في الواجهةمقالات قانونية

الإستعجال في مادة التحكيم وعلاقته بطبيعته (قراءة وتحليل المواد 327-1 و 327-15 من قانون المسطرة المدنية المعوض والمنسوخ بموجب القانون 08.05)

 

الإستعجال في مادة التحكيم وعلاقته بطبيعته

(قراءة وتحليل المواد 327-1 و 327-15 من قانون المسطرة المدنية المعوض والمنسوخ بموجب القانون 08.05)

 

  • من إنجاز: البشير أغراس

 

  • عدل باستئنافية العيون
  • خريج ماستر القانون المدني


 

 قال الله تعالى في كتابه الكريم: (ٍفَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا۟ فِىٓ أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا۟ تَسْلِيمًا) سورة النساء الآية: 65.

 

مقدمة:

من المسلم به أن القضاء يعتبر مظهرا من مظاهر سيادة الدولة وسلطة من سلطها التي تجعل منها بلدا ديموقراطيا إلى حد ما، فرغم نجاعة هذه السلطة في كفالة الحقوق لأصحابها ورد الإعتبار لهم إلا أنها تبقى قاصرة عن بلوغ بعد المقاصد العدلاتية التي تتطلب تدخلات لاعتبارات شخصية بعيدا عن تنفيذ بنود القانون بحذافيرها، إلى جانب البطئ الذي تتميز به المؤسسة القضائية واقعيا بسبب العدد المهول من الملفات المعروضة على أنظارها وضعف الموارد البشرية الهيكلية في جسم القضاء. فإن الأمر تطلب تدخل مؤسسات جانبية تعاونية شبه قضائية مساعدة للقضاء في فك أزمته، ورغبة في وضع النزاع في قالب أقل ضغط ووطئة قد يرتأي أطراف النزاع إسناد أمر البت في النزاع إلى هيئة في إطار مايسمى “بالتحكيم”.

ومعلوم أن التحكيم قديم بقدم البشرية وسبق وجوده في ذلك القضاء بحد ذاته، هذا ويعتبر وسيلة من وسائل فض النزاع إلى جانب الوساطة الإتفاقية، والصلح.

وقد عمل التشريع المغربي على تنظيمه وإحاطته بنصوص قانونية من خلال قانون المسطرة المدنية المنسوخ والمعدل بموجب القانون 08.05 المتعلق بالتحكيم والوساطة الإتفاقية[1]، ويقصد بالتحكيم حسب الفصل 306 من قانون المسطرة المدنية: “حل نزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق تحكيم”، في حين عمل الفصل 307 من نفس القانون على تحديد المقصود باتفاق التحكيم، بكونه: “هو التزام الأطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن علاقة قانونية معينة ، تعاقدية أو غير تعاقدية . ويكتسي اتفاق التحكيم شكل عقد تحكيم أو شرط تحكيم”.

من خلال التعريف المومأ إليه أعلاه يمكن القول بكون التحكيم الية بديلة عن القضاء نسبيا يلجأ إليها الأطراف من أجل حل نزاعاتهم، إما بناء على اتفاق مسبق أو لاحق، أو شرط كذلك، ويمكن اعتبار التحكيم أكثر ودا من القضاء الذي قد يكون أكثر صرامة. فالتحكيم في جل بنوده يتضمن مساطر وإجراءات، شبيهة إلى حد بعيد بتلك القضائية، الأمر الذي يطرح تساءل طبيعة التحكيم أهي قضائية أم اتفاقية أم بين ذاذ، وذاك “شبه قضائية”.

ومن منطلق اعتبار طبيعة التحكيم “شبه قضائية”، ومنطلق أيضا أن بعض الحقوق قد لا يتسنى لها انتظار صدور الحكم التحكيمي وتنفيذه، الأمر الذي يستوجب وجه السرعة والإستعجال في حفظها، وصيانتها خول القانون لأطراف التحكيم أثناء أو قبل سير العملية التحكيمية اللجوء إلى رئيس المحكمة التجارية مالم ينص على خلاف ذلك، من أجل اتخاذ أي إجراء وقتي أو تحفظي، تطبيقا للفصل 327-1 من قانون المسطرة المدنية المغير والمتمم، كما حق للأطراف اللجوء إلى الهيئة التحكيمية نفسها من أجل استصدار أي إجراء وقتي تحفظي تطبيقا للفصل 327-15 من نفس القانون، وكأن المشرع المغربي أعطى الخيار وترك فسحة للأطراف في اللجوء لأي جهة يرتأون، وإن من شأن الأمر أن يجسد المرونة والسلاسة من المشرع التي فعلا تتطلبها العملية التحكيمية، وهذا شيئ جميل، إلا أنه وبالرغم من إيجابياته إلا انه يمكن أن يخلق تعارضا بين مؤسستي رئيس المحكمة والهيئة التحكيمية في بعض النقط، وهو ما سنحاول بعون الله وقوته تحليله من خلال ثلاث فقرات :

