خصوصية تدبير منازعات الملك العام للدولة بين النص القانوني والاجتهاد القضائي -الملك العمومي البحري-الملك العمومي الطرقي- الباحث: هشام وعلاموش تحت إشراف الأستاذة: سعاد التيالي
خصوصية تدبير منازعات الملك العام للدولة بين النص القانوني والاجتهاد القضائي
-الملك العمومي البحري-الملك العمومي الطرقي-
The Specificity of Managing Disputes Concerning the State Public Domain
Between Statutory Provisions and Judicial Precedent – Maritime Public Domain – Road Public Domain –
الباحث: هشام وعلاموش
طالب باحث بسلك الدكتوراه كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس
اطار بمديرية الشؤون القانونية و الإدارية – قسم المنازعات – وزارة التجهيز و الماء
تحت إشراف الأستاذة: سعاد التيالي
أستاذة التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس
هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 60 الخاص بشهر أكتوبر/ نونبر 2025
رابط تسجيل الاصدار في DOI
https://doi.org/10.63585/EJTM3163
للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665


خصوصية تدبير منازعات الملك العام للدولة بين النص القانوني والاجتهاد القضائي
-الملك العمومي البحري-الملك العمومي الطرقي-
The Specificity of Managing Disputes Concerning the State Public Domain
Between Statutory Provisions and Judicial Precedent – Maritime Public Domain – Road Public Domain –
الباحث: هشام وعلاموش
طالب باحث بسلك الدكتوراه كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس
اطار بمديرية الشؤون القانونية و الإدارية – قسم المنازعات – وزارة التجهيز و الماء
تحت إشراف الأستاذة: سعاد التيالي
أستاذة التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس
ملخص
أولى ظهير فاتح يوليوز 1974 أهمية خاصة للأملاك الدولة التي تتولى وزارة التجهيز والماء باعتبارها السلطة الحكومية المكلفة بإعداد وتنفيذ السياسة الرامية إلى حمايته والسهر على مراقبته تدبيره، والتي من ضمنها الملك العمومي البحري والملك العمومي الطرقي على اعتبار أن هذين الصنفين من الأملاك العمومية يشكلان الجزء الأكبر من المساحة المكونة للرصيد العقاري المكون للملك العمومي للدولة على صعيد المملكة.
وفي هذا الإطار، فإن المشرع المغربي قد أرسى مجموعة من القواعد الإجرائية والموضوعية الحمائية للأملاك العمومية للدولة بمقتضى ظهير فاتح يوليوز 1914، أو بمقتضى قوانين أخرى بدون تمييز، فإنه من المفروض أن تطال هذه الحماية جميع أصناف هذه الأملاك العمومية.
الكلمات المفتاحية للموضوع: مسطرة التحديد الملك العمومي البحري والطرقي -عدم القابلية للتفويت -عدم اكتساب الأملاك العمومية عن طريق التقادم -عدم جواز الحجز على الأملاك العمومية
Sammury:
The Dahir of July 1, 1974 accorded special importance to State property under the responsibility of the Ministry of Equipment and Water, as the governmental authority entrusted with the formulation and implementation of policies aimed at its protection, supervision, and management. This property includes, in particular, the maritime public domain and the road public domain, given that these two categories of public property constitute the largest portion of the real estate assets forming the State’s public domain throughout the Kingdom.
In this context, the Moroccan legislator has established a set of procedural and substantive rules for the protection of State public property, pursuant to the Dahir of July 1, 1914, or under other laws without distinction. Such protection must, in principle, extend to all categories of public property.
Keywords: Procedure for the delimitation of the maritime and road public domain – Inalienability – Public property not subject to acquisition through prescription – Immunity of public property from seizure.
تقديم.
نظرا لما يكتسيه موضوع الأملاك العمومية للدولة من أهمية خاصة بالنسبة لوزارة التجهيز والماء، باعتبارها السلطة الحكومية المكلفة بإعداد وتنفيذ السياسة الرامية إلى حمايتها والسهر على مراقبة تدبيرها، سواء بموجب مقتضيات ظهير فاتح يوليوز 1914[1]، أو بموجب مقتضيات المرسوم بتحديد اختصاصاتها، ونظرا لتعدد أصناف الأملاك العمومية للدولة، فإنه سيتم الاقتصار في المقال على دراسة الملك العمومي البحري والملك العمومي الطرقي، على اعتبار أن هذين الصنفين من الأملاك العمومية يشكلان الجزء الأكبر من المساحة المكونة للرصيد العقاري المكون للملك العمومي للدولة على صعيد المملكة، من جهة، ويتصدران عدد قضايا المنازعات من جهة أخرى.[2]
وإذا كان المشرع المغربي قد أرسى مجموعة من القواعد الإجرائية والموضوعية الحمائية للأملاك العمومية للدولة بمقتضى ظهير فاتح يوليوز 1914، أو بمقتضى قوانين أخرى بدون تمييز، فإنه من المفروض أن تطال هذه الحماية جميع أصناف هذه الأملاك العمومية.
وفي هذا الإطار، فإن الممارسة العملية -من خلال المنازعات المتعلقة بالأملاك العمومية للدولة-أبانت عن وجود تباين في العمل القضائي الذي كرس حماية مطلقة للملك العمومي البحري دون الملك العمومي الطرقي، على الرغم من أن هذين الملكين يستمدان الطابع العمومي من مقتضيات الفصل الأول من ظهير فاتح يوليوز 1914 المتعلق بالأملاك العامة.
وللوقوف على هذا التباين المسجل على موقف القضاء تجاه الملك العمومي البحري والملك العمومي الطرقي، ستتم معالجة هذا الموضوع من خلال مبحثين اثنين، يتعلق الأول، بالقواعد الإجرائية والموضوعية المؤطرة للملك العمومي البحري والملك العمومي الطرقي، في حين سيخصص المبحث الثاني للتطبيقات القضائية المتعلقة بهذين الملكين.
المبحث الأول: القواعد الإجرائية والموضوعية المؤطرة للملك العمومي البحري والطرقي
تكتسي المساطر الإدارية أهمية قصوى في إثبات الطابع العمومي للعقارات المكونة للملك العمومي البحري والملك العمومي الطرقي، وتتمثل هذه المساطر في مجموعة من القواعد الإجرائية المنصوص عليها في ظهير فاتح يوليوز 1914 والتي تهدف في أساسها إلى إقرار قواعد موضوعية لصيقة بالملك العمومي للدولة دون غيره من الأملاك الأخرى متى ثبتت له هذه الصفة.
