اسئلة تضارب المصالح بين الدستور والقوانين – إسماعيل بلكبير مقبول
إسماعيل بلكبير مقبول
باحث في القانون العام
نقطة نظام:
اسئلة تضارب المصالح بين الدستور والقوانين
مدخل : شكل تضارب المصالح احد صور الفساد التي استأثرت باهتمام المنتظم الدولي ، حيث حضي هذا السلوك بأهمية خاصة في مجموعة من المواثيق والاتفاقيات والتشريعات الدولية ،وجعل موضوعه من بين الاولويات في مخططات الاستراتيجيات الوطنية لمكافحة الفساد، مما يدعو تسجيل نقطة نظام، في ظل النقاش الدائر حول قضية “تضارب المصالح ” في حكاية حصول شركات رئيس الحكومة المغربية على صفقة لإنجاز محطة تحلية مياه الدار البيضاء بمبلغ 6.5 مليارات درهم ، التي شكلت موضوع مداخلات في جلسة الاسئلة الشهرية في مجلس النواب ، وبيانات احزاب سياسية وجمعيات حقوقية ،تناولت ” قضية استغلال مواقع المسؤولية العمومية للإثراء غير المشروع” وتوقفت عند “غياب ارادة سياسية لدى الحكومة لمكافحة الفساد وتخليق الحياة العامة..” ،وتضمنت “التنبيه الى خطورة ما يخطط له التوجه المستفيد من تضارب المصالح والفساد والاثراء غير المشروع والهادف الى ضرب المكتسبات الدستورية والحقوقية والتزامات المغرب الدولية. ..”، وعبرت عن ” القلق الشديد من تضارب المصالح المرتبط بتفويت صفقات الدولة وازدواجية سلطة المناصب الحكومية .. ” ، وطرح اسئلة متعدة في الموضوع تحدد كما يلي :
اولا : سؤال دور المرجعية الدستورية في مكافحة تضارب المصالح في المغرب
ينـص الدسـتور فـي تصديـره، الـذي يشـكل جـزءا لا يتجـزأ منـه، علـى التـزام الدولـة “بجعل الاتفاقيات الدولية ،كما صادق عليها المغرب ،تسمو، فور نشرها ،على التشريعات الوطنية ،والعمل على ملائمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة ، وينص الفصــل 19 مــن الدســتور على ان يعاقب القانون على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح واستغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه ، وكل مخالفة ذات طابع مالي. ويعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفود والامتياز ،ووضعيات الاحتكار والهيمنة ،وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية كما نص نفس الفصل على احداث “هيئة وطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.”
فالدستور المغربي يحسم في مسالة معاقبة الحالات المرتبطة بتضارب المصالح التي تشكل موضوع تاطير من طرف اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد التي تقدم مجموعة شاملة من المعايير والتدابير والقواعد التي بمكن ان تطبقها جميع الدول من اجل تعزيز نظمها القانونية والتنظيمية لمكافحة الفساد ،وتطالب باتخاذ تدابير وقائية وتجريم اكثر اشكال الفساد شيوعا في القطاعين العام والخاص ،من منطلق خطورة ما يطرحه الفساد من مشاكل ومخاطر على استقرار المجتمعات وامنها، مما يقوض مؤسسات الديمقراطية وقيمها والقيم الاخلاقية والعدالة ،ويعرض التنمية المستدامة وسيادة القانون للخطر، واقتناعا من الدول الاطراف بان اكتساب الثروة الشخصية بصورة غير مشروعة يمكن ان يلحق ضرارا بالغا بالمؤسسات الديمقراطية والاقتصادات الوطنية وسيادة القانون، حيث تنص المادة 12 من هذه الاتفاقية ،التي صادق عليها المغرب سنة 2007 ، على ان تتخذ كل دولة طرف ،وفقا للمبادئ الاساسية لقانونها الداخلي ، تدابير لمنع ضلوع القطاع الخاص في الفساد، ولتعزيز معايير المحاسبة ومراجعة الحسابات في القطاع الخاص ،وتفرض عند الاقتضاء عقوبات مدنية او ادراية او جنائية تكون فعالة ومتناسبة ورادعة على عدم الامتثال لهاته التدابير، ويجوز ان تتضمن التدابير الرامية الى تحقيق هذه الغايات مايلي :. )ه (منع تضارب المصالح بفرض قيود ،حسب الاقتضاء ولفترة زمنية معقولة، على ممارسة الموظفين العموميين السابقين انشطة مهنية ، او على عمل الموظفين العموميين ،ويقصد بتعبير موظف عمومي حسب المادة الثانية: «أي شخص يشغل منصبا تشريعيا او تنفيذيا او ادرايا او قضائيا لدى دولة طرف ،سواء كان معينا او منتخبا”.
