانون الجنائي مع المقتضيات القانونية ذات الصلة بمناخ الأعمال، وذلك قصد الوقوف على حدود هذا التداخل، وتحديد ما إذا كان القانون الجنائي بمبادئه وآلياته التقليدية قادرًا على التصدي للجرائم الاقتصادية والمالية المستحدثة، أم أن الأمر يتطلب تطوير أدواته لمسايرة تعقيدات الواقع الاقتصادي الجديد.
ومن هنا يطرح الإشكال المركزي التالي : إلى أي حد تتفاعل قواعد ومبادئ القانون الجنائي مع المقتضيات القانونية المتعلقة بمناخ الأعمال في سبيل مكافحة الأفعال الإجرامية ذات الطابع الاقتصادي والمالي؟
ويتفرع عن هذا الإشكال مجموعة من التساؤلات الفرعية من ضمنها:
- ما هي الخصائص التي تميز الجرائم المرتكبة في إطار مناخ الأعمال؟
- كيف يتدخل القانون الجنائي لمواجهة هذه الجرائم؟
- هل يشكل هذا التدخل ضمانة لحماية مناخ الاستثمار والأمن الاقتصادي؟
- وما مدى انسجام هذا التدخل مع متطلبات حرية الاستثمار والنشاط الاقتصادي؟
إن معالجة هذه الإشكالية ومختلف النقاط التي يثيرها هذا الموضوع ستكون من خلال مطلبين وهذا عبر الخطة التالية:
المطلب الأول: تدخل القانون الجنائي لمكافحة الأشكال المتعددة من جرائم الأعمال
المطلب الثاني: الضمانات القانونية لتحقيق التوازن بين متطلبات الردع وحرية الإسثتمار
المطلب الأول: تدخل القانون الجنائي لمكافحة الأشكال المتعددة من جرائم الأعمال
يُعد مناخ الأعمال أحد الركائز الأساسية في تقييم الأداء الاقتصادي للدول، إذ يشكل البيئة العامة التي يمارس فيها الفاعلون الاقتصاديون أنشطتهم، ويؤثر بصورة مباشرة على قرارات الإستثمار والإنتاج والتوظيف. ويقصد بمناخ الأعمال جملة العوامل القانونية، والسياسية، والإقتصادية، والإدارية، التي تحيط بالعملية الإستثمارية وتؤثر في مجرياتها سلبًا أو إيجابًا. ومن هذا المنطلق، أصبح تحسين مناخ الأعمال هدفًا استراتيجيًا تتنافس من أجله الدول، لِما له من أثر بالغ في تعزيز القدرة التنافسية وجلب الإستثمارات وتحقيق التنمية المستدامة.
ويتخذ مناخ الأعمال أشكالاً متعددة تعكس مدى تيسير الدولة للأنشطة الإقتصادية، ومن أبرز تجليات هذا المناخ: سهولة إنشاء المقاولات، ووضوح القوانين التجارية، ومرونة النظام الضريبي، وجودة البنية التحتية، وكفاءة الإدارة العمومية، فضلاً عن استقرار النظام السياسي والأمني. وتُعتبر هذه الجوانب بمثابة مؤشرات حيوية تُعتمد في تقارير دولية مرجعية، مثل تقرير “ممارسة أنشطة الأعمال” الصادر عن مجموعة البنك الدولي، والذي يرصد أداء الدول في مجالات مختلفة، من قبيل بدء النشاط التجاري، والحصول على التراخيص، وتنفيذ العقود، وحماية المستثمرين، وتسوية حالات الإفلاس.
ولا يخفى أن هذه المؤشرات تُعد أدوات تحليلية تساعد على فهم واقع الاستثمار في بلد معين، كما تُسهم في إبراز مكامن الضعف التي تعرقل التنمية الاقتصادية. فالدول التي تحقق مراتب متقدمة في هذه المؤشرات غالبًا ما تتمتع ببيئة مؤسساتية شفافة، وقضاء فعال، وتشريعات مرنة، مما يعزز الثقة لدى المستثمرين ويدفعهم نحو توجيه رؤوس أموالهم إليها. في المقابل، تعاني بعض الدول من اختلالات بنيوية، كالبيروقراطية المعقدة، والفساد، وضعف الضمانات القانونية، وهي عوامل تُنفر المستثمر وتحدّ من فرص النمو الاقتصادي.
خلاصة إن إصلاح مناخ الأعمال لا يُمكن أن يتحقق بقرارات ظرفية أو مجهودات قطاعية محدودة، بل يستدعي تبني رؤية شمولية تقوم على تحديث المنظومة القانونية، وتبسيط الإجراءات الإدارية، وتعزيز الحكامة الجيدة، والارتقاء بجودة الخدمات العمومية. ومن شأن هذا التوجه الإصلاحي أن يجعل من الدولة فضاءً جاذبًا للاستثمارات، ومحفزًا على الابتكار والإنتاج، وقادرًا على تحقيق نقلة نوعية في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية[1].
نظرا لاتساع المجال الاقتصادي وتنوعه في ظل اقتصاد السوق والذي أفرز ظهور جرائم الأعمال، مثل جرائم الاحتيال والغش التجاري والتهرب الضريبي وتزوير في وثائق ذات طابع مالي الخ. كان لابد التفكير في إيجاد سياسة جنائية حديثة كالية لتنظيم مناخ الأعمال وضبطه ضمن أطر تؤمن حماية السياسة الاقتصادية والمالية بكافة أشكالها.
