“قراءة قانونية في الفصول 1ـ447 و 2ـ447 و3ـ447 من القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء” – يوسف بنشهيبة
“قراءة قانونية في الفصول 1ـ447 و 2ـ447 و3ـ447 من القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء”
يوسف بنشهيبة باحث في العلوم الجنائية والأمنية

مقدمة:
أفرز التطور المتسارع لوسائل الاتصال والتكنولوجيا الرقمية تحديات قانونية وأمنية وقضائية جديدة، كان من أبرزها، ما يتعلق بحماية الحياة الخاصة للأفراد في ظل سهولة التقاط وتسجيل وبث المعطيات الشخصية عبر مختلف الوسائط، خاصة الأنظمة المعلوماتية ووسائل التواصل الاجتماعي.
أمام واقع إفتراضي جديد ذا طابع خاص، انتقلت معه ارتكاب الجريمة من واقع مادي إلى ارتكابها بكبسة زر عبر واقع افتراضي، وفي ظل هذه الوضعية كان لزاما على المشرع المغربي أن يتدخل من خلال سنه لمجموعة من الفصول القانونية الزجرية، لاسيما الفصول 1-447 و2-447 و3-447 من مجموعة القانون الجنائي[1] بهدف تعزيز الحماية الجنائية للحياة الخاصة، والتصدي لمظاهر الاعتداء عليها عبر الواقع الافتراضي، سواء عن طريق التسجيل غير المشروع، أو البث والتوزيع، أو تركيب الصور والأقوال، أو نشر الادعاءات والوقائع الكاذبة بقصد التشهير.
وتكتسي هذه المقتضيات أهمية بالغة، لكونها تشكل امتدادًا مباشرًا للمقتضيات الدستورية، خاصة الفصول 19 و22 و24 من دستور 2011،[2] الذي كرس الحق في الخصوصية والكرامة الإنسانية وسرية الاتصالات.
ومن أجل معالجة دقيقة لهذا الموضوع وما تتضمنه هذه الفصول من حمولة قانونية في غاية الأهمية، وما يطرحه موضوع قراءة في الفصول 1-447 و2-447 و3-447 من مجموعة القانون الجنائي[3] جملة من الإشكاليات، من أبرزها:
إلى أي حد نجح المشرع المغربي في تحقيق حماية فعالة للحياة الخاصة في ظل انتشار الجرائم الرقمية؟
ما هي الأفعال المجرمة بموجب الفصلين 1-447 و2-447، وما حدود التمييز بينها؟
كيف تتجلى أركان هذه الجرائم، خاصة الركن المادي والمعنوي؟
وما مدى نجاعة ظروف التشديد المنصوص عليها في الفصل 3-447 في حماية الفئات الهشة كالنساء والقاصرين؟
ومن أجل معالجة هذا الموضوع اخترنا التصميم التالي:
المطلب الأول: الحماية الجنائية للحياة الخاصة قراءة في الفصل 1-447 من مجموعة القانون الجنائي
الفقرة الأولى: نطاق الأفعال المجرمة والوسائل المعتمدة
الفقرة الثانية: أركان الجريمة وحدود القصد الجنائي
المطلب الثاني: جريمة التشهير قراءة في الفصل 2-447 من مجموعة القانون الجنائي
الفقرة الأولى: مفهوم التركيبة وأثرها على الحقيقة
الفقرة الثانية: أركان الجريمة وحدود القصد الجنائي
المطلب الثالث: ظروف التشديد وحماية الفئات الهشة في الفصل 3-447 من مجموعة القانون الجنائي
الفقرة الأولى: العود وظروف مشددة
الفقرة الثانية: حماية المرأة والقاصر في ضوء دستور 2011
المطلب الأول: الحماية الجنائية للحياة الخاصة قراءة في الفصل 1-447 من مجموعة القانون الجنائي
الفقرة الأولى: نطاق الأفعال المجرّمة والوسائل المعتمدة
قراءة قانونية في الفصل 1_447 من مجموعة القانون الجنائي: “يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام عمدا، وبأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري دون موافقة أصحابها.
يعاقب بنفس العقوبة من قام عمدا وبأي وسيلة، بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص، دون موافقته[4]
القراءة التحليلية للفصل:
العقوبة الحبسية: إن العقوبات السالبة للحرية التي يحددها المشرع، يكون الهدف منها إضفاء الطابع الجزري على الجرائم، ويراد بها أيضا تحقيق الردع الخاص والعام، كما هو الشأن في الفصل أعلاه.
الغرامة المالية: والتي تراوحت من 2.000 إلى 20.000 درهم، وهي ليست بالغرامة البسيطة، وهو ما يفهم على أن هذا النوع من الجرائم يكتسي طابع خاص، ويشكل فعلا خطيرا، كونه يمس بالحياة الخاصة للأفراد التي يحميها الدستور، كما تعتبر هذه الغرامة مكملة للعقوبة الحبسية، ويشكلان هامشا واسعا يمنح للقاضي من أجل الموازنة بين خطورة الفعل من جهة، وبين وضعية الجاني من جهة أخرى.
عبارة: “كل من قام عمدا” والتي تحيلنا على اعتبار أن هذا النوع من الجرائم، من الجرائم العمدية، والتي يشترط فيها توفر القصد الجنائي المباشر الذي هو أساس هذه الجريمة، على عكس الجرائم الغير العمدية أو الخطأ الجنائي وصوره…
إن المرتكب للجريمة العمدية هو عالم بعناصرها، وله إرادة وتصميم على ارتكابها، ويرى بعض الفقهاء أن هناك صورة ثالثة للركن المعنوي، وهو القصد الجنائي المتعدي أو ما يسمى بالجرائم متجاوزة القصد وهي جرائم ذات نتيجة تتعدى ما قصده الجاني عند قيامه بالسلوك الإجرامي.[5]، أي أن يكون الجاني على علم أنه يقوم بعملية التقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع، أي هو إدراك كلي أن الفعل الذي يقدم عليه يمس بالحياة الخاصة للآخر، ويراد منه الوصول إلى تحقيق النتيجة الإجرامية، وبالتالي يمكن القول على أنها نية مدركة مميزة واعية تتجه بشكل مباشر إلى تحقيق الإضرار بالآخر.