وعليه، سيتم تناول هذه القواعد في مطلبين اثنين، الأول يتعلق بالقواعد الإجرائية، والثاني القواعد الموضوعية.
المطلب الأول: القواعد الإجرائية.
إن استفادة الأملاك العمومية للدولة من الامتيازات القانونية المنصوص عليها في ظهير فاتح يوليوز 1914، يبقى رهينا بإثبات صفة الملك العمومي على هذه العقارات، هذه الصفة التي يتم إثباتها عن طريق مسطرة التحديد بالنسبة للملك العمومي البحري (الفقرة الأولى)، ومسطرة التعيين بالنسبة للملك العمومي الطرقي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مسطرة تحديد الملك العمومي البحري
طبقا لمقتضيات الفصل السابع من ظهير فاتح يوليوز 1914 المتعلق بالأملاك العمومية للدولة، فإن مسطرة تحديد الملك العمومي البحري تهدف إلى حماية وصيانة هذا الملك من كل استغلال أو ترام قد يطاله، وتقتضي هذه العملية تجسيد جميع العقارات المكونة له بتصاميم تبين بدقة حدوده ومكوناته.
فالتحديد يتم بواسطة مرسوم بعد إجراء بحث عمومي تجريه لجنة إدارية، ويتم إشهار هذا البحث لمدة شهر لتمكين الأغيار من الإعلان عن حقوقهم وإبداء تعرضاتهم وملاحظاتهم، مع الاحتفاظ لهم بإمكانية الإعلان عن حقوقهم كذلك داخل أجل ستة أشهر تحتسب من تاريخ نشر المرسوم النهائي بالجريدة الرسمية.
هذا، وإذا كانت التعرضات المذكورة صحيحة ومعززة بوثائق ثبوتية، فإن لا يبقى أمام الإدارة إلا تطبيق أحد الحلين، إما إعادة النظر في عمليات التحديد بتعديل التصاميم، أو اللجوء إلى مسطرة نزع الملكية إذا كانت القطعة الأرضية المعنية ضرورية لحماية الملك العمومي.
وفي الأخير تقوم المصالح المركزية لوزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك والماء بتسجيل العقار في سجل الأملاك العمومية للدولة وترجع ملف التحفيظ إلى المصلحة المحلية قصد إيداعه لدى المحافظ العقاري.
الفقرة الثانية: مسطرة تعيين الملك العمومي الطرقي
تنص المادة 81 من القانون رقم 90-12 المتعلق بالتعمير على أنه يمكن القيام في جميع أرجاء المملكة بتعيين الطرق والمسالك والممرات والأزقة المستعملة لتأكيد طابع الملكية العامة التي تكتسيها وبيان حدودها، ويتم إجراء هذه العملية بقرار لرئيس مجلس الجماعة بعد مداولة المجلس فيما يخص طرق المواصلات الجماعية وبمرسوم فيما يتعلق بطرق المواصلات البرية الأخرى.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن المادة 40 من المرسوم رقم 832.92.2 الصادر بتاريخ 14 أكتوبر 1993 لتطبيق القانون رقم 90.12 المتعلق بالتعمير، تنص على أن المراسيم المشار إليها في الفقرة الثانية من المادة 81 من القانون المتعلق بالتعمير، تتم باقتراح من السلطة الحكومية المكلفة بالأشغال العمومية –وزارة التجهيز والماء حاليا-، وأن هذه المراسيم يجب أن تكون محل ملصقات بمقر الجماعات المعنية داخل أجل سنة من تاريخ نشرها بالجريدة الرسمية، مما يستفاد منه أن عملية تعيين الملك العمومي الطرقي منظمة بمسطرة دقيقة ومضبوطة ومحكومة بأجالات قانونية، وأنه بفوات هذه الأجالات تصبح هذه المراسيم نهائية ومحصنة من أي طعن.
المطلب الثاني: القواعد الموضوعية
تتمثل القواعد الموضوعية المؤطرة للأملاك العمومية للدولة في ثلاث قواعد، عدم قابلية الأملاك العمومية للدولة للتفويت (الفقرة الأولى)، وعدم اكتساب الأملاك العمومية عن طريق التقادم (الفقرة الثانية)، ثم عدم جواز الحجز عليها (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: عدم القابلية للتفويت
إذا كان حق التصرف يخول لصاحبه إجراء جميع التصرفات على العقار بشكل يستفيد منه كليا أو جزئيا، فإنه لما يتعلق الأمر بالأملاك العمومية للدولة، ينعدم هذا الحق بشكل قطعي، بحيث لا يمكن تفويت أي عقار تابع للملك العمومي للدولة بأي شكل من الأشكال، وأن أي تصرف في هذا الإطار، يعد باطلا بطلانا مطلقا بقوة القانون، حتى وإن كان الشخص الذي آل إليه هذا الملك حسن النية.
وعلى هذا الأساس، فإن عدم قابلية العقارات التابعة للأملاك العمومية للدولة للتفويت، تجعلها في منأى عن أي نزاع مهما كانت وثائق الملكية المتمسك بها من طرف حائز العقار، بل إن حجية العقار التابع للأملاك العمومية للدولة تبقى قائمة، حتى في حالة تأسيس رسم عقاري عليه، ذلك أن هذا النوع من الأملاك، يستثنى من قاعدة التطهير التي تسري على العقارات المحفظة، وهذا ما يجد سنده في مقتضيات الفصل الرابع من ظهير فاتح يوليوز 1914 الذي ينص صراحة على أنه لا يقبل التفويت بالأملاك العمومية.
الفقرة الثانية: عدم اكتساب الأملاك العمومية عن طريق التقادم
نظرا لأهمية الحيازة باعتبارها سببا من أسباب كسب الملكية، فإن التشريعات ما فتئت تنظمها بمقتضى قواعد قانونية، كما هو الشأن بالنسبة للمشرع المغربي الذي عمل على تنظيمها في قانون الالتزامات والعقود[3] وقانون المسطرة المدنية[4] والقانون الجنائي[5] وغيرها من القوانين، إلى أن جاءت مدونة الحقوق العينية التي نظمتها بنصوص خاصة وأكثر دقة[6].
وإذا كان المشرع المغربي لم يعرف الحيازة واكتفى فقط بالإشارة إلى عناصرها من خلال المادة 239 من مدون الحقوق العينية التي نصت أن الحيازة الاستحقاقية تقوم على السيطرة الفعلية على الملك بنية اكتسابه، فإن الفقه اعتبره سيطرة مادية لشخص ما على شيء يستعمله بصفته مالكا أو بصفته صاحب حق عيني على الشيء.