وبناء على ذلك سوف ندرس هذا المطلب وفق الفقرتين التاليتين، سنتطرق بالفقرة الأولى لمبررات التدخل القانون الجنائي في مجال الاعمال من الجانب القانوني، والمطلب الثاني لمبررات التدخل القانون الجنائي في مجال الاعمال من الجانب العملي
الفقرة الأولى: مبررات التدخل القانون الجنائي في مجال الاعمال من الجانب القانوني
من أهم المبررات التي يمكن ادراجها لتدخل القانون الجنائي في مجال الأعمال نذكر منها:
- حماية النظام الاقتصادي العام
يتدخل القانون الجنائي لحماية أسس النظام الاقتصادي من الممارسات الإجرامية التي تُخل بالتوازنات الاقتصادية وتضر بالمنافسة الشريفة. ويُعد الاقتصاد الوطني مصلحة جماعية، تستوجب حماية خاصة من التشريعات الزجرية، لأن المساس بها لا يطال فقط المتعاملين الاقتصاديين، بل يمتد ليؤثر على النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي.
من أبرز الأفعال المجرّمة في هذا السياق:
الغش في المواد والبضائع[2]، التزوير في المحررات التجارية أو البنكية[3]، المضاربة غير المشروعة في الأسواق.
وتتجلى أهمية هذا التدخل في ضمان شفافية المعاملات الاقتصادية، وفرض احترام القواعد التنظيمية للأسواق.
تعزيز الثقة في مناخ الاستثمار: تُعد الثقة حجر الزاوية في كل مناخ استثماري ناجح، وهي لا تُبنى إلا في إطار قانوني يضمن النزاهة، ويواجه الانحرافات التي قد تُضعف ثقة المستثمرين. فالتدخل الجنائي يعطي رسالة مفادها أن المشرّع المغربي يقف بالمرصاد لكل سلوك من شأنه تعريض الاستثمارات للخطر[4].
مثال على ذلك: جريمة النصب التجاري (الفصل[5] 540 ق.ج).
خيانة الأمانة التي قد تطال أموال الشركاء أو الزبناء، استعمال معلومات غير مشروعة في الأسواق المالية.
وبهذا الشكل، يسهم القانون الجنائي في إرساء الأمن القانوني، وهو شرط حاسم في اتخاذ قرار الاستثمار.
مكافحة الفساد والرشوة يُعتبر الفساد، بكل أنواعه، من أهم معوقات الاستثمار. ومن هنا جاء تدخل القانون الجنائي المغربي لمحاربة مظاهر الفساد التي تنخر الإدارة والاقتصاد، عبر:
تجريم الرشوة بمختلف أشكالها (الفصول 248[6] إلى 256).
تجريم استغلال النفوذ، وهو شكل من أشكال الانحراف في استعمال السلطة لتحقيق منافع خاصة، المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد سنة 2007، والتي ألزمت المغرب بتشديد العقوبات المتعلقة بالرشوة والفساد المالي والإداري.
ويهدف هذا التدخل إلى خلق بيئة اقتصادية نزيهة وشفافة، تحترم مبدأ تكافؤ الفرص بين الفاعلين الاقتصاديين.
- حماية المال العام والمستهلك
في مجال مناخ الأعمال، لا يقتصر الحماية على المستثمر فقط، بل تتعداه إلى حماية المال العام من التبذير أو الاختلاس، وحماية المستهلك من المنتجات والخدمات المغشوشة أو الخطرة.
أمثلة: التجريم في مجال الصفقات العمومية مثل الرشوة والغدر واستغلال النفوذ في تفويت العقود، حماية المستهلك من خلال تجريم الإعلان الكاذب أو تضليل الزبناء، معاقبة الغش في الجودة أو الوزن أو المكونات، وهو أمر يمس بحق المستهلك ويمثل خطراً على الصحة والسلامة العامة.
- ضبط الشركات ومراقبة المسؤولية الجنائية للمسيرين
أمام تطور الحياة الاقتصادية، أصبح من الضروري إخضاع الشركات (الأشخاص المعنوية) لمنطق المساءلة الجنائية، خاصة عند ارتكاب أفعال يعاقب عليها القانون في إطار التسيير غير المشروع.
أهم ما يميز هذا المجال: اعتماد المغرب مبدأ المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي القانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة تجريم سوء استخدام أموال الشركة، خاصة عندما يستغل المسير مركزه لتحقيق منافع شخصية، المتابعة الجنائية للمسيرين الذين يتسببون بإفلاس المقاولة عن طريق التدليس أو الإهمال.
هذا النوع من الرقابة الزجرية يمنع الإفلات من العقاب، ويضمن شفافية تدبير المال والاستثمار داخل المقاولات.[7]
- التزامات المغرب الدولية
في إطار انخراطه في المنظومة الاقتصادية العالمية، أضحى المغرب ملزماً بملاءمة قوانينه، خاصة الجنائية، مع المعايير الدولية، لا سيما المتعلقة بمكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية العابرة للحدود.
أهم الأمثلة: الانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، قوانين غسل الأموال وتمويل الإرهاب (خاصة القانون رقم 12.18 المعدل للقانون 43.05 مواءمة الإطار القانوني مع توصيات مجموعة العمل المالي[8] (GAFI)
ويُعد هذا الالتزام وسيلة لطمأنة المستثمرين الأجانب، وتعزيز مكانة المغرب في التصنيفات الدولية.
- استباق الأزمات الاقتصادية والمالية
من خلال التدخل الوقائي، يهدف القانون الجنائي إلى تجنب وقوع أزمات اقتصادية ناجمة عن ممارسات إجرامية قد تهدد السوق أو تزعزع استقراره.
مثال على ذلك: تجريم التلاعب في المعلومات المالية أو المحاسباتية للشركات، تجريم الغش الضريبي واسع النطاق الذي يُفقد الدولة مواردها ويُخلّ بمبدأ العدالة الجبائية، تجريم الإفلاس التدليسي كوسيلة لحماية الدائنين من ممارسات غير قانونية تؤدي إلى التصفية الوهمية للشركات.