عبارة: “وبأي وسيلة” في نظرنا المشرع لم يشترط وسيلة معينة لارتكاب هذه الجريمة، وهو ما يفهم من عبارة وبأي وسيلة، حيث يمكن أن تكون هذه الوسيلة تقليدية، كتوزيع منشورات تتضمن صورة شخص ما دون موافقته، أو بث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة، كما أن وسائل النشر لم تعد تقتصر على الصحافة والنشر بل وأصبحت تعتمد على وسائل التكنولوجيا الحديثة.
عبارة: “بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية” وبالرجوع إلى القانون رقم 07-03[6] المتمم لمجموعة القانون الجنائي فيما يتعلق بالجرائم المتعلقة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، وبالرغم من غياب أي تعريف صريح ومباشر لمفهوم الأنظمة المعلوماتية، ولكن يمكننا استقرائه من خلال مقتضيات الفصل 3_607[7] حيث اعتمد القانون على مفهوم “نظام المعالجة الآلية للمعطيات، وهو مفهوم يمكن القول على أنه يعادل تقريباً مفهوم “النظام المعلوماتي” في المعنى العملي والقانوني.
ويرى بعض الباحثين في مجال نظم المعلومات، أن” نظام المعلومات” يشمل مجموعة من المفاهيم والمكونات التي تؤدي دورا مهما في الواقع العملي وأن فهم التعريف العملي لنظام المعلومات يساعد في تطوير الأبحاث وعمليات التطوير الفعلي لنظم المعلومات.[8]
ويمكن أن نعرف النظام المعلوماتي على أنه أي جهاز إلكتروني أو مجموعة أجهزة تقوم بمعالجة أو تخزين أو إرسال أو استقبال المعلومات بشكل أوتوماتيكي، بدون تدخل مباشر للإنسان، ويمكن القول على أن عبارة: “بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية” التي تم التنصيص عليها في الفصل 1-447[9]، هي امتداد لعبارة “نظام المعالجة الآلية للمعطيات” التي نص عليها الفصل 3_607.[10]
المشرع ومن خلال الفصل 1ـ447[11] من م.ق.ج استعمل تعبير “الأنظمة المعلوماتية” كمفهوم أوسع أولا، وثانيا كون أن الأجهزة الرقمية والتكنولوجيا الحديثة شهدت تطورا كبيرا، وتتعلق بكل من: الإنترنت، الهواتف الذكية، الشبكات الاجتماعية…
الهاتف الذكي يحتوي على نظام يعالج الصور والفيديوهات، وبالتالي فهو نظام معلوماتي، وهذا ينطبق كذلك على (الحاسوب) كونه يتضمن مجموعة من البرامج التي تحلل البيانات وتنشرها، وينطبق كذلك على (الخوادم) التي تحفظ البيانات.
ويمكن القول على أن المشرع كان موفقا من خلال عبارة توظيف “الأنظمة المعلوماتية” والتي يتداخل فيها الركن المادي للفصل 1_447[12] من م.ق.ج وهو ما سنفصل فيه من خلال الركن المادي للجريمة.
“بالتقاط”: بالرجوع إلى الدورية الصادرة عن رئاسة النيابة العامة بتاريخ: 06 دجنبر 2018[13] في الموضوع المتعلق بحماية الحياة الخاصة للأفراد في ظل القانون رقم 103.13[14] عرفت الالتقاط كونه اعتراض أقوال أو معلومات لم تكن موجهة أصلا إلى الشخص الذي التقطها، كالرسائل الهاتفية النصية أو تلك المحالة عبر الوسائل الإلكترونية أو نحوها، التي يقوم بالتقاطها غير طرفي المحادثة.
في المقابل نلاحظ أن هذا التعريف ضيق شيئا ما، حيث حصر الالتقاط في اعتراض الرسائل الهاتفية…، في حين أن الالتقاط يشمل كذلك أخذ أو تصوير أو تسجيل صورة أو مشهد أو صوت لشخص دون إذنه، في لحظة وقوع الفعل، بمعنى آخر، الالتقاط هو المرحلة الأولى من الحصول على المادة الأصلية (صورة أو صوت) بطريقة غير مشروعة.
“التسجيل”: وردت في لسان العرب لابن منظور كلمة سجل أي سجَّلَ الشيءَ تسجيلًا: أثبته وقيّده وأدخله في سجلّ، والسِّجلّ هو الصحيفة أو الدفتر الذي تُكتب فيه الأمور لإثباتها وحفظها. ويقال سجّل الكلام أي دوّنه وكتبه ليبقى محفوظًا.[15]
ويمكن تعريف ” التسجيل” على أنه عملية حفظ أو تثبيت الفيديو أو الصوت، وكما جاء في الدورية[16] (تسجيل المكالمات الهاتفية، أو حوار أجري في مكان خاص ولو كان الفاعل طرفا في الحوار، الصورة أو الفيديو على وسيلة معينة ( الهاتف، الكاميرا، الحاسوب…)، والفرق بين الالتقاط والتسجيل، هو أن التسجيل يقوم على عملية التثبيت المادي لما تم التقاطه، أي يمكن اعتباره في نفس الوقت تخزين ما تم تسجيله.
“عبارة بث أو توزيع”: واللتان تعنيان التبادل أو تعميم أو نشر أو عرض أو إرسال أو نقل المحتوى سواء كان صوت، صورة، فيديو، بث مباشر على مواقع التواصل الاجتماعي،… إما بشكل عام أو اقتصر على عدد محدود من الأشخاص، سواء مباشرة أو عبر وسيلة من وسائل التكنولوجيا.
ومن الأمثلة عن “البث”: نشر فيديو على الفيسبوك يحتوى صور شخص بدون إذنه، أو قيام شخص بنشر فيديو مركب لصورة أو أقوال شخص بدون إذنه على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، ومن الأمثلة عن “التوزيع”: كأن يتوصل شخص بفيديو خاص من أحد ما، ثم يرسله لمجموعة واتساب ما، فهذا يسمى توزيعاً.