وعليه، فإذا كانت الحيازة سببا من أسباب كسب الملكية العقارية في التشريع المغربي، فإن هذا المبدأ لا يطبق على الأملاك العمومية للدولة، وهو ما نصت عليه صراحة المادة 261 من مدونة الحقوق العينية، التي أكدت على أنه لا تكتسب بالحيازة أملاك الدولة العامة.
وبهذا تكون مقتضيات هذه المادة قد انضافت إلى مقتضيات الفصل الرابع من ظهير فاتح يوليوز 1914 بشأن الأملاك العمومية للدولة الذي أقر نفس المبدأ، ونص صراحة على عدم سقوط حقوق الملك العمومي بمضي الزمان.
الفقرة الثالثة: عدم جواز الحجز على الأملاك العمومية
إن عدم جواز الحجز على الأملاك العمومية للدولة، هو تحصيل حاصل ونتيجة حتمية للمبدأين المذكورين أعلاه، ذلك أنه إذا كانت العقارات التابعة للأملاك العمومية غير قابلة للتفويت ولا تكتسب بالتقادم، فبالأحرى أن تكون قابلة للحجز عليها، سيما أن هذه الأملاك، هي عقارات مملوكة على الشياع بين عموم المواطنين، وأن دور السلطة الحكومية الوصية عليها، ينحصر في تدبيرها وحمايتها والحفاظ عليها.
وإذا كان ظهير فاتح يوليوز 1914، لم ينص صراحة على مبدأ عدم جواز الحجز على الأملاك العمومية للدولة، فإن هذا المبدأ تم التنصيص عليه بموجب الفصل الثامن من الظهير الشريف المؤرخ في 28 يونيو 1954 بشأن الأملاك التي تمتلكها الفئات المزودة بجماعات إدارية[7].
وإذا كانت المبادئ الثلاثة المذكورة أعلاه، تشكل كنه وجوهر القواعد الموضوعية الحمائية للأملاك العمومية بصفة عامة وبدون أي تمييز بين أصنافها، فإن التساؤل الذي يثار في هذا الشأن، يتمحور حول مدى تقيد القضاء في المنازعات المعروضة عليه بهذه المبادئ متى ثبتت أن العقارات موضوع المتنازع بشأنها تكتسي طابع الملك العموم.
المبحث الثاني: موقف القضاء من المنازعات المتعلقة بالملك العمومي البحري والملك العمومي الطرقي
ستتم دراسة هذا المبحث من خلال مطلبين، الأول يتعلق بموقف القضاء من المنازعات المتعلقة بالملك العمومي البحري، والثاني، يهم المنازعات المتعلقة بالملك العمومي الطرقي.
المطلب الأول: المنازعات المتعلقة بالملك العمومي البحري
تتمحور أهم المنازعات المتعلقة بالملك العمومي البحري في قضايا التحفيظ العقاري وقضايا الطعن في مراسيم التحديد الإداري، وقد لوحظ في هذا السياق بأن قضاء محكمة النقض على وجه الخصوص أقر حماية مطلقة للملك العمومي البحري، بل الأكثر من ذلك، استحدث قواعد جديدة واستثنائية تشكل ثورة في مجال الإثبات المعمول به في المادة العقارية، وهو ما ستتم مناقشته من خلال الفقرتين التاليتين، الأولى، ستخصص لقضايا التحفيظ العقاري، والثانية لقضايا الطعن ضد مراسيم التحديد.
الفقرة الأولى: قضايا التحفيظ العقاري
تعتبر القواعد الإجرائية المتعلقة بعملية تحديد الملك العمومي البحري التي أقرها الفصل السابع من ظهير فاتح يوليوز 1914، بمثابة مسطرة التحفيظ العقاري، لاسيما أن هذه المسطرة تتوخى تحديد المعالم الطبوغرافية للملك العمومي البحري، مما يستفاد منه أن أثر هذه المسطرة هو أثر كاشف لحقوق الملك العمومي البحري الذي يعتبر ملكا عموميا طبيعيا غير ناشئ بفعل الإنسان.
وفي هذا الإطار، فقد تشدد القضاء، خاصة على مستوى محكمة النقض في بسط حمايته للأملاك العمومية البحرية، وذلك لما اعتبرت أن القواعد المنصوص عليها في ظهير فاتح يوليوز 1914 المتعلق بالأملاك العمومية من النظام العام، مما يترتب عنه إمكانية إثارة مقتضياته في جميع مراحل التقاضي ولو لأول مرة أمام محكمة النقض، مع وجوب إثارته تلقائيا من طرف المحكمة زيادة كذلك على إقرار مجموعة من المبادئ الاستثنائية الأخرى، من قبيل اعتبار مسطرة التحديد مسطرة خاصة مقدمة على مسطرة التحفيظ، وقلب “عبء الإثبات” بجعله على عاتق طالب التحفيظ الذي يتعين عليه أن يثبت بأن العقار موضوع مطلب التحفيظ لا يدخل في ضمن الملك العمومي البحري، بدل إلزام المتعرض الدولة الملك العام بإثبات أن العقار موضوع مطلب التحفيظ يتواجد كليا أو جزئيا ضمن الملك العمومي البحري.
وهذا ما جاء في مجموعة من القرارات القضائية، منها:
القرار عدد 4290 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 02 أكتوبر 2012[8]:
” .. وأنه على خلاف ما ذهبت إليه المحكمة من أنها لم تدل بالوثائق المعززة لتعرضها، فقد تمسكت بالمرسوم المذكور خلال سائر مراحل التقاضي والتي يستند إلى مقتضيات الفصل الأول من ظهير فاتح يوليوز 1914 المتعلق بأملاك الدولة الذي يحدد نوع الأملاك المشمولة بالصبغة العمومية التي يدخل ضمنها العقار موضوع النزاع والفصل السابع من نفس الظهير الذي حدد مسطرة تحديد الملك العام اللدولة، وهي مسطرة خاصة لم يتقدم طالب التحفيظ في النازلة بأي تعرض في إطارها، بل وإنه قدم مطلبه بعد مرور أزيد من ثماني سنوات على نشر مرسوم تحديد الملك العام، وأنه كان على المحكمة أن تأمر بإجراء خبرة أو معاينة لمطابقة الجزء المتعرض عليه مع الحدود الواردة في المرسوم، بل وفي إطار الحرص على تطبيق القانون، أن تقلب عبء إثبات عدم شمول العقار المطلوب تحفيظه للملك العام على طالب التحفيظ”.