هذا التدخل يعكس دور القانون الجنائي كآلية استباقية للحد من الأزمات الاقتصادية الكبرى التي عرفها العالم (مثل الأزمة المالية لسنة 2008).
خلاصة: يبرز تدخل القانون الجنائي في مناخ الأعمال كضرورة حتمية لضمان الشفافية، والنزاهة، وحماية الثقة، وتحقيق الأمن الاقتصادي[9]. ولا يمكن لمناخ الأعمال أن يكون جاذبًا وفعالاً دون وجود ترسانة جنائية قوية، متوازنة، وعادلة، تؤمن الحماية للمصالح المشروعة للمستثمر، الدولة، والمستهلك على السواء.
الفقرة الثانية: مبررات تدخل القانون الجنائي في مجال الاعمال من الجانب العملي
ان تدخل القانون الجنائي أصبح ضرورة في سبيل تحقيق العديد من المصالح رغم تبايها وتباعدها، فإطلاق الحرية للمبادرات الخاصة دون ضوابط يؤول إلى اهدار مصالح جديرة بالحماية والتي تختلف باختلاف الأهداف التي يسعى المشرع إلى تحقيقها.
أولًا: حماية الثقة والشفافية في المعاملات التجارية
التطبيق العملي: الفصل 540 من القانون الجنائي[10] يجرّم النصب التجاري، ويعاقب على كل من استعمل طرقًا احتيالية لخداع الغير بغرض الاستيلاء على أموال أو ممتلكات، الفصل [11]547 يعاقب على إصدار شيك بدون مؤونة كافية، وهي ظاهرة تمس بشكل مباشر الثقة في التعاملات التجارية.
لهدف التطبيقي: منع السلوكيات التي تهدد الشفافية في العقود التجارية والمعاملات البنكية، وتعزيز الثقة بين الفاعلين في السوق.
ثانيًا: محاربة الفساد الإداري والاقتصادي في الصفقات العمومية
التطبيق العملي: الفصول 248 إلى 256 من القانون الجنائي[12] تجرّم الرشوة، سواء من طرف الموظف أو المرتفق، وتشمل كذلك أعوان السلطة، موظفي الدولة، وحتى القضاة.
تدخل هذه الجرائم بشكل مباشر في الصفقات العمومية ومجال الاستثمار، إذ تعرقل مبدأ تكافؤ الفرص بين المقاولات، وتفتح المجال أمام الزبونية والمحسوبية.
الهدف التطبيقي: ضمان شفافية الصفقات العمومية، والقطع مع “اقتصاد الريع” الذي يضعف التنافسية ويشوه مناخ الأعمال.
ثالثا: حماية المقاولة من الغش وسوء التسيير
التطبيق العملي: قانون الشركات 17.95 و 5.96 (خاصة الفصل 384 من مدونة التجارة[13]) ينص على تجريم:
استغلال أموال الشركة لأغراض شخصية من طرف المسيرين، تقديم معلومات كاذبة في التقارير المالية، الإفلاس التدليسي.
الهدف التطبيقي: حماية الشركاء والمساهمين من المسيرين الذين يسيئون استعمال سلطتهم، وضمان استقرار المقاولات في وجه التصرفات التدليسية.
رابعًا: محاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب
التطبيق العملي: القانون رقم 12.18 المعدّل للقانون 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال[14]: يُلزم الأشخاص الذين يشتغلون في المجال المالي والتجاري بإبلاغ السلطات عن أي عملية مشبوهة، يضع آليات للرقابة المالية على التحويلات البنكية، الهدف التطبيقي: حماية النظام المالي المغربي من التدفقات المشبوهة، وتفادي إدراج المغرب في اللوائح الرمادية أو السوداء التي تضر بصورة الاقتصاد.
خامسًا: حماية المستهلك من الغش في المنتجات أو الخدمات
التطبيق العملي: القانون 31.08 المتعلق بحماية المستهلك[15] يجرّم الإعلانات المضللة أو الخادعة، والتقاعس عن تقديم المعلومات الأساسية حول المنتَج.
كذلك، الفصل الرابع[16] يجرّم الغش في البضائع من حيث النوع أو الكمية، الهدف التطبيقي: خلق توازن في العلاقة بين المستهلك والمنتج أو المورد، بما يعزز الثقة في السوق الداخلي ويشجع الاستهلاك والاستثمار.
سادسًا: ضمان الشفافية الجبائية ومنع الغش الضريبي
التطبيق العملي: القانون العام للضرائب يعاقب على التهرب الضريبي، وهناك تنسيق بين الإدارة الجبائية والقضاء الزجري في الملفات المتعلقة بالغش الكبير.
قانون المالية لسنة 2020 عزز من مسطرة التصريح الإجباري بالممتلكات، وربط ذلك بعقوبات جنائية، الهدف التطبيقي: تأمين موارد الدولة، ومنع المقاولات من التحايل على الالتزامات الجبائية، مما يعزز العدالة الضريبية ويحقق منافسة نزيهة.
سابعًا: التزامات المغرب الدولية ومواءمة القانون الجنائي
التطبيق العملي: إصدار القانون رقم 43.05 بتوصيات من مجموعة العمل المالي[17] (GAFI)، وتعديله لاحقًا سنة 2021 ليتلاءم مع المعايير الدولية.
المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد سنة 2007، التي دفعت نحو تطوير النصوص الزجرية في مجال المال العام والأعمال، الهدف التطبيقي: جعل المنظومة القانونية المغربية متوافقة مع المنظومة الاقتصادية العالمية، وهو أمر أساسي لجلب الاستثمارات الأجنبية.