“عبارة أقوال أو معلومات” وحيث أن المشرع اعتبر كذلك أن الأقوال التي ينطق بها الشخص محمية بموجب القانون، لأنها تدخل في إطار خاص، ما دام لم يُصرِّح بها في العلن، ومن الأمثلة عن ذلك (حوار بين شخصين) وفي ذلك حكم صادر عن المحكمة الكبرى لإيكس بروفانس[17] والتي اعتبرت أن الحديث الخاص الذي يجريه الشخص مع صديقه في الشارع العام مشمولا بالحماية لأن الأقوال صدرت بشكل خاص.(كالنقاش الداخلي، أو حديث داخل اجتماع، مكالمة هاتفية، رسالة صوتية، حديث سري جاء في سياق مهني، أو استشارة طبية أو قانونية تمت عبر أي وسيلة من وسائل التكنولوجيا الحديثة).
“المعلومات”: هي كل المعطيات ذات طابع خاص أو سري، كيفما كان شكلها: مكتوبة، مرئية، رقمية أو لفظية، ومن الأمثلة عن هذه المعلومات، (مراسلات مكتوبة SMS – WhatsApp)، رسائل إلكترونية، صور وثائق معطيات شخصية العنوان، الحالة الاجتماعية، بيانات بنكية…).
“عبارة بشكل خاص أو سري”
خاص: جاءت من فعل “خص” فيقال خصه بالشيء يخصصه خصوصا وتأخذ معنى الانفراد بالشيء دون غيره[18]
وجاء في لسان العرب لابن منظور، أن الخاص هو من الأسرار التي تُكتَم وتُخفى عن الناس، وهو ما لا يُظهره الشخص للآخرين، ويمكن أن يشمل ما في القلب من خفايا سواء كان خيرًا أو شرًّا[19]
والخاص في نظرنا ما يخص الشخص وحده وغير موجه للعموم، كما أنه ليس بالضرورة سريا، حيث يمكن أن تتطلع عليه عائلة الشخص أو الدائرة الصغيرة من الأفراد التي تربطهم به علاقة ما، ومن الأمثلة عن ذلك: (الحديث بين الأزواج، نقاش داخل مكتب مغلق بين شخصين، صورة داخل منزل أو هاتف شخص ما، صورة شخص في سيارته، مكالمة هاتفية بين شخصين…).
سري: وهو من الأسرار التي تُكتم؛ وهو ما أخفيتُه من أمرٍ لا يظهر للناس. كما يُذكر أن جمعه أسرار ويُستخدم للدلالة على ما يُخفَى من الأمور والأحوال[20]
وفي منظورنا هو ما يخفيه الشخص عن الناس، وله قيمة شخصية أو اجتماعية أو مهنية…، ويُفترض أنه لا يطلع عليه إلا شخصان أو مجموعة محدودة، وهو بخلاف الخاص والذي يمكن أن يعتبر سري أو غير سري، حسب الأحوال، ومن
الأمثلة عن ذلك، (الأسرار العائلية، الأسرار المرضية، محتوى رسائل بين شخصين
معطيات مؤسساتية خاصة، كلمة سر…).
ويمكن القول على أن المعيار المحدد لكل من شرط الخاص والسري وهو معيار “الخصوصية”
“عبارة: دون موافقة أصحابها” والتي يفهم منها غياب عنصر الرضى الصريح والواضح من الشخص الذي تخصه الأقوال أو المعلومات أو الصورة…، حيث أن هذا الشخص لم يمنح الإذن لالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع…، و ما دام أن الموافقة غير متوفرة فالجريمة متحققة،[21]
ويلاحظ أن حرص المشرع على ضرورة توفر موافقة أصحاب هذه الأقوال أو المعلومات…، وهو ارتباط الجريمة بالحق في الخصوصية، حيث يمكن اعتبار هذا الحق ملكية معنوية شكلها شكل الملكية المادية للمنزل.
عبارة: “يعاقب بنفس العقوبة من قام عمدا وبأي وسيلة تثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص دون موافقته”
“تثبيت” هو التقاط أو أخذ صورة ثابتة لشخص، أي حفظ صورته في شكل صورة فوتوغرافية بدون حركة، سواءً عبر: كاميرا الهاتف أو آلة تصوير أو كاميرا مراقبة أو أي جهاز قادر على التقاط صورة ثابتة، بمعنى آخر يمكن القول على أن التثبيت هو أخذ صورة أو التقاط صورة لشخص وتخزينها بشكل ثابت، وهو يختلف تماما عن التسجيل والذي يراد به الفيديو أو الصوت أو الحركة، ويرجع ذكر المشرع لكل من “تثبيت” و”تسجيل” إلى الإحاطة بوضعيات الجرائم المختلفة وظروف ارتكابها، إضافة إلى تجنب سوء الفهم أو التوسع في تفسير النص الجنائي.
وفي هذا المقام، يحيلنا الفصل 1ـ447 من م.ق.ج [22]، حول إشكالية في غاية الأهمية والمتمثلة في الاعتداد بالتسجيلات التي يراد منها تقديمها كدليل إتباث أمام القضاء، سواء تعلق الأمر بمكافحة الفساد أو إتباث جريمة ما.[23]
الفقرة الثانية: أركان الجريمة وحدود القصد الجنائي
الركن المادي للفصل 1ـ447 من مجموعة القانون الجنائي
النشاط الاجرامي: المعلوم أن النشاط الإجرامي يقصد به كل سلوك إيجابي صادر عن الجاني ويتخذ أحد الأفعال التي نص عليها المسرع صراحة في الفصل 1ـ447 [24] وهي الالتقاط، التسجيل، البث، التوزيع…، ويشمل هذا النشاط الإجرامي كل ما من شأنه الحصول على أقوال أو معلومات أو صورة شخص صادرة بشكل خاص أو سري، أو تثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص في مكان خاص، دون موافقته.