القرار عدد 336 الصادر عن محكمة الاستئناف بأكادير بتاريخ 18 ابريل 2017[9]:
” حيث تأسيسا على ما ذكر، فإنه لا مجال للتمسك بوثائق الغير والاحتجاج بها على عدم اكتساء الملك المدعى فيه طابع الملك العام البحري الساحلي أو التمسك بإعمال شريط ستة أمتار المنصوص عليها في الفصل الأول من ظهير فاتح يوليوز 1914 وبتطبيقه على موضوع النزاع لوجود تحديد إداري للملك العام البحري منتج في الإثبات وأولى في التطبيق، وأن الحكم المستأنف لما قضى بعدم صحة تعرض المدير الإقليمي للتجهيز والنقل نيابة عن الدولة (الملك العام البحري) بناء على خبرة لم تطبق في تقريرها الثاني مرسوم التحديد والتصميم وإحداثيات ملك الدولة البحري وبالرغم من أن مجال الملك العام المخصص للمنفعة العامة ومنه الملك العمومي البحري الطبيعي، لا يتملك ولو بتأسيس رسم ملك أو رسم عقاري له، يكون حكمها مجانبا للصواب وللقانون”.
القرار عدد 17 الصادر عن محكمة الاستئناف بتطوان[10]:
” وحيث إن ملكية طالبي التحفيظ للعقار موضوع وعاء مطلب التحفيظ كانت بعد صدور المرسوم الوزاري المحدد للملك العام البحري الصادر بتاريخ 1998 والمنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 1999، ذلك بموجب عقد الشراء العدلي المضمن تحت عدد 428 صحيفة 436 بتاريخ 16/4/2001ن الأمر الذي يكون شراءه قد انصب على جزء من الملك العام البحري، وحيث إن الملك العام البحري لا يجوز تفويته حسب مقتضيات الفصل الرابع من الظهير المتعلق بشأن الأملاك العمومية الصادر بتاريخ 01 يوليوز 1914، ومن تم يكون التعرض الجزئي المبدى من طرف المديرية الإقليمية للتجهيز بتطوان ينبني على أساس قانوني سليم”.
القرار 23 الصادر عن محكمة الاستئناف بأكادير بتاريخ 21 يناير 2014[11]:
” ..فإنه لا مبرر لاستبعاد الخبرة التقنية المنجزة لا سيما بعد إجرائها تحقيقا للدعوى ولو على حساب أن مطلب التحفيظ مؤسس على سند ناقل للملكية، وسابق من حيث تاريخه على عملية الشروع في التحديد الإداري للملك العمومي البحري لأن صحة تملك الدولة (الملك البحري) لا يتوقف على عملية التحديد الإداري .. على اعتبار أنها إجراءات إدارية تمكن الإدارة من وضع الأنصاب الكاشفة جغرافيا لحدود الملك البحري العمومي ولا يعيبها حدوثها بعد إيداع مطلب التحفيظ، في حين أن تملك الدولة (الملك البحري) وإجراءات تحديده يستند إلى مقتضيات ظهير 1914 ولا سيما الفصلان 1 و 7 منه، وما دام الترامي على الملك العام البحرين قد ثبت لهذه المحكمة من خلال الخبرة المنجزة، فإنه لا مجال لترجيح أشرية طالبي التحفيظ لأن الملك العام البحري الطبيعي لا يقبل التفويت ولا يمكن التصرف فيه أو تملكه بالنقل ولو بالتقادم، والحكم المستأنف لما لم يعتبر هذه المعطيات الواقعية والقانونية يكون ما نعاه عيله المستأنف في محله، وجاء مجانبا للصواب في ما انتهى إليه تعليلا ومنطوقا”.
الفقرة الثانية: الطعن في مراسيم التحديد
إذا كانت مسطرة تحديد الملك العمومي البحري تتيح للأغيار إمكانية تقديم تعرضاتهم للإدارة أثناء إجراء البحث العمومي بسبب شمول عقاراتهم بعملية التحديد، فإنه متى تم رفض هذه التعرضات، يبقى من حق الملاك الطعن بإلغاء مرسوم التحديد أمام محكمة النقض، طبقا لمقتضيات المادة 09 من القانون 90.41 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية[12]، وذلك داخل أجل ستة أشهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
وفي هذا الإطار، فقد أقرت محكمة النقض كذلك مجموعة من المبادئ الاستثنائية الأخرى لحماية الملك العمومي للدولة، مؤكدة على أن الحقوق التي وقع اكتسابها بعد صدور ظهير فاتح يوليوز 1914 لا تصير نهائية إلا بعد تعيين حدود الأملاك العمومية للدولة من طرف الإدارة، وأن إنشاء رسوم عقارية بعد صدور ظهير فاتح يوليوز 1914، ودون مراعاة الاستثناءات التي ينص عليها، لا يكون لها أي مفعول تجاه الملك العمومي، ولعل هذا المبدأ الأخير يشكل استثناء بالنسبة لمدلول التحفيظ العقاري الذي يرمي إلى تثبيت وضعية العقار وتطهيره من كل حق سابق لم تتم الإشارة إليه في السجل العقاري[13].
وهذا ما جاء كذلك في مجموعة من القرارات القضائية، منها:
– القرار عدد 937/1 بتاريخ 22 يونيو 2017[14]:
” لكن حيث إن الفصل 02 من الظهير الصادر في 01 يوليوز 1914 المتعلق بالملك العام ينص على أن كل من اكتسب قانونا حقا من حقوق الملكية والانتفاع والاستغلال بالأملاك العمومية يبقى محفوظا إذا كان سابقا على نشر الظهير، ومؤدى ذلك أن الحقوق التي وقع اكتسابها بعد صدور الظهير المذكور لا تصير نهائية إلا بعد تعيين حدود الأملاك العامة من طرف الإدارة، وتحديد المسافة الفاصلة للملك العمومي في 6 أمتار بين مد أمواج الشاطئ والعقار موضوع التحديد، وتحتسب هذه المسافة انطلاقا من آخر نقطة وصل إليها أعلى مد بحري معروف، وهو ما لم يثبته الطاعن، كما أن استظهاره برخصة البناء وتمسكه بكون حق الملكية يحميه الدستور لا يكون له أي مفعول اتجاه الملك العام لأنه يظل حقا مؤقتا، ذلك أن عقارات الملك العمومي لا تقبل التملك ولا التفويت ولا تكتسب ملكيتها بالتقادم، والمرسوم المطعون فيه يبقى لذلك مشروعا ومطابقا للقانون، والطلب غير مؤسس وحليفه الرفض”.