 

  • الفقرة الأولى: مسطرة الإستعجال لفائدة رئيس المحكمة طبقا للفصل 327-1 من ق.م.م المغير والمتمم
  • الفقرة الثانية: مسطرة الإستعجال لفائدة الهيئة التحكيمية طبقا للفصل 327-15 من ق.م.م المغير والمتمم
  • الفقرة الثالثة: إشكال تعارض مصالح الجهتين القضائية والتحكيمية

 

الفقرة الأولى: مسطرة الإستعجال لفائدة رئيس المحكمة طبقا للفصل 327-1 من ق.م.م المغير والمتمم

 

من المعلوم أن القانون خول لكل شخص يرتأي أن حقه مستعجل أو غير قابل للتأخير، وأن  انتظار صدور حكم قضائي طبقا للمساطر العادية من شأنه المساس بحقه، اللجوء إلى رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات من أجل استصدار أي إجراء تحفظي سواء كان النزاع في الجوهر قد أحيل على المحكمة أم لا شريطة عدم المساس بالجوهر. وهو مانص عليه الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية: “يختص رئيس المحكمة الإبتدائية وحده بالبت بصفته قاضيا للمستعجلات كلما توفر عنصر الإستعجال في الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ أو الأمر بالحراسة القضائية أو أي إجراء اخر تحفظي سواء النزاع في الجوهر قد أحيل على المحكمة ام لا….“.  وإن كان الأمر يهم الجانب القضائي، وليس الجانب التحكيمي فالفصل 327-1 صرح بكون اتفاق التحكيم لا يمنع أي طرف من اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة سواء قبل البدء في إجراءات التحكيم أو أثناء سيرها، كما يجوز التراجع عنها بنفس الطريقة.

ومن خلال ما سبق يتضح جليا أن اتفاق التحكيم لا يمنع من اللجوء إلى رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات بصفته ذو الولاية العامة في ذلك رغم مرجعيته القضائية في استصدار تلك الأوامر، وكأن المشرع يجعل من العملية التحكيمية مقبوضة بزمام القضاء والأمر نفسه ينطبق على رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات، وإن صح القول الأمر شبيه “بالولاية أو الوصاية” على العملية التحكيمية، فإن قرأها البعض من جانب إيجابي بكون الأمر زيادة في متانة الإجراءات التحكيمية فإن البعض قد يقرأها من جانب سلبي باعتبار المحكم أو العملية التحكيمية بهذا تصبح قاصرة تفقد جدواها بتدخل طرف قضائي في النزاع، وإن كان رئيس المحكمة لا يستهدف الجوهر كشرط إلا أنه رغم ذلك من شأن تلك الأوامر الإستعجالية التي يستصدرها أن تأثر في الحكم التحكيمي، أو تغير من منحى السلطة التقديرية للهيئة التحكيمية من عدة مناحي قد لا تكون ظاهرة بشكل جلي.

وعليه فبعد أن يتم استصدار أمر استعجالي تحفظي من رئيس المحكمة الإبتدائية لفائدة طالبه “أحد أطراف النزاع بالعملية التحكيمية” الذي قد يكون على سبيل المثال وقف أعمال أو تصرفات، أو إعادتها للحالة التي كانت عليها، أو الأمر بالحراسة القضائية، أو أي إجراء تحفظي يقتضيه الأمر. أمكن لمن استصدر الأمر لفائدته العمل على تنفيذه مباشرة، بحيث تكون الأوامر الإستعجالية الصادرة عن رئيس المحكمة مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون تطبيقا للفصل 153 من ق.م.م، وذلك على خلاف الأوامر الإستعجالية الصادرة عن الهيئة التحكيمية، كما سيأتي لاحقا تبيانه، بحيث يختلف فيها الحديث بين تنفيذ من صدر إليه الأمر وبين تخلفه عن ذلك.