ويجب الإشارة إلى أن المشرع لم يشترط وسيلة معينة، وهو ما تم الإشارة إليه أعلاه، وعبارة “بأي وسيلة” وهي التي يفهم منها أن الجريمة تعتبر قائمة سواء ارتكبت بواسطة طرق تقليدية معتادة، أو بطرق استعملت فيها وسائل التكنولوجيا الحديثة (كالحاسوب أو الهاتف…).
النتيجة الإجرامية: إن الحديث عن النتيجة الإجرامية هو حديث لا يمكن حصره في بضعة أسطر، كون أن هذه النتيجة تشمل مستويات عدة، ويختلف وقعها من جريمة لأخرى، وما يمكننا الحديث عنه هو المس بالحياة الخاصة الحميمية للضحية، وانتهاك حقه في الخصوصية وسرية أقواله أو معلوماته أو صورته، وشعوره بعدم الأمان.
العلاقة السببية بين النشاط الإجرامي والنتيجة الإجرامية: لا يمكن الحديث عن نتيجة إجرامية في ظل غياب علاقة سببية مباشرة قائمة بين النشاط الإجرامي والنتيجة الإجرامية، أي أن يكون هذا المساس بالحياة الخاصة ناتجًا مباشرة عن فعل الالتقاط أو التسجيل أو البث أو التوزيع…، وأن يكون سلوك الجاني هو السبب المباشر في تحقق النتيجة الإجرامية، فإن ثبت أن الأقوال أو المعلومات أو الصورة تم الحصول عليها أو نشرها بفعل الجاني، وأن ذلك أدى إلى انتهاك خصوصية الضحية فإن العلاقة السببية تصبح متوفرة، ولا يؤثر في ذلك كون الوسيلة رقمية أو تقليدية كما وسبق الإشارة.
أولا: الضرر المادي: إن كان لزاما علينا التطرق لكل من الضرر المادي والضرر المعنوي في هذا المقال، فإن هذا التطرق هو نسبي على كل حال، لكون الأضرار بطبيعتها تختلف من شخص لآخر، حسب ظروف الجريمة وظروف الجاني ومحددات أخرى، إضافة إلى كونها تتخد أبعاد ومستويات مختلفة كليا.
ويمكن القول على أن هذا الضرر قد يتجلى في فقدان الضحية لعمله أو مصدر دخله نتيجة نشر معطيات أو صور خاصة أو وقائع أو ادعاءات كاذبة تمس سمعته أو صفته المهنية سواء كان الضحية، موظفا أو مستثمرا أو سياسيا أو مدير شركة، وقد يخسر هذا الضحية فرصة، أو وظيفة مهنية أو مكانة إجتماعية ( بسبب استغلال غير مشروع لمعطياته الخاصة)، كما أن هذا الضرر لا يتوقف هنا وحسب، بل يشمل كذلك (المصاريف المادية الإضافية التي تحملها المتضرر والمتمثلة في اللجوء إلى القضاء ورفع الدعوى ومصاريف التنقل والإقامة، ومصاريف الخبرة، وأتعاب المحامي…).
ثانيا: الضرر المعنوي: يتفق الجميع على أن الضرر المعنوي يشكل أهمية بالغة، ولا يمكن منطقيا وقانونيا إنزاله منزلة المقارنة بالضرر المادي، وحيث أن الضرر المعنوي هو الضرر الجوهري والأساسي في جريمة الفصل 1-447،[25]من م.ق.ج فالجريمة تمس مباشرة الحياة الخاصة والكرامة الإنسانية للشخص، ويتجلى هذا الضرر في المساس بحق الشخص في الخصوصية وسرية حياته الخاصة، والاحساس بالانتهاك وفقدان الطمأنينة والأمان، الناتج عن تصوير أو تسجيل أو نشر أقوال أو صور دون رضا صاحبها، والشعور بالإهانة أو الحرج الاجتماعي، خاصة إذا تعلق الأمر بصور أو أقوال ذات طابع حميمي أو سري.
وتجدر الإشارة إلى أن الضرر المعنوي مفترض في هذه الجريمة، ولم يشترط المشرع إثباته بدليل مادي، بل يكفي ثبوت الفعل الجرمي ذاته، سواء بواسطة الالتقاط، التسجيل، البث أو التوزيع دون موافقة صاحبها.
الركن المعنوي للفصل 1ـ447 من مجموعة القانون الجنائي
القصد الجنائي: وهو اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة وهو قصد عام مباشر
أولا: عنصر العلم أي أن يكون الجاني على علم بالنتيجة الإجرامية، أي أن كل من التصوير أو التسجيل أو النشر لأقوال أو صور… سيؤدي حتما إلى المس بالحياة الخاصة للأشخاص والتشهير بهم.
ثانيا: عنصر الإرادة وهو عزم وتصميم الجاني على ارتكاب الجريمة، هي إرادة تتجه بشكل مباشر نحو تحقيق النتيجة الإجرامية، إرادة حريصة على تهييئ كل الوسائل والظروف والسهر على أن تتحقق هذه النتيجة، في غياب العدول الإرادي.
المطلب الثاني: جريمة التشهير قراءة في الفصل 2-447 من مجموعة القانون الجنائي
الفقرة الأولى: مفهوم التركيبة وأثرها على الحقيقة
الفصل 2ـ447 من مجموعة القانون الجنائي: “يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 درهم إلى 20.000 درهم كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الانظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم”.[26]
الغرامة المالية: المشرع أبقى على نفس الغرامة المنصوص عليها في الفصل 1ـ447[27] من م.ق.ج.
العقوبة الحبسية: الملاحظ أن المشرع رفع من العقوبة الحبسية من ستة أشهر المنصوص عليها في الفصل 1ـ447[28] إلى عقوبة حبسية بلغت سنة والمنصوص عليها في الفصل 2ـ447 [29] من م.ق.ج.
وفي نظرنا أن السبب في رفع العقوبة الحبسية راجع أولا إلى طبيعة الجريمة، وثانيا إلى نوع وجسامة الضرر.