– القراران رقم 753/1 و 754/1 بتاريخ 30 أبريل 2015[15]:
” وحيث ان المسافة الفاصلة للملك العمومي البحري محددة في 6 امتار بين مد أمواج الشاطئ والعقار موضوع التحديد، وذلك طبقا لظهير فاتح يوليوز 1914 المتعلق بالملك العام كما وقع تغييره وتتميمه، وان مسافة 6 امتار المشار اليها تحتسب انطلاقا من آخر نقطة وصل إليها أعلى مد بحري معروف، وهو ما لم يثبته الطاعن يقينا ، كما ان استظهاره بالرسمين العقاريين للقول بكون حقوقه على الملكين المشمولين بالتحديد هي حقوق نهائية، يتعارض مع كون تلك الحقوق قد وقع اكتسابها بعد صدور ظهير 01/07/1914 المحدد للملك العمومي ، ودون مراعاة الاستثناءات التي ينص عليها، والتي تقضي بان عقارات الملك العمومي لا تقبل التملك ولا التفويت ولا تكتسب ملكيتها بالتقادم ، مما يجعلها حقوقا مؤقتة لغاية تعيين حدود الاملاك العامة من طرف الإدارة، وبالتالي فالرسمين العقاريين يبقيان بدون أي مفعول أو حجية في مواجهة الملك العام البحري المحدد ، وان المرسوم المطعون فيه يبقى مشروعا ومطابقا للقانون، والطعن المقدم في مواجهته غير مؤسس وحليفه الرفض.
وبهذا، يكون القضاء قد أقر حماية قضائية لفائدة الملك العمومي البحري، وخرج عن بعض القواعد والمبادئ الفقهية والقضائية التي تنظم الأملاك العقارية بصفة عامة، وقانون التحفيظ العقاري على وجه الخصوص.
وفي الأخير يلاحظ بأن القواعد الإجرائية الإدارية المحددة للملك العمومي البحري تشكل حلقة وصل لتأمين وخدمة القواعد الموضوعية في سبيل إقرار الامتيازات المخولة لهذا الصنف من الأملاك العمومية، مما يثار معه التساؤل حول مدى شمول الملك العمومي الطرقي كذلك بنفس هذه الحماية القضائية؟ وهو ما ستتم الإجابة عنه في المطلب الثاني، الذي سيخصص للمنازعات المتعلقة بالملك العمومي الطرقي.
المطلب الثاني: المنازعات المتعلقة بالملك العمومي الطرقي
إذا كانت القواعد الإجرائية والموضوعية القانونية المتعلقة بالملك العمومي البحري المومإ إليها أعلاه، قد أقرت حماية قضائية مطلقة لهذا الصنف من الأملاك العمومية، فإنه من المفروض أن تشمل كذلك نفس الحماية الملك العمومي الطرقي، خاصة إذا ما ثبت أن الإدارة التزمت بالإجراءات القانونية اللازمة لإضفاء طابع الملك العمومي، وهو ما سيتم معالجته من خلال بسط المنازعات المتعلقة بقضايا التحفيظ العقاري من جهة (فقرة أولى) وقضايا الاعتداء المادي من جهة أخرى(فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: قضايا التحفيظ العقاري
تبين من خلال بسط الاجتهاد القضائي الصادر في مادة الملك العمومي البحري، أن هذا الأخير أقر مجموعة من المبادئ لصالح الدولة الملك العام، من بينها أن الحجية القانونية لمرسوم التحديد أقوى وأولى بالتطبيق من حجية الرسوم العقارية، بحيث يشكل الملك العمومي للدولة استثناء من قاعدة التطهير التي تسري على العقارات المحفظة.
غير أن هذا التوجه الذي استمده القضاء من ظهير فاتح يوليوز 1914 المتعلق بالأملاك العمومية، لا يتم تطبيقه مع الأسف لما يتعلق الأمر بالملك العمومي الطرقي، على الرغم من أن هذا النوع من الأملاك العمومية يستمد طابع الملك العمومي من مقتضيات الفصل الثاني من نفس الظهير، بعد تعيينه بموجب مسطرة قانونية دقيقة، تنتهي بصدور مرسوم ينص صراحة على أن هذه الطرق يعترف بها كجزء من الأملاك العمومية.
وتبعا لذلك، فإنه متى ثبت أن الإدارة احترمت مسطرة تعيين الطرق العمومية، واستصدرت مراسيم نهائية تعين بموجبه عرض هذه الطرق العمومية وحدودها، مع تسجيل عدم التعرض خلال البحث العمومي أو عدم الطعن بالإلغاء ضد هذه المراسيم داخل الأجل القانوني المحدد لها، فإن هذه الطرق تصبح ملكا عموميا خالصا للدولة، ومحصنة قانونا من أي نزاع أو اعتداء قد يطالها، مما يتعين معه على القضاء أن يضفي عليها حماية قضائية مماثلة إسوة بالملك العمومي البحري، وذلك بعد بسط رقابته على مدى تقيد واحترام الإدارة لمسطرة التعيين.
غير أن الممارسة العملية، أثبتت أن الملك العمومي الطرقي بصفته واحدا من الأملاك العامة للدولة المحددة بمقتضى الفصل الأول من ظهير فاتح يوليوز 1914، لا يحظى بنفس الحماية القضائية المطبقة على الملك العمومي البحري.
وعلى سبيل المثال، فقد قضت محكمة الاستئناف بتطوان بموجب قرارها الصادر في 09/05/2016 [16] بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم صحة تعرض وزارة التجهيز والنقل بصفتها الوصية على الأملاك العامة للدولة، بعلة أنه ثبت لها بعد اطلاعها على الحكم المستأنف ووثائق الملف، عدم صحة التعرض، لكونه مؤسسا على المرسوم المؤرخ في 23/12/1988 الذي حدد عرض الطريق العمومية في 30م فأصبح جزء من مطلب التحفيظ موضوع النزاع حسب تقرير الخبير ويتواجد داخل هذه الطريق، لكن المتعرضين –الدولة الملك العام- لم يدلوا بما يفيد سلوكهم مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة لتوسيع الطريق المذكورة.