خلاصة تطبيقية: يتضح من خلال تحليل المقتضيات التشريعية المغربية أن تدخل القانون الجنائي في مجال الأعمال لم يأتِ من فراغ، بل بُني على مبررات تطبيقية مرتبطة بواقع السوق والاقتصاد. وقد حرص المشرّع المغربي على أن يكون هذا التدخل متوازنًا، يجمع بين:
الردع القانوني، وحماية الحقوق الاقتصادية، واحترام مبادئ العدالة والشفافية.
نستشف من خلال ما سبق أن الغاية تندرج إلى:
أولا: ما إذا كان يهدف من خلال ذلك إلى حماية السياسة الاقتصادية للدولة، فيجرم حينئذ كل المخالفات التي من شأنها الإخلال بمقتضيات تلك السياسة.
ثانيا: ما إذا كان يهدف من خلال ذلك إلى ضمان احترام مبادئ معينة يعتبرها أساسية في ميدان المعاملات الاقتصادية كالشفافية في تسيير القطاعين العام والخاص والمنافسة الشريفة وتعزيز النزاهة.
ثالثا: إن أهمية تدخل القانون الجزائي من الناحية التطبيقية يستوجب وضع معيار لتحديد المصلحة المراد حمايتها، فجرائم الأعمال تقع في زمن محدد وتعاقب بعقوبة محددة وحسب الحالة الاقتصادية التي تعيشها البلاد مهما كان نظامها.
المطلب الثاني: الضمانات القانونية لتحقيق التوازن بين متطلبات الردع وحرية الإسثتمار
تحتل مسألة تحقيق التوازن بين متطلبات الردع الجنائي والحفاظ على مناخ أعمال سليم موقعًا محوريًا ضمن أولويات السياسات العمومية والعدالة الجنائية في المغرب، لاسيما في ظل التحولات الاقتصادية المتسارعة التي تشهدها المملكة، والسعي الحثيث نحو تعزيز جاذبيتها الاستثمارية على المستويين الوطني والدولي. فبينما تُعدّ الجريمة الاقتصادية والمالية من أخطر التحديات التي تهدد النسيج الاقتصادي والاجتماعي، لما تسببه من خلخلة لقواعد المنافسة الشريفة وتقويض للثقة في المعاملات، فإن الإفراط في التجريم واللجوء المفرط إلى العقوبات الزجرية قد يؤدي بدوره إلى نتائج وخيمة تعرقل حرية المبادرة وتقلص من فرص الاستثمار، مما يستوجب نهج سياسة جنائية متوازنة تتأسس على ضمان فعالية الردع مع احترام مقومات الأمن القانوني ومبادئ العدالة الاقتصادية[18].
إن ضمان بيئة أعمال مستقرة وآمنة قانونيًا لا يمكن أن يتحقق فقط عبر تشجيع الاستثمار وتبسيط الإجراءات الإدارية، بل يقتضي أيضًا وضع ترسانة قانونية قادرة على كبح التجاوزات والممارسات غير المشروعة التي تضر بالاقتصاد الوطني، من قبيل الفساد، الرشوة، تبييض الأموال، الاختلاس، والتلاعب بالصفقات العمومية. وفي هذا الإطار، نهج المشرع المغربي خلال العقدين الأخيرين مقاربة شاملة لمكافحة هذه الجرائم، سواء من خلال مراجعة القوانين الزجرية (مثل القانون الجنائي وقانون غسل الأموال)، أو من خلال تعزيز دور المؤسسات الرقابية (كالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، ووحدة معالجة المعلومات المالية، والمفتشية العامة للمالية).
غير أن هذه التدابير، وعلى الرغم من نجاعتها في تحقيق الردع، قد تطرح إشكالات حقيقية إذا ما طُبقت دون مراعاة للحقوق الأساسية للفاعلين الاقتصاديين، أو إذا ما أُسيء استخدامها في ظل غموض النصوص أو غياب التأويل القضائي الموحد، ما قد يُفضي إلى نوع من “الردع السلبي” أو ما يُعرف بـ*”الأمن القانوني السلبي” الذي يدفع الفاعلين إلى العزوف عن المبادرة الاقتصادية خشية الوقوع في المحظور دون قصد. وهنا تبرز أهمية الضمانات القانونية كآلية لتصحيح هذا الخلل، من خلال تكريس مبادئ قانونية أساسية، كالوصف الدقيق للأفعال المجرّمة، والتناسب بين الجريمة والعقوبة، وضمان حق الدفاع، واعتماد بدائل للعقوبة السالبة للحرية، فضلًا عن تشجيع الوسائل البديلة لحل المنازعات ذات الطبيعة الاقتصادية.
وما يزيد من تعقيد هذه الإشكالية في السياق المغربي هو التداخل بين النصوص القانونية ذات الطبيعة الزجرية والنصوص ذات البعد التنظيمي الإداري، بحيث يصعب أحيانًا التمييز بين ما يشكل مخالفة تستوجب العقاب الجنائي، وما يُعد مجرد خطأ تدبيري يدخل في إطار المخاطر العادية لنشاط المقاولة. كما أن تأرجح القضاء بين التوجه الزجري والحماية الاقتصادية يطرح تساؤلات حول مدى فعالية الضمانات القانونية في تحقيق هذا التوازن.
انطلاقًا من ذلك، يبرز السؤال التالي: إلى أي حد استطاع القانون المغربي، من خلال منظومته الزجرية والضمانات القانونية، أن يُحقق توازنًا فعليًا بين متطلبات الردع الجنائي وضرورة الحفاظ على مناخ أعمال آمن ؟
لمقاربة هذا السؤال سنتطرق على مستوى الفقرة الأولى للمتطلبات الردع الجنائي في مواجهة الجريمة الاقتصادية وأثرها على مناخ الأعمال وعلى مستوى الفرة الثانية للضمانات القانونية الكفيلة بحماية الفاعلين الاقتصاديين وتحقيق التوازن المطلوب.