القراءة التحليلية للفصل:
كلمة “تركيبة”: ويقصد بلفظ التركيبة وهو ما يقابله باللغة الفرنسية من النص المغربي ((Montages توليفة أو تركيبة مجموعة من الصور أو الأقوال أو كلاهما لإخراجهما إلى الوجود في شكل منسق يحمل معنى محددا[30]، وترتكب هذه الجريمة عن طريق برامج المونتاج سواء المتبثة على مستوى الحواسيب أو التطبيقات المتبثة على مستوى الهواتف الذكية.
ويعرف المونتاج كأحد الجوانب الأساسية في وسائل الفيلم والتلفزيون، وهو يتضمن القدرة على تحرير وإعادة ترتيب الصور واللقطات لصياغة قصة، ويجمع بين المشاهد ويقارن بينها لإنتاج معنى أو تأثير خاص لدى المشاهد[31]
وفي رأينا فإن عملية المونتاج قد يراد بها تغيير الحقيقة أو المعنى الأصلي، بهدف المساس بشرف أو اعتبار الشخص أو التشهير به، أو الإضرار بحياته الخاصة، ويمكن القول على أن عملية المونتاج هي وسيلة للتلاعب بالمحتوى الحقيقي، لإظهار الشخص في وضع أو قول لم يصدر عنه صراحة، سواء كان هذا المحتوى عبارة عن صورة أو صوت او فيديو…
ومن الأمثلة على ذلك، كأن يقوم شخص بتسجيل أو أخد فيديو لشخص ما، تم يقوم بإضافة صوت لشخص آخر غير صادر منه، عن طريق الذكاء الاصطناعي أو
تقنية(Deep Fake) المقابل لها باللغة العربية (التزييف العميق) هو وسيط رقمي تم إنشاؤه أو تلاعبه بواسطة الذكاء الاصطناعي باستخدام تقنيات التعلّم العميق بحيث يبدو واقعياً للغاية، وقد يشمل صوراً أو فيديوهات أو صوتاً لأشخاص في سيناريوهات لم تحدث في الواقع[32]
وتجذر الاشارة إلى أن جريمة “تركيبة” هي مستقلة بذاتها ولا يلزم فيها أن تتوفر على الشروط المنصوص عليه في الفصل 1_447[33] من م.ق.ج، بل يمكن أن ينصب التركيب على صور أخدت من مكان عام أو أقوال صدرت بشكل علني، فقيام الجاني ببث أو توزيع تركيبة دون موافقة صاحبها، سواء ركبها شخصيا أو بواسطة الغير يجعل الجريمة قائمة.[34]
ويمكن القياس على ذلك بقيام الجاني بتوزيع أو بث تركيبة تتضمن وقائع غير حقيقية، كتغيير صورة الوجه أو تغيير الصوت أو إقحام أشخاص عبر تقنيات تغيير الصور الصوت أو أن تتضمن التركيبة صورا أو أقوالا حقيقية كشريط فيديو، حيث يتم التلاعب بالتسلسل الزمني الطبيعي للفيديو بالشكل الذي يغير معنى وصحة ما قاله أو ما أقدم عليه المجني عليه من فعل، وهذا هو ما يسمى بالمونتاج الذي أشرنا إليه أعلاه، حيث يتم قطع جزء من الفيديو ودمج جزء مع جزء آخر، قصد تغيير المعنى الأصلي للسياق الذي جاء فيه الفيديو أو الصورة أو الأقوال قصد الإساءة للشخص…
عبارة: “ادعاءات أو وقائع كاذبة” الملاحظ من خلال الفصل غياب تعريف واضح أو تحديد طبيعة الوقائع أو الادعاءات التي تتم نسبتها إلى الضحية أو المتضرر، والتي قد تكون صورا أو أقوال أو خبر أو إشاعة أو معلومات مزيفة كاذبة.
ومن خلال القراءة الاستقرائية يمكن القول على أن الادعاءات الكاذبة: هي تصريحات أو أقوال يُدلي بها شخص عن قصد، تتضمن أخبارًا أو معلومات غير صحيحة، أي أنها لا تطابق الحقيقة، ويكون الهدف منها غالبًا تضليل الغير أو السلطات أو الإضرار بشخص آخر مثلا: (إتهام شخص بجريمة، أو نسب فعل غير صحيح إليه…)، أي هي أحداث أو أفعال يتم اختلاقها أو تحريفها لتبدو كأنها حقيقية، رغم أنها لم تقع في الواقع، أو أنها وقعت لكن بشكل مغاير للحقيقة.
“عبارة المس بالحياة الخاصة” ويمكن تعريف الحياة الخاصة انطلاقا من المعاجم العربية، الحياة الخاصة لغة تشتق بوصفها من مصطلح الخصوصية، الذي هو نقيض العمومية، ويقال اختص فلان بالأمر إذا انفرد به واختصه[35]
جاءت من فعل “خص” فيقال خصه بالشيء يخصصه خصوصا وتأخذ معنى الانفراد بالشيء دون غيره[36]
والخصوصية لغة وهو ما ينفرد به الإنسان لنفسه دون غيره من الأمور والأشياء، وتكون حركة الاشياء الخاصة هي التي يختصها الانسان لنفسه بعيدا عن تدخل الغير[37]
وانطلاقا من التعريف أعلاه يمكن القول على أن “الحياة الخاصة” هي ذلك المجال الشخصي والحميمي في حياة الفرد الذي يخصه وحده، والذي لا يرغب في أن يطلع عليه الغير دون إذنه، بمعنى آخر، هي كل ما يتعلق بشخص الإنسان، ومحيطه الأسري والاجتماعي، أو بوضعه الصحي، أو بمراسلاته واتصالاته، أو بصوره داخل فضاء خاص…، مما لا يرغب في نشره أو إفشائه.