وقياسا على توجه محكمة النقض بخصوص الملك العمومي البحري، فقد كان أولى على المحكمة من باب الحرص على التطبيق السليم للقانون، أن تبحث في مدلول مرسوم الإقرار بالشبكة الطرقية، وحول كيفية إعداد هذا المرسوم؟ هل يمر من مسطرة قانونية خاصة؟ وهل سبق لطالب التحفيظ أن أبدى أي تعرض خلال هذه المسطرة؟ وهل تم نشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية؟ وماذا يترتب على هذا النشر؟، وهل أصبح هذا المرسوم محصنا وخاليا من أي طعن؟ كل هذه التساؤلات لم يتطرق لها القضاء أثناء بته في هذه القضايا، ويتم استبعاد مرسوم الإقرار الذي يستمد قوته القانونية كذلك من مقتضيات ظهير فاتح يوليوز 1914 المتعلق بالأملاك العامة، وذلك على غرار الملك العمومي البحري.
وعطفا على ما ذكر، فإن ما قضت به المحكمة أفرز كذلك وضعا واقعيا غير سليم، إذ أن القول بعدم صحة تعرض الدولة الملك العام على مطلب التحفيظ، معناه أن طالب التحفيظ هو صاحب العقار ويبقى من حقه استغلاله والتصرف فيه بشتى أنواع التصرف، والحال هذا العقار آل بحكم الواقع إلى الملك العمومي الطرقي وأصبح عبارة عن طريق عمومية معبدة ومفتوحة للاستعمال في وجه العموم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال نقل ملكيته لفائدة طالب التحفيظ، ويبقى فقط لطالب التحفيظ الحق في المطالبة القضائية بالتعويض إذا ما تبين له أنه تضرر من جراء استغلال عقاره أو جزء منه في إحداث طريق عمومية، إن كان لهذا الطلب أي أساس، وهو ما سيتم تناوله من خلال الفقرة الثانية.
الفقرة الثانية: قضايا الاعتداء المادي.
جاء في العديد من القرارات الصادرة عن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض بأن الاعتداء المادي على الملكية العقارية، هو كل عمل مادي غير مرتبط بنص تشريعي أو تنظيمي، وليست له أية صلة بالمقررات الإدارية الصادرة عن السلطات الإدارية، أي كل تصرف صادر عن الإدارة لا علاقة له بالسلطات الإدارية التي تستعملها الإدارة والتي خولت لها بمقتضى القوانين المعمول بها[17].
وإذا كان هذا التعريف ينطبق على وضعية الطرق العمومية الجديدة المحدثة على عقارات الخواص التي لا تتقيد فيها الإدارة بالإجراءات المنصوص عليها في القانون رقم 17.81 المتعلق بنزع الملكية والاحتلال المؤقت، فإنه لا يمكن أن يطبق بأي حال من الأحوال على الطرق العمومية القائمة بذاتها والتي تعد ملكا عموميا خالصا للدولة المشمولة بالقواعد الحمائية المنصوص عليها في ظهير فاتح يوليوز 1914 المتعلق بالأملاك العامة التي استمدتها من مراسيم الإقرار بالشبكة الطرقية التي تضفي عليها طابع الملك العمومي، الشيء الذي يجعل من هذه العقارات المكونة لهذا النوع من الطرق غير قابلة للتفويت ولا للتقادم ولا الحجز، علما أن طابع الملك العمومي يجد سنده التأصيلي في كون الطرق إنما وجدت مع وجود الإنسان الذي من طبيعته التنقل وإحداثه للمسالك والممرات التي تحولت مع مرور الزمن إلى طرق عمومية عصرية على الشكل التي هي عليه اليوم.
وفي هذا الإطار، ينبغي التمييز بين نوعين من الطرق العمومية، الأولى: تهم الطرق الجديدة المحدثة لأول مرة والتي تتطلب وجوبا سلوك المساطر القانونية لاقتناء العقارات اللازمة لها أو مباشرة مسطرة نزع الملكية بشأنها، كما هول الحال مثلا بالنسبة للطرق السيارة، والثانية: تتعلق بالطرق العمومية القائمة المتواجدة سابقا والتي تعد ملكا عموميا خالصا للدولة بحكم الواقع بسبب استعمالها من طرف العموم من جهة، وبحكم القانون بصدور مراسيم الإقرار بشبكة طرق المواصلات كما فصل أعلاه من جهة أخرى.
والجدير بالذكر أن القضاء الإداري، تأثر بالمفهوم التقليدي للاعتداء المادي الذي يشترط لصحة القول بتملك الدولة الملك العام للعقارات المكونة للطرق العمومية الإدلاء بما يفيد سلوك مسطرة نزع الملكية، من ذلك قرار صادر عن محكمة النقض عدد 412 بتاريخ 14 يوليوز 2016 قضى برفض الطعن بالنقض المقدم من طرف الوزارة الرامي إلى اعتبار أن العقار موضوع النزاع هو ملك عمومي طرقي خالص للدولة، بحيث عللت ما قضت به بما يلي:
” .. حيث إنه لئن كانت الطرق العمومية تعتبر بعد إحداثها أملاكا عامة وأن تحديدها يتم بمرسوم كما هو الحال بالنسبة للمرسوم رقم 2.88.240 بتحديد الطرق الإقليمية والثلاثية لجهة طنجة أصيلة. إلا أن هذا الوصف لا يعفي الجهة المحدثة لمثل هذه الطرق من أداء التعويض عن الأرض المملوكة للغير المحدثة فوقها هذه الطرق وفقا للضوابط والحدود المرسومة لذلك عند سلوك مسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة أو في إطار القواعد العامة متى تم إحداثها في إطار اعتداء مادي، وبالتالي ولما ثبت للمحكمة من وثائق الملف ولا سيما شهادة المحافظ على الأملاك العقارية وشهادة رئيس الجماعة القروية كزناية …وما استخلصه الخبير في تقريره من كون الطريق الثلاثية رقم 8022 الواردة بمرسوم تحديد الطرق لمدينة طنجة تشق عقار المطلوب في النقض بعرض 20 متر ….ورتب على ذلك مسؤولية وزارة التجهيز والنقل عن الأضرار اللاحقة به من جراء حرمانه الدائم من المساحة المذكورة، وقضت لفائدته بالتعويض عنها، فإنها تكون قد بنت قضاءها على أساسا قانوني سليم، ولم تخالف المرسوم المذكور المعتبر للطريق المشار إليها كملك عمومي.”[18]
وقد خلق هذا القرار وضعية غير قانونية، لا سيما مع وجود نص قانوني صريح يمنع نزع ملكية العقارات التابعة للملك العام، طبقا لمقتضيات الفصل الرابع من القانون رقم 17.81 المتعلق بنزع الملكية والاحتلال المؤقت الذي ينص صراحة على عدم جواز نزع ملكية العقارات التابعة للملك العام، وبالتالي، كيف يعقل أن تعمل الدولة الملك العام على اقتناء عقار يدخل أصلا في عداد الأملاك العمومية التابعة لها؟، علما أن أي تصرف من هذا القبيل يعد هدرا للمال العام، ويعد خطأ إداريا جسيما قد يعرض صاحبه لا محالة للمساءلة التأديبية، بل والجنائية عند الاقتضاء.