الفقرة الثانية: مسطرة الإستعجال لفائدة الهيئة التحكيمية طبقا للفصل 327-15 من ق.م.م المغير والمتمم

 

على غرار رئيس المحكمة الذي سبق الإشارة إليه يمكن لأطراف النزاع اللجوء بدله إلى الهيئة التحكيمية نفسها من أجل استصدار أمر تحفظي لفائدة طالبه تتوفر فيه طبعا نفس الشروط المعلومة من توفر عنصر الإستعجال وعدم المساس بالجوهر، وهو ما نص عليه الفصل 327-15 من ق.م.م المغير والمعدل بموجب القانون 08.03 حيث جاء به: “يجوز للهيئة التحكيمية مالم يتفق على خلاف ذلك ان تتخذ بطلب من أحد الأطراف كل تدبير مؤقت أو تحفظي تراه لازما في حدود مهمتها

إذا تخلف من صدر الأمر إليه عن تنفيذه، يجوز للطرف الذي صدر الأمر لصالحه الإلتجاء إلى رئيس المحكمة المختصة من أجل استصدار أمر بالتنفيذ.”

ويبدو كما سبق الإشارة إليه تقديما أن المشرع اعتمد نوعا من المرونة في ذلك، إذ خير الاطراف بهذا بين اللجوء إلى رئيس المحكمة أو الهيئة التحكيمية، وهذا شيئ جميل، بحيث يحقق نوعا من الحكامة في فض النزاع، نذكر منها:

أولا  تقريب وجهات النظر : فلجوء أطراف النزاع إلى الهيئة التحكيمية بدل رئيس المحكمة من شأنه توحيد النظرة عند إستصدار الأمر كون الهيئة التحكيمية على علم بموضوع النزاع المعروض عليها وسيكون الأمر الاستعجالي الصادر عنها قريبا لموضوع النزاع بل ومتماشيا معه، الأمر الذي يشكل نوعا من التجانس بين الأمر الإستعجالي والبت في الجوهر، على خلاف رئيس المحكمة الذي قد لا يعلم حيثيات موضوع الدعوى التحكيمية وسيكون الأمر الاستعجالي الصادر عنه شبه الي بناء على الطلب الموجه إليه، إذ لا يوجد تقارب بين الأمر الذي سيستصدره والأمر وموضوع الدعوى التحكيمية كما هو موجود لذى الهيئة التحكيمية.

ثانيا تحقيق الشفافية والموضوعية: على خلاف نظرة تقريب وجهات النظر عندما تكون الهيئة التحكيمية هي المختصة باستصدار الأوامر الإستعجالية لفائدة أحد أطراف النزاع التحكيمي، يمكن القول بكون مؤسسسة رئيس المحكمة تكون أكثر حيادا بعدم علمها أصلا بتفاصيل النزاع كما هو الحال بالنسبة للهيئة التحكيمية المعروض عليها النظر في جوهر النزاع، إذ يكون الأمر التحفظي الصادر عنه غير متأثر بموضوع النزاع وحيثياته، مكتفيا بحدود ما جاء بالطلب، طبعا بعد التأكد من جديته وتحقق شروطه ومقوماته القانونية.

ومن هذا المنطلق نطرح التساؤل التالي: هل من المعقول توحيد الإختصاص بين استصدار الأوامر الإستعجالية التحفظية والبت في جوهر النزاع من نفس الجهة ??

جوابا على ذلك فالبرجوع إلى أحكام الأوامر الإستعجالية طبقا للإجراءات القضائية نجد أن المشرع فرق بين الجهات التي تعمل على استصدار الأوامر الإستعجالية وتلك التي تبت في الجوهر، ولم تعمل على توحيدها ضمانا للشفافية في استصدار الأحكام التي هي من مميزات القضاء، فلا نجد عمليا رئيسا للمحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات وفي الوقت ذاته من قضاة الحكم في الجوهر.