ومن خلال ذلك ربط المشرع المغربي الحياة الخاصة بكل ما يجري داخل مكان خاص، أو ما يتعلق بمظاهر شخصية لا يراد نشرها، وفضلا عن ذلك فيمكن القول على أن الحياة الخاصة من الناحية القانونية يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجالات أساسية:
الحرمة الجسدية والمعنوية: مثل الحالة الصحية، المظهر، السلوك الشخصي، أو العلاقات العائلية، كما نص على ذلك الفصل 24 من دستور 2011 “أن لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة”.[38]
الحرمة المكانية: مثل المسكن، أو أي فضاء مغلق يعتبر مكاناً خاصاً، غرفة، مكتب خاص، سيارة مغلقة… حيث نص الفصل 24 من الدستور على أنه لا تنتهك حرمة المنزل. ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات، التي ينص عليها القانون، واذا كان التفتيش مؤطر بضوابط قانونية وشروط خاصة، فهل يمكن القول أن لكل الشخص انتهاك حرمة المنازل.[39]
الحرمة الاتصالية والمعلوماتية: والتي يقصد بها، (المراسلات، المكالمات الهاتفية، المحادثات الإلكترونية، الصور الخاصة، أو أي معطيات شخصية…). حيث نص الفصل ذاته في فقرته الثالثة على أنه لا تنتهك سرية الاتصالات الشخصية، كيفما كان شكلها. ولا يمكن الترخيص بالاطلاع على مضمونها أو نشرها، كلا أو بعضا، أو باستعمالها ضد أي كان، إلا بأمر قضائي، ووفق الشروط والكيفيات التي ينص عليها القانون.
” عبارة أو التشهير بهم” إن جريمة التشهير يمكننا تعريفها على أنها كل نشر أو بث أو توزيع لأقوال أو صور أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة أصحابها، بغرض تشويه سمعة وكرامة الشخص، أو شرفه أو اعتباره بأي وسيلة إلكترونية بما فيها الأنظمة المعلوماتية، ويكون الهدف من هذا التشهير النيل من أعراض الناس بالسب أو القذف أو نشر وترويج الأخبار الزائفة أو انتهاك حرمة الحياة الخاصة للأشخاص، بغرض الاضرار بسمعتهم أو الانتقام منهم أو ابتزازهم ماليا، وسواء كانت تلك المعلومات صحيحة أو خاطئة، وسواء تم ذلك بوسيلة مكتوبة، أو إلكترونية، أو سمعية بصرية، بنية الإساءة والإضرار بالشخص المعني، وهذا ما يفهم من عبارة “بأي وسيلة” أي أن جريمة التشهير لا تقتصر على الوسائل الإلكترونية أو التكنولوجيا الحديثة، بل تمتد لوسائل تقليدية سواء كانت (مناشير، صور… أو صادرة عن طريق الأقوال أو الأخبار…). ولا تقتصر جريمة التشهير عبر الانترنت على الأشخاص الطبيعيين، بل يمكن أن تقع على الأشخاص المعنويين كالدولة أو الشركات أو جمعيات وغيرها.
وتجذر الإشارة أن الحماية القانونية تمتد لشرف الانسان وكرامته حتى بعد وفاته، بحيث اذا وجه التشهير إلى ميت، فلأقاربه حق المتابعة والمطالبة بالتعويض.
الفقرة الثانية: أركان جريمة التشهير وحدود القصد الجنائي
الركن المادي للجريمة التشهير المنصوص عليها في 2ـ447 من مجموعة القانون الجنائي.
النشاط الإجرامي: والذي يتجسد في سلوك إيجابي علني يصدر عن الجاني والمتمثل في نشر ادعاءات، أو افشاء وقائع، أو نشر صور أو أي معلومات تتعلق بالحياة الخاصة للأشخاص، تسجيل وبث معلومات خاصة، نشر وبث تركيبة أقوال أو صورة أشخاص، نشر وبث أو توزيع ادعاءات ووقائع كاذبة، على أن يكون النشر أو البث أو الافشاء دون علم وإذن المعني بمضمون النشر أو البث، بغرض النيل من شرف الشخص أو كرامته أو التشهير به أمام الغير.
النتيجة الإجرامية: هي الأثر القانوني الناتج عن النشاط الإجرامي، والتي في الغالب تتجسد على شكل المساس بالسمعة والشرف، الإضرار بالكرامة الشخصية، والتأثير على الحياة الإجتماعية أو المهنية أو الصحية.
العلاقة السببية بين النشاط الإجرامي والنتيجة الإجرامية: حيث أن جريمة التشهير تتمثل في نشر إشاعة كاذبة أو محتوى مسيء، وأن السببية حدثت مباشرة بسبب الفعل، أي نشر الخبر أو التسجيل أدى إلى المساس بسمعة الضحية، والنتيجة إلحاق الضرر المعنوي بالضحية.
الركن المعنوي: تعتبر جريمة التشهير من الجرائم العمدية، حيث يشترط قيامها توفر القصد الجنائي ونية الاساءة حيث يكون الجاني على علم بكون ما ينشره يمس بالحياة الخاصة للمجني عليه ويضر بسمعته، لو افترضنا أن شخصا ما نشر معلومة عن حسن نية أو لغرض المصلحة العامة دون نية المس بسمعة المعني، قد يُستبعد القصد الجنائي في هذه الحالة.
أولا: عنصر العلم حيث أن الجاني وهو يقدم على جريمته فهو على علم يقيني تام بالنتيجة الاجرامية، وأنه يخالف القانون .
ثانيا: عنصر الإرادة حيث أن الجاني طوال مراحل ارتكابه للجريمة كان ولا يزال مصمما وعازما على تحقيق النتيجة الإجرامية.
المطلب الثالث: ظروف التشديد وحماية الفئات الهشة المنصوص عليها الفصل 3-447 من مجموعة القانون الجنائي.
الفقرة الأولى: العود وظروف مشددة
الفصل 3ـ447 من مجموعة القانون الجنائي: “يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى خمس سنوات وغرامة من 5.000 إلى 50.000 درهم اذا ارتكبت الأفعال المنصوص عليها في الفصلين1ـ447 و 2ـ447 في حالة العود وفي حالة ارتكاب الجريمة من طرف الزوج أو الطليق أو الخاطب أو أحد الفروع أو أحد الاصول أو الكافل أو شخص له ولاية أو سلطة على الضحية أو مكلف برعايتها أو امرأة بسبب جنسها أو ضد قاصر“.[40]
القراءة التحليلية للفصل: الملاحظ من هذا الفصل ومن خلال المقارنة بالفصلين 1ـ447 و 2ـ447 [41] فإن هذا الفصل جاء لتنصيص على ظروف التشديد المقرونة بالجرائم المنصوص عليها أعلاه، حيث أن العقوبة الحبسية بلغت خمس سنوات في حالة العود بعد أن يصدر على الشخص حكم نهائي ويقضي عقوبته، مع اعتبار على أن حالة العود إلى جريمة يمكن تفسيرها على أنها مؤشر من مؤشرات الخطورة التي يتصف بها الجاني، وجسامة الضرر الذي قد يتعرض له الضحايا.
كما أن الفصل شدد العقوبة في حالة ارتكبت من طرف الجاني الذي تربطه علاقة خاصة بالضحية، كأن يكون زوجا أو طليقا أو خاطبا أو أحد الأصول (الأب، الأم، الجد…) أو أحد الفروع (الابن، الحفيد…) أو الكافل أو من له سلطة أو ولاية على الضحية مدير، أستاذ، رب العمل… أو المكلف بالرعاية مربية، ممرض، مساعد اجتماعي…
الفقرة الثانية: حماية المرأة والقاصر في ضوء دستور 2011
الملاحظ أن المشرع شدد من العقوبة الحبسية متى كان أحد الضحايا تربطهم علاقة خاصة ومقربة بالجاني، حيث أن عنصر أو ميزة الثقة التي تنشأ داخل العلاقات الأسرية في إطار الرعاية… يسهل كثيرا استغلالها لارتكاب العديد من الجرائم.
“عبارة بسبب جنس المرأة” وهذا التشديد يطال أيضا الجرائم المقرونة بالتمييز ضد المرأة، ومن المثال على ذلك كأن يقوم شخص بنشر أو توزيع صور امرأة قصد الاساءة إليها لكونها فقط امرأة.
” عبارة أو ضد قاصر” وهنا نلاحظ أن المشرع اولى عناية كذلك بالقاصرين، حيث أن هذه الفئة تنعدم عندها القدرة على حماية نفسها خلافا للراشدين، وتأتي هذه العناية سواء للمرأة أو القاصر، كون أن العديد من الضحايا من هذه الفئات تعاني من الهشاشة.
ولا بد من التأكيد على أن لهذا الفصل دلالة وقيمة قانونية وحقوقية ذات أهمية بما كان، والتي تتجلى في حماية الحق في الخصوصية والكرامة الانسانية لهذه الفئات والتي تتعرض لمجموعة من السلوكات الماسة بكرامتها، وحماية النساء من التشهير، والتحرش الإلكتروني، والابتزاز الإلكتروني…
إن العناية التي خص بها المشرع هذه الفئات، هي ترجمة بلا شك على حرصه على تطبيق مقتضيات الدستور من خلال سنه لقوانين تحمي هذه الفئات.
الفصل 19 من الدستور “يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية…[42]
الفصل 22 من الدستور “لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت خاصة أو عامة”[43]
” لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية”.
الفصل 24 من الدستور حيث نص عرى “حماية الحياة الخاصة، وعدم جواز انتهاك سرية الاتصالات، والحق في حماية المعطيات الشخصية”[44]
خاتمة: يُجسّد القانون رقم 103.13 توجّهًا تشريعيًا واضحًا نحو تعزيز الحماية الجنائية للحياة الخاصة في مواجهة التحديات التي فرضها التطور المتسارع للتكنولوجيا والأنظمة المعلوماتية. فقد جاء هذا القانون ليسدّ فراغًا تشريعيًا كان قائمًا في ما يتعلق بتجريم الأفعال الماسة بالخصوصية، خاصة تلك المرتكبة عبر الوسائط الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت تشكّل مجالًا خصبًا لانتهاك المعطيات الشخصية للأفراد.
ويبرز من خلال هذا القانون أن المشرع المغربي انتقل من حماية تقليدية للحياة الخاصة إلى حماية زجرية ذات طابع وقائي وردعي، تقوم على تجريم السلوك الإجرامي بمجرد تحققه، دون اشتراط حصول ضرر مادي ملموس، وهو ما أشرنا إليه، مع اعتبار الضرر المعنوي الناتج عن المساس بالخصوصية ضررًا قائمًا بذاته. كما يعكس هذا التوجه وعيًا بخطورة الاستعمال غير المشروع للتكنولوجيا، وسعيًا إلى تحقيق التوازن بين حرية التعبير واستعمال الوسائل الرقمية من جهة، واحترام الحياة الخاصة والكرامة الإنسانية من جهة أخرى.
وعليه، يمكن القول إن القانون 103.13 يشكل خطوة تشريعية مهمة في مسار حماية الحقوق الفردية في الفضاء الرقمي، غير أن تحقيق الغاية المتوخاة منه يظل مرتبطًا بفعالية التطبيق القضائي، وبنشر ثقافة قانونية رقمية تقوم على احترام الخصوصية وعدم استغلال التطور التكنولوجي للإضرار بالغير.