وأمام هذا المانع القانوني، فإن أي حكم قضائي يلزم الدولة الملك العام بالإدلاء بما يفيد سلوك مسطرة نزع الملكية بخصوص العقارات يندرج ضمن الملك العمومي الطرقي، هو حكم يستحيل تطبيقه استحالة مطلقة قانونا وواقعا، ويصنف ضمن خانة الشروط التعجيزية المطلوبة لإثبات صفة الملك العمومي للطرق الصادرة بشأنها مراسيم الإقرار، وبالتالي فإن أي تعويض يقضى به في هذا الإطار، هو إثراء على حساب المال العام، وأن من واجب القضاء بصفته الحامي الأول للمال العام أن يتشدد في هذه النقطة.
وعموما، فإن ما يؤرق الدولة الملك العام في شخص وزارة التجهيز والماء بصفته الوصية على هذه الأملاك، ويزيد من عبئها المالي، هو الاستمرار المسجل في صدور أحكام قضائية في إطار الاعتداء المادي، مع الاستبعاد غير المبرر لمراسيم الإقرار بشبكة طرق المواصلات، خاصة في حالة توسعة أو تثنية الطرق العمومية، بحيث تعمل الدولة كلما استدعت المصلحة العامة ذلك على إضافة مساحة من جانبي الطرق أو من جانب واحد داخل حدود محرم الطريق المحدد سلفا في مرسوم الإقرار، ومع ذلك، فإن المحاكم لا تتوانى في إلزام الإدارة بالإدلاء بما يفيد نزع الملكية، وكأنها تلزمها بطريقة غير مباشرة بخرق مقتضيات ظهير فاتح يوليوز 1914 المنظم للأملاك العامة من جهة، وكذا القانون رقم 17.81 المتعلق بنزع الملكية الذي يمنع نزع ملكية العقارات التابعة للملك العام من جهة أخرى.
وزيادة على ما ذكر، فإنه في ضل التوجه الحديث لمحكمة النقض القاضي بنقل ملكية العقارات موضوع دعاوى الاعتداء المادي لفائدة الإدارة وإن هذا التوجه يجنب الدولة أداء تعويضين أو أكثر على نفس العقار، بعدما كان يستفيد سابقا المحكوم لفائدتهم من التعويض واحتفاظهم في نفس الوقت بملكية العقار[19]، إلا أن هذا الضرر ما يزال قائما بالنسبة للدولة الملك العام، خاصة بالنسبة للعقارات المكونة للطرق العمومية التي تكتسي صبغة عمومية، طالما أن الحكم بنقل ملكية العقار موضوع دعوى الاعتداء المادي المتعلق بالطرق العمومية الصادر بشأنها مراسيم الإقرار ، هو تحصيل حاصل وتأكيد لوضع قائم واقعا وقانونا، وأن هذا العقار لم يكن في حاجة إلى حكم قضائي يضفي عليه طابع الملك العمومي، وبالأحرى أن يتم الحكم بأداء تعويض للمحكوم له في هذا الإطار، مما كان حريا على القضاء أن يتشدد في البحث عن مدى صحة الدفع بكون الأمر يتعلق بعقار تابع للملك العمومي للدولة، لما له من تأثير كبير على حسن سير العدالة.
وإيمانا من هذه الوزارة بصحة موقفها إزاء الطرق العمومية الصادر بشأنها مرسوم الإقرار بالشبكة الطرقية التي تظفي عليها طابع الملكية العامة، فإنها ظلت تتشبث بالدفوعات السالفة الذكر في جميع القضايا إلى أن استصدرت ولأول خلال سنة 2023 (القرار عدد: 547/3 الصادر عن الغرفة الإدارية بتاريخ 02 مارس 2023في الملف عدد 6088/4/3/2021 ) قرارا فريدا عن محكمة النقض قضى بنقض قرار استئنافي قضى بتأييد الحكم المستأنف بأداء هذه الوزارة تعويضا عن استغلال جزء من عقار تابع للدولة الملك العام بعلة عدم جواب المحكمة عن دفع الإدارة القاضي بكون الطريق الاقليمية موضوع النزاع كانت موجودة قبل تملك المطلوب في النقض لعقاره، وأصبحت تكتسي صبغة الملك العمومي بعد صدور المرسوم رقم 2.91.688 بمثابة إقرار بشبكة طرق المواصلات والذي أصبح محصنا من أي طعن، وأن هذه الطريق لا يمكن تملكها من طرف الخواص وفقا لما هو منصوص عليه في ظهير فاتح يوليوز 1914.
وإذا كان هذا القرار قد أرسى خارطة طريق جديدة في مسار المنازعات المتعلقة بالملك العمومي الطرقي، ولا سيما تلك المتعلقة بالاعتداء المادي، فإن المأمول هو أن يتواتر اجتهاد محكمة النقض على هذا النحو ومعها محاكم الدرجتين الأولى والثانية، وذلك من أجل إقرار حماية قضائية مطلقة لهذا النوع من الأملاك إسوة بالملك العمومي البحري الذي يحظى بحماية قضائية متميزة، بالنظر لما يترتب عن هذه الدعاوى من تداعيات مالية كبيرة على الدولة.
لائحة المراجع:
الكتب.
-ادريس الفاخوري، نظام التحفيظ العقاري وفق القانون رقم 07.14، الطبعة الثانية 2013، مطبعة الجسور.
القوانين.
-ظهير شريف بتاريخ 07 شعبان 1332 (فاتح يوليوز 1914) في شأن الأملاك العمومية، ج ر ع 62 بتاريخ 16 شعبان 1332 الموافق لـ 10 يوليوز 1914.
-قانون الالتزامات والعقود، ظهير 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913).
-ظهير شريف بمثابة قانون رقم 447-74-1 بتاريخ 11 رمضان 1394 بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية ج. ر. بتاريخ 13 رمضان 1394 -30 شتنبر 1974.