الفقرة الأولى: متطلبات الردع الجنائي في مواجهة الجريمة الاقتصادية وأثرها على مناخ الأعمال
في خضم التحديات الاقتصادية الراهنة، أصبح من الضروري تبني سياسة جنائية صارمة لمواجهة تفشي الجرائم الاقتصادية، باعتبارها تهديدًا مباشرًا لمناخ الأعمال وثقة المستثمرين. فمظاهر الفساد الإداري والمالي، والغش الضريبي، وتبييض الأموال، والتزوير في الوثائق التجارية أو المحاسبية، كلها أفعال تؤثر سلبًا على شفافـية السوق وعلى قواعد المنافسة المشروعة، وتُقوّض أسس الاستقرار القانوني والاقتصادي. من هنا، سعى المشرع المغربي إلى تقوية الترسانة القانونية الزجرية، من خلال التنصيص على مجموعة من العقوبات الجنائية في القوانين العامة والخاصة، لاسيما القانون الجنائي، ومدونة التجارة، وقانون الشركات، وقانون غسل الأموال، فضلاً عن قوانين الصفقات العمومية.
وقد تم تعزيز هذا التوجه الزجري عبر توسيع صلاحيات النيابة العامة ومؤسسات الرقابة، بهدف الكشف المبكر عن الجرائم الاقتصادية وملاحقة مرتكبيها بكفاءة وفعالية، لا سيما بعد استقلال السلطة القضائية سنة 2017. كما تم إقرار آليات قانونية جديدة، مثل تجميد وحجز ومصادرة الأموال ذات الأصل غير المشروع، وهو ما يشكل تحولا مهمًا نحو تجفيف منابع الجريمة الاقتصادية بدل الاكتفاء بالعقوبات التقليدية.
ورغم أهمية هذه المقاربة في ترسيخ ثقافة عدم الإفلات من العقاب، إلا أن الإفراط في استعمال الوسائل الزجرية قد يُسفر عن نتائج عكسية، من بينها إضعاف ثقة المستثمرين، وتردد الفاعلين الاقتصاديين في المبادرة خوفًا من التأويل الواسع للنصوص أو من التعسف في المتابعة. كما أن الخلط بين الجريمة الاقتصادية والخطأ التجاري العادي قد يُربك النظام القانوني ويؤدي إلى زعزعة استقرار المقاولات، خاصة في غياب قضاء متخصص يميز بدقة بين السلوك الإجرامي والانزلاق التدبيري.
وهكذا، فإن فعالية الردع لا تكمن فقط في شدة العقوبات، بل في عدالتها ووضوحها وتناسبها مع طبيعة الأفعال المرتكبة، وفي قدرتها على تقويم السلوك لا تدمير المقاولة.
الفقرة الثانية: الضمانات القانونية الكفيلة بحماية الفاعلين الاقتصاديين وتحقيق التوازن المطلوب
في مقابل ما سبق، حرص المشرع المغربي على تضمين مجموعة من الضمانات القانونية والقضائية التي من شأنها أن تُحقق نوعًا من التوازن بين مقتضيات الردع وبين متطلبات استقرار مناخ الأعمال، تجسيدًا لمبدأ الأمن القانوني الذي يُعد أساسًا لا غنى عنه لأي نظام اقتصادي ناجح. وتُعد هذه الضمانات حجر الزاوية في إرساء ثقة الفاعلين الاقتصاديين في المنظومة القضائية، سواء تعلق الأمر برجال الأعمال المغاربة أو المستثمرين الأجانب.
من أبرز هذه الضمانات، مبدأ الشرعية الجنائية، الذي يقتضي أن تكون القواعد الزجرية واضحة ومكتوبة، مما يمنع التوسع أو التأويل غير المشروع في تجريم الأفعال الاقتصادية. كما أن مبدأ التناسب بين الفعل المرتكب والعقوبة المقررة يضمن عدم المساس بالكيانات الاقتصادية بشكل مفرط، خصوصًا أن بعض العقوبات (مثل إغلاق المقاولة أو حرمانها من الصفقات العمومية) قد تؤدي إلى نتائج اقتصادية واجتماعية جسيمة، تفوق في آثارها الجريمة المرتكبة نفسها.
ومن جهة أخرى، أتاح المشرع المغربي إمكانيات لتسوية بعض المخالفات عبر آليات بديلة، كالمصالحة والوساطة والغرامات الإدارية، خاصة في مجال الجمارك والضرائب ومخالفات الصرف، وهو توجه حميد ينسجم مع التجارب الدولية، ويُوفر حلولا سريعة وفعالة دون المساس بمصالح الدولة أو المستثمر. كما تم إدراج آلية الامتثال كوسيلة وقائية تهدف إلى تعزيز الشفافية داخل المقاولات، من خلال التزامها طوعًا بتطبيق قواعد أخلاقية وقانونية صارمة، مما يُجنبها الوقوع في الأخطاء التي قد تؤدي إلى المتابعة القضائية[19].
وبذلك، فإن تعزيز هذه الضمانات وتطويرها يمثل رهانًا حقيقيًا لإنجاح أي إصلاح اقتصادي أو استثماري، كما يُعد مؤشرًا قويًا على نضج السياسة الجنائية المغربية، ومدى استجابتها لمتطلبات العدالة والنجاعة الاقتصادية في آن واحد.
خاتمة:
ختاماً، يتبيّن من خلال ما سبق أن تدخل القانون الجنائي في مجال الأعمال لم يعد خياراً، بل ضرورة ملحة تفرضها التحولات الاقتصادية والتجارية الكبرى التي يشهدها العالم المعاصر، والتي انعكست بشكل واضح على البنية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات، ومنها المغرب. فقد أصبحت الجرائم الاقتصادية والمالية من أبرز التحديات التي تواجه الدولة الحديثة، نظراً لما تخلفه من آثار مدمّرة تمس جوهر الاقتصاد الوطني، وتضعف ثقة المتعاملين الاقتصاديين، كما تهدد ركائز الاستثمار والتنمية المستدامة.
ولذلك، فإن تدخل المشرّع الجنائي في هذا المجال جاء استجابة لحاجة ملحّة إلى تأطير هذا الواقع المتغير، من خلال وضع نصوص قانونية زجرية تتسم بالفعالية والردع، تواكب المستجدات وتتصدى لمختلف صور الانحراف الإجرامي التي قد تنشأ في ظل الأنشطة الاقتصادية والتجارية. ويظهر هذا التدخل في سن قوانين خاصة تهم الجرائم المالية، كغسل الأموال، والرشوة، والاختلاس، والتزوير في المحررات التجارية، واستغلال النفوذ، وجرائم السوق، وغيرها من السلوكات التي تنخر كيان الاقتصاد وتؤثر سلباً على ثقة المتعاملين.
وقد حاول المشرّع المغربي من خلال ترسانة من النصوص القانونية، سواء عبر القانون الجنائي العام أو القوانين الخاصة، تحقيق توازن دقيق بين ضرورة حماية الاقتصاد الوطني والأنشطة التجارية من جهة، وضمان احترام الحقوق الفردية وحريات الفاعلين الاقتصاديين من جهة أخرى، في إطار من العدالة الجنائية التي تقوم على الشرعية، والتناسب، وحماية المبادئ الدستورية.
إن المجتمع في ظل ما يعيشه من تطورات متسارعة، بحاجة إلى منظومة قانونية قوية وفعالة تحمي مصالحه الاقتصادية، وتضمن الشفافية والنزاهة في المعاملات، وتردع كل من تسوّل له نفسه العبث بمقدّرات الدولة والمجتمع. ومن هذا المنطلق، فإن تعزيز تدخل القانون الجنائي في مجال الأعمال يجب أن يواكبه تطوير مستمر في آليات التقنين، ووسائل الرقابة، وسبل الوقاية، إلى جانب تأهيل الموارد البشرية المكلفة بإنفاذ القانون، بما يحقق الأمن الاقتصادي ويكرّس دولة القانون والمؤسسات.
وهكذا، يتجلى بوضوح أن تدخل القانون الجنائي في مجال الأعمال ليس فقط ضرورة قانونية، بل هو أيضاً خيار استراتيجي لحماية الاقتصاد الوطني، وتعزيز الثقة في مناخ الاستثمار، وضمان العدالة الاقتصادية والاجتماعية.
بعض المقترحات الممكنة بخصوص موضوع مقالنا، انطلاقاً مما سلف، ومن أجل تعزيز فعالية تدخل القانون الجنائي في مجال الأعمال، فإن الأمر يستدعي اعتماد مجموعة من التدابير التشريعية، والمؤسساتية، والعملية، نوجزها فيما يلي:
تحيين النصوص القانونية باستمرار: ينبغي العمل على مراجعة وتحيين التشريعات الجنائية المرتبطة بالمجال الاقتصادي والمالي بما يواكب التطورات المستجدة، سواء على المستوى الوطني أو الدولي، وبما يضمن الانسجام مع الاتفاقيات والمعايير الدولية ذات الصلة بمكافحة الجريمة الاقتصادية.
تعزيز آليات الوقاية أكثر من الزجر: على الرغم من أهمية العقاب كوسيلة للردع، إلا أن سياسة التجريم يجب أن توازيها إجراءات وقائية فعالة، تقوم على الشفافية، والرقابة، والتحسيس، والتربية القانونية، لتجنيب الفاعلين الوقوع في السلوكيات الإجرامية.
تكوين وتأهيل الفاعلين في العدالة الجنائية الاقتصادية: من الضروري الاستثمار في تكوين قضاة، ونيابات عامة، وضباط الشرطة القضائية، وخبراء ماليين متخصصين في الجرائم الاقتصادية، نظراً لما تتطلبه من معرفة تقنية دقيقة ومعقدة.
الانفتاح على مقاربات متعددة: ينبغي تعزيز التنسيق بين القانون الجنائي والقوانين الأخرى ذات الصلة، كالقانون التجاري، وقانون الشركات، والقانون الجبائي، لضمان معالجة متكاملة للجرائم المرتبطة بالأعمال.
تشجيع التعاون الدولي: نظراً للطابع العابر للحدود للعديد من الجرائم الاقتصادية، يتعين على المغرب تعزيز التعاون القضائي والأمني مع الدول الأخرى، وتبادل المعلومات والخبرات لمواجهة الشبكات الإجرامية المنظمة.
وفي ضوء هذه المقترحات، تبرز الحاجة إلى رؤية استراتيجية شمولية تتكامل فيها مختلف الأبعاد القانونية، الاقتصادية، والتقنية، بما يحقق حكامة جيدة للمنظومة الاقتصادية، ويضمن الأمن القانوني للمعاملات، في ظل احترام الحقوق والحريات.
لائحة المراجع:
- رضوان الدهدوه، دور العمل القضائي في حماية الاقتصاد الوطني من خلال القانون الجنائي الجمركي، مطبعة سليكي، طنجة، الطبعة الأولى 2020
- رضى ابن خدة، محاولة في القانون الجنائي للشركات التجارية تأصيل وتفصيل، مطبعة دار السلام، الرباط، الطبعة الثانية 2012
- طارق البختي المسؤولية الجنائية لشركة المساهمة على ضوء الفقه والقضاء، قراءات في المادة الجنائية، الجزء الثاني، دون ذكر المطبعة سلسلة المعارف القانونية والقضائية منشورات مجلة الحقوق الطبعة الأولى 2014
- طارق السلومي تجريم الغش في المادة الضريبية، مطبعة الأمنية الرباط، السلسلة المغربية للعلوم والتقنيات الضريبية، العدد السادس 2014
- طارق لكدالي القانون الجنائي للضمان الاجتماعي دراسة تحليلية على ضوء التشريع والقضاء”، مطبعة الأمنية، الرباط دون طبعة.
- عبد الجليل مهرار، تأثير المبدأ التوجيهي للاقتصاد على القانون الجنائي للشركات – دراسة نقدية على ضوء قانوني الشركات رقمي 17.95 و 5.96 وتعديلاتهما اللاحقة، مطبعة دار القلم الرباط الطبعة الأولى 2021
الأطروحات
- عبد العالي برزجو، ترشيد السياسة الجنائية في مجال الأعمال، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، السنة الجامعية 2012/2011.
- عبد اللطيف بوعلام الحماية الجنائية للمستهلك في التشريع المغربي، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم القانونية ، جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مراكش، السنة الجامعية 2016-2017.
- محمد أعظية الحماية الجنائية لمصالح الشركاء في الشركات التجارية، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط، السنة الجامعية 2004/2003.
- محمد مومن المسؤولية الجنائية لرئيس المؤسسة الاقتصادية في القانون الجنائي المغربي أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط، السنة الجامعية 1998.
- هشام الزربوح، خصوصية القانون الجنائي للأعمال بالمغرب، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة مولاي إسماعيل، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس السنة الجامعية 2014/2013.
- هشام بوحوص دور الاجتهاد القضائي في تحديد نطاق المسؤولية الجنائية في القانون الجنائي للأعمال، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة، السنة الجامعية 2011/2010.
- الغش في المواد والبضائع في القانون المغربي مجرّم ويعاقب عليه بموجب القانون رقم 13.83 المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع، بالإضافة إلى أحكام القانون الجنائي. يهدف هذا القانون إلى مكافحة الغش والتزييف في البضائع والسلع، وحماية المستهلكين والتجار من الممارسات التجارية غير المشروعة. ↑
- التزوير في المحررات التجارية أو البنكية في القانون المغربي هو جريمة يعاقب عليها القانون، حيث ينظم القانون الجنائي المغربي هذه الجريمة في الفصول من 351 إلى 369. يتضمن التزوير في المحررات تغيير الحقيقة في مستند، سواء كان رسمياً أو عرفياً، بهدف تحقيق مكاسب غير مشروعة أو الإضرار بالغير. ↑
- بوشي يوسف: الأحكام الموضوعية في القانون الجنائي الاقتصادي – دراسة مقارنة -، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، طبعة 2019، ص 81-82. ↑
- الفصل 540 من القانون الجنائي الذي جاء فيه :يعد مرتكبا لجريمة النصب، ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من خمسمائة إلى خمسة آلاف درھم، من استعمل الاحتيال ليوقع شخصا في الغلط بتأكيدات خادعة أو إخفاء وقائع صحيحة أو استغلال ماكر لخطأ وقع فيه غيره ويدفعه بذلك إلى أعمال تمس مصالحه أو مصالح الغير المالية بقصد الحصول على منفعة مالية له أو لشخص آخر. وترفع عقوبة الحبس إلى الضعف والحد الأقصى للغرامة إلى مائة ألف درھم، إذا كان مرتكب الجريمة أحد الأشخاص الذين استعانوا بالجمھور في إصدار أسھم أو سندات أو اذونات أو حصص أو أي أوراق مالية أخرى متعلقة بشركة أو بمؤسسة تجارية أو صناعية.” ↑
- يعاقب بالحبس من 2 إلى 5 سنوات وغرامة من 5,000 إلى 50,000 درهم كل موظف عمومي أو قاضٍ أو عامل أو مستخدم طلب أو قبل عرضًا أو هدية مقابل: القيام بعمل من أعمال وظيفته – الامتناع عن عمل يدخل ضمن اختصاصاته -استغلال منصبه لتحقيق منفعة شخصية. ↑
- عبد المجيد أغميجة، دور العدالة الجنائية في ميدتن الاعمالوالاقتصاد المقاولة والسياسة الجنائية، مرجع سابق ص 120. ↑
- القانون رقم 12.18 هو قانون بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي والقانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال. تم إصداره بتاريخ 8 يونيو 2021. يهدف هذا القانون إلى تعزيز الإطار القانوني لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ↑
- أولا: أن التقدم التكنولوجي والانفتاح الاقتصادي جعل أمر مكافحة جرائم الأعمال – التي بدأت تتخذ شكل جرائم الكترونية أكثر صعوبة، نظرا للحدود المفتوحة التي سهلت نقل المعلومات وتعقد مسألة سريان تطبيق القانون من حيث الزمان والمكان بشأن تحديد الدولة صاحبة الاختصاص بالنظر في مثل هذه الجرائم.