يوسف بنشهيبة باحث في العلوم الجنائية والأمنية
- الفصول 1ـ447 و 2ـ447 و3ـ447 من مجموعة القانون الجنائي المضافة بمقتضى المادة 5 من القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.18.19 بتاريخ 5 جمادى الآخرة 1439 (22 فبراير 2018) الجريدة الرسمية عدد 6655 بتاريخ 23جمادى الآخرة 1439 (12 مارس 2018) ص1449. ↑
- الفصول 19 22 24 من دستور 2011. ↑
- الفصول 1ـ447 و 2ـ447 و3ـ447 من مجموعة القانون الجنائي المضافة بمقتضى المادة 5 من القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.18.19 بتاريخ 5 جمادى الآخرة 1439 (22 فبراير 2018) الجريدة الرسمية عدد 6655 بتاريخ 23جمادى الآخرة 1439 (12 مارس 2018) ص1449. ↑
- الفصول 1ـ447 من مجموعة القانون الجنائي المضاف بمقتضى المادة 5 من القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.18.19 بتاريخ 5 جمادى الآخرة 1439 (22 فبراير 2018) الجريدة الرسمية عدد 6655 بتاريخ 23جمادى الآخرة 1439 (12 مارس 2018) ص1449. ↑
- بلبالي، خديجة، وهرويني، نجوى، الركن المعنوي للجريمة، رسالة ماستر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة غرداية، الجزائر، 2021. ↑
- القانون رقم 07-03 المتمم لمجموعة القانون الجنائي فيما يتعلق بالمساس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.03.197 بتاريخ 16 رمضان 1424 (11 نونبر 2003)، الجريدة الرسمية عدد 5170 بتاريخ 18 رمضان 1424 (13 نونبر 2003). ↑
- الفصل 3ـ607 من نفس القانون. ↑
- بول، راي ج.، ما هو نظام المعلومات ولماذا من المهم معرفة ذلك، مجلة الحوسبة وتكنولوجيا المعلومات، المجلد 18، العدد 2، السنة 2010، الصفحات 95–99. ↑
- الفصل 1ـ447 من مجموعة القانون الجنائي المضاف بمقتضى المادة 5 من القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.18.19 بتاريخ 5 جمادى الآخرة 1439 (22 فبراير 2018) الجريدة الرسمية عدد 6655 بتاريخ 23جمادى الآخرة 1439 (12 مارس 2018) ص1449. ↑
- الفصل 3ـ607 من نفس القانون. ↑
- نفس الإحالة. ↑
- نفس الإحالة. ↑
- رئاسة النيابة العامة، دورية عدد 48/س ر ن ع، في موضوع حماية الحياة الخاصة للأفراد في ظل القانون رقم 103.13، صادرة بتاريخ 06 دجنبر 2018. ↑
- القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.18.19 بتاريخ 5 جمادى الآخرة 1439 (22 فبراير 2018) الجريدة الرسمية عدد 6655 بتاريخ 23جمادى الآخرة 1439 (12 مارس 2018) ص1449. ↑
- ابن منظور، لسان العرب، تحقيق: عبد الله علي الكبير وآخرون، دار المعارف، القاهرة، د.ت، جـ 11، ص 319. ↑
- رئاسة النيابة العامة، دورية عدد 48/س ر ن ع، في موضوع حماية الحياة الخاصة للأفراد في ظل القانون رقم 103.13، صادرة بتاريخ 06 دجنبر 2018. ↑
- حكم صادر عن المحكمة الكبرى لإيكس بروفانس بفرنسا الصادر بتاريخ: 16 اكتوبر 1973. ↑
- المعجم الوجيز، معجم اللغة العربية، الهيئة العامة لشؤون المطابع الميرية، ط 1992، ص: 192. ↑
- ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، الجزء السابع، تحقيق/تحرير دار إحياء التراث العربي (الطبعة: 1419 هـ – 1999 م). ↑
- نفس الإحالةّ. ↑
- رئاسة النيابة العامة، دورية عدد 48/س ر ن ع، في موضوع حماية الحياة الخاصة للأفراد في ظل القانون رقم 103.13، صادرة بتاريخ 06 دجنبر 2018. ↑
- نفس الإحالة. ↑
- حكم المحكمة الابتدائية بالقنيطرة، بتاريخ: (2023، 7 فبراير)، عدد: 1832-2103-22 في ملف جنحي تلبسي غير منشور. ↑
- نفس الإحالة. ↑
- نفس الإحالة. ↑
- الفصل 2ـ447 من مجموعة القانون الجنائي المضاف بمقتضى المادة 5 من القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.18.19 بتاريخ 5 جمادى الآخرة 1439 (22 فبراير 2018) الجريدة الرسمية عدد 6655 بتاريخ 23جمادى الآخرة 1439 (12 مارس 2018) ص1449. ↑
- الفصل 1ـ447 من نفس القانون. ↑
- نفس الإحالة. ↑
- الفصل 2ـ447 من نفس القانون. ↑
- رئاسة النيابة العامة، دورية عدد 48/س ر ن ع، في موضوع حماية الحياة الخاصة للأفراد في ظل القانون رقم 103.13، صادرة بتاريخ 06 دجنبر 2018. ↑
- مراجعة نقدية حول استخدام تقنية المونتاج في السينما والتلفزيون، ضمن وقائع المؤتمر الدولي الثاني للإبداع في الوسائط المتعددة 2022 ص: 235‑242. ↑
- ألتنكو، إ.، فرانكيرا، ف. ن. ل.، و لي، س. (2022). ديب فايك: التعريفات، مؤشرات الأداء والمعايير، مجموعات البيانات والاختبارات، ومراجعة منهجية. ديب فايك: التعريفات، مؤشرات الأداء والمعايير، مجموعات البيانات والاختبارات، ومراجعة منهجية. ↑
- رئاسة النيابة العامة، دورية عدد 48/س ر ن ع، في موضوع حماية الحياة الخاصة للأفراد في ظل القانون رقم 103.13، صادرة بتاريخ 06 دجنبر 2018. ↑
- نفس الإحالة. ↑
- ابن منظور، لسان العرب، مطبعة بولاق، مصر، ج 8، ط 1، ص:390. ↑
- المعجم الوجيز، معجم اللغة العربية، الهيئة العامة لشؤون المطابع الميرية، ط 1992، ص: 192. ↑
- عبد الرحمن جمال الدين، الحق في الخصوصية في مواجهة حق الإعلام، دار النهضة العربية القاهرة، ط 2005، ص: 24. ↑
- الفصل 24 من الدستور. ↑
- نفس الإحالة. ↑
- الفصل 3ـ447 من مجموعة القانون الجنائي المضاف بمقتضى المادة 5 من القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.18.19 بتاريخ 5 جمادى الآخرة 1439 (22 فبراير 2018) الجريدة الرسمية عدد 6655 بتاريخ 23جمادى الآخرة 1439 (12 مارس 2018) ص1449. ↑
- نفس الإحالة. ↑
- الفصل 19 من الدستور. ↑
- الفصل 22 من نفس القانون. ↑
- الفصل 24 من نفس القانون. ↑