في مقابل هذا التنصيص الدستوري، نجد ان المشرع المغربي لم يأطر بشكل واضح الى حد الان تنازع المصالح، رغم عمله على وضع العديد من الضوابط والقيود التي تحول دون حصول بعض حالات تنازع للمصالح لدى مجموعة من فئات المسؤولين الاداريين.
ثانيا :سؤال ملاءمة التشريع المغربي مع الاتفاقيات الدولية والدستور:
اذا كان التشريع المغربي لا يتضمن تاطيرا واضحا لتضارب المصالح ،نجد انه وضع بعض الضوابط والقيود التي تحول دون حصول بعض حالات تنازع المصالح ،خاصة على مستوى القانون التنظيمي 65-13 المتعلق بتنظيم وتسيير اشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها ، الذي يمنع اعضاء الحكومة من ممارسة أي نشاط مهني او تجاري في القطاع الخاص ، ولاسيما عبر مشاركتهم في اجهزة تسيير او ادارة احدي المؤسسات الخاصة ، وذلك لضمان الحياد والاستقلالية في اتخاذ القرار ،كما نجد ان المشرع المغربي اجتهد في وضع موانع للمنتخبين الجماعيين ،لضمان نزاهة القرار التدبيري المحلي ، وضمان مبدا تكافئ الفرص امام مختلف انواع المتعاملين مع الجماعة من خلال مقتضيات المادة 65من القانون التنظيمي رقم 113-14 المتعلق بالجماعات ، بشكل واضح ومفصل ، بل قام بترتيب الجزاء عند مخالفتها ووقوع الاعضاء في حالات تنازع المصالح ،عبر تطبيق مقتضيات المادة 64 من نفس القانون، والتي شكلت موضوعا لعزل مجموعة من اعضاء المجالس الجماعية .
على سبيل الختم
من خلال استقراء المقتضيات التشريعية المعمول بها في المغرب لمعالجة تضارب المصالح َّ ، يتضح غيـاب تأطـير واضـح لهاذا السلوك الانحرافي ؛ كـما أن المقتضيات القانونيـة ذات الصلـة تظـل مفتقـرة الى آليـات المعالجة والتحقـق والتصحيـح والتسـوية ، مـع مـا يسـتتبع ذلـك مـن غيـاب الإطار المؤسساتي الـذي يضطلـع بهـذه المهام لمحاصرته.
ان تنزيل المطلــب الدســتوري بمعاقبة القانــون عــلى تنــازع المصالح، وتنفيـذ التزامات المغرب في إطـار الاتفاقيات الدوليـة والإقليمية المصادق عليهـا، يستوجب إرسـاء منظومـة متكاملـة توفـر ضوابـط التأطيـر والمعالجة والضبـط الكفيلـة بتحديـد هـذا السـلوك ورصـده ومواجهتــه بالإجراءات التصحيحيــة لتســويته وإنهائــه، لما يشكله تضارب المصالح كمظهر من مظاهر الفساد في اطار القانون الدولي.