تانيا: إن القيم الجديدة التي فرضها الواقع الاقتصادي أدى إلى زعزعة الأحكام العامة المعمول بها في القانون الجنائي باعتبار أن جرائم الأعمال ناشئة عن التغيرات في البني الاجتماعية والاقتصادية كالتحول من المجتمع الزراعي إلى المجتمع الصناعي إلى المجتمع المعلوماتي، مما يؤدي إلى تغيير عميق في السياسة الجنائية
ثالثا: في ظل ما يسمى بالعولمة الاقتصادية الذي أصبح يقوم على تجمعات وتكتلات تستهدف تغيير اقتصاد السوق وتجعله عرضة للتقلبات اقتصادية، ويسبب ظهور ألبات معقدة تأخذ كل وجها جديدا بامكانيات جديدة ووسائل متجددة أصبحت تحكم عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أوجب على القاضي الجنائي أن يتدخل من خلال وضع إجراءات ردعية توفر حماية جزائية للنشاط الاقتصادي من مخاطر الاندماج العالمي. ↑
- الفصل 540 من القانون الجنائي المغربي ينص على أن “كل من استخدم الاحتيال ليوقع شخصًا في الغلط بتأكيدات كاذبة أو إخفاء وقائع صحيحة أو استغلال خطأ وقع فيه غيره ويدفعه بذلك إلى أعمال تمس مصالحه أو مصالح الغير المالية بقصد الحصول على منفعة لنفسه أو لغيره يعتبر مرتكبًا لجريمة النصب”. يعاقب مرتكب جريمة النصب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 500 إلى 5000 درهم. ↑
- الفصل 547 من القانون الجنائي المغربي يتعلق بجريمة خيانة الأمانة، حيث يعاقب أي شخص اختلس أو بدد بسوء نية أموالاً أو أوراقاً أو أي ممتلكات سلمت إليه على أن يردها أو يستخدمها لغرض معين. ↑
- الفصل 256 من القانون الجنائي المغربي ينص على أنه لا يمكن متابعة الراشي الذي يبلغ السلطات القضائية عن جريمة الرشوة إذا قام بذلك قبل تنفيذ الطلب المقدم إليه، وشرط أن يكون الموظف هو الذي طلب الرشوة. هذا يعني أن الراشي الذي يتخذ هذه الخطوة قبل أن يتم طلب الرشوة، لن يتم متابعته جنائيًا بسبب إبلاغه عن الجريمة. ↑
- الفصل 384 انقطاع التقادم ضد الوارث الظاهر أو غيره ممن يحوز الحق، يسري على من يخلفه في حقوقه. الفصل 385 يسوغ التمسك بانقطاع التقادم في مواجهة ورثة الدائن وخلفائه. الفصل 386 يحسب التقادم بالأيام الكاملة لا بالساعات، ولا يحسب اليوم الذي يبدأ التقادم منه في الزمن اللازم لتمامه. ↑
- القانون رقم 12.18 هو قانون معدّل للقانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال في المغرب. تم صدوره بتاريخ 8 يونيو 2021 بهدف تعزيز المنظومة التشريعية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ↑
- يعتبر القانون 31.08 الإطار القانوني الأساسي لحماية المستهلك في المغرب، وهو يمثل نقلة نوعية في تعزيز حقوق المستهلكين في مواجهة التحديات الاقتصادية والتجارية. صدر القانون في سنة 2011، ويهدف إلى حماية حقوق المستهلكين من خلال تنظيم العلاقة بين المستهلكين والمهنيين، ووضع آليات لحماية حقوقهم وضمان سلامتهم. ↑
- الفصل الذي يجرم الغش في البضائع من حيث النوع أو الكمية من القانون رقم 13.83 المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع. ينص هذا الفصل على معاقبة كل من يرتكب الغش في البضائع من حيث نوعها أو كميتها أو أي من خصائصها الجوهرية.
يتضمن القانون عقوبات على الغش في البضائع، سواء كان ذلك في نوع البضاعة أو كميتها أو في أي من خصائصها الجوهرية أو تركيبها، إذا تبين أن تعيين النوع أو المنشأ المنسوب زورا إلى البضاعة كان السبب الأساسي لالتزام المتعاقد. كما يشدد القانون العقوبة إذا تم الغش بواسطة بيانات مدلسة أو موازين ومقاييس مزيفة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن القانون يعتبر العرف المهني والتجاري مرجعًا لتحديد مادية المخالفة بالنسبة للمواد أو الأفعال التي لا يتضمنها القانون أو النصوص المتخذة لتطبيقه، كما يتضمن مقتضيات خاصة بأخذ العينات للمقارنة. ↑
- القانون رقم 43.05 هو القانون المغربي المتعلق بمكافحة غسل الأموال، وقد تم تعديله وتتميمه بموجب قانون رقم 12-18. هذا القانون يُعتبر جزءًا من الإطار القانوني الذي يهدف إلى مواكبة التوصيات الدولية، مثل تلك الصادرة عن مجموعة العمل المالي (FATF)، بشأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ↑
- محمد أعظية: الحماية الجنائية لمصالح الشركاء في الشركات التجارية، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه قانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، جامعة محمد الخامس، الرباط السنة الجامعية 2003،2004 ص 112. ↑
- أما على مستوى القضاء، فبرز دور قاضي الأعمال والقضاء التجاري في إرساء نوع من الحماية القانونية للمقاولات، خصوصًا في حالات صعوبات المقاولة، حيث يُفضّل منطق الإنقاذ على منطق الزجر. كما ساهم القضاء الجنائي في بعض الأحيان في ترسيخ اجتهادات تُراعي الطابع الاقتصادي والاجتماعي للجريمة، دون إغفال دور المجلس الأعلى للسلطة القضائية في توجيه القضاة نحو تأويل متوازن وعادل للنصوص الزجرية ذات الصلة بالمجال الاقتصادي. ↑
- محمد بنعليلو، التطبيقات القضائية لقوانين الملكية الصناعية في المغرب، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2019، ص22. ↑