وإن من شأن ذلك أن يجسد المصداقية والشفافية والحياد بين مؤسستي رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات وقضاة الحكم، وهو أمر جميل بينما نجد الفصل 327-15 من ق.م.م المعدل والمغير خرق تلك العادة وأعطى لهيئة الحكم التحكيمي نفسها حق استصدار أوامر تحفظية في إطار الإستعجال. وإن قرأها البعض في كون الأمر لا يشكل مشكلا بحيث أن الأمر الإستعجالي يكون مستقلا عن الحكم التحكيمي، فالحال أنه يمكن أن يمكن أن يتأثر مستصدره بعلمه بحيثيات جوهر النزاع المعروض عليه كما سبق الإشارة، إما بقبول الطلب أو برفضه.

وبقي الإشارة إلى مسألة أخيرة ألا وهي القوة التنفيذية للأوامر التحفظية عن الهيئة التحكيمية، فإذا كانت الأوامر الصادرة عن رئيس المحكمة كما سبق الإشارة إليه مشمولة بالنفاذ المعجل، طبقا للفضل 153 من ق.م.م فإن الحال يختلف عند الهيئة التحكيمية، بحيث يميز بين أمرين :

1_ قبول من صدر الأمر إليه بتنفيذه : هنا لا إشكال في ذلك، بحيث ينفذ الأمر حالا، وإن كان الفصل 327-15 لم يحل على الفصل 149  و 153 من ق.م.م، وبالتالي لم يحل على شمول الأمر التحفظي الصادر عن الهيئة التحكيمية بالتنفيذ المعجل، بل اكتفى بالتنفيذ فقط، إلا ان نصوص التحكيم جميعا تسعف باللجوء إلى رئيس المحكمة عند وجود أي عارض.

2_ عدم قبول من صدر الأمر إليه بتنفيذه : وهنا يمكن للهيئة للتحكيمية طبعا اللجوء إلى رئيس المحكمة من أجل التنفيذ على من صدر الأمر إليه حسب ما جاء بالفصل 327-15 نفسه.

وهنا نستشف أمرا وهو أن الأوامر الصادرة عن الهيئة التحكيمية ليست بتلك الملزمة، بل ومفرغة من إلزاميتها وجديتها في غياب رئيس المحكمة، الذي يضفي عليها تلك القوة والإلزامية، إذن فما جدوى اللجوء إلى الهيئة التحكيمية وأوامرها مفرغة من الإلزام عند رفض التنفيذ في غياب مؤسسة رئيس المحكمة ?? وهنا نسترجع الحديث عن طبيعة التحكيم أهي قضائية أم اتفاقية، أم شبه قضائية ?? ونقول بأن للتحكيم طبيعة قضائية غير صرفة، بحيث يحكمها اتفاق التحكيم بداية، إذ أنه على المحكمة أن توقف البت بمجرد الدفع لوجود اتفاق التحكيم، ويحكمها القضاء أيضا وسطا ونهاية بضرورة توقف تنفيذ الحكم التحكيمي على تخويله الصيغة التنفيذية من طرف مؤسسة رئيس المحكمة ناهيك عن حقوق الطعن….إلخ.

الفقرة الثالثة: إشكال تعارض مصالح الجهتين القضائية والتحكيمية

 

إذا كان فتح ىاب الخيار لأطراف النزاع موضوع التحكيم، من شأنه أن يضفي نوعا من المرونة، والحكامة الرشيدة في سير العملية التحكيمية، إلا أن من شان ذلك طرح بعض الإشكالات سنعمل على عرضها عبر تساؤلات، مع اقتراح حلول لها :

أولا : ماذا لو لجأ أحد أطراف النزاع إلى رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات ولجأ الطرف الآخر إلى الهيئة التحكيمية، وتم استصدار أمران من الجهتين متناقضين ?? : وهنا نطرح هذا الإحتمال الممكن وروده، كأن يستصدر رئيس المحكمة أمرا بالقيام بعمل وتستصدر الهيئة التحكيمية أيضا للطرف الاخر في نفس موضوع الطلب التحفظي أمرا بامتناع عن عمل، وذلك دون أن تعلم كل من الجهتين أن الأخرى استصدرت أمرا، وهو أمر مفترض، لأن الهيئة التحكيمية بديهيا ليس لها ما يمكنها من معرفة أن أيا من الطرفين لجأ لرئيس المحكمة لاستصدار أمر تحفظي طالما أن الخيار متاح لهما، وفي الوقت ذاته قد تكون الهيئة التحكيمية نفسها أصدرت أمرا تحفظيا مغايرا للطرف الاخر.