– ظهير شريف رقم 1.59.413 صادر في 28 جمادى الثانية 1382 (26 نونبر 1962) بالمصادقة على القانون الجنائي.
– ظهير شريف رقم 1.11.178 صادر في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نونبر 2011) بتنفيذ القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية.
– ظهير شريف مؤرخ في 28 يونيو 1954 بشأن الأملاك التي تمتلكها الفئات المزودة بجمعات إدارية، ج ر عدد 2177بتاريخ 16 يوليوز 1914.
العمل القضائي.
-قرار صادر عن الغرفة المدنية بمحكمة النقض تحت عدد 4290 بتاريخ 02/10/2012 في الملف عدد 691/1/1/2012.
-القرار عدد 336 الصادر عن محكمة الاستئناف بأكادير بتاريخ 18 أبريل 2017 في الملف عدد 424/1403/15.
-القرار عدد 17 الصادر عن محكمة الاستئناف بتطوان بتاريخ 02/02/2015 في الملف عدد 220/1403/2012.
-القرار عدد 23 الصادر عن محكمة الاستئناف بأكادير بتاريخ 21/01/2014 في الملف عدد 13/322.
-القرار عدد 937/1 الصادر عن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض بتاريخ 22/06/2017 في الملف عدد 3942/4/1/2015.
-القرار رقم 753/1 الصادر عن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض بتاريخ 30 أبريل 2015 في الملف عدد 1605/4/1/2014.
-القرار 754/1 الصادر عن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض بتاريخ 30 أبريل 2015 في الملف عدد 1606/4/1/2014.
-القرار رقم 67/2016 الصادر عن محكمة الاستئناف بتطوان بتاريخ 09/05/2016 في الملف رقم 218/1403/2012.
-القرار رقم 74 الصادر عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى سابقا بتاريخ 12 مارس 1992.
-قرار عدد 412 صادر عن محكمة النقض بتاريخ 14 يوليوز 2016 في الملف الإداري عدد 3070/4/2/2014، منشور بمجلة محكمة النقض عدد 82.
-قرار عدد 247/2 صادر عن محكمة النقض بتاريخ 06/03/2014 في الملف عدد 1488/4/2/2012.
-قرار عدد 316 صادر عن محكمة النقض بتاريخ 21/04/2011 في الملف عدد 471/4/2/2009.
- ظهير شريف بتاريخ 07 شعبان 1332 (فاتح يوليوز 1914) في شأن الأملاك العمومية، ج ر ع 62 بتاريخ 16 شعبان 1332 الموافق لـ 10 يوليوز 1914 ↑
- نظرا للأهمية التي تكتسيها الأملاك العمومية للدولة، فقد حظيت بعناية خاصة تجسدت في إحداث قسم خاص على مستوى الإدارة المركزية يعنى بتدبير الملك العمومي –وزارة التجهيز نموذجا-، وبتثمين هذا الرصيد العقاري وحمايته والحفاظ عليه، وكذا قسم المنازعات بذات الوزارة الذي يتولى مباشرة المساطر القضائية اللازمة للدفاع عنه، زيادة كذلك على إحداث مصلحة الملك العمومي على مستوى المصالح الترابية للوزارة. ↑
- قانون الالتزامات والعقود. ظهير 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913). ↑
- ظهير شريف بمثابة قانون رقم 447-74-1 بتاريخ 11 رمضان 1394 بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية (ج. ر. بتاريخ 13 رمضان 1394 – 30 شتنبر 1974. ↑
- ظهير شريف رقم 1.59.413 صادر في 28 جمادى الثانية 1382 (26 نونبر 1962) بالمصادقة على القانون الجنائي. ↑
- ظهير شريف رقم 1.11.178 صادر في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نونبر 2011) بتنفيذ القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية. ↑
- ظهير شريف مؤرخ في 28 يونيو 1954 بشان الأملاك التي تمتلكها الفئات المزودة بجمعات إدارية، ج ر عدد 2177بتاريخ 16 يوليوز 1914. ↑
- قرار صادر عن الغرفة المدنية بمحكمة النقض تحت عدد 4290 بتاريخ 02/10/2012 في الملف عدد 691/1/1/2012. ↑
- القرار عدد 336 الصادر عن محكمة الاستئناف بأكادير بتاريخ 18 أبريل 2017 في الملف عدد 424/1403/15.
- القرار عدد 17 الصادر عن محكمة الاستئناف بتطوان بتاريخ 02/02/2015 في الملف عدد 220/1403/2012. ↑
- القرار عدد 23 الصادر عن محكمة الاستئناف بأكادير بتاريخ 21/01/2014 في الملف عدد 13/322. ↑
- تنص المادة 09 من القانون رقم 90.41 المتعلق بإحداث المحاكم الإدارية: “استثناء من أحكام المادة السابقة يضل المجلس الأعلى مختصا بالبت ابتدائيا وانتهائيا في طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلقة بـ : – المقررات الفردية والتنظيمية الصادرة عن الوزير الأول..” ↑
- ادريس الفاخوري، نظام التحفيظ العقاري وفق القانون رقم 07.14، الطبعة الثانية 2013، مطبعة الجسور، ص، 9. ↑
- القرار عدد 937/1 الصادر عن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض بتاريخ 22/06/2017 في الملف عدد 3942/4/1/2015. ↑
- – القرار رقم 753/1 الصادر عن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض بتاريخ 30 أبريل 2015 في الملف عدد 1605/4/1/2014.
– القرار 754/1 الصادر عن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض بتاريخ 30 أبريل 2015 في الملف عدد 1606/4/1/2014. ↑
- – القرار رقم 67/2016 الصادر عن محكمة الاستئناف بتطوان بتاريخ 09/05/2016 ف الملف رقم 218/1403/2012. ↑
- – القرار رقم 74 الصادر عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى سابقا بتاريخ 12 مارس 1992. ↑
- – قرار عدد 412 صادر عن محكمة النقض بتاريخ 14 يوليوز 2016 في الملف الإداري عدد 3070/4/2/2014، منشور بمجلة محكمة النقض عدد 82، ص 123. ↑
- – قرار عدد 247/2 صادر عن محكمة النقض بتاريخ 06/03/2014 في الملف عدد 1488/4/2/2012.
– قرار عدد 316 صادر عن محكمة النقض بتاريخ 21/04/2011 في الملف عدد 471/4/2/2009. ↑