ثانيا: ماذا لو لجأ أحد أطراف النزاع التحكيمي بعدما رفض إما رئيس المحكمة الإبتدائية أو الهيئة التحكيمية طلب الإجراء التحفظي، ولجأ إلى الجهة الأخرى غير التي رفضت??: وهنا أيضا نطرح التساؤل فقد يلجأ مثلا أحد الأطراف إلى رئيس المحكمة من أجل استصدار أمر تحفظي في إطار حق الخيار المتاح له فيرتأي رئيس المحكمة رفض الطلب لسبب من الأسباب، فيلجأ بعدها المعني بالأمر إلى الهيئة التحكيمية لقبول طلبه، وبتحقق هذه الحالة، هل تكون بذلك الهيئة التحكيمية قد مست من قدسية القضاء، وحجية الأوامر القضائية ?? جوابا على ذلك أقول بأن الأمر متوقف على ما مدى علم الهيئة التحكيمية برفض طلب المعني من رئيس المحكمة من عدمه، وبذلك يختلف القول بين كونها مست بتلك الثوابت أم لا.

أما إن كانت الهيئة التحكيمية من رفضت الطلب وقبل رئيس المحكمة به بعدها، فلا إشكال في ذلك في نظري كون القضاء هو من يمارس وصايته فعليا على الهيئة التحكيمية مما يجعله في مركز أقوى لا محالة، وكل تناقض في إصدار الأوامر في إطار الإجراءات التحفظية يجب أن يفسر لحساب القضاء قبل الهيئة التحكيمية كونه الوصي عليها، حسب ما يستخلص من نصوص قانون التحكيم، التي أعطت للقضاء نصيبا غير يسير في تحريك العملية التحكيمية، وهو أمر أيضا يؤكد نظريتي حول طبيعة التحكيم.

وأضيف قبل الختام رفضا للإتجاه القائل بأن للتحكيم طبيعة اتفاقية، بأن اتفاق التحكيم لا يشترط فيه أن يكون تعاقديا كما جاء بالفصل 307 “هو التزام الأطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن علاقة قانونية معينة ، تعاقدية أو غير تعاقدية . ويكتسي اتفاق التحكيم شكل عقد تحكيم أو شرط تحكيم”، وبالتالي فالأمر يحتمل قيام مسؤولية عقدية في إطار العملية التحكيمية، أو قيام مسؤولية تقصيرية محكومة بنظام التحكيم، وعليه فإن القول بأن للتحكيم طبيعة اتفاقية يضرب بالفصل المذكور عرض الحائط، ويلغي العلاقة غير التعاقدية المذكورة بالفصل.

والحال أنه قد يكون التحكيم قائما بين طرفي النزاع دون حاجة إلى وجود عقد كأن يكون القانون الأساسي للأصل المتنازع عليه يقضي بالتحكيم….إلخ، لكن ما يحيرنا أن الفصل المذكور 307 يتناقض في طياته فيجيئ بالفقرة الأولى منه بالقول “هو التزام الأطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن علاقة قانونية معينة ، تعاقدية أو غير تعاقدية”، وهو ما يحيل كما سبق الإشارة إليه أن التحكيم قد يأتي في قالب تعاقدي أو غير تعاقدي، ثم يتنقد ذلك بالفقرة الثانية بالقول “ويكتسي اتفاق التحكيم شكل عقد تحكيم أو شرط تحكيم”، والمعلوم بأن العقد مصدر من مصادر الالتزام، وكذلك الشرط وصف من أوصافه، وبالتالي نكون نتحدث عن العلاقة التعاقدية فقط ونستبعد غير التعاقدية كما جاء بالفقرة الأولى من الفصل.

وختاما ويعتبر هذا العمل مجهودا شخصيا فقط حاولت فيه الإجتهاد في تفسير النصوص المذكورة وإبداء رأيي بشأنها فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي.

هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة عليه: “اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد”.

[1] _ تنسخ أحكام الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية المصادق عليه بالظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 من رمضان 1394 (28 سبتمبر 1974) بموجب القانون 08.05 المتعلق بالتحكيم والوساطة الإتفاقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى